محيط – سميرة سليمان
أيام قليلة ويهلّ علينا شهر رمضان الكريم، وهو شهر تنعم فيه نفوس المسلمين بأجواء إيمانية، وتنهض صلاة ودعاءا وذكرا وقراءة للقرآن، ولكنه أيضا يتسم بعادات وطقوس اجتماعية ومأكولات خاصة تختلف بحسب المكان، وفي السطور القادمة يتحدث لـ"محيط" د. أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس حيث يؤصل لتلك العادات الرمضانية ويعود لزمن ظهورها للنور .
يوضح د. أيمن أن الاحتفال برمضان قديم ولكن مظاهره التي نشاهدها حاليا في مصر والبلاد العربية بدأت تتجلى مع دخول الدولة الفاطمية تحديدا إلى مصر وهي دولة شيعية إسماعيلية ووجودها في مصر كان في مجتمع نصفه من أهل السنة والنصف الآخر من الذميين، ويرى أن الفاطميين حاولوا استخدام المظاهر الاحتفالية الدينية ليشغلوا بها المجتمع المصري، وتمثلت هذه المظاهر في إحياء ليالي رمضان، والمواكب الاحتفالية للخليفة الذي كان يؤم المصلين في صلاة الجمعة في شهر رمضان بالإضافة إلى صلاة العيدين.
كان الخليفة الفاطمي يصلي أيام الجمع الثلاث, الأولى والثانية والرابعة على الترتيب التالي, الجمعة الثانية في جامع الأزهر، والثالثة في مسجد الحاكم, أما الجمعة الرابعة التي تعرف بالجمعة "اليتيمة" فكان يؤديها في جامع عمرو بالفسطاط. وكان يصرف من خزانة التوابل الند وماء الورد والعود برسم بخور الموكب والمسجد, وعقب صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان يذاع بلاغ رسمي عرف بـ"سجل البشارة"!
غرة الشهر
قبل رمضان كان يخرج القاضي ومعه أتباعه لتفقد المساجد وتزويدها باللازم حتى تستقبل المصلين، فإذا كان الأسبوع الأخير من شهر شعبان عهد إلي قضاة مصر بالطواف بالمساجد في القاهرة وباقي الأقاليم لتفقد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل.
ويصف الرحالة ناصر خسرو الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري. التنور الثريا الذي أهداه الخليفة الحاكم بأمر الله إلي مسجد عمرو بالفسطاط بأنه كان يزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة. كما يقول عن جامع عمرو: إنه كان يوقد في ليالي المواسم والأعياد أكثر من سبعمائة قنديل. وإن المسجد يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض.
وإذا ما انتهي شهر الصوم تعاد تلك التنانير وكذا القناديل والمشكاوات إلي مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد. كذلك كانت الدولة تخصص مبلغا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر رمضان.
وكان لخلفاء الدولة الفاطمية عادات ورسوم في جميع المناسبات, ومنها ما اشتهر بـ"ركوب أول رمضان", وهو من الأيام المشهودة في مصر الفاطمية, فكان موكب الخليفة في زيه وبنوده وقبابه يحتشد بباب الذهب داخل سور القصر الكبير الشرقي وقد امتطى أكرم الجياد, مرتديا "شاشية موكبية مكملة مذهبة" وبيده "قضيب الملك" متوجا بعمامة ضخمة، يحيط به إخوته وبنو عمه مترجلين وكبار أمراء الدولة وأرباب السيوف والمقدمين أصحاب ركاب الخليفة, ثم طوائف العسكر، وما ينضاف إليهم من الأجناد نحو سبعة آلاف, كل طائفة منهم بزمام وبنود ورايات وتشد فوق رأس الخليفة "المظلة" وهي من أفخر أنواع الحرير المطرز بالذهب والجوهر, ولابد أن يكون لونها من نفس لون ملابس الخليفة!
فانوس رمضان
يظل الفانوس رمزاً مميزاً لشهر رمضان، ورغم تأكيد د.أيمن أستاذ التاريخ الإسلامي أنه عادة لا تأصيل لها إلا أن هناك عديد من القصص التي تُروى عن أصل الفانوس, إحدى هذه القصص تقول: إنه في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي كان محرماً على نساء القاهرة الخروج ليلاً, فإذا جاء رمضان سمح لهن بالخروج لأداء التراويح في المساجد, بشرط أن يتقدم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوساً مضاء ليعلم المارة في الطرقات أن احدى النساء تمر, فيفسحون لها الطريق, وبعد ذلك اعتاد الأولاد حمل هذه الفوانيس في رمضان.
وقصة أخرى عن أصل الفانوس, تقول: إن الخليفة الفاطمي العاضد كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق, كل طفل يحمل فانوسه مرددين بعض الأغنيات التي تُعبر عن سعادتهم بقدوم شهر رمضان.
والبعض يقول أن المصريين عرفوا فانوس رمضان عام 358 هجرية, وهو اليوم الذي وافق دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلاً, فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس الملونة وهتافات الترحيب عند صحراء الجيزة حتى وصل إلى قصر الخلافة, ومن يومها ارتبط الفانوس بالاحتفال بشهر رمضان, حيث قام الأطفال بالتجول في الشوارع والأزقة وهم يحملون الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون, كما صاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتي ليلاً لإيقاظ الصائمين وقت السحور, وهي عادات استمرت حتى بعد زوال الدولة الفاطمية, وبدء عصر الدولة الأيوبية وما تلاها من عصور.
"سماط" الخليفة!
بالإضافة إلى إحياء ليالي رمضان وتزويد المساجد بالوقود اللازم لإضائتها طوال ليالي رمضان، كان القائمين على قصر الخليفة يوفرون راتبا كبيرا من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان الكنافة والقطايف وغيرها، كما يقول د. أيمن فؤاد.
ويضيف: هناك أيضا دار الفطرة ومهمتها إعداد الكعك وما شابه لتوزيعه في ليالي الفطر والعيد، وتعد بالقناطير لتوزع على مجموع المصريين في القاهرة. كما كان يحرص الخليفة على إقامة مائدة إفطار رمضان تسمى "سماط" بحضور رؤساء الدواوين، الحاكم، والوزراء. وكانت في هذا الوقت القاهرة مدينة خاصة للخليفة وخاصته، وفرق الجيش المختلفة.
وتعددت الأسمطة الرسمية التي كان يحضرها الخليفة الفاطمي بنفسه, فكان السماط يمد في "قاعة الذهب" بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان وفي العيدين وليالي الوقود الأربعة والمولد النبوي خمسة موالد: الحسين, السيدة فاطمة, الإمام علي, الحسن, الإمام الحاضر, بالإضافة إلى "سماط الحزن" في يوم عاشوراء.
فإذا كان اليوم الرابع من شهر رمضان, رتب عمل السماط كل ليلة بقاعة الذهب إلى السادس والعشرين منه, ويستدعى له قاضي القضاة ليالي الجمع توقيرا له, فأما الأمراء ففي كل ليلة منهم قوم بالنوبة ولا يحرمونهم الإفطار مع أولادهم وأهاليهم, ويحضر الوزير فيجلس في صدر السماط, فإن تأخر كان ولده أو أخوه, وإن لم يحضر أحد من قبله كان صاحب الباب.
ويقول العلامة "المقريزي" عن سماط رمضان بقاعة الذهب: "... وكان قد تقرر أن يعمل أربعون صينية، حلوى وكعك وأطلق برسم مشاهد الضرائح الشريفة, لكل مشهد سكر وعسل ولوز ودقيق وشيرج, ويعمل خمسمائة رطل حلوى تفرق على المتصدرين والقرّاء والفقراء.
ثم يجلس الخليفة في منظرة القصر, ويتوافد كبار رجال الدولة فيقبلون الأرض بين يديه ويتلو المقرئون القرآن الكريم, ثم يتقدم خطباء: الجامع الأنور وجامع الأزهر وجامع الأقمر, مشيدين في خطبتهم بمناقب الخليفة, ثم ينشد المنشدون ابتهالات وقصائد عن فضائل الشهر الكريم".
وترجع فكرة "موائد الرحمن" إلى الولائم التى كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين.
سحور رمضان
يروي لنا د. أيمن أنه من ضمن مظاهر الاحتفالات والعادات الرمضانية كان سحور رمضان الذي كان احتفالية أخرى تبدأ منذ صلاة العشاء حتى السحور الذي كان يتبناه الخليفة في الـ 26 الليلة الأولى فقط من رمضان
وعن مراسم سحور الخليفة قال ابن المأمون:
في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان, كان القصر الفاطمي يشهد احتفالاً خاصا بـ"ختم القرآن الكريم" وفيها تخرج الأوامر بمضاعفة ما هو متخصص للمقرئين والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختام الشهر الكريم.
ويحضر الوزير لتناول طعام الإفطار مع الخليفة, كما يحضر العلماء والمقرئون وترسل سيدات القصر موكبيات وأواني ماء مثلج ممزوج بماء الورد ملفوفة في الديباج وتوضع بين المقرئين لتشملها "بركة ختم القرآن الكريم", ويتناوب المقرئون قراءة القرآن من فاتحة الكتاب إلى خاتمته، ثم يخطب بعض العلماء مكثرين من الدعاء إلى الله في هذه الليلة, ثم يأخذ المنشدون في إنشاد القصائد الصوفية، وتقدم أجفان القطائف والحلوى, وتحمل أواني الماء إلى دور صاحباتها فيهدين منها على سبيل البركة, ثم تفرق الخلع الشريفة وصرر الدنانير والدراهم على العلماء والمقرئين والمؤذنين, فينالهم من هذه الليلة ومن كل ليالي رمضان الخير العميم.
أيام قليلة ويهلّ علينا شهر رمضان الكريم، وهو شهر تنعم فيه نفوس المسلمين بأجواء إيمانية، وتنهض صلاة ودعاءا وذكرا وقراءة للقرآن، ولكنه أيضا يتسم بعادات وطقوس اجتماعية ومأكولات خاصة تختلف بحسب المكان، وفي السطور القادمة يتحدث لـ"محيط" د. أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس حيث يؤصل لتلك العادات الرمضانية ويعود لزمن ظهورها للنور .
يوضح د. أيمن أن الاحتفال برمضان قديم ولكن مظاهره التي نشاهدها حاليا في مصر والبلاد العربية بدأت تتجلى مع دخول الدولة الفاطمية تحديدا إلى مصر وهي دولة شيعية إسماعيلية ووجودها في مصر كان في مجتمع نصفه من أهل السنة والنصف الآخر من الذميين، ويرى أن الفاطميين حاولوا استخدام المظاهر الاحتفالية الدينية ليشغلوا بها المجتمع المصري، وتمثلت هذه المظاهر في إحياء ليالي رمضان، والمواكب الاحتفالية للخليفة الذي كان يؤم المصلين في صلاة الجمعة في شهر رمضان بالإضافة إلى صلاة العيدين.
كان الخليفة الفاطمي يصلي أيام الجمع الثلاث, الأولى والثانية والرابعة على الترتيب التالي, الجمعة الثانية في جامع الأزهر، والثالثة في مسجد الحاكم, أما الجمعة الرابعة التي تعرف بالجمعة "اليتيمة" فكان يؤديها في جامع عمرو بالفسطاط. وكان يصرف من خزانة التوابل الند وماء الورد والعود برسم بخور الموكب والمسجد, وعقب صلاة الجمعة الأخيرة من رمضان يذاع بلاغ رسمي عرف بـ"سجل البشارة"!
غرة الشهر
قبل رمضان كان يخرج القاضي ومعه أتباعه لتفقد المساجد وتزويدها باللازم حتى تستقبل المصلين، فإذا كان الأسبوع الأخير من شهر شعبان عهد إلي قضاة مصر بالطواف بالمساجد في القاهرة وباقي الأقاليم لتفقد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل.
ويصف الرحالة ناصر خسرو الذي زار مصر في القرن الخامس الهجري. التنور الثريا الذي أهداه الخليفة الحاكم بأمر الله إلي مسجد عمرو بالفسطاط بأنه كان يزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة. كما يقول عن جامع عمرو: إنه كان يوقد في ليالي المواسم والأعياد أكثر من سبعمائة قنديل. وإن المسجد يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض.
وإذا ما انتهي شهر الصوم تعاد تلك التنانير وكذا القناديل والمشكاوات إلي مكان أعد لحفظها فيه داخل المسجد. كذلك كانت الدولة تخصص مبلغا من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي يصرف لتلك المساجد في شهر رمضان.
وكان لخلفاء الدولة الفاطمية عادات ورسوم في جميع المناسبات, ومنها ما اشتهر بـ"ركوب أول رمضان", وهو من الأيام المشهودة في مصر الفاطمية, فكان موكب الخليفة في زيه وبنوده وقبابه يحتشد بباب الذهب داخل سور القصر الكبير الشرقي وقد امتطى أكرم الجياد, مرتديا "شاشية موكبية مكملة مذهبة" وبيده "قضيب الملك" متوجا بعمامة ضخمة، يحيط به إخوته وبنو عمه مترجلين وكبار أمراء الدولة وأرباب السيوف والمقدمين أصحاب ركاب الخليفة, ثم طوائف العسكر، وما ينضاف إليهم من الأجناد نحو سبعة آلاف, كل طائفة منهم بزمام وبنود ورايات وتشد فوق رأس الخليفة "المظلة" وهي من أفخر أنواع الحرير المطرز بالذهب والجوهر, ولابد أن يكون لونها من نفس لون ملابس الخليفة!
فانوس رمضان
يظل الفانوس رمزاً مميزاً لشهر رمضان، ورغم تأكيد د.أيمن أستاذ التاريخ الإسلامي أنه عادة لا تأصيل لها إلا أن هناك عديد من القصص التي تُروى عن أصل الفانوس, إحدى هذه القصص تقول: إنه في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي كان محرماً على نساء القاهرة الخروج ليلاً, فإذا جاء رمضان سمح لهن بالخروج لأداء التراويح في المساجد, بشرط أن يتقدم السيدة أو الفتاة صبي صغير يحمل في يده فانوساً مضاء ليعلم المارة في الطرقات أن احدى النساء تمر, فيفسحون لها الطريق, وبعد ذلك اعتاد الأولاد حمل هذه الفوانيس في رمضان.
وقصة أخرى عن أصل الفانوس, تقول: إن الخليفة الفاطمي العاضد كان يخرج إلى الشوارع ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان وكان الأطفال يخرجون معه ليضيئوا له الطريق, كل طفل يحمل فانوسه مرددين بعض الأغنيات التي تُعبر عن سعادتهم بقدوم شهر رمضان.
والبعض يقول أن المصريين عرفوا فانوس رمضان عام 358 هجرية, وهو اليوم الذي وافق دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلاً, فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس الملونة وهتافات الترحيب عند صحراء الجيزة حتى وصل إلى قصر الخلافة, ومن يومها ارتبط الفانوس بالاحتفال بشهر رمضان, حيث قام الأطفال بالتجول في الشوارع والأزقة وهم يحملون الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون, كما صاحب هؤلاء الأطفال بفوانيسهم المسحراتي ليلاً لإيقاظ الصائمين وقت السحور, وهي عادات استمرت حتى بعد زوال الدولة الفاطمية, وبدء عصر الدولة الأيوبية وما تلاها من عصور.
"سماط" الخليفة!
بالإضافة إلى إحياء ليالي رمضان وتزويد المساجد بالوقود اللازم لإضائتها طوال ليالي رمضان، كان القائمين على قصر الخليفة يوفرون راتبا كبيرا من السكر والدقيق لصناعة حلوى رمضان الكنافة والقطايف وغيرها، كما يقول د. أيمن فؤاد.
ويضيف: هناك أيضا دار الفطرة ومهمتها إعداد الكعك وما شابه لتوزيعه في ليالي الفطر والعيد، وتعد بالقناطير لتوزع على مجموع المصريين في القاهرة. كما كان يحرص الخليفة على إقامة مائدة إفطار رمضان تسمى "سماط" بحضور رؤساء الدواوين، الحاكم، والوزراء. وكانت في هذا الوقت القاهرة مدينة خاصة للخليفة وخاصته، وفرق الجيش المختلفة.
وتعددت الأسمطة الرسمية التي كان يحضرها الخليفة الفاطمي بنفسه, فكان السماط يمد في "قاعة الذهب" بالقصر الشرقي الكبير في ليالي رمضان وفي العيدين وليالي الوقود الأربعة والمولد النبوي خمسة موالد: الحسين, السيدة فاطمة, الإمام علي, الحسن, الإمام الحاضر, بالإضافة إلى "سماط الحزن" في يوم عاشوراء.
فإذا كان اليوم الرابع من شهر رمضان, رتب عمل السماط كل ليلة بقاعة الذهب إلى السادس والعشرين منه, ويستدعى له قاضي القضاة ليالي الجمع توقيرا له, فأما الأمراء ففي كل ليلة منهم قوم بالنوبة ولا يحرمونهم الإفطار مع أولادهم وأهاليهم, ويحضر الوزير فيجلس في صدر السماط, فإن تأخر كان ولده أو أخوه, وإن لم يحضر أحد من قبله كان صاحب الباب.
ويقول العلامة "المقريزي" عن سماط رمضان بقاعة الذهب: "... وكان قد تقرر أن يعمل أربعون صينية، حلوى وكعك وأطلق برسم مشاهد الضرائح الشريفة, لكل مشهد سكر وعسل ولوز ودقيق وشيرج, ويعمل خمسمائة رطل حلوى تفرق على المتصدرين والقرّاء والفقراء.
ثم يجلس الخليفة في منظرة القصر, ويتوافد كبار رجال الدولة فيقبلون الأرض بين يديه ويتلو المقرئون القرآن الكريم, ثم يتقدم خطباء: الجامع الأنور وجامع الأزهر وجامع الأقمر, مشيدين في خطبتهم بمناقب الخليفة, ثم ينشد المنشدون ابتهالات وقصائد عن فضائل الشهر الكريم".
وترجع فكرة "موائد الرحمن" إلى الولائم التى كان يقيمها الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في أيام الفاطميين.
سحور رمضان
يروي لنا د. أيمن أنه من ضمن مظاهر الاحتفالات والعادات الرمضانية كان سحور رمضان الذي كان احتفالية أخرى تبدأ منذ صلاة العشاء حتى السحور الذي كان يتبناه الخليفة في الـ 26 الليلة الأولى فقط من رمضان
وعن مراسم سحور الخليفة قال ابن المأمون:
في ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان, كان القصر الفاطمي يشهد احتفالاً خاصا بـ"ختم القرآن الكريم" وفيها تخرج الأوامر بمضاعفة ما هو متخصص للمقرئين والمؤذنين في كل ليلة برسم السحور بحكم أنها ليلة ختام الشهر الكريم.
ويحضر الوزير لتناول طعام الإفطار مع الخليفة, كما يحضر العلماء والمقرئون وترسل سيدات القصر موكبيات وأواني ماء مثلج ممزوج بماء الورد ملفوفة في الديباج وتوضع بين المقرئين لتشملها "بركة ختم القرآن الكريم", ويتناوب المقرئون قراءة القرآن من فاتحة الكتاب إلى خاتمته، ثم يخطب بعض العلماء مكثرين من الدعاء إلى الله في هذه الليلة, ثم يأخذ المنشدون في إنشاد القصائد الصوفية، وتقدم أجفان القطائف والحلوى, وتحمل أواني الماء إلى دور صاحباتها فيهدين منها على سبيل البركة, ثم تفرق الخلع الشريفة وصرر الدنانير والدراهم على العلماء والمقرئين والمؤذنين, فينالهم من هذه الليلة ومن كل ليالي رمضان الخير العميم.