عندما تصبح مقاطعة المسيحيين واجبا دينيا وجهادا في سبيل الله.. عندما يقبل المثقفون أن ينضموا لمجموعات تدعو لمقاطعة الوهابيين لإنقاذ مصر.. عندما يكون التطاول على البابا شنودة مدعاة للاحترام.. وعندما يُعتبر المسلمون مجرد فاتحين دمويين وضيوف "تُقال" على أصحاب الأرض (أي الأقباط)، فهذا يعني أن درجة حرارة مصر وصلت للغليان.
وحرارة الغليان قد تسبب جنونا مصحوبا بالهذيان؛ فظهور مجموعات تدعو لمقاطعة الأقباط؛ هذيان (حملة قاطعوا الأقباط على فيس بوك)، ومقابلتها بلعْن الوهابيين لإنقاذ المصريين بالتأكيد هذيان (حملة قاطع وهابيا تنقذ مصر)، ووسط هذا وذاك يخبو صوت العقل، وإن بقي من يأمل في إيقاف هذه الحالة من الجنان (حملة أنا مسلم من أهل البلد وهاشتري من مسيحي).. وإليكم أعراض هذا الغليان حتى تعرفوا ما إذا كان المرض أصابكم أم ما زلتم "سُلام".
على غرار مقاطعة المنتجات الدنماركية.. "قاطع قبطيا تنقذ مسلما"
- سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الكنائس.
- تنظيم حملات للتنصير.
- التعاون مع أمريكا وإسرائيل؛ لضرب الأمن القومي المصري.
- اختطاف وتعذيب وقتل المسلمين الجدد (في إشارة واضحة لأزمتي وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة).
هذه هي قائمة الاتهامات التي تضمّنتها حملة "قاطع مسيحيا في مصر تنقذ مسلما"، والتي أطلقها عدد من الشباب، وانضم إليها حتى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من 1100 عضو!
الحملة تضمّنت كذلك صورا مسيئة لبعض الرموز القبطية -بالذات البابا شنودة- وقوائم بالشركات المملوكة لمسيحيين في دعوة لمقاطعة المنتجات المسيحية!
للأمانة؛ بعض الذين انضمّوا للصفحة فعلوا ذلك فقط ليسجّلوا اعتراضهم على الحملة، ويحاولوا -عبثا- إقناع من أطلقوها، ومن انضموا إليها بخطأ موقفهم.. وعندما فشلت تلك المساعي تم إرسال كثير من الشكاوى لإدارة الموقع ضد تلك الصفحة؛ باعتبارها تدعو للكراهية والعنصرية ضد أهل دين، وهو الأمر الذي تحظره قواعد استخدام فيس بوك.
ومن المدهش أن نجد شخصين ممن ينسبون أنفسهم لمدرسة السلف وضعا تعليقات تتراوح بين الحديث عن حوار "الأنبا بيشوي" مع جريدة المصري اليوم، والتي تضمّنت وصفه -المثير للجدل- للمسلمين في مصر بأنهم "ضيوف"، واستنكرا اهتمام البعض بتلك الحملة التي يريانها تافهة، بينما كان الأحرى بهم -على حد قولهما- أن يهتمّوا بالحملات المعادية للإسلام، في حين اعترض البعض الآخر على وصف الأقباط بـ"إخواننا"!
طب "قاطع وهابيا تنقذ مصر" واسأل "الأنبا بيشوي"
حملة نظّمها البعض ردا على الحملة الأولى، وشهدت حضورا قويا للتيار الليبرالي، أما الحملة الثانية فقد حملت اسم "قاطع وهابيا تنقذ مصر"، وقد انضم إليها أحد أعضاء الحملة المطالِبة بمقاطعة الأقباط، وأخذ في عرض وجهة نظره، وإن بدا أنه من النوع اللي "حافظ مش فاهم" وفق التعبير الدارج، عدد من انضموا لهذه لصفحة بلغ حوالي 400، والملاحَظ أنها حمّلت من وصفتهم بـ"الوهابيين" مسئولية معظم سلبيات المجتمع!
والحوار بين الليبراليين منظمي الحملة ومَن مثلوا التيار المنتسب للسلفية لم يأخذ -مع الأسف- شكل الحوار الجاد المبنيّ على الحجة والبرهان، بل أخذ شكل "الخناقة" وأحيانا بلغ حد "وصلات الردح" -عفوا للتعبير- ولكن بالفصحى الراقية!
ثم إن وصف شخص بأنه "وهّابي" يفترض وجود مذهب اسمه "الوهابية"، في حين أن الوهابية مجرد حركة إصلاحية نشأت في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، حاولت إحياء المذهب الحنبلي، ولكنها ليست مذهبا مستقلا بذاته، فضلا عن أن من ينسبون أنفسهم الآن لهذه الحركة أغلبهم لا يرتبط بها سوى بالاسم فقط، وكثير منهم تصدر عنه تصرفات وأقوال متزمّتة ومتعصّبة تتنافى مع أي مذاهب أو تيارات إسلامية معتدلة! إذ كان يجب على من ينتقدون هذا التيار أو ذاك أن يفهموه أولاً.. ويفهموا حتى معنى اسمه المزعوم!
الجدير بالذكر أن كاتبا قبطيا شابا كان من أبرز المُنضمّين لتلك الحملة، ولكنه انسحب منها، وأعلن اعتذاره عن الانضمام لها، معترفا -في شجاعة أدبية تستحق الاحترام- بخطأ موقفه السابق.
مع الأسف الشديد كان ضمن مَن شاركوا في إذكاء هذه الفتنة الطائفية –وحده الله يعلم مدى عمده في ذلك- "الأنبا بيشوي"، بتصريحاته المستفزة لأبعد الحدود عن بعض النصوص القرآنية، وادّعائه أن هناك تناقضاً في نصوص آياته، ورفضه استخدام كلمة "تنزيل القرآن" واستخدامه عبارة "عندما قال نبي الإسلام القرآن" بدلا منها.
المشكلة أن هذه التصريحات انفعالية بشكل لا يراعي أية اعتبارات طائفية، ومصدرها ليس مجرد شخص عادي بل هو رجل الكنيسة الثاني، وأتباعه من المسيحيين كثير ممن يمكن أن يحذو نفس حذوه، لكن يبدو أن "الأنبا بيشوي" لا يعلم الحالة التي وصلت إليها مصر، ودرجة حرارتها التي قاربت أربعين.
ستوووووب.. ضد الفتنة الطائفية ومع الوحدة الوطنية
لم يتأخر ردّ الفعل العاقل، فقد أطلقت الكاتبة نوّارة نجم حملة مضادة بعنوان "أنا مسلم من أهل البلد وهاشتري من مسيحي" أعلنت أن هدفها هو الردّ على كل من يصف المسلمين في مصر بالضيوف -مثلما قال "الأنبا بيشوي" في حديثه سالف الذكر- أو مَن ينادون مِن المسلمين بمقاطعة ومعاداة المسيحيين المصريين.
صفحة الحملة لم تتضمن كلاما كثيرا ولا شعارات، فقط المفيد من الحديث المباشر المنطقي، بخلاف الحملة المتعصبة الأولى التي ازدحمت بالهتافات الهيستيرية والشعارات المدوّية، كأنما هي بالفعل حرب مقدّسة!
لكن المؤسف أن عدد المنضمّين لحملة "نوّارة" لم يزد -حتى الآن- عن 352 عضوًا.. وهو الأمر الذي له دلالاته، وإن كان الفارق في مستوى الثقافة بين المنضمّين للحملة الأولى (منخفض)، وأولئك الذين أيدوا الحملة الثانية (مرتفع)، يقول بالمنطق إن عددا قليلا من المثقفين المعتدلين هو أكثر إيجابية من عدد كبير من المتعصبين أصحاب الفهم البسيط والتفكير السطحي.
أشداء على مسلمينا ومسيحيّينا ورحماء مع التعذيب وغلاء الأسعار
منذ عدة أيام انتقد الأستاذ بلال فضل في أحد مقالاته ظاهرة مؤسفة هي أن من تبادلوا التظاهر والتظاهر المضادّ، والاتهامات من المسلمين والمسيحيين في الفترة الأخيرة كانوا في شراسة شديدة بعضهم على بعض، بينما لم يظهر منهم ولو جزء بسيط من تلك الطاقة أمام التحديات الوطنية التي تمسّنا جميعا، كالغلاء والبطالة، والتعذيب في أقسام الشرطة، والفساد وتزوير الانتخابات..
والأستاذ "بلال" وضع يده على الجرح.. فأكبر مأساة بالفعل تنمّ عنها تلك التوترات بين فئات من عنصري الأمة هي أننا قد أصبح بأسنا بيننا شديدًا -كما يبدو- وأصبحنا أسودًا كاسرة على أنفسنا، بينما نحن في ساحات الحروب نَعام يدفن رأسه في الرمال؛ بحجة أنه "عايز يعيش ويسيب الناس تعيش"!
والمأساة تصبح أكثر إيلاما بما تضمنته من تعميم للأحكام على فئات كاملة من الناس، وتسابق لافتراض توافر النوايا السيئة، وإغلاق لأبواب الحوار، كلها أمور تجعل المراقب يشعر أن أطرافها أناس يبحثون عن معركة والسلام! والله أعلم من المحرّك لكل ذلك ومن المستفيد منه، على كلٍّ هذا ليس وقت هذا السؤال، بل وقت إطفاء "مستصغر الشرر" قبل أن يتحول إلى "أعظم النار"!
معادلة "فتناغورس": جهل + تعصب = فتنة
إن التطرّق للاتهامات المتبادلة بين أصحاب الحملتين الأولى والثانية يطول أمره، وهو محض عبث، إن لم نتصدَّ للظاهرة الأساسية من جذورها، فتلك الاتهامات مجرد "أعراض" لمرض هو "الفتنة".. نعم.. لدينا كل معطيات الفتنة: الجهل - التعصب - سوء الفهم - افتراض سوء النية - الغضب من كل شيء حولنا... متى إذن نكفّ عن الحديث عن الفتنة الطائفية باعتبارها وهْماً تروّج له "القلّة المندسّة"؟! مع الأسف لدينا تلك الفكرة الضيقة عن الفتنة، باعتبارها تعني أن ميليشيات مسلمة وأخرى مسيحية يسفك بعضها دماء بعض، في حين أن هذا مجرد "مرحلة" متقدمة من الفتنة، بينما مقدّماتها هي ما نعيشه حاليا! ومكافحتها تستحيل كتابة حلوله السحرية في بضعة أسطر، ولكن بدايتها في عبارة واحدة "أن نفهم بعضنا بعضًا!"؛ فالفهم هو وسيلة إزالة سوء الظن، وبداية تَقَبُّل الاختلاف والآخر المختلف.
مش شايف إن هذه المجموعات نار ماتعرفش الفرق بين المسلم والمسيحي؟
ولو مش موافق.. يبقى ليه؟
من 14 قرنًا وإحنا عايشين واكلين شاربين مع بعض في جسد واحد.. يبقى الفتنة في مصلحة مين؟
قول وجاوب يا "مصري"
وحرارة الغليان قد تسبب جنونا مصحوبا بالهذيان؛ فظهور مجموعات تدعو لمقاطعة الأقباط؛ هذيان (حملة قاطعوا الأقباط على فيس بوك)، ومقابلتها بلعْن الوهابيين لإنقاذ المصريين بالتأكيد هذيان (حملة قاطع وهابيا تنقذ مصر)، ووسط هذا وذاك يخبو صوت العقل، وإن بقي من يأمل في إيقاف هذه الحالة من الجنان (حملة أنا مسلم من أهل البلد وهاشتري من مسيحي).. وإليكم أعراض هذا الغليان حتى تعرفوا ما إذا كان المرض أصابكم أم ما زلتم "سُلام".
على غرار مقاطعة المنتجات الدنماركية.. "قاطع قبطيا تنقذ مسلما"
- سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الكنائس.
- تنظيم حملات للتنصير.
- التعاون مع أمريكا وإسرائيل؛ لضرب الأمن القومي المصري.
- اختطاف وتعذيب وقتل المسلمين الجدد (في إشارة واضحة لأزمتي وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة).
هذه هي قائمة الاتهامات التي تضمّنتها حملة "قاطع مسيحيا في مصر تنقذ مسلما"، والتي أطلقها عدد من الشباب، وانضم إليها حتى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من 1100 عضو!
الحملة تضمّنت كذلك صورا مسيئة لبعض الرموز القبطية -بالذات البابا شنودة- وقوائم بالشركات المملوكة لمسيحيين في دعوة لمقاطعة المنتجات المسيحية!
للأمانة؛ بعض الذين انضمّوا للصفحة فعلوا ذلك فقط ليسجّلوا اعتراضهم على الحملة، ويحاولوا -عبثا- إقناع من أطلقوها، ومن انضموا إليها بخطأ موقفهم.. وعندما فشلت تلك المساعي تم إرسال كثير من الشكاوى لإدارة الموقع ضد تلك الصفحة؛ باعتبارها تدعو للكراهية والعنصرية ضد أهل دين، وهو الأمر الذي تحظره قواعد استخدام فيس بوك.
ومن المدهش أن نجد شخصين ممن ينسبون أنفسهم لمدرسة السلف وضعا تعليقات تتراوح بين الحديث عن حوار "الأنبا بيشوي" مع جريدة المصري اليوم، والتي تضمّنت وصفه -المثير للجدل- للمسلمين في مصر بأنهم "ضيوف"، واستنكرا اهتمام البعض بتلك الحملة التي يريانها تافهة، بينما كان الأحرى بهم -على حد قولهما- أن يهتمّوا بالحملات المعادية للإسلام، في حين اعترض البعض الآخر على وصف الأقباط بـ"إخواننا"!
طب "قاطع وهابيا تنقذ مصر" واسأل "الأنبا بيشوي"
حملة نظّمها البعض ردا على الحملة الأولى، وشهدت حضورا قويا للتيار الليبرالي، أما الحملة الثانية فقد حملت اسم "قاطع وهابيا تنقذ مصر"، وقد انضم إليها أحد أعضاء الحملة المطالِبة بمقاطعة الأقباط، وأخذ في عرض وجهة نظره، وإن بدا أنه من النوع اللي "حافظ مش فاهم" وفق التعبير الدارج، عدد من انضموا لهذه لصفحة بلغ حوالي 400، والملاحَظ أنها حمّلت من وصفتهم بـ"الوهابيين" مسئولية معظم سلبيات المجتمع!
والحوار بين الليبراليين منظمي الحملة ومَن مثلوا التيار المنتسب للسلفية لم يأخذ -مع الأسف- شكل الحوار الجاد المبنيّ على الحجة والبرهان، بل أخذ شكل "الخناقة" وأحيانا بلغ حد "وصلات الردح" -عفوا للتعبير- ولكن بالفصحى الراقية!
ثم إن وصف شخص بأنه "وهّابي" يفترض وجود مذهب اسمه "الوهابية"، في حين أن الوهابية مجرد حركة إصلاحية نشأت في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، حاولت إحياء المذهب الحنبلي، ولكنها ليست مذهبا مستقلا بذاته، فضلا عن أن من ينسبون أنفسهم الآن لهذه الحركة أغلبهم لا يرتبط بها سوى بالاسم فقط، وكثير منهم تصدر عنه تصرفات وأقوال متزمّتة ومتعصّبة تتنافى مع أي مذاهب أو تيارات إسلامية معتدلة! إذ كان يجب على من ينتقدون هذا التيار أو ذاك أن يفهموه أولاً.. ويفهموا حتى معنى اسمه المزعوم!
الجدير بالذكر أن كاتبا قبطيا شابا كان من أبرز المُنضمّين لتلك الحملة، ولكنه انسحب منها، وأعلن اعتذاره عن الانضمام لها، معترفا -في شجاعة أدبية تستحق الاحترام- بخطأ موقفه السابق.
مع الأسف الشديد كان ضمن مَن شاركوا في إذكاء هذه الفتنة الطائفية –وحده الله يعلم مدى عمده في ذلك- "الأنبا بيشوي"، بتصريحاته المستفزة لأبعد الحدود عن بعض النصوص القرآنية، وادّعائه أن هناك تناقضاً في نصوص آياته، ورفضه استخدام كلمة "تنزيل القرآن" واستخدامه عبارة "عندما قال نبي الإسلام القرآن" بدلا منها.
المشكلة أن هذه التصريحات انفعالية بشكل لا يراعي أية اعتبارات طائفية، ومصدرها ليس مجرد شخص عادي بل هو رجل الكنيسة الثاني، وأتباعه من المسيحيين كثير ممن يمكن أن يحذو نفس حذوه، لكن يبدو أن "الأنبا بيشوي" لا يعلم الحالة التي وصلت إليها مصر، ودرجة حرارتها التي قاربت أربعين.
ستوووووب.. ضد الفتنة الطائفية ومع الوحدة الوطنية
لم يتأخر ردّ الفعل العاقل، فقد أطلقت الكاتبة نوّارة نجم حملة مضادة بعنوان "أنا مسلم من أهل البلد وهاشتري من مسيحي" أعلنت أن هدفها هو الردّ على كل من يصف المسلمين في مصر بالضيوف -مثلما قال "الأنبا بيشوي" في حديثه سالف الذكر- أو مَن ينادون مِن المسلمين بمقاطعة ومعاداة المسيحيين المصريين.
صفحة الحملة لم تتضمن كلاما كثيرا ولا شعارات، فقط المفيد من الحديث المباشر المنطقي، بخلاف الحملة المتعصبة الأولى التي ازدحمت بالهتافات الهيستيرية والشعارات المدوّية، كأنما هي بالفعل حرب مقدّسة!
لكن المؤسف أن عدد المنضمّين لحملة "نوّارة" لم يزد -حتى الآن- عن 352 عضوًا.. وهو الأمر الذي له دلالاته، وإن كان الفارق في مستوى الثقافة بين المنضمّين للحملة الأولى (منخفض)، وأولئك الذين أيدوا الحملة الثانية (مرتفع)، يقول بالمنطق إن عددا قليلا من المثقفين المعتدلين هو أكثر إيجابية من عدد كبير من المتعصبين أصحاب الفهم البسيط والتفكير السطحي.
أشداء على مسلمينا ومسيحيّينا ورحماء مع التعذيب وغلاء الأسعار
منذ عدة أيام انتقد الأستاذ بلال فضل في أحد مقالاته ظاهرة مؤسفة هي أن من تبادلوا التظاهر والتظاهر المضادّ، والاتهامات من المسلمين والمسيحيين في الفترة الأخيرة كانوا في شراسة شديدة بعضهم على بعض، بينما لم يظهر منهم ولو جزء بسيط من تلك الطاقة أمام التحديات الوطنية التي تمسّنا جميعا، كالغلاء والبطالة، والتعذيب في أقسام الشرطة، والفساد وتزوير الانتخابات..
والأستاذ "بلال" وضع يده على الجرح.. فأكبر مأساة بالفعل تنمّ عنها تلك التوترات بين فئات من عنصري الأمة هي أننا قد أصبح بأسنا بيننا شديدًا -كما يبدو- وأصبحنا أسودًا كاسرة على أنفسنا، بينما نحن في ساحات الحروب نَعام يدفن رأسه في الرمال؛ بحجة أنه "عايز يعيش ويسيب الناس تعيش"!
والمأساة تصبح أكثر إيلاما بما تضمنته من تعميم للأحكام على فئات كاملة من الناس، وتسابق لافتراض توافر النوايا السيئة، وإغلاق لأبواب الحوار، كلها أمور تجعل المراقب يشعر أن أطرافها أناس يبحثون عن معركة والسلام! والله أعلم من المحرّك لكل ذلك ومن المستفيد منه، على كلٍّ هذا ليس وقت هذا السؤال، بل وقت إطفاء "مستصغر الشرر" قبل أن يتحول إلى "أعظم النار"!
معادلة "فتناغورس": جهل + تعصب = فتنة
إن التطرّق للاتهامات المتبادلة بين أصحاب الحملتين الأولى والثانية يطول أمره، وهو محض عبث، إن لم نتصدَّ للظاهرة الأساسية من جذورها، فتلك الاتهامات مجرد "أعراض" لمرض هو "الفتنة".. نعم.. لدينا كل معطيات الفتنة: الجهل - التعصب - سوء الفهم - افتراض سوء النية - الغضب من كل شيء حولنا... متى إذن نكفّ عن الحديث عن الفتنة الطائفية باعتبارها وهْماً تروّج له "القلّة المندسّة"؟! مع الأسف لدينا تلك الفكرة الضيقة عن الفتنة، باعتبارها تعني أن ميليشيات مسلمة وأخرى مسيحية يسفك بعضها دماء بعض، في حين أن هذا مجرد "مرحلة" متقدمة من الفتنة، بينما مقدّماتها هي ما نعيشه حاليا! ومكافحتها تستحيل كتابة حلوله السحرية في بضعة أسطر، ولكن بدايتها في عبارة واحدة "أن نفهم بعضنا بعضًا!"؛ فالفهم هو وسيلة إزالة سوء الظن، وبداية تَقَبُّل الاختلاف والآخر المختلف.
مش شايف إن هذه المجموعات نار ماتعرفش الفرق بين المسلم والمسيحي؟
ولو مش موافق.. يبقى ليه؟
من 14 قرنًا وإحنا عايشين واكلين شاربين مع بعض في جسد واحد.. يبقى الفتنة في مصلحة مين؟
قول وجاوب يا "مصري"