دراسة فى عبقرية الإنسان
أعلام المحاماه
1- محمد علوان
صورة حية من الزمن الجميل
ها نحن أولاء فى منتصف شهر نوفمبر من عام ألف وتسعمائة سبع وعشرين , وهذا البيت العريق من بيوتات مدينة بلبيس يموج بالوافدين , إذ ولد فى هذا البيت وفى هذا اليوم وليدُ صغير شديد النحافة سيصبح فى مستقبل الأيام أحد أعلام مصر ورموزها فى عالمي السياسة والقانون ورغم أن بكاء الصغير إختلط بضحكات مستقبلية , إلا أنه لم يلحظ أحد أن الأب جلس ساهماً فى إحدى زوايا المنزل , إذ ربما كان يستشعر أن الأقدار لن تمهله حتى يرى هذا الوليد وقد شب يافعاً.
وبعد عشر سنوات كوامل يتيتم الولد النحيف – وقد أصبح صبياً – إذ مات أبوه وهو بعد صغير , وكان على الصبي أن يحمل على كتفيه مسئولياته ومسئوليات أشقاءه الذين ولدوا من بعده.
وهكذا مرت السنوات الأولى على الصبي محمد علوان إبن المرحوم محمد عبد العزيز علوان.
ورغم أن غياب الأب من حياة الصغير قد خلف فى نفسه مسحة من الحزن , إلا أنه ترك فى وجدانه آنذاك قدراً من الحكمة , التى ساست طريقه فيما بعد , وأنضجت عقله وهو بعد غلام.
وكان من شأنه أن التحق بالمدرسة الثانوية بمدينة بلبيس وكانت علامات النبوغ قد ظهرت عليه فأصبح محط إعجاب من أساتذته , وموضع فخر من أهله , ومحل زهو أو حسد من أقرانه.
ولم يمنعه نبوغه من الإلتحاق بركب الحركة الوطنية المصرية آنذاك , فعُرف قائداً فى مظاهرات المدارس , معارضاً شديد المراس للإحتلال الإنجليزي ولعصابات الصهاينة التى كانت قد بدأت تتوافد على أرض فلسطين الحبيبة.
ونال بسبب وطنيته ما نال , إذ تم فصله من مدرسته لمدة عامين متتالين ولم يمنعه هذا الفصل من مواصلة قيادته للحركة الطلابية الوطنية بمدينة بلبيس فاختلط بكافة الحركات الوطنية التى كانت تموج بها مصر , وتعرف على الإمام حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين وأعجب به أيما إعجاب إذ رأى فيه حسن الفهم وسلامة المنطق ونصاعة البيان . [ وقد سنحت لىّ الظروف أن أسأل الأستاذ محمد علوان عن رأيه فى حسن البنا فقال ألخصه فى كلمتين .. عبقرية التأثير وعُلُوِّ الهمة ] إلا أنه سرعان ما اختلف مع الإخوان المسلمين بسبب القيود التنظيمية التى تضعها الحركة وتسوس بها أفرادها , وقد كان محمد علوان هو من هو فى البحث عن الحرية فلم يقبل أن يكبل نفسه بقيود التنظيمات الحديدية .
ومن بعد الإخوان إنخرط علوان فى الحزب السعدى إذ التحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول وهناك تعرف على السعديين فأصبح رمزاً من رموزهم وعلماً من أعلامهم.
تراه وهو فى كلية الحقوق منتظماً فى محاضراته متابعاً لأساتذته الدكاترة /حامد باشا زكى والسعيد مصطفى السعيد بك وغيرهم من عمد القانون وشراحه , وتراه فى أروقة الجامعة وأفنيتها وهو يقود المظاهرات ويستحث زملاءه على الإضراب وعلى الخروج للشارع للتعبير عن رفضهم لكافة أشكال الإحتلال , وكان رفيقه الحميم فى قيادة المظاهرات الطالب حسن دوح أحد قادة الطلبة الإخوان بالجامعة – والصحفي الكبير فيما بعد والذى توفي منذ سنوات قليلة – كما كان يرافقه فى قيادة المظاهرات أيضاً الطالب محمود أبو شلوع وهو من قادة طلبة الإخوان وقتها
وما أن حل عام 52 حتى تخرج محمد علوان من كلية الحقوق حيث إلتحق فى العام نفسه بمهنة المحاماه تلك المهنة التى عشقها صغيراً وأمضى عمره فى محرابها لا يلوذ بسواها ولا يتساند بغيرها فكان أن التحق بمكتب المحامى ذائع الصيت عبد الكريم بك رؤوف أحد رموز مصر ونبغائها فى القانون المدنى , وشهد هذا المكتب سنوات من عمره حيث تزامل فيه مع المرحوم أحمد شنن نقيب المحامين بالقاهرة فيما بعد , وما أن مرت أشهر عديدة حتى أثبت علوان نبوغه فى المحاماه فأسند إليه عبد الكريم رؤوف أمر إدارة المكتب وتدريب المحامين الوافدين الجدد فكان أن تدرب على يديه الأستاذ/ فتحى عبد العزيز الشقيق الأصغر للعلامة محمد كمال عبد العزيز , والمرحوم / يوسف كمال والذى أصبح فيما بعد أحد قيادات حزب العمل وعضواً بمجلس نقابة المحامين ورئيساً لقطاع الشئون القانونية بمرفق مياه القاهرة , والمرحوم إبراهيم درويش أحد كبار المحامين فى مصر بعد ذلك , والأستاذ/ فوزى الإبراشى المحامى الشهير وأحد الدبلوماسيين البارزين فى وزارة الخارجية فيما بعد.
وفى هذه السنوات – وبعد قيام الثورة – كان مكتب عبد الكريم رؤوف مركزاً إشعاعياً من مراكز الثقافة والقانون فى مصر وكان يتردد على المكتب لزيارة صاحبه .. المرحوم المستشار أحمد كامل والذى كان نائباً لرئيس محكمة النقض آنذاك وقد كان فيما مضى أحد تلاميذ عبد الكريم رؤوف تتلمذ على يديه وإستقام عوده فى رحابه , وإذ رأى المستشار أحمد كامل المحامى الشاب محمد علوان فانتبه إلى نبوغه وإلتفت إلى تفرده وسط أقرانه , فأخذ هذا المستشار الكبير يلح على هذا المحامي الشاب كى يلحقه بالقضاء , قاضياً أو وكيلاً للنائب العام , إلا أن الشاب محمد علوان وقد فتنته المحاماه فرفض أن يغادرها لغيرها حتى ولو كان غيرها هى منصة القضاء , إذ كان يوقن أن المحاماه ليست فى حقيقتها مهنة ولكنها رسالة , ولا يحمل الرسالة إلا الرسل أصحاب الهمة العالية والطموح الباذخ – وهى أمور تشق على الناس ولا تطيب نفوسهم بها –
ولم يفت محمد علوان أن يتداخل مع عبد الكريم رؤوف تداخلاً يومياً علّه يلتقط منه سر هذه المهنة .. أو بالأحرى الرسالة , وكان من تداخله أ، تشارك مع عبد الكريم رؤوف فى إعداد موسوعة قانونية عن القانون المدنى ومن وقتها شغف محمد علوان بالتأليف فأخرجت له المطابع العديد من المؤلفات القانونية مثل موسوعة النقل البحري , ولائحة بدل السفر , وموسوعة شركات القطاع العام وغيرها , كما أخرجت له المطابع عدة مؤلفات إسلامية مثل حقائق إسلامية وإفتراءات غريبة وإنتشار الإسلام وتحرير المرأة وغيرها.
ولأن السياسة إختلطت فى دماء هذا المحامى الشاب بالمحاماه فلم يكن غريباً أن يخوض إنتخابات المجلس المحلي لمدينة بلبيس – مدينته الصغيرة – ليصبح على مدار سنوات وكيلاً للمجلس المحلي بها من عام 1962 إلى عام 1969 وساهم إذ ذاك فى المشاركة فى إعداد قوانين المحليات , ومن المحليات إلى التعاونيات حيث أصبح علوان مستشاراً قانونياً للجنة التعاون وأمانة الفلاحين المنبثقة من اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكي من عام 1968 إلى عام 1973 , وحفلت الصحف بالعديد من المقالات التى كتبها هذا المحامي النابغ متعدد المواهب عن التعاونيات وقد سنحت له الظروف وقتها فى المساهمة فى إعداد قوانين التعاونيات , وأصبح دوره وسط الحركة التعاونية غير منكور بل أصبح رائداً من رواد التعاونيات فى مصر و وقد شهدت قاعة محكمة جنايات الجيزة إحدى مرافعات علوان الشهيرة حيث كان يترافع فى بداية الثمانينات عن قادة الإتحاد التعاونى الزراعي والذى شجر بينهم وبين أنور السادات خلاف مستحكم فأحالهم بجمعهم إلى المحاكمة , إلا أن مرافعة علوان كان لها أبلغ الأثر فى صدور حكم البراءة.
ورغم أن محمد علوان كان سجله بارزاً فى القضايا المدنية إلا أنه لم يُعرف فى قاعات الجنايات لذلك صاح أحمد الخواجة – رحمه الله – فى وجه محمد علوان بعد مرافعته فى قضية الإتحاد التعاونى الزراعى قائلاً له .. لقد فقتنا جميعاً يا علوان ظننا أن إبداعك سيكون فى المذكرات فإذا به يكون فى المرافعة
ولشغفه بالإدارة وعلومها أصبح عضواً بخريجى معهد الإدارة العليا من عام 1966 وعضواً بخريجى القادة الإداريين من عام 1967.
وما أن حل عام 1962 حتى أصبح محمد علوان مستشاراً قانونياً لشركة قــها للأغذية المحفوظة , وما أن ظهر نبوغه حتى أسند إليه قادة الحركة الصناعية فى مصر آنذاك أمر رئاسة إدارة العلاقات الصناعية بالشركة بجانب مسئولياته كمستشار قانونى لها.
ويذكر التاريخ أن الصلة قد توثقت بين محمد علوان والمرحوم مصطفى البرادعي نقيب المحامين الأسبق حتى أنه عندما أخرجت المطابع موسوعة علوان القانونية عن النقل البحري أهداها – كما ذكر فى الموسوعة - إلى نقيب النقباء مصطفى البرادعي , وكان من الحتمي على رجل هذه بضاعته أن يصبح عضواً لمجلس نقابة المحامين بدءً من مجلس 1969.
ورغم أن نقيب المحامين فى هذا المجلس كان هو المرحوم احمد الخواجة ورغم أن علوان كان وقتها مختلفاً مع الخواجة أيما إختلاف مؤيداً للنقيب البرادعي , إلا أن هذا الإختلاف لم يمنعهما من التعاون لمصلحة المحامين والمحاماه.
وجاءت سنوات 1971 حيث أجريت إنتخابات جديدة كان النقيب فيها المرحوم مصطفى البرادعي ونجح علوان للمرة الثانية فى عضوية المجلس , وقد عُرف محمد علوان كمعارض صلب للرئيس السابق أنور السادات حتى أنه تعرض لعزل سياسي إذ أسقط عنه عام 1973 عضوية مجلس نقابة المحامين بسبب أن الحكومة إرتأت وقتها إسقاط عضوية الإتحاد الإشتراكى عن بعض المثقفين والنقابيين والصحافيين – وكانت عضوية الإتحاد الإشتراكي هى جواز المرور لعضوية كافة المجالس – وكان من ضمن من أسقطت عنه هذه العضوية محمد علوان وأحمد نبيل الهلالي ـ رحمه الله ـ وعبد العظيم الجزار ومن الصحافيين أحمد بهاء الدين وغيرهم كثير , إلا أنه فى العام التالى أسقط القانون هذا الشرط فعادت العضوية مرة أخرى لمحمد علوان وعاد عضواً بمجلس نقابة المحامين.
وقد آثر محمد علوان أن يستقيل من مسئولياته فى شركة قـها ويتفرغ لمكتبه فجاءت حقبة السبعينيات لتشهد أزهى فترات مكتبه حيث تتلمذ على يديه مختار نوح المحامي الإسلامى الشهير وأمين صندوق نقابة المحامين السابق وصابر عمار أحد أقطاب الناصريين وأمين صندوق نقابة المحامين الحالي وأمين صندوق إتحاد المحامين العرب وسمير صبرى أحد أبرز محامي مصر فى القضايا التجارية .. لتأتى فترة الثمانينات لتشهد تخرج العديد من المحامين من مكتبه مثل عبد الوهاب سليمان المحامى الشهير وثروت الخرباوي كاتب هذه السطور والسيد على حامد مدير الإدارة القانونية ببنك التجاريين وماهر أنور مدير الإدارة القانونية ببنك مصر إيران ونجلاء كمال مديرة الإدارة القانونية بإتحاد الإذاعة والتلفزيون وعصام سلطان أحد مؤسسي حزب الوسط الجديد وغيرهم مما لا يستطيع المجال أو الوقت حصرهم إذ تعدوا المئات.
وفى غضون الثمانينات يشارك محمد علوان فى القضية الشهيرة التى كانت تطالب بعودة حزب الوفد الجديد وإذ صدر الحكم بذلك أصبح علوان عضواً بالهيئة العليا للوفد , وكان صاحب إتفاق التنسيق الذى تم بين الإخوان المسلمين وحزب الوفد عام 1984 ... وأخيراً فى ظل قيادة الوفد الجديدة أصبح محمد علوان مساعداً لرئيس الحزب.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن إتحاد المحامين العرب ما زال يذكر صولات وجولات محمد علوان أحد مؤسسي هذا الإتحاد وأمين صندوقه لسنوات طوال وقد آثر علوان أن ينسحب بإرادته من عضوية المكتب الدائم للإتحاد ليتيح الفرصة لأجيال جديدة تربت على يديه كى تأخذ فرصتها ومجالها.
ليس هذا فحسب بل إن نقابة المحامين مازالت تذكر أن محمد علوان – وكان أكثر الأعضاء شعبية وأمين صندوق النقابة – أحجم عن خوض الإنتخابات بدءً من عام 1989 عندما رأى أن الحال تبدل وأن المصالح الشخصية أضحت هى السمة الغالبة التى تتحكم فى أهواء الناس ورغم أن علوان تعرض لضغوط شديدة من النقيب أحمد الخواجة – رحمه الله – إلا أن علوان رفض قائلاً إن الزمن أصبح غير الزمن وتنبأ علوان وقتها بنبوءة صدقت فيما بعد إذ قال " ستمر النقابة بأيام حالكات ".
هذا هو محمد علوان صاحب المواقف المشهودة والتى صدع فيها بكلمة الحق وأخلص النصح لأقرانه ولتلاميذه فحق لأحد التلاميذ أن يسطر هذه السطور – وهى قليلة – معترفاً بفضل هذا الرجل عليه وعلى أجيال متعاقبة فى زمن عز فيه الوفاء أطال الله فى عمره ونفعنا بعلمه.
ثروت الخرباوي
المحامي بالنقض
أعلام المحاماه
1- محمد علوان
صورة حية من الزمن الجميل
ها نحن أولاء فى منتصف شهر نوفمبر من عام ألف وتسعمائة سبع وعشرين , وهذا البيت العريق من بيوتات مدينة بلبيس يموج بالوافدين , إذ ولد فى هذا البيت وفى هذا اليوم وليدُ صغير شديد النحافة سيصبح فى مستقبل الأيام أحد أعلام مصر ورموزها فى عالمي السياسة والقانون ورغم أن بكاء الصغير إختلط بضحكات مستقبلية , إلا أنه لم يلحظ أحد أن الأب جلس ساهماً فى إحدى زوايا المنزل , إذ ربما كان يستشعر أن الأقدار لن تمهله حتى يرى هذا الوليد وقد شب يافعاً.
وبعد عشر سنوات كوامل يتيتم الولد النحيف – وقد أصبح صبياً – إذ مات أبوه وهو بعد صغير , وكان على الصبي أن يحمل على كتفيه مسئولياته ومسئوليات أشقاءه الذين ولدوا من بعده.
وهكذا مرت السنوات الأولى على الصبي محمد علوان إبن المرحوم محمد عبد العزيز علوان.
ورغم أن غياب الأب من حياة الصغير قد خلف فى نفسه مسحة من الحزن , إلا أنه ترك فى وجدانه آنذاك قدراً من الحكمة , التى ساست طريقه فيما بعد , وأنضجت عقله وهو بعد غلام.
وكان من شأنه أن التحق بالمدرسة الثانوية بمدينة بلبيس وكانت علامات النبوغ قد ظهرت عليه فأصبح محط إعجاب من أساتذته , وموضع فخر من أهله , ومحل زهو أو حسد من أقرانه.
ولم يمنعه نبوغه من الإلتحاق بركب الحركة الوطنية المصرية آنذاك , فعُرف قائداً فى مظاهرات المدارس , معارضاً شديد المراس للإحتلال الإنجليزي ولعصابات الصهاينة التى كانت قد بدأت تتوافد على أرض فلسطين الحبيبة.
ونال بسبب وطنيته ما نال , إذ تم فصله من مدرسته لمدة عامين متتالين ولم يمنعه هذا الفصل من مواصلة قيادته للحركة الطلابية الوطنية بمدينة بلبيس فاختلط بكافة الحركات الوطنية التى كانت تموج بها مصر , وتعرف على الإمام حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين وأعجب به أيما إعجاب إذ رأى فيه حسن الفهم وسلامة المنطق ونصاعة البيان . [ وقد سنحت لىّ الظروف أن أسأل الأستاذ محمد علوان عن رأيه فى حسن البنا فقال ألخصه فى كلمتين .. عبقرية التأثير وعُلُوِّ الهمة ] إلا أنه سرعان ما اختلف مع الإخوان المسلمين بسبب القيود التنظيمية التى تضعها الحركة وتسوس بها أفرادها , وقد كان محمد علوان هو من هو فى البحث عن الحرية فلم يقبل أن يكبل نفسه بقيود التنظيمات الحديدية .
ومن بعد الإخوان إنخرط علوان فى الحزب السعدى إذ التحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول وهناك تعرف على السعديين فأصبح رمزاً من رموزهم وعلماً من أعلامهم.
تراه وهو فى كلية الحقوق منتظماً فى محاضراته متابعاً لأساتذته الدكاترة /حامد باشا زكى والسعيد مصطفى السعيد بك وغيرهم من عمد القانون وشراحه , وتراه فى أروقة الجامعة وأفنيتها وهو يقود المظاهرات ويستحث زملاءه على الإضراب وعلى الخروج للشارع للتعبير عن رفضهم لكافة أشكال الإحتلال , وكان رفيقه الحميم فى قيادة المظاهرات الطالب حسن دوح أحد قادة الطلبة الإخوان بالجامعة – والصحفي الكبير فيما بعد والذى توفي منذ سنوات قليلة – كما كان يرافقه فى قيادة المظاهرات أيضاً الطالب محمود أبو شلوع وهو من قادة طلبة الإخوان وقتها
وما أن حل عام 52 حتى تخرج محمد علوان من كلية الحقوق حيث إلتحق فى العام نفسه بمهنة المحاماه تلك المهنة التى عشقها صغيراً وأمضى عمره فى محرابها لا يلوذ بسواها ولا يتساند بغيرها فكان أن التحق بمكتب المحامى ذائع الصيت عبد الكريم بك رؤوف أحد رموز مصر ونبغائها فى القانون المدنى , وشهد هذا المكتب سنوات من عمره حيث تزامل فيه مع المرحوم أحمد شنن نقيب المحامين بالقاهرة فيما بعد , وما أن مرت أشهر عديدة حتى أثبت علوان نبوغه فى المحاماه فأسند إليه عبد الكريم رؤوف أمر إدارة المكتب وتدريب المحامين الوافدين الجدد فكان أن تدرب على يديه الأستاذ/ فتحى عبد العزيز الشقيق الأصغر للعلامة محمد كمال عبد العزيز , والمرحوم / يوسف كمال والذى أصبح فيما بعد أحد قيادات حزب العمل وعضواً بمجلس نقابة المحامين ورئيساً لقطاع الشئون القانونية بمرفق مياه القاهرة , والمرحوم إبراهيم درويش أحد كبار المحامين فى مصر بعد ذلك , والأستاذ/ فوزى الإبراشى المحامى الشهير وأحد الدبلوماسيين البارزين فى وزارة الخارجية فيما بعد.
وفى هذه السنوات – وبعد قيام الثورة – كان مكتب عبد الكريم رؤوف مركزاً إشعاعياً من مراكز الثقافة والقانون فى مصر وكان يتردد على المكتب لزيارة صاحبه .. المرحوم المستشار أحمد كامل والذى كان نائباً لرئيس محكمة النقض آنذاك وقد كان فيما مضى أحد تلاميذ عبد الكريم رؤوف تتلمذ على يديه وإستقام عوده فى رحابه , وإذ رأى المستشار أحمد كامل المحامى الشاب محمد علوان فانتبه إلى نبوغه وإلتفت إلى تفرده وسط أقرانه , فأخذ هذا المستشار الكبير يلح على هذا المحامي الشاب كى يلحقه بالقضاء , قاضياً أو وكيلاً للنائب العام , إلا أن الشاب محمد علوان وقد فتنته المحاماه فرفض أن يغادرها لغيرها حتى ولو كان غيرها هى منصة القضاء , إذ كان يوقن أن المحاماه ليست فى حقيقتها مهنة ولكنها رسالة , ولا يحمل الرسالة إلا الرسل أصحاب الهمة العالية والطموح الباذخ – وهى أمور تشق على الناس ولا تطيب نفوسهم بها –
ولم يفت محمد علوان أن يتداخل مع عبد الكريم رؤوف تداخلاً يومياً علّه يلتقط منه سر هذه المهنة .. أو بالأحرى الرسالة , وكان من تداخله أ، تشارك مع عبد الكريم رؤوف فى إعداد موسوعة قانونية عن القانون المدنى ومن وقتها شغف محمد علوان بالتأليف فأخرجت له المطابع العديد من المؤلفات القانونية مثل موسوعة النقل البحري , ولائحة بدل السفر , وموسوعة شركات القطاع العام وغيرها , كما أخرجت له المطابع عدة مؤلفات إسلامية مثل حقائق إسلامية وإفتراءات غريبة وإنتشار الإسلام وتحرير المرأة وغيرها.
ولأن السياسة إختلطت فى دماء هذا المحامى الشاب بالمحاماه فلم يكن غريباً أن يخوض إنتخابات المجلس المحلي لمدينة بلبيس – مدينته الصغيرة – ليصبح على مدار سنوات وكيلاً للمجلس المحلي بها من عام 1962 إلى عام 1969 وساهم إذ ذاك فى المشاركة فى إعداد قوانين المحليات , ومن المحليات إلى التعاونيات حيث أصبح علوان مستشاراً قانونياً للجنة التعاون وأمانة الفلاحين المنبثقة من اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكي من عام 1968 إلى عام 1973 , وحفلت الصحف بالعديد من المقالات التى كتبها هذا المحامي النابغ متعدد المواهب عن التعاونيات وقد سنحت له الظروف وقتها فى المساهمة فى إعداد قوانين التعاونيات , وأصبح دوره وسط الحركة التعاونية غير منكور بل أصبح رائداً من رواد التعاونيات فى مصر و وقد شهدت قاعة محكمة جنايات الجيزة إحدى مرافعات علوان الشهيرة حيث كان يترافع فى بداية الثمانينات عن قادة الإتحاد التعاونى الزراعي والذى شجر بينهم وبين أنور السادات خلاف مستحكم فأحالهم بجمعهم إلى المحاكمة , إلا أن مرافعة علوان كان لها أبلغ الأثر فى صدور حكم البراءة.
ورغم أن محمد علوان كان سجله بارزاً فى القضايا المدنية إلا أنه لم يُعرف فى قاعات الجنايات لذلك صاح أحمد الخواجة – رحمه الله – فى وجه محمد علوان بعد مرافعته فى قضية الإتحاد التعاونى الزراعى قائلاً له .. لقد فقتنا جميعاً يا علوان ظننا أن إبداعك سيكون فى المذكرات فإذا به يكون فى المرافعة
ولشغفه بالإدارة وعلومها أصبح عضواً بخريجى معهد الإدارة العليا من عام 1966 وعضواً بخريجى القادة الإداريين من عام 1967.
وما أن حل عام 1962 حتى أصبح محمد علوان مستشاراً قانونياً لشركة قــها للأغذية المحفوظة , وما أن ظهر نبوغه حتى أسند إليه قادة الحركة الصناعية فى مصر آنذاك أمر رئاسة إدارة العلاقات الصناعية بالشركة بجانب مسئولياته كمستشار قانونى لها.
ويذكر التاريخ أن الصلة قد توثقت بين محمد علوان والمرحوم مصطفى البرادعي نقيب المحامين الأسبق حتى أنه عندما أخرجت المطابع موسوعة علوان القانونية عن النقل البحري أهداها – كما ذكر فى الموسوعة - إلى نقيب النقباء مصطفى البرادعي , وكان من الحتمي على رجل هذه بضاعته أن يصبح عضواً لمجلس نقابة المحامين بدءً من مجلس 1969.
ورغم أن نقيب المحامين فى هذا المجلس كان هو المرحوم احمد الخواجة ورغم أن علوان كان وقتها مختلفاً مع الخواجة أيما إختلاف مؤيداً للنقيب البرادعي , إلا أن هذا الإختلاف لم يمنعهما من التعاون لمصلحة المحامين والمحاماه.
وجاءت سنوات 1971 حيث أجريت إنتخابات جديدة كان النقيب فيها المرحوم مصطفى البرادعي ونجح علوان للمرة الثانية فى عضوية المجلس , وقد عُرف محمد علوان كمعارض صلب للرئيس السابق أنور السادات حتى أنه تعرض لعزل سياسي إذ أسقط عنه عام 1973 عضوية مجلس نقابة المحامين بسبب أن الحكومة إرتأت وقتها إسقاط عضوية الإتحاد الإشتراكى عن بعض المثقفين والنقابيين والصحافيين – وكانت عضوية الإتحاد الإشتراكي هى جواز المرور لعضوية كافة المجالس – وكان من ضمن من أسقطت عنه هذه العضوية محمد علوان وأحمد نبيل الهلالي ـ رحمه الله ـ وعبد العظيم الجزار ومن الصحافيين أحمد بهاء الدين وغيرهم كثير , إلا أنه فى العام التالى أسقط القانون هذا الشرط فعادت العضوية مرة أخرى لمحمد علوان وعاد عضواً بمجلس نقابة المحامين.
وقد آثر محمد علوان أن يستقيل من مسئولياته فى شركة قـها ويتفرغ لمكتبه فجاءت حقبة السبعينيات لتشهد أزهى فترات مكتبه حيث تتلمذ على يديه مختار نوح المحامي الإسلامى الشهير وأمين صندوق نقابة المحامين السابق وصابر عمار أحد أقطاب الناصريين وأمين صندوق نقابة المحامين الحالي وأمين صندوق إتحاد المحامين العرب وسمير صبرى أحد أبرز محامي مصر فى القضايا التجارية .. لتأتى فترة الثمانينات لتشهد تخرج العديد من المحامين من مكتبه مثل عبد الوهاب سليمان المحامى الشهير وثروت الخرباوي كاتب هذه السطور والسيد على حامد مدير الإدارة القانونية ببنك التجاريين وماهر أنور مدير الإدارة القانونية ببنك مصر إيران ونجلاء كمال مديرة الإدارة القانونية بإتحاد الإذاعة والتلفزيون وعصام سلطان أحد مؤسسي حزب الوسط الجديد وغيرهم مما لا يستطيع المجال أو الوقت حصرهم إذ تعدوا المئات.
وفى غضون الثمانينات يشارك محمد علوان فى القضية الشهيرة التى كانت تطالب بعودة حزب الوفد الجديد وإذ صدر الحكم بذلك أصبح علوان عضواً بالهيئة العليا للوفد , وكان صاحب إتفاق التنسيق الذى تم بين الإخوان المسلمين وحزب الوفد عام 1984 ... وأخيراً فى ظل قيادة الوفد الجديدة أصبح محمد علوان مساعداً لرئيس الحزب.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن إتحاد المحامين العرب ما زال يذكر صولات وجولات محمد علوان أحد مؤسسي هذا الإتحاد وأمين صندوقه لسنوات طوال وقد آثر علوان أن ينسحب بإرادته من عضوية المكتب الدائم للإتحاد ليتيح الفرصة لأجيال جديدة تربت على يديه كى تأخذ فرصتها ومجالها.
ليس هذا فحسب بل إن نقابة المحامين مازالت تذكر أن محمد علوان – وكان أكثر الأعضاء شعبية وأمين صندوق النقابة – أحجم عن خوض الإنتخابات بدءً من عام 1989 عندما رأى أن الحال تبدل وأن المصالح الشخصية أضحت هى السمة الغالبة التى تتحكم فى أهواء الناس ورغم أن علوان تعرض لضغوط شديدة من النقيب أحمد الخواجة – رحمه الله – إلا أن علوان رفض قائلاً إن الزمن أصبح غير الزمن وتنبأ علوان وقتها بنبوءة صدقت فيما بعد إذ قال " ستمر النقابة بأيام حالكات ".
هذا هو محمد علوان صاحب المواقف المشهودة والتى صدع فيها بكلمة الحق وأخلص النصح لأقرانه ولتلاميذه فحق لأحد التلاميذ أن يسطر هذه السطور – وهى قليلة – معترفاً بفضل هذا الرجل عليه وعلى أجيال متعاقبة فى زمن عز فيه الوفاء أطال الله فى عمره ونفعنا بعلمه.
ثروت الخرباوي
المحامي بالنقض