ممارسة مهنة المحاماة تنبع من الأخلاق الحميدة أى بمعنى أنه لا يكفى أن
يكون المحامى دارسا للقانون بل لابد أن يكون على خلق عظيم لذلك فإن
الاشتغال بمهنة المحاماة لابد أن يكون محرما على من تنحى عن الدفاع عن الحق
أو تنصل من القيام بأى خدمة وطنية أو عرف بفساد الخلق أو علقت به ريبة أو
شبهة لأن ذلك يستبعد المحامى من مشاركة السلطة القضائية فى تحقيق العدالة
وتأكيد سيادة القانون التى هى من صميم
أعمال مهنة المحاماة والتى نتجت بكثر من رجالها الأقوياء الذين وقفوا فى
الماضى للدفاع عن الوطن والمواطنين فى مواجهة المستعمر ومحاولة تغيير أوضاع
البلاد إلى الأحسن لأن المحاماة شمس لا تغيب.
ومن صحيح القول أن
المحاماة منذ عرفت هى ضمانة للحق وسياج للحرية وبدونها تكون هذه القيم منا
مقطوعة وممنوعة ومنحا يستردها الطغاة والبغاة وقتما يشاءون فكما أنه لا وطن
بغير جيش يذود عنه وإلا صار مستعمرة للغاصبين فكذلك المحاماة اليقظة
الواعية هى جيش الحق وسياج الحرية والذين يحسبون المحاماة ترفا يمكن
الاستغناء عنها أو يتأخر فى ترتيب الأولويات يخطئون ومثلهم الذين يقفون من
المحاماة موقف الناصح بالمهادنة تلويحا بالمغانم وقضاء المصالح لأنهم لا
يدركون أن المحاماة بطبيعتها تستعصى على القهر سواء بسواء فالإغراء والقهر
لا ينفذ أيهما إلا من مواطن الضعف.
والمحاماة صلبة شديدة البأس لم يجرب
عليها أحد فى الحق مسالمة أو مساومة وتركب إلى الحقيقة أصعب المراكب وتبحر
فى العمق لا تبالى أن تتمزق الشراع بريح الطغيان والعسف لأنها فى النهاية
تحقق الانتصار بالصدق والإصرار وأن المحاماة تستجيب للنجدة بغير إبطاء لا
تتعلل لا تخلق الأعذار تهربا من الإقدام ولا يصدها عن بلوغ الغاية أن تكون
الأرض حقول ألغام ومصائد مكر أو أن تترصدها الأخطار فى كل اتجاه فمعدن
المحاماة ماس لا يتحطم ويظل يتوهج وأشد ما يكون توهجه فى الظلام والمحاماة
لا ترهب فالسلطة فى مفهومها وهم تبدده النجدة والشجاعة ولا يستهويها مال
لأن المال فى تقديرها عرض بهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما تذروه الرياح،
المحاماة لاتصارع ولا تضارع ولا تتبع المطامع لذلك يقال بحق أن المحاماة
تخسر كل الحكومات فدستورها أن الخسارة فى سبيل الحقيقة راحة للضمير وأن من
عرف الحق يعز عليه أن يراه مهضوما وأن من يفرط فى الحقيقة أشد جرما من الذى
ينكرها.. ومن عجيب الطبع فى المحاماة أنه لا تتخلى أبدا ولا تتخفى وأنها
تنتصر للحق حتى ولو كان صاحبه ممن ناصبوها العداء وحاصروها بالكيد والمكر
قبل أن يهلك عنهم السلطان.. ومن جميل الطبع فى المحاماة أنها عندما تستجيب
لنجدة هؤلاء تتناسى إساءتهم لها ومواقفهم منها وتقدم أبناءها فرسانا للدفاع
عنهم دون من منها أو استعلاء عليهم لأن النجدة والنخوة طبع فى المحاماة
بالخلقة والمروءة فى بنيانها ركن ركين والتضحية عندها أصل وثمر وظل ومحام
هو الذى قال «ما كنت لأغير مصيرى لقاء كنوز الدنيا لو قدر لحياتى أن تبدأ
من جديد» ومحام هو الذى خاطب قاضيه فى معرض دفاعه عن موكله فى محكمة الثورة
الفرنسية فقال «إنى أتقدم إليكم بالحقيقة وبرأسين تصرفوا فى أحدهما بعد أن
تستمعوا إلى الآخر» إن المحاماة هى احتياج الناس جميعا السلطان القوى
يطلبها عن تظاهر بالاستغناء والضعيف يلتمسها من باب أولى والكل ينال
حمايتها ويحظى برعايتها والأولوية عندها للضعفاء والمقهورين.