روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    حمى الانتحار حرقًا

    جليله محمود
    جليله محمود
    .....
    .....


    عدد المساهمات : 1008
    نقاط : 2940
    السٌّمعَة : 7
    تاريخ التسجيل : 11/10/2010

    حمى الانتحار حرقًا Empty حمى الانتحار حرقًا

    مُساهمة من طرف جليله محمود الإثنين يناير 24, 2011 8:17 am

    حمى الانتحار حرقًا Hamdy%20makala
    في جنوب الهند تقع ضاحية جبلية ريفية ،
    يعيش فيها الآدميون مع القردة حياة واحدة ، وإن بدت لصوصية القرود أكثر من
    نفعيتها الحياتية ، حيث يسطون على ثمار أشجار الفاكهة ، فيقذفهم الإنسان
    بما في يمينه أو شماله ، ولكن ذلك لا يمنع تجولهم في الشوارع والطرقات آناء
    الليل وفي جنح الظلام ، يحاولون الإتيان بعيشهم من الموز والتفاح خطفًا من
    الصبية والكبار .. ضاق الآدميون من سلوك القردة فأعدوا لهم مصايد جمعوهم
    فيها وقذفوا بها إلى حياة الغابة ، التي أضحت معيشة من الصعب الاستمرار
    فيها ، فنحلت أجسادهم وبليت أقدامهم وأيديهم وتسلل المرض إليهم ، مات منهم
    من مات ولم يستظل بظل العيش سوى أقل من ربعهم هم الشباب القادرون على
    الحصول على قوتهم المفضل في القرية المجاورة .. توقف القردة عن التناسل
    والإنجاب ؛ فأضحوا عددًا قليلاً يمكن السيطرة عليه ، فعادوا إلى حياتهم
    الأولى رافعين راية السلام والاستسلام ، فقبل ذلك الآدميون ، ووراء ضعفهم
    يومًا تلو الآخر وقلة حيلتهم وصعق التيار الكهربائي لعدد منهم لا حيلة لهم
    في الرزق ؛ رق قلب الهنود عليهم إلى درجة بعث بعضهم في الحياة بعد الموت
    بإشعال النيران الخشبية في جثثهم وتفريق الرماد في الهواء وسط موكب الوداع
    الحزين ، تمامًا كما يفعلون مع ذويهم الآدميين ، وكما حدث – من قبل – مع
    الزعيم غاندي و نجلته رئيسة الحكومة " انديرا غاندي " .. يعود موكب الحزن
    على القردة لظهور عدد كبير من الذئاب بين المواطنين تلك الفئة من الحيوانات
    تعتبر جارحة في وضح النهار ؛ التي لم تكن موجودة في حياة القردة .. الوطن
    العربي ما أشبه بعض أوطانه بتلك القرية الظالم أهلها ، فثورة التوانسة التي
    أرغمت رئيسهم " بن علي " على الفرار من البلاد تاركًا وراءه تركة مثقلة من
    الهموم والمتاعب تكفي قرنًا من الزمان لتضميد الجراح ، فبعد الثورة
    الجامعة ظهرت عصابات السطو المسلح التي نهبت المحلات التجارية وخاصة
    السلاسل منها ، وأصبح المواطن غير آمن على حياته وحياة أسرته وينام نصف
    نومه ، بعد أن يحاول تأمين باب بيته بالمتاريس الحديدية والحجرية ؛ خشية
    الفتك به وبأهله بين عشية وضحاها ، تعطلت العملية التعليمية والمشروعات
    القومية والأهلية ، وحل الدمار محل العمار ، وأصبح اللون الأخضر أسود ..
    عشرة ملايين ونصف المليون مواطن يعيشون في تونس ، 25% منهم يتقنون الحاسوب
    والعالم الرقمي ، في بلد صغير يطل كنافذة عربية على أوربا ، ثار الشعب على
    أوضاع اجتماعية وسياسية لم ترضه ولم يثر على لقمة العيش الموجودة بالطبع ،
    إنما ثورته أتت نتاج أمور عدة منها العطالة والبطالة وقمع الحريات و الوقوف
    ضد الحجاب وعلمانية الدولة التي نفذت تعاليم أمريكا حرفيًا ، لقد كانت
    أمريكا على علم بكل ما يحدث ولم تشأ أن تتدخل سفارتها حتى في حماية الرئيس
    المخلوع قبل فراره وبعده ، ووجدنا " أوباما" يصرح أن ما فعله "بن علي"
    محمودًا بشأن عدم ترشحه للرئاسة المقبلة في 2014 ، هرب بن علي وبصحبته ما
    خف حمله وغلا ثمنه واستقر به المقام في السعودية البلد الآمن ، لم تشهد
    الأمة العربية والإسلامية في القرن العشرين ثورة أعنف من ثورة إيران التي
    خلعت حكم الشاه وأتى الحكم الإسلامي على يد الخميني محمولاً على أريكته من
    باريس عام 1979 ، أما الثورة المصرية المعروفة بثورة يوليو التي خلعت الملك
    فاروق وأجلت الملكية الفاسدة عن البلاد لم تشأ أمريكا وبريطانيا التدخل ،
    وفي كل مرة ترفضان التدخل يكون الأمر موائم الرضى بالنسبة لهما ، تونس
    الخضراء ستظل ردحًا من الزمن تذكر المواطن الذي أحرق نفسه وأشعل بجسده
    نيران ثورة كامنة تحت الرماد ، حاول مواطنون عرب تقليده أو التلويح بالحرق
    ولكنها محاولات فاشلة انتهت بالعلاج في المستشفيات أو حصول محاول الانتحار
    على مآربه ، إن الدول العربية تحتاج إلى هدنة مع النفس وتريث وإعادة ترتيب
    الأوراق والهدوء وعدم التسرع الذي لا يأتي عادة سوى بالدمار والخراب ، حيث
    يعيش نصف الشعب العربي الذي يقارب المليار عيشة "الأرزقية" قوت يوم بيوم ..
    فماسح الأحذية أمام المصالح الحكومية ومحطات الركاب لا يملك قوته سوى بما
    يفيء الله عليه من رزق ولا راتب له أو تأمينات ، مثله مثل البائع المتجول
    في الشوارع ، المواطن العربي يلتقط رزقه في أي مكان وفي أي وقت ، فمحلات
    المأكولات والمشروبات في عالمنا العربي تستوعب ملايين البشر ولا أمل لهم
    سوى في يومهم دون التفكير في الغد ، وكذلك حال المساعدين في كافة المهن
    والأعمال التي لا تتطلب مهرة بقدر طلبها عامل قادر على تنفيذ الأوامر خلاف
    عمال البناء في المشروعات العملاقة وغير العملاقة ، انظر معي إلى هؤلاء ؟
    كيف يكون حالهم في حياة الحروب والصراعات الدموية فلا توجد أمامهم وسيلة
    سوى السرقة أو النهب كما كان يفعل قردة الجزيرة الهندية وتتم مقاومتهم أو
    طردهم أو الزج بهم في السجون مما يولد عنهم مجرمون عتاة الإجرام ضد حياة
    المجتمع الآمن .. عندما وقعت الجماهيرية العظمى تحت وطأة الحصار الأمريكي
    لطيرانها ثماني سنوات منذ عام 1990 حتى عام 1998 تراجع سعر الدينار من ستة
    جنيهات مصرية إلى أقل من الجنيه رغم أنها بلاد نفطية وتأثرت معها مصر التي
    يعمل منها هناك آلاف البشر للحدودية الواحدة ، وعندما وقعت العراق تحت نفس
    الحصار سنوات عديدة عاد ملايين المصريين العاملون هناك فكلفوا الدولة عناء
    العمل وشظف العيش ولم يكن هناك منجي من المهالك سوى عملية بيع القطاع العام
    وجذب رؤوس الأموال وفتح آفاق الاستثمار والتحرر الاقتصادي ، لبنان تلك
    الدولة ذات الهواء الطيب التي تعج بالمشكلات السياسية العضال ، مما أضعف
    خيرها لأهلها وروادها وانقلب أمرها إلى حروب أهلية وأحزاب وشيع وفتن طائفية
    إلى مشكلات مع جارتها سوريا ولكنها مع ذلك كله لم تعانِ مشكلات اجتماعية
    أو فقر وهي تشبه إلى حد كبير تونس في إطلالها على المجتمع الأوربي عبر
    بوابة البحر الأبيض المتوسط أنعكس هذا على ثقافة شعبها وتحضره وأنفته ..
    حتى في تقبله العمل بأية بقعة من العالم .. الأستاذ هيكل في موعظته بشأن
    الأحداث التونسية عبر منبر قناة الجزيرة القطرية مساء الخميس الماضي تنبأ
    بأن الدور آتي على لبنان في ثورة مثل شقيقتها تونس لتقارب المناخ والحضارة
    والثقافة ، وإن كنا نختلف معه فيما ذهب إليه في نبوءته التي تعكس خيالاً
    واضحًا أبعد ما يكون عن الحقيقة ، فإن ثورة التوانسة أتت من عدة أخطاء وقع
    فيها الرئيس المخلوع زج بها سدنة حكمه الطامحون إلى اعتلاء عرشه والهاربون
    من جبروته وسلطته ، فتآمر الجيش على رئيس الدولة في ظل الغيرة من اهتمامه
    بالشرطة ودلاله لها زيادة عن الحد .. وحتى رئيس الأركان "بن عمار" هو الذي
    أسرع في إزاحته عن البلاد وضمن له سلامة الفرار من ميناء قرطاج الجوي ، ذلك
    في غيبة وزير الداخلية الذي أقاله بن علي .. أما لبنان التي يحكمها ويتحكم
    في جنوبها حزب الله بقيادة حسن نصر الله بجيشه وعتاده وإمداداته الحربية
    في مواجهة إسرائيل كي لا تغزو لبنان ، ثم إن حماية فرنسا للشمال يقف حائط
    صد أمام أية محاولات خارجية أو داخلية .. ثم القرب الشديد والتقارب مع
    جارتها سوريا هذا ما يصعب معه أي انقلاب أو غزو ، إن ما حدث في تونس دروس
    وعظة تتطلب التمسك بأمن أي بلد و بمقدراتها ، حتى لا تحدث فوضى عربية تصبح
    تربة خصبة لأي فرض وصاية دولية على حقوق رعاياها ومصالحها ، ثم إن قصص
    الانتحار ومحاولاته التي سمعنا عنها تتطلب أن نتريث قليلاً وقبل أية فكرة ؛
    الشيطان طارحها على بني البشر ، فخسارة الدارين الدنيا والآخرة حرام على
    المسلم ، وهي جريمة بريء منها كل دين سماوي ، أو عقيدة سمحة ، إن العالم
    الرقمي الذي نعيشه الآن والسماوات المفتوحة يتطلب خدمة الاقتصاد الوطني
    ومقدرات الأوطان ولا يتطلب التقليد الأعمى الذي يقدم عليه يائسون من الحياة
    ومدفوعون بتأثير "الأفلام الأكشن" ، مثل بعض الفتية الذين يتناولون
    الأقراص المخدرة ثم يحاولون العوم على الحوائط اعتقادًا منهم بأنهم مثل
    الصراصير ، فيفاجئون بوقوعهم وإفاقتهم على الواقع المرير .. أفيقوا أيها
    العرب وانظروا إلى أوطانكم وإلى بلادكم ومستقبل أسركم ، وقلدوا الغرب في
    خيره ولا تقتبسوا شره .. دامت لنا عروبتنا كما دام لنا الوطن واللغة
    والمقدرات التي ورثناها ، والله معنا وهو الهادي لسواء السبيل .


    بقلم
    حمدي خليفة
    نقيب المحامين
    رئيس اتحاد المحامين العرب

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 2:35 am