ورقة بحثية بعنوان
" إجراءات تحقيق الدعوى التأديبية "
ودور المحكمة التأديبية فى توجيهها
خطة البحث
مقدمة : المحاكم التأديبية والدعاوى التأديبية
المبحث الأول : تعريف الإجراءات التأديبية ودور القاضى الإدارى في توجيهها .
المطلب الأول : ماهية الإجراءات الإدارية ودور القاضى الإدارى في توجيهها .
المطلب الثانى : تعريف الإجراءات التأديبية
المبحث الثانى :إجراءات تحقيق الدعوى التأديبية
المطلب الأول :دور المحكمة التأديبية في تحقيق الدعوى
المطلب الثانى : حرية المحكمة في تكوين عقيدتها
مقدمة : المحاكم التأديبية والدعاوى التأديبية في النظام القانونى المصرى :
* المحاكم التأديبية :
صدر الدستور المصرى الحالى في 11 سبتمبر سنة 1971 متضمناً بين نصوصه نص المادة 172 بشأن مجلس الدولة " جهة القضاء الإدارى " ... والتى نصت على أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة , ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية , ويحدد القانون اختصاصاته الآخرى " ...ولوضع هذا النص الدستورى موضع التطبيق العملى صد قانون مجلس الدولة الحالى رقم 47 لسنة 1972 مؤكداً ومردداً في مادته الأولى نفس ما ورد بالنص الدستورى من أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة , يختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية " ([1]) .
ويتألف مجلس الدولة – طبقاً لنص المادة الثانية من القانون 47 لسنة 1972- من ثلاثة أقسام هى القسم القضائى , وقسم الفتورى , وقسم التشريع... حيث تُعد المحاكم التأديبية جزءاً من القسم القضائى بمجلس الدولة طبقاً لنص المادة الثالثة من نفس القانون ([2]) . وذلك على عكس القانون السابق رقم 55 لسنة 1959 الذى كان لا يعتبرها كذلك , رغم أواصر الصلة بين المحاكم التأديبية والقسم القضائى ([3]) .
وتُعد المحاكم التأديبية صاحبة الولاية العامة في مسائل تأديب العاملين المدنيين بالدولة في النظام القانونى المصرى , وتشمل هذه الولاية الدعاوى التأديبية المبتدأة التى ترفعها النيابة الإدارية , كما تشمل الطعون التأديبية – أى الطعون في قرارات الجزاءات الصادرة من السلطات الرئاسية وما يرتبط بها من طلبات ([4]) .
وتختص المحاكم التأديبية طبقاً لنص المادة الخامسة عشرة من قانون مجلس الدولة بنظر الدعاوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية التى تقع من الفئات التالية :
أولاً – العاملين المدنيين بالجهاز الإدارى للدولة ووزارات الحكومة ومصالحها , ووحدات الإدارة المحلية والعاملين بالهيئات العامة وما يتبعها من وحدات , والعاملين بالشركات التى تضمن لها الحكومة حداً أدنى من الأرباح .
ثانياً – أعضاء مجالس إدارة التشكيلات النقابية المشكلة طبقاً لأحكام قانون العمل, وأعضاء مجالس الإدارة المنتخبين طبقاً لأحكام القانون رقم 141 لسنة 1963.
ثالثاً – العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية ممن تتجاوز مرتباتهم خمسة عشر جنيهاً شهرياً.
* الدعوى التأديبية :
الدعوى بشكل عام – كما يعرفها فقه المرافعات – هى سلطة الألتجاء إلى القضاء للحصول على تقرير حق أو حمايته ([5]) .... فالدعوى إذاً هى الوسيلة القانونية التى يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى السلطة القضائية لحماية حقه .
أما الدعوى التأديبية فيعرفها جانب من فقه القانون الإدارى بأنها مطالبة النيابة الإدارية للقضاء ممثلاً في مختلف المحاكم التأديبية بمحاكمة العامل "الموظف" عن الفعل أو الأفعال التى وقعت منه , بقصد مجازاته تأديبياً , وذلك بالحكم عليه بإحدى العقوبات التى نص عليها القانون ([6]).... فى حين عرفها البعض الآخر بأنها مجموعة الإجراءات التى تهدف إلى تحديد المسئولية التأديبية , ومؤخذة من يخرج على أحكام وظيفته ومقتضياتها ([7]) .
ونميل من جانبنا إلى تأييد رأى ثالث في تعريف الدعوى التأديبية بأنها .. مطالبة جهة التأديب – أياً كانت صورتها – بمحاكمة الموظف عن الفعل أو الأفعال التى وقعت منه بقصد مجازاته تأديبياً , وذلك بالحكم عليه بإحدى العقوبات التى نص عليها القانون ([8]) .
ولعل هذا التعريف أوفى وأشمل من سابقيه لأنه يشمل الدعوى التأديبية التى تقيمها النيابة الإدارية , كما يشمل أيضاً الدعاوى التأديبية التى تقام من سلطات أخرى مختصة بإقامتها خلاف النيابة الإدارية....كما هو الشأن في إجراءات تأديب الموظفين الذين تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة مثل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات , وأعضاء هيئة الشرطة ...وغيرهم .
وسوف نقتصر في هذا المقام على بيان إجراءات تحقيق الدعوى التأديبية بمعرفة المحكمة التأديبية عبر بيان ماهية الإجراءات الإدارية عموماً , والإجراءات التأديبية على وجه الخصوص , والدور الأيجابى للقاضى الإدارى في توجيه تلك الإجراءات .... إجلاءً لوجه الحقيقة وإماطة اللثام عنها , وبما يحقق التوازن بين إعتبارات الفاعلية والضمان فى المجال التأديبى ...وهو ما نوجزه فى مبحثين على التوالى نخصص الأول منهما لتعريف الإجراءات التأديبية ، ودور القاضى الإدارى في توجيهها , ونكرس الثانى لدور المحكمة التأديبية في تحقيق الدعوى التأديبية ....وذلك كما يلى :
المبحث الأول : تعريف الإجراءات التأديبية ودور القاضى الإدارى في توجيهها .
المبحث الثانى : دور المحكمة التأديبية في تحقيق الدعوى التأديبية .
المبحث الأول
تعريف الإجراءات التأديبية ودور القاضى الإدارى في توجيهها
يُعد وضع التعاريف القانونية عملاً فقهياً بالدرجة الأولى , وليس من عمل المشرع على الإطلاق , وإذا بدا الأمر على هذا النحو فإن الفقه حال تصديه لوضع تلك التعاريف فإنه يضعها في ضوء النصوص القانونية الحاكمة للموضوع محل التعريف .
ولعل أول ما يسترعى النظر بشأن الإجراءات التأديبية أن النصوص التشريعية في هذا المجال محدودة للغاية من ناحية , ومبعثرة في تشريعات متعددة من ناحية آخرى ... حيث لم يصدر عن المشرع المصرى حتى وقتنا الراهن تشريعاً جامعاً للإجراءات التأديبية على غرار قانونى المرافعات المدنية , والإجراءات الجنائية . الأمر الذى يصعب مهمة الباحث في هذا المجال .
ورغم تلك الصعوبة فإنها أن تثنينا عن محاولة وضع تعريف للإجراءات التأديبية ...بيد أن دواعى المنطق المجرد تتطلب منا قبل التصدى لتعريف الإجراءات التأديبية أن تتعرض بداءة لتحديد ماهيته الإجراءات الإدارية وبيان دور القاضى الإدارى في توجيهها لمعرفة مدى تأثر القاضى التأديبى بهذا الدور في إرسائه للعديد من الإجراءات التأديبية ورسم معالمها حال إكماله للنقص والقصور الذى يعترى التشريعات المنظمة للإجراءات التأديبية ... الأمر الذى يستتبع تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين تخصص أولهما لبيان ماهية الإجراءات الإدارية ودور القاضى الإدارى في توجيهها , ونتصدى في ثانيهما لتعريف الإجراءات التأديبية .
المطلب الأول
ماهية الإجراءات الإدارية ودور القاضى الإدارى في توجيهها
الإجراءات – بصفة عامة – تعنى إصطلاحاً مجموعة القواعد الأصولية التى تنظم القضاء والتقاضى بين الناس , فهى تشمل جميع القواعد التى تتبع أمام المحاكم على اختلاف أنواعها مدنية كانت أم تجارية, جنائية كانت أم تأديبية , إدارية كانت أم دستورية ([9]) .
ولقد اختلف الفقه الإدارى بشأن وضع تعريف محدد للإجراءات الإدارية ما بين موسع ومضيق لهذا التعريف , وإن كانت تلك التعريفات في جملتها لا تخرج عن تعريفها بأنها ....مجموعة القواعد الإجرائية التى تتعلق بتحريك المنازعة والتحقيق والحكم في المنازعات التى تدخل في اختصاص القضاء الإدارى ([10]) . وذلك كمجوعة من العمليات القانونية التى يستند عليها وجود العمل القضائى وتطبيقه .
* دور القاضى الإدارى في توجيه الإجراءات الإدارية : أمأأ
يلعب القاضى الإدارى دوراً إيجابياً خلافاً في توجيه الدعاوى الإدارية ([11]). - وذلك على خلاف الوضع بالنسبة للإجراءات المدنية والتجارية التى يهيمن عليها الخصوم إلى حد كبير , ويقتصر دور القاضى بشأنها على تطبيق النصوص القانونية والإجرائية ذات الصلة - بحيث يكفى وصول الدعاوى الإدارية إلى القاضى الإدارى ليحمل عبء السير بها إلى منتهاها , فيأمر بالسير في إجراءاتها, وبالتحقيق إن كان له موضع, فضلاً عن تكليف الخصوم فيها بما يراه لازماً لاستيفاء تحضيرها وتهيأتها للفصل فيها ([12]) . وذلك بهدف تجريد الدعوى الإدارية من لدد الخصومة التى تهيمن على منازعات القانون الخاص .
وفى ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا ..." إن طبيعة الدعوى الإدارية تقتضى القاضى الإدارى أن يقوم بدور إيجابى فى تسيير الدعوى وتوجيهها , ولا يترك أمرها للخصوم " ([13]) .
ولقد ظاهر القاضى الإدارى في القيام بهذا الدور الإجرائى الخلاق ندرة النصوص التشريعية في هذا المجال , في فرنسا ومصر على السواء, الأمر الذى يتيح للقاضى الإدارى الإجتهاد في إبتداع الحلول المناسبة واستخلاص المبادئ العامة للإجراءات القضائية الإدارية ([14]) . مع الاستئناس بأحكام المرافعات المدنية بما يتلاءم وطبيعة الدعاوى الإدارية وروابط القانون العام .
والقاضى في ممارسته لهذا الدور التوجيهى يلتزم بمراعاة حقوق الدفاع وضمانات التقاضى من ناحية , واستقلال الإدارة وعدم التدخل فى شئونها التقديرية أو الحلول محلها من ناحية آخرى , وذلك بما لا يتعارض مع سلطته في تحضير الدعوى وتوجيه إجراءاتها . وهو يتغيامن وراء ذلك تحقيق أكبر قدر من الضمانات والرعاية للمتقاضين , وتيسير سبل الوصول إلى الحق دون عنت أو إرهاق , من خلال العمل على تحقيق التوازن العادل بين الإدارة والمتعاملين معها على سواء ([15]) .
المطلب الثانى
تعريف الإجراءات التأديبية
التأديب في نطاق الوظيفة العامة هو معاقبة الموظف لإخلاله بالواجبات المفروضة عليه , أو لخروجه على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته , أو ظهوره بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة([16]).
وقد نشأ التأديب بادئ الأمر إدارياً ملازماً للسلطة الرئاسية , فكان للرئيس الإدارى توقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين الخاضعين له دون تحقيق أو محاكمة , ودون توفير أية ضمانات لهم .
بيد أن هذا الوضع ما فتئ أن تغير بفضل جهد موفور اضطلع به القضاء الإدارى الفرنسى – بمؤازرة فقه القانون العام – لكفالة وإرساء العديد من الضمانات للموظفين في مجال التأديب ([17]) . فضلاً عن تشييد وابتداع مبادئ عامة للإجراءات التأديبية ([18]) .
ففى المجال التأديبى حيث تتكفل قوانين التوظف ببيان الأحكام والقواعد الموضوعية المتعلقة بواجبات الوظيفة العامة , والجزاءات التى تقع حال مخالفتها أو الخروج على مقتضياتها , دون تفصيل القواعد الإجرائية بهذا الصدد , فإنه بمجرد وقوع المخالفة التأديبية يقتضى الأمر إجراء تحقيق لتحديد مرتكب المخالفة تمهيداً لمحاكمته وتوقيع العقوبة التأديبية المناسبة عليه .... وهذا هو دور الإجراءات التأديبية التى تنقل القواعد الموضوعية للقوانين الوظيفية من التجريد النظرى إلى التطبيق العملى ([19]) . بأعتبارها للوسيلة الإجرائية لبسط وتطبيق تلك القواعد الموضوعية بما يستهدف توفير الضمان والإطمئنان في جميع مراحل التأديب .
ويمكن تعريف الإجراءات التأديبية بأنها .... مجموعة القواعد التى تحكم الدعوى التأديبية من حيث إجراءات مباشرتها منذ لحظة وقوع المخالفة التأديبية حتى الحكم فيها , وكذلك الحقوق والواجبات والروابط القانونية الناشئة عن تلك الإجراءات ([20]) .
ومن ثم , فإن الإجراءات التأديبية تتمثل في تلك القواعد الواجب إعمالها في مواجهة المتهم تأديبياً خلال الفترة ما بين اقترافه المخالفة حتى صدور القرار أو الحكم التأديبى بشأنها , بما في ذلك القواعد المنظمة للسلطة التى تختص بالتأديب([21]) .
وصفوة القول أن الإجراءات التأديبية هى إجراءات منظمة للممارسة الفعلية للدعوى التأديبية , وليست منظمة لحق العقاب أو الحق في الدعوى.... وفيها يجتهد القاضى في تحقيق وقائع معينة للتثبت من حدوثها, ثم تكييفها بتحديد القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق عليها بهدف استخلاص النتائج القانونية المترتبة عليها , وذلك فى إطار عدد من الضمانات التأديبية التى تكفل الرعاية والإطمئنان للموظف المحال للمحاكمة التأديبية .
" إجراءات تحقيق الدعوى التأديبية "
ودور المحكمة التأديبية فى توجيهها
خطة البحث
مقدمة : المحاكم التأديبية والدعاوى التأديبية
المبحث الأول : تعريف الإجراءات التأديبية ودور القاضى الإدارى في توجيهها .
المطلب الأول : ماهية الإجراءات الإدارية ودور القاضى الإدارى في توجيهها .
المطلب الثانى : تعريف الإجراءات التأديبية
المبحث الثانى :إجراءات تحقيق الدعوى التأديبية
المطلب الأول :دور المحكمة التأديبية في تحقيق الدعوى
المطلب الثانى : حرية المحكمة في تكوين عقيدتها
مقدمة : المحاكم التأديبية والدعاوى التأديبية في النظام القانونى المصرى :
* المحاكم التأديبية :
صدر الدستور المصرى الحالى في 11 سبتمبر سنة 1971 متضمناً بين نصوصه نص المادة 172 بشأن مجلس الدولة " جهة القضاء الإدارى " ... والتى نصت على أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة , ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية , ويحدد القانون اختصاصاته الآخرى " ...ولوضع هذا النص الدستورى موضع التطبيق العملى صد قانون مجلس الدولة الحالى رقم 47 لسنة 1972 مؤكداً ومردداً في مادته الأولى نفس ما ورد بالنص الدستورى من أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة , يختص بالفصل في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية " ([1]) .
ويتألف مجلس الدولة – طبقاً لنص المادة الثانية من القانون 47 لسنة 1972- من ثلاثة أقسام هى القسم القضائى , وقسم الفتورى , وقسم التشريع... حيث تُعد المحاكم التأديبية جزءاً من القسم القضائى بمجلس الدولة طبقاً لنص المادة الثالثة من نفس القانون ([2]) . وذلك على عكس القانون السابق رقم 55 لسنة 1959 الذى كان لا يعتبرها كذلك , رغم أواصر الصلة بين المحاكم التأديبية والقسم القضائى ([3]) .
وتُعد المحاكم التأديبية صاحبة الولاية العامة في مسائل تأديب العاملين المدنيين بالدولة في النظام القانونى المصرى , وتشمل هذه الولاية الدعاوى التأديبية المبتدأة التى ترفعها النيابة الإدارية , كما تشمل الطعون التأديبية – أى الطعون في قرارات الجزاءات الصادرة من السلطات الرئاسية وما يرتبط بها من طلبات ([4]) .
وتختص المحاكم التأديبية طبقاً لنص المادة الخامسة عشرة من قانون مجلس الدولة بنظر الدعاوى التأديبية عن المخالفات المالية والإدارية التى تقع من الفئات التالية :
أولاً – العاملين المدنيين بالجهاز الإدارى للدولة ووزارات الحكومة ومصالحها , ووحدات الإدارة المحلية والعاملين بالهيئات العامة وما يتبعها من وحدات , والعاملين بالشركات التى تضمن لها الحكومة حداً أدنى من الأرباح .
ثانياً – أعضاء مجالس إدارة التشكيلات النقابية المشكلة طبقاً لأحكام قانون العمل, وأعضاء مجالس الإدارة المنتخبين طبقاً لأحكام القانون رقم 141 لسنة 1963.
ثالثاً – العاملين بالجمعيات والهيئات الخاصة التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس الجمهورية ممن تتجاوز مرتباتهم خمسة عشر جنيهاً شهرياً.
* الدعوى التأديبية :
الدعوى بشكل عام – كما يعرفها فقه المرافعات – هى سلطة الألتجاء إلى القضاء للحصول على تقرير حق أو حمايته ([5]) .... فالدعوى إذاً هى الوسيلة القانونية التى يلجأ بمقتضاها صاحب الحق إلى السلطة القضائية لحماية حقه .
أما الدعوى التأديبية فيعرفها جانب من فقه القانون الإدارى بأنها مطالبة النيابة الإدارية للقضاء ممثلاً في مختلف المحاكم التأديبية بمحاكمة العامل "الموظف" عن الفعل أو الأفعال التى وقعت منه , بقصد مجازاته تأديبياً , وذلك بالحكم عليه بإحدى العقوبات التى نص عليها القانون ([6]).... فى حين عرفها البعض الآخر بأنها مجموعة الإجراءات التى تهدف إلى تحديد المسئولية التأديبية , ومؤخذة من يخرج على أحكام وظيفته ومقتضياتها ([7]) .
ونميل من جانبنا إلى تأييد رأى ثالث في تعريف الدعوى التأديبية بأنها .. مطالبة جهة التأديب – أياً كانت صورتها – بمحاكمة الموظف عن الفعل أو الأفعال التى وقعت منه بقصد مجازاته تأديبياً , وذلك بالحكم عليه بإحدى العقوبات التى نص عليها القانون ([8]) .
ولعل هذا التعريف أوفى وأشمل من سابقيه لأنه يشمل الدعوى التأديبية التى تقيمها النيابة الإدارية , كما يشمل أيضاً الدعاوى التأديبية التى تقام من سلطات أخرى مختصة بإقامتها خلاف النيابة الإدارية....كما هو الشأن في إجراءات تأديب الموظفين الذين تنظم شئونهم الوظيفية قوانين خاصة مثل أعضاء هيئة التدريس بالجامعات , وأعضاء هيئة الشرطة ...وغيرهم .
وسوف نقتصر في هذا المقام على بيان إجراءات تحقيق الدعوى التأديبية بمعرفة المحكمة التأديبية عبر بيان ماهية الإجراءات الإدارية عموماً , والإجراءات التأديبية على وجه الخصوص , والدور الأيجابى للقاضى الإدارى في توجيه تلك الإجراءات .... إجلاءً لوجه الحقيقة وإماطة اللثام عنها , وبما يحقق التوازن بين إعتبارات الفاعلية والضمان فى المجال التأديبى ...وهو ما نوجزه فى مبحثين على التوالى نخصص الأول منهما لتعريف الإجراءات التأديبية ، ودور القاضى الإدارى في توجيهها , ونكرس الثانى لدور المحكمة التأديبية في تحقيق الدعوى التأديبية ....وذلك كما يلى :
المبحث الأول : تعريف الإجراءات التأديبية ودور القاضى الإدارى في توجيهها .
المبحث الثانى : دور المحكمة التأديبية في تحقيق الدعوى التأديبية .
المبحث الأول
تعريف الإجراءات التأديبية ودور القاضى الإدارى في توجيهها
يُعد وضع التعاريف القانونية عملاً فقهياً بالدرجة الأولى , وليس من عمل المشرع على الإطلاق , وإذا بدا الأمر على هذا النحو فإن الفقه حال تصديه لوضع تلك التعاريف فإنه يضعها في ضوء النصوص القانونية الحاكمة للموضوع محل التعريف .
ولعل أول ما يسترعى النظر بشأن الإجراءات التأديبية أن النصوص التشريعية في هذا المجال محدودة للغاية من ناحية , ومبعثرة في تشريعات متعددة من ناحية آخرى ... حيث لم يصدر عن المشرع المصرى حتى وقتنا الراهن تشريعاً جامعاً للإجراءات التأديبية على غرار قانونى المرافعات المدنية , والإجراءات الجنائية . الأمر الذى يصعب مهمة الباحث في هذا المجال .
ورغم تلك الصعوبة فإنها أن تثنينا عن محاولة وضع تعريف للإجراءات التأديبية ...بيد أن دواعى المنطق المجرد تتطلب منا قبل التصدى لتعريف الإجراءات التأديبية أن تتعرض بداءة لتحديد ماهيته الإجراءات الإدارية وبيان دور القاضى الإدارى في توجيهها لمعرفة مدى تأثر القاضى التأديبى بهذا الدور في إرسائه للعديد من الإجراءات التأديبية ورسم معالمها حال إكماله للنقص والقصور الذى يعترى التشريعات المنظمة للإجراءات التأديبية ... الأمر الذى يستتبع تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين تخصص أولهما لبيان ماهية الإجراءات الإدارية ودور القاضى الإدارى في توجيهها , ونتصدى في ثانيهما لتعريف الإجراءات التأديبية .
المطلب الأول
ماهية الإجراءات الإدارية ودور القاضى الإدارى في توجيهها
الإجراءات – بصفة عامة – تعنى إصطلاحاً مجموعة القواعد الأصولية التى تنظم القضاء والتقاضى بين الناس , فهى تشمل جميع القواعد التى تتبع أمام المحاكم على اختلاف أنواعها مدنية كانت أم تجارية, جنائية كانت أم تأديبية , إدارية كانت أم دستورية ([9]) .
ولقد اختلف الفقه الإدارى بشأن وضع تعريف محدد للإجراءات الإدارية ما بين موسع ومضيق لهذا التعريف , وإن كانت تلك التعريفات في جملتها لا تخرج عن تعريفها بأنها ....مجموعة القواعد الإجرائية التى تتعلق بتحريك المنازعة والتحقيق والحكم في المنازعات التى تدخل في اختصاص القضاء الإدارى ([10]) . وذلك كمجوعة من العمليات القانونية التى يستند عليها وجود العمل القضائى وتطبيقه .
* دور القاضى الإدارى في توجيه الإجراءات الإدارية : أمأأ
يلعب القاضى الإدارى دوراً إيجابياً خلافاً في توجيه الدعاوى الإدارية ([11]). - وذلك على خلاف الوضع بالنسبة للإجراءات المدنية والتجارية التى يهيمن عليها الخصوم إلى حد كبير , ويقتصر دور القاضى بشأنها على تطبيق النصوص القانونية والإجرائية ذات الصلة - بحيث يكفى وصول الدعاوى الإدارية إلى القاضى الإدارى ليحمل عبء السير بها إلى منتهاها , فيأمر بالسير في إجراءاتها, وبالتحقيق إن كان له موضع, فضلاً عن تكليف الخصوم فيها بما يراه لازماً لاستيفاء تحضيرها وتهيأتها للفصل فيها ([12]) . وذلك بهدف تجريد الدعوى الإدارية من لدد الخصومة التى تهيمن على منازعات القانون الخاص .
وفى ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا ..." إن طبيعة الدعوى الإدارية تقتضى القاضى الإدارى أن يقوم بدور إيجابى فى تسيير الدعوى وتوجيهها , ولا يترك أمرها للخصوم " ([13]) .
ولقد ظاهر القاضى الإدارى في القيام بهذا الدور الإجرائى الخلاق ندرة النصوص التشريعية في هذا المجال , في فرنسا ومصر على السواء, الأمر الذى يتيح للقاضى الإدارى الإجتهاد في إبتداع الحلول المناسبة واستخلاص المبادئ العامة للإجراءات القضائية الإدارية ([14]) . مع الاستئناس بأحكام المرافعات المدنية بما يتلاءم وطبيعة الدعاوى الإدارية وروابط القانون العام .
والقاضى في ممارسته لهذا الدور التوجيهى يلتزم بمراعاة حقوق الدفاع وضمانات التقاضى من ناحية , واستقلال الإدارة وعدم التدخل فى شئونها التقديرية أو الحلول محلها من ناحية آخرى , وذلك بما لا يتعارض مع سلطته في تحضير الدعوى وتوجيه إجراءاتها . وهو يتغيامن وراء ذلك تحقيق أكبر قدر من الضمانات والرعاية للمتقاضين , وتيسير سبل الوصول إلى الحق دون عنت أو إرهاق , من خلال العمل على تحقيق التوازن العادل بين الإدارة والمتعاملين معها على سواء ([15]) .
المطلب الثانى
تعريف الإجراءات التأديبية
التأديب في نطاق الوظيفة العامة هو معاقبة الموظف لإخلاله بالواجبات المفروضة عليه , أو لخروجه على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته , أو ظهوره بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة([16]).
وقد نشأ التأديب بادئ الأمر إدارياً ملازماً للسلطة الرئاسية , فكان للرئيس الإدارى توقيع الجزاءات التأديبية على الموظفين الخاضعين له دون تحقيق أو محاكمة , ودون توفير أية ضمانات لهم .
بيد أن هذا الوضع ما فتئ أن تغير بفضل جهد موفور اضطلع به القضاء الإدارى الفرنسى – بمؤازرة فقه القانون العام – لكفالة وإرساء العديد من الضمانات للموظفين في مجال التأديب ([17]) . فضلاً عن تشييد وابتداع مبادئ عامة للإجراءات التأديبية ([18]) .
ففى المجال التأديبى حيث تتكفل قوانين التوظف ببيان الأحكام والقواعد الموضوعية المتعلقة بواجبات الوظيفة العامة , والجزاءات التى تقع حال مخالفتها أو الخروج على مقتضياتها , دون تفصيل القواعد الإجرائية بهذا الصدد , فإنه بمجرد وقوع المخالفة التأديبية يقتضى الأمر إجراء تحقيق لتحديد مرتكب المخالفة تمهيداً لمحاكمته وتوقيع العقوبة التأديبية المناسبة عليه .... وهذا هو دور الإجراءات التأديبية التى تنقل القواعد الموضوعية للقوانين الوظيفية من التجريد النظرى إلى التطبيق العملى ([19]) . بأعتبارها للوسيلة الإجرائية لبسط وتطبيق تلك القواعد الموضوعية بما يستهدف توفير الضمان والإطمئنان في جميع مراحل التأديب .
ويمكن تعريف الإجراءات التأديبية بأنها .... مجموعة القواعد التى تحكم الدعوى التأديبية من حيث إجراءات مباشرتها منذ لحظة وقوع المخالفة التأديبية حتى الحكم فيها , وكذلك الحقوق والواجبات والروابط القانونية الناشئة عن تلك الإجراءات ([20]) .
ومن ثم , فإن الإجراءات التأديبية تتمثل في تلك القواعد الواجب إعمالها في مواجهة المتهم تأديبياً خلال الفترة ما بين اقترافه المخالفة حتى صدور القرار أو الحكم التأديبى بشأنها , بما في ذلك القواعد المنظمة للسلطة التى تختص بالتأديب([21]) .
وصفوة القول أن الإجراءات التأديبية هى إجراءات منظمة للممارسة الفعلية للدعوى التأديبية , وليست منظمة لحق العقاب أو الحق في الدعوى.... وفيها يجتهد القاضى في تحقيق وقائع معينة للتثبت من حدوثها, ثم تكييفها بتحديد القواعد الموضوعية الواجبة التطبيق عليها بهدف استخلاص النتائج القانونية المترتبة عليها , وذلك فى إطار عدد من الضمانات التأديبية التى تكفل الرعاية والإطمئنان للموظف المحال للمحاكمة التأديبية .