روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    القضاء و مشروع الدولة المحامي:محمد عقاد ابن عبد الجليل

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القضاء و مشروع الدولة   المحامي:محمد عقاد ابن عبد الجليل Empty القضاء و مشروع الدولة المحامي:محمد عقاد ابن عبد الجليل

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أغسطس 27, 2009 3:51 pm

    القضاء و مشروع الدولة


    المحامي:محمد عقاد ابن عبد الجليل
    استقلال القضاء بحياده والتزام القانون بتنفيذه.

    إذا كان ( استقلال القضاء ) الذي تناضل من أجله كافة المنظمات الحقوقية والمجتمعات الحضارية لتحقيق ( قضاء عادل ) لإيصال الحقوق إلى أصحابها دون غيرهم ،‏

    بلا خوف أو رهبة أو انحياز ، ومهما كانت الأطراف ذات شكيمة أو نفوذ ، فإن هذا الاستقلال لا يمكن أن يتحقق على الأرض ( ما لم يتحقق الحياد ) .‏

    إن استقلال السلطة القضائية يعني حيادها ، لأن حياد القضاء شرط أساسي لتحقيق استقلاله ، واستقلال القضاء شرط لإقامة الحق والعدل بين الناس ، والعدل ينتفي من دون حياد ، ولا استقلال دون حياد .‏

    ومن هنا نقول ، إنه من الضروري في بناء مشروع الدولة ، تحقيق ( حياد القضاء ) لتحقيق استقلال السلطة القضائية الذي يضمنه الدستور كما هي عليه أحكام المادة /131/ منه التي تنص على أن :‏

    "السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى ".‏

    * *‏

    وإذا كنا نقول باستقلال القضاء وتحصينه من الخارج فهذا لا يعني مطلقاً حرية العبث من داخله بأي شكل من الأشكال تحت أي غطاء أو ستار كان .‏

    وهنا نرى أنه لابد في مشروع بناء الدولة من أن تولي السلطة القضائية الاهتمام الكبير‏

    ( لإدارة التفتيش القضائي ) ، وألاَّ تهمل الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه المؤسسة الرقابية الهامة والمؤثرة في رقابة حسن سير القضاء ، وسلوك القضاة المهني معاً.‏

    ( ونذكر في هذا المجال ما كانت عليه إدارة التفتيش القضائي في عهد الوحدة بين سورية ومصر ، إذ كان التفتيش يتم بشكل دوري ومنتظم ، وتوضع من قبله تقارير مفصلة بخصوص تقييم أعمال كل قاض ، وعلى أساسها يكافأ المجتهدون والمحسنون ، ويُنبَّه وتفرض العقوبات ، وقد تكون شديدة ، بحق المسيئين أو المتقاعسين أو المهملين بواجبهم القانوني ، مع ملاحظة إيلاء تقارير التفتيش الكثير من العناية والأهمية عند البحث في الترفيع ، فتتم الموافقة على الترفيع بالاستناد إلى محتواها ، وحتى على منح درجة إضافية ، أو يحجب الترفيع ويوجَّه التنبيه أو التأنيب .‏

    وهذا كان يحفظ للقضاء هيبته ، ويساعد على المحافظة على حسن أدائه وحماية استقلاليته)( ).‏

    * *‏

    وطالما أن إرادة الوطن ، هي الحفاظ على المؤسسة القضائية وتحصينها من أي عبث ، فليخرج إذن من ساحة القضاء من كان نسيجه الخلقي والأخلاقي والوجداني لا يؤهله للارتقاء إلى سمو القضاء ونبله ، وكل من كان صاحب هوى أو انحراف أو منفعة أو مصلحة ، أو صاحب عُقدٍ نفسية أو مزاجٍ أو عنجهية ، وكل من لا يستحق شرف تولي هذه المهمة المقدسة للقضاء على مدار التاريخ .‏

    وليقعد هذا وذاك في منزله ، أو ليبحث عن عمل آخر ... وإلاَّ فليصلح نفسه وسلوكه ، أو أن يكون للهيئات القضائية المختصة قولها فيه .‏

    ولأن القضاء من المراتب العظيمة الأهمية التي لها مساس مباشر بحرية الناس وكرامتهم وحقوقهم ومصالحهم في أي مجتمع كان قديماً أم حديثاً ، بدائياً أم متحضراً على مر الزمن . ( لهذه الأسباب كان يعتلي منصب القضاء ، الملوك والحكام وأرباب العقول النيَّرة ، أو من يرون فيه مثالاً يُحتذى به لإحقاق الحق وزهق الباطل ، بنفس الوقت الذي كانت فيه كافة الشرائع تُشدِّد عقوبة القضاة الذين يحيدون عن جادة الصواب بعد أن تضمن لهم استقلاليتهم لكي لا يأخذهم في الحق لومة لائم .( )‏

    وعلى مر العصور فقد رُكِّز على دور القاضي العادل لأنه يرقى إلى تجسيد معنى العدالة في حياة الناس ، كما أن الله عزَّ وجل قد خاطب القضاة بقوله في كتابه المبين آمراً: ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ) صدق الله العظيم [ النساء : 58 ].‏

    وإذا كنا نوجّه أية رسالة إلى السادة القضاة .. فإننا نقول لهم: من حمل رسالة الحق والعدل، تحمّل في سبيلها كل عسير، وهان عليه كل صعب. ومن هنا كنا دائماً نطلب الترفع والسموّ والنزاهة والقدسية في سلوكهم وفعلهم وعملهم .. فهذه هي رسالة القضاء لمن يتبوؤها، رسالة الحق والعدل والإنصاف.‏

    * *‏

    ولأن القضاء أيضاً هو الالتزام بالقانون وتنفيذه ، فليس من القضاء في شيء ، الخروج عن مقاصد المشرِّع وإرادته .‏

    وعندما نقول الالتزام بالقانون ، فلا يمكن أن نعني الابتعاد عن حكمةِ ومقاصدِ المشرِّع في نصوص القانون ، أو عدم الالتزام بها .‏

    القاضي العادل هو الذي يدرك ويفهم إرادة المشرِّع ومقاصده من النص القانوني الجامد ، بفهم شمولي تحليلي غير قاصر ، سواء من ظاهر النص أو من معقول النص ، من خلال النظر والاستدلال والحسِّ القانوني النظيف ، وذلك حين يضع نصب عينيه المعايير التي تُعينه على إدراك مقاصد المشرِّع وهي :‏

    المعيار الأول : البحث عن " حِكْمة " كل حكم أو " علّته " ، لأنها الغاية التي توخَّى الشارع تحقيقها .‏

    المعيار الثاني : توخِّي تحقيق " العلَّة " أو " المصلحة " أو " الحكمة عينها " التي شُرع الحكم من أجلها ، حتى لا يجافى المشرِّع في تشريعه للنص ، ويناقض غاياته ومقاصده منه ، وإلاَّ كان التناقض والخَلَلُ في التطبيق .‏

    المعيار الثالث : أن الحكم يدور مع علَّته وجوداً وعدماً ، إضافة إلى ارتباط السبب بالمسبِّب والعلَّة بالمعلول .‏

    فالقضاة إذن هم الأداة الحية الفاعلة التي ترقى بالقضاء إلى مرتبة العدالة التي تحقق العدل والمساواة والإنصاف ، وقد أوكل المشرِّع ضمان حقوق الناس وحرياتهم إلى شرفهم وضميرهم وحيادهم ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة /133/ من الدستور بأن : " شرف القضاء وضميرهم وتجرُّدهم ضمانٌ لحقوق الناس وحرياتهم "‏

    وعلى ذلك ، وإذا ما كان الهدف هو العدل ، فإن قوة القضاء تبدو فيما قاله الفقيه (Bergeret) : " إنني لا أخشى القانون الرديء إذا طبَّقه القاضي العادل . إنه يقال إنَّ القانون جامد ، ويقال إن القانون ميت ، ولكن الذي يطبقه شخص حيّ هو القاضي .. هذا ما يميّز القضاء على القانون " ( ).‏

    وعلى ذلك فإن محكمة النقض تقول :‏

    « أن القضاء ( مؤسسة عدل وإنصاف ) وليس في شرعها ( تجاوز لقانون « أو اجتهاد مستقر ) كما ليس في شرعها ( إصدار حكم جائر ) أو إدانة شخص « ( بدون أدلة قاطعة حاسمة ) . وأن الإدانة يجب أن تبنى على ( أدلة قانونية ) « قائمة على ( الجزم واليقين ) لا على ( الشك والتخمين ) " . ( )‏

    والرسول الكريم ( r ) يوجِّه القضاة في الحديث الشريف :‏

    « ادرؤوا الحدود بالشبهات ، فلإن يخطئ الإمام في العفو ، خيرٌ له من أن يخطئ « في العقوبة " ( ) .‏

    ومن القواعد التي عرفتها الشريعة الإسلامية الغراء :‏

    - « أن الأصل في الإنسان البراءة ولا يزول اليقين بالشك " .‏

    - كما أنه لا يصلح أن يقال : " إن البراءة لم تثبت بدليل يقيني ، فهي الأصل ، والرجوع إليها هو الرجوع إلى الأصل . والأصح أن يقال : إن الإدانة لم تثبت بدليل يقيني " .‏

    - وقد قالت القاعدة الرومانية أنه : " في حالة الشك يقضى بالبراءة " ) ( ) .‏

    * *‏

    وعندما أقف أمام عظمة هذه الثوابت القضائية .. فإنني أشعر بالحزن والأسى فعلاً عندما أسمع حكم البراءة لإنسان مضى على توقيفه سنين . وعندما يصدر حكمٌ بالإدانة دون دراسة أو تدقيق لأدلة الدعوى . وعندما تفرض عقوبة ظالمة بسبب قوة الخصم أو نفوذه . وعندما يطبق القانون في قضية عمْرو ولا يطبق في قضية زيد . وعندما تتناقض الأحكام أو ترتكب فيها الأخطاء الجسيمة دون سؤال أو سائل أو مسؤول . وعندما يعتبر القاضي نفسه خصماً شخصياً في الدعوى في ضوء (ماهية الجرم) أو لسوء مراجعة من صاحب حاجة ، أو تصرف دون قصد قد يبدر من محام. وعندما أجد قاضياً لايجرؤ أن يحكم وفق قناعته. أو يلجأ إلى التشديد ، لا لشيء بل خوفاً أو تحسباً من القال والقيل . وعندما يكون التدقيق في الدعوى بحثاً عن سببٍ لردِّها أو عن سببٍ لقبولها تحقيقاً لمصلحة أو منفعة . وعندما نجد في خزائن محكمة النقض ملفات لدعاوى ذات موقوف مضى عليها زمن طويل دون أن يُنظَر فيها ، ودعاوى أخرى تذهب وتعود حسب سرعة الريح .‏

    كم أشعر بالحزن والأسى عندما يصبح التوقيف الاحتياطي تنفيذاً لعقوبة قبل صدور الحكم. وعندما أجد في مؤسسة القضاء من ينتصر للظلم ، أو حين أجد صاحب حق لا صوت له ، وفي كلا الحالتين تغيب العدالة ويضيع الحق .‏

    وفي الوقت نفسه كم يريحني عندما أقرأ ( مخالفة ) في قضاء الجماعة ، فأحمد الله إلى أن هناك حواراً وبحثاً ومناقشة للدعوى . إلاَّ أنه كم يقلقني عندما يصدر حكم ما دون دراسة أو تدقيق سوى إجماع في التوقيع !! ..‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد سبتمبر 29, 2024 6:24 am