تأكيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاسم والمتكرر على أن الانتخابات
ستتم في موعدها المقرر والذي حددته إرادة ملايين المصريين في استفتاء
دستوري ، وأن السلطة سيتم نقلها إلى الشعب عبر حكومة مدنية منتخبة ، هذا
التأكيد أصاب بعض القوى في مصر بالقلق الشديد والهلع ، خاصة تلك القوى
والشخصيات الهامشية ، والتي لا تتمتع بأي تواصل مع الشعب وجذوره ، وتعرف
أنها لن تحقق أي مردود كبير في أي نزال ديمقراطي حقيقي ، ولذلك يسارع هؤلاء
إلى اللعب بحكاية الشارع والتظاهر والاحتجاج تحت أي ذريعة مخترعة ،
وبطبيعة الحال لا توضع مسألة الانتخابات وإلغائها أو تأجيلها في صدارة
المطالب ، وإنما يتم تغليفها بعدة أمور أخرى مثل الإسراع بمحاكمة رؤوس
النظام مثلا ، وأنا لا أفهم كيفية هذا الإسراع ، هل يقصد مثلا أن يحاكموا
عسكريا خلال يومين وينتهي الأمر ، أم أن يحاكموا أمام القاضي الطبيعي
تأسيسا لمرحلة جديدة هي من صلب مطالب الثورة .عادت حكاية
الدعوة لتأسيس مجلس رئاسي مؤقت لتطل برأسها من جديد ، وبطبيعة الحال ، ليس
هذا هو المطلب الأساس ، وإنما المطلب في جوهره هو ترك السلطة إلى مجلس مكون
من فلان وفلان بالاسم ، ولكن هذا لا يقال الآن ، يتم ترحيله إلى خطوة
تالية ، فلو طالبت قوة سياسية الآن بتشكيل مجلس رئاسي مدني من الثلاثي مثلا
: عبد المنعم أبو الفتوح وعبد الله الأشعل والفريق سامي عنان ممثلا للقوات
المسلحة ، فإن من يتزعمون الدعوة للمجلس الرئاسي الآن سيرفضون قطعا ،
وسيكشفون على الفور الأقنعة ويحددون الأسماء المطلوبة ، والمشكلة أن هؤلاء
الذين يفكرون في السياسة بطريقة “لعب الثلاث ورقات” لا يدركون أن الشعب
المصري اليوم تجاوز المرحلة التي يمكن فيها خداعه بسهولة ، وأن الأمور
أصبحت على المكشوف الآن ، والملايين يعرفون الآن من يريد أن يقفز على
السلطة ويسرقها ، ومن يريد أن يغتصب إرادة الشعب ، ومن يتآمر على
الديمقراطية بعد طول خطب ودعايات له عن الديمقراطية وحق الشعوب في الاختيار
.أيضا تصريحات أعضاء المجلس العسكري تكشف عن وعي المجلس
الكافي بتلك الألاعيب وأصحابها ، وأظهر المجلس قدرة عالية ورائعة على الصبر
والاحتواء وطول البال وتفويت الفرص على الاستفزاز أمام محاولات متكررة
ومتتالية لإثارة الارتباك وتعطيل المسار الأساس والجوهري للثورة ، والمتمثل
في نقل السلطة للشعب بطريق ديمقراطي حر ، وتشكيل حكومة مدنية منتخبة ورئيس
جمهورية منتخب ودستور مصدق عليه بارادة شعبية حرة ، هذا هو جوهر مطلب
الثورة بعد تنحي مبارك وعصابته ، وهذا هو مفتاح إعادة صياغة مصر وإطلاق
مشروعاتها التنموية الطموحة ، وإطلاق مؤسساتها الرقابية للسيطرة على بوابات
الفساد والانحراف ، وتحقيق استقلال القضاء ، وإطلاق طاقات المجتمع الأهلي
ليضخ أنهر الخير والعطاء والنهوض في خلايا المجتمع وجذوره ، وإطلاق الحياة
السياسية لتزهر طاقات جديدة وقيادات جديدة ، مطهرة من أمراض الماضي ووساوسه
، لتحمل أمانة المستقبل الأرشد لبلادنا ، كل هذا مرهون بوجود حكومة منتخبة
ورئيس منتخب وبرلمان منتخب ودستور مصدق عليه بإرادة شعبية حرة ، وهذه هي
المصلحة الوطنية العليا والأولى لمصر الآن ، لكن هذه المصلحة الوطنية
العليا تصطدم مع المصلحة الشخصية لبعض الطامحين والمهمشين والطامعين في
التهام كعكعة السلطة رغما عن أنف الشعب وقواه الحية ، وكأنهم يتصورون أنه
يمكن لعاقل في هذا البلد أن يضحي بالمصلحة العليا للوطن كله من أجل تمكينهم
من سرقة ثمار الثورة لحسابهم الشخصي .الخطط المقبلة لهؤلاء
المهمشين هي الدفع باتجاه التحرش بالقوات المسلحة ، حصن الثورة وعمود خيمة
الدولة الآن ، بهدف إحراج الجيش وابتزازه ، ودفعه للموافقة على مطالبهم
بإلغاء الديمقراطية أو تأجيلها ، سيقع بعض ذلك في تظاهرات محدودة ، وسيتم
تصعيد هذا التحرش في قنوات فضائية وصحف خاصة أصحابها يواجهون تحقيقات
الفساد ويقتربون من الإقامة في مزرعة طرة ، وآخرون حصلوا مؤخرا على أموال
خليجية سخية ، سنكشف عنها قريبا ، لتأسيس قنوات فضائية تتخصص الآن في
التحرش بالقوات المسلحة وإثارة الغبار على كل شيء في مصر الآن ، .. وسيذهب
كل ذلك أدراج الرياح ، لأن الثورة انتصرت ، والملايين حددوا وجهتها في
الاستفتاء التاريخي بما لا يقبل شكا أو تأويلا ، ولأن مصر اليوم أكثر نضجا
من أي وقت مضى ، وأكثر إيمانا بالحرية والكرامة من أي وقت مضى ، وأكثر شوقا
للديمقراطية من أي وقت مضى ، والملايين أكثر تمسكا بثورتهم وأهدافها
الاستراتيجية والجوهرية ولن يسمحوا لكائن من كان أن يعطل مسارها أو يعوق
طريقها .
جمال سلطان