المجتمع المصري طوال السنوات الماضية فإن الشارع المصري الحقيقي بوعيه
التاريخي كان يدرك أن هناك شيئا ما يتحرك في باطن الأرض وأن الأكاذيب
الإعلامية والتضليل السياسي الساذج لم تستطع تغييب هذا الوعي.وكانت
ثورة25 يناير هي البركان الذي حرك هذه الملايين التي اندفعت في كل أرجاء
المحروسة تطالب بالعدالة الحقيقية والحرية والحياة الكريمة وتصر علي
الإطاحة بالنظام كله.. كان البعض يتصور أن الثورة قد هدأت وبدأت فلول
النظام الراحل تتحرك وتبعث من وقت لآخر برسائل مغرضة هنا أو هناك.. وفي يوم
الجمعة الماضي تحركت جموع المصريين إلي ميدان التحرير مرة أخري وعندما
انتصف النهار كان الميدان الأشهر في العالم الآن يضم أكثر من مليون مواطن
مصري في مشهد حضاري عريق أعاد لنا ذكرياتنا القريبة مع ليلة الرحيل التي
كانت وستبقي لحظة نادرة في تاريخ الذاكرة المصرية..يوم الجمعة
الماضي تجمعت في ميدان التحرير كتلة بشرية تجاوزت كل الحدود الأمنية
والتنظيمية فلم تكن هناك قوات من الجيش وسط هذه الجماهير, واختفت الشرطة
تماما وصلي الشعب المؤمن بالمسلمين فيه والأقباط وغني للوطن ورفع رايات
السماحة والمحبة والأمل.. وانتهي هذا الحشد الرهيب مع آخر يوم الجمعة وبدأت
الجماهير المحتشدة تأخذ طريقها كل عائد إلي بيته وعمله سواء من جاءوا من
المحافظات أو من عادوا إلي مساكنهم في القاهرة..حتي هذه اللحظة كان
المشهد راقيا ورائعا ومهيبا لشعب اختار أن يتظاهر بأرقي لغات الحوار وأن
يرفض في كبرياء وأن يطالب في اعتزاز وترفع كان موقف الشعب رائعا.. وكان
موقف الجيش راقيا وعادت الشرطة إلي حياة المصريين مرة أخري في ثوب جديد
أكثر ألفة والتحاما..
لا يقبل مواطن مصري واحد التشكيك أو سوء الظن في
موقف جيش مصر العظيم منذ اللحظة التي قرر أن يأخذ موقعه بجانب إرادة
الشعب.. في لحظة تاريخية فارقة وحاسمة اختار الجيش مكانه وسط ميدان التحرير
مع الملايين التي خرجت تطالب بالحرية والعدالة والحياة الكريمة.. لم يتردد
جيش مصر في لحظة اختيار مصيرية أن يقف وراء شعبه وعلينا أن ننظر ما يدور
حولنا في اقطار شقيقه لندرك الحكمة التي تعامل بها جيش مصر مع ثورته وثورة
شعبه..إن الفرق بيننا نحن المدنيين وتفكير اشقائنا العسكريين أننا
أكثر حماسا واندفاعا وهم أكثر تعقلا وحكمة وهذا هو الفرق بين من يمسك قلما
ومن يضع يده علي الرشاش.. في بعض الأحيان نقول إن القلم يسيل الدماء ولكن
الرشاش يقتل.. وهنا يكون القرار أصعب كثيرا في كل شيء علي من يحمل مسئولية
الموت والحياة..لقد سار الجيش المصري خطوات كثيرة يري البعض أنها
كانت بطيئة, ولكن المؤكد أنها في سياق الأحداث والبحث عن الاستقرار والأمن
تعتبر إنجازا خاصة أننا أمام ثورة بكل ما تعنيه من التحولات والتغيرات
والزلازل وأمام هياكل من الفساد تكونت في عشرات السنين.. أنا لا أتحدث هنا
عن بطء مقصود ولكنني أتحدث عن تغييرات مطلوبة لا أعتقد أن الجيش بعيد عنها
ولكن المؤكد أنه قد يري في الصورة العامة أبعد مما نراه..من هنا يجب
أن نبعد عن اذهاننا أي تصورات قد تفسد صورة الجيش أمام الشعب المصري.. في
لحظة حاسمة كان الجيش وراء نجاح هذه الثورة ولو أن الجيش نفسه اتخذ مواقف
أخري في ساعة المواجهة لما حققت هذه الثورة أهدافها.. من هنا كان المشهد
الدامي عند منتصف يوم الجمعة الماضي.. بقدر ما بدأت المظاهرات راقية ورائعة
وحكيمة بقدر ما كانت النهاية مؤلمة وحزينه..وأنا هنا لا أدافع عن
موقف القوات المسلحة ولا أصادر علي حق التعبير ولكنني أطرح بعض التساؤلات
التي تتطلب منا نحن الشعب قدرا من الحكمة والتعقل..
< إذا كانت
مظاهرات يوم الجمعة قد انتهت هذه النهاية الرائعة مع رحيل المتظاهرين وخلو
الميدان من أكثر من مليون مواطن لماذا بقيت هذه الآلاف التي اعتصمت في ساحة
الميدان.. وإذا كان اليوم قد مضي بكل مظاهر الكمال والجلال فيه فلماذا لم
يكتمل بهذه الصورة وما هو هدف هؤلاء الذين بقوا في الميدان في موقف أصرار
علي المبيت لا أجد له أي مبررات غير أنه خروج علي سياق أحداث كلها كانت
طيبة ومشجعة..كان ينبغي وقد حلت ساعة الحظر طبقا لقرار المجلس
العسكري أن يحترم المواطنون هذا القرار ويعودوا إلي بيوتهم لتعود الحياة
إلي ما كانت عليه.. إذا كان المجلس العسكري قد احترم مظاهرة مليون مواطن
وتمت بصورة رائعة فلماذا لانحترم نحن قرار الحظر وننفذه كما ينبغي.. إن
الأمر هنا يتعلق بالمسئولية المشتركة بين الشعب والمجلس العسكري حتي تسود
لغة الاحترام المتبادل.. إذا كان المجلس قد احترم المظاهرة وأحاطها بكل
مظاهر الأمن والحماية والحرص علي حياة المواطنين فكان من المفروض أن نحترم
نحن الشعب قرار الحظر ونخلي الميدان تماما..أن الوجود في ميدان
التحرير لم يعد أمرا صعبا أو مستحيلا والدليل أننا بعد شهرين كاملين من
رحيل رأس النظام عدنا إلي نفس الميدان بأعداد أكبروحشود أكثر تماسكا
وانضباطا.. فلماذا نبقي للمبيت في ميدان التحرير ونحن قادرون علي أن نتجمع
يوم الجمعة القادم وما بعد القادم.. كنت أري أن من الحكمة ألا نضغط علي
المجلس العسكري وأن نحترم قرار الحظر وأن يعود هؤلاء جميعا إلي بيوتهم..<
عندما أعلن المجلس العسكري أن بعض أفراد القوات المسلحة نزلوا علي ميدان
التحرير يعلنون تأييدهم للشعب فهذا تأكيد لموقف الجيش نفسه وليس خروجا
عليه.. إذا كان الجيش بكامل قواته ينتشر في كل ربوع مصر الآن ويحمي ثورة
شعبها فليس هناك تعارض بين التحام عدد من أفراده مع المتظاهرين, ولكن هنا
ينبغي أن ندرك أن وجود هؤلاء الأفراد المنتمين إلي الجيش ليس خروجا علي
شرعية المجلس العسكري صاحب القرار لأنه موجود بالفعل.. ولهذا لم يكن من حق
المتظاهرين الدخول في مواجهة مع رجال القوات المسلحة الذين جاءوا لتسلم
وليس للقبض علي هؤلاء الأفراد الذين التحموا مع مظاهرات الشعب.. لقد أراد
الجيش أن يتأكد أن هؤلاء الذين يرتدون الزي العسكري من أبناء القوات
المسلحة وأنهم مازالوا حتي الآن في الخدمة.. وهنا كان ينبغي أن يفسح
المتظاهرون المعتصون في ميدان التحرير المكان لقوات الجيش لأداء مهمتها
لأننا لسنا في معركة حزبية نحن أمام مؤسسة لها ثوابتها وانضباطها وأهل مكة
أدري بشعابها.. أما أن يتحمس البعض دفاعا عن هؤلاء الأفراد ويشتبكون مع
القوات المسلحة فهذا أمر مرفوض تماما.. إن الخطأ هنا كان في أكثر من جانب..
حين رفض المتظاهرون الاذعان لقرار الحظر.. وحين تصوروا أنهم يدافعون عن
بعض أفراد القوات المسلحة من القوات المسلحة نفسها.. والحقيقة أن هذا يمثل
تدخلا لا مبرر له لأن الجيش أولي برجاله إلا إذا تصور البعض أننا أمام
انقلاب عسكري وهذا أمر خطير ولامجال له في سياق ثورة شعبية يحميها الجيش
نفسه..إن ما حدث في ميدان التحرير من مواجهات بين المتظاهرين ورجال
القوات المسلحة سلوك مرفوض وكان ينبغي أن يكون السلوك حضاريا بأن يفض
المتظاهرون الاعتصام كما حدث مع نهاية المظاهرة الناجحة وأن تأخذ القوات
المسلحة أفرادها فالشعب ليس أكثر رحمة بهم من الجيش ولابد أن نحترم ثوابت
مؤسسة عريقة وندرك مسئولياتها..
إن أخطر ما شهده الاعتصام في ميدان
التحرير وجود عناصر مخربة من فلول النظام السابق فلماذا نصنع نحن بأيدينا
مثل هذه الفرص للبلطجية الذين يريدون نشر الفوضي والخوف بين المواطنين..
ولماذا يحاول البعض إيجاد هذه الخلافات بين الجيش والشعب وكلاهما أحوج ما
يكون للآخر.. ولماذا يحاول البعض التشكيك في مصداقية الجيش ومواقفه الواضحة
والثابتة وأنه يحمي حمي ثورة هذا الشعب..< في السنوات السوداء
العجاف خسرت مصر أشياء كثيرة وتهاوت فيها حصون عديدة.. كانت مصر واحدة من
أكثر دول العالم احتراما للنظام المؤسسي العريق وكانت فيها مؤسسات تحكمها
ضوابط وثوابت وأصول.. ولاشك أن هذا النظام الفاسد قد أطاح بالكثير من هذه
المؤسسات.. لقد أفسد المؤسسات الاقتصادية وهو يبيع أصول الوطن.. وأفسد
المؤسسة السياسية وهو يبيع دور مصر وأفسد المؤسسات المالية وهو يشوه دور
البنوك وافسد المؤسسات التعليمية حين انتهك دور المدرسة والجامعة.. وأفسد
المؤسسة الثقافية أمام ثقافة الجهل والتخلف وإفساد النخبة والتضليل
الإعلامي.. والآن ماذا بقي لنا من كل هذه المؤسسات..لا أبالغ ولا
أجامل إذا قلت إن المؤسسة الوحيدة التي حافظت علي ثوابتها وتاريخها المشرف
هي جيش مصر فهل أصبح المطلوب الآن أن يلحق هذا الصرح بما حدث في السنوات
العجاف..
قد لا يعلم البعض أن المؤسسة العسكرية برغم ارتباطها الشديد
بشرعية الحكم فإن رموزها في أوقات كثيرة كانوا يرفضون بعنف السياسات
المالية والاقتصادية والثقافية بل والأمنية التي أفسدت مؤسسات الدولة
وكبلتها في الديون ما بين العجز والقروض والمعتقلات و السجون..قد لا
يعلم البعض أن المؤسسة العسكرية وقفت ضد بيع مشروعات كثيرة بل أنها قامت
بشراء مشروعات علي درجة من الحساسية والأهمية في القطاع العام والحقتها
بالمؤسسة العسكرية حماية لها من طوفان الخصخصة.. والأخطر من ذلك أن النظام
السابق عرض بيع مؤسسات إعلامية عريقة وأن الجيش المصري رفض ذلك بإصرار وحسم
هل بعد ذلك نسمح لبعض المغرضين من رموز العهد البائد أن يشعلوا نيران
الفتنة بين الشعب والجيش في هذه اللحظة إن جيش مصر الآن هو آخر حصون
الحماية لما يسمي الدولة المصرية ويجب أن نحافظ عليه دورا ومسئولية
وكيانا..ما هو دور الشعب في مؤسسة عريقة تحاسب العاملين فيها..
ولماذا لا نحترم نحن كمواطنين قرارات الحظر ولماذا نفتح أبوابا لخلافات لا
مبرر لها بين الشعب وقواته المسلحة خاصة أننا نعلم أن هناك أيادي شريرة
فاسدة تسعي لهذه الفتنة..إن جيش مصر هو حصنها الباقي الذي صنعته علي
عينها ليكون سندا وحماية وملاذا ويجب أن نحافظ عليه قويا شامخا.. يجب أن
يدرك المزايدون والمغرضون والبلطجية أن هذا الجيش العظيم ليس جيش حسني
مبارك الرئيس المخلوع.. ولكنه جيش مصر العظيمة الباقية....ويبقي الشعربين الفنادق والمصانع والمتاحف والمتاجر
شيء جميل أن تضيء مزادكم أوراق شاعر
في كل بيت من قصائده
تغنيـ الحب.. وانسابت مشاعر
هو لم يكن يوما من الأيام دجالا..
ولم يحمل مباخر
هو لم يمارس لعبة العهر المقـنع
بالعفاف
ولم يلوث وجهه دنس الصغائر
هو لم يغير لونـه المنقوش
من طين الحقـول
ولم يحارب بالحناجر
هو ماء هذا النهر..
حين يجيء مندفعا.. وفي شمم يكابر
هو من شذي هذي الضفاف
وكم تعذب في هواها قلب شاعر
ماذا تبيع الآن في هذا المزاد ؟
هذا القلم
أسكنته عيني.. وحلق في سماء النـيل
أزمانـا طويله
قد عاش يرسم كل يوم ضوء قنديل
تناثر في خميله
ولكل بيت كان يرسم للمدي
وطنـا.. وقداسا.. ومئذنة جميله
هذا القلم
أسكنته عيني..
وهام علي ضفاف النيل عشقـا
وارتوي بين الربوع
كم كان يشرق بين أوراقي
إذا انـطفأت شموس العمر..
واختنقت مع القهر الشـموع
لم يعرف الإذلال يوما.. والخضوع
بين الفنادق.. والمصانع.. والبيوت
من يشـتري قلما
تطارده خيوط العنكبوت؟
من يشتري قلما حزينـا داميا
رفض التنطع والتدنـي والسكوت ؟
بين المزاد أراه في صمت.. يموتمن قصيدة شاعر في المزاد 2000
فاروق جويدة