روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    الحرية الآن‏..‏ والعقل أيضا‏!‏

    مفيده عبد الرحمن
    مفيده عبد الرحمن
    مدير عام المنتدي
    مدير عام المنتدي


    عدد المساهمات : 3455
    نقاط : 9937
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 17/06/2009

    الحرية الآن‏..‏ والعقل أيضا‏!‏ Empty الحرية الآن‏..‏ والعقل أيضا‏!‏

    مُساهمة من طرف مفيده عبد الرحمن الثلاثاء فبراير 08, 2011 1:43 pm

    الحرية الآن‏..‏ والعقل أيضا‏!‏ 0227-300x2003


    نعم
    نحن في أشد الحاجة الي الحرية، لكن حاجتنا الآن للعقل ليست أقل‏.‏ ومن
    الطبيعي بعد ستة عقود من القهر والخوف والجوع والانخداع بالشعارات المزيفة،
    وتوالي الخسائر‏، أن نتوجع ونصرخ ونعترض‏،‏ لكن علينا أيضا أن نفكر‏.‏

    التوجع رد فعل لما تعرضنا له علي أيدي
    الذين كمموا أفواهنا‏,‏ وسرقوا أقواتنا‏,‏ ودمروا مؤسساتنا‏,‏ وزيفوا
    ارادتنا‏,‏ لكن التفكير فعل نتدبر به أمورنا‏,‏ ونتبين طريقنا الي
    المستقبل‏,‏ والحرية والعقل ليسا قوتين متصارعتين‏,‏ لكنهما حركتان في كيان
    واحد يتكامل بهما الكيان‏,‏ سواء كان لفرد‏,‏ أو لجماعة‏,‏ فالناس يولدون
    أحرارا كما نعلم‏,‏ ويولدون أيضا عقلاء أو مؤهلين ليكونوا عقلاء‏.‏

    وهناك من يضيق بهذا الكلام‏,‏ لأن حماسته تغلبه علي أمره‏,‏ أو لأنه يطلب غير ما نطلبه ويري غير ما نراه‏.‏

    يطالبنا بتأجيل الكلام عن العقل وحاجتنا
    إليه لأن الوقت في رأيه لا يتسع لغير العمل‏,‏ ولا مجال فيه للمتفلسفين‏,‏
    ويقصد بهم المغرمين بالجدل الذين يحبون أن يثبتوا وجودهم‏,‏ لا بالانخراط
    في عمل جماعي ينكر فيه كل فرد ذاته‏,‏ بل إثارة الأسئلة التي تصرف الناس عن
    الفعل‏,‏ وتشغلهم بالتفكير في الأسباب والنتائج التي لا تكون دائما محل
    اتفاق‏,‏ وهكذا يثور الخلاف وتتفرق الجماعة‏.‏

    لكن الدعوة للتفكير وإعمال العقل ليست
    دعوة لترك العمل‏,‏ وانما هي دعوة لضمان نتائجه‏,‏ واختلاف الرأي لا يفسد
    للود قضية‏,‏ والجهود لا تضيع بالتفكير‏,‏ وانما تضيع بالتقليد الأعمي
    والسير دون هدي‏.‏

    والمصريون الذين عاشوا مثلي في خمسينيات
    القرن الماضي وستينياته يذكرون كيف كانت السخرية من التفلسف شعارا من
    شعارات النظام الحاكم التي استطاع بها أن يوقع الفرقة بين عامة المصريين
    ومثقفيهم‏,‏ وكيف تمكن بهذه الحيلة من الانفراد بالفريقين‏,‏ المثقفين
    الذين أصبحوا قلة معزولة لا جمهور يساندها أو يحميها فهي مضطرة للعزلة
    والصمت‏,‏ أو لدخول المعتقل‏,‏ أو لمسايرة النظام‏,‏ والجماهير التي فرض
    عليها أن تكون قطعانا مغيبة تهيجها الشعارات التي انتهت بهزيمة ساحقة نكراء
    آن لنا أن نتعلم منها ونستخلص الدروس‏,‏ نحرص علي الوقت نعم‏,‏ ونملؤه
    بالعمل‏,‏ ولا نهدره بالثرثرة‏,‏ ولا نتراجع خطوة في الطريق الي الحرية
    الكاملة‏,‏ والخلاص مما نعانيه منذ ستة عقود‏,‏ لكن حرصنا علي الوقت يفرض
    علينا أن نزن كلامنا‏,‏ ونحسب حركتنا حتي لا تطيش‏,‏ لأن الذي نخسره بالطيش
    أكثر بكثير من الذي نخسره بالتعقل‏,‏ التعقل الذي لا يقيد الحركة أو
    يعرقلها‏,‏ بل يضبطها ويساعدها علي أن تنطلق الي غايتها وهي واثقة من أنها
    ستصل‏,‏ وعلي هذا الأساس أنظر لما يحدث في مصر الآن‏,‏ وأشارك فيه بالقول
    وبالفعل كما يفعل ملايين المصريين‏.‏

    كيف أفهم هذه الثورة التي فجرها شباب مصر في الخامس والعشرين من أول شهور هذا العام الجديد؟

    أفهمها علي أنها طلب للحرية ورفض حاسم
    للانفراد بالسلطة‏,‏ وللنظام السياسي الذي أدي الي الانفراد بالسلطة‏,‏
    والأسباب والمبررات التي تعلل بها‏,‏ والتشريعات والقوانين والمؤسسات التي
    استند إليها‏,‏ وهي إذن هبة جامعة يريد بها المصريون أن يخرجوا من الشروط
    والظروف المأساوية التي يعيشون فيها والتي أدي إليها هذا النظام‏,‏ فكل يوم
    جديد خسارة جديدة لا تنحصر في مجال واحد ولا تتعذب بها فئة دون أخري‏,‏
    وانما تعذب بها المصريون جميعا‏,‏ وأصابت كل المجالات‏,‏ لأن الذي ينفرد
    بالسلطة يغتصب لنفسه كل شئ‏,‏ القوة‏,‏ والثروة‏,‏ والقول‏,‏ والفعل‏,‏ إنه
    يحل محل الأمة كلها ويصبح هو المرجع الوحيد‏,‏ فإن أخطأ ـ ولابد أن يخطئ
    كما يحدث لكل إنسان ـ فالخسارة فادحة‏,‏ والأمل ضعيف في الاصلاح وتجنب
    الخطأ‏,‏ لأن المراقبة مرفوعة‏,‏ والمحاسبة ممنوعة‏,‏ والمعارضة مقموعة‏.‏

    ونظرة واحدة في النظام السياسي الذي نعيش في ظله منذ ستين عاما الي اليوم‏,‏ تؤكد ما أقول‏.‏

    انقلاب عسكري اغتصب به بعض الضباط السلطة
    وتحولوا من حراس للوطن الي حكام بأمرهم يكممون الأفواه‏,‏ ويعتقلون
    المعارضين‏,‏ وينفردون بالتشريع والتنفيذ‏,‏ ولا يخضعون لأي سلطة شعبية‏,‏
    ويضعون الدساتير التي تتستر علي طغيانهم وتضفي عليه شرعية مزيفة‏,‏ وتجعل
    انفرادهم بالسلطة قانونا‏,‏ وتنتزع من الأمة حقوقها‏,‏ وتزور شهادتها
    وارادتها‏,‏ وتجعلها قطعانا من المصفقين‏,‏ أو فلولا من الساكتين
    اللامبالين‏,‏ وتحرمها من أن تفكر بنفسها‏,‏ وتختار لنفسها‏,‏ وترسم
    مستقبلها‏.‏

    هكذا وضعت لنا الدساتير التي خضعنا
    لأحكامها طوال العقود الستة الماضية‏,‏ وبدلت أكثر من مرة وعدلت دون الرجوع
    الي الأمة‏,‏ ودون اعتبار لحقوقها‏,‏ لأن الاعتبار الأول كان للعازف
    الوحيد المنفرد بالسلطة الراغب في تمديدها وتأبيدها والجمع بين أطرافها
    والقبض عليها بيد من حديد‏,‏ فهو المشرع والمنفذ الآمر الناهي‏,‏ الخصم
    والحكم‏,‏ بل هو الدولة والوطن‏,‏ أما الشعب فلم يعد محسوبا إلا باعتباره
    مادة للسلطة أو موضوعا يبرر وجودها‏,‏ أو أداة من أدواتها وجهازا من
    أجهزتها‏,‏ وهذا ما عبر عنه الشعار الذي رفعته وزارة الداخلية خلال المرحلة
    المنقضية وهو الشرطة والشعب في خدمة الوطن‏.‏

    هذا الشعار الذي سقط أخيرا‏,‏ تعبير صادق
    عن حقيقة النظام‏,‏ فهو يفصل بين الشعب والوطن ويجعلهما طرفين مختلفين
    متباعدين‏,‏ مع أن الوطن بغير الشعب أرض خلاء لا تكون وطنا إلا بشعب يسكنها
    ويربط بها حياته ومصيره‏,‏ والشعب لا يكون شعبا إلا حين يكون له وطن يلبي
    فيه حاجاته‏,‏ ويبني حضارته‏,‏ ويصنع تاريخه‏.‏

    وهذا الشعار الذي فصل بين الشعب والوطن
    يسوي بين الشعب والشرطة‏,‏ كأن الشعب تحول في هذا الوطن الي جهاز من أجهزة
    الدولة التي هي الحاكم‏!.‏

    ومن يفوق العباقرة المحترفين الذين وضعوا
    لنا الدستور ولم يكفوا عن تبديله وتعديله أن يستغلوا الدين في تبرير
    الانفراد بالسلطة وعدم تحديد مدتها‏,‏ ومن هنا ربطوا بين المادة الثانية من
    الدستور التي جعلوا فيها الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للقوانين
    والمادة السابعة والسبعين التي جعلوا فيها رئاسة الجمهورية مددا متعاقبة
    مفتوحة بغير حدود‏,‏ لأن الخلافة في الدولة الاسلامية لم تكن مدة محددة‏,‏
    وانما كان للخليفة أن يبقي في مكانه حتي ينقضي عمره بالموت أو بالاغتيال‏,‏
    إذن فالانفراد بالسلطة والبقاء فيها يتفق مع النظم التي اتبعت في الدولة
    الإسلامية‏,‏ فضلا عن أن المادة الثانية في الدستور تمكن السلطة القائمة من
    مغازلة الجماعات الدينية‏,‏ وتمكنها أيضا من تخويفنا بهذه الجماعات عند
    اللزوم‏.‏

    فإذا كان هذا هو الدستور الذي نحكم به
    وهذا هو النظام الذي عشنا في ظله طوال العقود الستة الماضية‏,‏ فمن الطبيعي
    أن نصاب فيه بالخوف والذل والفقر والهزيمة وأن نخسر ما بنيناه من قبل‏,‏
    ومن هنا تفجرت الثورة لتثبت لنا وللعالم أننا مازلنا أحياء‏,‏ واننا مازلنا
    قادرين علي الخروج مما نحن فيه لنستعيد حريتنا وكرامتنا وثقتنا بأنفسنا‏,‏
    ونستأنف السعي في الطريق الي المستقبل‏,‏ لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه
    الآن هو‏:‏ علي من نثور؟ علي النظام‏,‏ أم علي من جاء بهم النظام؟

    في اعتقادي أن الثورة يجب أن تكون علي
    النظام أولا وقبل أي شئ آخر‏,‏ لأننا حين نغير النظام ونحل محله نظاما
    ديمقراطيا تستعيد به الأمة المصرية حقوقها المهدرة وتصبح قولا وفعلا مصدرا
    لكل السلطات ـ حين نفعل ذلك نغير الحكام الذين سنختارهم بإرادتنا‏,‏
    ونخضعهم للمراقبة والمحاسبة‏,‏ ونختار غيرهم آخرين‏,‏ أما الذين يريدون أن
    يجعلوها ثورة علي شخص بالذات فيقعون في خطأ فادح‏,‏ ولأن اسقاط الشخص دون
    النظام لا يخرجنا مما نحن فيه بل يفتح الباب لمن يستطيعون أن يكرروا السيرة
    دون أن يحاسبهم أحد‏,‏ لأنهم لم يصيغوا النظام الذي استولوا عليه‏,‏ فإن
    واصلوا الطغيان فهم لم يستخدموه‏,‏ وانما استخدموه ليحققوا أهداف الثورة
    كما يمكنهم أن يزعموا فيصدقهم من يضيقون بالدعوة للتعقل والتفكير‏,‏ أما
    اذا نجحنا في اقامة نظام ديمقراطي حقيقي محل النظام الذي نريد أن نغيره
    فسوف نضمن بذلك حضورا دائما للشعب الذي ثار ولمؤسساته ومنظماته
    الديمقراطية‏,‏ وسوف يصعب بالتالي علي أي مغامر يرفع شعارا دينيا أو غير
    ديني أن يصل الي ما يريد لأن الشعب الذي تعلم من تجاربه القاسية سيقف له
    بالمرصاد‏



    بقلم:أحمد عبدالمعطي

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 2:09 am