الفساد في المحليات وصل للركب.. مقولة شهيرة أطلقها زكريا عزمي أحد رموز النظام السابق تحت قبة البرلمان تعد دليلا علي أن المجالس المحلية بؤرة أساسية من بؤر الفساد في المجتمع المصري,
ورغم أن المادة145 من قانون الإدارة المحلية تعطي الحق لرئيس مجلس الوزراء في حل هذه المجالس وعدم تفعيل مواد الدستور منذ عام1971, إلا أن هذا لا يتم علي أرض الواقع, مما جعل الأداء علي المستوي المحلي يتسم بالبطء والبيروقراطية, وشيئا فشيئا أصبح الفساد في المحليات مثل السرطان.
يقول المهندس محمد رضا رجب خبير الإدارة المحلية: إن الحكومة لاتزال هي القابضة علي الإدارة المحلية, فعلي الرغم من إعطاء القانون رقم43 لسنة79 الخاص بالإدارة المحلية, اختصاصات ومسئوليات للمسئولين بالمحليات, فإن هذا لا يتم تنفيذه في الواقع, مما جعل الأداء علي المستوي المحلي يتسم بالبطء والبيروقراطية, وعدم الاستمرارية, وبالتالي جاءت الانتخابات بغير القادرين علي التعبير عن المشكلات المحلية, وارتبط أصحاب المصالح بمعظم الأعضاء, مما أثر علي القرار المحلي, وأدي إلي تسلل العديد من موظفي الإدارات المحلية إلي عضوية تلك المجالس لتحقيق أهدافهم الشخصية.
اللامركزية
ويري خبير الإدارة المحلية أنه لا يمكن الحديث عن نظام صحيح للإدارة المحلية في مصر دون ارتباطه بنظام لامركزي للحكم, خاصة أنها تدور حول ثلاثة محاور أهمها: فصل المصالح المحلية عن المصالح القومية, وتأتي بعد ذلك أهمية أن يتولي السكان المحليون إدارة الخدمات والمصالح المحلية من خلال ممثليهم المنتخبين انتخابا حرا مباشرا, وفي النهاية تحقيق اللامركزية الإدارية والمالية للحكم المحلي في ظل وجود حكومة قوية قادرة علي الرقابة والمتابعة, ووضع قواعد لاختيار القيادات التنفيذية والشعبية المحلية.
وصاية محلية
وشدد علي ضرورة تقوية المجالس الشعبية المحلية ورفع الوصاية عنها بحيث تكون قادرة علي محاسبة الأجهزة التنفيذية المحلية, ومشاركتها في صنع القرار المحلي من خلال توسيع اختصاصات المجالس الشعبية, وأن تتسم العملية الانتخابية بالنزاهة وعلي مراحل لتحقيق الاختيار الدقيق من قبل الناخبين, بالإضافة إلي تحقيق التوازن في السلطات بين المجالس المنتخبة والمجالس التنفيذية المعنية, ووضع آليات لمتابعة أداء المجالس الشعبية من قبل المجتمع المدني, وضرورة سن قانون جديد للإدارة المحلية يتضمن مواد محددة وواضحة تتقدم نحو اللامركزية.
روافد الحزب
يقول عبدالحميد كمال أمين المحليات بحزب التجمع: إن أعضاء المجالس الشعبية البالغ عددهم52 ألف عضو, جميعهم ـ أو معظمهم ـ من الحزب الوطني, حيث جاءوا نتاجا لعمليات التزوير والغش منذ38 عاما حتي الآن, وأن هذه المجالس طبقا للدستور هي جزء من السلطة التنفيذية, كما أنها تعتبر من أهم روافد الحزب الحاكم, خاصة أن أعضاءها لم يقوموا بدورهم الرقابي داخل المحليات نظرا لسيطرة الحزب الوطني علي99% من المجالس الشعبية المحلية بالتزوير, واستخدام البلطجة, مما أدي إلي تغلغل الفساد في المحليات.
ويؤكد أنه صدر تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات في يوليو2010 يشمل فحص المجالس المحلية من يوليو2009 إلي يوليو2010, توصل إلي أن حجم المخالفات في المجالس المحلية يصل إلي258 مليون جنيه, وتتضمن المخالفات تلاعبا في أعمال التوريدات, وسرقة صناديق الحسابات الخاصة, والاختلاسات, واستيلاء علي محتويات المخازن والممتلكات الحكومية, بالإضافة إلي التعديات علي أراضي الدولة.
ويضيف أن فساد المحليات خلال38 سنة منذ بداية الحكم المحلي يعني ضياع عشرات المليارات تتجسد في الخدمات الضائعة, وتدني المستويين الصحي والتعليمي, وتردي الأوضاع البيئية في المحافظات.
حل المجالس
ويري أنه يجب حل المجالس المحلية, خاصة أن المادة145 من قانون الإدارة المحلية تمنح رئيس مجلس الوزرازء سلطة حل المجالس المحلية, كما أن الأمر نفسه ينطبق علي المحافظين طبقا لنص المادة26 من قانون الإدارة المحلية التي تفيد انتهاء فترة صلاحية المحافظين بمجرد نهاية فترة رئيس الجمهورية. ويطالب أمين المحليات بضرورة إعادة الانتخابات بشكل ديمقراطي في هذه المجالس, وتطوير قانون الإدارة المحلية, أو سن قانون جديد للارتقاء بالشئون المحلية. ويقول: إنه صدر تقرير آخر في عام2008 من هيئة الرقابة الإدارية يؤكد وجود فساد في المحليات بطول البلاد وعرضها, حيث كشف هذا التقرير عن سلسلة القضايا التي اتهم فيها مهندسو التنظيم والإدارة وبعض سكرتارية العموم, وعدد من المحافظين, بالإضافة إلي أن أعضاء المجالس الشعبية لا توجد عليهم أي عمليات رقابة رغم, وجود54 ألف عضو مجلس محلي علي مستوي الجمهورية, ويشغلون أكثر من1700 مجلس محلي بمستوياته المختلفة.
ويطالب بضرورة إعادة انتخاب هذه المجالس بشكل ديمقراطي, ويكون مبنيا علي التعددية, ممثلة بجميع الآراء من ممثلي الأحزاب, والقوي السياسية, والمستقلين, علي أن يتم إصدار قانون جديد قائم علي أساس اللامركزية بحيث تكون هذه المجالس ديمقراطية وتعبر عن حكم محلي حقيقي يسمح بمحاسبة المحافظين أو من ينوب عنهم, بالإضافة إلي ضرورة تفعيل مواد الدستور(163,162,161) الخاصة بالمجالس المحلية التي تؤكد انتقال السلطة إلي المحليات بطريقة تدريجبية, خاصة أن مواد الدستور منذ عام1971 حتي الآن لم يتم تفعيلها.
ويقول عبدالغفار شكر ـ نائب رئيس مركز البحوث العربية ـ إنه توجد دائرة واسعة من المواطنين ترتبط مصالحهم بالمحليات, ويؤثر عليهم الفساد في المحليات, خاصة بعد وجود رأي عام قوي يطالب بحل المجالس الشعبية المحلية, لأنها انتخبت بتزوير سافر يكاد يصل إلي حد التعيين.
ويطالب بضرورة إصدار قانون جديد للإدارة المحلية يقوم علي أساس اللامركزية بحيث يستطيع المواطنون مراقبة أداء الأجهزة التنفيذية ومحاسبتها, لذا فإنه من الضروري إعطاء المجالس الشعبية المنتخبة سلطة كبيرة لمواجهة الأجهزة التنفيذية, بالإضافة إلي حق الاستجواب وسحب الثقة, وأن يكون المحافظون ورءساء المدن والقري بالانتخاب المباشر من المواطنين, حتي يكون ولاؤهم لمن انتخبهم وليس لمن عينهم.
ويوضح أنه يجب أن يدخل في باب اللامركزية أن تقوم المجالس المحلية بوضع ميزانيات القري والمدن والمحافظات, وأن تحدد أولويات المشروعات التي تنفذ في كل مكان, وأن تلتزم الوحدات المحلية في طرح المشروعات الجديدة بقانون المناقصات والمزايدات, وليس بالأمر المباشر الذي يعتبر الباب الملكي للفساد في المحليات.
محليات ضعيفة
ويقول الدكتور سمير عبدالوهاب ـ مدير وحدة دعم السياسات اللامركزية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة: إن وجود الفساد في المحليات لا يقارن بحجم الفساد علي المستوي المركزي, نظرا لضعف دور المجالس الشعبية المحلية في مساءلة القيادات التنفيذية, كما أن المواطن ليس له دور حقيقي في اختيار أعضاء هذه المجالس بسبب طبيعة النظام الانتخابي الذي لا يشجع المواطن علي الانتخاب. ويضيف أن المجالس المحلية تتسم بضعف دورها نظرا لعدم امتلاكها الأدوات الفعالة في محاسبة القيادات التنفيذية, وعدم قدرة المواطن علي محاسبة القيادات التنفيذية, أو تقديم طلب إحاطة أو استجواب لإقالة المحافظ أو رئيس الوحدة المحلية. ويطالب بضرورة تغيير الإدارة المحلية القائمة بحيث يتم الاتجاه إلي إدارة محلية جديدة من حيث إتاحة فرص مشاركة أكبر للمواطنين في التصويت في الانتخابات, والمشاركة في عضوية المجالس المحلية, وأن تضم المجالس المحلية مجموعات شبابية تتم الاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم, وأن تكون هذه المجالس بمثابة مؤسسات لتدريب الشباب للتصعيد لشغل وظائف ذات مستويات أعلي.
ويشدد علي ضرورة بناء الإدارة المحلية الجديدة علي المساءلة, وأن يكون للمجلس المحلي دور في محاسبة التنفيذيين واختيار القيادات المحلية علي أساس الكفاءة والجدارة وليس علي أساس النظر علي أن هذه الوظيفة بمثابة مكافأة نهاية خدمة يتم منحها للبعض بغض النظر عن مدي كفاءتهم.
تحقيق:رحاب عبدالمنعم