روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى Empty مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الإثنين أغسطس 10, 2009 11:36 am

    بادئ ذي بدئ نطلب من المحكمة اعتبار الواقعة مجرد شروع في قتل. لأن الوفاة لم تنشأ عن الإصابات التي أحدثها به المتهم (والمثبتة في تقرير الطب الشرعي على هذه الصورة الآتية: رصاصتان في رقبته والثالثة في كتبه اليسرى والرابعة في جنبه الأيمن). ونستند في ذلك إلى تقرير اللجنة الطبية المنتدبة الذي لم يجزم بأن الاحتياطات الواجبة فنيا في إجراء العملية قد اتخذت فعلا. ورأي الدكتور "سرج فورونوف" الذي أشار على أطباء مستشفى الدكتور "ملتون" بعدم إجراء العملية والذي دهش بعد تمام إجرائها لما وجد المجني عليه على مائدة العمليات وبطنه مفتوح. إضافة إلى رأي الطبيب الشرعي النمساوي المنتدب "هوفمان" الذي قرر أنه من المؤكد أنه مثبت في علم الجراحة بوجود أحوال أصيب فيها القلب بإصابات نارية لم تحدث عنها وفاة.
    وإننا نطلب إحالة الورداني إلى طبيب اختصاصي لفحصه وتقدير مسئوليته عن الجريمة التي تثبت عليه.
    يا حضرات القضاة ، أنظروا إلى هذه القضية كما ينظر إلى أي قضية أخرى ولا تقيموا اعتبارا إلى أن المتهم هو إبراهيم الورداني وإلى أن المقتول هو رئيس النظار بطرس غالي.
    أما أنت أيها الورداني فلقد همت بحب بلادك حتى أنساك ذلك الهيام كل شئ حولك أنساك واجبا مقدسا هو الرأفة بأختك الصغيرة وأمك الحزينة فتركتهما تبكيان هذا الشاب الغض ، تركتهما تتقلبان على جمر الغضا. تركتهما تقلبان الطرف حولهما فلا تجدان غير منزل مقفر غاب عنه عائله. تركتهما على ألا تعود إليهما وأنت تعلم أنهما لا تطيقان صبرا على فراقك لحظة واحدة فأنت أملهما ورجاؤهما.
    دفعك حب بلادك إلى نسيان هذا الواجب ، وحجب عنك كل شئ غير وطنك وأمتك ، فلم تعد تفكر في تلك الوالدة البائسة وهذه الزهرة اليانعة ، ولا فيما سينزل بهما من الحزن والشقاء بسبب ما أقدمت عليه.
    ونسيت كل أملك في الحياة ، وقلت إن السعادة في حب الوطن وخدمة البلاد ، واعتقدت أن الوسيلة الوحيدة للقيام بهذه الخدمة هي تضحية حياتك ، أي أعز شئ لديك ولدى أختك ووالدتك. فأقدمت على ما أقدمت راضيا بالموت لا مكرها ولا حبا في الظهور. أقدمت وأنت عالم أن أقل ما يصيبك هو فقدان حريتك ، ففي سبيل حرية أمتك بعت حريتك بثمن غال.
    فاعلم إذن أيها الشاب أنه إذا تشدد معك قضاتك – ولا أخالهم إلا راحميك – فذلك لأنهم خدمة القانون ، وهذا هو السلاح المسلول في يد العدالة والحرية ، وإذا لم ينصفوك – ولا أظنهم إلا منصفيك – فقد أنصفك ذلك العالم الذي يرى أنك لم ترتكب ما ارتكبته بغية الإجرام ولكن باعتقاد أنك تخدم بلادك ، وسواء وافق اعتقادك أنك تخدم بلادك ، وسواء وافق اعتقادك الحقيقة أو خالها فتلك مسألة سيحكم التاريخ فيها. وإن هنالك حقيقة عرفها قضاتك وشهد بها الناس وهي أنك لست مجرما سفاكا للدماء ولا فوضويا من مبادئه الفتك ببني جنسه. ولا متعصبا دينيا خلته كراهية من يدين بغير دينه ن إنما أنت مغرم ببلدك هائم بوطنك ، فليكن مصيرك أعماق السجن أو جدران المستشفى فإن صورتك في البعد والقرب مرسومة على قلوب أهلك وأصدقائك ن وتقبل حكم قضاتك باطمئنان ، وأذهب ‘لى مقرك بأمان.
    أحمد لطفي السيد المحامي

    منسوخ من أشهر قضايا الاغتيالات السياسية – وثائق أشهر قضايا مصر الكاتب محمود كامل العروسي ، الناشر الزهراء للإعلام العربي
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى Empty رد: مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الإثنين أغسطس 10, 2009 11:43 am

    بطرس باشا غالي .. الاغتيال .. والمحاكمة

    في تمام الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأحد الموافق 12 فبراير 1910 أطلق إبراهيم ناصف الو رداني على صاحب العطوفة بطرس غالي عدة رصاصات أودت بحياته. أثناء خروجه من وزارة الحقانية يحيط به كعادته رجال الحكومة ، منهم: حسين باشا رشدي وأحمد باشا زغلول وعبد الخالق باشا ثروت.
    وقبض عليه واعترف بأنه ملأ صدر بطرس غالي برصاصات طرحته على الأرض يتخبط في دمه نتيجة تصرفاته الخائنة لوطنه ، ابتداء بتوقيع اتفاقية السودان سنة 1899 التي بمقتضاها أصبحت لانجلترا سيطرة فعلية في السودان وأصبح المصريون غرباء عنه أو خدام الانجليز فيه. ومرورا برياسته محكمة دنشواي المخصوصة سنة 1906 والحكم بإعدام أربعة من أهالي دنشواي والتنكيل بهم شر تنكيل ، أهل دنشواي الذين ظلت أرواحهم تشكو لربها والمصريين ما أصابهم .. أهل دنشواي الذين سرت دماؤهم في الأرض تتوعد الآثمين ، وإعادة قانون المطبوعات سنة 1909 الذي سلط سيفه على رقاب الصحف وحرية الكتابة ، بعد أن كان قد مات وعفا عليه الزمن ووصولا إلى الاتفاق على مشروع مد امتيازات قناة السويس في 10 فبراير 1910
    وإبان هذا الحادث ، قبض على كثير من شباب مصر ثم أفرج عن بعضهم ، وأقامت النيابة الدعوى العمومية على إبراهيم ناصف الو رداني وثمانية آخرين بتهمة مشاركته في الجريمة باعتبارهم جميعا أعضاء جمعية من مبادئها استعمال القوة في الوصول إلى تحقيق أغراضها. وأن جريمة القتل كانت نتيجة محتملة لهذا الاتفاق. وهؤلاء الثمانية هم : المهندسون علي مراد المهندس المعماري ، ومحمود أنيس مهندس الري ، وتعبد العزيز رفعت مهندس التنظيم ، ومحمد كمال الطالب بمدرسة المهندس خانة ، وشفيق منصور وعبده ألبرقوقي الطالبان بمدرسة الحقوق وعبد الخالق عطية المحامي وحبيب حسن المدرس.
    وأحيلوا جميعا إلى قاضي التحقيق (الإحالة) محمد متولي غنيم بمحكمة مصر توطئة لإحالتهم إلى محكمة الجنايات ، ونظرت القضية أمام في 22 مارس 1910 وتولى الدفاع عن المتهمين أحمد لطفي السيد ومحمود أبو النصر وإبراهيم الهلباوي ومثل الاتهام عبد الخلق ثروت النائب العام. وبعد أن سمع قاضي الإحالة مرافعات النيابة والمحامين أصدر قراره بإحالة الو رداني إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل. وبأن لا وجه لإقامة الدعوى ضد الثمانية المتهمين بالاشتراك ، لأنه لا يوجد في قانون العقوبات نصوص تعاقب على الاتفاقات الجنائية. الأمر الذي دعا المشرع بعد ذلك إلى وضع مادة تعاقب على الاتفاقات الجنائية.
    وحوكم الو رداني أمام محكمة جنايات مصر المشكلة برئاسة المستر دلبروغلي وعضوية أمين علي وعبد الحميد رضا (مستشارين) وبحضور عبد الخالق ثروت النائب العام. وتولى الدفاع كل من أحمد لطفي السيد ومحمود أبو النصر وإبراهيم الهلباوي وبعد أن سمعت المحكمة الشهود ومرافعات النيابة ومرافعات المحامين ، أصدرت حكمها في 18 مايو سنة 1910 بإعدام إبراهيم ناصف الو رداني شنقا ورفع محاموه طعنا في هذا الحكم أمام محكمة النقض والإبرام فقضت في 11 يونيو برفض الطعن وتأييد حكم الإعدام.
    وفي 28 يونيو 1910 نفذ حكم الإعدام في إبراهيم ناصف الو رداني وهو يقول "الله أكبر الذي يمنح الحرية والاستقلال" ، وكان الشعب قد خرج في صباح ليلة التنفيذ يردد مواله.
    "قولوا لعين الشمس ما تحماشي .. أحسن غزال البر صابح ماشي".
    والعجيب أن يكون يوم إعدامه هو ذات اليوم من نفس الشهر الذي نفذ فيه حكم الإعدام شنقا في محمد درويش وثلاثة من أهله الذين قضت بإعدامهم المحكمة المخصوصة برئاسة غالي باشا. وهو ذات اليوم من نفس الشهر الذي خرج لفيه مقال جاويش "ذكرى دنشواي"
    يتبع/ المحاكمة
    الموضوع منسوخ من كتاب "أشهر قضايا الاغاتيالات السياسية" وثائق اشهر قضايا مصر 1906-1982
    الكاتب / محمود كامل العروسي


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في الإثنين أغسطس 10, 2009 11:45 am عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى Empty رد: مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الإثنين أغسطس 10, 2009 11:45 am

    المحاكمة
    محكمة الجنايات
    برئاسة المستر دلبروغلي
    وعضوية أمين بك علي وعبد الحميد بك رضا
    مرافعة النيابة العمومية – عبد الخالق ثروت باشا النائب العام:
    إن الجناية المطروحة عليكم اليوم ليست من الجنايات العادية ، بل هي بدعة ارتج لها القطر بأكمله ، ابتدعها الو رداني فيه وكان إلى اليوم طاهرا منها.
    لم يكن قصدي أن أطيل الكلام في الجريمة من حيث ثبوت ارتكابها ، فإن المتهم سجل على نفسه بإقراره سواء في التحقيق أو أمام قاضي الإحالة أنه قتل المرحوم بطرس باشا عمدا بعد سبق إصرار على القتل والترصد له. ولكن الدفاع أسمعنا 33 شاهدا ، سمعت شهادتهم وفكرت فيها فألفيتها تحوم من بعيد حول نقط يريد الدفاع أن يدرأ بها عن المتهم مسئولية القتل من جهة خاصة أو يخفف بها مسئوليته عن الجناية من جهة عامة (الأولى بخصوص العملية الجراحية التي أجريت لرئيس الوزراء المجني عليه . وهل كان في الإمكان إنقاذه لو لم تجر العملية بالأسلوب الذي أجريت به ، والثانية الادعاء بأن المتهم مختل القوى العقلية). فأما عن ا لمسألة الأولى فقد ندبت المحكمة لحنة برئاسة الطبيب الشرعي الانجليزي وأستاذ الجراحة الإنجليزي بمدرسة الطب وجراح مصري لتقرر ما إذا كانت الجروح الناشئة عن الإصابة مميتة بدون إجراء العملية أو أنه كان يمكن للمصاب أن يعيش بدون أجراء العملية؟ وما إذا كانت العملية قد أجريت مع اتخاذ الاحتياطات الضرورية فنيا؟ وقد قررت هذه اللجنة أن إجراء العملية كان واجبا.
    وأما عن المسألة الثانية فالورداني يتمتع بكامل قواه العقلية ويعزز ذلك الو رداني فقد أطال التفكير في إنفاذ عزمه وأنه كان من أعضاء الجمعيات الفوضوية التي تحرض على الاغتيال.
    إن الو رداني بجنايته قد عمد إلى خرق حرية القوانين السماوية والبشرية. عمد إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها. عمد إلى إزهاق روح بريئة من غير ذنب ، عمد إلى حرمان إنسان من أقدس حق له في هذه الدنيا. عمد إلى حرمان إنسان من أقدس حق له في هذه الدنيا. عمد أإلى حرمان عيلة من معيلها وأمة من رجلها وحكومة من رئيسها عمدا ، وأطاع هواه ، وأطلق رصاصته فماذا جرى؟
    أنظروا يا حضرات القضاة كم أساء الو رداني بجنايته إلى هذا البلد الأمين الأسيف. فماذا جنت عليه مصر ولماذا هو يضرها كل هذا الضرر؟ لعله يدلي بخدمة الوطن . إن الوطنية التي يدعي المتهم الدفاع عنها بهذا السلاح المسموم لبراء من هذا المنكر ، إن الوطنية الصحيحة لا تحل في قلب ملأته مبادئ تستحل اغتيال النفس . إن مثل هذه المبادئ مقوضة لكل اجتماع.
    وماذا يكون حال أمة إذا كانت حياة أولى الأمر فيها رهينة حكم متهوس يبيت ليلة ن فيضطرب نومه وتكثر هواجسه فيصبح صباحه ويحمل سلاحه يغاشم في دار أعمالهم فيسقيهم كأس المنون.
    ماذا يريد الو رداني؟ أيريد ضرا ودمارا عاجلين؟ هذه يا حضرات القضاة ، الغاية التي استحل الو رداني من أجلها قتل النفوس ليصل بوطنه إليها خدمة له ومحبة فيه. وهذه هي الغاية التي ظنها شفيعا له لديكم. وسببا لعطفكم عليه وشفقتكم به.
    إن جناية الو رداني لأشد ضررا ألف مرة من جناية كل مجرم قاتل أو سارق أو قاطع طريق ، فإن هؤلاء جنايتهم فردية وجناية الو رداني على أمته ووطنه ، وهؤلاء يمن الاحتراس منهم وتوقي أضرارهم . وهو يأخذ الناس في مأمنهم وعلى غرة منهم وما لهم منه من واق.
    إن كان الو رداني أراد بفعلته أن يخدم بلاده فلقد ساء طريقه إلى هذه الخدمة ، إن كان أراد أن يحييها من الجناية فلقد صدع كيانها صدعا ، وأضر بها ضررا بالغا بتلطيخه صحيفتها بالدماء وقد كان أمامه لخدمتها طريق من طرق مشروعة.
    كان في وسعه أن يحارب خصمه بغير ذلك السلاح القاتل ، فإن كان على حق خرج من هذا النضال بطلا شريفا سائرا به وبنفسه إلى خدمة الوطن ، لا أن يلقي إليه تلك الرصاصات ليذهب به إلى عدم ، يسير إليه اليوم قاتلا أثيما ، بئست المبادئ مبادؤه ، ولعنة الله عليه باسم الإنسانية التي انتهك حرمتها والحرية التي خرق سياجها والوطن الذي جنى عليه.
    يا حضرات القضاة ، الآن بيدكم الأمر إن هي إلا كلمة تخرج من أفواهكم لا تسألون عنها إلا أمام ضمائركم وأمام الله سبحانه وتعالى ، وبها تبددون ظلمات أحاطت بالبلاد . وبها تستأصلون جرثومة خبيثة يخشى منها على عقول النشء .
    وأنا على يقين من أنكم ستجيبون صوت الحق والعدل. والإنسانية تستصرخكم لما أصابها من جراء هذه الجناية الفظيعة فتحكمون بالإعدام على هذا الجاني.
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى Empty رد: مرافعة الأستاذ / أحمد لطفي السيد المحامي فى قضية مقتل بطرس غالى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الأربعاء أغسطس 12, 2009 12:16 pm

    مرافعة الأستاذ / محمود أبو النصر المحامي:
    لما دعينا للدفاع عن هذه القضية تذكرنا قول قاسم أمين: رأيت قلب مصر يخفق مرتين – الأولى يوم تنفيذ حكم دنشواي ، والثانية يوم جنازة مصطفى كامل. ونضيف إلى ذلك أنه ، إذا كان قلب مصر أخفق في ذينك الحادثين فقد رأيناه يخفق في حادثين آخرين هما:
    - إعادة قانون المطبوعات.
    - مد امتياز قناة السويس.
    حضرات القضاة ، إننا نشعر بعظم المسئولية التي احتملناها أمام ضمائرنا وأمام الله والناس – نعم إن المسئولية كبرى .. ما كنا نتقدم إلى احتمالها لولا ثقتنا بعدل القضاء واستقلاله.
    حدث ذلك الحادث ، فعمت الدهشة البلاد ، واستحكم الذهول في بعض العقول ، فتسرع من تسرع إلى اتخاذه مثارا لأحقاد وضغائن يشهدا لله أن لا وجود لها إلا في بيداء الخيال والوهم.
    نعم سمعنا والأسف ملء قلوبنا ، سمعنا صيحة كانت أشبه بأصوات الانتقام منها بتكييف الحالة الواقعة. أوشك الجو بهذه الصيحة أن يزداد ظلاما فتشابه الأمر ، واتسعت دائرة المسئولية الجنائية عن مركزها الحقيقي – أخذ البرئ بغير البرئ ، ثم سيقوا جميعا إلى المحاكم فلم يلاقوا من عدل القضاء واستقلاله سوى ما تعلمون. وحقيقته الثانية أن قام بيننا بالأمس ذلك الضيف الكريم الذي يدعى "روزفلت" يتهم الأمة بالتعصب الإسلامي بغير أن يبحث عن كنة ذلك المجني عليه. ولكنه أجلس نفسه ظلما على منصة القضاء وأصدر حكمه في قضيتنا كما يشاء.
    أجل يا حضرات القضاة فلا مثل هذه الصحبة المنكرة ولا ما هو أشد وقعا منها واجدا سبيلا إلى نفوسكم الكبيرة وعقولكم الرزينة في تقدير مسئولية الورداني ذلك الذي اختارته الأقدار ليكون حكمكم في حادثته مظهرا جديدا من مظاهر الاستقلال القضائي في محاكمنا الجنائية ، اختارته ليكون حكمكم في قضيته برهانا ساطعا على وجود تلك الضمانة الكبرى في قضائكم المتعالي عن الشبهات ، واختارته ليكون حكمكم في هذه الظروف إثباتا شافيا للناس عن معنى ذلك الثبات الكامل ، والسكينة المطلقة والتجرد عن كل شئ إلا النظر الحر في تلك الحادثة مع رعاية الظروف والأسباب فلا تهزمكم صيحة ، ولا تؤثر في رأيكم ضوضاء.
    حضرات القضاة إن الأشخاص الذين يرتكبون جريمة وهم في حالة انفعال الحساسية وتهييج الشعور ليسوا مسئولين مسئولية تامة ، حتى ولو لم يعانوا من اضطراب عقلي. وإننا لننفي سبق الإصرار. ونرى أن وصف الجناية الصحيح هو الشروع في قتل ، باعتبار أن وفاة المجني عليه لم تكن بسبب ما ارتكبه المتهم بل بسبب الخطأ الطبي في إجراء العملية الجراحية.
    وبعد .. فأتقدم إلى المحكمة بطلب الرأفة والرحمة ، لا أريد بالرأفة والرحمة أن تتجاوزوا للمتهم عن شئ مما يستحقه عدلا . لأني لا أقول إن الرحمة فوق العدل ، بل أقول إن الرحمة هي أقصى وأسمى مرتبة من مراتب العدل ، فإذا طلبتها فإنما أطلب العدل في أرقى معانيه. أطلب العدل المجرد من كل مؤثر. ذلك العدل الذي يقضي بقصاصين مختلفين اختلافا كبيرا ، على شخصين ارتكبا جريمة واحدة في ظروف متشابهة لما يتبين فيهما من اختلاف الطبائع ، وتغاير المقاصد وتباين الأسباب.
    إني على ثقة تامة من أنكم ستقررون لهذا المتهم من زمان العقوبة ما يصلح تقديره لمثله. وبديهي لديكم أن قليل العقوبة عنده يعادل كثيرها عند غيره من المجرمين العاديين.
    رب ساعة في السجن تعادل شهرا أو أياما. العقوبات مقدورة ، وأرقاها في سلم العدل ما روعيت فيه أحوال الإدارة ، صحة واعتلالا وقوة وضعفا. وهو ما لا سبيل إليه إلا باعتبار المشخصات الذاتية لكل منهم والظروف الخصوصية لكل تهمة ، فإذا اقتضى العدل أن تعاقبوا ، فلتكن العقوبة على هذا المبدأ القويم.
    احكموا وسيحفظ التاريخ حكمكم في هذه القضية ، ليكون آية من آيات العدل ، فلا تنسوا للمتهم ما قدمته من الاعتبارات وعلى الخصوص تحرر عمله من سبق الإصرار ، وتغلب الأسباب على إرادته وتأثيرها في مزاجه العصبي إلى الحد الذي عرفناه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 6:17 pm