الخميس, 03 فبراير 2011 18:17
تفاصيل الإستشارة
الاسم: جمال
السؤال:
نريد من فضيلتكم معرفة الحكم الشرعي فيما يدور الآن على الساحة المصرية من حيث: حق التظاهر، أعمال التخريب، أعمال النهب والسرقة، سقوط قتلى، وهل ينطبق حديث القاتل والمقتول في النار عليهم؟
المستشار: الدكتور محمد عبد اللطيف البنا
تاريخ النشر: 2011-02-03
الاجابه
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فما تشهده مصر في هذه الأوقات أمر حرج يصطدم مع ما لها من تاريخ عريق وحضارة تكفل لها التعامل مع أي أزمة بطريقة حضارية.
مشروعية التظاهر:
وبالنسبة لما سألت عن حق التظاهر، فهذا شق قانوني شرعي وأقول فيه:
إن الشريعة الإسلامية كفلت للناس حرية التعبير دون إيذاء، وإبداء الرأي دون تجريح، وأقر الدستور المصري، وهو الحكم على القوانين هذه الحقوق في أكثر من مادة من مواده، فقد كفل حق الاجتماع والتظاهر في في نصوص الدساتير من عام 1923م حتى آخر تعديل للدستور الحالي والذي صدر في عام 1971م ففي المادة (54) منه تم النص على حق الاجتماع و التظاهر فجاء نصها:" للمصريين حق الاجتماع فى هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجه لإخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة فى حدود القانون "، وبما أن الدستور حكم على كل القوانين، وأي قانون مخالف له سواء كان سابقا أو لاحقا، يكون منسوخا إن اصطدم بنص دستوري، وبما أن هذه المادة لم تلغى في الدستور، فيبقى حق التظاهر –قانونا- مشروعا وهو ما أكدته المحكمة الدستورية (التي تفصل في مشروعية القوانين – بناء على اتفاقها أو اختلافها لنصوص الدستور) في حكمها الصادر في 5-4-1995م.
أعمال النهب والسرقة:
من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ المال، وحرمت الشريعة الاعتداء على الأموال، وجعلت حد السرقة وهو قطع اليد حفاظا على أموال الناس من السرقة –إن توفرت شرطها- وذلك بنص قوله تعالى: " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {38}" المائدة، وهناك تفصيلات للفقهاء في أحكام النهب والاختلاس وغيرها من مظاهر الاعتداء عن الأموال، ونصوص السنة تحرم الاعتداء على الأموال فقال –صلى الله عليه وسلم-:" فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد: وأحسبه قال - وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم، فسيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه" متفق عليه، واللفظ للبخاري.
فاحترام الأموال مكفول وبالتالي، فنهب الأموال، وسرقتها سواء عامة أو خاصة محرم شرعا، ولا يجوز الاعتداء على أموال الناس وممتلكاتهم.
أما مصير المقتول في اشتباكات المتظاهرين، وهل ينطبق عليه القاتل والمقتول في النار:
فنقرر أولا أن أحكام الشريعة الإسلامية قطعية في تحريم القتل، فقد جعلت قتل النفس عمدا سببَ الخلود في جهنم وغضب الله تعالى، وجعلت قتل النفس بصفة عامة من الكبائر.
واقتتال أي فئتين من المسلمين يعني سفك دماء حرمها الله تعالى، وقبل الحكم على أي فئة بالتصويب أو الخطأ نقرأ فقه الحديث الذي معنا.
عن أبي بكرة قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار فقيل هذا القاتل فما بال المقتول قال: قد أراد قتل صاحبه).متفق عليه.
الحديث صحيح متفق عليه رواه البخاري في باب الديات وباب والفتن، ورواه مسلم في باب الفتن وأشراط الساعة.
أتناول النظر في هذا الحديث من خلال ما يلي:
أولا : التقاتل المقصود هو ما كان بدون تأويل سائغ:
قرر الفقهاء أن المقاتلة المقصود بها هنا هي ما كانت بدون تأويل سائغ كمن يقاتل عصبية أو حمية دون تبصر بالحق قبل الإقدام على أمر كهذا، يقول ابن حجر العالم الحافظ المحدث الفقيه "واستدل أيضا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما " فسماهما مسلمين مع التوعد بالنار، والمراد هنا إذا كانت المقاتلة بغير تأويل سائغ." ومعنى التأويل السائغ هو حجة لها وجه مشروع من أجلها خرج الناس، ولا شك أن المظاهرات القائمة الآن مشروعة بنصوص الدستور الحاكمة، وما كفلته الشريعة من حرية للناس.
وهذا ما يقرره الإمام النووي في شرحه للحديث في صحيح مسلم حيث يقول:" وأما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من لا تأويل له ، ويكون قتالهما عصبية ونحوها - ثم كونه في النار معناه مستحق لها ، وقد يجازى بذلك ، وقد يعفو الله تعالى عنه ".
ثانيا: أن العقاب بقدر الجرم :
لا يستوي رأس الحربة ومشعل الفتنة بمن خرج مدافعا عن نفسه يقول ابن حجر :" والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل خسا (أي فردا)."
ويقول النووي: "وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } سورة النور : 19، وقوله {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ } الحجرات : 12 وغير ذلك وقال ابن الجوزي: إذا حدث نفسه بالمعصية لم يؤاخذ فإن عزم وصمم زاد على حديث النفس وهو من عمل القلب.
ثالثا: الأولى البعد عن القتال تماما، وإن قتل دفاعا عن نفسه وماله وأهله فهو معذور (ليس من أهل النار):
جاء في القرطبي: "يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور إن قتل أو قتل". فالدفاع عن النفس مشروع، فغن أضيفت له مشروعية الخروج، تأكد الحق للسلميين من المتظاهرين، وتأكد الجرم للمعتدين.
رابعا : الحذر من الاقتتال على الدنيا:
ونقل الشوكاني في "نيل الأوطار " عن الحافظ ابن حجر ما يتَّفق مع ما ذكره النووي، وذكر ما أخرجه البزار في رواية "إذا اقْتتلْتُمْ على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار" ويؤيِّده ما أخرجَه مسلم بلفظ "لا تذهب الدُّنيا حتَّى يأتيَ على الناس زمان لا يَدري القاتل فيمَ قَتَلَ ولا يدري المقتولُ فيمَ قُتِلَ" فقيل كيف يكون ذلك؟ قال "الهَرْج، القاتل والمقتول في النّار" قال القرطبي : فبيّن هذا الحديث أن القاتل إذا كان على جَهْل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذي أُريد بقوله "القاتل والمقتول في النّار" قال الحافظ: ومن ثَمّ كان الذين توقّفوا عن القِتال في الجَمل وصِفِّين أقلّ عددًا من الذين قاتلوا، وكلُّهم مأجور إن شاءَ الله ، بخِلاف مَن جاءَ بعدهم ممّن قاتَل على طلب الدُّنيا.
هذا، وقد حمل بعض العلماء الحديث على مَن استحلّ ذلك، ويؤيّد أن الوعيد هو لمَن قاتَل للدُّنيا وليس لله، حديث رواه مسلم "مَن قاتل تحت راية عُمية فغضِب لغَضَبه، أو يدعو إلى عصبيّة، أو ينصُر عصبيّته فقتل فقتلة جاهلية" والعُمية هي الجَهل.
النتيجة مما سبق :
بعد التقرير بأن سفك الدم حرام أستنتج من القراءة للحديث أنه ليس كل قتال حراما، ولكن الحرمة تكمن إن كان القتال لعصبية، أو لجاهلية، أو لطلب دنيا، أو بدون تأويل مستساغ.
وبالنسبة للمتظاهرين السلميين من المصريين فحقهم مشروع من ناحية الشرع والدستور، وبالتالي فلا يجوز الاعتداء عليهم، خاصة أنهم لم يعتدوا، ولم ينهبوا ولم يسرقوا، ويعد الاعتداء بعد تقرير الحق جريمة.
والله أعلم.
اسلام اونلاين