بحيث موجز بشأن أثرالحكم بعدم الدستورية
منذ أيام قلائل سمعت من بعض الزملاء – و بل قرات لبعض المتخصصين في القانون و سمعت منهم كذلك – أحاديث بخصوص العمل بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا و كيفية إعمال آثاره على الحقوق والعلاقات ، سواء تلك السابقة له أو هذه اللاحقة عليه، فأصابني هم و حزن كبيران ، زاد ا مما أعانيه أصلاُ من سماع و قراءة و رؤية سوءات الثقافة القانونية لكثير من رجال القانون ، قضاء ومحامين ، فأحببت أن أكتب هذا البحيث ، راغباً في تبيان وجه الحقيقة فيه ، مخلصاً من قلبي من حيث إرادة وصول الصواب لأهل القانون ، موقناً أني لست أهلاً لهذا العمل ، فعسى ربي أن يهديني سواء السبيل ، إنه حسبي و نعم الوكيل.
يحكم المسألة المثارة نص المادة الرقيمة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 ، و سنعرض لحكمها قبل تعديلها بالقانون رقم 168 لسنة 1998 ، ثم نعرض لهابعد هذا التعديل .
أولاً : المادة 49 قبل التعديل :
تنص المادة المذكورة على أن : " أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية و قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة و للكافة . و يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم . فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن . ......." .
و البين من ظاهر النص المذكور أن لأحكام المحكمة الدستورية العليا أثر فوري مباشر ، و ليس لها من أثر رجعي إلا فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بعدم دستورية نص جنائي.
إلا أنه بمطالعة المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمةالدستورية العليا سالف الذكر يتبين أنها تخالف ذلك المعنى ، حيث جعلت للحكم بعدم الدستورية أثراً رجعياً باستثناء حالتين ، فقد ورد بها بشان المادة 49 المشار إليها سلفاً ما يلي :
" تناول القانون أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ، فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ، وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة، واستقر الفقه و القضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب و إنما بالنسبة إلى الوقائع و العلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أنه يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حازقوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم ".
و إزاء هذا التعاررض بين نص المادة 49 و بين ما ورد بالمذكرة الإيضاحية آنفة الذكر ، فقد نشأ خلاف في الرأي حول هذا الأثر للحكم بعدم الدستورية ، و نتج عن هذا الخلاف رأيان :
الرأي الأول : يقرر أن للحكم بعدم الدستورية أثر مباشر:
و مفهوم هذا الرأي أن الحكم بعدم الدستورية ينحصر أثره في المستقبل فقط و لا يكون له من أثر رجعي فلا يمس العلاقات و المراكز السابقة عليه .
و قد تبنت بعض دوائر محكمة النقض هذا الرأي ، حيث قضت بأن :
" لئن كان القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 بأيلولة القدر الزائد من الأراضي الزراعية المستولى عليها إلى الدولة دون مقابل قد قضي بعدم دستوريته من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 25 لسنة 1 ق دستورية بتاريخ 25/6/1983 و نشر الحكم الصادر فيها بالعدد رقم .... بالجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 7/7/1983 ، إلا أنه وفقاً لنص المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا ، لا يجوز تطبيق نص في قانون أو لائحة قضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية ، مما مفاده أن القرار بقانون سالف الذكر وقت إصدار الحكم المطعون فيه بتاريخ 22/12/1980 كان نافذاً واجب الإعمال ، و لا يغير من ذلك الحكم بعدم دستوريته في تاريخ لاحق ".الطعن رقم 370 لسنة 51 ق – جلسة 13/10/1985
و قد قضت كذلك بأن : " النص في المادة 178 من الدستور على أنه " تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية و القرارات الصادرة بتفسير النصوص التشريعية و ينظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم دستورية نص تشريعي من آثار" و في المادة 49 من القانون رقم 49 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا على أن "..........." يدل على أن الحكم بعدم دستورية نص تشريعي يسري من اليوم التالي لنشره بالجريدة االرسمية بما يترتب عليه من عدم جواز تطبيق ذلك النص من هذا التاريخ ، و لما كان القانون رقم 48 لسنة 1979 لم ينص على ترتيب أية آثار على المراكز القانونية التي تكون قد استقرت في الفترة السابقة على نشر الحكم الذي قضى بعدم دستورية النص القانوني الذي ترتبت هذه المراكز استناداً إليه – كما ذهب إلى ذلك بالنسبة إلى الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى نص جنائي قضي بعدم دستوريته – فإنه لا يكون لهذا الحكم أي أثر على المراكز القانونية التي استقرت في الفترة السابقة على نشر الحكم المذكور ، و كان قرار القيد موضوع الدعوى – بما لا خلاف فيه بين الخصوم – قد صدر قبل نشر حكم المحكمة الدستورية فلا أثر لهذا الحكم على القرار سالف الذكر ، و إذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر و تناول بالرد في أسبابه دفاع الطاعن في هذا الخصوص ، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون " الطعن رقم 2034 لسنة 56ق – جلسة 26/3/1989 .
و قد أكد جانب من الفقه صحة هذا الإتجاه ، مرتكناً في ذلك إلى بعض الأسانيد القانونية والمنطقية ، من أهمها :
1- ما قيل من أن (عبارات المادة 49 سالفة الذكر في فقراتها الأربعة واضحة وضوح الشمس في رايعة النهار و لا تسمح على الإطلاق بأي خطأ في التفسير أو تجعل ثمة مجال في التأويل ، فهي تفرق بين النصوص الجنائية من ناحية و النصوص الأخرى من ناحية أخرى ، فالنصوص غير الجنائية – عندما يقضى بعدم دستوريتها – يمتنع تطبيقها من اليوم التالي لنشر الحكم ، و تبقى بالنسبة للماضي ، تبقى سارية في الفترة الزمنية منذ صدورها إلى يوم نشرالحكم ، و بعبارة أخرى : انها لا تسقط بأثر رجعي ........ و لكن المحكمة الدستورية العليا أهدرت كل ذلك اهداراً كاملا..... فقد عمدت – باديء ذي بدء – إلى إهدار أبسط القواعد في تفسير النصوص ، و هي القاعدة التي تقول : انه لا اجتهاد مع النص ، و لا اجتهاد مع النص الواضح الشديد الوضوح ..... فليس ثمة اجتهاد لأحد في بيان حكم القانون إذا كان هناك نص في القانون ..... و ليس ثمة اجتهاد لأحد إذا كان النص نفسه شديد الوضوح ، ذلك أن الحاجة إلى الإجتهاد قد توجد إذا كان النص مشوباً بالغموض ، فيعمد الناس إلى المذكرة الإيضاحية للقانون أو سواها من الأعمال التحضيرية لبيان حقيقة مقصد المشرع من النص الذي وضعه......و لكن المحكمة الدستورية العليا فعلت غير ذلك ، فقد عمدت إلى الإجتهاد مع الوضوح الشديد للنص ، و أرادت أن ترجع إلى المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا).( الأستاذ الدكتور/ مصطفى أبو زيد فهمي – الدستور المصري فقهاً و قضاءً – طبعة 1996 – صفحة د ، هـ)
2- و ما قيل كذلك من أنه (إذا تعددت المذكرات الإيضاحية للقانون ، مذكرة وضعتها وزارة العدل و هي تقترح نصوص القانون فتجعل لها المعنى الذي أرادته يجري على نحو معين ، و مذكرة أخرى وضعتها اللجنة التشريعية بمجلس الشعب و هي تبحث القانون و توصي المجلس بالموافقة عليه بالمعنى الذي أرادته ، فأي المذكرتين الإيضاحيتين تعتبر معبرة عن رأي المشرع الذي هو مجلس الشعب و ليس وزارة العدل ؟ لاشك أنها المذكرة التي وضعتها اللجنة التشريعية بمجلس الشعب ...... و أنه لمن المسلمات والبديهيات أن يكون المرجع في فهم نصوص القانون ليس المذكرة الإيضاحية الأولى التي صاحبت المشروع و هو يأتي من الحكومة ، و إنما تقرير اللجنة التشريعية التي ضمنت التصور النهائي لمشروع القانون كما رأته اللجنة التشريعية والمجلس التشريعي الذي أقر هذا المشروع . فما الذي جاء في هذا التقرير ؟ لقد جاء فيه بالحرف الواحد :
" لقد نصت المادة 49 من المشروع على أن أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية و قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة و للكافة . و يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، و مقتضى ذلك أن بطلان النص المخالف للدستور يتم من هذا التاريخ اللاحق للحكم ، و ليس في ذلك أية مخالفة أو تعارض مع نص الدستور حيث ترك المشرع الدستوري أمر تحديد آثار الحكم بعدم الدستورية للمشرع العادي دون تقييده بقاعدة ما في هذا الصدد ، و مع ذلك فإنه استثناء من القاعدة العامة التي أخذ بها المشرع بشأن الأثر المباشر للحكم بعدم الدستورية قرر بالنسبة للنصوص الجنائية أنه يبطل العمل بالنص الجنائي – سواء كان عقابياً أم متعلقاً بالإجراءات – من التاريخ آنف الذكر على أن تعتبر الأحكام الصادرة بالإدانة استناداً إلى النص الباطل دستورياً كأن لم تكن ... ") "المرجع السابق صفحة هـ ، و ، ز" .
و لقد أكدت محكمة النقض عدم الإعتداد بالمذكرة الإيضاحية لأي قانون إذا تجاوزت حدودها و خالفت نصوص القانون الصريحة ، فقد قضت بأن : " القاضي مطالب أولاً بالرجوع إلى نص القانون ذاته و إعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص ، فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها مما يرد في الأعمال التحضيرية ، و من بينها المذكرات التفسيرية المرافقة للقانون و تغليبها على عبارة النص لخروج ذلك عن مراد الشارع ". الطعن الجنائي رقم 659 لسنة 29 ق –جلسة 9/6/1959.
3- استكمالاً للدليل المستمد من النص ذاته ، فإن الفقرة الرابعة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا قد نصت على استثناء الحكم بعدم دستورية نص جنائي من أثر الحكم بعدم الدستورية الوارد بالفقرة الأولى من ذات المادة و التي جعلت الأصل هو الأثر المباشر ، و رتبت على هذا الإستثناء نتيجته الطبيعية و هي اعتبار الأحكام الجنائية التي صدرت بالإدانة استناداً للنص الذي قضي بعدم دستوريته كأن لم يكن ، أي أن للحكم بعدم دستورية نص جنائي أثر رجعي ، فلو صح جدلاً أن الأصل بالنسبة لأثر الحكم بعدم الدستورية هو الأثر الرجعي ، لكان النص على الإستثناء المذكور لغواً و عبثاً من المشرع ، لأنه لا حاجة حينئذ لتقريره في ظل هذا الأصل المفترض ، و المقرر أن المشرع منزه عن العبث و اللغو ، و أنه إذا تكلم فقد أراد و قصد معنى.
الرأي الثاني : تقرير الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية :
هذا الرأي هو الرأي المشهور و المعمول به ، ووفقاً لهذا الرأي فإن الحكم بعدم الدستورية لا يسري فقط بأثر فوري مباشر، أي على الحقوق و المراكز القانونية التي تنشأ بعد تاريخ نشر الحكم بعدم الدستورية في الجريدة الرسمية ، بل يسري كذلك بأثررجعي ، أي على الحقوق و المراكز القانونية التي نشأت قبل التاريخ المذكور ، ما عدا تلك التي استقرت بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم .
و قد قضت المحكمة الدستورية العليا تأكيداً و تعليلاً لذلك بأن :
" الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة و ليست منشئة ، إذ هي لا تستحدث جديداً و لا تنشىء مراكزاً أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل ، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء و ترده إلى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره، الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة ، بياناً لوجه الصواب في دستورية النص التشريعي المطعون عليه منذ صدوره ، و ما إذا كان النص قد جاء موافقاً للدستور و في حدوده المقررة شكلاً و موضوعاً ، فتتأكد للنص شرعيته الدستورية و يستمر نفاذه ، أم أنه صدر متعارضاً مع الدستورفينسلخ عنه وصفه و تنعدم قيمته بأثر ينسحب إلى يوم صدوره ، و فضلاُ عن ذلك فإن المشرع حين أجاز في قانون المحكمة الدستورية العليا إثارة المسألة الدستورية أثناء نظر إحدى الدعاوى أمام أي من جهات القضاء ، إما من تلقاء نفسها أو بطريق الدفع من أحد الخصوم ، و أوجب على الجهة القضائية – عند الشك في عدم الدستورية – وقف الدعوى أو تأجيلها انتظاراً لحكم المحكمة الدستورية العليا بالفصل في المسألة المثارة ، إنما كان يبغي بذلك تحقيق فائدة للخصم في المنازعات الموضوعية التي أثير فيها الدفع الدستوري فيما لو قضي بعدم الدستورية ، و هي منازعات تدور كلها حول علاقات وأوضاع سابقة بالضرورة على الحكم بعدم الدستورية ، فإذا لم يكن لهذا الحكم أثر رجعي ، لأصبح لزاماً على قاضي الموضوع – الذي أرجأ تطبيق القانون حين ساوره الشك في عدم دستوريته – أن يطبق ذات القانون بعد القضاء بعدم دستوريته ، مما يأياه المنطق القانوني السليم و يتنافى مع الغرض المرتجى من الدفع بعدم الدستورية و لا يحقق لمبدي الدفع أية فائدة عملية، مما يجعل الحق في التقاضي – و هو من الحقوق العامة التي كفلها الدستور في المادة 68 منه للناس كافة – بالنسبة للمسألة الدستورية غير مجد و مجرداً من مضمونه ، الأمر الذي ينبغي تنزيه المشرع عن قصد التردي فيه ، و بالإضافة إلى ذلك فإن النص في المادة 49 من قانون المحكمةالدستورية العليا على عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية هو خطاب تشريعي موجه لجميع سلطات الدولة و للكافة للعمل بمقتضاه ، و لما كان قاضي الموضوع هو من بين المخاطبين بهذا النص التشريعي فإنه يكون متعيناً عليه عملاً بهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعات المطروحة عليه من قبل ، و ذلك يؤكد قصد المشرع في ترتيب الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية و يؤكد إنسحابه على ما سبقه من علاقات و أوضاع نشأت في ظل القانون الذي قضي بعدم دستوريته ، و قد أعملت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا هذه الرجعية على إطلاقها بالنسبة للنصوص الجنائية إلى حد إسقاط حجية الأمر المقضي لتعلقها بالإدانة في أمور تمس الحريات الشخصية ......، أما في المسائل الأخرى غير الجنائية فيسري عليها كذلك الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ما لم يكن للعلاقات و الأوضاع السابقة عليه أساس قانوني آخر ترتكن إليه و يحد من إطلاق الرجعية عليه ، و هو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا في تعليقهاعلى نص المادة 49منه ، حيث جاء بها أن القانون تناول أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ، و هو نص ورد في بعض القوانين المقارنة ، و استقر الفقه و القضاء على أن مؤداه عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب ، وإنما بالنسبة إلى الوقائع و العلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بإنقضاء مدة التقادم ..... و هو ما جري عليه قضاء هذه المحكمة بحكمها الصادر في الدعوى الدستورية رقم 16 لسنة 3 ق بتاريخ 5/6/1982 و حكمها الصادر في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 3 ق بتاريخ11/6/1983". حكمها الصادر في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق دستورية – جلسة 19/5/1990 .
و هو ما رددته بعض الدوائر بمحكمة النقض ، حيث قضت بأن : " المقرر في قضاء هذه المحكمة انه و لئن كان يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم وفقاً لنص المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا إلا أن عدم تطبيق النص و على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون لا ينصرف إلى المستقبل فحسب و إنما ينسحب على الوقائع و العلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أوبإنقضاء مدة التقادم ". الطعن رقم 1630 لسنة 58 ق – جلسة 13/3/1991 .
و يلاحظ أن حكم النقص المذكور يناقض ماذهبت إليه بعض الدوائر الأخرى من أن للحكم بعدم الدستورية أثر مباشر و ليس رجعي ، على نحو ماسبق إيراده ، كما يلاحظ كذلك أنه يخالف القاعدة المستقرة في قضاء النقض والسابق بيانها من أنه لا يعتد بالمذكرة الإيضاحية أو التفسيرية للقانون إذا خالفت صراحة نصوص القانون ، و كان يتعين على محكمةالنقض توحيد مثل تلك المبادئ و عدم مخالفتها نظراً لتعلقها بمسائل دستورية و قانونية مؤثرة على حقوق المواطنين و استقرارها .
إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد تحللت من أحد الإستثناءين الواردين على مبدأ الأثر الرجعي الذي قررته لأحكامها الصادرة بعدم الدستورية ، حيث أسقطت الحقوق و المراكزالتي تستند في استقرارها إلى انقضاء مدة التقادم من نطاق الإستثناء المذكور، و قصرت – بالتالي – ذلك الإستثناء على حالة واحدة فقط ، هي الحقوق والمراكز التي استقرت بحكم لم يسلم هوالآخر من التعديلات القضائية لها ، حيث لم تكتف بكون ذلك الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضي ، بل اشترطت أن يكون حكماً قضائياً باتاَ و صادراَ قبل تاريخ قضائها بعدم الدستورية ، فضلاً عن أن يكون ذلك الحكم مرتكناً في قضائه إلى النص عينه التي قضت هي بعدم دستوريته ، فقد قضت بأن :
" إبطال هذه المحكمة للنصوص القانونية المخالفة اللدستور ، يعتبر تقريرأً لزوالها نافياً وجودها منذ ميلاده، و قضاؤها بصحتها، يؤكد استمرار نفاذها تبعاً لخلوها من كل عوار يدينها، و ليس مفهوماً أن تكون واقعة نشر الأحكام الصادرة بعدم دستورية بعض النصوص القانونية – في ذاتها – حداً زمنياً فاصلاً بين صحتها و بطلانها، فلا يكون النص الباطل منعدماً إلا اعتباراً من اليوم التالي لهذا النشر، و القول بذلك مؤداه أن يكون التقاضي جهداً ضائعاً و عملاً عبثياً، و أن للنص القانوني الواحد مجالين زمنيين، يكون صحيحاً في أحدهما، و باطلاً في ثانيهما، حال أن بطلان النصوص القانونية لا يتجزأ ، و يستحيل أن ينقلب العدم وجوداً ، و لا أن يكون مداه متفاوتاً أو متدرجاً ، فالساقط لا يعود أبداً.
و حيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا – ضماناً لصون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور و اعتبرها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها عدواناً – قد نص في المادة 49 منه، على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي، فإن أحكام الإدانة الصادرة استناداً إليه، تعتبر كان لم تكن، وهو ما يعني سقوطها بكل آثارها، و لو صار الطعن فيها ممتنعاً، لتفارقها قوة الأمر المقضي التي قارنتها، و تلك هي الرجعية الكاملة التي أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، و هي بعد رجعية لا قيد عليها و لا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفاً لكل عائق على خلافها و لوكان حكماً باتاً. فإذا كان قضاؤها مبطلاً لنص غير جنائي، فإن أثره الرجعي يظل جارياً، و منسحباً إلى الأوضاع و العلائق التي اتصل بها مؤثراً فيها، حتى ما كان منها سابقاً على نشره في الجريدة الرسمية، ما لم تكن تلك الحقوق والمراكز التي ترتبط بها قد استقر أمرها بناء على حكم قضائي توافر فيه شرطان: أولهما: أن يكون باتاً و ذلك باستنفاذه لطرق الطعن جميعها، ثانيهما: أن يكون صادراً قبل قضاء المحكمة الدستورية العليا، و محمولاً علي النصوص القانونية عينها التي قضي ببطلانها .........".
حكمها الصادر في الدعوى رقم 22 لسنة 18ق دستورية – جلسة 30/11/1996
ثانياً : المادة 49 بعد التعديل :
صدر القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا في فقرتها الثالثة ، حيث أصبحت تنص على أنه : " و يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم بعدم دستورية هذا النص ".
و مفاد ذلك النص – في ظاهره – أن الأصل بالنسبة لأثر الحكم بعدم دستورية النصوص غير الجنائية هو الأثر المباشر، ما لم تستعمل المحكمة الدستورية العليا المكنة التي منحها لها المشرع في تحديد تاريخ آخر لسريان أثر حكمها بعدم الدستورية في غير النصوص الضريبية ، أي إعمال المحكمة للأثر الرجعي استثناء من أصل الأثر الفوري، بحيث إذا لم تحدد المحكمة في حكمها تاريخاً محدداً لسريان أثر حكمها فيسري حينئذ الحكم بأثر مباشر وفقاً لصدرالفقرة الثالثة سالفة الذكر من المادة 49 .
أما المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه سلفاً فقد ورد بها :
" قد أدى الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام المحكمة – في غير المسائل الجنائية – إلى صعوبات متعددة في مجال التطبيق ، يندرج تحتها الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها ، و تحميل الدولة بأعباء مالية تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها التنموية و النهوض بالخدمات و المرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في مجموعهم . و علاجاً لمشكلة الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل هذه الحالات، التي كشفت عنها التجربة و تحقيقاً للموازنة بين متطلبات الشرعية الدستورية و إعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع و الحفاظ على أمنه اجتماعياً و اقتصادياً ، و هي أمور يرتبط كل منها بالآخر برابطة وثقى ، فقد رؤي تعديل حكم الفقرة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل الأغراض الآتية :
أولا : تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعى لحكمها على ضوء الظروف الخاصة التي تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر الخطورة التي تلازمها .
ثانيا: تقرير أثر مباشر للحكم اذا كان متعلقا بعدم دستورية نص ضريبى ... "
و لا ريب أن ما ورد بتلك المذكرة الإيضاحية يقطع بأن للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي ما لم تقرر المحكمة الدستورية غير ذلك ، و هذا تفسير – عندى – يضاد التفسير الذي تدل عليه ألفاظ النص الصريحة وفقاً لما تقدم ، أي أن الخلاف الذي كان موجوداً قبل التعديل لا زال مستمراً ، و كأن السلطة القاًئمة على التشريع تبغي بنا رهقاً ، فبدلاً من قيام تلك السلطة بإزالة ما شاب النص – قبل تعديله – من غموض و ما يرتبه ذلك من تضارب في الآراء و الأحكام ، إذا بها تستمسك بذلك الغموض ، و لا عجب في ذلك ، فليس الأمر على السلطة المذكورة بغريب، غير أني أستشعر أن هناك صراعاً في شأن أثر الحكم بعدم الدستورية بين المحكمة الدستورية العليا و المشرع، فالمشرع يبغي بكل السبل المتاحة له اسقاط الأثر الرجعي ، و يضع النصوص التي يوحي ظاهرها بذلك ، فتفاجئه المحكمة الدستورية العليا بعكس ذلك ، حرصاً منها – بلا مراء – على الحفاظ على أسس الشرعية الدستورية و توحيد مضامينها ، و لم لا و هي القيمة على ذلك و المؤتمنة عليه ، فكيف واجهت المحكمة الدستورية العليا ذلك التعديل ، و ما موقف محكمة النقض و الإدارية العليا من ذلك أيضاً ؟؟؟
الموقف القضائي بعد التعديل :
المحكمة الدستورية العليا : بداية تجب الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية العليا قد عرض عليها الطعن بعدم دستورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 المشار إليه سلفاً ، حيث نعى المدعي عليه عدم عرضه على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره أو في أول اجتماع له في حالة حله أو وقف جلساته ، كما نعى عليه اخلاله بمبدأ المساواة بعد أن استبعد من دائرة تطبيق الحكم الصادر بعدم دستورية أي نص ضريبي جميع من أضيروا في الماضي فيما عدا من طعن بعدم الدستورية ، فضلاً عن مخالفته العدالة الإجتماعية ، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد رفضت كل تلك المطاعن و أكدت طهارة القرار بقانون من تلك المناعي ، بل نفت عنه أية مخالفة لأي حكم في الدستور و انتهت إلى رفض الدعوى. ( حكمها الصادر في القضية رقم 76 لسنة 22 ق دستورية – جلسة 7/7/2002 )
أما فيما يتعلق بموقف المحكمة الدستورية العليا من القرار بقانون بعد انتهائها إلى دستوريته، فقد تمسكت المحكمة بمبدأ الأثر الرجعي لأحكامها الصادرة بعدم الدستورية ، مع إعمال الإستثناء الوحيد من ذلك الأثر الرجعي ، و هو الحكم القضائي البات بشرائطه السابق بيانها - مع وجود خلاف في بعض أحكامها بشأن شرط هذا الإستثناء سنوضحه فيما يلي- ، بجانب الأثر الفوري المباشر، فضلاً عما أضافه المشرع بموجب التعديل السابق الإشارة إليه من تخويله إياها الحق في تقرير أثر فوري لتلك الأحكام في بعض الدعاوى ذات الظروف الخاصة المؤثرة على قدرات الدولة المالية .
فقد قضت بأن :
" ... و كان قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي يعد كاشفاً عما به من عوار دستوري مما يؤدي إلى زواله و فقده نفاذه منذ بدء العمل به ، فيسري هذا القضاء على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية و التي اتصل بها النص مؤثراً فيها ، ما لم تكن الحقوق والمراكز التي يرتبط بها قد استقر أمرها – قبل قضاء هذه المحكمة – بناء على حكم قضائي بات . لما كان ذلك ، و كان النص المحكوم بعدم دستوريته قد حجب عن الطالب أصل حقه في الحصول على المقابل النقدي لرصيد إجازاته الإعتيادية فيما جاوز الشهور الثلاثة المنصوص عليها ، فإن مؤدى ذلك أحقية الطالب في هذا المقابل عن رصيد الإجازات التي حرم منها بسبب مقتضيات العمل ، و دون الإحتجاج في مواجهته بالتقادم طالما كان النص قائماً ". حكمها في القضية رقم 8 لسنة 22 ق طلبات أعضاء – جلسة 10/2/2002 ، و ذات المعنى حكمها في القضية رقم 4 لسنة 21 ق طلبات أعضاء – جلسة 3/2/2001 .
كما قضت بأن :
" و حيث إن مقتضى حكم المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168/1998 هو عدم تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالى لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر الا اذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخا اخر لسريانه ". حكمها الصادر في القضية رقم 154 لسنة 21 ق دستورية – جلسة 16/3/2003 .
و يلاحظ على المحكمة الدستورية العليا في قضائها الحديث تبنيها صياغة جديدة مقتضبة حين تعرض لأثر حكمها بعدم الدستورية ، فقد قضت في بعض أحكامها بأن :
" إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة المطعون فيها ، سيؤدي إلى المساس بالمراكز القانونية للعاملين الذين أفادوا من هذا النص إبان فترة سريانه ، و من ثم فإن المحكمة إعمالاً للرخصة المخولة لها بمقتضى نص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 و حفاظاً على استقرار المراكز القانونية لهؤلاء العاملين ، تحدد لسريان هذا الحكم و إعمال أثره تاريخاً آخر هو اليوم التالي لنشره.......". الحكم الصادر في القضية رقم 128 لسنة 30 ق دستورية – جلسة 7/3/2010 ، و الحكم الصادر في الدعوى رقم 240 لسنة 26 ق دستورية – جلسة 5/4/2009 .
أما محكمة النقض ، فإنها قد تمسكت هي الأخرى بالأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم الدستورية ، إلا أنه فيما يتعلق بالإستثناء من هذا الأثر الرجعي ، فقد سبق بيان أنها كانت بالنسبة للتقادم تعتد به كاستثناء من هذا الأثر، بيد أنها أصدرت من الأحكام ما يفيد عدولها عن ذلك ، معللة ذلك بأن القانون الذي قضي بعدم دستوريته كان وقت سريانه حائلاً بين أصحاب الحقوق و مطالبتهم بها مما يعد معه مثل هذا القانون مانعاً من سريان التقادم ،فقد قضت بأن :
" لما كان النص في الفقرة الأولى من المادة 382 من القانون المدني على أنه : ( لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه و لو كان المانع أدبياً ...) مفاده – و على ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدني – أن المشرع نص بصفة عامة على وقف سريان التقادم كلما استحال عل صاحب الحق مادياً أو قانونياً أن يطالب بحقه ، فهو يقف بالنسبة لكل صاحب حق حال بينه و بين المطالبة بحقه قوة قاهرة ، و كان القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 يعتبر مانعاً قانونياً يستحيل معه على أصحاب الشركات و المنشآت المؤممة المطالبة بحقوقهم بالنسبة للتعويضات التي تجاوز خمسة عشر الف جنيه، والتي استولت عليها الدولة ، فإن التقادم بالنسبة لها يكون موقوفاً منذ العمل بهذا القرار بقانون.... ".الطعن رقم 837 لسنة62 ق جلسة 24/11/1998 .
لكنها ما لبثت أن أصدرت من الأحكام ما يخالف ذلك ، حيث قضت بأن : " ( ........ و كان لهذا الحكم – بعدم الدستورية – أثره الرجعي فيرتد الى الوقائع و العلاقات السابقة على صدوره و التي لم تستقر مراكز الخصوم فيها عند نشر هذا الحكم بحكم بات أو بالتقادم...).الطعن رقم 1261 لسنة 68ق – جلسة 9/5/1999.
أما بالنسبة للإستثناء الثاني الخاص بصدور حكم بات ، فإن الأثر القانوني و الطبيعي و المنطقي لاشتراط المحكمة الدستورية العليا بيتوتة الحكم القضائي الذي به تعصم الحقوق والمراكزالسابقة على الحكم بعدم الدستورية من الأثر الرجعي لهذا الحكم ، أن يسري أثر الحكم بعدم الدستورية على تلك الحقوق و المراكز التي كانت محلاً للأنزعة القضائية و لم تصبح باتة، سواء لعدم انقضاء ميعاد الطعن عليها بالنقض أو لكونها مطعون عليها بالنقض و لم يفصل بعد فيها من محكمة النقض حتى تاريخ نشرحكم عدم الدستورية ، و رغم ذلك إلا أن دوائر محكمة النقض اختلفت فيما بينها بشأن مدى إعمال أثر حكم بعدم دستورية نص لازم للفصل في طعن مطروح أمام محكمة النقض لم يفصل فيه بعد منها ، رغم أنه كان ينبغي في مثل تلك الحالة إعمال أثر حكم عدم الدستورية لعدم صيرورة الحكم -المطعون فيه امام النقض – باتاً ، وفقاً لما جنحت إليه المحكمة الدستورية العليا ، فبينما ذهبت بعض الدوائرإلى عدم إعمال محكمة النقض لأحكام عدم الدستورية التى تصدر أثناء نظرها للطعون المتداولة أمامها ، أي أنها تكتف بكون الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضي حتى يستثنى من الأثر الرجعي ، ذهب البعض الآخر إلى تطبيق وإعمال أثر حكم الدستورية أثناء نظر الطعون أمام محكمة النقض ، و تلك هي التي تشترط في الحكم لكي لا يخضع للأثر الرجعي أن يكون باتاً ، و على كل حال فقد عرض الأمر على الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض حسماً لهذا الخلاف ، و انتهت إلى إعمال الحكم الصادر بعدم الدستورية على الطعون المنظورة أمامها( الطعن رقم 777 لسنة 61 ق هيئة عامة – جلسة 18/5/1999 )، و علي ذلك تكون محكمة النقض قد وافقت المحكمة الدستورية العليا في اشتراط كون الحكم المستثنى من الأثر الرجعي باتاً.
و جدير بالذكر في هذا المقام أن أحكام المحكمةالإدارية العليا تظاهر و تعاضد أحكام المحكمة الدستورية ومحكمة النقض فيما يخص الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ،لكنها تخالفهما بالنسبة للإستثناءين الواردين على الأثرالرجعي، حيث إنها تكتفي بكون الحكم حائزاً لقوة الأمرالمقضي، كما أنها تعتد بالتقادم كاستثناء من هذا الأثر الرجعي ، و ردت بالحجة على محكمة النقض ،فقد قضت بأن :
" الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة و ليست منشئة ، إذ هي لا تستحدث جديداً و لا تنشىء مراكزاً أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل ، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء و ترده الى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره، الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة ، فضلاً عن أن نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا قضى بعدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية في الجريدة الرسمية ، و من ثم بات متعيناً على قاضي الموضوع إعمالاً لهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعة المطروحة عليه . الحكم بعدم دستورية نص ما مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب و إنما بالنسبة الى الوقائع و العلاقات السابقةعلى صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم ، فإن كان الحق المطالب به قد إنقضى بالتقادم قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا إنتفى بشأنه مجال إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية...و لا وجه للقول بأن التقادم لا يسري إلا بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص المحدد للضريبة بحسبانه كان يشكل مانعاً قانونياً من المطالبة بهذا الرسم ، إذ لم يكن هناك ما يحول مادياً و قانونياً دون المطالبة بهذه الحقوق، و ولوج طريق الطعن بعدم الدستورية من قبل ذوي الشأن حتى يتسنى لهم الحصول على ما يرونه من حقوق).
الطعنان رقما : 8289 لسنة 45ق عليا – جلسة 8/12/2001 ، 7064 لسنة 44ق عليا – جلسة 22/12/2001 – مشار اليهما بمجلة المحاماة – العدد الثالث 2003 ص 317 ، 318 ، 326 .
هذا، و للأمانة العلمية ، فقد تلاحظ لي من خلال متابعة أحكام المحكمة الدستورية العليا الحديثة ، أنها عادت سيرتها الأولى ، حيث لم تلتزم بكون الحكم المستثنى من الأثر الرجعي باتاً ، و اكتفت بكونه حائزاً لقوة الأمر المقضي ، فقد قضت بأن :
" و حيث إن مقتضى حكم المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادربذلك، و كذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا ما استقر من حقوق و مراكز صدرت بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضي ، أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخاً آخر لسريانه، لما كان ذلك و كان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة1977 و على ما انتهت إليه المحكمة في هذه الأسباب ، مؤداه إحداث خلخلة اجتماعية و اقتصادية مفاجئة ، تصيب فئات عريضة من القاطنين بوحدات سكنية تساندوا في إقامتهم بها إلى حكم هذا النص قبل القضاء بعدم دستوريته ، و هي خلخلة تنال من الأسرة في أهم مقومات وجودها المادي ، و هو المأوى الذي يجمعها و تستظل به، بما تترتب عليه آثار اجتماعية تهز مبدأ التضامن الإجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع وفقاً لما نصت عليه المادة السابعة من الدستور، إذ كان ذلك فإن المحكمة ترى إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانونها، و تحدد لسريان هذا الحكم تاريخاً آخر هو اليوم التالي لنشره....... ". حكمها الصادر في القضية رقم 70 لسنة 18 ق دستورية – جلسة 3/11/2002 ، و ذات المعنى حكمها الصادر في القضية رقم 4 لسنة 23 ق دستورية – جلسة 13/4/2003 ، و حكمها الصادر في القضية رقم 175 لسنة 26 ق دستورية – جلسة 14/1/2007 .
و هكذا يظهر في قضاء المحكمة الدستورية العليا نوع من التخبط في أحكامها في شأن شرائط الإستثناء من الأثر الرجعي لأحكامها ، و قد يكون مقبولاً أن تتبنى المحكمة مبدأً ما في مسألة معينة ثم تنتهج مبدأ آخر عدولاً عن الأول ، لكن أن تنتقل المحكمة بين عدة مبادئ متناقضة و في وقت متقارب، لتضحى أحكامها مذبذبة بينها ، لا إلى هذا المبدأ و لا إلى ذلك المبدأ ، رغم أهمية استقرار أحكامها على مبدأ واحد ، لكونها تمس المواطنين في آثارها ، فإن ذلك التذبذب في المبادئ القضائية من شأنه أن يحدث نوعاً خطيراً من عدم المساواة بين المتقاضين ، و زعزعة وإخلالاً و خرقاً لاستقرارالحقوق والمراكز القانونية ، و هو ما ينعكس سلبياً على العدالة في رافد من أهم روافدها ، و جدير بالذكر أن ذات الأثر الخطير متوافر في قضاء محكمتي النقض و الإدارية العليا ، و المترتب على الإختلاف الحاصل بينهما بشأن الشرائط الواجب توافرها في الإستثناءين الواردين على الأثر الرجعي ، وفقاُ لما سبق بيانه ، فإن المتقاضي أمام القضاء الإداري يعد أكثر حظاً من ذاك الذي أمام القضاء العادي، فمن ناحية يكتفي الأول بكون الحكم المستثنى من الأثر الرجعي بكونه حائزاً لقوة الأمر المقضي، في حين استقرت محكمة النقض على استلزام كونه باتاً، و من ناحية أخرى يستثني القضاء الإداري التقادم من الأثر الرجعي ، أما القضاء العادي فأمره غير مستقر لاختلاف أحكام النقض في ذلك على النحو الذي سلفت الإشارة إليه .
و إني لأهيب بتلك المحاكم العليا جميعاً ، أن تسعى سعياً حثيثاً نحو العمل على توحيد قضائها بشأن تلك الإستثناءات من الأثر الرجعي، وصولاً لوحدة القاعدة القانونية المطبقة على المواطنين ، باعتبار أن الهدف من تلك المحاكم التي تتربع على قمة التنظيم القضائي في البلاد يكمن في تحقيق وحدة القضاء في الدولة، و من ثم وحدة القانون نفسه، فهي تضمن التطبيق الصحيح للقانون،أي أن يكون القانون كما تعلنه المحاكم مطابقا للقانون كما أراده المشرع، و بذلك تلعب دوراً مهماً و فعالاً في ضمان تحقيق مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون و استقرار الحقوق و المراكز القانونية بالتبعية.
أثر الحكم بعدم دستورية نص ضريبي :
لا يفوتني التنبيه إلى أنه و إن كان المشرع وفقاً للتعديل الذي تم بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 قد أضاف نصاً بموجبه جعل للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص ضريبي أثر فوري مباشر فقط ، ليقطع دابر الأثر الرجعي عن تلك الاحكام ، مستثنياً من ذلك المدعي في الدعوى الدستورية التي صدر فيها الحكم بعدم الدستورية دون غيره ، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد فاجأت واضعي القرار بقانون المذكور و أدهشت رجال القانون بنظرها القانوني العميق و وعيها الدقيق ، وذلك حين عرضت عليها الفقرة الخاصة بالنص الضريبي سالف الذكر ، حيث فسرت المقصود بالمدعي الذي يستفيد وحده من الحكم بعدم دستورية النص الضريبي بقولها: ( ... وكان نص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها ، جاء قاطعاً في أن الحكم بعدم دستورية اي نص ضريبي يرتب أثراً مباشراً فقط، إلا أن النص المذكور قرن ذلك بعدم الإخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بهذا الشأن، بما مؤداه اطلاق صفة المدعي لتشمل كل من اتصلت دعواه مستوفية أوضاعها القانونية بالمحكمة الدستورية العليا وقت صدور الحكم بعدم دستورية هذا النص ، و هو الإطلاق الذي يعصم النص من عدم الدستورية ). الحكم الصادر في القضية رقم76 لسنة 22 ق دستورية – جلسة 7/7/2002
و بذلك أصبح المجال مفتوحاً أمام جميع من أضيروا من النص الضريبي الصادر بعد القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 للإستفادة من الحكم بعدم دستورية هذا النص ، شريطة أن يكونوا قد رفعوا دعاويهم الدستورية قبل صدور أول حكم بعدم دستوريته، مع التأكيد على صحة إجراءات رفع الدعوى الدستورية و مراعاة مواعيدها المقررة .
خلاصة الوضع القانوني الحالي للحكم بعدم الدستورية :
الرأي عندي أن يتم تحديد تلك الخلاصة وفقاً لقضاء المحكمة الدستورية العليا -ـ رغم أنه في الواقع العملي ستحتكم محاكم الموضوع في كل جهة قضائية بما أرسته و سنته محكمتها العليا لديها ، سواء محكمة النقض بالنسبة للقضاء العادي أو المحكمة الإدارية العليا بالنسبة للقضاء الإداري -ـ لكون تلك الآثار تتعلق بأحكامها الدستورية التي تصدر منها ، تلك الأحكام التي تختص هي – و على سبيل الحصر و الإستئثار- دون غيرها بإصدارها و تحديد مضامينها و آثارها و تفسيرها و تنفيذها و إزالة عوائق تنفيذها، فقد اختصها الدستور و قانونها بذلك ، فإذا تم تحديد آثارأحكامها من أية جهة كانت ، قضائية أم غير قضائية ، على خلاف ما قصدته وجرى عليه قضاؤها ، كان ذلك عدواناً على اختصاصها و نيلاً من سلطتها الولائية ، و تسليطاً لقضاء أدنى على قضاء أعلى ، و عائقاً من عوائق التنفيذ يعترض أحكامها و ينال من جريان آثارها في مواجهة الكافة ، و لو حدث ذلك و لجأ أصحاب الشأن إلى المحكمة الدستورية العليا لوقف تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء بدرجاته و أنواعه المختلفة التي حدت من آثار حكمها الدستوري ، إعمالاً لنص المادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا فيما نصت عليه من اختصاص المحكمة الدستورية دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة منها ، فلن تتوانى المحكمة الدستورية في الإستجابة لذلك ، فلقد حدث أن أصدرت المحكمة الدستورية حكمين بعدم القبول ، بشأن الطعن بعدم دستورية تجريم تقاضي المؤجر مقدم إيجار يجاوز أجرة سنتين من المستأجر و بعدم دستورية تجريم تقاضي المؤجر أي مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار ( خلو الرجل )، و استندت في ذلك إلى انتفاء مصلحة المدعي لكون قانون الإيجار رقم 4 لسنة 1996 يعتبر قانوناً أصلح للمتهم ، إلا أن الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض أصدرت حكماً بجلسة 13/4/1997 في الطعن رقم 11838 لسنة 60 ق منتهية فيه إلى عدم اعتبار القانون المذكور أصلح للمتهم ، فلجأ المتهم للمحكمة الدستورية العليا لفض هذا التناقض بين تلك الأحكام ، طالباً وقف تنفيذ حكم محكة النقض ، فكيفة المحكمة الدستورية طلبه على أنه طلباً بالإستمرار في تنفيذ حكمها ، و قضت المحكمة الدستورية بالإستمرار في تنفيذ حكمها دون حكم محكمة النقض ، وقد جاء بحكمها : " ... كلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادرفي دعوى دستورية فإن حقيقة مضمونه و نطاق القواعد القانونية التي احتواها و الآثار المتولدة عنها هي التي تحدد جميعها شكل التنقيذ و تبلور صورته الإجمالية و تعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته ، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها و تنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة و دون تمييز بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد و صون حرياتهم إنما يفترض أن تكون هذه العوائق سواء بطبيعها أو بالنظر إلى نتائجها حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيد لنطاقها.... " ، و انتهت المحكمة إلى أنه " ... يكون متعيناً القضاء بالإستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين باسبابه ..... دون ما حاجة إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه في تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية ، سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية ، بما يلزم كل سلطة في الدولة – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها – باحترام قضائها و تنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين ( 72 ، 178 ) من الدستور و الفقرة الأولى من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ... و بما مؤداه عدم الإعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه ". حكمها الصادر في القضية رقم 1 لسنة 19 ق منازعة تنفيذ دستورية – جلسة 3/10/.1998 .
و على كل فإن الخلاف بين المحكمة الدستورية و محكمة النقض و الإدراية العليا ينحصر في الأحكام الصادرة بعدم دستورية نص غير جنائي و لا ضريبي ، و بناء على ذلك فيمكن تحديد الخلاصة المذكورة وفقاً لقضاء المحكمة الدستورية العليا ، مع الإشارة إلى أوجه الخلاف بينها و بين محكمتي النقض و الإدارية العليا بالنسبة للأحكام المذكورة سلفا ، على النحو التالي:
1- سريان جميع أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم الدستورية – بلا استثناء – بأثر فوري مباشر على ما ينشأ من مراكز و وقائع مستقبلة تالية لنشر الحكم بعدم الدستورية . ( بلا خلاف بين المحاكم العليا جميعاً )
2- سريان أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم دستورية النصوص الجنائية بأثررجعي بلا استثناء من تلك الرجعية ، فضلاً عن الأثر الفوري لها .( بلا خلاف بين المحاكم العليا في ذلك أيضاً )
3- سريان أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم دستورية النصوص الضريبية بأثر فوري مباشر فقط ، فيما عدا المدعي في الدعوى الدستورية التي صدر فيه الحكم بعدم دستورية النص الضريبي فيستفيد من ذلك الحكم ، و كذا كل من رفع دعواه الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا وفقاً للإجراءات و الآليات القانونية المقررة لاتصال المحكمة الدستورية بالدعوى ، و ظلت دعواه منظورة أمامها حتى صدر الحكم الأول بعدم الدستورية . ( و ذلك ايضاً بلا خلاف بين المحاكم العليا )
4- سريان احكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم دستورية باقي النصوص – أي غير الجنائية و الضريبية – بأثر رجعي ، ما لم تقرر المحكمة الدستورية العليا تاريخاً آخر، بأن تقرر له أثراً مباشر
منذ أيام قلائل سمعت من بعض الزملاء – و بل قرات لبعض المتخصصين في القانون و سمعت منهم كذلك – أحاديث بخصوص العمل بالحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا و كيفية إعمال آثاره على الحقوق والعلاقات ، سواء تلك السابقة له أو هذه اللاحقة عليه، فأصابني هم و حزن كبيران ، زاد ا مما أعانيه أصلاُ من سماع و قراءة و رؤية سوءات الثقافة القانونية لكثير من رجال القانون ، قضاء ومحامين ، فأحببت أن أكتب هذا البحيث ، راغباً في تبيان وجه الحقيقة فيه ، مخلصاً من قلبي من حيث إرادة وصول الصواب لأهل القانون ، موقناً أني لست أهلاً لهذا العمل ، فعسى ربي أن يهديني سواء السبيل ، إنه حسبي و نعم الوكيل.
يحكم المسألة المثارة نص المادة الرقيمة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 ، و سنعرض لحكمها قبل تعديلها بالقانون رقم 168 لسنة 1998 ، ثم نعرض لهابعد هذا التعديل .
أولاً : المادة 49 قبل التعديل :
تنص المادة المذكورة على أن : " أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية و قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة و للكافة . و يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم . فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن . ......." .
و البين من ظاهر النص المذكور أن لأحكام المحكمة الدستورية العليا أثر فوري مباشر ، و ليس لها من أثر رجعي إلا فيما يتعلق بالأحكام الصادرة بعدم دستورية نص جنائي.
إلا أنه بمطالعة المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمةالدستورية العليا سالف الذكر يتبين أنها تخالف ذلك المعنى ، حيث جعلت للحكم بعدم الدستورية أثراً رجعياً باستثناء حالتين ، فقد ورد بها بشان المادة 49 المشار إليها سلفاً ما يلي :
" تناول القانون أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة ، فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ، وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة، واستقر الفقه و القضاء على أن مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب و إنما بالنسبة إلى الوقائع و العلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أنه يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حازقوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم ".
و إزاء هذا التعاررض بين نص المادة 49 و بين ما ورد بالمذكرة الإيضاحية آنفة الذكر ، فقد نشأ خلاف في الرأي حول هذا الأثر للحكم بعدم الدستورية ، و نتج عن هذا الخلاف رأيان :
الرأي الأول : يقرر أن للحكم بعدم الدستورية أثر مباشر:
و مفهوم هذا الرأي أن الحكم بعدم الدستورية ينحصر أثره في المستقبل فقط و لا يكون له من أثر رجعي فلا يمس العلاقات و المراكز السابقة عليه .
و قد تبنت بعض دوائر محكمة النقض هذا الرأي ، حيث قضت بأن :
" لئن كان القرار بقانون رقم 104 لسنة 1964 بأيلولة القدر الزائد من الأراضي الزراعية المستولى عليها إلى الدولة دون مقابل قد قضي بعدم دستوريته من المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 25 لسنة 1 ق دستورية بتاريخ 25/6/1983 و نشر الحكم الصادر فيها بالعدد رقم .... بالجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 7/7/1983 ، إلا أنه وفقاً لنص المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا ، لا يجوز تطبيق نص في قانون أو لائحة قضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية ، مما مفاده أن القرار بقانون سالف الذكر وقت إصدار الحكم المطعون فيه بتاريخ 22/12/1980 كان نافذاً واجب الإعمال ، و لا يغير من ذلك الحكم بعدم دستوريته في تاريخ لاحق ".الطعن رقم 370 لسنة 51 ق – جلسة 13/10/1985
و قد قضت كذلك بأن : " النص في المادة 178 من الدستور على أنه " تنشر في الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية و القرارات الصادرة بتفسير النصوص التشريعية و ينظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم دستورية نص تشريعي من آثار" و في المادة 49 من القانون رقم 49 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا على أن "..........." يدل على أن الحكم بعدم دستورية نص تشريعي يسري من اليوم التالي لنشره بالجريدة االرسمية بما يترتب عليه من عدم جواز تطبيق ذلك النص من هذا التاريخ ، و لما كان القانون رقم 48 لسنة 1979 لم ينص على ترتيب أية آثار على المراكز القانونية التي تكون قد استقرت في الفترة السابقة على نشر الحكم الذي قضى بعدم دستورية النص القانوني الذي ترتبت هذه المراكز استناداً إليه – كما ذهب إلى ذلك بالنسبة إلى الأحكام التي صدرت بالإدانة استناداً إلى نص جنائي قضي بعدم دستوريته – فإنه لا يكون لهذا الحكم أي أثر على المراكز القانونية التي استقرت في الفترة السابقة على نشر الحكم المذكور ، و كان قرار القيد موضوع الدعوى – بما لا خلاف فيه بين الخصوم – قد صدر قبل نشر حكم المحكمة الدستورية فلا أثر لهذا الحكم على القرار سالف الذكر ، و إذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر و تناول بالرد في أسبابه دفاع الطاعن في هذا الخصوص ، فإنه يكون قد وافق صحيح القانون " الطعن رقم 2034 لسنة 56ق – جلسة 26/3/1989 .
و قد أكد جانب من الفقه صحة هذا الإتجاه ، مرتكناً في ذلك إلى بعض الأسانيد القانونية والمنطقية ، من أهمها :
1- ما قيل من أن (عبارات المادة 49 سالفة الذكر في فقراتها الأربعة واضحة وضوح الشمس في رايعة النهار و لا تسمح على الإطلاق بأي خطأ في التفسير أو تجعل ثمة مجال في التأويل ، فهي تفرق بين النصوص الجنائية من ناحية و النصوص الأخرى من ناحية أخرى ، فالنصوص غير الجنائية – عندما يقضى بعدم دستوريتها – يمتنع تطبيقها من اليوم التالي لنشر الحكم ، و تبقى بالنسبة للماضي ، تبقى سارية في الفترة الزمنية منذ صدورها إلى يوم نشرالحكم ، و بعبارة أخرى : انها لا تسقط بأثر رجعي ........ و لكن المحكمة الدستورية العليا أهدرت كل ذلك اهداراً كاملا..... فقد عمدت – باديء ذي بدء – إلى إهدار أبسط القواعد في تفسير النصوص ، و هي القاعدة التي تقول : انه لا اجتهاد مع النص ، و لا اجتهاد مع النص الواضح الشديد الوضوح ..... فليس ثمة اجتهاد لأحد في بيان حكم القانون إذا كان هناك نص في القانون ..... و ليس ثمة اجتهاد لأحد إذا كان النص نفسه شديد الوضوح ، ذلك أن الحاجة إلى الإجتهاد قد توجد إذا كان النص مشوباً بالغموض ، فيعمد الناس إلى المذكرة الإيضاحية للقانون أو سواها من الأعمال التحضيرية لبيان حقيقة مقصد المشرع من النص الذي وضعه......و لكن المحكمة الدستورية العليا فعلت غير ذلك ، فقد عمدت إلى الإجتهاد مع الوضوح الشديد للنص ، و أرادت أن ترجع إلى المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا).( الأستاذ الدكتور/ مصطفى أبو زيد فهمي – الدستور المصري فقهاً و قضاءً – طبعة 1996 – صفحة د ، هـ)
2- و ما قيل كذلك من أنه (إذا تعددت المذكرات الإيضاحية للقانون ، مذكرة وضعتها وزارة العدل و هي تقترح نصوص القانون فتجعل لها المعنى الذي أرادته يجري على نحو معين ، و مذكرة أخرى وضعتها اللجنة التشريعية بمجلس الشعب و هي تبحث القانون و توصي المجلس بالموافقة عليه بالمعنى الذي أرادته ، فأي المذكرتين الإيضاحيتين تعتبر معبرة عن رأي المشرع الذي هو مجلس الشعب و ليس وزارة العدل ؟ لاشك أنها المذكرة التي وضعتها اللجنة التشريعية بمجلس الشعب ...... و أنه لمن المسلمات والبديهيات أن يكون المرجع في فهم نصوص القانون ليس المذكرة الإيضاحية الأولى التي صاحبت المشروع و هو يأتي من الحكومة ، و إنما تقرير اللجنة التشريعية التي ضمنت التصور النهائي لمشروع القانون كما رأته اللجنة التشريعية والمجلس التشريعي الذي أقر هذا المشروع . فما الذي جاء في هذا التقرير ؟ لقد جاء فيه بالحرف الواحد :
" لقد نصت المادة 49 من المشروع على أن أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية و قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة و للكافة . و يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، و مقتضى ذلك أن بطلان النص المخالف للدستور يتم من هذا التاريخ اللاحق للحكم ، و ليس في ذلك أية مخالفة أو تعارض مع نص الدستور حيث ترك المشرع الدستوري أمر تحديد آثار الحكم بعدم الدستورية للمشرع العادي دون تقييده بقاعدة ما في هذا الصدد ، و مع ذلك فإنه استثناء من القاعدة العامة التي أخذ بها المشرع بشأن الأثر المباشر للحكم بعدم الدستورية قرر بالنسبة للنصوص الجنائية أنه يبطل العمل بالنص الجنائي – سواء كان عقابياً أم متعلقاً بالإجراءات – من التاريخ آنف الذكر على أن تعتبر الأحكام الصادرة بالإدانة استناداً إلى النص الباطل دستورياً كأن لم تكن ... ") "المرجع السابق صفحة هـ ، و ، ز" .
و لقد أكدت محكمة النقض عدم الإعتداد بالمذكرة الإيضاحية لأي قانون إذا تجاوزت حدودها و خالفت نصوص القانون الصريحة ، فقد قضت بأن : " القاضي مطالب أولاً بالرجوع إلى نص القانون ذاته و إعماله على واقعة الدعوى في حدود عبارة النص ، فإذا كانت واضحة الدلالة فلا يجوز الأخذ بما يخالفها مما يرد في الأعمال التحضيرية ، و من بينها المذكرات التفسيرية المرافقة للقانون و تغليبها على عبارة النص لخروج ذلك عن مراد الشارع ". الطعن الجنائي رقم 659 لسنة 29 ق –جلسة 9/6/1959.
3- استكمالاً للدليل المستمد من النص ذاته ، فإن الفقرة الرابعة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا قد نصت على استثناء الحكم بعدم دستورية نص جنائي من أثر الحكم بعدم الدستورية الوارد بالفقرة الأولى من ذات المادة و التي جعلت الأصل هو الأثر المباشر ، و رتبت على هذا الإستثناء نتيجته الطبيعية و هي اعتبار الأحكام الجنائية التي صدرت بالإدانة استناداً للنص الذي قضي بعدم دستوريته كأن لم يكن ، أي أن للحكم بعدم دستورية نص جنائي أثر رجعي ، فلو صح جدلاً أن الأصل بالنسبة لأثر الحكم بعدم الدستورية هو الأثر الرجعي ، لكان النص على الإستثناء المذكور لغواً و عبثاً من المشرع ، لأنه لا حاجة حينئذ لتقريره في ظل هذا الأصل المفترض ، و المقرر أن المشرع منزه عن العبث و اللغو ، و أنه إذا تكلم فقد أراد و قصد معنى.
الرأي الثاني : تقرير الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية :
هذا الرأي هو الرأي المشهور و المعمول به ، ووفقاً لهذا الرأي فإن الحكم بعدم الدستورية لا يسري فقط بأثر فوري مباشر، أي على الحقوق و المراكز القانونية التي تنشأ بعد تاريخ نشر الحكم بعدم الدستورية في الجريدة الرسمية ، بل يسري كذلك بأثررجعي ، أي على الحقوق و المراكز القانونية التي نشأت قبل التاريخ المذكور ، ما عدا تلك التي استقرت بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم .
و قد قضت المحكمة الدستورية العليا تأكيداً و تعليلاً لذلك بأن :
" الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة و ليست منشئة ، إذ هي لا تستحدث جديداً و لا تنشىء مراكزاً أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل ، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء و ترده إلى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره، الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة ، بياناً لوجه الصواب في دستورية النص التشريعي المطعون عليه منذ صدوره ، و ما إذا كان النص قد جاء موافقاً للدستور و في حدوده المقررة شكلاً و موضوعاً ، فتتأكد للنص شرعيته الدستورية و يستمر نفاذه ، أم أنه صدر متعارضاً مع الدستورفينسلخ عنه وصفه و تنعدم قيمته بأثر ينسحب إلى يوم صدوره ، و فضلاُ عن ذلك فإن المشرع حين أجاز في قانون المحكمة الدستورية العليا إثارة المسألة الدستورية أثناء نظر إحدى الدعاوى أمام أي من جهات القضاء ، إما من تلقاء نفسها أو بطريق الدفع من أحد الخصوم ، و أوجب على الجهة القضائية – عند الشك في عدم الدستورية – وقف الدعوى أو تأجيلها انتظاراً لحكم المحكمة الدستورية العليا بالفصل في المسألة المثارة ، إنما كان يبغي بذلك تحقيق فائدة للخصم في المنازعات الموضوعية التي أثير فيها الدفع الدستوري فيما لو قضي بعدم الدستورية ، و هي منازعات تدور كلها حول علاقات وأوضاع سابقة بالضرورة على الحكم بعدم الدستورية ، فإذا لم يكن لهذا الحكم أثر رجعي ، لأصبح لزاماً على قاضي الموضوع – الذي أرجأ تطبيق القانون حين ساوره الشك في عدم دستوريته – أن يطبق ذات القانون بعد القضاء بعدم دستوريته ، مما يأياه المنطق القانوني السليم و يتنافى مع الغرض المرتجى من الدفع بعدم الدستورية و لا يحقق لمبدي الدفع أية فائدة عملية، مما يجعل الحق في التقاضي – و هو من الحقوق العامة التي كفلها الدستور في المادة 68 منه للناس كافة – بالنسبة للمسألة الدستورية غير مجد و مجرداً من مضمونه ، الأمر الذي ينبغي تنزيه المشرع عن قصد التردي فيه ، و بالإضافة إلى ذلك فإن النص في المادة 49 من قانون المحكمةالدستورية العليا على عدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية هو خطاب تشريعي موجه لجميع سلطات الدولة و للكافة للعمل بمقتضاه ، و لما كان قاضي الموضوع هو من بين المخاطبين بهذا النص التشريعي فإنه يكون متعيناً عليه عملاً بهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعات المطروحة عليه من قبل ، و ذلك يؤكد قصد المشرع في ترتيب الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية و يؤكد إنسحابه على ما سبقه من علاقات و أوضاع نشأت في ظل القانون الذي قضي بعدم دستوريته ، و قد أعملت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا هذه الرجعية على إطلاقها بالنسبة للنصوص الجنائية إلى حد إسقاط حجية الأمر المقضي لتعلقها بالإدانة في أمور تمس الحريات الشخصية ......، أما في المسائل الأخرى غير الجنائية فيسري عليها كذلك الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ما لم يكن للعلاقات و الأوضاع السابقة عليه أساس قانوني آخر ترتكن إليه و يحد من إطلاق الرجعية عليه ، و هو ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا في تعليقهاعلى نص المادة 49منه ، حيث جاء بها أن القانون تناول أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة فنص على عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ، و هو نص ورد في بعض القوانين المقارنة ، و استقر الفقه و القضاء على أن مؤداه عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب ، وإنما بالنسبة إلى الوقائع و العلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بإنقضاء مدة التقادم ..... و هو ما جري عليه قضاء هذه المحكمة بحكمها الصادر في الدعوى الدستورية رقم 16 لسنة 3 ق بتاريخ 5/6/1982 و حكمها الصادر في الدعوى الدستورية رقم 48 لسنة 3 ق بتاريخ11/6/1983". حكمها الصادر في الدعوى رقم 37 لسنة 9 ق دستورية – جلسة 19/5/1990 .
و هو ما رددته بعض الدوائر بمحكمة النقض ، حيث قضت بأن : " المقرر في قضاء هذه المحكمة انه و لئن كان يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم وفقاً لنص المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 بإصدار قانون المحكمة الدستورية العليا إلا أن عدم تطبيق النص و على ما ورد بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون لا ينصرف إلى المستقبل فحسب و إنما ينسحب على الوقائع و العلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أوبإنقضاء مدة التقادم ". الطعن رقم 1630 لسنة 58 ق – جلسة 13/3/1991 .
و يلاحظ أن حكم النقص المذكور يناقض ماذهبت إليه بعض الدوائر الأخرى من أن للحكم بعدم الدستورية أثر مباشر و ليس رجعي ، على نحو ماسبق إيراده ، كما يلاحظ كذلك أنه يخالف القاعدة المستقرة في قضاء النقض والسابق بيانها من أنه لا يعتد بالمذكرة الإيضاحية أو التفسيرية للقانون إذا خالفت صراحة نصوص القانون ، و كان يتعين على محكمةالنقض توحيد مثل تلك المبادئ و عدم مخالفتها نظراً لتعلقها بمسائل دستورية و قانونية مؤثرة على حقوق المواطنين و استقرارها .
إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد تحللت من أحد الإستثناءين الواردين على مبدأ الأثر الرجعي الذي قررته لأحكامها الصادرة بعدم الدستورية ، حيث أسقطت الحقوق و المراكزالتي تستند في استقرارها إلى انقضاء مدة التقادم من نطاق الإستثناء المذكور، و قصرت – بالتالي – ذلك الإستثناء على حالة واحدة فقط ، هي الحقوق والمراكز التي استقرت بحكم لم يسلم هوالآخر من التعديلات القضائية لها ، حيث لم تكتف بكون ذلك الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضي ، بل اشترطت أن يكون حكماً قضائياً باتاَ و صادراَ قبل تاريخ قضائها بعدم الدستورية ، فضلاً عن أن يكون ذلك الحكم مرتكناً في قضائه إلى النص عينه التي قضت هي بعدم دستوريته ، فقد قضت بأن :
" إبطال هذه المحكمة للنصوص القانونية المخالفة اللدستور ، يعتبر تقريرأً لزوالها نافياً وجودها منذ ميلاده، و قضاؤها بصحتها، يؤكد استمرار نفاذها تبعاً لخلوها من كل عوار يدينها، و ليس مفهوماً أن تكون واقعة نشر الأحكام الصادرة بعدم دستورية بعض النصوص القانونية – في ذاتها – حداً زمنياً فاصلاً بين صحتها و بطلانها، فلا يكون النص الباطل منعدماً إلا اعتباراً من اليوم التالي لهذا النشر، و القول بذلك مؤداه أن يكون التقاضي جهداً ضائعاً و عملاً عبثياً، و أن للنص القانوني الواحد مجالين زمنيين، يكون صحيحاً في أحدهما، و باطلاً في ثانيهما، حال أن بطلان النصوص القانونية لا يتجزأ ، و يستحيل أن ينقلب العدم وجوداً ، و لا أن يكون مداه متفاوتاً أو متدرجاً ، فالساقط لا يعود أبداً.
و حيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا – ضماناً لصون الحرية الشخصية التي كفلها الدستور و اعتبرها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز الإخلال بها عدواناً – قد نص في المادة 49 منه، على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي، فإن أحكام الإدانة الصادرة استناداً إليه، تعتبر كان لم تكن، وهو ما يعني سقوطها بكل آثارها، و لو صار الطعن فيها ممتنعاً، لتفارقها قوة الأمر المقضي التي قارنتها، و تلك هي الرجعية الكاملة التي أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، و هي بعد رجعية لا قيد عليها و لا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفاً لكل عائق على خلافها و لوكان حكماً باتاً. فإذا كان قضاؤها مبطلاً لنص غير جنائي، فإن أثره الرجعي يظل جارياً، و منسحباً إلى الأوضاع و العلائق التي اتصل بها مؤثراً فيها، حتى ما كان منها سابقاً على نشره في الجريدة الرسمية، ما لم تكن تلك الحقوق والمراكز التي ترتبط بها قد استقر أمرها بناء على حكم قضائي توافر فيه شرطان: أولهما: أن يكون باتاً و ذلك باستنفاذه لطرق الطعن جميعها، ثانيهما: أن يكون صادراً قبل قضاء المحكمة الدستورية العليا، و محمولاً علي النصوص القانونية عينها التي قضي ببطلانها .........".
حكمها الصادر في الدعوى رقم 22 لسنة 18ق دستورية – جلسة 30/11/1996
ثانياً : المادة 49 بعد التعديل :
صدر القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا في فقرتها الثالثة ، حيث أصبحت تنص على أنه : " و يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم بعدم دستورية هذا النص ".
و مفاد ذلك النص – في ظاهره – أن الأصل بالنسبة لأثر الحكم بعدم دستورية النصوص غير الجنائية هو الأثر المباشر، ما لم تستعمل المحكمة الدستورية العليا المكنة التي منحها لها المشرع في تحديد تاريخ آخر لسريان أثر حكمها بعدم الدستورية في غير النصوص الضريبية ، أي إعمال المحكمة للأثر الرجعي استثناء من أصل الأثر الفوري، بحيث إذا لم تحدد المحكمة في حكمها تاريخاً محدداً لسريان أثر حكمها فيسري حينئذ الحكم بأثر مباشر وفقاً لصدرالفقرة الثالثة سالفة الذكر من المادة 49 .
أما المذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه سلفاً فقد ورد بها :
" قد أدى الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام المحكمة – في غير المسائل الجنائية – إلى صعوبات متعددة في مجال التطبيق ، يندرج تحتها الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها ، و تحميل الدولة بأعباء مالية تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها التنموية و النهوض بالخدمات و المرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في مجموعهم . و علاجاً لمشكلة الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل هذه الحالات، التي كشفت عنها التجربة و تحقيقاً للموازنة بين متطلبات الشرعية الدستورية و إعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع و الحفاظ على أمنه اجتماعياً و اقتصادياً ، و هي أمور يرتبط كل منها بالآخر برابطة وثقى ، فقد رؤي تعديل حكم الفقرة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل الأغراض الآتية :
أولا : تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعى لحكمها على ضوء الظروف الخاصة التي تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر الخطورة التي تلازمها .
ثانيا: تقرير أثر مباشر للحكم اذا كان متعلقا بعدم دستورية نص ضريبى ... "
و لا ريب أن ما ورد بتلك المذكرة الإيضاحية يقطع بأن للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي ما لم تقرر المحكمة الدستورية غير ذلك ، و هذا تفسير – عندى – يضاد التفسير الذي تدل عليه ألفاظ النص الصريحة وفقاً لما تقدم ، أي أن الخلاف الذي كان موجوداً قبل التعديل لا زال مستمراً ، و كأن السلطة القاًئمة على التشريع تبغي بنا رهقاً ، فبدلاً من قيام تلك السلطة بإزالة ما شاب النص – قبل تعديله – من غموض و ما يرتبه ذلك من تضارب في الآراء و الأحكام ، إذا بها تستمسك بذلك الغموض ، و لا عجب في ذلك ، فليس الأمر على السلطة المذكورة بغريب، غير أني أستشعر أن هناك صراعاً في شأن أثر الحكم بعدم الدستورية بين المحكمة الدستورية العليا و المشرع، فالمشرع يبغي بكل السبل المتاحة له اسقاط الأثر الرجعي ، و يضع النصوص التي يوحي ظاهرها بذلك ، فتفاجئه المحكمة الدستورية العليا بعكس ذلك ، حرصاً منها – بلا مراء – على الحفاظ على أسس الشرعية الدستورية و توحيد مضامينها ، و لم لا و هي القيمة على ذلك و المؤتمنة عليه ، فكيف واجهت المحكمة الدستورية العليا ذلك التعديل ، و ما موقف محكمة النقض و الإدارية العليا من ذلك أيضاً ؟؟؟
الموقف القضائي بعد التعديل :
المحكمة الدستورية العليا : بداية تجب الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية العليا قد عرض عليها الطعن بعدم دستورية القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 المشار إليه سلفاً ، حيث نعى المدعي عليه عدم عرضه على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدوره أو في أول اجتماع له في حالة حله أو وقف جلساته ، كما نعى عليه اخلاله بمبدأ المساواة بعد أن استبعد من دائرة تطبيق الحكم الصادر بعدم دستورية أي نص ضريبي جميع من أضيروا في الماضي فيما عدا من طعن بعدم الدستورية ، فضلاً عن مخالفته العدالة الإجتماعية ، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد رفضت كل تلك المطاعن و أكدت طهارة القرار بقانون من تلك المناعي ، بل نفت عنه أية مخالفة لأي حكم في الدستور و انتهت إلى رفض الدعوى. ( حكمها الصادر في القضية رقم 76 لسنة 22 ق دستورية – جلسة 7/7/2002 )
أما فيما يتعلق بموقف المحكمة الدستورية العليا من القرار بقانون بعد انتهائها إلى دستوريته، فقد تمسكت المحكمة بمبدأ الأثر الرجعي لأحكامها الصادرة بعدم الدستورية ، مع إعمال الإستثناء الوحيد من ذلك الأثر الرجعي ، و هو الحكم القضائي البات بشرائطه السابق بيانها - مع وجود خلاف في بعض أحكامها بشأن شرط هذا الإستثناء سنوضحه فيما يلي- ، بجانب الأثر الفوري المباشر، فضلاً عما أضافه المشرع بموجب التعديل السابق الإشارة إليه من تخويله إياها الحق في تقرير أثر فوري لتلك الأحكام في بعض الدعاوى ذات الظروف الخاصة المؤثرة على قدرات الدولة المالية .
فقد قضت بأن :
" ... و كان قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص تشريعي يعد كاشفاً عما به من عوار دستوري مما يؤدي إلى زواله و فقده نفاذه منذ بدء العمل به ، فيسري هذا القضاء على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية و التي اتصل بها النص مؤثراً فيها ، ما لم تكن الحقوق والمراكز التي يرتبط بها قد استقر أمرها – قبل قضاء هذه المحكمة – بناء على حكم قضائي بات . لما كان ذلك ، و كان النص المحكوم بعدم دستوريته قد حجب عن الطالب أصل حقه في الحصول على المقابل النقدي لرصيد إجازاته الإعتيادية فيما جاوز الشهور الثلاثة المنصوص عليها ، فإن مؤدى ذلك أحقية الطالب في هذا المقابل عن رصيد الإجازات التي حرم منها بسبب مقتضيات العمل ، و دون الإحتجاج في مواجهته بالتقادم طالما كان النص قائماً ". حكمها في القضية رقم 8 لسنة 22 ق طلبات أعضاء – جلسة 10/2/2002 ، و ذات المعنى حكمها في القضية رقم 4 لسنة 21 ق طلبات أعضاء – جلسة 3/2/2001 .
كما قضت بأن :
" و حيث إن مقتضى حكم المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 168/1998 هو عدم تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالى لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر الا اذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخا اخر لسريانه ". حكمها الصادر في القضية رقم 154 لسنة 21 ق دستورية – جلسة 16/3/2003 .
و يلاحظ على المحكمة الدستورية العليا في قضائها الحديث تبنيها صياغة جديدة مقتضبة حين تعرض لأثر حكمها بعدم الدستورية ، فقد قضت في بعض أحكامها بأن :
" إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (15) من لائحة العاملين بالهيئة المطعون فيها ، سيؤدي إلى المساس بالمراكز القانونية للعاملين الذين أفادوا من هذا النص إبان فترة سريانه ، و من ثم فإن المحكمة إعمالاً للرخصة المخولة لها بمقتضى نص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 و حفاظاً على استقرار المراكز القانونية لهؤلاء العاملين ، تحدد لسريان هذا الحكم و إعمال أثره تاريخاً آخر هو اليوم التالي لنشره.......". الحكم الصادر في القضية رقم 128 لسنة 30 ق دستورية – جلسة 7/3/2010 ، و الحكم الصادر في الدعوى رقم 240 لسنة 26 ق دستورية – جلسة 5/4/2009 .
أما محكمة النقض ، فإنها قد تمسكت هي الأخرى بالأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم الدستورية ، إلا أنه فيما يتعلق بالإستثناء من هذا الأثر الرجعي ، فقد سبق بيان أنها كانت بالنسبة للتقادم تعتد به كاستثناء من هذا الأثر، بيد أنها أصدرت من الأحكام ما يفيد عدولها عن ذلك ، معللة ذلك بأن القانون الذي قضي بعدم دستوريته كان وقت سريانه حائلاً بين أصحاب الحقوق و مطالبتهم بها مما يعد معه مثل هذا القانون مانعاً من سريان التقادم ،فقد قضت بأن :
" لما كان النص في الفقرة الأولى من المادة 382 من القانون المدني على أنه : ( لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه و لو كان المانع أدبياً ...) مفاده – و على ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدني – أن المشرع نص بصفة عامة على وقف سريان التقادم كلما استحال عل صاحب الحق مادياً أو قانونياً أن يطالب بحقه ، فهو يقف بالنسبة لكل صاحب حق حال بينه و بين المطالبة بحقه قوة قاهرة ، و كان القرار بقانون رقم 134 لسنة 1964 يعتبر مانعاً قانونياً يستحيل معه على أصحاب الشركات و المنشآت المؤممة المطالبة بحقوقهم بالنسبة للتعويضات التي تجاوز خمسة عشر الف جنيه، والتي استولت عليها الدولة ، فإن التقادم بالنسبة لها يكون موقوفاً منذ العمل بهذا القرار بقانون.... ".الطعن رقم 837 لسنة62 ق جلسة 24/11/1998 .
لكنها ما لبثت أن أصدرت من الأحكام ما يخالف ذلك ، حيث قضت بأن : " ( ........ و كان لهذا الحكم – بعدم الدستورية – أثره الرجعي فيرتد الى الوقائع و العلاقات السابقة على صدوره و التي لم تستقر مراكز الخصوم فيها عند نشر هذا الحكم بحكم بات أو بالتقادم...).الطعن رقم 1261 لسنة 68ق – جلسة 9/5/1999.
أما بالنسبة للإستثناء الثاني الخاص بصدور حكم بات ، فإن الأثر القانوني و الطبيعي و المنطقي لاشتراط المحكمة الدستورية العليا بيتوتة الحكم القضائي الذي به تعصم الحقوق والمراكزالسابقة على الحكم بعدم الدستورية من الأثر الرجعي لهذا الحكم ، أن يسري أثر الحكم بعدم الدستورية على تلك الحقوق و المراكز التي كانت محلاً للأنزعة القضائية و لم تصبح باتة، سواء لعدم انقضاء ميعاد الطعن عليها بالنقض أو لكونها مطعون عليها بالنقض و لم يفصل بعد فيها من محكمة النقض حتى تاريخ نشرحكم عدم الدستورية ، و رغم ذلك إلا أن دوائر محكمة النقض اختلفت فيما بينها بشأن مدى إعمال أثر حكم بعدم دستورية نص لازم للفصل في طعن مطروح أمام محكمة النقض لم يفصل فيه بعد منها ، رغم أنه كان ينبغي في مثل تلك الحالة إعمال أثر حكم عدم الدستورية لعدم صيرورة الحكم -المطعون فيه امام النقض – باتاً ، وفقاً لما جنحت إليه المحكمة الدستورية العليا ، فبينما ذهبت بعض الدوائرإلى عدم إعمال محكمة النقض لأحكام عدم الدستورية التى تصدر أثناء نظرها للطعون المتداولة أمامها ، أي أنها تكتف بكون الحكم حائزاً لقوة الأمر المقضي حتى يستثنى من الأثر الرجعي ، ذهب البعض الآخر إلى تطبيق وإعمال أثر حكم الدستورية أثناء نظر الطعون أمام محكمة النقض ، و تلك هي التي تشترط في الحكم لكي لا يخضع للأثر الرجعي أن يكون باتاً ، و على كل حال فقد عرض الأمر على الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض حسماً لهذا الخلاف ، و انتهت إلى إعمال الحكم الصادر بعدم الدستورية على الطعون المنظورة أمامها( الطعن رقم 777 لسنة 61 ق هيئة عامة – جلسة 18/5/1999 )، و علي ذلك تكون محكمة النقض قد وافقت المحكمة الدستورية العليا في اشتراط كون الحكم المستثنى من الأثر الرجعي باتاً.
و جدير بالذكر في هذا المقام أن أحكام المحكمةالإدارية العليا تظاهر و تعاضد أحكام المحكمة الدستورية ومحكمة النقض فيما يخص الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية ،لكنها تخالفهما بالنسبة للإستثناءين الواردين على الأثرالرجعي، حيث إنها تكتفي بكون الحكم حائزاً لقوة الأمرالمقضي، كما أنها تعتد بالتقادم كاستثناء من هذا الأثر الرجعي ، و ردت بالحجة على محكمة النقض ،فقد قضت بأن :
" الأصل في الأحكام القضائية أنها كاشفة و ليست منشئة ، إذ هي لا تستحدث جديداً و لا تنشىء مراكزاً أو أوضاعاً لم تكن موجودة من قبل ، بل هي تكشف عن حكم الدستور أو القانون في المنازعات المطروحة على القضاء و ترده الى مفهومه الصحيح الذي يلازمه منذ صدوره، الأمر الذي يستتبع أن يكون للحكم بعدم الدستورية أثر رجعي كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة ، فضلاً عن أن نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا قضى بعدم جواز تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية في الجريدة الرسمية ، و من ثم بات متعيناً على قاضي الموضوع إعمالاً لهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضي بعدم دستوريته على المنازعة المطروحة عليه . الحكم بعدم دستورية نص ما مؤداه هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب و إنما بالنسبة الى الوقائع و العلاقات السابقةعلى صدور الحكم بعدم دستورية النص ، على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق و المراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم ، فإن كان الحق المطالب به قد إنقضى بالتقادم قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا إنتفى بشأنه مجال إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم الدستورية...و لا وجه للقول بأن التقادم لا يسري إلا بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص المحدد للضريبة بحسبانه كان يشكل مانعاً قانونياً من المطالبة بهذا الرسم ، إذ لم يكن هناك ما يحول مادياً و قانونياً دون المطالبة بهذه الحقوق، و ولوج طريق الطعن بعدم الدستورية من قبل ذوي الشأن حتى يتسنى لهم الحصول على ما يرونه من حقوق).
الطعنان رقما : 8289 لسنة 45ق عليا – جلسة 8/12/2001 ، 7064 لسنة 44ق عليا – جلسة 22/12/2001 – مشار اليهما بمجلة المحاماة – العدد الثالث 2003 ص 317 ، 318 ، 326 .
هذا، و للأمانة العلمية ، فقد تلاحظ لي من خلال متابعة أحكام المحكمة الدستورية العليا الحديثة ، أنها عادت سيرتها الأولى ، حيث لم تلتزم بكون الحكم المستثنى من الأثر الرجعي باتاً ، و اكتفت بكونه حائزاً لقوة الأمر المقضي ، فقد قضت بأن :
" و حيث إن مقتضى حكم المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ، هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادربذلك، و كذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا ما استقر من حقوق و مراكز صدرت بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضي ، أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخاً آخر لسريانه، لما كان ذلك و كان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة1977 و على ما انتهت إليه المحكمة في هذه الأسباب ، مؤداه إحداث خلخلة اجتماعية و اقتصادية مفاجئة ، تصيب فئات عريضة من القاطنين بوحدات سكنية تساندوا في إقامتهم بها إلى حكم هذا النص قبل القضاء بعدم دستوريته ، و هي خلخلة تنال من الأسرة في أهم مقومات وجودها المادي ، و هو المأوى الذي يجمعها و تستظل به، بما تترتب عليه آثار اجتماعية تهز مبدأ التضامن الإجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع وفقاً لما نصت عليه المادة السابعة من الدستور، إذ كان ذلك فإن المحكمة ترى إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانونها، و تحدد لسريان هذا الحكم تاريخاً آخر هو اليوم التالي لنشره....... ". حكمها الصادر في القضية رقم 70 لسنة 18 ق دستورية – جلسة 3/11/2002 ، و ذات المعنى حكمها الصادر في القضية رقم 4 لسنة 23 ق دستورية – جلسة 13/4/2003 ، و حكمها الصادر في القضية رقم 175 لسنة 26 ق دستورية – جلسة 14/1/2007 .
و هكذا يظهر في قضاء المحكمة الدستورية العليا نوع من التخبط في أحكامها في شأن شرائط الإستثناء من الأثر الرجعي لأحكامها ، و قد يكون مقبولاً أن تتبنى المحكمة مبدأً ما في مسألة معينة ثم تنتهج مبدأ آخر عدولاً عن الأول ، لكن أن تنتقل المحكمة بين عدة مبادئ متناقضة و في وقت متقارب، لتضحى أحكامها مذبذبة بينها ، لا إلى هذا المبدأ و لا إلى ذلك المبدأ ، رغم أهمية استقرار أحكامها على مبدأ واحد ، لكونها تمس المواطنين في آثارها ، فإن ذلك التذبذب في المبادئ القضائية من شأنه أن يحدث نوعاً خطيراً من عدم المساواة بين المتقاضين ، و زعزعة وإخلالاً و خرقاً لاستقرارالحقوق والمراكز القانونية ، و هو ما ينعكس سلبياً على العدالة في رافد من أهم روافدها ، و جدير بالذكر أن ذات الأثر الخطير متوافر في قضاء محكمتي النقض و الإدارية العليا ، و المترتب على الإختلاف الحاصل بينهما بشأن الشرائط الواجب توافرها في الإستثناءين الواردين على الأثر الرجعي ، وفقاُ لما سبق بيانه ، فإن المتقاضي أمام القضاء الإداري يعد أكثر حظاً من ذاك الذي أمام القضاء العادي، فمن ناحية يكتفي الأول بكون الحكم المستثنى من الأثر الرجعي بكونه حائزاً لقوة الأمر المقضي، في حين استقرت محكمة النقض على استلزام كونه باتاً، و من ناحية أخرى يستثني القضاء الإداري التقادم من الأثر الرجعي ، أما القضاء العادي فأمره غير مستقر لاختلاف أحكام النقض في ذلك على النحو الذي سلفت الإشارة إليه .
و إني لأهيب بتلك المحاكم العليا جميعاً ، أن تسعى سعياً حثيثاً نحو العمل على توحيد قضائها بشأن تلك الإستثناءات من الأثر الرجعي، وصولاً لوحدة القاعدة القانونية المطبقة على المواطنين ، باعتبار أن الهدف من تلك المحاكم التي تتربع على قمة التنظيم القضائي في البلاد يكمن في تحقيق وحدة القضاء في الدولة، و من ثم وحدة القانون نفسه، فهي تضمن التطبيق الصحيح للقانون،أي أن يكون القانون كما تعلنه المحاكم مطابقا للقانون كما أراده المشرع، و بذلك تلعب دوراً مهماً و فعالاً في ضمان تحقيق مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون و استقرار الحقوق و المراكز القانونية بالتبعية.
أثر الحكم بعدم دستورية نص ضريبي :
لا يفوتني التنبيه إلى أنه و إن كان المشرع وفقاً للتعديل الذي تم بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 قد أضاف نصاً بموجبه جعل للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص ضريبي أثر فوري مباشر فقط ، ليقطع دابر الأثر الرجعي عن تلك الاحكام ، مستثنياً من ذلك المدعي في الدعوى الدستورية التي صدر فيها الحكم بعدم الدستورية دون غيره ، إلا أن المحكمة الدستورية العليا قد فاجأت واضعي القرار بقانون المذكور و أدهشت رجال القانون بنظرها القانوني العميق و وعيها الدقيق ، وذلك حين عرضت عليها الفقرة الخاصة بالنص الضريبي سالف الذكر ، حيث فسرت المقصود بالمدعي الذي يستفيد وحده من الحكم بعدم دستورية النص الضريبي بقولها: ( ... وكان نص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا بعد تعديلها ، جاء قاطعاً في أن الحكم بعدم دستورية اي نص ضريبي يرتب أثراً مباشراً فقط، إلا أن النص المذكور قرن ذلك بعدم الإخلال باستفادة المدعي من الحكم الصادر بهذا الشأن، بما مؤداه اطلاق صفة المدعي لتشمل كل من اتصلت دعواه مستوفية أوضاعها القانونية بالمحكمة الدستورية العليا وقت صدور الحكم بعدم دستورية هذا النص ، و هو الإطلاق الذي يعصم النص من عدم الدستورية ). الحكم الصادر في القضية رقم76 لسنة 22 ق دستورية – جلسة 7/7/2002
و بذلك أصبح المجال مفتوحاً أمام جميع من أضيروا من النص الضريبي الصادر بعد القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 للإستفادة من الحكم بعدم دستورية هذا النص ، شريطة أن يكونوا قد رفعوا دعاويهم الدستورية قبل صدور أول حكم بعدم دستوريته، مع التأكيد على صحة إجراءات رفع الدعوى الدستورية و مراعاة مواعيدها المقررة .
خلاصة الوضع القانوني الحالي للحكم بعدم الدستورية :
الرأي عندي أن يتم تحديد تلك الخلاصة وفقاً لقضاء المحكمة الدستورية العليا -ـ رغم أنه في الواقع العملي ستحتكم محاكم الموضوع في كل جهة قضائية بما أرسته و سنته محكمتها العليا لديها ، سواء محكمة النقض بالنسبة للقضاء العادي أو المحكمة الإدارية العليا بالنسبة للقضاء الإداري -ـ لكون تلك الآثار تتعلق بأحكامها الدستورية التي تصدر منها ، تلك الأحكام التي تختص هي – و على سبيل الحصر و الإستئثار- دون غيرها بإصدارها و تحديد مضامينها و آثارها و تفسيرها و تنفيذها و إزالة عوائق تنفيذها، فقد اختصها الدستور و قانونها بذلك ، فإذا تم تحديد آثارأحكامها من أية جهة كانت ، قضائية أم غير قضائية ، على خلاف ما قصدته وجرى عليه قضاؤها ، كان ذلك عدواناً على اختصاصها و نيلاً من سلطتها الولائية ، و تسليطاً لقضاء أدنى على قضاء أعلى ، و عائقاً من عوائق التنفيذ يعترض أحكامها و ينال من جريان آثارها في مواجهة الكافة ، و لو حدث ذلك و لجأ أصحاب الشأن إلى المحكمة الدستورية العليا لوقف تنفيذ الأحكام الصادرة من القضاء بدرجاته و أنواعه المختلفة التي حدت من آثار حكمها الدستوري ، إعمالاً لنص المادة 50 من قانون المحكمة الدستورية العليا فيما نصت عليه من اختصاص المحكمة الدستورية دون غيرها بالفصل في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام و القرارات الصادرة منها ، فلن تتوانى المحكمة الدستورية في الإستجابة لذلك ، فلقد حدث أن أصدرت المحكمة الدستورية حكمين بعدم القبول ، بشأن الطعن بعدم دستورية تجريم تقاضي المؤجر مقدم إيجار يجاوز أجرة سنتين من المستأجر و بعدم دستورية تجريم تقاضي المؤجر أي مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار ( خلو الرجل )، و استندت في ذلك إلى انتفاء مصلحة المدعي لكون قانون الإيجار رقم 4 لسنة 1996 يعتبر قانوناً أصلح للمتهم ، إلا أن الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض أصدرت حكماً بجلسة 13/4/1997 في الطعن رقم 11838 لسنة 60 ق منتهية فيه إلى عدم اعتبار القانون المذكور أصلح للمتهم ، فلجأ المتهم للمحكمة الدستورية العليا لفض هذا التناقض بين تلك الأحكام ، طالباً وقف تنفيذ حكم محكة النقض ، فكيفة المحكمة الدستورية طلبه على أنه طلباً بالإستمرار في تنفيذ حكمها ، و قضت المحكمة الدستورية بالإستمرار في تنفيذ حكمها دون حكم محكمة النقض ، وقد جاء بحكمها : " ... كلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادرفي دعوى دستورية فإن حقيقة مضمونه و نطاق القواعد القانونية التي احتواها و الآثار المتولدة عنها هي التي تحدد جميعها شكل التنقيذ و تبلور صورته الإجمالية و تعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته ، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها و تنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة و دون تمييز بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد و صون حرياتهم إنما يفترض أن تكون هذه العوائق سواء بطبيعها أو بالنظر إلى نتائجها حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيد لنطاقها.... " ، و انتهت المحكمة إلى أنه " ... يكون متعيناً القضاء بالإستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين باسبابه ..... دون ما حاجة إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه في تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية ، سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية ، بما يلزم كل سلطة في الدولة – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها – باحترام قضائها و تنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين ( 72 ، 178 ) من الدستور و الفقرة الأولى من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ... و بما مؤداه عدم الإعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه ". حكمها الصادر في القضية رقم 1 لسنة 19 ق منازعة تنفيذ دستورية – جلسة 3/10/.1998 .
و على كل فإن الخلاف بين المحكمة الدستورية و محكمة النقض و الإدراية العليا ينحصر في الأحكام الصادرة بعدم دستورية نص غير جنائي و لا ضريبي ، و بناء على ذلك فيمكن تحديد الخلاصة المذكورة وفقاً لقضاء المحكمة الدستورية العليا ، مع الإشارة إلى أوجه الخلاف بينها و بين محكمتي النقض و الإدارية العليا بالنسبة للأحكام المذكورة سلفا ، على النحو التالي:
1- سريان جميع أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم الدستورية – بلا استثناء – بأثر فوري مباشر على ما ينشأ من مراكز و وقائع مستقبلة تالية لنشر الحكم بعدم الدستورية . ( بلا خلاف بين المحاكم العليا جميعاً )
2- سريان أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم دستورية النصوص الجنائية بأثررجعي بلا استثناء من تلك الرجعية ، فضلاً عن الأثر الفوري لها .( بلا خلاف بين المحاكم العليا في ذلك أيضاً )
3- سريان أحكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم دستورية النصوص الضريبية بأثر فوري مباشر فقط ، فيما عدا المدعي في الدعوى الدستورية التي صدر فيه الحكم بعدم دستورية النص الضريبي فيستفيد من ذلك الحكم ، و كذا كل من رفع دعواه الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا وفقاً للإجراءات و الآليات القانونية المقررة لاتصال المحكمة الدستورية بالدعوى ، و ظلت دعواه منظورة أمامها حتى صدر الحكم الأول بعدم الدستورية . ( و ذلك ايضاً بلا خلاف بين المحاكم العليا )
4- سريان احكام المحكمة الدستورية العليا الصادرة بعدم دستورية باقي النصوص – أي غير الجنائية و الضريبية – بأثر رجعي ، ما لم تقرر المحكمة الدستورية العليا تاريخاً آخر، بأن تقرر له أثراً مباشر