أولاً
: جريمة الرشوة :
اشتمل الباب الثالث من الكتاب الثانى فى قانون العقوبات على جريمة الرشوة والجرائم الأخرى المحلقة بها اعتباراً من المادة 103 وحتى 111 وقد وضعت المادة 103 الإطار العام لجريمة الرشوة وصدرت مفهوم المرتشى بقولها ( كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ) ، كما تناولت المادة 104 حالة أخذ المقابل نظير الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة ، ويمكن لنا من قراءة النصوص تعريف الرشوة بإنها " الاتجار بالوظيفة العامة من جانب الموظف العام أو من فى حكمه من القائمين بخدمة عامة بأعمال الوظيفة أو الخدمة العامة " .
*
أركان جريمة الرشوة :
تتكون جريمة الرشوة فى صورتها البسيطة من ثلاثة أركان هى الركن المفترض ، وهو كون المرتشى موظفاً عاماً أو من فى حكمه ومختص بالعمل ، والركن الثانى هو الركن المادى المتمثل فى الطلب أو القبول أو الأخذ بعطية أو مقابل أو وعد بهما ، والركن المعنوى أو الركن الجنائى .
*
الركن المفترض :
وهذا الركن يتألف من عنصرين أولهما أن يقع الفعل من موظف عام أو من فى حكمه وثانيهما أن يكون مختصاً بالعمل محل الارتشاء وقد سبق القول أن المادة 111 من قانون العقوبات قد حددت فئات الموظفين العموميين ومن فى حكمهم الخاضعين لأحكام مواد الرشوة وهم :
المستخدمون فى المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة لتحقيق رقابتها .
أعضاء المجالس النيابية أو العامة أو المحلية سواء كانوا منتخبين أو معينين .
المحكمون أو الخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون .
كل شخص مكلف بخدمة عمومية .
أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم فى مالها بنصيب ما بأية صفة .
ويتلاحظ أن الراشى أو الوسيط أو المستفيد من الرشوة لم يستلزم القانون فيهم صفة خاصة . لأن صفة الموظف العام اشترطها المشرع بالنسبة للمرتشى الذى يجب أن يكون أيضاً مختصاً بالعمل محل الرشوة ، لأن الرشوة اتجار بالوظيفة ولا يتحقق معنى الاتجار إلا فى حالة ما إذا كان الموظف مختصاً بالعمل ، وهذا الاختصاص يحدده القانون أو لائحة أو امر مكتوب أو شفوى من الرئيس للمرؤوس ، ولا يشترط أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل بل يكفى أنه يباشر جزءاً منه أو يساهم فيه بنصيب حتى ولو كان عمله استشارى ولذلك قض باعتبار العمدة مرتشياً إذا قبل عطية أو هبة من مرشح لمشيخة البلد نظير أن يبدى رأياً لصالحه رغم أن تعيين مشايخ البلاد ليس من شأنه ، فإذا ثبت الاختصاص على الوجه المتقدم فلا عبرة بما إذا كان نشاط الموظف عملاً أو امتناع عن عمل سواء كان العمل مشروعاً أو غير مشروع ، عادلاً أو ظالماً ، فلو قدمت رشوة لموظف يقوم بتحليل عينات ألبان لإثبات أنها خالية من الغش ولم يكن بها غش من حيث الواقع فإن جريمة الرشوة تكون قائمة ، وكذلك إذا حصل الموظف على مقابل لعدم تحرير محضر ولم يكن هناك موجب أصلاً لتحريره قامت جريمة الرشوة .
*
الركن المادى :
يتمثل الركن المادى فى جريمة الرشوة فى المقابل الذى يسعى الموظف للحصول عليه وذلك فى صورة الأخذ أو القبول أو الطلب .
والأخذ :هو أن يتسلم الموظف المرتشى المقابل أو الجعل المقدم إليه من الراش أو الوسيط بغض النظر عما إذا كان هناك سابق اتفاق بينهما من عدمه وسواء كان المقابل لنفسه أو لغيره وهذه هى صورة الرشوة المعجلة .
والقبول :معناه الموافقة على الإيجاب الصادر إليه من الراشى أو الوسيط سواء كان قبولاً صريحاً أو ضمنياً شريطة أن يكون قبولاً جدياً لعرض ظاهر النية أيضاً فإذا وعد شخص موظفاً بإعطائه كل ما يملك فى نظير قيامه بعمل ما فهذا أشبه بالهزل منه إلى الجد .
والطلب :تصرف يتم بالإرادة المنفردة للموظف سواء كان فى صورة صريحة بأن يطلب مقابلاً لأداء العمل أو الامتناع عنه أو كان ضمنياً بأن يعبر عن إرادته فى الربط بين أداء العمل أو الامتناع وبين المقابل وبمجرد الطلب تقع جريمة الرشوة رغم أنها فى هذه الحالة مجرد شروع لم يصل للجريمة التامة إلا أن المشرع سوى بين الشروع والجريمة التامة فى الرشوة ، والمقابل الذى يأخذه الموظف أو يطلبه أو تم وعده به هو كل فائدة يحصل عليها الموظف أو الشخص الذى عينه لذلك ، وهذه الفائدة قد تكون مادية كنقود أو منقولات وقد تكون معنوية كترقية أحد الأقارب ،وقد تكون الفائدة ظاهرة وقد تكون مستترة كأن يشترى الموظف سلعة من الراشى بأقل من ثمنها ، كما يدخل فى صورة الفائدة المواقعة الجنسية .
*
الركن المعنوى : القصد الجنائى :
الرشوة جريمة عملية فلابد لقيامها من توافر القصد الجائى وهذا القصد الجنائى لابد من توافره لدى كل أطراف جريمة الرشوة سواء المرتشى أو الراشى أو الوسيط . وهذا القصد يتكون من العلم والإرادة . فبالنسبة للمرتشى فإنه يجب أن يعلم بان العمل أو الامتناع داخل فى اختصاصه وأن الفائدة التى قدمت إليه أو وعد بها هى مقابل لهذا العمل أو الامتناع عنه فإذا انتفى هذا العلم فلا تقوم الجريمة . وكذلك لابد من اتجاه إرادته إلى الاستيلاء على الفائدة ، كما لابد من توافر العلم والإرادة بالنسبة للراشى والوسيط بمعنى أن يعلم كل منهما بأنه يقدم الفائدة نظير عمل يقدمه الموظف أو يمتنع عن القيام به فإن كانا يجهلا صفة الموظف او انتفت الإرادة لديهما بأن يعتقد أن المقابل هو وفاء لدين مستحق عليهما للموظف أو اعترافاً بجميل عن عمل أسداه إليهما لا يتعلق بالوظيفة كما لو أنقذ الموظف ابن أحدهما من الغرق .
فإذا توافرت هذه الأركان قامت جريمة الرشوة ووجبت العقوبة وهى السجن المؤبد مع الغرامة فضلاً عن العقوبة التكميلية وهى المصادرة وعقوبات أخرى تبعية قررتها المادة 25 من قانون العقوبات . وتتشدد العقوبة فى بعض صور الرشوة مثل نص المادة 104 ، وهى حالة الرشوة للامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها ، وحالة المادة 108 وهى حالة ما إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة فيعاقب الراشى والمرتشى والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل والغرامة المقررة للرشوة .
*
الجرائم الملحقة بالرشوة :
وهذه الجرائم التى وردت فى باب الرشوة وتفتقد إلى ركن أو أكثر من أركان جريمة الرشوة بمعناها السابق الذى حددناه وهى قد تقع من الموظف أو آحاد الناس ويعتبر ارتكابها من الموظف ظرفاً مشدداً للعقوبة . وقد أراد المشرع أن يتابع هذه الصور لأنها تتوافق مع الهدف الذى استهدفه المشرع من جريمة الرشوة بغض النظر عن الوسيلة أو شخص مرتكبها وهذه الحالات هى :
1)
الزعم بالاختصاص والاختصاص الظنى :
وفى هذه الحالة يتخذ الموظف غير المختص بالعمل نشاطاً إيجابياً لإيهام صاحب المصلحة بأنه مختص بالعمل رغم علمه بأنه غير مختص وهذه الجريمة تجمع بين الرشوة والنصب وتتحقق هذه الصورة إذا أدى الموظف اختصاصه أو باتخاذه موقفاً يوهم الغير بهذا الاختصاص المزعوم كان يجلس مكان رئيسه فى العمل حال غياب الأخير فيعتقد صاحب المصلحة انه صاحب الاختصاص فيعطيه الجعل أو الفائدة مقابل العمل الذى تصور أنه من اختصاصاته أما حالة الاختصاص الظنى فهى الحالة التى يعتقد فيها الموظف على سبيل الخطأ أنه المختص فى حين أنه غير مختص بالعمل محل الرشوة فهو توهم خاطئ بأنه مختص وذلك خلافاً لحالة الزعم بالاختصاص فهو يدرك يقينا أنه غير مختص .
2)
استعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول على مزية من سلطة عامة :
وهذه الجريمة قد تقع من الموظف العام أو من آحاد الناس وفقاً للمادة 106 مكرر التى تنص على أن كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو مقاولة أو وظيفة أو خدمة أو مزية من أى نوع يعد فى حكم المرتشى ويعاقب بالعقوبة المقررة فى المادة 104 إذا كان موظفاً عاماً.
3)
المكافأة اللاحقة :
وهذه الحالة تنصرف إلى الموظف العام الذى قبل من شخص أدى له عمل من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجبات وظيفية بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق ففى هذه الحالة يقم الموظف بالعمل أو يمتنع عنه أو يخل بواجباته ثم يحدث أن يقدم إليه صاحب المصلحة مكافاه و تدخل المشرع بتجريم هذا السلوك الذى يؤثر فى نزاهة الوظيفة العامة ويخل بكرامتها وتحط من قدر الموظفين العموميين ويجعل لصاحب المصلحة نفوذاً على الموظف قد يساء استغلاله فيما بعد ولذلك تدخل المشرع بالعقاب عليها بعقوبة أخف من العقوبة المقررة للرشوة فى صورتها التى تحدثنا عنها فيما سبق .
4)
الرجاء والتوصية والوساطة :
وهذه الحال نصت عليها المادة 105 مكرر حيث قررت بأن كل موظف عمومى قام بعمل من أعمال وظيفته أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفية أو أخل بواجباتها نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه والواقع أن الرشوة لا تتم إلا بالركن المادى لها على النحو الذى قررناه فيما سبق أى فى صورة أخذ مقابل أو الوعد به إلا أن الموظف قد يقوم بالعمل أو الامتناع عنه استجابة لرجاء أو توصية أو وساطة لذا تدخل المشرع بالعقاب على هذه الصورة من صور الانحراف الوظيفى لأنها تؤدى إلى إهدار مبدأ المساواة بين الأفراد ويزعزع الثقة فى النظام السائد فى المجتمع .
5)
عرض رشوة لم تقبل أو الوساطة فى ذلك :
وقد نصت على هذه الحالة المادة 109 مكرر حيث قررت أنه من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين أو غرامة لا تجاوز مائتى جنيه . وجريمة عرض الرشوة تقع من آحاد الناس وليست الوظيفة العامة عنصراً فى جريمة عرض الرشوة غاية ما هناك أنه إذا قدم العرض لموظف عام كانت جناية وإذا قدمت لغيره كانت جنحة . إلا أن المادة 109 مكرر ثانياً جعلت من وقوع الجريمة من موظف عام ظرفاً مشدداً للعقوبة فإذا وقع العرض أو الوساطة فى الرشوة من موظف عمومى فإنه يعاقب بالعقوبة المقررة فى المادة 104 عقوبات .