إفشاء الأسرار
نص التجريم وعلته :
تنص المادة 310 من قانون العقوبات على أنه كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعا إليه بمقتضي صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه فأفشاه فى غير الأحوال التى يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصرى ولا تسرى أحكام هذه المادة إلا فى الأحوال التى يرخص فيها قانون بإفشاء أموال معينة كالقرار فى المواد 202 ، 203 ، 204 ، 205 من قانون المرافعات فى المواد المدنية والتجارية
ويتضح من نص المادة 310 عقوبات بأن المشرع يقرر عقوبة لمن يفشى أسرار عهد بها إلى فئات معينة من الأشخاص كالطباء والجراحين والصيادلة والمحامين وغيرهم ممن أودع لديه بمقتضي مهنته أو حرفته أو وضعه أو فئة سر ما فالحماية الجنائية لا تقتصر إلا على أسرار معينة وهى التى يضطر أصحابها إلى أن يأتمنوا عليها من ارباب المهن الوظائف الذين تقتضي أعمالهم الإطلاع على أسرار الناس بحكم الضرورة
وهذه الاسرار هى موضوع نشاط أرباب هذه المهن فإذا لم يلتزموا بواجب الكتمان إنهارت الثقة بينهم وبين عملائهم وتعطلت بالتالي المصالح الاجتماعية الهامة التى يحرص المجتمع على رعايتها وحمايتها فليس الغرض إذن من هذه المادة معاقبة كل من يفضى سرا اؤتمن عليه لأن كتمان السر بحسب الأصل لا يزيد على كونه واجبا أخلاقيا تمليه قواعد الشرف والخلاق العامة فإذا أودعه صاحبه طواعية واختيار عند من لا يكتم السر فأفشاه فلا عقاب على هذا الأخير قانونا ولو أضر الإفشاء بصاحب السر
إفشاء الأسرار فى الشريعة الإسلامية :
أن أسرار الناس من شئونهم الخاصة التى ينبغي حمايتها وعدم انتهاكها ومن أؤتمن على سر فإنه يجب عليه أن يراعي هذه الأمانة فإنه إفشاء عد خائنا لمن آمنه عليه قال الله تعالى " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " المؤمنون 8
وقال سبحانه وتعالى " فإن آمن بعضكم بعضا فليؤد الذين أؤتمن أمانته وليتق الله ربه " سورة البقرى آية 283
وقال جل من قائل " يا أيها الذين آمنوا لا تخونا الله والرسول وتخونوا آماناتكم وأنتم تعلمون " سورة الأنفعال آية 27
وقال الرسول الكريم " من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وأن لم يستكتمه " رواه أحمد وقال عليه السلام " المستشار مؤتمن " أى من استشار شخصا فى أمر فإنه يجب على من استشير أن يحفظ هذا الأمر ولا يجهر به للناس فهو أمين عليه
وقال صلي الله عليه وسلم " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر "
ونص الدستور الإسلامي للمهنة الطبية فى الباب الخامس منه والخاص بالمحافظة على سر المهنة على أن " حفظ أسرار الناس وستر عوراتهم واجب على كل مؤتمن وهو على الأطباء أوجب لأن الناس يكشفون لهم من خباياهم ويودعونهم أسرارهم طواعية مستندين على ركاز متين من قدسية حفظ السر اعتنقته المهنة من أقدم العصور
وقال رسول المله " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " رواه البخارى ومسلم
وواجب الطبيب أن يصون أية معلومات وصلت إليه خلال مزاولة مهنته عن طريق السمع أو البصر أو الفؤاد أو الاستنتاج وأن يحيطها بسياج كامل من الكتمان
وأن روح الإسلام توجب أن القوانين تأكيد حماية حق المريض فى أن يصون الطبيب سره الذى ائتمنه عليه إذا أنه ما لم يأمن المريض على ذلك فلن يفض للطبيب بدقائق قد تحدد سير العلاج فضلا عن أن طوائف من المرضي ستضطر لعدم اللجوء إلى الأطباء
تعريف إفشاء الأسرار :
لم يضع المشرع تعريف لإفضاء الأسرار ويمكن تعريفه بأنه تعمد الإفضاء بسر من شخص أؤتمن عليه بمقتضي مهنته أو عمله فى غير الأحوال التى يوجب فيها القانون الإفضاء أو من يجيزه
وفى ضوء التعريف المتقدم يمكن تقسيم دراسة إفضاء الأسرار إلى ثلاث مباحث :
المبحث الأول : أركان الجريمة
المبحث الثاني : إباحة إفشاء الأسرار
المبحث الثالث : إفضاء الرسائل أو البرقيات أو المكالمات
المبحث الأول
أركان الجريمة
تمهيد :
يمكن تحديد أركان جريمة إفشاء الأسرار فى ثلاثة : ركن مادي يتمثل فى إفشاء السر وصفه فى الجاني هى أن يكون مؤتمنا على السر بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو فئة وركن معنوي يتمثل فى القصد الجنائي
وسوف نخصص لكل ركن من هذه الأركان مطلبا مستقلا
المطلب الأول
الركن المادي : إفشاء السر
تقسيم :
يقوم هذا الركن على عنصرين السلوك الذى يرتكبه الجاني وهو الإفشاء أو الاستعمال ثم الموضوع الذى ينصب عليه هذا السلوك هو السر
أولا : الإفشاء أو الاستعمال :
يقصد بالإفشاء كشف السر وإطلاع الغير عليه أية وسيلة كانت فلم يشترط المشرع وقوع الإفشاء بوسيلة معينة وإنما قصد تجريم كل ما من شأنه توصيل السر إلى من ليست له صفة فى العلم به ومن ثم فيتحقق الإفشاء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو النقل أو الرسم أو الخطابة أو النشر فى الصحف والمجلات أو الكتب أو الرسائل كما قد يتحقق بلا إبلاغ والتسليم
ولا يشترط أن يكون إفضاء السر حاصلا لعدد من الأشخاص أو بإحدى طرق العلانية المنصوص عليه قانونا فى المادة 171 من قانون العقوبات وإنما يكفي لوقوعه أن يفضي الأمين بالسر إلى شخص واحد مهما كان وثيق الصلة به فالطبيب الذى يفشي سرا من أسرار مهنته إلى زوجته أو صديقه أو قريبه يعتبر فعله إفشاء ولو طلب منهم كتمانه لأن هؤلاء الأشخاص ليست لهم صفة فى حيازة السر أو العلم به بل أن الإفضاء يعد متحققا ولو أفضى هذا الطبيب سر مريضه إلى زميل فى نفس المهنة كطبيب أخر وذلك لأن المريض لم ياتمن هذا الأخير على سره فيعتبر من الغير بالنسبة له
كما لا يشترط لوقوع الجريمة أن يكون الإفشاء واقعا على السر بأكمله أو مطابقا للحقيقة مطابقة تامة بل تقع الجريمة ولو وقع الإفشاء على جزء من السر الذى يوجب القانون كتمانه ويتحقق الإفشاء ولو كان منصبا على واقعة معروفة إذا كانت هذه الواقعة غير مؤكدة إذ أن هذا الإفشاء يضفي على الواقعة تاكيدا لم يكن لها من قبل
ويقوم مقام فعل الإفشاء استعمال السر لمنفعة الجاني الخاصة أو لمنفعة شخص أخر م 379/1 من قانون العقوبات الإماراتي وهذا يعني أن الشخص لا يلجأ إلى إفشاء السر إنما يلجأ إلى استعماله فى سبيل الحصول على منفعة سواء أكانت مادية أو معنوية أى سواء أكانت تحقق له نفعا ماديا وربحا معينا أو تحقق له مركزا اجتماعيا أو وضعا وظيفيا أو مهنيا
ثانيا : السر :
يلزم أن ينصب الإفشاء على واقعة لها صفة السر ولم يضع قانون العقوبات تعريفا للسر مما يثير الجدل والنقاش
فذهب رأي إلى أن إفشاء السر لا يكون جريمة إلا إذا كانت الواقعة المفشأة قد نتج عنها ضرر بسمعة المجني عليه أو كرامته وقد تبني هذا المعيار القانون الإيطالي فى مادته 622 عقوبات حيث نص على أنه لا عقاب على الإفشاء إلا إذا ترتب عليه ضرر كما أخذت به بعض أحكام المحاكم الفرنسية
ويؤخذ على هذا الرأى أنه ليس من خصائص السر أن يترتب على الإفضاء بالواقعة المفشاة ضرر بالمجني عليه فالمشرع يعاقب على إفشاء السر ولو كان مشرفا لمن يريد كتمانه فالطبيب الذى يطلع الغير على نتيجة الفحص الخاص بمريضة يفشى السر ولو كانت نتيجة هذا الفحص سلبية
وذهب رأى أخر إلى الأخذ بمعيار التفرقة بين الوقائع السرية والوقائع المعروفة بالإفشاء لا يكون جريمة إذا انصب على واقعة معروفة أو مشهورة ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن هناك من الوقائع المعلومة ما يكون عاما بطبيعته بحيث يتسنى للغير العلم بها منذ أول وهله فينحصر عن هذه الوقائع وصف السر ويغدو الإفضاء بها غير محظور فالطبيب الذى يحرر شهادة بأن شخص مصاب بعاهة كالعرج أو الصمم لا يفشى أو لا يقع تحت طائلة العقاب
ويؤخذ على هذا الرأى أنه لا يحول دون اعتبار الواقعة سرا أن يكون قد سبق إفشائها فالطبيب أو المحامي الذى يفشى السر استنادا إلى سبق معرفة أو إشاعة الواقعة بين الناس كليا أو جزئيا يكون قد أعطي تأكيدا لإشاعات وروايات ترددت كما سيكون من الصعب تحديد الدرجة التى يجب أن تكون عليها معرفة أو شهرة الواقعة لإعفاء الجاني من العقوبة فإفشاء السر ممن هو ليسوا أمناء عليه لا يرفع عنه صفة السرية أما إذا كانت الوقعة معروفة على وجه اليقين لدى الكافة فإنها تدخل فى دائرة المعلومات المباح إفشاؤها فينحسر عنها بالتالي وصف السر
وذهب جانب أخر من الفقه إلى الأخذ بمعيار إرادة المودع فى بقاء الأمر سرا فالأمر يعد سرا إذا أودعه صاحبه إلى الأمين على أنه سرا وأراد كتمانه
غير أن هذا الرأى منتقد لأن صاحب السر قد يكون غير عالم به إذا كان الأمين على السر قد عرفه عن طريق الظن أو المباغته أو بطريق الحدس أو التنبؤ أو عن طريق الخبرة الفنية والاستنتاج فالطبيب الذى يكشف من الفحص على مريضه أنه مصاب بمرض معد مطالب بعدم إفشاء هذا السر ولو أن المريض نفسه لم يكون عالما به والمحامي الذى يتبين له من سياق الحديث مع موكله أن الفعل الذى ارتكبه يكون جريمة ملزم بكتمان السر ولو أن موكله يجهل ذلك فإذا افشى أى منهما بالسر الذى توصل إليه يكون قد ارتكب جريمة إفشاء الأسرار ويخضع تحت طائلة العقاب
وذهب فريق أخر من الفقه وبحق إلى الأخذ بمعيار المصلحة فالواقعة تعد سرا إذا كانت هناك مصلحة مشروعة فى حصر نطاق العلم بالواقعة فى شخص أو أشخاص محدودين فالمريض قد تكون له مصلحة فى كتمان مرضه عن الغير فإذا أفضى طبيبه بهذا الأمر يكون قد ارتكب جريمة إفشاء الأسرار أما إذا لم تكن هناك مصلحة فى كتمان هذا الأمر انتفت عنه صفة السر وأصبح الإفضاء به غير محظور وإذا أفضى شخص لاخر بواقعة معينة سمع بها فى المؤسسة التى يعمل بها وسأله كتمانها ولكنه إذاعها فإن صفة السر لا تثبت لهذه الواقعة إذا ليس للمفضى مصلحة فى كتمانها أما إذا كانت هناك مصلحة فى حصر نطاق العلم بالواقعة ولكن القانون لا يعترف بها انحسرت عن الواقعة صفة السر فالموكل الذى يفضى إلى محاميه بعزمه على ارتكاب جناية أو جنحة فإذا أبلغ المحامي السلطات العامة بذلك فإنه لا يكون قد أفشي سرا
المطلب الثاني
صفة الأمين على السر
تحديد الأمناء على السر
ينبغي أن يكون مرتكب فعل الإفشاء صاحب مهنة تتيح له بحكم الضرورة الإطلاع على أسرار عملائه وتعتبر هذه الأسرار من أدوات عمله بحيث لا يستطيع أن يمارس مهنته ويحقق مصلحة عملية إلا إذا علم بهذه الأسرار فالمريض ينبغي أن يطمئن من أن طبيبه لن يستعمل أسراره إلا لمعالجته والموكل يجب أن يتأكد من أن محاميه لن يستعمل الأسرار التى أودعها لديه إلا بهدف الدفاع عن حقوقه
ولم يقدم المشرع حصرا كاملا للآمناء على الأسرار وإنما أشار إلى بعض الطوائف على سبيل المثال حين نص فى المادة 310 عقوبات كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل ثم أردف ذلك بقوله أو غيرهم مودعا إليه بمقتضي صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه .. الخ ويستخلص من العبارة الأخيرة أنه من المتصور أن يرتكب جريمة الإفشاء كل شخص تتوافر لديه صفة الأمين الضرورى أى الشخص الذى يمارس مهنة أو حرفة أو وظيفة أو صناعة أو فن تقتضي بالضرورة إيداع أسرار الغير لديه
ويعد من الأمناء الضروريين الأطباء والمحامون والصيادلة والمحاسبون ورجال الدين وكذا الموظفون العموميون فيما يتعلق بالأسرار التى تودع لديهم بحكم وظائفهم كالقضاة وأعضاء النيابة العامة ورجال الشركة وموظفي البنوك وموظفي هيئة البريد وهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية والموثقين
ويخرج من عداد الأمناء الضروريين الأشخاص الذين لا يؤتمنون بالضرورة على الأسرار بكم صنعتهم أو وظيفتهم وأن كانت طبيعة أعمالهم تتيح لهم الإطلاع على بعض الأسرار كالخدم والسكرتيرين الخصوصيين والسماسرة والصحفيين ورجال الإعلام وكذلك تنتفي صفة الأمين لدى الزوجة أو القريبة أو الصديق الذى أودعه زوجة أو قريبة أو صديقة سرا فافشاه غذ أنه لا يقوم بخدمة عامة ولم يودع السر بحكم الضرورة
وقد نص المشرع المصري صراحة على خضوع طوائف معينة لنص المادة 310 عقوبات والتى تجرم إفشاء الأسرار ومن أمثلة ذلك المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية المصري التى تقضى بأن تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التى تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات
كما نصت المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية على التزام مأموري الضبط القضائي بسر المهنة وذلك بمعاقبة كل من يكون قد وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة فأفضى بها إلى شخص غير صفة أو انتفع بها بأية طريقة كانت العقوبة المقررة بالمادة 310 عقوبات يقابل هذه المادة 320 من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي
المطلب الثالث
الركن المعنوي
القصد الجنائي
إفشاء الأسرار جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ويعني ذلك أنه لا قيام لهذه الجريمة إذا وقع الإفشاء نتيجة خطأ صادر عن الأمين على السر فإذا أهمل الصيدلي المحافظة على المعلومات والبيانات التى دونها بشأن أحد عملائه فأطلع عليها الغير لا تقع جريمة الإفشاء بإهماله لأن هذا الإفشاء تم دون موافقته أو علمه ولا يسأل عن هذه الجريمة كذلك الطبيب الذى يدون بعض الملحوظات عن مريضه ثم يتركها سهوا فى مكان غير أمين فيطلع عليها الغير والمحامي الذى يترك سهوا على مكتبه بعض الملفات التى تتعلق بأسرار عملائه فيطلع عليها مصادفة شخص من الأشخاص
ويقوم القصد الجنائي فى هذه الجريمة على عنصرين العلم والإرادة فيتعين أن يكون الجاني عالما بأن الواقعة التى أفضى بها للغير تعتبر سرا مهنيا لا يرضي صاحبه بإفشائه فإذا اعتقد أن الواقعة ليست لها صفة السر أو أن صاحب السر راضي بإفشائه إلى شخص معين فإذا هذا السر فلا تقع بفعله الجريمة لانتفاء القصد الجنائي لديه كما يجب أن تتجه إرادة الجاني على فعل الإفشاء وإلى النتيجة المترتبة عليه والمتمثلة فى إطلاع الغير على السر فإذا لم تتجه إرادة الجاني إلى الفعل أو إلى النتيجة لا تقع الجريمة لانتفاء القصد الجنائي لديه
وجدير بالذكر أن الرأي الراجح فى الفقه يذهب إلى عدم اشتراط نية الأضرار القصد الخاص فى جريمة إفشاء الأسرار إذ أن الفعل يعتبر فى حد ذاته من الأفعال الشائنة التى لا تحتاج إلى نية الأضرار فالضرر ليس إذن من عناصر الإفشاء كما أن المشرع لا يعاقب على إفشاء السر الصارخ فحسب بل على كل إفشاء لأمر توصل إليه أثناء ممارسته مهنته أو وظيفته
ولا عبرة بالباعث الذى دفع الجاني إلى ارتكاب جريمة الإفشاء فالباعث ليس عنصرا من عناصر القصد وعلى ذلك فلينس من حق الطبيب أن يفشى أسرار مرضاه ولو كان الغرض من ذلك درء مسئولية أدبية أو معنوية كما لا يجوز للمحامي أو المحاسب أو الصيدلي أن يفشي سر عميله ولو كان قد قصد من إفشاء السر الحصول على أتعابه ففى هذه الحالات وأمثالها تقع جريمة إفشاء الأسرار من الأمين على السر لتوافر القصد الجنائي لديه
المطلب الرابع
العقوبة
إفشاء الأسرار فى صورته البسيطة :
حدد نص المادة 310 من قانون العقوبات عقوبة هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو الغرامة التى لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصر أو إحدى هاتين العقوبتين
هذا بالإضافة إلى أن هنالك قوانين خاصة تعاقب على إفشاء الأسرار المهنية مثال ذلك المادة 6 من القانون رقم 432 لسنة 1955 التى تنص على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن يفشي من الموظفين المكلفين بتنفيذ أحكامه سرا من اسرار الصناعة أو الوظيفة
كما تنص المادة 8 من القانون رقم 19 لسنة 1957 على معاقبة من يفشي من الموظفين بيانا من البيانات الفردية أو سرا من أسرار الصناعة أو التجارة بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تجاوز مائة جنيه
والاشتراك متصور فى جريمة إفشاء الأسرار ولو كان الشريك لا يحمل الصفة التى يتطلبها المشرع فى الجاني فإذا اشترك غير الموظف مع الموظف الأمين على السر بأن حرضه أو اتفق معه أو ساعده على ارتكاب الفعل المكون للجريمة فوقعت بناء على ذلك جريمة إفضاء الأسرار فإن غير الموظف يعتبر شريكا للفاعل وهو الموظف الامين على السر تطبيقا لحكم المادة 40 عقوبات
بيان حكم الإدانة :
تخضع جريمة الإفشاء للقواعد العامة فتقام الدعوى الجنائية بمعرفة النيابة العامة أو عن طريق الدعوى المباشرة من جانب المجني عليها
وقد يكون فعل الإفشاء جريمة أخرى كالقذف أو السب وفى هذه الحالة نكون بصدد تعدد معنوي للجرائم فتوقع عقوبة الوصف الشد عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات
ويجب أن يشمل حكم الإدانة على بيان الواقعة التى أفشاها الجاني والمهنة التى يمارسها وفعل الإفشاء الذى صدر عنه فبيان الواقعة يستلزم بيان سائر أركان الجريمة صراحة أو دلالة فيتعين أن يستفاد من حكم الإدانة فى إفضاء الأسرار تحقق ثبوت صفة السر للواقعة وتوافر صفة الجاني لمعرفة ما إذا كان يدخل فى عددا الأشخاص الذين يلتزمون بكتمان السر أم لا كما يلزم بيان الأمر الذى صرح به الجاني والذى اعتبره سرا يتعين كتمانه
المبحث الثاني
إباحة إفشاء الأسرار
تمهيد : أباح المشرع إفشاء الأسرار فى حالات معينة أهمها : التبليغ عن الجرائم ورضاء صاحب السر
ونعرض فيما يلي لكل من هاتين الحالتين
أولا : التبليغ عن الجرائم
بعد أن نص المشرع المصري فى الفقرة الثانية من المادة 310 عقوبات على تجريم إفشاء الأمين لسر من أسرار مهنته أو وظيفته أورد استثناء على هذه القاعدة قوله " فأفشاه فى غير الحالات التى يلزمه القانون فيها بالتبليغ "
فالمشرع المصري لم يضع قاعدة عامة تجتمع فيها الحالات التى توجب التبليغ من الجرائم مما يقتضي الرجوع إلى نصوص القوانين المختلفة فيها عن مثل هذه الحالات
ويمكن أن نذكر من هذه النصوص على سبيل المثال
نص المادة 24/1 من قانون الإجراءات الجنائية الذى يقضى بأنه يجب على مأمورى الضبط القضائي أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يتقدموا بها فورا إلى النيابة العامة
نص المادة 26 إجراءات الذى يقرر بأنه يجب على كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته وقوع جريمة من الجرائم التى يجوز للنيابة العامة برفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فورا النيابة العامة أو اقرب مأمور من مأمورى الضبط القضائي
ونص المادة 84 من قانون العقوبات الذى يقضى بمعاقبة كل من علم بارتكاب جريمة مخلة بأمن الدولة من جهة الخارج ولم يبلغ عنها السلطات المختصة
وما نصت عليه المادة 98 من قانون العقوبات من أنه يعاقب كل من علم بوجود مشروع لارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها 87 ، 89 ، 90 ، 91 مكررا 19 ، 92 ، 93 ، 94 من هذا القانون وهى جرائم مخلة بأمن الدولة من جهة الخارج ولم يبلغه إلى السلطات المختصة
ولعل أهم النصوص التى تجيز للأمين على السر أن يبلغ السلطات عما وصل إليه من معلومات إذا كان ذكرها له مقصودا به فقط ارتكاب جناية أو جنحة هو عجز المادة 66 من قانون الإثبات التى تنص على أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أو يفيشها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة
ويستفاد من هذا النص أنه إذا كان الأمين على السر يعلم بأن الواقعة التى أفضى إليه بها صاحب السر تتضمن عزمه على ارتكاب جريمة جناية أو جنحة فى المستقبل أن يبلغ السلطات العامة عنها كى تحول دون وقوعها ومثال ذلك أن يستطلع شخصا طبيبا فى إجهاض امرأة حبلي وطلب منه المساعدة فى ذلك أن يستشير محاميا فى تزوير عقد أو شهادة دون أن يعرض نفسه للمسئولية الجنائية ففى هاتين الحالتين يجوز للأمين على السر أن يفشى هذا السر دون أن يقع بفعله الجريمة
وتطبيقا لذلك قضى بأنه إذا استطلع أحد الموظفين رأى محامي فى ارتكاب جريمة هى الاتفاق مع أحد الشهود على أن يشهد شهادة زورا فهذا الاتفاق ولو أنه سر علم به المحامي بسبب مهنته إلا أنه من حقه أن يفشيه لمنع وقوع جريمة فإذا أخذت المحكمة بمعلومات المحامي عن تلك الواقعة واستندت إليها فى التدليل على أن المتهم كان يسعي إلى تلفيق الشهادة فلا يمكن إسناد إليها فى ذلك
أما إذا كان الأمين على السر قد علم بأن الجريمة قد ارتكبت بالفعل كالطبيب الذى يدعي لعلاج سيدة فيعلم أن مرضها ناشئ عن إجهاض المحامي الذى يستشار فى عقد فيعلم أنه مزور ففى هاتين الحالتين يلتزم الأمين على السر بكتمانه فإذا أفضى السر عد مرتكبا لجريمة الإفشاء بمقتضي المادة 310 من قانون العقوبات
ثانيا – رضاء صاحب السر :
قرر المشرع المصري اعتبار رضاء صاحب السر بإفشاء سره سبا للإباحة فبعد أن نص فى المادة 66 من قانون الإثبات على أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته للواقعة أو بمعلومات أو يفشيها نص فى الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه يجب على الأشخاص المذكوريو أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة او المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرهم إليهم على ألا يخل ذلك بأحكم القوانين الخاصة بهم
وهذا النص وأن كان يتعلق برضاء السر بأداء الشهادة إلا أنه يقرر مبدأ عاما مقتضاه اعتبار رضاء صاحب السر بإفشائه سببا لإباحة الإفشاء فلصاحب السر المصلحة الأولى فى عدم إفشائه وطالما كان فى استطاعته إذاعة سره فيكون من حقه أن يجيز ذلك للأمين على السر فإذا أفشى هذا الأخير السر بناء على رضاء صاحب السر فلا تقع بفعله الجريمة وتطبيقا لذلك لا عقاب بمقتضي المادة 310 عقوبات على إفشاء السر إذا كان لم يحصل إلا بناء على طلب مستودع السر فإذا كان المريض هو الذى طلب بواسطة زوجته شهادة على مرضه من الطبيب المعالج فلا يكون فى إعطاء هذه الشهادة إفشاء سر معاقب عليه
ويشترط فى الرضاء أن يكون صادرا عن إرادة حرة وإدراك فلا يعتد بالرضاء الصادر عن الصغير غير المميز أو المجنون فإذا كان صاحب السر غير مميز فإن رضاء ولى النفس دون الوصى عليه أو القيم هو الذى يبيح الإفشاء
كما يشترط أن يكون الرضاء صريحا وصادرا عن بينة يستوى فى ذلك أن يكون شفاهة أو كتابة والرضاء بالإفشاء حق شخصي لصاحب السر فلا ييد بالرضاء الصادر من الزوج إلى الطبيب بإفشاء مرض زوجته
والقاعدة أن هذا الحق لا ينتقل بوفاة صاحبه إلى ورثته فلا يجوز للطبيب أن يفشى السر اعتمادا على صدور رضاء من الورثة بذلك ومع ذلك كان موضوع السر أموالا تتعلق بها حقوق الورثة فإن الحق فى الرضاء ينتقل إليهم
وتجدر الإشارة إلى أنه يشترط فى الرضاء الذى يبيح الإفشاء أن يكون سابقا أو معاصرا على الفعل أما الرضاء اللاحق لا يعد سببا لإباحة الإفشاء
أعمال الخبرة :
إذا لم يكن للخبير أن يدلي بشهادته شفاهة أمام السلطات القضائية التى انتدبته لعمل من أعمال الخبرة بما وصل إلى علمه من أسرار ومقتضي وظيفته فإن له أن يمن تقريره ما وصل إلى علمه متعلقا بالموضوع الذى طلب منه دراسته وإبداء الرأى فيه ولو كان منطويا على إفشاء السر إذ أنه يعتبر فى هذه الحالة ممثلا للجهة القضائية التى انتدبته وعمله جزء لا يتجزأ من عملها
ويشترط لإباحة الفعل فى هذه الحالة توافر شرطين
الأول : أن يقدم الخبير تقريره إلى الجهة القضائية التى انتدبته وحدها فإذا افشى محتويات هذا التقرير إلى جهة أخري غير تلك التى انتدبته فإنه يرتكب جريمة افضاء الأسرار
الثاني : أن يعمل الخبير فى حدود المهمة التى كلف بها أى أن يقر تقريره على المعلومات التى طلبت السلطات القضائية منه بيانها منقول
نص التجريم وعلته :
تنص المادة 310 من قانون العقوبات على أنه كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعا إليه بمقتضي صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه فأفشاه فى غير الأحوال التى يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصرى ولا تسرى أحكام هذه المادة إلا فى الأحوال التى يرخص فيها قانون بإفشاء أموال معينة كالقرار فى المواد 202 ، 203 ، 204 ، 205 من قانون المرافعات فى المواد المدنية والتجارية
ويتضح من نص المادة 310 عقوبات بأن المشرع يقرر عقوبة لمن يفشى أسرار عهد بها إلى فئات معينة من الأشخاص كالطباء والجراحين والصيادلة والمحامين وغيرهم ممن أودع لديه بمقتضي مهنته أو حرفته أو وضعه أو فئة سر ما فالحماية الجنائية لا تقتصر إلا على أسرار معينة وهى التى يضطر أصحابها إلى أن يأتمنوا عليها من ارباب المهن الوظائف الذين تقتضي أعمالهم الإطلاع على أسرار الناس بحكم الضرورة
وهذه الاسرار هى موضوع نشاط أرباب هذه المهن فإذا لم يلتزموا بواجب الكتمان إنهارت الثقة بينهم وبين عملائهم وتعطلت بالتالي المصالح الاجتماعية الهامة التى يحرص المجتمع على رعايتها وحمايتها فليس الغرض إذن من هذه المادة معاقبة كل من يفضى سرا اؤتمن عليه لأن كتمان السر بحسب الأصل لا يزيد على كونه واجبا أخلاقيا تمليه قواعد الشرف والخلاق العامة فإذا أودعه صاحبه طواعية واختيار عند من لا يكتم السر فأفشاه فلا عقاب على هذا الأخير قانونا ولو أضر الإفشاء بصاحب السر
إفشاء الأسرار فى الشريعة الإسلامية :
أن أسرار الناس من شئونهم الخاصة التى ينبغي حمايتها وعدم انتهاكها ومن أؤتمن على سر فإنه يجب عليه أن يراعي هذه الأمانة فإنه إفشاء عد خائنا لمن آمنه عليه قال الله تعالى " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " المؤمنون 8
وقال سبحانه وتعالى " فإن آمن بعضكم بعضا فليؤد الذين أؤتمن أمانته وليتق الله ربه " سورة البقرى آية 283
وقال جل من قائل " يا أيها الذين آمنوا لا تخونا الله والرسول وتخونوا آماناتكم وأنتم تعلمون " سورة الأنفعال آية 27
وقال الرسول الكريم " من سمع من رجل حديثا لا يشتهي أن يذكر عنه فهو أمانة وأن لم يستكتمه " رواه أحمد وقال عليه السلام " المستشار مؤتمن " أى من استشار شخصا فى أمر فإنه يجب على من استشير أن يحفظ هذا الأمر ولا يجهر به للناس فهو أمين عليه
وقال صلي الله عليه وسلم " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر "
ونص الدستور الإسلامي للمهنة الطبية فى الباب الخامس منه والخاص بالمحافظة على سر المهنة على أن " حفظ أسرار الناس وستر عوراتهم واجب على كل مؤتمن وهو على الأطباء أوجب لأن الناس يكشفون لهم من خباياهم ويودعونهم أسرارهم طواعية مستندين على ركاز متين من قدسية حفظ السر اعتنقته المهنة من أقدم العصور
وقال رسول المله " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " رواه البخارى ومسلم
وواجب الطبيب أن يصون أية معلومات وصلت إليه خلال مزاولة مهنته عن طريق السمع أو البصر أو الفؤاد أو الاستنتاج وأن يحيطها بسياج كامل من الكتمان
وأن روح الإسلام توجب أن القوانين تأكيد حماية حق المريض فى أن يصون الطبيب سره الذى ائتمنه عليه إذا أنه ما لم يأمن المريض على ذلك فلن يفض للطبيب بدقائق قد تحدد سير العلاج فضلا عن أن طوائف من المرضي ستضطر لعدم اللجوء إلى الأطباء
تعريف إفشاء الأسرار :
لم يضع المشرع تعريف لإفضاء الأسرار ويمكن تعريفه بأنه تعمد الإفضاء بسر من شخص أؤتمن عليه بمقتضي مهنته أو عمله فى غير الأحوال التى يوجب فيها القانون الإفضاء أو من يجيزه
وفى ضوء التعريف المتقدم يمكن تقسيم دراسة إفضاء الأسرار إلى ثلاث مباحث :
المبحث الأول : أركان الجريمة
المبحث الثاني : إباحة إفشاء الأسرار
المبحث الثالث : إفضاء الرسائل أو البرقيات أو المكالمات
المبحث الأول
أركان الجريمة
تمهيد :
يمكن تحديد أركان جريمة إفشاء الأسرار فى ثلاثة : ركن مادي يتمثل فى إفشاء السر وصفه فى الجاني هى أن يكون مؤتمنا على السر بحكم مهنته أو حرفته أو وضعه أو فئة وركن معنوي يتمثل فى القصد الجنائي
وسوف نخصص لكل ركن من هذه الأركان مطلبا مستقلا
المطلب الأول
الركن المادي : إفشاء السر
تقسيم :
يقوم هذا الركن على عنصرين السلوك الذى يرتكبه الجاني وهو الإفشاء أو الاستعمال ثم الموضوع الذى ينصب عليه هذا السلوك هو السر
أولا : الإفشاء أو الاستعمال :
يقصد بالإفشاء كشف السر وإطلاع الغير عليه أية وسيلة كانت فلم يشترط المشرع وقوع الإفشاء بوسيلة معينة وإنما قصد تجريم كل ما من شأنه توصيل السر إلى من ليست له صفة فى العلم به ومن ثم فيتحقق الإفشاء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو النقل أو الرسم أو الخطابة أو النشر فى الصحف والمجلات أو الكتب أو الرسائل كما قد يتحقق بلا إبلاغ والتسليم
ولا يشترط أن يكون إفضاء السر حاصلا لعدد من الأشخاص أو بإحدى طرق العلانية المنصوص عليه قانونا فى المادة 171 من قانون العقوبات وإنما يكفي لوقوعه أن يفضي الأمين بالسر إلى شخص واحد مهما كان وثيق الصلة به فالطبيب الذى يفشي سرا من أسرار مهنته إلى زوجته أو صديقه أو قريبه يعتبر فعله إفشاء ولو طلب منهم كتمانه لأن هؤلاء الأشخاص ليست لهم صفة فى حيازة السر أو العلم به بل أن الإفضاء يعد متحققا ولو أفضى هذا الطبيب سر مريضه إلى زميل فى نفس المهنة كطبيب أخر وذلك لأن المريض لم ياتمن هذا الأخير على سره فيعتبر من الغير بالنسبة له
كما لا يشترط لوقوع الجريمة أن يكون الإفشاء واقعا على السر بأكمله أو مطابقا للحقيقة مطابقة تامة بل تقع الجريمة ولو وقع الإفشاء على جزء من السر الذى يوجب القانون كتمانه ويتحقق الإفشاء ولو كان منصبا على واقعة معروفة إذا كانت هذه الواقعة غير مؤكدة إذ أن هذا الإفشاء يضفي على الواقعة تاكيدا لم يكن لها من قبل
ويقوم مقام فعل الإفشاء استعمال السر لمنفعة الجاني الخاصة أو لمنفعة شخص أخر م 379/1 من قانون العقوبات الإماراتي وهذا يعني أن الشخص لا يلجأ إلى إفشاء السر إنما يلجأ إلى استعماله فى سبيل الحصول على منفعة سواء أكانت مادية أو معنوية أى سواء أكانت تحقق له نفعا ماديا وربحا معينا أو تحقق له مركزا اجتماعيا أو وضعا وظيفيا أو مهنيا
ثانيا : السر :
يلزم أن ينصب الإفشاء على واقعة لها صفة السر ولم يضع قانون العقوبات تعريفا للسر مما يثير الجدل والنقاش
فذهب رأي إلى أن إفشاء السر لا يكون جريمة إلا إذا كانت الواقعة المفشأة قد نتج عنها ضرر بسمعة المجني عليه أو كرامته وقد تبني هذا المعيار القانون الإيطالي فى مادته 622 عقوبات حيث نص على أنه لا عقاب على الإفشاء إلا إذا ترتب عليه ضرر كما أخذت به بعض أحكام المحاكم الفرنسية
ويؤخذ على هذا الرأى أنه ليس من خصائص السر أن يترتب على الإفضاء بالواقعة المفشاة ضرر بالمجني عليه فالمشرع يعاقب على إفشاء السر ولو كان مشرفا لمن يريد كتمانه فالطبيب الذى يطلع الغير على نتيجة الفحص الخاص بمريضة يفشى السر ولو كانت نتيجة هذا الفحص سلبية
وذهب رأى أخر إلى الأخذ بمعيار التفرقة بين الوقائع السرية والوقائع المعروفة بالإفشاء لا يكون جريمة إذا انصب على واقعة معروفة أو مشهورة ويذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن هناك من الوقائع المعلومة ما يكون عاما بطبيعته بحيث يتسنى للغير العلم بها منذ أول وهله فينحصر عن هذه الوقائع وصف السر ويغدو الإفضاء بها غير محظور فالطبيب الذى يحرر شهادة بأن شخص مصاب بعاهة كالعرج أو الصمم لا يفشى أو لا يقع تحت طائلة العقاب
ويؤخذ على هذا الرأى أنه لا يحول دون اعتبار الواقعة سرا أن يكون قد سبق إفشائها فالطبيب أو المحامي الذى يفشى السر استنادا إلى سبق معرفة أو إشاعة الواقعة بين الناس كليا أو جزئيا يكون قد أعطي تأكيدا لإشاعات وروايات ترددت كما سيكون من الصعب تحديد الدرجة التى يجب أن تكون عليها معرفة أو شهرة الواقعة لإعفاء الجاني من العقوبة فإفشاء السر ممن هو ليسوا أمناء عليه لا يرفع عنه صفة السرية أما إذا كانت الوقعة معروفة على وجه اليقين لدى الكافة فإنها تدخل فى دائرة المعلومات المباح إفشاؤها فينحسر عنها بالتالي وصف السر
وذهب جانب أخر من الفقه إلى الأخذ بمعيار إرادة المودع فى بقاء الأمر سرا فالأمر يعد سرا إذا أودعه صاحبه إلى الأمين على أنه سرا وأراد كتمانه
غير أن هذا الرأى منتقد لأن صاحب السر قد يكون غير عالم به إذا كان الأمين على السر قد عرفه عن طريق الظن أو المباغته أو بطريق الحدس أو التنبؤ أو عن طريق الخبرة الفنية والاستنتاج فالطبيب الذى يكشف من الفحص على مريضه أنه مصاب بمرض معد مطالب بعدم إفشاء هذا السر ولو أن المريض نفسه لم يكون عالما به والمحامي الذى يتبين له من سياق الحديث مع موكله أن الفعل الذى ارتكبه يكون جريمة ملزم بكتمان السر ولو أن موكله يجهل ذلك فإذا افشى أى منهما بالسر الذى توصل إليه يكون قد ارتكب جريمة إفشاء الأسرار ويخضع تحت طائلة العقاب
وذهب فريق أخر من الفقه وبحق إلى الأخذ بمعيار المصلحة فالواقعة تعد سرا إذا كانت هناك مصلحة مشروعة فى حصر نطاق العلم بالواقعة فى شخص أو أشخاص محدودين فالمريض قد تكون له مصلحة فى كتمان مرضه عن الغير فإذا أفضى طبيبه بهذا الأمر يكون قد ارتكب جريمة إفشاء الأسرار أما إذا لم تكن هناك مصلحة فى كتمان هذا الأمر انتفت عنه صفة السر وأصبح الإفضاء به غير محظور وإذا أفضى شخص لاخر بواقعة معينة سمع بها فى المؤسسة التى يعمل بها وسأله كتمانها ولكنه إذاعها فإن صفة السر لا تثبت لهذه الواقعة إذا ليس للمفضى مصلحة فى كتمانها أما إذا كانت هناك مصلحة فى حصر نطاق العلم بالواقعة ولكن القانون لا يعترف بها انحسرت عن الواقعة صفة السر فالموكل الذى يفضى إلى محاميه بعزمه على ارتكاب جناية أو جنحة فإذا أبلغ المحامي السلطات العامة بذلك فإنه لا يكون قد أفشي سرا
المطلب الثاني
صفة الأمين على السر
تحديد الأمناء على السر
ينبغي أن يكون مرتكب فعل الإفشاء صاحب مهنة تتيح له بحكم الضرورة الإطلاع على أسرار عملائه وتعتبر هذه الأسرار من أدوات عمله بحيث لا يستطيع أن يمارس مهنته ويحقق مصلحة عملية إلا إذا علم بهذه الأسرار فالمريض ينبغي أن يطمئن من أن طبيبه لن يستعمل أسراره إلا لمعالجته والموكل يجب أن يتأكد من أن محاميه لن يستعمل الأسرار التى أودعها لديه إلا بهدف الدفاع عن حقوقه
ولم يقدم المشرع حصرا كاملا للآمناء على الأسرار وإنما أشار إلى بعض الطوائف على سبيل المثال حين نص فى المادة 310 عقوبات كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل ثم أردف ذلك بقوله أو غيرهم مودعا إليه بمقتضي صناعته أو وظيفته سر خصوصي أؤتمن عليه .. الخ ويستخلص من العبارة الأخيرة أنه من المتصور أن يرتكب جريمة الإفشاء كل شخص تتوافر لديه صفة الأمين الضرورى أى الشخص الذى يمارس مهنة أو حرفة أو وظيفة أو صناعة أو فن تقتضي بالضرورة إيداع أسرار الغير لديه
ويعد من الأمناء الضروريين الأطباء والمحامون والصيادلة والمحاسبون ورجال الدين وكذا الموظفون العموميون فيما يتعلق بالأسرار التى تودع لديهم بحكم وظائفهم كالقضاة وأعضاء النيابة العامة ورجال الشركة وموظفي البنوك وموظفي هيئة البريد وهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية والموثقين
ويخرج من عداد الأمناء الضروريين الأشخاص الذين لا يؤتمنون بالضرورة على الأسرار بكم صنعتهم أو وظيفتهم وأن كانت طبيعة أعمالهم تتيح لهم الإطلاع على بعض الأسرار كالخدم والسكرتيرين الخصوصيين والسماسرة والصحفيين ورجال الإعلام وكذلك تنتفي صفة الأمين لدى الزوجة أو القريبة أو الصديق الذى أودعه زوجة أو قريبة أو صديقة سرا فافشاه غذ أنه لا يقوم بخدمة عامة ولم يودع السر بحكم الضرورة
وقد نص المشرع المصري صراحة على خضوع طوائف معينة لنص المادة 310 عقوبات والتى تجرم إفشاء الأسرار ومن أمثلة ذلك المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية المصري التى تقضى بأن تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التى تسفر عنها من الأسرار ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو يحضونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقا للمادة 310 من قانون العقوبات
كما نصت المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية على التزام مأموري الضبط القضائي بسر المهنة وذلك بمعاقبة كل من يكون قد وصل إلى علمه بسبب التفتيش معلومات عن الأشياء والأوراق المضبوطة فأفضى بها إلى شخص غير صفة أو انتفع بها بأية طريقة كانت العقوبة المقررة بالمادة 310 عقوبات يقابل هذه المادة 320 من قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي
المطلب الثالث
الركن المعنوي
القصد الجنائي
إفشاء الأسرار جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ويعني ذلك أنه لا قيام لهذه الجريمة إذا وقع الإفشاء نتيجة خطأ صادر عن الأمين على السر فإذا أهمل الصيدلي المحافظة على المعلومات والبيانات التى دونها بشأن أحد عملائه فأطلع عليها الغير لا تقع جريمة الإفشاء بإهماله لأن هذا الإفشاء تم دون موافقته أو علمه ولا يسأل عن هذه الجريمة كذلك الطبيب الذى يدون بعض الملحوظات عن مريضه ثم يتركها سهوا فى مكان غير أمين فيطلع عليها الغير والمحامي الذى يترك سهوا على مكتبه بعض الملفات التى تتعلق بأسرار عملائه فيطلع عليها مصادفة شخص من الأشخاص
ويقوم القصد الجنائي فى هذه الجريمة على عنصرين العلم والإرادة فيتعين أن يكون الجاني عالما بأن الواقعة التى أفضى بها للغير تعتبر سرا مهنيا لا يرضي صاحبه بإفشائه فإذا اعتقد أن الواقعة ليست لها صفة السر أو أن صاحب السر راضي بإفشائه إلى شخص معين فإذا هذا السر فلا تقع بفعله الجريمة لانتفاء القصد الجنائي لديه كما يجب أن تتجه إرادة الجاني على فعل الإفشاء وإلى النتيجة المترتبة عليه والمتمثلة فى إطلاع الغير على السر فإذا لم تتجه إرادة الجاني إلى الفعل أو إلى النتيجة لا تقع الجريمة لانتفاء القصد الجنائي لديه
وجدير بالذكر أن الرأي الراجح فى الفقه يذهب إلى عدم اشتراط نية الأضرار القصد الخاص فى جريمة إفشاء الأسرار إذ أن الفعل يعتبر فى حد ذاته من الأفعال الشائنة التى لا تحتاج إلى نية الأضرار فالضرر ليس إذن من عناصر الإفشاء كما أن المشرع لا يعاقب على إفشاء السر الصارخ فحسب بل على كل إفشاء لأمر توصل إليه أثناء ممارسته مهنته أو وظيفته
ولا عبرة بالباعث الذى دفع الجاني إلى ارتكاب جريمة الإفشاء فالباعث ليس عنصرا من عناصر القصد وعلى ذلك فلينس من حق الطبيب أن يفشى أسرار مرضاه ولو كان الغرض من ذلك درء مسئولية أدبية أو معنوية كما لا يجوز للمحامي أو المحاسب أو الصيدلي أن يفشي سر عميله ولو كان قد قصد من إفشاء السر الحصول على أتعابه ففى هذه الحالات وأمثالها تقع جريمة إفشاء الأسرار من الأمين على السر لتوافر القصد الجنائي لديه
المطلب الرابع
العقوبة
إفشاء الأسرار فى صورته البسيطة :
حدد نص المادة 310 من قانون العقوبات عقوبة هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور أو الغرامة التى لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصر أو إحدى هاتين العقوبتين
هذا بالإضافة إلى أن هنالك قوانين خاصة تعاقب على إفشاء الأسرار المهنية مثال ذلك المادة 6 من القانون رقم 432 لسنة 1955 التى تنص على عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تجاوز ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لمن يفشي من الموظفين المكلفين بتنفيذ أحكامه سرا من اسرار الصناعة أو الوظيفة
كما تنص المادة 8 من القانون رقم 19 لسنة 1957 على معاقبة من يفشي من الموظفين بيانا من البيانات الفردية أو سرا من أسرار الصناعة أو التجارة بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وغرامة لا تجاوز مائة جنيه
والاشتراك متصور فى جريمة إفشاء الأسرار ولو كان الشريك لا يحمل الصفة التى يتطلبها المشرع فى الجاني فإذا اشترك غير الموظف مع الموظف الأمين على السر بأن حرضه أو اتفق معه أو ساعده على ارتكاب الفعل المكون للجريمة فوقعت بناء على ذلك جريمة إفضاء الأسرار فإن غير الموظف يعتبر شريكا للفاعل وهو الموظف الامين على السر تطبيقا لحكم المادة 40 عقوبات
بيان حكم الإدانة :
تخضع جريمة الإفشاء للقواعد العامة فتقام الدعوى الجنائية بمعرفة النيابة العامة أو عن طريق الدعوى المباشرة من جانب المجني عليها
وقد يكون فعل الإفشاء جريمة أخرى كالقذف أو السب وفى هذه الحالة نكون بصدد تعدد معنوي للجرائم فتوقع عقوبة الوصف الشد عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات
ويجب أن يشمل حكم الإدانة على بيان الواقعة التى أفشاها الجاني والمهنة التى يمارسها وفعل الإفشاء الذى صدر عنه فبيان الواقعة يستلزم بيان سائر أركان الجريمة صراحة أو دلالة فيتعين أن يستفاد من حكم الإدانة فى إفضاء الأسرار تحقق ثبوت صفة السر للواقعة وتوافر صفة الجاني لمعرفة ما إذا كان يدخل فى عددا الأشخاص الذين يلتزمون بكتمان السر أم لا كما يلزم بيان الأمر الذى صرح به الجاني والذى اعتبره سرا يتعين كتمانه
المبحث الثاني
إباحة إفشاء الأسرار
تمهيد : أباح المشرع إفشاء الأسرار فى حالات معينة أهمها : التبليغ عن الجرائم ورضاء صاحب السر
ونعرض فيما يلي لكل من هاتين الحالتين
أولا : التبليغ عن الجرائم
بعد أن نص المشرع المصري فى الفقرة الثانية من المادة 310 عقوبات على تجريم إفشاء الأمين لسر من أسرار مهنته أو وظيفته أورد استثناء على هذه القاعدة قوله " فأفشاه فى غير الحالات التى يلزمه القانون فيها بالتبليغ "
فالمشرع المصري لم يضع قاعدة عامة تجتمع فيها الحالات التى توجب التبليغ من الجرائم مما يقتضي الرجوع إلى نصوص القوانين المختلفة فيها عن مثل هذه الحالات
ويمكن أن نذكر من هذه النصوص على سبيل المثال
نص المادة 24/1 من قانون الإجراءات الجنائية الذى يقضى بأنه يجب على مأمورى الضبط القضائي أن يقبلوا التبليغات والشكاوى التى ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يتقدموا بها فورا إلى النيابة العامة
نص المادة 26 إجراءات الذى يقرر بأنه يجب على كل من علم من الموظفين العموميين أو المكلفين بخدمة عامة أثناء تأدية عمله أو بسبب تأديته وقوع جريمة من الجرائم التى يجوز للنيابة العامة برفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ عنها فورا النيابة العامة أو اقرب مأمور من مأمورى الضبط القضائي
ونص المادة 84 من قانون العقوبات الذى يقضى بمعاقبة كل من علم بارتكاب جريمة مخلة بأمن الدولة من جهة الخارج ولم يبلغ عنها السلطات المختصة
وما نصت عليه المادة 98 من قانون العقوبات من أنه يعاقب كل من علم بوجود مشروع لارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها 87 ، 89 ، 90 ، 91 مكررا 19 ، 92 ، 93 ، 94 من هذا القانون وهى جرائم مخلة بأمن الدولة من جهة الخارج ولم يبلغه إلى السلطات المختصة
ولعل أهم النصوص التى تجيز للأمين على السر أن يبلغ السلطات عما وصل إليه من معلومات إذا كان ذكرها له مقصودا به فقط ارتكاب جناية أو جنحة هو عجز المادة 66 من قانون الإثبات التى تنص على أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته بواقعة أو معلومات أو يفيشها ولو بعد انتهاء خدمته أو زوال صفته ما لم يكن ذكرها مقصودا به ارتكاب جناية أو جنحة
ويستفاد من هذا النص أنه إذا كان الأمين على السر يعلم بأن الواقعة التى أفضى إليه بها صاحب السر تتضمن عزمه على ارتكاب جريمة جناية أو جنحة فى المستقبل أن يبلغ السلطات العامة عنها كى تحول دون وقوعها ومثال ذلك أن يستطلع شخصا طبيبا فى إجهاض امرأة حبلي وطلب منه المساعدة فى ذلك أن يستشير محاميا فى تزوير عقد أو شهادة دون أن يعرض نفسه للمسئولية الجنائية ففى هاتين الحالتين يجوز للأمين على السر أن يفشى هذا السر دون أن يقع بفعله الجريمة
وتطبيقا لذلك قضى بأنه إذا استطلع أحد الموظفين رأى محامي فى ارتكاب جريمة هى الاتفاق مع أحد الشهود على أن يشهد شهادة زورا فهذا الاتفاق ولو أنه سر علم به المحامي بسبب مهنته إلا أنه من حقه أن يفشيه لمنع وقوع جريمة فإذا أخذت المحكمة بمعلومات المحامي عن تلك الواقعة واستندت إليها فى التدليل على أن المتهم كان يسعي إلى تلفيق الشهادة فلا يمكن إسناد إليها فى ذلك
أما إذا كان الأمين على السر قد علم بأن الجريمة قد ارتكبت بالفعل كالطبيب الذى يدعي لعلاج سيدة فيعلم أن مرضها ناشئ عن إجهاض المحامي الذى يستشار فى عقد فيعلم أنه مزور ففى هاتين الحالتين يلتزم الأمين على السر بكتمانه فإذا أفضى السر عد مرتكبا لجريمة الإفشاء بمقتضي المادة 310 من قانون العقوبات
ثانيا – رضاء صاحب السر :
قرر المشرع المصري اعتبار رضاء صاحب السر بإفشاء سره سبا للإباحة فبعد أن نص فى المادة 66 من قانون الإثبات على أنه لا يجوز لمن علم من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صنعته للواقعة أو بمعلومات أو يفشيها نص فى الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه يجب على الأشخاص المذكوريو أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة او المعلومات متى طلب منهم ذلك من أسرهم إليهم على ألا يخل ذلك بأحكم القوانين الخاصة بهم
وهذا النص وأن كان يتعلق برضاء السر بأداء الشهادة إلا أنه يقرر مبدأ عاما مقتضاه اعتبار رضاء صاحب السر بإفشائه سببا لإباحة الإفشاء فلصاحب السر المصلحة الأولى فى عدم إفشائه وطالما كان فى استطاعته إذاعة سره فيكون من حقه أن يجيز ذلك للأمين على السر فإذا أفشى هذا الأخير السر بناء على رضاء صاحب السر فلا تقع بفعله الجريمة وتطبيقا لذلك لا عقاب بمقتضي المادة 310 عقوبات على إفشاء السر إذا كان لم يحصل إلا بناء على طلب مستودع السر فإذا كان المريض هو الذى طلب بواسطة زوجته شهادة على مرضه من الطبيب المعالج فلا يكون فى إعطاء هذه الشهادة إفشاء سر معاقب عليه
ويشترط فى الرضاء أن يكون صادرا عن إرادة حرة وإدراك فلا يعتد بالرضاء الصادر عن الصغير غير المميز أو المجنون فإذا كان صاحب السر غير مميز فإن رضاء ولى النفس دون الوصى عليه أو القيم هو الذى يبيح الإفشاء
كما يشترط أن يكون الرضاء صريحا وصادرا عن بينة يستوى فى ذلك أن يكون شفاهة أو كتابة والرضاء بالإفشاء حق شخصي لصاحب السر فلا ييد بالرضاء الصادر من الزوج إلى الطبيب بإفشاء مرض زوجته
والقاعدة أن هذا الحق لا ينتقل بوفاة صاحبه إلى ورثته فلا يجوز للطبيب أن يفشى السر اعتمادا على صدور رضاء من الورثة بذلك ومع ذلك كان موضوع السر أموالا تتعلق بها حقوق الورثة فإن الحق فى الرضاء ينتقل إليهم
وتجدر الإشارة إلى أنه يشترط فى الرضاء الذى يبيح الإفشاء أن يكون سابقا أو معاصرا على الفعل أما الرضاء اللاحق لا يعد سببا لإباحة الإفشاء
أعمال الخبرة :
إذا لم يكن للخبير أن يدلي بشهادته شفاهة أمام السلطات القضائية التى انتدبته لعمل من أعمال الخبرة بما وصل إلى علمه من أسرار ومقتضي وظيفته فإن له أن يمن تقريره ما وصل إلى علمه متعلقا بالموضوع الذى طلب منه دراسته وإبداء الرأى فيه ولو كان منطويا على إفشاء السر إذ أنه يعتبر فى هذه الحالة ممثلا للجهة القضائية التى انتدبته وعمله جزء لا يتجزأ من عملها
ويشترط لإباحة الفعل فى هذه الحالة توافر شرطين
الأول : أن يقدم الخبير تقريره إلى الجهة القضائية التى انتدبته وحدها فإذا افشى محتويات هذا التقرير إلى جهة أخري غير تلك التى انتدبته فإنه يرتكب جريمة افضاء الأسرار
الثاني : أن يعمل الخبير فى حدود المهمة التى كلف بها أى أن يقر تقريره على المعلومات التى طلبت السلطات القضائية منه بيانها منقول