من كلمات الحق التي قالها جمال عبد الناصر في بدايات الثورة المصرية: إن القضاء هو صمام الأمان في هذا الوطن· ومهما يكن من أمر اعتداء بعض رجال الثورة وتنظيماتها السياسية على استقلال القضاء وكرامة القضاة، في مثل اقتحام مجلس الدولة والاعتداء على العلاّمة عبد الرزاق السنهوري سنة 1954 ومذبحة القضاء سنة1969 وما سبقها من إنشاء تنظيم سري في القضاء تابع للتنظيم الطليعي في الاتحاد الاشتراكي، مهما يكن من أمر ذلك كله فإن كلمة الحق تبقى صحيحة ومعبرة عن الدور الذي يضطلع به قضاة مصر سواء وهم يمارسون الفصل بالحق في المنازعات والأقضية أم وهم يتصدون للقضايا الوطنية والقومية برأي أقرب ما يكون إلى فصل الخطاب.
ويبدو أن شهر مارس الميلادي على موعد مع المواقف الوطنية والقومية لقضاة مصر· فلا ينسى المصريون ـ مهما نسوا ـ الموقف الشجاع لهؤلاء القضاة بقيادة المغفور له المستشار ممتاز نصّار يوم أصدروا بيان 28 مارس سنة 1968 ليواجهوا ما ترتب على هزيمة يونيو 1967 من أوضاع، وما كان يتهدد الوطن بسببها من مخاطر، فقالوا إن الواجب الأول هو إزالة المعوّقات وتأمين الحرية الفردية لكل مواطن في الرأي والكلمة والاجتماع··· وفي الإحساس بالمسؤولية والقدرة على التعبير الحر، ولا يكون ذلك إلا بتأكيد مبدأ الشرعية الذي يعني في المقام الأول كفالة الحريات للمواطنين كافة وسيادة القانون على الحكام والمحكومين على السواء، وأن يكون ذلك في ظل رقابة من السلطة القضائية وحدها طبقاً لأحكام القانون العام وحده، وأمام القضاء العام وبإجراءاته وحدها.
ولم تزل هذه الأفكار المتعلقة بالحريات وسيادة القانون هي الشاغل الأساسي للقضاة في كل لقاء لهم أو اجتماع لجمعيتهم العمومية، يلحون عليها بلا كلل لأنهم يرونها الطريق الوحيد لكرامة الوطن والمواطنين.
وهكذا تحدثوا في بيان مارس الثاني، أعني بيانهم الذي أصدروه يوم 24 مارس 2003 بمناسبة العدوان الجاري على الأمة العربية والإسلامية في فلسطين والعراق، ودوافعه الاستعمارية والصهيونية المعلنة.
قال القضاة في بيان 24 مارس 2003 إن مداولاتهم انتهت إلى ما يلي:
1- إن أبرز أسباب هذه المحنة هو وهن الأمة· فلا كرامة ولا حرية لوطن لا يحمي كرامة مواطنيه وحريتهم. وإن تعطيل الديمقراطية الحقيقية خطأ جسيم يكاد يرقى إلى مرتبة قتل الأمة عمداً، وتمكين عدوها منها.
2- إن واجب الحكومات العربية والإسلامية إعلان معاداتها للدول التي تشارك في العدوان... ورفض وجود القواعد العسكرية أو تقديم تسهيلات لها أو الاشتراك معها في مناورات عسكرية· وواجبها ـ كذلك ـ أن تقدم كل أنواع المساعدة للشعب العراقي وحكومته وللشعب الفلسطيني والمقاومة.
إن واجب الشعوب العربية والإسلامية، والشعوب المؤمنة بالإنسانية كافة، أن تجاهد بكل السبل لرد العدوان الجاري وأن تدين المتقاعسين عن دفعه.
4- إن القضاة يقدرون مواقف الكنائس الأرثوذكسية المصرية واليونانية والروسية، والكنيسة الكاثوليكية، والكنائس البروتستانتية في العالم أجمع، ويعتبرون كلمة الحق التي قالها ممثلو هذه الكنائس من أفضل الجهاد الذي حض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي بقوله: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
5- إن قضاة مصر يناشدون الرئيس مبارك أن يرد على الطغاة الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقيموا في العراق نموذجاً للحكومة الديمقراطية تحتذيه حكومات العالم العربي، فليبادر الرئيس بجعل مصر هي النموذج الذي يحتذيه العالم العربي.فتلك هي مكانتها، وهذا هو دورها.
وهكذا كان الهم الأول لقضاة مصر في بيان 24 مارس 2003 هو نفسه الهم الأول لهم في بيان 28 مارس: 1968 الحرية والديمقراطية وحفظ كرامة الوطن والمواطن وتأكيد الدور القومي لمصر: قدوة ونموذجاً للعرب كافة.
ولم ينس القضاة في بيان 24 مارس 2003 أن يدينوا الاستبداد وتوريث المصالح والمناصب، وتزوير الانتخابات، والحكم بقوانين استثنائية واستبدادية، واكتفاء أغلب الحكومات العربية بإعلان رفض العدوان على العراق قولاً، وكبت شعوبها عملاً!
وحين صدر هذا البيان في 24 مارس ونشرته وسائل الإعلام سألني سائل ـ بديت له إعجابي بالبيان ـ كيف يفعل القضاة ذلك وهم يطلبون في كل مناسبة، وكان مطلبهم الرئيسي في بيان 28 مارس 1968 النأي بالقضاء عن السياسة؟! قلت للسائل إن هناك فارقاً بين العمل السياسي التنظيمي، الحزبي أو الجماعي، وبين إبداء الرأي السياسي في المواقف العصيبة التي تتعرض الأوطان فيها للخطر والمصالح القومية للانتهاك وحقوق الأفراد والشعوب للعدوان.
إذا عمل القاضي في تنظيم سياسي حكومي أو معارض، وإذا انتمى إلى جماعة تعمل بالسياسة أو تفاضل من أجل العمل بها، فقد صلاحيته للجلوس في مجلس القضاء والحكم بين الناس في خصوماتهم لأن المنتمي للتنظيم أو الجماعة السياسية منحاز، بحكم هذا الانتماء نفسه، انحيازاً يذهب بالثقة فيه ويخل بحياده الواجب بين الذين يقعون خصوماً بين يديه· لكن القاضي الذي لا ينحاز لوطنه، لا ينتمي لأمته، ولا يدافع عن كرامة شعبه أفراداً وجماعات عندما تتعرض لقهر داخلي أو لعدوان أجنبي يكون قاعداً عن أداء واجبه، مقصراً في إبراء ذمته، ساكتاً عن قول الحق وهو أقدر الناس على معرفته والجهر به، فيكون موقفه أكثر سوءاً وأعظم خطأ من موقف القاضي المنحاز سياسياً بانتمائه إلى جماعة أو تنظيم!
إن كل قاض، مطالب من حيث هو مواطن، بالانتماء الحقيقي إلى وطنه· وبالنظر المخلص في قضايا هذا الوطن، وفي تحمل نصيبه من المسؤولية عن الفصل في القضايا المعروضة عليه سواء بسواء، أو لنقل إنه مطالب ـ من باب أولى ـ بحمل مسؤولية الوطن العامة.
وإذا كان القاضي الذي يتقاعس عن الفصل في الخصومات يصبح مرتكباً لجريمة إنكار العدالة، فإن القاضي الذي يتنكر لهموم الوطن والأمة يكون أولى باللوم وأكثر استحقاقاً للانتقاد من المتخلي عن إقامة العدل في قضية فردية.
وليس مطلوباً من القاضي أن يكون أصم أبكم، ولا أن يكون جامعاً بين صفات القردة الثلاثة الصينية: لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم. ولكن الذي تنتظره الأمة من قضاتها، والذي صنعه قضاة الإسلام على امتداد تاريخه، هو أنهم كانوا العدالة المبصرة، الناطقة بالحق الذي تراه غضب لحديثها بالحق من غضب، ورضي به من رضي.
وهكذا فعل قضاة مصر في مارس 1968 ومارس ·2003 وهكذا يرجو المصريون أن يكون قضاتهم وقضاؤهم دائماً أبداً.
ويبدو أن شهر مارس الميلادي على موعد مع المواقف الوطنية والقومية لقضاة مصر· فلا ينسى المصريون ـ مهما نسوا ـ الموقف الشجاع لهؤلاء القضاة بقيادة المغفور له المستشار ممتاز نصّار يوم أصدروا بيان 28 مارس سنة 1968 ليواجهوا ما ترتب على هزيمة يونيو 1967 من أوضاع، وما كان يتهدد الوطن بسببها من مخاطر، فقالوا إن الواجب الأول هو إزالة المعوّقات وتأمين الحرية الفردية لكل مواطن في الرأي والكلمة والاجتماع··· وفي الإحساس بالمسؤولية والقدرة على التعبير الحر، ولا يكون ذلك إلا بتأكيد مبدأ الشرعية الذي يعني في المقام الأول كفالة الحريات للمواطنين كافة وسيادة القانون على الحكام والمحكومين على السواء، وأن يكون ذلك في ظل رقابة من السلطة القضائية وحدها طبقاً لأحكام القانون العام وحده، وأمام القضاء العام وبإجراءاته وحدها.
ولم تزل هذه الأفكار المتعلقة بالحريات وسيادة القانون هي الشاغل الأساسي للقضاة في كل لقاء لهم أو اجتماع لجمعيتهم العمومية، يلحون عليها بلا كلل لأنهم يرونها الطريق الوحيد لكرامة الوطن والمواطنين.
وهكذا تحدثوا في بيان مارس الثاني، أعني بيانهم الذي أصدروه يوم 24 مارس 2003 بمناسبة العدوان الجاري على الأمة العربية والإسلامية في فلسطين والعراق، ودوافعه الاستعمارية والصهيونية المعلنة.
قال القضاة في بيان 24 مارس 2003 إن مداولاتهم انتهت إلى ما يلي:
1- إن أبرز أسباب هذه المحنة هو وهن الأمة· فلا كرامة ولا حرية لوطن لا يحمي كرامة مواطنيه وحريتهم. وإن تعطيل الديمقراطية الحقيقية خطأ جسيم يكاد يرقى إلى مرتبة قتل الأمة عمداً، وتمكين عدوها منها.
2- إن واجب الحكومات العربية والإسلامية إعلان معاداتها للدول التي تشارك في العدوان... ورفض وجود القواعد العسكرية أو تقديم تسهيلات لها أو الاشتراك معها في مناورات عسكرية· وواجبها ـ كذلك ـ أن تقدم كل أنواع المساعدة للشعب العراقي وحكومته وللشعب الفلسطيني والمقاومة.
إن واجب الشعوب العربية والإسلامية، والشعوب المؤمنة بالإنسانية كافة، أن تجاهد بكل السبل لرد العدوان الجاري وأن تدين المتقاعسين عن دفعه.
4- إن القضاة يقدرون مواقف الكنائس الأرثوذكسية المصرية واليونانية والروسية، والكنيسة الكاثوليكية، والكنائس البروتستانتية في العالم أجمع، ويعتبرون كلمة الحق التي قالها ممثلو هذه الكنائس من أفضل الجهاد الذي حض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي بقوله: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
5- إن قضاة مصر يناشدون الرئيس مبارك أن يرد على الطغاة الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقيموا في العراق نموذجاً للحكومة الديمقراطية تحتذيه حكومات العالم العربي، فليبادر الرئيس بجعل مصر هي النموذج الذي يحتذيه العالم العربي.فتلك هي مكانتها، وهذا هو دورها.
وهكذا كان الهم الأول لقضاة مصر في بيان 24 مارس 2003 هو نفسه الهم الأول لهم في بيان 28 مارس: 1968 الحرية والديمقراطية وحفظ كرامة الوطن والمواطن وتأكيد الدور القومي لمصر: قدوة ونموذجاً للعرب كافة.
ولم ينس القضاة في بيان 24 مارس 2003 أن يدينوا الاستبداد وتوريث المصالح والمناصب، وتزوير الانتخابات، والحكم بقوانين استثنائية واستبدادية، واكتفاء أغلب الحكومات العربية بإعلان رفض العدوان على العراق قولاً، وكبت شعوبها عملاً!
وحين صدر هذا البيان في 24 مارس ونشرته وسائل الإعلام سألني سائل ـ بديت له إعجابي بالبيان ـ كيف يفعل القضاة ذلك وهم يطلبون في كل مناسبة، وكان مطلبهم الرئيسي في بيان 28 مارس 1968 النأي بالقضاء عن السياسة؟! قلت للسائل إن هناك فارقاً بين العمل السياسي التنظيمي، الحزبي أو الجماعي، وبين إبداء الرأي السياسي في المواقف العصيبة التي تتعرض الأوطان فيها للخطر والمصالح القومية للانتهاك وحقوق الأفراد والشعوب للعدوان.
إذا عمل القاضي في تنظيم سياسي حكومي أو معارض، وإذا انتمى إلى جماعة تعمل بالسياسة أو تفاضل من أجل العمل بها، فقد صلاحيته للجلوس في مجلس القضاء والحكم بين الناس في خصوماتهم لأن المنتمي للتنظيم أو الجماعة السياسية منحاز، بحكم هذا الانتماء نفسه، انحيازاً يذهب بالثقة فيه ويخل بحياده الواجب بين الذين يقعون خصوماً بين يديه· لكن القاضي الذي لا ينحاز لوطنه، لا ينتمي لأمته، ولا يدافع عن كرامة شعبه أفراداً وجماعات عندما تتعرض لقهر داخلي أو لعدوان أجنبي يكون قاعداً عن أداء واجبه، مقصراً في إبراء ذمته، ساكتاً عن قول الحق وهو أقدر الناس على معرفته والجهر به، فيكون موقفه أكثر سوءاً وأعظم خطأ من موقف القاضي المنحاز سياسياً بانتمائه إلى جماعة أو تنظيم!
إن كل قاض، مطالب من حيث هو مواطن، بالانتماء الحقيقي إلى وطنه· وبالنظر المخلص في قضايا هذا الوطن، وفي تحمل نصيبه من المسؤولية عن الفصل في القضايا المعروضة عليه سواء بسواء، أو لنقل إنه مطالب ـ من باب أولى ـ بحمل مسؤولية الوطن العامة.
وإذا كان القاضي الذي يتقاعس عن الفصل في الخصومات يصبح مرتكباً لجريمة إنكار العدالة، فإن القاضي الذي يتنكر لهموم الوطن والأمة يكون أولى باللوم وأكثر استحقاقاً للانتقاد من المتخلي عن إقامة العدل في قضية فردية.
وليس مطلوباً من القاضي أن يكون أصم أبكم، ولا أن يكون جامعاً بين صفات القردة الثلاثة الصينية: لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم. ولكن الذي تنتظره الأمة من قضاتها، والذي صنعه قضاة الإسلام على امتداد تاريخه، هو أنهم كانوا العدالة المبصرة، الناطقة بالحق الذي تراه غضب لحديثها بالحق من غضب، ورضي به من رضي.
وهكذا فعل قضاة مصر في مارس 1968 ومارس ·2003 وهكذا يرجو المصريون أن يكون قضاتهم وقضاؤهم دائماً أبداً.