شهدت الساحة القضائية في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً حول مدى جواز حضور محام عن المتهم في جناية إذا ما تغيب عن حضور جلسات المحاكمة ، في ظل وجود نص المادة ( 338 ) من قانون الإجراءات الجنائية ، والتي حظرت صراحة أن يحضر أحد أمام محكمة الجنايات ليدافع أو ينوب عن المتهم الغائب ،حيث نصت علي أنه :
" لا يجوز لأحد أن يحضر أمام المحكمة – محكمة الجنايات – ليدافع أو ينوب عن المتهم الغائب ، ومع ذلك يجوز أن يحضر وكيله أو أحد أقاربه أو أصهاره ويبدى عذره في عدم الحضور ، فإذا رأت المحكمة أن العذر مقبول تعين ميعاداً لحضور المتهم أمامها "
ولعل هذا الجدل وتعلقه بالعديد من القضايا الجنائية التي شغلت – ومازالت تشغل - الرأي العام المصري في الوقت الحالي ، هو ما دفعني إلي البحث في ثنايا هذا النص ومحاولة تحليله وتفنيده من مختلف جوانبه ، وذلك للوقوف على أوجه عدم دستوريته في محاولة لوضعه نصب أعين المشتغلين في مجال القانون من أجل النيل منه ، ومحاولة السعي نحو الحصول علي حكم بعدم دستوريته ..
والدستور باعتباره الأب أو المصدر الأعلى لسائر القواعد والقوانين والأنظمة الإدارية والقانونية الموجودة في الدولة ، يعد بمثابة الإطار العام الذي يجب أن تدور في فلكه التشريعات كافة على اختلاف أنواعها ومراتبها ، فسلامة القوانين والقرارات ومدى ملاءمتها واحترامها في داخل المجتمع تعتمد أساساً على مدى قوة وصلابة وملائمة الدستور ذاته ، وتنظيماته وما يشتمل عليه من ضمانات وأنظمة ..
وقد عنيت المحكمة الدستورية العليا بمصر في مجال تطبيق الشرعية الدستورية التي تحكم القانون الجنائي بوجه عام وقانون الإجراءات الجنائية بوجه خاص ، بأن تستجلي تميز هذا القانون عن غيره من القوانين في تنظيم علاقات الأفراد بالمجتمع وفيما بين بعضهم البعض ، وأرست في سبيل ذلك العديد من الضمانات التي أحاط بها الدستور الإجراءات الجنائية ، كضمانة الحق في المحاكمة المنصفة وحق الدفاع وأصل البراءة في المتهم وغير ذلك من الضمانات التي دأبت المحكمة الدستورية من خلال أحكامها على غرسها في قانون الإجراءات الجنائية وعقد نصوصه بها ..
وينهض قانون الإجراءات الجنائية – بوجه عام - بمهمة تحديد التنظيم الإجرائي ، وذلك من اجل ضمان تحقيق المصلحة الاجتماعية في جميع صورها سواء تلك التي تهم المصلحة العامة على نحو مباشر أو تلك التي تهم حقوق وحريات أعضاء المجتمع ..
وقبل الخوض في بحث اوجه العوار الدستوري التي شابت نص المادة ( 388 ) من قانون الإجراءات الجنائية ، أثرت أن ألقي الضوء علي بعض القواعد والأسس الدستورية الثابتة ، والتي تساعد في كيفية التعامل مع النصوص الدستورية وكيفية تطبيقها عند بحث مدي دستورية نص قانوني ..
ومن القواعد المستقر عليها أنه إذا جاء النص الدستوري عاماً لا يجوز تقييد أو تخصيص نفاذه ، فهناك نصوص دستورية ترسي قواعد ومبادئ دستورية عامة لا تنطوي على قيد ، وهناك نصوص أخرى ترسي أيضاً قواعد ومبادئ دستورية إلا أنها تقيد من نفاذها بالإحالة إلي أحكام الشريعة الإسلامية أو إلى القانون ، ومن أمثلة هذا النوع الأخير من النصوص ، ما ذهبت إليه المادة (11) من الدستور والتي نصت على أن :-
" تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية "
وما قررته كذلك المادة (14) من الدستور ، والتي نصت على أن :
" الوظائف العامة حق للمواطنين ، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب ، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعايا مصالح الشعب ، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي ، إلا في الأحوال التي يحددها القانون "
والنصوص السابق ذكرها رغم أنها أرست مبادئ دستورية واجبة النفاذ إلا أنها قيدت إعمال هذه المبادئ إما بوجوب مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية أو الإحالة إلي القانون ، والذي يجوز أن يتضمن ما يناهض هذه المبادئ ، فلولا هذا القيد الذي زيل النص الدستوري لكان من اللازم نفاذ هذه المبادئ ووجوب احترامها دون استثناء ..
والنصوص السابق ذكرها رغم أنها أرست مبادئ دستورية واجبة النفاذ إلا أنها قيدت أعمال هذه المبادئ أما بوجوب مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية أو الإحالة إلي القانون ، والذي يجوز أن يتضمن ما يناهض هذه المبادئ ، فلولا هذا القيد الذي زيل النص الدستوري لكان من اللازم نفاذ هذه المبادئ ووجوب احترامها دون استثناء .
أما النوع الأخر من النصوص الدستورية والتي ترسي قواعد ومبادئ دستورية دون أن تتضمن قيداً على نفاذها ، فهذا النوع يجب أن تلتزم التشريعات كافة باحترامه ، ولا يجوز من حيث المبدأ أن يصدر تشريع مخالفاً له وإلا كان غير دستوري ، أو بمعنى أدق جاء مشوباً بعيب عدم الدستورية ، ويكون من ثم عرضة للحكم بعدم دستوريته ..
ومن أمثلة هذا النوع من النصوص ، ما ذهبت إليه المادة (40) من الدستور ، إذا نصت على أن :
" المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة "
وما ذهبت إليه أيضاً المادة (42) من الدستور ، اذ نصت على أن :-
" كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاءه بدنياً أو معنوياً ، كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون ،…. "
والنصوص سالفة البيان أتت بمبادئ وقواعد دستورية عامة لا تنطوي على أي قيد أو استثناء في نفاذها يجيز التنصل من إعمالها ، فهذا النوع من النصوص لا يجوز – كقاعدة - أن يصدر أي تشريع أو لائحة مخالفاً لما أرساه من مبادئ وإلا كان مشوباً بعدم الدستورية ..
وبعد العرض الموجز السابق ، يجدر بنا أن نتسأل عن مدي اتفاق المادة ( 388 ) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من حظر حضور محام عن المتهم الغائب في جناية ، مع المبادئ والقواعد التي أرساها الدستور ، وكفلت المحكمة الدستورية العليا حمايتها بمناسبة ما يعرض عليها من أنزعه ..
ولا شك أن الإجابة علي هذا التساؤل تحتاج إلي فهم عميق له ، وإلي تجرد من كل رأي مسبق يمكن أن يؤثر علي نتيجة البحث في الاجابة عليه ، وهو ما سنحاول تحقيقه كما يلى
" لا يجوز لأحد أن يحضر أمام المحكمة – محكمة الجنايات – ليدافع أو ينوب عن المتهم الغائب ، ومع ذلك يجوز أن يحضر وكيله أو أحد أقاربه أو أصهاره ويبدى عذره في عدم الحضور ، فإذا رأت المحكمة أن العذر مقبول تعين ميعاداً لحضور المتهم أمامها "
ولعل هذا الجدل وتعلقه بالعديد من القضايا الجنائية التي شغلت – ومازالت تشغل - الرأي العام المصري في الوقت الحالي ، هو ما دفعني إلي البحث في ثنايا هذا النص ومحاولة تحليله وتفنيده من مختلف جوانبه ، وذلك للوقوف على أوجه عدم دستوريته في محاولة لوضعه نصب أعين المشتغلين في مجال القانون من أجل النيل منه ، ومحاولة السعي نحو الحصول علي حكم بعدم دستوريته ..
والدستور باعتباره الأب أو المصدر الأعلى لسائر القواعد والقوانين والأنظمة الإدارية والقانونية الموجودة في الدولة ، يعد بمثابة الإطار العام الذي يجب أن تدور في فلكه التشريعات كافة على اختلاف أنواعها ومراتبها ، فسلامة القوانين والقرارات ومدى ملاءمتها واحترامها في داخل المجتمع تعتمد أساساً على مدى قوة وصلابة وملائمة الدستور ذاته ، وتنظيماته وما يشتمل عليه من ضمانات وأنظمة ..
وقد عنيت المحكمة الدستورية العليا بمصر في مجال تطبيق الشرعية الدستورية التي تحكم القانون الجنائي بوجه عام وقانون الإجراءات الجنائية بوجه خاص ، بأن تستجلي تميز هذا القانون عن غيره من القوانين في تنظيم علاقات الأفراد بالمجتمع وفيما بين بعضهم البعض ، وأرست في سبيل ذلك العديد من الضمانات التي أحاط بها الدستور الإجراءات الجنائية ، كضمانة الحق في المحاكمة المنصفة وحق الدفاع وأصل البراءة في المتهم وغير ذلك من الضمانات التي دأبت المحكمة الدستورية من خلال أحكامها على غرسها في قانون الإجراءات الجنائية وعقد نصوصه بها ..
وينهض قانون الإجراءات الجنائية – بوجه عام - بمهمة تحديد التنظيم الإجرائي ، وذلك من اجل ضمان تحقيق المصلحة الاجتماعية في جميع صورها سواء تلك التي تهم المصلحة العامة على نحو مباشر أو تلك التي تهم حقوق وحريات أعضاء المجتمع ..
وقبل الخوض في بحث اوجه العوار الدستوري التي شابت نص المادة ( 388 ) من قانون الإجراءات الجنائية ، أثرت أن ألقي الضوء علي بعض القواعد والأسس الدستورية الثابتة ، والتي تساعد في كيفية التعامل مع النصوص الدستورية وكيفية تطبيقها عند بحث مدي دستورية نص قانوني ..
ومن القواعد المستقر عليها أنه إذا جاء النص الدستوري عاماً لا يجوز تقييد أو تخصيص نفاذه ، فهناك نصوص دستورية ترسي قواعد ومبادئ دستورية عامة لا تنطوي على قيد ، وهناك نصوص أخرى ترسي أيضاً قواعد ومبادئ دستورية إلا أنها تقيد من نفاذها بالإحالة إلي أحكام الشريعة الإسلامية أو إلى القانون ، ومن أمثلة هذا النوع الأخير من النصوص ، ما ذهبت إليه المادة (11) من الدستور والتي نصت على أن :-
" تكفل الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ، ومساواتها بالرجل في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية "
وما قررته كذلك المادة (14) من الدستور ، والتي نصت على أن :
" الوظائف العامة حق للمواطنين ، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب ، وتكفل الدولة حمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعايا مصالح الشعب ، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي ، إلا في الأحوال التي يحددها القانون "
والنصوص السابق ذكرها رغم أنها أرست مبادئ دستورية واجبة النفاذ إلا أنها قيدت إعمال هذه المبادئ إما بوجوب مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية أو الإحالة إلي القانون ، والذي يجوز أن يتضمن ما يناهض هذه المبادئ ، فلولا هذا القيد الذي زيل النص الدستوري لكان من اللازم نفاذ هذه المبادئ ووجوب احترامها دون استثناء ..
والنصوص السابق ذكرها رغم أنها أرست مبادئ دستورية واجبة النفاذ إلا أنها قيدت أعمال هذه المبادئ أما بوجوب مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية أو الإحالة إلي القانون ، والذي يجوز أن يتضمن ما يناهض هذه المبادئ ، فلولا هذا القيد الذي زيل النص الدستوري لكان من اللازم نفاذ هذه المبادئ ووجوب احترامها دون استثناء .
أما النوع الأخر من النصوص الدستورية والتي ترسي قواعد ومبادئ دستورية دون أن تتضمن قيداً على نفاذها ، فهذا النوع يجب أن تلتزم التشريعات كافة باحترامه ، ولا يجوز من حيث المبدأ أن يصدر تشريع مخالفاً له وإلا كان غير دستوري ، أو بمعنى أدق جاء مشوباً بعيب عدم الدستورية ، ويكون من ثم عرضة للحكم بعدم دستوريته ..
ومن أمثلة هذا النوع من النصوص ، ما ذهبت إليه المادة (40) من الدستور ، إذا نصت على أن :
" المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة "
وما ذهبت إليه أيضاً المادة (42) من الدستور ، اذ نصت على أن :-
" كل مواطن يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته بأي قيد يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاءه بدنياً أو معنوياً ، كما لا يجوز حجزه أو حبسه في غير الأماكن الخاضعة للقوانين الصادرة بتنظيم السجون ،…. "
والنصوص سالفة البيان أتت بمبادئ وقواعد دستورية عامة لا تنطوي على أي قيد أو استثناء في نفاذها يجيز التنصل من إعمالها ، فهذا النوع من النصوص لا يجوز – كقاعدة - أن يصدر أي تشريع أو لائحة مخالفاً لما أرساه من مبادئ وإلا كان مشوباً بعدم الدستورية ..
وبعد العرض الموجز السابق ، يجدر بنا أن نتسأل عن مدي اتفاق المادة ( 388 ) من قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنته من حظر حضور محام عن المتهم الغائب في جناية ، مع المبادئ والقواعد التي أرساها الدستور ، وكفلت المحكمة الدستورية العليا حمايتها بمناسبة ما يعرض عليها من أنزعه ..
ولا شك أن الإجابة علي هذا التساؤل تحتاج إلي فهم عميق له ، وإلي تجرد من كل رأي مسبق يمكن أن يؤثر علي نتيجة البحث في الاجابة عليه ، وهو ما سنحاول تحقيقه كما يلى