أولى المهام التى يجب أن تهتم بها ثورة الخامس والعشرين من يناير هى صحة
الإنسان المصرى الذى عانى كثيراً من ويلات الأمراض والأوبئة الفتاكة التى
عصفت بالشباب قبل الكبار.
لم نكن نسمع من قبل عن سرطان القولون والمثانة والفيروس B , C وتليف
وأورام الكبد، اليوم نتحدث عنها بشكل طبيعى وكأنها آلام البرد، لم نكن نعرف
أو نسمع عن أنفلونزا الطيور أو أنفلونزا الخنازير.. اليوم نرى ذلك بشكل
عادى جداً. ونسينا مطلقاً أن واجب الدولة تجاه المواطنين هو العلاج فى أى
وقت كحق للمصرى من مصريته.
وهناك قطاع داخل هذه الوزارة يطلق عليه الإدارة العامة للمراكز الطبية
عبارة عن 59 مستشفى على مستوى الجمهورية العلاج فيهم جميعاً بمقابل وبلا
مجانية، وهذه المستشفيات منها معهد ناصر والهرم والهلال والشيخ زايد
والأحرار وشرم الشيخ وغيرها.
وهذه المجموعة من المستشفيات استثمارية فى كل تعاملاتها، إلى جانب مستشفيات
المؤسسة العلاجية الستة، ومنهم مبرة المعادى ومصر القديمة والقبطى
والإصلاح الإسلامى والجمهورية.
ولقد عمدت وزارة الصحة إلى الاهتمام بهذه المستشفيات بدرجة كبيرة لتكون فى
الصف الثانى خلف المستشفيات الجامعية فى الرقى والاهتمام، إلا إننا فوجئنا
بأنها بهدف تحقيق الأرباح فقط واستمرار مديريها مرتبط بزيادة هامش الربح،
وهذه المجموعة كانت تعمل بكامل طاقتها أثناء فتح باب قرارات العلاج على
نفقة الدولة، والآن تم تقليص حجم القرارات وإظهارها فقط فى حالة الحوادث
وبعض الأمراض، وهو ما حرم ملايين المصريين من إجراء جراحاتهم وعلاجهم مثل
مرضى المفاصل فى أجزاء الجسد التى ليس لها قرارات علاج الآن، ويحتاج المريض
الذى يلزم تركيب مفصل ركبة مثلا إلى 50 ألف جنيه، وهو الأمر الذى يخرج عن
نطاق الأسرة المصرية متوسطة الحال.
تم تقديم عدة بلاغات فى نواب تم وصفهم بنواب العلاج على نفقة الدولة، ولم تستطع الأجهزة الرقابية أن تثبت شيئا فى حقهم.
من يعالج المرضى اليوم ومن يداوى الجراح، ويجب على حكومة تسيير الأعمال أن
تفتح المستشفيات على مصراعيها لتلقى العلاج مجاناً فى جميعها وفاءً لهذا
الشعب ووفاءً للثورة والثوار.
إن عدد من الصناعات التى شهدناها هى التى أبلت هذا الشعب بالسرطانات
والأورام والأوبئة جراء ما صنعته من مصانع أسمدة وأسمنت وسيراميك وحديد،
وقد أثبت علماء الطب أن جميع هذه المصانع ملوثة للبيئة وتحمل بين طياتها
أكثر من 60% من أسباب الأمراض السرطانية الفتاكة التى غزت الأطفال والأجنة
فى رحم الأمهات.
أمريكا وأوروبا والبلاد المتقدمة قامت بإغلاق جميع مصانع الأسمنت
والسيراميك، وفضلت الشراء من مصر والوطن العربى لأن مجموع ما تقوم بإنفاقه
على مرضاها يفوق القيمة الشرائية لهذه المواد المذكورة، ونحن العرب كنا حقل
تجارب يتم تجريب كل شىء علينا مثل قول الشاعر:
كالعيس فى البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول
والعيس هنا النوق جمع ناقة التى كانت تحمل المياه فى "قرب" إلى أماكن
بعيدة، ولا تستطيع أن تشرب منها قطرة واحدة وهذه درجة متقدمة فى الحرمان
الأزلى.. ولكن الجمال بطبيعة الحال لديها قدرة على تحمل العطش لدرجة
أسابيع.
صحة المصريين تتطلب اهتماماً أكبر من ذلك ولابد من تقديم دراسة سريعة يتم
تحويل جميع المستشفيات الخاضعة لوزارة الصحة إلى نظام العلاج والجراحة
بالمجان.
تصوروا أن مستشفيات الوزارة تقوم بالحجز على جثث المتوفين حتى يتم سداد ما
عليهم من علاج مع أنهم توفوا، ولا شأن لها بذلك، هل يعد هذا من قبيل
الإجرام فى حق هذا الشعب، وهذه النقطة بالذات لا تجد من يقترب منها أو حتى
يناقشها، واكتفى الشرفاء فى مهنة الطب بتقديم قوافل طبية فى ميادين الثورة،
وهذه بادرة طيبة يمكن تعميمها وفرضها على الجميع حتى نرتقى بمرضانا ونلحق
بهم آدميتهم المسلوبة.
إن رحيل النظام السابق وسدنة عرشه وحده ليس كافياً لإنجاح الثورة واستمرار
نجاحاتها، ولكن لابد أن نرى ثورة على كل شىء وفى كل المجالات بقوانين
وقرارات استثنائية لصالح هذا الشعب الذى مازال يتحمل فوق طاقته.
نريد العودة إلى مكتسبات ثورة يوليو للعمال والفلاحين ونراها اليوم للشباب
ومرضى المصريين. إن الثورة رأيناها فى كل مناحى الحياة فقد أصابت كل
المصريين بالغبطة والسرور، ورأينا نظريات عالية، ولكننا مازلنا نبحث عن
التطبيق العملى الذى يراه المواطن المصرى فى حياته متسللاً لأهله وجيرانه
ومن حوله، هنا تكون الثورة ويكون الثوار.
• نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب