حتى لو كان عدد الذين خرجوا أمس ألف مصرى ومصرية
فقط ففيهم الخير والبركة، ذلك أن الواحد منهم بألف مما تعدون، فهؤلاء هم
ضمير الثورة النقى وروحها المغسولة بندى الطهر والبراءة ونبل المقصد.
لقد
لبى عشرات الآلاف من المصريين النداء وأتوا من كل فج عميق لتصحيح مسار
ثورتهم واستكمال ما بدأوه فى 25 يناير 2011، وهؤلاء هم البناءون
الحقيقيون، وليسوا هدامين أو معطلين لعجلة الإنتاج كما يزعم المشككون ممن
يعطون الثورة من طرف اللسان حلاوة، بينما قلوبهم ملآى بالغل عليها.
كان
ميدان التحرير، أمس، كعادته مضيئا ودافئا ورائعا، حين اصطف فيه منذ
الصباح الباكر آلاف من المصريين الشرفاء، تضاعفت أعدادهم كلما مر الوقت
حتى ابتهجت السماء بلمتهم، فأرسلت قطرات من المطر الخفيف أزال موجات من
الغبار التى هبت مع ارتفاع حرارة الطقس لدرجة كفيلة بإلزام المواطنين
منازلهم.
وكعادتهم ضرب الثائرون المثل فى نبل المقصد وروعة الهدف
ونقاء الوعى بما تحتاجه مصر وما تتطلبه ثورتها المجيدة.. وجاءت الهتافات
محترمة ومشروعة ووطنية وأخلاقية بامتياز، فسقطت كل الادعاءات المنحطة
والأكاذيب التى راجت على مدار الأسبوع الماضى حول الدعوة للخروج فى موجة
الغضب الثانية، فلم تسمع كلمة واحدة يشتم منها العداء للجيش، ولم يطالب
أحد بانتخابات داخل المؤسسة العسكرية.
لقد غاب الإخوان والسلفيون
نعم، لكن حضرت الرجولة المصرية، وأظهر الشعب المصرى روحا وضاءة وخلقا
رفيعا، وشهامة ومروءة ينبغى على كل الذين طعنوا الدعوة للتظاهر أن يتعلموا
منها ويعرفوا أن لا أحد فوق إرادة الشعب وضميره.
لقد غاب الوجود
الأمنى والعسكرى ومع ذلك كان الميدان فى قمة انضباطيته، حيث عادت اللجان
الشعبية لتقدم النموذج المذهل فى التنظيم والتأمين والسيطرة على أدنى
محاولة للعبث أو المساس بهذه اللوحة الشعبية البديعة، لكن الأكثر إبداعا
كان الخروج الكبير إلى الميدان، رغم إعلان المجلس العسكرى عشية المظاهرات
أنه لن يتواجد فى مواقع الغضب وقد كان من الممكن أن يكون ذلك الانسحاب
كفيلا بالتزام المصريين منازلهم خشية الانفلات الأمنى أو البلطجة، لكنهم
تحدوا كل العقبات وخرجوا لاستكمال الثورة.
حتى حين استيقظت مدينة
السويس الباسلة على حالة انكشاف أمنى مريع صباح أمس مع اختفاء الوجود
الأمنى فى مواقع حساسة ومهمة عاد المواطنون إلى تشكيل اللجان الشعبية
لحماية المنشآت والشركات، بما عاد إلى الأذهان عبقرية الأداء الشعبى فى
الفترة من 25 يناير إلى 11 فبراير.
لقد أثبتت أحداث الأمن أن الشعب هو السيد وهو الأكبر والأكثر وعيا بقيمة هذا الوطن.
بقلم وائل قنديل