المفهوم القانوني للتحكيــــم ومبــرراته وأحكامه
اعداد نادر شافي
التحكيم هو أحد وسائل الفصل في المنازعات القائمة بين الأطراف المعنية بواسطة شخص من الغير بعيداً عن قضاء الدولة. وتعود نشأة التحكيم الى بداية البشرية، وهو قديم قدمها، فقد عرفته البشرية قبل أن تعرف القضاء العام، واعترفت به كافة الأنظمة الأساسية التي كانت سائدة آنذاك، كالحضارات اليونانية والرومانية والإسلامية وغيرها. وهو الآن محل اعتراف أيضاً من كافة الأنظمة التشريعية الوطنية والدولية. ويعتبر التحكيم في هذا العصر مساراً للفصل في المنازعات الى جانب مسار القضاء الرسمي. ويعيش الآن أزهى عصور ازدهاره، خصوصاً على صعيد التجارة الدولية. وقد كان القانون اللبناني منفتحاً على التحكيم الداخلي والدولي، فأدخله في صلب قانون أصول المحاكمات المدنية القديم منذ العام 1933، ثم في القانون الجديد الصادر عام 1983، مستوحياً الكثير من القانون الفرنسي للعام 1975 مع تعديلاته.
مبررات التحكيم
تعود مبررات اللجوء للتحكيم الى اعتبارات عدة مختلفة تدفع الأطراف المعنية الى تفضيله عن قضاء الدولة نظراً لما يتسم به التحكيم من مزايا أهمها:
رغبة الخصوم في الحصول على حكم سريع يفصل في النزاع القائم، فهو يتميز بالقدرة على الفصل في المنازعات المعروضة عليه في وقت أقل، وذلك تلافياً لبطء الإجراءات في الأنظمة القضائية الرسمية.
­ تميّز التحكيم بالطابع السري في فصل المنازعات، خلافاً لقضاء الدولة الذي تعد العلانية أحد خصائصه المميزة. فالتحكيم يحقق للخصوم رغبة الحفاظ على سرية المنازعة ووقائعها صوناً لأسرارهم الخاصة والمهنية.
­ حرية الأطراف في ظل قضاء التحكيم وممارستهم حق الدفاع بشكل كامل، هذا بالإضافة الى الرغبة في الوصول الى حل عادل للنزاع يضمن استمرار العلاقة بين الأطراف رغم نشوب الخلاف.
­ تميز التحكيم بأنه قضاء متخصص، لأن المحكّم أو هيئة التحكيم يكونون عادة من أصحاب الاختصاص في النزاع المطروح، أو على إطلاع كاف به، كالمسائل المتعلقة بالبضائع والسلع والأجهزة المتطوّرة وغيرها.
­ تحرر التحكيم من القيود والقواعد القانونية المعقدة مع الحفاظ على احترام المبادئ الأساسية للتقاضي؛ كاحترام حقوق الدفاع والمساواة بين الخصوم واحترام مبدأ الوجاهية المتمثل بحق الخصوم في الإطلاع على كل ما هو مبرز في ملف النزاع وحق مناقشته والتعليق عليه. هذا مع إعطاء المحكم حرية التحرر من الإجراءات المعقدة، مما يجعل التحكيم قضاءً مرناً.
طبيعة التحكيم
لا ينشأ التحكيم إلا نتيجة اتفاق طرفي النزاع على اللجوء إليه، لكن القرار الذي يصدره المحكّم بعد ذلك لا يختلف في جوهره عن الحكم الصادر عن قضاء الدولة. وقد اختلف فقهاء القانون حول الطبيعة القانونية للتحكيم ومدى اعتبارها طبيعة تعاقدية أم قضائية. والرأي الراجح يعتبر أن التحكيم ذو طبيعة قضائية، لأن المحكّم يستند الى اتفاق التحكيم المعقود بين الفرقاء. والمحكّم لا يمثل قضاء الدولة ولا تنطبق عليه جميع قواعده، إنما تنطبق عليه قواعد مستمدة من اتفاق التحكيم، مما يضفي عليه طبيعة ذاتية مستقلة.
أنواع التحكيم
ينقسم التحكيم الى أنواع عدة، أهمها:
1-­ التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي: يعتبر التحكيم دولياً عندما يتعلق بمصالح التجارة الدولية المرتبطة بعملية حركة انتقال البضائع والخدمات عبر حدود أكثر من دولة، أي عندما يرتبط النزاع بأكثر من دولة واحدة. أما التحكيم الداخلي فهو الذي يرتبط بعلاقة وطنية داخلية بعيدة عن مصالح التجارة الدولية.
2-­ التحكيم العادي والتحكيم المطلق: يعتبر التحيكم عادياً عندما يكون المحكم ملزماً بالفصل في النزاع وفقاً لقواعد القانون. أما عندما يُعفى المحكم من تطبيق هذه القواعد ويحكم بمقتضى الإنصاف، فإن التحكيم يكون مطلقاً. وعند قيام الشك في وصف التحكيم فهو يعتبر تحكيماً عادياً. ولا يعني ذلك أن المحكّم في التحكيم المطلق محروم من تطبيق قواعد القانون، إذ يمكنه تطبيقها إذا وجد فيها معياراً كافياً للعدالة والإنصاف. لكنه ملزم في جميع الحالات بتطبيق قواعد القانون المتعلقة بالنظام العام.
3-­ التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي: يعتبر التحكيم حراً عندما يقيمه الخصوم بمناسبة نزاع معين للفصل في هذا النزاع، فيختارون بأنفسهم المحكّم أو المحكمين ويحددون الإجراءات والقواعد التي تطبق عليه. أما التحكيم المؤسسي أو النظامي فهو الذي يُعهد به الخصوم الى مؤسسة أو منظمة تحكيم دائمة لتتولى الإضطلاع بأعبائه وفقاً للائحة معدة مسبقاً بحكم عملها. ومن أهم المؤسسات التحكيمية: المحكمة الدولية للتحكيم بغرفة التجارة الدولية في باريس، ومحكمة التحكيم الدولي في لندن، والمركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار في واشنطن.
4-­ التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري: يكون التحكيم اختيارياً عندما يلجأ اليه الخصوم بإرادتهم. ويكون إجبارياً إذا فُرض على الأطراف اللجوء إليه لحل المنازعات المتعلقة بروابط قانونية معينة، كما هي الحال في حل بعض المنازعات التي تنشأ بين الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والمضمون، فهي من اختصاص هيئة مؤلفة من الطبيب المعالج وطبيب الصندوق وفـقاً لقـانون الضمان الإجتماعي الصادر بتاريخ 26/9/1963.
اعداد نادر شافي
التحكيم هو أحد وسائل الفصل في المنازعات القائمة بين الأطراف المعنية بواسطة شخص من الغير بعيداً عن قضاء الدولة. وتعود نشأة التحكيم الى بداية البشرية، وهو قديم قدمها، فقد عرفته البشرية قبل أن تعرف القضاء العام، واعترفت به كافة الأنظمة الأساسية التي كانت سائدة آنذاك، كالحضارات اليونانية والرومانية والإسلامية وغيرها. وهو الآن محل اعتراف أيضاً من كافة الأنظمة التشريعية الوطنية والدولية. ويعتبر التحكيم في هذا العصر مساراً للفصل في المنازعات الى جانب مسار القضاء الرسمي. ويعيش الآن أزهى عصور ازدهاره، خصوصاً على صعيد التجارة الدولية. وقد كان القانون اللبناني منفتحاً على التحكيم الداخلي والدولي، فأدخله في صلب قانون أصول المحاكمات المدنية القديم منذ العام 1933، ثم في القانون الجديد الصادر عام 1983، مستوحياً الكثير من القانون الفرنسي للعام 1975 مع تعديلاته.
مبررات التحكيم
تعود مبررات اللجوء للتحكيم الى اعتبارات عدة مختلفة تدفع الأطراف المعنية الى تفضيله عن قضاء الدولة نظراً لما يتسم به التحكيم من مزايا أهمها:
رغبة الخصوم في الحصول على حكم سريع يفصل في النزاع القائم، فهو يتميز بالقدرة على الفصل في المنازعات المعروضة عليه في وقت أقل، وذلك تلافياً لبطء الإجراءات في الأنظمة القضائية الرسمية.
­ تميّز التحكيم بالطابع السري في فصل المنازعات، خلافاً لقضاء الدولة الذي تعد العلانية أحد خصائصه المميزة. فالتحكيم يحقق للخصوم رغبة الحفاظ على سرية المنازعة ووقائعها صوناً لأسرارهم الخاصة والمهنية.
­ حرية الأطراف في ظل قضاء التحكيم وممارستهم حق الدفاع بشكل كامل، هذا بالإضافة الى الرغبة في الوصول الى حل عادل للنزاع يضمن استمرار العلاقة بين الأطراف رغم نشوب الخلاف.
­ تميز التحكيم بأنه قضاء متخصص، لأن المحكّم أو هيئة التحكيم يكونون عادة من أصحاب الاختصاص في النزاع المطروح، أو على إطلاع كاف به، كالمسائل المتعلقة بالبضائع والسلع والأجهزة المتطوّرة وغيرها.
­ تحرر التحكيم من القيود والقواعد القانونية المعقدة مع الحفاظ على احترام المبادئ الأساسية للتقاضي؛ كاحترام حقوق الدفاع والمساواة بين الخصوم واحترام مبدأ الوجاهية المتمثل بحق الخصوم في الإطلاع على كل ما هو مبرز في ملف النزاع وحق مناقشته والتعليق عليه. هذا مع إعطاء المحكم حرية التحرر من الإجراءات المعقدة، مما يجعل التحكيم قضاءً مرناً.
طبيعة التحكيم
لا ينشأ التحكيم إلا نتيجة اتفاق طرفي النزاع على اللجوء إليه، لكن القرار الذي يصدره المحكّم بعد ذلك لا يختلف في جوهره عن الحكم الصادر عن قضاء الدولة. وقد اختلف فقهاء القانون حول الطبيعة القانونية للتحكيم ومدى اعتبارها طبيعة تعاقدية أم قضائية. والرأي الراجح يعتبر أن التحكيم ذو طبيعة قضائية، لأن المحكّم يستند الى اتفاق التحكيم المعقود بين الفرقاء. والمحكّم لا يمثل قضاء الدولة ولا تنطبق عليه جميع قواعده، إنما تنطبق عليه قواعد مستمدة من اتفاق التحكيم، مما يضفي عليه طبيعة ذاتية مستقلة.
أنواع التحكيم
ينقسم التحكيم الى أنواع عدة، أهمها:
1-­ التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي: يعتبر التحكيم دولياً عندما يتعلق بمصالح التجارة الدولية المرتبطة بعملية حركة انتقال البضائع والخدمات عبر حدود أكثر من دولة، أي عندما يرتبط النزاع بأكثر من دولة واحدة. أما التحكيم الداخلي فهو الذي يرتبط بعلاقة وطنية داخلية بعيدة عن مصالح التجارة الدولية.
2-­ التحكيم العادي والتحكيم المطلق: يعتبر التحيكم عادياً عندما يكون المحكم ملزماً بالفصل في النزاع وفقاً لقواعد القانون. أما عندما يُعفى المحكم من تطبيق هذه القواعد ويحكم بمقتضى الإنصاف، فإن التحكيم يكون مطلقاً. وعند قيام الشك في وصف التحكيم فهو يعتبر تحكيماً عادياً. ولا يعني ذلك أن المحكّم في التحكيم المطلق محروم من تطبيق قواعد القانون، إذ يمكنه تطبيقها إذا وجد فيها معياراً كافياً للعدالة والإنصاف. لكنه ملزم في جميع الحالات بتطبيق قواعد القانون المتعلقة بالنظام العام.
3-­ التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي: يعتبر التحكيم حراً عندما يقيمه الخصوم بمناسبة نزاع معين للفصل في هذا النزاع، فيختارون بأنفسهم المحكّم أو المحكمين ويحددون الإجراءات والقواعد التي تطبق عليه. أما التحكيم المؤسسي أو النظامي فهو الذي يُعهد به الخصوم الى مؤسسة أو منظمة تحكيم دائمة لتتولى الإضطلاع بأعبائه وفقاً للائحة معدة مسبقاً بحكم عملها. ومن أهم المؤسسات التحكيمية: المحكمة الدولية للتحكيم بغرفة التجارة الدولية في باريس، ومحكمة التحكيم الدولي في لندن، والمركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار في واشنطن.
4-­ التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري: يكون التحكيم اختيارياً عندما يلجأ اليه الخصوم بإرادتهم. ويكون إجبارياً إذا فُرض على الأطراف اللجوء إليه لحل المنازعات المتعلقة بروابط قانونية معينة، كما هي الحال في حل بعض المنازعات التي تنشأ بين الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والمضمون، فهي من اختصاص هيئة مؤلفة من الطبيب المعالج وطبيب الصندوق وفـقاً لقـانون الضمان الإجتماعي الصادر بتاريخ 26/9/1963.