روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:43 pm

    أثرياء مصر زمان..والآن (1): حسن طوبار..قائد الثوار




    تحدثت مصر عن أول مليونير إبان الحملة الفرنسية، ثم شهدت أول ملياردير في عهد مبارك

    أكثر من قرنين من الزمان. الوجوه تغيرت، والأماكن تحولت، والأرقام قفزت

    لكن يبقى السؤال قائماً: ما الفرق بين أثرياء زمان..والآن؟

    كيف تعامل أغنياء مصر مع الثروات التي في أيديهم، في وطنٍ شهد فترات احتلال وتحدياتٍ سياسية وأزماتٍ اقتصادية؟

    لعل الإجابة تكون عند أول مليونير مصري رسمياً: الشيخ حسن طوبار

    فقد كان حسن طوبار زعيماً على إقليم المنزلة بالدقهلية وشيخاً لها، وكان من أكثر الأقاليم التي واجه الفرنسيون فيها مقاومة شعبية عنيفة، وكان محور هذه المقاومة هو هذا الرجل. كتب المؤرخ الفرنسي ريبو في كتابه "تاريخ الحملة الفرنسية فى مصر" يصف سكان هذه الجهات بقوله "إن مديرية المنصورة التي كانت مسرحاً للاضطرابات، تتصل ببحيرة المنزلة، وهى بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة (الطينة)، والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التي يسكنها قوم أشداء ذوو نخوة، ولهم جَلَدٌ وصبر، وهم أشد بأساً وقوة من سائر المصريين، ثم هم أغنياء بما ينالون من الصيد، ولهم في البحيرة خمسمئة أو ستمئة مركب، تجعل لهم السيادة في البحيرة، ولهؤلاء 40 رئيساً، وكل هؤلاء الرؤساء يتبعون حسن طوبار شيخ المنزلة وهو الزعيم الأكبر لهذه المنطقة". وقد أورد هذا النص مؤرخ آخر هو عبد الرحمن الرافعي في كتابه "تاريخ الحركة القومية وتطورات نظام الحكم"

    كان طوبار واسع الثروة والنفوذ، محبوباً من سكان إقليمه من الصيادين، وكان في حالة من الرواج كفيلة بأن تقعده عن اتخاذ أي موقف يمكن أن يهدد ثروته‏،‏ إذ كان يملك أسطول صيد قدرته بعض المصادر الفرنسية بنحو خمسة آلاف مركب‏، وعدداً لا بأس به من مصانع نسج القطن، والمتاجر‏، ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية‏

    ثروة طائلة لأغنى رجل في مصر، كما أشار الجنرال الفرنسي أندريوس في تقرير قدمه إلى المجمع العلمي، في حين قدم الجنرال لوجييه تقديراً لثروته بأنها في حدود خمسة ملايين فرنك

    وكان إلى جانب ذلك ينتسب إلى أسرة عريقة، تداول أفرادها مشيخة المنزلة مئات السنين، ولهم نفوذٌ قوي هناك.اسم العائلة جاء من "طبرة" على بحيرة طبرية بالشام، فقد نزحت منها، ونزلت على شاطئ بحيرة المنزلة، فأقاموا بالمنزلة بجوار منزل الشيخ أبو نصر شهاب الدين شريف وكان من قضاة الإقليم، ثم تصاهروا مع هذا الشيخ وسكنوا إلى جواره، وبنوا بيتاً عُرِفَ بالبيت الكبير قبل أن يبني شلبي طوبار القصر المعروف باسمه، وقد اشترت العائلة بعض أملاك الأمير محمد الشوربجي الشهير بمحمد بن حسون، وكانت تُعرف المنزلة باسمه "منزلة حسون"

    ويذكر الجنرال لوجييه أنهم في كل جميع الاتجاهات التي مروا بها من المنصورة إلى المنزلة لم يسمعوا من الأهالي إلا الثناء على طوبار. أما الجنرال أندريوس الذي تردد على المنزلة وقدم عنها تقريراً إلى المجمع العلمي بمصر، فهو يقول: "إن لسكان هذه الشواطئ أربعين رئيساً يتبعون الشيخ حسن طوبار الذي احتكر الصيد في البحر لقاء جُعل -أجر- للحكومة، وحسن طوبار من أكبر أغنياء القُطر المصري، وربما كان أغناهم، وهو من المنزلة، وفي أسرته مشيخة البلد يتوارثونها من أربعة أو خمسة أجيال وله سلطة واسعة تقوم على مكانته في النفوس وثروته وعصبيته، من ذوي قرباه وأتباعه، وعلى مؤازرة العرب الذين أعطاهم الأراضي ليزرعوها ويغدق على رؤسائهم بالهدايا والتحف"

    شرع حسن طوبار في مقاومة الفرنسيين منذ بداية الحملة تقريباً، فكان يذهب بنفسه إلى البلاد والقرى يحرّض أهلها على الحرب، ويطمئن على وسائل الدفاع لديهم، وجهز من ماله الخاص الأسطول البحري الذي حارب الفرنسيين في البحيرة، وأوشك على إخراجهم من دمياط



    وكان الفرنسيون يتطلعون إلى التخلص من هذا الزعيم ولكنهم لم يستطيعوا لمكانته عند قومه، فأرادوا أن يستميلوه إليهم، خصوصاً أن نابليون بونابرت أدرك أهمية وأبعاد المركز الجغرافي الذي يسيطر عليه الرجل، إذ إن تحكمه في الممرات المائية بين البحر المتوسط وبحيرة المنزلة كان كفيلاً بتسهيل مهمة السفن العثمانية في دخول مصر، في حالة اتفاق رجال السلطان العثماني مع طوبار

    وهكذا أرسل إليه الجنرال فيال -الذي عُيِنَ حاكماً على دمياط- سيفاً مذهباً ولم يشأ أن ينحيه عن منصبه‏، لكن حسن طوبار قابل ذلك بالسخرية الشديدة، إذ كان حسه الوطني أهم عنده من غواية الهدايا

    رفض طوبار لقاء الجنرال فيال، وقال إنه لا يريد أن يرى أحداً من الفرنسيين، كما امتنع عن قبول هدايا ثمينة أرسلها له نابليون
    في هذه الأثناء، كان حسن طوبار يخادع الفرنسيين عن خططه ومقاصده، ففي الوقت الذي أبلغ فيه رسول الجنرال داماس أنه لا يأبى دفع الضرائب العادية إذا ما ترك حراً كان يستعد للقتال، كما كان على اتصال بإبراهيم بك زعيم المماليك الذي كان مرابطاً بفلول جيشه في جنوب الشام، وقد كان على اتصال مستمر أيضاً بقواته المنظمة لمقاومة الفرنسيين

    . ويحكي المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي كيف كان حسن طوبار يشعل الثورة في مختلف البلاد الواقعة بين دمياط والمنزلة والمنصورة. وبينما كان يثير الأهالي في بلاد البحر الصغير كان في الوقت نفسه يجمع مراكبه في بحيرة المنزلة لمهاجمة دمياط لتخليصها من يد الفرنسيين
    وأرسل الجنرال فيال إلى زميله الجنرال دوجا ينذره بقرب هجوم الثوار على مدينة دمياط؛ لأن حسن طوبار يحشد أسطولاً كبيراً في بحيرة المنزلة لهذا الغرض ويطلب المدد. قام الثوار بهجوم فعال على دمياط في 16 سبتمبر سنة 1798 واشترك فيه أهالي البلاد المجاورة لدمياط، كما اشترك فيه أيضاً أسطول حسن طوبار. نجح المهاجمون الثوار في قتل الحراس الفرنسيين في المواقع الأمامية للمدينة، وظل القتال متواصلاً ليلة 16 سبتمبر، غير أن عدم تكافؤ الأسلحة والتنظيم دفع المهاجمين إلى التقهقر والالتجاء إلى قرية الشعراء حيث اتخذوها معسكراً تحصنوا به

    ونتيجة لحرج مركز الفرنسيين في دمياط اضطر نابليون إلى إرسال الجنرال أندريوس ليعاون الجنرال فيال في توطيد سلطان الفرنسيين في تلك الجهات. تقدم الفرنسيون في 20 سبتمبر للاستيلاء على الشعراء، وبالرغم من استيلاء الفرنسيين عليها فإن الثورة تفاقمت في البلاد الواقعة بين المنصورة ودمياط، وتعددت حوادث مهاجمة الثوار للسفن الفرنسية القلة للجنود في النيل، ما دفع الفرنسيين إلى التنكيل بالبلاد التي هاجمت السفن كما حدث في ميت الخولي حيث اعتدوا على الأهالي، واستولوا على ما بها من مواشٍ وطيور وحلي

    أدرك نابليون أن طوبار لن يخضع إلا بالحرب، وأنه لن يكون له سلطان على بلاد هذه المنطقة، ولن تنتهي مقاومة أهلها وثوراتهم على جنوده إلا بالقضاء عليه، فأمر قائد الحملة الفرنسية بتجهيز حملتين كبيرتين إحداهما برية والأخرى بحرية لمهاجمة المنزلة. وبدأ الجنرال دوجا في تنفيذ الخطط العسكرية المكلف بها فعهد إلى الجنرال أندريوس أن يذهب إلى المنزلة عن طريق البحيرة كما عهد إلى الجنرال داماس أن يسير إليها بالبر، وبذلك تطبق القوتان على المدينة من البر والبحر
    استطاعت هذه الحملة القوية وبعد جهدٍ جهيد أن تدخل المنزلة في 6 أكتوبر تشرين أول عام 1798. غير أن طوبار كان قد غادر المنزلة ومعه معظم أهلها إلى غزة؛ لإعادة تنظيم حركة المقاومة لاسترداد البلاد فدخل داماس المدينة التي وجدها خالية إلا من الشيوخ وعجائز النساء، فاحتلها بعد أن فوَّت عليه حسن طوبار وكذلك الأهالي فرصة الانتقام من زعيمهم ومنهم
    ولما رأى الفرنسيون قصور حسن طوبار بالمنزلة دهشوا من جمالها واتساعها، ولكنهم وجدوها خالية من سكانها، فقد استطاع طوبار أن يفر إلى الشام، وكذلك كانت المنزلة كلها خالية إلا من النساء والصبيان والعجزة
    وأراد قائد الحملة الجنرال دوجا أن يتخذ من أحد قصور حسن طوبار مقراً له، ولكنه لاحظ المكانة الممتازة التي يحفظها الناس له، فترك القصر واتخذ مقراً في مكان آخر
    وفي غزة، لم يكف حسن طوبار عن المقاومة‏، فقد استأنف نشاطه من جديد‏، وكوَّن جيشاً من المقاومين وأسطولاً مكوناً من خمسين قطعة لكي يبحروا به إلى دمياط لمباغتة العدو‏.‏ وبالرغم من أن الظروف لم تمكن طوبار من إتمام هذه الحملة، فإن رعب الفرنسيين منها جعل نابليون يسمح له بالعودة إلى مصر ليأمن هجومه على دمياط وتحريضه لأهل بلده على الثورة. ولم يأذن نابليون بعودته إلى مصر إلا بشرط أن يبقى ابن الشيخ عنده في القاهرة، ويعود حسن طوبار إلى دمياط
    عاش طوبار في دمياط فترة قصيرة، وهو الأمر الذي دعا الجنرال كليبر بعد أن أصبح قائداً عاماً للحملة الفرنسية إلى أن يوصي قائده في دمياط بتوخي الحذر، وأن يراقب هذا الشيخ ولا يغفل عنه أبداً

    لم يُعمر حسن طوبار طويلاً بعد ذلك، فمات في عام 1800، لتنشر جريدة "كورييه ديلجبت" نبأ وفاته في العدد 75 بتاريخ 28 يوليو تموز 1800، وكتبت عنه ما يلي: "مات فجأة حسن طوبار كبير مشايخ إقليم المنزلة مصاباً بالسكتة القلبية، وكان هذا الرجل عظيم المكانة لأصله العريق وغناه الواسع، وقد هاجر من بلاده في الأشهر الأولى من الحملة وعاد إليها بعد الزحف على سوريا، وأذن له الجنرال بونابرت في الرجوع إلى مصر، فأذعن من يومئذ وأخلد للسكون، وقد خلفه في شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبي طوبار"
    وقال عنه نقولا الترك في كتابه "ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية" (ترجمة وتحقيق: ياسين سويد، دار الفارابي، 1992) الذي كتبه لتمجيد الحملة الفرنسية على مصر: "اشتهر هذا الشيخ المذكور بخبث النية ضد الفرنساوية"

    صدر قرارٌ بتخصيص قصر حسن طوبار لهيئة الآثار وتحويله إلى متحف، لكن المسؤولين استهانوا باسم البطل طوبار وأهملوا قصره الضخم فتعرض للنهب والتخريب. والآن، حتى قبر حسن طوبار مجهول المعالم ويحتاج إلى ترميم، وأقيمت إلى جواره "غُرزة" ولم يتحرك أحدٌ لترميم القبر، وإنقاذ أرض القصر التي صارت مقلباً للقمامة ومرتعاً للأعمال المخالفة (جريدة "اليوم السابع"، 27 فبراير 2009)
    هكذا آلت الأمور بالنسبة لتاريخ هذا الرجل -وهو بالمناسبة، الجد الأكبر للشيخ نصر الدين طوبار أحد أشهر من أدوا الابتهالات والتواشيح الدينية- الذي أزعج قادة الجيش الفرنسي وتردد اسمه في تقاريرهم ورسائلهم، وورد اسمه في رسائل نابليون نفسه غير مرة كعنوان للمقاومة الأهلية القوية. ولا بد من القول إن إقليم الدقهلية ظل يقاوم ببسالة القوات الفرنسية الغازية، وشغل إخضاعه الفرنسيين أكثر من شهرين، وكلفهم ثمناً غالياً من جنودهم وقوادهم، ففقدوا فيه وحده - حتى آخر أكتوبر 1798 ما يقرب مما فقدوه في سائر بلاد القُطر منذ وطئت أقدامهم أرض مصر

    ويبقىضريح الشيخ حسن طوبار-أحد أهم المزارات التاريخية في المنصورة- شاهداً على الدور الوطني لأول مليونير عرفته مصر


    أثرياء مصر زمان..والآن نفيسة البيضاء.. أم المماليك





    في زمنٍ مضى، كان أغنى أغنياء مصر: جارية شركسية
    اشتهرت باسم نفيسة البيضاء، وأطلق عليها آخرون اسم نفيسة المرادية، نسبةً إلى زوجها الثاني مراد بك
    في البداية كانت مجرد أمَة حين جُلِبَت إلى مصر، لا يعرف أحدٌ محل ميلادها - فمن قائل إنها من الأناضول، أو بلاد القرم أو حدود القوقاز- أو أوصافها سوى أن اسمها يوحي بأنها كانت بيضاء البشرة

    ومن الواضح أنها كانت بارعة الجمال لدرجة أن "سيدها" الأول علي بك الكبير، لم يعتقها فقط، وإنما تزوجها أيضاً، وأنها كانت الجائزة التي طلبها أحد أشهر المماليك ثمناً لخيانته

    وهنا نقرأ ما كتبه عبد الرحمن الجبرتي كما جاء في كتاب "دراسات في تاريخ الجبرتي"، ومؤلفه هو محمود الشرقاوي،‏ الذي يقول إن ظهور أمر نفيسة بدأ عندما دخلت في حريم علي بك الكبير‏،‏ فأحب الأخير هذه الجارية الشركسية وأُعجِبَ بها‏، وبنى لها داراً تطل على بركة الأزبكية في درب عبد الحق

    غير أن المملوك مراد وقع بدوره في هوى نفيسة‏،‏ فلما أراد محمد أبو الدهب خيانة علي بك الكبير وتحدث إلى المملوك مراد في ذلك،‏ اشترط عليه الأخير نظير موافقته على الخيانة أن يسمح له بالزواج من هذه الجارية‏. فلما قُتِلَ علي بك الكبير عام 1773 تزوج مراد هذه الحسناء

    وهكذا كانت الرشوة التي نالها مراد بك على خيانته هي‏:‏ نفيسة البيضاء


    ولكن التاريخ له مفارقاتٌ عجيبة‏،‏ فبقدر ما كان مراد بك من كبار الخونة، كانت نفيسة امرأة رائعة في جمالها وقوية في شخصيتها

    وفي حياة زوجها مراد بك الذي حكم مصر مع إبراهيم بك بعد موت أبو الدهب لمدة تزيد على عشرين سنة، نالت نفيسة في المجتمع المصري مكانة كبيرة‏. عاشت نفيسة تلك الفترة كواحدة من أثرى أهل مصر، بما امتلكته من القصور والجواري، إضافة إلى أن المصادر التاريخية تؤكد أنها كانت من أثرى نساء عصرها نتيجة استثمار أموالها وتجارتها في الأسواق وإدارة وكالة خاصة بها


    ويجب ألا ننسى أنها دخلت منزل مراد بك وقد ورثت عن علي بك الكبير ثروة طائلة، وزادت هي ثراء فوق ثراء بعد هذه الزيجة الجديدة، وعاشت معه حياة الترف بما جلبته له من ميراثٍ شمل إلى جانب البيوت والقصور والتجارة جيشاً خاصاً يتألف من 400 مملوك وأسطولاً من السفن على النيل، وستاً وخمسين جارية واثنين من الخصيان في حاشية نفيسة الخاصة

    وحين أعادت نفيسة بناء وكالتها التجارية، أضافت إليها سبيلاً وكُتاباً خلف باب زويلة‏ عام 1796م / 1211 هـ. ونُقِشَت على واجهة السبيل أبياتٌ شعرية تمتدح فضائل تلك السيدة، تقول كلماتها:

    سبيلُ سعادةٍ ومرادٌ عزٍ وإقبال لمحسنة رئيسة

    يُسرُك منظرٌ وصنع بديع وتَعجبُ من محاسنِه الأنيسة

    جري سلساله عذبٌ فرات فكم أحيت به مهجا بئيسة

    نؤرخه سبيل هدى وحسُنَ لوجه الله ما صنعت نفيسة


    تقع واجهة السبيل والكُتاب على القصبة العظمى للقاهرة، وهي من الواجهات نصف الدائرية، التي تطل على الشارع بثلاثة شبابيك، توجد في دخلات معقودة ترتكز على أربعة أعمدة ملتصقة بالواجهة. وهذه الشبابيك مغشَّاة بأشكال زخرفية نباتية متشابكة كقطعة الدانتيلا. ولعل ما يسترعي الانتباه زخرف الجزء العلوي المعقود من هذه الشبابيك، حيث إنها تشبه نهدَيْ امرأة، وهذا النوع من الزخرفة أراد به الفنان أن يعبر أو يشبه عطاء الأم لطفلها الحنان والحياة من ثديها، لعطاء السبيل لوارديه العطاشى والظامئين للماء الذي هو مصدر الحياة


    وهذا السبيل أحد المكونات المعمارية لمجموعة خيرية أنشأتها نفيسة البيضاء تتكون من سبيل يعلوه كتاب ووكالة تجارية بها محالٌ تؤجر ويستغل ريعها للصرف على السبيل والكتاب، إضافة إلى حمامين يُستَغلُ ريعهما لأوجه الخير. ويعلو الوكالة والحمامين ريعٌ لإسكان فقراء المسلمين بمبالغ رمزية. وقد عٌرِفَت هذه المجموعة باسم السكرية، وهي المنطقة نفسها التي تحدث عنها الأديب نجيب محفوظ في ثلاثيته الروائية

    كان الغرض من السبيل تقديم ماء الشرب المجلوب من النيل للمارة كعملٍ خيري، وكان الكُتّاب مدرسة أولية لأطفال الحي. وحين بُني هذا السبيل كان واحداً من أكثر من 300 مبنى من نوعه بالقاهرة، لم يتبق منها الآن إلا نحو 70 مبنى. ويتميز كل سبيل بنوافذ مغطاة بقضبان مزخرفة جميلة تربط بها أكواب الشرب بسلاسل، وكان العاملون بالسبيل يملأون الأكواب من أحواض رخامية ويسلمونها للناس في الخارج. وكان الماء يأتي من صهريج تحت الأرض مليء بماء النيل الذي كانت تجلبه الجمال. ويختلف هذا السبيل في أن صهريجه لا يوجد أسفله وإنما أسفل مبني مجاور، ويعتبر هذا السبيل نموذجاً ممتازاً للطراز المعماري العثماني في أواخر عهده بالقاهرة
    ومن الجلي أن نفيسة اختارت بعنايةٍ موقع السبيل، إذ إنه يقع في الطرف الجنوبي لشارع المعز لدين الله الفاطمي بالقرب من بوابة المدينة، وهو مَعلَمٌ تاريخي يحدد الأسوار الجنوبية للمدينة كما أنها ظلت منطقة تجارية مهمة لمدة تسعة قرون. وأهمية الموقع تنبع أيضاً من أن السبيل والكُتاب اللذين شيدتهما في مبنى من طابقين يلاصق وكالتها، أقيما على شارعٍ رئيسي بالقرب من باب زويلة، حيث كانت ينطلق موكب الحج السنوي إلى بيت الله الحرام

    كان لهذه السيدة مكان الاحترام والتقدير عند العلماء والأمراء‏، وعند الشعب أيضاً، إذ كانت نبيلة وكريمة وموهوبة وذكية، حتى ذكر كاتبٌ معاصر لها "أنها كانت تعرف كتابات شعراء العربية كما لو كانت العربية لغتها الأصلية برغم أنها لم تتعلمها إلا في وقت متأخر من حياتها"، وربما كانت تعرف الفرنسية إلى جانب قدرتها على القراءة والكتابة بالتركية والعربية

    ويتعين القول إن نفيسة تمتعت باستقلالية في إدارة تجارتها وثروتها، ولعبت أيضاً دور السند والمستشار لزوجها مراد بك في الشأن العام، وحاولت في أكثر من مناسبة الحد من آثار المظالم التي ارتكبها زوجها بحق المصريين، إذ يحكي عبد الرحمن الجبرتي ("عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، الجزء الثاني) أن مراد بك "أخذ الشيء من غير حقه وأعطاه لغير مستحقه‏"

    ويقول الجبرتي‏:‏ كانت نفيسة تعارض زوجها مراد بك وهو مطلق السلطان على مصر‏،‏ في مصادرة أموال التجار الأوروبيين وإرهاقهم بالضرائب والغرامات. وكانت هذه التصرفات من أسباب أو ذرائع الحملة الفرنسية على مصر‏

    وحين هُزِمَ جيش مراد بك أمام القوات الفرنسية في موقعة الأهرام في 21 يوليو تموز عام 1798، فر مع فلول قواته إلى الجيزة، فصعد إلى قصره وقضى بعض أشغاله في نحو ربع ساعة، ثم هرب إلى الصعيد ليبدأ في شن حرب عصابات ضد الجيش الفرنسي. أما نفيسة فظلت في القاهرة وسط ظروفٍ اقتضت منها أعلى قدر من الكياسة والدبلوماسية والاتزان، وهو عبءٌ غير يسير على امرأة هرب زوجها
    عملت نفيسة بذكاء على حماية الأملاك الضخمة الخاصة بها وبزوجها، وبسطت حمايتها على كثير من نساء المماليك المنكوبين،‏ وواست عدداً كبيراً من الفقراء الذين نُكِبوا في الحملة الفرنسية من أهل القاهرة‏،‏ ودفعت كثيراً من الغرامات التي فرضها الفرنسيون على المصريين ولم يستطع غالبيتهم دفعها‏،‏ ونالت بذلك احترام المصريين والأجانب

    في الوقت نفسه، حافظت تلك السيدة على علاقة مجاملة مع إدارة الحملة الفرنسية، حتى إنها سمحت بتمريض جرحى الجنود الفرنسيين في قصرها. وقد استضافت نابليون بونابرت على العشاء في قصرها، وتلقت في تلك المناسبة هدية عبارة عن ساعة مرصعة بالألماس

    كما كان قواد نابليون ورجاله كلهم يرعون جانبها ويحملون لها في تقديرهم حساباً كبيراً. بل إن‏ ديجنت كبير أطباء الحملة الفرنسية عندما ألف كتابه باللغة العربية عن مرض الجدري في مصر أهداها خمسين نسخة منه


    غير أن العلاقات بينها وبين نابليون تراوحت بين المد والجزر، فقد تَعيّنَ عليها أن تدفع فدية ضخمة تعادل نحو مليون فرنك مقابل حق الاحتفاظ بممتلكاتها. واضطرت إلى إدراج الساعة المرصعة بالألماس كجزء من هذه الغرامة، فأهداها نابليون إلى عشيقته. وبالرغم من هذه المواقف الشائنة، فإن نابليون أعلن حتى بعد مغادرته مصر سعياً وراء المجد الإمبراطوري في باريس، أنه "سيظل صديقاً إلى الأبد" لهذه المرأة، حتى إنه بعث وهو في قمة مجده‏،‏ أمراً إلى قنصل فرنسا في مصر، بأن يبذل كل جهده لحمايتها‏ ورعاية أمرها

    وينقل الكاتب الفرنسي لاكروا عن المذكرات التي أملاها نابليون في منفاه في جزيرة سانت هيلانة أن مراد بك لما عاد من البحيرة إلى الجيزة منهزماً أمام الحملة الفرنسية‏، صعد إلى قمة الهرم الأكبر، وأخذ يتبادل الإشارات الضوئية بالفوانيس مع زوجته نفيسة وهي فوق سطح منزلها في الأزبكية - ومن الواضح أن‏ هواء القاهرة كان في ذلك الوقت أقل تلوثاً مما هو عليه اليوم- وتناقل الناس ذلك حتى سمعت به، فخشيت على نفسها من الفرنسيين، فذهبت إلى منزل نابليون، وطلبت مقابلته‏، فاستقبلها بكل احترام‏،‏ وأكد لها أنه لا يحفل بهذه المسألة‏،‏ وأنها لو أرادت أن تلتقي بزوجها لما تردد في مهادنته يوماً وليلة حتى يلتقيا، وكان الزوج مراد بك آنذاك هارباً من وجه الحملة الفرنسية.‏ ولعل نابليون أراد بهذه المجاملة أن يتخذ من السيدة نفيسة وسيلة للتأثير على زوجها ليقبل الصلح مع الفرنسيين ويتوقف عن مقاومتهم في الصعيد‏

    أما مراد فقد سئم القتال ضد الفرنسيين في الصعيد، إذ لم يكن معتاداً على هذا النوع من المعيشة، بعيداً عن قصوره وجواريه وحياة الرفاهية التي يعيشها، فبدأت المراسلات بين كليبر ومراد بك، وانتهت باجتماعهما في الفيوم حيث اتفقا على أن يحكم مراد بك الصعيد باسم الجمهورية الفرنسية. وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه عليه، وتعهد مراد بك من جانبه بتقديم النجدة اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت لهجوم عدائي أياً كان نوعه، وأن يمنع أي قوات أو مقاتلين من أن يأتوا إلى القاهرة من الصعيد لمحاربة الفرنسيين، وأن يدفع مراد لفرنسا الخراج الذي كان يدفعه من قبل للدولة العثمانية، ثم ينتفع هو بدخل هذه الأقاليم

    على أن ذلك الاتفاق لم يدم طويلاً، إذ أصاب الطاعون مراد بك، ومات به في 22 إبريل نيسان عام 1801 ودُفَِن في سوهاج
    وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر في وقت لاحق من ذلك العام، نجحت نفيسة بمهارة في الحصول على حماية البريطانيين الذين بسطوا نفوذهم لفترة قصيرة. ومع تعزيز العثمانيين سيطرتهم على مصر، واصلت نفيسة بثبات سياسة حماية المماليك وأسرهم من النظام الجديد -الذي كان شديد العدائية تجاههم- مثلما فعلت في ظل الاحتلال الفرنسي. وباتت تعرف في تلك الفترة باسم "أم المماليك"

    وحين تولى حكم مصر الوالي العثماني أحمد خورشيد باشا عام 1804، أساء إليها إساءاتٍ بالغة‏، وطلبها يوماً إلى القلعة مقر حكمه ووجّه إليها بعض التهم الباطلة، بينها اتهام بالتدبير لثورة في مصر،‏ وأنها استعانت بكثير من الجواري يوزعن المنشورات ضده‏،‏ وضد حكم المماليك والباشوات. وكان رد نفيسة عليه بالقول‏:‏ إن السلطان وعظماء الدولة رجالاً ونساء يعرفونني‏، ويعرفون قدري‏،‏ حتى الفرنسيون‏،‏ أعدائي وأعداؤك‏،‏ لم أر منهم إلا التكريم والاحترام‏،‏ أما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك ولا غيرهم‏

    غضب أحمد خورشيد باشا من تلك السيدة، فاقتادها إلى السجن‏،‏ الأمر الذي أثار غضب من يدينون لها بالفضل وبالمال‏،‏ إذ كانت غاية في الكرم والشهامة‏.‏ وقد ظلت هذه السيدة،‏ حتى في أيام محنتها‏،‏ ترعى بمعروفها وبرها‏،‏ أسراً كثيرة أصابها العناء والفقر بعد أن كانت كريمة ميسورة‏. وامتدحها مؤرخنا عبد الرحمن الجبرتي خلقاً وسلوكاً وشجاعة‏.‏ وعندما اعتُقِلَت في بيت السحيمي حاولت الهرب ليلاً‏،‏ لكنها لم تفلح‏،‏ وظلت تنتقل من عذابٍ إلى هوان إلى فقر حتى نسي الناس اسمها ورسمها‏

    لقيت نفيسة بعد ذلك أشد المحن والكوارث على يد محمد علي بعد أن تولى حكم مصر عام ‏1805،‏ فقد صادر محمد علي ما بقي لها من مال وعقار‏،‏ وعاشت بقية أيامها في فقر وجهد‏،‏ لكنها واجهت ذلك كله بصبر وقوة عزيمة‏،‏ ولم تفارقها مروءتها ولا علو نفسها ولا إباؤها‏‏

    وماتت نفيسة البيضاء عجوزاً‏ فقيرة‏،‏ بعد أن كانت ملكة على مصر، وذلك في يوم الخميس ‏19‏ إبريل نيسان عام ‏1816‏ في بيتها الذي بناه لها علي بك الكبير‏.‏ ووريت نفيسة الثرى إلى جوار قبر زوجها الأول علي بك الكبير في الإمام الشافعي. ‏وبعد موتها استولى محمد علي باشا على هذا البيت وأسكن فيه بعض أكابر دولته

    وفي دار الوثائق القومية المصرية، توجد وثائق بالغة الأهمية تخص تلك السيدة، بينها "كشفٌ يحتوي بيان ثمن المصوغات والمجوهرات المضبوطة لوفاة المرحومة الست نفيسة البيضا معتوقة وحرم المرحوم علي بك رضا الجهادي المتوفية بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1894 عن نجلها أحمد بك" (بتاريخ 17 إبريل 1895)، و"دفتر يحتوي حصر وتثمين تركة المرحومة الست نفيسة هانم حرم ومعتوقة المرحوم علي بك رضا المتوفية بتاريخ 23 أكتوبر سنة 1894 عن نجلها أحمد بك علي المعتوه والمعين عليه حسن أفندي رسمي قائماً شرعياً" (بتاريخ 13 مايو 1896)


    تبدلت أحوال سبيل وكُتاب نفيسة البيضاء مثلما حدث لهذه المرأة. فقد أصبح السبيل خارج الخدمة في وقت مبكر من القرن العشرين بعد دخول المياه الجارية إلى المنطقة. وفي خمسينيات القرن الماضي حل النظام التعليمي الجديد محل الكتاب ومدارس حفظ وتعليم القرآن، وبالتالي لم يعد المبنى يستخدم كمدرسة، بالرغم من أن الكثير من كبار السن في الحي يتذكرون كيف كانوا يحضرون الدروس هناك. وسرعان ما انتشر الحطام في ذلك المبنى المهجور الذي فقد جزءاً من سقفه، وانهارت درجاته، وتداعت جدرانه، ليصبح على وشك الانهيار

    هكذا كانت الصورة في عام 1995 عندما تضافرت جهود مركز البحوث الأميركي في مصر بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار لتنفيذ مشروع بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية- للحفاظ على هذا الأثر التاريخي. استغرق الترميم المعماري لسبيل وكتاب ووكالة نفيسة البيضاء نحو ثلاث سنوات، كجزءٍ من مشروع أكبر لترميم عدد من المواقع المهمة في القاهرة التاريخية. على أن مشروع الترميم افتتح رسمياً في 29 مارس آذار 2005 في حفل صغير حضره مسؤولون مصريون وأجانب


    وأثناء ترميم السبيل عُثِرَ على مجموعة من قطع الفخار التي تنتمي إلى فترات تاريخية مختلفة وأتى معظمها من أماكن بعيدة بعضها. ومن ذلك أوان فخارية مملوكية محلية وبعضها واردٌ من الصين ووسط آسيا وأوروبا، وكثير من الخزف الأوروبي عبارة عن فناجين قهوة. كما عُثِرَ على مجموعة غلايين تبغ عثمانية، ومجموعة أحجبة على صيغ دينية وسحرية وجدت ملتصقة بشقوق الحوائط، كان الغرض منها حماية المبنى من الانهيار ودفع الأذى عمن يرتادونه
    وبسبب حكايتها المليئة بالأحداث المثيرة، نسجت الكاتبة الفرنسية فرنسواز برتوليه تفاصيل حياة وموت نفيسة البيضاء في قصةٍ عنوانها:‏ عاشت في الظل.. ماتت في الذل


    أثرياء مصر زمان..والآن عمر مكرم..ومشايخ الوقت




    المال في مصر هو محرك السياسة، واسألوا عمر مكرم ومحمد علي باشا
    فقد أدى رحيل الفرنسيين عن مصر إلى عودة الوجوه القديمة لتتصدر ما يمكن تسميته مجازاً بقائمة أغنياء مصر، وأغلبهم منالمماليك الذين يعيشون على السلب والنهب. غير أن هؤلاء لم يكونوا في أغلبهم أكثر ثراء من شخصية لعبت دورا مؤثراً في تلك الفترة المفصلية من تاريخ مصر: عمر مكرم
    ولد عمر مكرم في أسيوط عام 1755، ثم انتقل إلى القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف، وانتهى من دراسته وأصبح نقيباً لأشراف مصر في زمنه، عام 1793، وهي نقابة تضم المنتسبين لآل البيت، ويطلق على نقيبها لقب "السيد"، وكان يتمتع بمكانة عالية عند العامة والخاصة
    ظهر عمر مكرم كقائد شعبي عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين إبراهيم بكومراد بك، عام 1795 مطالباً برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل في الرعية


    وعندما اقترب الفرنسيون من القاهرة عام 1798 تولى عمر مكرم تعبئة الجماهير للمشاركة في القتال إلى جانب جيش المماليك. وفي هذا الصدد يقول الجبرتي: "وصعد السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقاً كبيراً أسمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه ألوف من العامة"

    . ويعلق المؤرخ عبد الرحمن الرافعي (عصر محمد علي، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 2000) على ذلك بقوله: "وهذا هو بعينه استنفار الشعب إلى التطوع العام بعد هجمات الغازي المغير والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال"


    وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك. قرر عمر مكرم الرحيل عن القاهرة واتجه إلى بلبيس، وكان وجوده فيها عاملاً رئيسياً في إثارة مديرية الشرقية ضد الفرنسيين. وبعد هزيمة الصالحية في ربيع أول 1213هـ = أغسطس 1798م ارتحل إلى العريش، ومنها إلى غزة، فصادر نابليون بونابرت جزءاً من أمواله وأملاكه، ثم ألقي القبض عليه في يافا، فالتقاه نابليون، ووُضع تحت الإقامة الجبرية في دمياط؛ فكانت وفودٌ من الشعب تتردد عليه



    عاد عمر مكرم بعد ذلك إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال في بيته، ولكنه كان يعد العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبرى ضد الاحتلال الفرنسي.. تلك الثورة التي اندلعت في عام 1800 فيما يعرف بثورة القاهرة الثانية، وكان عمر مكرم من زعماء تلك الثورة. فلما خمدت الثورة اضطر إلى الهروب مرة أخرى خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه أحد زعماء الثورة، وظل
    خارج البلاد حتى رحيل الحملة الفرنسية عام 1801


    وقاد عمر مكرم المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية عام 1807، تلك المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد، ما دفع فريزر إلى الجلاء عن مصر. وفي هذا يقول الجبرتي: "نبه السيد عمر النقيب على الناس وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك حضور الدروس، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس"


    ويعلـق الرافعي على ذلك بقوله: "فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فإنك لترى هذا الموقف مماثلاً لموقفه عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان أعم وأعظم من عملهم اليوم"


    كما قاد عمر مكرم النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا عام 1805. ففي يوم 2 مايو أيار 1805 بدأت تلك الثورة، حيث عمت الثورة أنحاء القاهرة واجتمع العلماء بالأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وبدأت المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة فيما يخص الضرائب ومعاملة الأهالي، ولكن هذه المفاوضات فشلت، فطالبت الجماهير بخلع الوالي. وقام عمر مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة من مظالمهم إلى المحكمة، وهي ألا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها العلماء والأعيان، وأن يجلو الجند عن القاهرة وألا يسمح بدخول أي جندي إلى المدينة حاملاً سلاحه
    وفي يوم 13 مايو قرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي بدلاً منه بعد أن أخذوا عليه شرطاً: "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام والشرائع، ويقلع عن المظالم وإلا يفعل أمراً إلا بمشورة العلماء وأنه متى خالف الشروط عزلوه"
    وفي يوم 16 مايو 1805 صدرت فتاوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وانتهى الأمر بعزل هذا الوالي، ونجاح الثورة الشعبية

    وكان عمر مكرم هو زعيم هذه الحركة الشعبية ومحركها، وفي ذلك يقول الرافعي: "كان للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادها"

    تولى محمد علي حكم مصر بتأييد الزعامة الشعبية التي قادها عمر مكرم وفق مبادئ معينة في إقامة العدل والرفق بالرعية، وكان من نتيجة ذلك أن تحملت الزعامة المسؤوليات والأخطار التي واجهت نظام محمد علي الوليد، ومنها أزمة الفرمان السلطاني بنقله إلى سالونيك، والحملة الإنجليزية على مصر سنة (1222هـ = 1807م)، وإجهاض الحركة المملوكية للسيطرة على الحكم في مصر؛ ففي هذه الأزمات الثلاث الكبرى كانت زعامة عمر مكرم تترسخ في وجدان المصريين؛ إذ رفض مساندة المماليك في تأليب الشعب ضد محمد علي، ورفض فرمانات السلطان العثماني بنقل الباشا إلى سالونيك فاحتمى محمد عليبه من سطوة العثمانيين، وفي حملة فريزر قام عمر مكرم بتحصين القاهرة، واستنفر الناس للمقاومة، وكانت الكتب والرسائل تصدر منه وتأتي إليه، أما محمد علي فكان في الصعيد يتلكأ، وينتظر حتى تسفر الأحداث عن مسارها الحقيقي
    أدرك محمد علي أن عمر مكرم يهدد مكانته في حكم مصر؛ فمن استطاع أن يرفعه إلى مصاف الحكام يستطيع أن يقصيه، ومن ثم أدرك أنه لكي يستطيع تثبيت دعائم ملكه وتجميع خيوط القوة في يده لا بد له أن يقوض الأسس التي يستند عليها عمر مكرم في زعامته الشعبية.. فعندما أعلن زعماء الشعب عن استعدادهم للخروج لقتال الإنجليز أجاب محمد علي: "ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم المساعدة بالمال لعلائف العسكر"
    كانت العبارة صدمة كبيرة لعمر مكرم؛ إذ حصر دور الزعامة الشعبية في توفير علائف الحيوانات، ولكن حصافة الرجل لم تجعله يعلن خصومة محمد علي، وأرجع مقولة الباشا إلى أنها زلة لسان، وآثر المصلحة العامة لمواجهة العدوان؛ فقام بجمع المال؛ وهو ما وضعه في موقف حرج مع بعض طوائف الشعب
    وصف الجبرتي مكانة عمر مكرم بقوله: "وارتفع شأن السيد عمر، وزاد أمره بمباشرة الوقائع، وولاية محمد علي باشا، وصار بيده الحل والعقد، والأمر والنهي، والمرجع في الأمور الكلية والجزئية". فكان يجلس إلى جانب محمد علي في المناسبات والاجتماعات، ويحتل مركز الصدارة في المجتمع المصري، حتى إن الجماهير كانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه

    التقت إرادة محمد علي في هدم الزعامة الشعبية مع أحقاد المشايخ وعدد من العلماء على عمر مكرم، وتنافسهم على الاقتراب من السلطة وتجميع ما تُلقي إليهم من فتات، في هدم هذه الزعامة الكبيرة؛ فقد دب التنافس والانقسام بين المشايخ حول المسائل المالية، والنظر في أوقاف الأزهر، وتولي المناصب، فتدهورت قيمتهم ومكانتهم عند الشعب، واستشرى الفساد بينهم
    يقول الجبرتي عن هؤلاء المشايخ: "وقد زالت هيبتهم ووقارهم من النفوس وانهمكوا في الأمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال في المآثم والمسارعة إلى الولائم في الأفراح والمآتم يتكالبون على الأسمطة كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين وللكباب والمحمرات خاطفين وعلى ما وجب عليهم من النصح تاركين‏"
    استطاع محمد علي أن يجد طريقه بين هذه النفوس المريضة للوصول إلى عمر مكرم، بل إن هؤلاء المشايخ - وبينهم الشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الدواخلي- سعوا إلى السلطة الممثلة في محمد علي للإيقاع بعمر مكرم. ونقل الوشاة من العلماء إلى "الباشا" تهديد عمر مكرم برفع الأمر إلى "الباب العالي" ضد والي مصر، وتوعده بتحريك الشعب للثورة، وقوله: "كما أصعدته إلى الحكم فإنني قدير على إنزاله منه"
    ولما نشبت بعض الخلافات حول بعض الأمور المالية المتعلقة بفرض الضرائب، وقف عمر مكرم إلى جوار الشعب وتوعد بتحريك الشعب إلى ثورة عارمة. ونقل الوشاة الأمر إلى محمد علي باشا الذي حاول بشتى الطرق كسب مكرم لتطويع إرادته وعدم تبني مطالب الشعب، وكان كل من عمر مكرم ومحمد علي باشا يعرف قدرة الآخر وشعبيته بين أهالي مصر. وكان أن أعد محمد علي باشا حساباً ليرسله إلى الدولة العثمانية يشتمل على أوجه الصرف، ويثبت أنه صرف مبالغ معينة جباها من البلاد بناء على أوامر قديمة. وأراد الباشا أن يعزز برهانه على صدق حساباته، فطلب من زعماء المصريين أن يكتبوا أسماءهم على ذلك الحساب وفي ذلك شهادة منهم بأوجه صرف تلك الأموال. وجاء دور عمر مكرم فرفض قائلاً: إن الضرائب المعتادة التي جمعها الباشا كانت تكفي لكل ما قام به من الأعمال العامة، وبالتالي فإنه لا يستطيع أن يشهد بغير ذلك
    وكان هذا هو الأمر الذي أرّق الباشا، ورأى أن عمر مكرم بذلك لا يدافع عن حقوق الناس وإنما يظهره بالمظهر غير اللائق أمام الدولة العثمانية وكأنه حاكم غير مؤتمن، وجد محمد علي أن هذه المواقف تمس مجده وشخصه، فعزم على أن يرسل في استدعاء عمر مكرم إلى مقابلته، فكان رد الأخير أن قال: إذا أراد الباشا أن يقابلني فلينزل هو من القلعة إلى بيت السادات ليلقاه هناك وبذلك تكون المقابلة على السواء.. ولكن الباشا وجد هذا الرد إهانة جديدة مسته، وكظم الباشا غيظه ولم يظهر رد فعله ونزل إلى بيت ابنه إبراهيم بك في المدينة وطلب من الزعماء الذهاب إليه هناك، وذهبوا جميعاً إلا عمر مكرم الذي اعتذر متعللاً بمرضه
    هنا لم يستطع محمد علي باشا أن يتحمل أكثر فعزم على أن يوجه لعمر مكرم ضربة قاضية فأعلن في جمع حافل خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وتعيين الشيخ السادات ثم أمر بنفيه من القاهرة إلى دمياط في (27 من جمادى الثانية 1224هـ = 9 من أغسطس 1809م)، وقبض العلماء الثمن في الاستحواذ على مناصب هذا الزعيم الكبير؛ ومن هنا جاءت تسمية الجبرتي لهم بـ"مشايخ الوقت". ويؤكد الجبرتي أن عصر محمد علي باشا اتسم برواج سوق النفاق، خصوصاً بعد أن أصدر محمد علي فرماناً بعزل عمر مكرم ونفيه إلى دمياط. ويذكر الجبرتي كيف أن الشيوخ أخذوا يبالغون في ذم الزعيم الوطني عمر مكرم "نفاقاً لمحمد علي" مع أن مكرم "كان ظلاً ظليلاً عليهم وعلى أهل البلد.. يدافع عنهم.. ولم يزالوا بعده في انحطاط"
    بعد نحو ثلاث سنوات بدأ محمد علي باشا في تطبيق سياسة مالية جديدة، وتجدد خوفه من زعامة عمر مكرم الذي كان قد عاد إلى القاهرة في (12 من ربيع الأول 1234هـ = 9 من يناير 1819م) وقد نالت منه السنون؛ فآثر الابتعاد عن الحياة العامة
    وعندما انتفض القاهريون في (جمادى الآخرة 1237هـ = مارس 1822م) ضد الضرائب الباهظة، أرسل محمد علي أحد الضباط إلي بيت عمر مكرم في أثر النبي وكان نائماً، فأوقظه الضابط وقبّل يده ووقف متأدباً ونقل له الضابط رغبة الباشا في سفره إلى طنطا، فقال عمر مكرم: "متى أراد الباشا فأنا مستعد، وسأعد سفينة للسفر"، ولما أخبره الضابط أن كل شيء معد فقال: إذن لهم، وسافر في ذلك المساء منفياً إلى طنطا

    لم يبق عمرمكرم في منفاه طويلاً حيث توفي في العام نفسه عن عمر يناهز ٧٠ عاماً
    أما "مشايخ الوقت" فقد نالوا ما يستحقونه
    فقد بطش بهم محمد علي واحداً تلو الآخر.. فالشيخ المهدي مثلاً حرمه محمد علي من تولي مشيخة الأزهر، بالرغم من انتخابه لهذا المنصب من قبل العلماء، والشيخ السادات الذي تولى نقابة الأشراف بعد عمر مكرم أهانه محمد علي بعد وفاته، وصادر كل أمواله وممتلكاته وهدد أرملته بإغراقها في النيل إذا لم تفصح عن حقيقة الثروة التي خلفها الشيخ المتوفى، والشيخ الدواخلي -الذي تولى نقابة الأشراف بعد السادات- عزله محمد علي من النقابة، ونفاه إلى دسوق
    ويحكي الجبرتي في "عجائب الآثار في التراجم والأخبار": "أنا أقول أن الذي وقع لهذا الدواخلي إنما هو قصاص وجزاء فعله في السيد عمر مكرم فإنه كان من أكبر الساعين عليه إلى أن عزلوه وأخرجوه من مصر والجزاء من جنس العمل كما قيل‏:‏
    فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا

    "ولما جرى على الدواخلي ما جرى من العزل والنفي أظهر الكثير من نظرائه المتفقهين الشماتة والفرح وعملوا ولائم وعزائم ومضاحكات كما يقال"
    وهكذا تكون النهايات لائقة بأعمال أصحابها






    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:45 pm

    أثرياء مصر زمان.. والآن






    كان أثرياء اليهود في مصر يبحثون عن المال فوق الأرض..وتحتها أيضاً

    فقد أسس إميل عدس الشركة المصرية للبترول برأسمال 75000 جنيه في بداية عشرينيات القرن العشرين، في الوقت الذي احتكر فيه اليهودي إيزاك ناكامولي تجارة الورق في مصر

    كما اشتهر اليهود في تجارة الأقمشة والملابس والأثاث حتى أن شارع الحمزاوي والذي كان مركزاً لتجارة الجملة كان به عدد كبير من التجار اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة شملا، وهي محال شهيرة أسسها كليمان شملا كفرع لمحال شملا باريس، وقد تحولت إلى شركة مساهمة عام 1946 برأسمال 400.000 جنيه مصري


    أما "شيكوريل" فقد أسستها عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل عام 1887 ورئس مجلس إدارتها مورينو شيكوريل عميد

    العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000 جنيه، وعمل بها 485 موظفاً أجنبياً و142 موظفاً مصرياً. وفي عام 1909، افتتح محلاًّ جديداً في ميدان الأوبرا والذي حوَّله أبناؤه سولومون ويوسف وسالفاتور إلى واحد من أكبر المحال التجارية في مصر. وفي عام 1936، انضمت إليهم عائلة يهودية أخرى، فأصبحوا يمتلكون معاً مجموعة محلات أوريكو


    كان يوسف (بك) شيكوريل من مؤسسي بنك مصر (عام 1920)، كما كان أخوه سالفاتور (بك) شيكوريل عضواً في مجالس إدارة العديد من الشركات وعضواً في مجلس إدارة الغرفة التجارية المصرية ثم رئيساً لها. وكان ضمن البعثة الاقتصادية المصرية التي سافرت إلى السودان بهدف تعميق العلاقات التجارية بين البلدين وفتح مجالات جديدة أمام رؤوس الأموال المصرية في السودان

    وقد كان شيكوريل متجراً للارستقراطية المصرية بما في ذلك العائلة الملكية، لكنه احترق بكرات لهبٍ ألقيت عليه أثناء حرب فلسطين الأولى عام 1948.. ثم دَُِمر مرة أخرى في حريق القاهرة مطلع عام 1952.. وفي المرتين أعيد بناؤه بمساعدة الحكومة.. وبقي على حاله حتى وَُِضعَ تحت الحراسة بعد نشوب حرب السويس 1956.. وسرعان ما تخلى أصحابه عنه ببيع أسهمه لرجال أعمال

    وبالرغم من أنه في أعقاب ثورة يوليو 1952 حرص سالفاتور على مد جسور علاقات طيبة مع الضباط الأحرار، خصوصاً أنه كان معروفاً كرياضي سابق وكابتن منتخب مصر للمبارزة الذي شارك في دورة أمستردام الأوليمبية عام 1928، فإنه لحق بباقي أفراد أسرته في أوروبا عام 1957 بعد أن نقل أرصدته إلى الخارج وباع أهم شركاته:


    Les Grands Magasins Cicurel & Oreco S.A.E
    ذات رأس المال البالغ 600 ألف جنيه والتي كانت تعد جوهرة التاج في شارع فؤاد الذي أصبح الآن شارع 26 يوليو، وسط القاهرة..الذي كان

    وتبرز أيضاً شركة "بونتبوريمولي" أشهر شركات الديكور والأثاث، وأسسها هارون وفيكتور كوهين، و"غاتينيو" وهي سلسلة محال أسسها موريس غاتينيو الذي احتكر تجارة الفحم ومستلزمات السكك الحديد. وكانت عائلة عدس من العائلات اليهودية الشهيرة في عالم الاقتصاد وأسست مجموعة شركات مثل بنزايون، هد، ريفولي، هانو، عمر أفندي

    ورئس فيكتور هراري (1857-1945) – الذي جاء والده إلى مصر في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر قادماً من بيروت- عدداً من الشركات التي أُقيمت بالتعاون بين كاسل ومجموعة قطاوي ـ سوارس ـ منَسَّى ـ رولو، وانتخب عام 1929 عضواً بمجلس إدارة البنك الأهلي المصري. وحصل على لقب سير عام 1928 تقديراً للخدمات التي قدَّمها للحكومة البريطانية

    كما احتكر اليهود صناعات أخرى مثل صناعة السكر ومضارب الأرز التي أسس سلفاتور سلامة شركة تحمل اسمها عام 1947 برأسمال 128.000 جنيه مصري، وكانت تنتج 250 طناً من الأرز يومياً، وشركة الملح والصودا التي أسستها عائلة قطاوي عام 1906

    كذلك استثمر اليهود في قطاع الفنادق، إذ ساهمت عائلة موصيري في تأسيس شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال، مينا هاوس، سافوي، سان ستيفانو. و"موصيري" هي عائلة يهودية سفاردية من أصل إيطالي استقرت في مصر في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية. وحقَّق يوسف نسيم موصيري ثروته من التجارة. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة مؤسسة يوسف نسيم موصيري وأولاده

    وتزوج الابن الأكبر نسيم (بك) موصيري (1848 ـ 1897) من ابنة يعقوب قطاوي، وأصبح نائب رئيس الطائفة الإسرائيلية في القاهرة وهو منصب توارثته العائلة من بعده. ولم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرن العشرين (1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879ـ 1940) ابن نسيم (بك)، بالتعاون مع إخوته الثلاثة يوسف (1869 ـ 1934) وجاك (1884 ـ 1934) وموريس، بنك موصيري
    حقَّق إيلي موصيري مكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد في إنجلترا وتزوج من ابنة فليكس سوارس. وكانت تربطه علاقات وثيقة بإسماعيل صدقي، كما كانت له مصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوربية اليهودية مثل بيوت روتشيلد ولازار وسليجمان، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر. وأسس جوزيف موصيري شركة "جوزي فيلم" للسينما عام 1915 والتي أقامت وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي وتحوَّلت إلى واحدة من أكبر الشركات العاملة في صناعة السينما المصرية. أما فيكتور موصيري (1873ـ 1928)، فكان مهندساً زراعياً مرموقاً وكانت له إسهامات مهمة في مجال زراعة القطن وصناعة السكر

    واشتركت عائلات يهودية أيضاً في تأسيس الشركات العقارية العديدة التي أقيمت في إطار مبيعات أراضي الدائرة السنية ثم في إطار الحجوزات العقارية بعد تَراكُم الديون على كبار وصغار الملاك المصريين نتيجة انخفاض الطلب على القطن المصري. وقد تأسَّس أكثر هذه الشركات في الفترة ما بين عامي 1880 و1905، وقامت بامتلاك الأراضي واستغلالها وبإقامة المشروعات العقارية والصناعية عليها وكذلك المضاربة فيها لتحقيق تَراكُم سريع لرأس المال

    ومن أهم هذه الشركات شركة أراضي الشيخ فضل، وشركة وادي كوم أمبو التي تأسست في 24 مارس آذار 1904 بامتياز مدته 99 عاماً، ورأسمال 300.000 جنيه أسترليني، وكان كبار المساهمين السير إرنست كاسل والسير إلوين بالمر والخواجات سوارس إخوان وشركاهم وفليكس سوارس ورافائيل سوارس ويوسف أصلان قطاوي بك وروبيرس رولو. امتلكت هذه الشركة 30.000 فدان في كوم أمبو، بخلاف 21.000 فدان وشقت 91 كيلومتراً من المصارف والترع و48 كيلومتراً من السكك الحديد
    كذلك برزت شركة مساهمة البحيرة التي تأسست في يونيو حزيران 1881 برأسمال 750.000 جنيه مصري وامتلكت 120 ألف فدان

    ويمكن تقدير مدى مساهمة أعضاء الجماعات اليهودية في مصر في الشركات والقطاعات الاقتصادية المختلفة من خلال عضويتهم في مجالس إدارة الشركات المساهمة التي سيطرت على أهم قطاعات الأعمال في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر. وتشير بعض الإحصاءات إلى أن اليهود احتلوا 15,4% من المناصب الرئاسية و16% من المناصب الإدارية عام 1943، وانخفضت هذه النسبة إلى 12,7% و12,6% عامي 1947 و1948، وإلى 8,9% و9,6% عام 1951. وتشير إحصاءات أخرى إلى أن نسبة اليهود في مجالس إدارة الشركات المساهمة كانت 18% عام 1951. والواقع أن هذه نسب مرتفعة إذا ما قورنت بنسبتهم لإجمالي السكان والتي بلغت عام 1950 نحو 0,4% فقط. (د. عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ج 6، ص 378)


    ويمكن القول إن اليهود في مصر استطاعوا تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة بلغت أقصاها في الفترة من 1940 وحتى 1946 في الوقت الذي كان الاقتصاد العالمي يعاني فيه ركوداً نتيجة ظروف الحرب العالمية الثانية. واستطاع يهود مصر أن يصبحوا أغنى طائفة يهودية في الشرق الأوسط، ولم يتأثروا بإلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937 أو انخفاض معدلات الهجرة إلى مصر، أو حتى صدور قانون الشركات رقم 138 والذي صدر في يوليو تموز 1947 لتنظيم الشركات المساهمة، لكن كان قيام إسرائيل عام 1948 أثره في تحديد دور طائفة اليهود في مصر

    وبعد قيام ثورة يوليو 1952، ازداد الموقف اضطراباً، بعد أن تغيرت موازين القوى بين العائلات اليهودية والسلطة الحاكمة في مصر. في البداية شهدت الثورة مؤشرات إيجابية على العلاقة بين الجانبين، إذ زار الرئيس محمد نجيب معبد "اليهود القرائين" في 25 أكتوبر تشرين ثانٍ 1952 لتهنئة المصريين اليهود بعيد كيبور "الغفران"


    ويحكي جوئل بينين في كتابه "شتات اليهود المصريين: الجوانب الثقافية والسياسية لتكوين شتات حديث" (ترجمة: محمد شكر، دار الشروق، 2007) كيف عنَّف الرئيس نجيب ذات مرةٍ الشيخ أحمد حسن الباقوري (1907-1985) وطالبه بالذهاب إلى الحاخام الأكبر لليهود في مصر والاعتذار عن كلام قاله في برنامج إذاعي. وفي عام 1953 احترق مخبز يوفر الأكل الحلال أو الكوشر حسب العقيدة اليهودية، ومن ضمن ما احترق كان كمية ضخمة من فطير ماتسا، مخزنة للأكل في يوم العيد، فطلب الحاخام الأكبر لليهود في مصر إذناً باستيراد 20 طناً من الدقيق من خارج . وبعد نقاش حول كمية الدقيق المطلوب استيراده، وافقت الحكومة على الاستيراد، على اعتبار أن منع الاستيراد سيؤدي إلى تعطيل شعيرة دينية، وهو ما كان مرفوضاً تماماً



    وفي عام 1956 كان عدد المصريين اليهود 60 ألفاً، لكن الأوضاع والسياسات المحلية والإقليمية التي شهدتها تلك الفترة أدت إلى هجرة 20 ألفاً منهم بين عامي 1956 و 1961. وقام معظم اليهود في مصر بتصفية أعمالهم وأملاكهم، وهاجر الكثير منهم إلى أوروبا والولايات المتحدة وإسرائيل
    ( د. محمد أبو الغار، يهود مصر من الازدهار إلى الشتات، دار الهلال، القاهرة، 2004)


    واليوم يُثار بين فترةٍ وأخرى ملف التعويضات عن ممتلكات اليهود المصريين، التي تقدر منظمات يهودية قيمتها بنحو 5 مليارات دولار وهي قيمة التعويضات في 3500 قضية مرفوعة على الحكومة المصرية في الولايات المتحدة ودول أوروبية، وتدعم واشنطن هذه الحملة اليهودية المطالبة بالتعويضات عبر برنامج الحريات الدينية التابع للخارجية الأميركية، إذ سبق لوفد من "لجنة الحريات الدينية الأميركية" أن وضع على أجندة مطالبه من مصر قضية "ممتلكات اليهود المصريين"، وسلم الوفد عام 2006 الحكومة المصرية ملفاً كاملاً عن أملاك اليهود في مصر وأماكنها (أنس مصطفى كامل، الرأسمالية اليهودية في مصر، ميريت للنشر والتوزيع، 1999)


    ومن أشهر القضايا التي أقامها يهود مصر لاسترداد ممتلكاتهم، قضية ورثة جوزيف سموحة والتي قيدت برقم 146 لسنة 8 قضائية أمام محكمة القيم ضد هيئة الإصلاح الزراعي ووزير المالية ورئيس جهاز تنمية وتعمير منطقة سموحة، والتي طالبوا فيها برد مساحة 37 فدانا من أرض منطقة سموحة. كما أقام ورثة الثري ألبرت ميتزغر الذي ينحدر من عائلة أتت من منطقة الألزاس-اللورين شرق فرنسا دعوى قضائية عام 1978 لاسترداد فندق "سيسل" الشهير بمحطة الرمل، الذى أنشيء عام 1929 وصدر القرار الجمهوري رقم 5 لسنة 1956 بتأميمه لدواعٍ أمنية
    وفي نوفمبر تشرين ثانٍ 2007 قال رئيس الشركة المصرية القابضة للسياحة والفنادق والسينما إنه تم التوصل إلى تسوية نهائية مع ورثة الفندق الأصليين وسداد ثمنه بالكامل،في حين أشارت وسائل الإعلام إلى أن باتريشيا وريثة ميتزغر نالت نحو 10 ملايين دولار لتسوية الموضوع

    ومن القضايا الشهيرة أيضا قضية أملاك بيجو، التي رفعها رافال بيجو اليهودي الكندي ذو الأصول المصرية (حفيد نسيم بيجو) وآخرون ضد شركة "كوكا كولا"، التي اتهمها بالاستيلاء دون وجه حق على أملاك أسرته بالقاهرة، بعد قيام الحكومة المصرية في عهد جمال عبد الناصر بفرض الحراسة على ممتلكات أسرة الخواجة بيجو الجد إثر قيامها بتحويل مبالغ مالية كبيرة إلى اليهود في إسرائيل بالتعاون مع الوكالة اليهودية
    وفي عالم المال، الماضي أرنبٌ يقفز دوماً إلى الحاضر، وإن ساعدته قوائمه امتدت القفزة إلى المستقبل أيضاً
    أثرياء مصر زمان.. والآن بنوك سوارس وقطاوي باشا






    من رحم عصر الخديو إسماعيل، وُلِدَ أشهر رجال المال والأعمال في ذلك الزمان
    ففي أواخر عهده برزت أسماء تجار ورجال بنوك أجانب ويهود امتلكوا مشروعات خاصة ووضعوا أيديهم على جزء كبير من ثروة البلاد

    والشاهد أن اليهود الذين زادت هجرتهم إلى مصر في عهد الخديو إسماعيل تمتعوا بكل الامتيازات الأجنبية. ومن تسعة آلاف يهودي يقيمون في مصر في عهد محمد علي باشا، ارتفع الرقم حسب تعداد السكان لعام 1898 إلى 25200 نسمة ثم زاد في تعداد 1927 إلى 55063 إلى أن أصبح 65639 وفق تعداد عام 1947. ويبدو أن التطور الاقتصادي في مصر كان عامل الجذب الأساسي لقدومهم واستقرارهم بها

    وهكذا تردد اسم عائلة سوارس التي امتدت أذرعها براً وبحراً
    وسوارس عائلة سفاردية وفدت من ليفورنو في إيطاليا ثم استقرت في مصر النصف الأول من القرن التاسع عشر، وحصلت على الجنسية الفرنسية. وقد أسَّس الإخوة الثلاثة، رافائيل (1846 ـ 1902) ويوسف (1837 ـ 1900) وفيلكس (1844 ـ 1906)، مؤسسة سوارس عام 1875. وفي عام 1880، قام رافائيل سوارس، بالتعاون مع رأس المال الفرنسي ومع شركات رولو وقطاوي، بتأسيس البنك العقاري المصري، كما قام بالتعاون مع رأس المال البريطاني الذي مثَّله المالي البريطاني اليهودي سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلي المصري عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان
    (Krämer, Gudrun. The Jews in Modern Egypt, 1914 - 1952, Seattle: University of Washington Press, 1989)
    كما اشترك سوارس مع كاسل وعائلة قطاوي في شراء 300 ألف فدان من أراضي الدائرة السنية وإعادة بيعها إلى كبار الملاك والشركات العقارية. كذلك اشترك سوارس مع رأس المال الفرنسي في تأسيس شركة عموم مصانع السكر والتكرير المصرية عام 1897 والتي ضمتها عام 1905 شركة وادي كوم أمبو المساهمة، وكانت من أكبر المشروعات المشتركة بين شركات قطاوي وسوارس ورولو ومنَسَّى، كما كانت واحدة من أكبر الشركات الزراعية في مصر شارك سوارس في تأسيس شركة مياه طنطا. وفي مجال النقل البري، أسست العائلة شركة "سوارس لعربات نقل الركاب"، حتى أن وسيلة النقل هذه سميت على اسم العائلة: السوارس

    وتعاونت سوارس مع عائلة قطاوي في إقامة السكك الحديدية. كما امتلكت العائلة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وأراضي البناء في وسط القاهرة حيث سُمِّي أحد الميادين باسم "ميدان سوارس" نسبة إلى فليكس سوارس، لكن اسم الميدان تغير إلى مصطفى كامل اعتباراً من عام 1939. وامتلكت عائلة سوارس حصصاً وأسهماً في العديد من الشركات، واحتل كثيرٌ من أفرادها مواقع رئاسية وإدارية في كثير منها. فتولى ليون سوارس (ابن فليكس سوارس) إدارة شركة أراضي الشيخ فضل وإدارة شركة وادي كوم أمبو. وعند وفاة أبيه، ترك ليون مؤسسة سوارس ليخلف أباه في إدارة البنك الأهلي والبنك العقاري المصري (د. عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، دار الشروق، 1999، ج 6، ص 384)

    وبمبادرة من إدغار سوارس - الذي تولَّى رئاسة الجماعة في الإسكندرية في الفترة من 1914 ـ 1917- اشترت شركة مساهمة كان من مؤسسيها آلاف الأفدنة، وبعد استصلاحها تم بيعها بمساحاتٍ صغيرة للمزارعين وبقروض طويلة الأجل
    (Mizrahi, Maurice. "The Role of Jews in Economic Development." In The Jews of Egypt: A Mediterranean Society in Modern Times, edited by Shimon Shamir, Boulder, CO: Westview Press, 1987)
    وتقفز إلى الذاكرة عائلة قطاوي، وهي عائلة مصرية يهودية برز عددٌ من أفرادها في النشاط السياسي والاقتصادي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين، وترجع أصولها إلى قرية قطا شمالي القاهرة
    بدأ دور هذه العائلة مع نزوح أليشع حيدر قطاوي إلى القاهرة في أواخر القرن الثامن عشر، حيث حصل ابنه يعقوب (1801 ـ 1883) على امتيازات من الحكومة للقيام بأنشطة تجارية ومالية، وكان أول يهودي مصري يمنح لقب "بك". كما حصل على لقب "بارون" من الإمبراطورية النمساوية المجرية التي حملت العائلة جنسيتها. وقد أوكلت إليه نظارة الخزانة في فترة حكم الخديو عباس الأول (1849 ـ 1854)، واحتفظ بهذا المنصب خلال حكم الوالي سعيد والخديو إسماعيل، وتولَّى في أواخر أيامه رئاسة الجماعة اليهودية في القاهرة التي كانت تُسمَّى "الطائفة الإسرائيلية"
    وبعد وفاته في قصره بشبرا في 13 إبريل نيسان 1883، خلفه ابنه موسى قطاوي (1850-1924) في رئاسة الطائفة، واختير عضواً في البرلمان المصري، كما مُنح لقب الباشوية. وكان موسى قطاوي من كبار رجال المال والبنوك، وتولَّى إدارة عدد من الشركات وساهم في تمويل مشروعات السكك الحديد في صعيد مصر وشرق الدلتا ومشروعات النقل العام في القاهرة بالتعاون مع عائلات سوارس ورولو ومنَسَّى


    وبعد وفاة موسى، انتقلت رئاسة الطائفة إلى يوسف أصلان قطاوي (1861ـ 1942) الذي اختير عضواً في العديد من المجالس الاستشارية للمؤسسات الصناعية والمالية واشترك عام 1920 بالتعاون مع طلعت حرب ويوسف شيكوريل في تأسيس بنك مصر. وفي عام 1915، كان يوسف قطاوي عضواً في الوفد المصري الساعي إلى التفاوض مع بريطانيا لنيل الاستقلال لمصر، كما اختير عام 1922 عضواً في اللجنة التي أُسندت إليها مهمة وضع دستور مصري جديد في أعقاب الثورة المصرية (1919) والتصريح البريطاني بمنح مصر استقلالها الشكلي (1923). وقد عمل يوسف أصلان قطاوي وزيراً للمالية عام 1924 ثم وزيراً للمواصلات عام 1925، وانتُخب عام 1923 عضواً في مجلس النواب عن دائرة كوم أمبو، كما كان عضواً في مجلس الشيوخ في الفترة من 1927 وحتى 1936. وقد تزوج من عائلة سوارس وكانت زوجته أليس وصيفة أولى للملكة نازلي زوجة الملك فؤاد، ووصيفة للملكة فريدة زوجة الملك فاروق

    وبعد وفاة يوسف أصلان، انتُخب ابنه أصلان ليشغل مقعد أبيه في مجلس الشيوخ عام 1938، كما عمل سكرتيراً عاماً لمصلحة الأملاك الأميرية التابعة لوزارة المالية ومندوباً عن الحكومة المصرية في شركة قناة السويس ومندوباً للحكومة في البنك الأهلي المصري. أما ابنه الثاني رينيه، فقد اختير عام 1943 رئيساً للجماعة اليهودية في القاهرة. وكان عضواً في البرلمان كما أدار عدة مشروعات اقتصادية

    لعبت هذه العائلة في تشييد معبد اليهود في شارع عدلي أحد أشهر أحياء القاهرة التجارية عام 1899 والذي تم تجديده عام 1988 بتبرع من المليونير اليهودي نسيم جاعون، وافتتح رسمياً بحضور شمعون بيريس – الرئيس الإسرائيلي لاحقاً- عام 1990


    ويتعين عدم إغفال عائلة رولو، وهي عائلة يهودية سفاردية جاءت إلى مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر واحتفظت بالجنسية البريطانية. وقد امتلك روبين رولو مؤسسة تجارية تخصَّصت أساساً في استيراد النيلة (صبغة). وفي عام 1870، أسس ولداه جياكومو (يعقوب) (1847 ـ 1917) وسيمون، مع بعض الشركاء، مؤسسة مالية وتجارية باسم "روبين رولو وأولاده وشركاهم". وتعاونت عائلة رولو من خلال هذه المؤسسة مع عائلتي قطاوي وسوارس في العديد من المشروعات التي أقاموها بالتعاون مع المالي البريطاني سير إرنست كاسل ـ خصوصاً مشروعات الدائرة السنية وإقامة سكك حديد حلوان وتأسيس البنك العقاري المصري والبنك الأهلي المصري
    وأثناء الأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1907، صفَّى جياكومو المؤسسة ثم أقام مع أبنائه الثلاثة مؤسسة رولو وشركاه والتي جمعت بين الأنشطة المصرفية والمالية وتجارة الجملة في القطن والسكر والأرز والفحم والبن، كما امتلكت حصصاً كبيرة في بعض الشركات العقارية الكبرى (مثل: شركة وادي كوم أمبو وشركة أراضي الشيخ فضل) وشركة مصانع السكر
    وعند وفاته، ترك جياكومو رولو ثروة من العقارات تُقدَّر بنحو 70 ألف جنيه. أما ابنه الأكبر روبير جياكومو رولو (1876 ـ ؟ )، فقد انتُخب رئيساً للطائفة اليهودية في الإسكندرية في الفترة 1934 ـ 1948. وكان روبير جياكومو مناهضاً للصهيونية، واستقال من رئاسة الطائفة عام 1948 قبل اندلاع حرب فلسطين مباشرة بسبب خلافه مع حاخام الإسكندرية المؤيد للصهيونية


    أما روبير رولو (1869 ـ؟ )، فحقق مكانة مهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر، إذ تولَّى رئاسة عدد من مجالس إدارة الشركات التي ساعد أباه في تأسيسها. وكان مستشاراً قانونياً للملك فؤاد الأول ومقرباً له فقام بدور الوسيط بين القصر ودار المندوب السامي البريطاني، وحصل على لقب "سير" عام 1938


    وهناك أيضاً عائلة "منَسَّى" أو "دي منَسَّى" أو "منَسَّه"، لكن النطق الشائع في مصر هو "منشه". ويُوجَد شارع في الإسكندرية يُسمَّى "شارع منشَّه". ومنَسَّه عائلة يهودية سفاردية جاءت إلى مصر من إسبانيا، ويعود أول ذكر لوجودها في مصر إلى القرن الثامن عشر. بدأ يعقوب دي منَسَّى (1807 ـ 1887) حياته صرَّافاً في حارة اليهود، وتدرَّج في عمله حتى أصبح صراف باشا للخديو إسماعيل. ثم أسس بالتعاون مع يعقوب قطاوي مؤسسة مالية وتجارية (بيت منَسَّى وأولاده) أصبح لها أفرع في مانشستر وليفربول ولندن وباريس ومارسيليا وإسطنبول، كما اشترك بالتعاون مع الخديو إسماعيل في تأسيس البنك التركي المصري، وارتبط نشاطه بكثير من شركات ومشروعات عائلتي قطاوي وسوارس
    (Landau, Jacob M. Jews in Nineteenth-Century Egypt. New York: New York University Press, 1969)


    وفي عام 72/1873، مُنح يعقوب دي منَسَّى الحماية النمساوية، وفي عام 1875 مُنح لقب البارونية والجنسية النمساوية المجرية تقديراً للخدمات التي قدمها للتجارة النمساوية المجرية ـ المصرية. وترأَّس يعقوب دي منَسَّى الطائفة اليهودية في القاهرة عام 1869، ثم انتقل عام 1871 إلى الإسكندرية حيث أسَّس معبد منَسَّى ومقابر منَسَّى ومدارس منَسَّى، ورئس ابنه بيهور (ديفيد) ليفي دي منَسَّى (1830ـ 1885) الطائفة في الإسكندرية وخلفه في رئاستها ابنه جاك (1850 ـ 1916) الذي احتفظ بها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى حينما اعتبرته السلطات البريطانية عدواً لأنه كان يحمل الجنسية النمساوية المجرية
    وقد نقل جاك أعمال الأسرة من الأعمال المالية والمصرفية إلى تجارة القطن والسكر المربحة، واشترى مساحات واسعة من الأراضي في دلتا وصعيد مصر. ووصلت ثروته عند وفاته إلى ما بين 300 و500 ألف جنيه مصري
    أما الشقيق الأصغر فليكس يهودا (1865 ـ 1943)، فدرس في فيينا وأسَّس فرع بيت منَسَّى في لندن ورئس الطائفة اليهودية في الإسكندرية في الفترة ما بين عامي 1926 و1933


    ولا يجاوز أحدٌ الحقيقة حين يقول إن اليهود يقفون وراء إنشاء العديد من البنوك في ذلك الوقت. ومن أهم البنوك التي لعبوا دوراً في إنشائها البنك العقاري المصري الذي تأسس عام 1880 فقد اشترك في تأسيسه سوارس ورولو وقطاوي. كان رأسمال البنك عند تأسيسه 40 مليون فرنك فرنسي، وصل إلى 8 ملايين جنيه عام 1942 وقد لعب هذا البنك دوراً مؤثراً في الاقتصاد الزراعي المصري، إذ إنه نتيجة القروض التي منحها للملاك الزراعيين أصبح يتحكم في أكثر من مليون فدان مصري
    كما تأسس البنك الأهلي المصري عام 1898 بقيادة ميشيل سلفاجو وإرنست كاسيل ورافائيل سوارس، وكان رأسماله 3 ملايين جنيه إسترليني


    وأسس جاك سوارس البنك التجاري المصري والذي عُرِفَ وقت تأسيسه عام 1905 باسم بنك التسليف الفرنسي، ثم تحول إلى شركة مساهمة مصرية باسم البنك التجاري المصري عام 1920 وكان رأسماله مليوناً و200 ألف جنيه إسترليني. كما تأسس بنك سوارس عام 1936

    وساهم اليهود في ميلاد بورصة القاهرة، ففي يوم الخميس الموافق 21 مايو أيار 1903 قامت اللجنة الخاصة برئاسة موريس قطاوي بك (توفي عام 1924) باختيار المبنى القديم للبنك العثماني (وهو الآن مبنى جروبي- فرع عدلي) الكائن بشارع المغربي كمقر رسمي- ولكن بصفة مؤقتة- للشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة - المؤسسة حديثاً- شركة ذات مسؤولية محدودة
    وكان الأعضاء المؤسسون لبورصة القاهرة في عام 1903 هم: موريس قطاوي بك – الرئيس أربيب - كوكسن –جناروبولو أوزيول – ماكليفري - أدولف قطاوي (نائباً عن Courtier en Merchandises) - أ. ك ريد ( ممثلاً عن Courtier en Valeurs) هذا بالإضافة إلى ممثل عن كل من بنك كريدي ليونيه، بنك مصر، البنك الإمبراطوري العثماني، البنك المصري البريطاني والبنك الأهلي المصري. وكان السكرتير العام للبورصة في عام 1903 يدعى بوتيني. ويكفي أن نشير إلى أن قائمة رؤساء بورصة القاهرة تضم كلاً من جوزيف حاييم بيريز (1925-1929)، وإيلي نجار (1947-1948) وصامويل إميل ليفي (1948-1958)


    لكن هذا لم يكن كل شيء في عالم أملاك اليهود في مصر


    أثرياء مصر زمان.. والآن محمد علي.. الاحتكار والاحتقار








    "رُبَ يوم بكيتُ منه، فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه"

    ربما تلخصُ هذه المقولة تلك العلاقة الغريبة بين المصريين ومحمد علي باشا. فالثابت أن أبناء المحروسة في عصر محمد علي (1769-1849)، والي مصر (1805-1849)، لم يحبوه، بعد أن تحول إلى الزارع الوحيد وكذلك الصانع الوحيد، فتركزت الثروة في يده، حتى أصبح بلا منازع أغنى رجل في مصر

    ولم يغفر له أبناء عصره أنه هو الذي نفى الزعيم الوطني عمر مكرم خارج القاهرة وصادر أملاك المشايخ والأعيان والتجار واستولى على أوقافهم، ودبر أشهر مذبحة في تاريخ مصر وهي مذبحة المماليك، وفاق استبدادُه الولاة العثمانيين السابقين له في الحكم منذ عام ١٥١٧
    غير أن محمد علي المولود في مدينة قولة شمال اليونان، أصبح الآن في كتابات كثيرين صاحب مشروع نهضوي فريد من نوعه، بالرغم من أن تجربة محمد علي ليست - كما يرى المفكر الدكتور برهان غليون- إلا "نهضة البعض واختناق الآخرين"

    لقد انفرد محمد علي بالسلطة، وفرض نفسه كمالكٍ فعلي وحيد للبلاد، وكسيد لمصائرها الحيوية. ففي عام 1808، وبعد مضي ثلاثة أعوام فقط من حكمه، أصبح مالكاً لجميع أراضي القطر المصري، كما احتكرت الدولة في عصره تجارة المحاصيل الزراعية والسلع الصناعية) د. ذوقان قرقوط، جوانب غير معروفة من تجربة محمد علي باشا، مجلة "الوحدة" ـ الرباط، السنة الثالثة، العدد 31/32/ نيسان أبريل، وأيار مايو 1987، ص 101 ـ 114)‏

    وليس بمستغربٍ أن تكون رؤية محمد علي لمصر على أنها من أملاكه، حتى أنه أصدر مرسوماً لأحد حكام الأقاليم جاء فيه "البلاد الحاصل فيها تأخير في دفع ما عليها من البقايا أو الأموال يضبط مشايخها ويرسلون للومان (السجن) والتنبيه على النظار بذلك، وليكن معلوماً لكم ولهم أن مالي لا يضيع منه شيء بل آخذه من عيونهم"

    "مالي"، هي مفتاح فهم شخصية وسياسات محمد علي

    ولفرط ضخامة ثروة محمد علي وقع خلافٌ بين أفراد أسرته بعد وفاته بشأن تقسيم الميراث، مع أنه منح أفراد أسرته وقواده والمقربين منه مساحاتٍ شاسعة من الأراضي. صحيحٌ أنه تزوج في شبابه من أمينة هانم وهي مطلقة ذات ثروة واسعة أنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل وابنتيه توحيدة ونازلي، وتفرغ لتجارة الدخان فربح منها، قبل أن يعود إلى الحياة العسكرية عندما أغار نابليون على مصر، غير أن الثروة الطائلة التي تركها بعد حكم مصر كانت في غالبيتها ثمرة سياسة الاحتكار وفرض الضرائب وإرهاق المصريين بالسخرة

    لقد قام اقتصاد مصر أيام محمد علي، أساساً، على احتكار الزراعة، وتحجير الصناعة، وتوجيههما نحو تلبية احتياجات الجيش الذي تجاوز عدد أفراده ربع المليون، لتحقيق مغامرات خارجية مكلفة للغاية

    ففي الزراعة، ألغى محمد علي عام 1808 نظام الالتزام حيث كان بعض الوجهاء وشيوخ القبائل يلتزمون بدفع الخراج والجزية للمماليك، مقابل قيامهم بتقسيم الأرض على جماعاتهم وأبناء قبائلهم لزراعتها. صادر محمد علي الأراضي الزراعية، ثم أقطعها لأفراد أسرته وخاصته وكبار موظفيه من أكراد وشركس وأقباط وشوام (أحمد عبد الرازق، النخبة البرلمانية في الصعيد، مجلة "منبر الشرق" ـ القاهرة، السنة الثالثة، العدد 15، سبتمبر أيلول 1994، ص 93-97)‏ فوضع بذلك أساس الإقطاع الزراعي الذي ساد مصر بعد ذلك (عبد القادر السعدني، سنوات الهوان من محمد علي إلى فاروق، جريدة "السياسي المصري"، القاهرة، 3/12/2000، و17/12/2000)

    وفي عام 1812، بدأ الاحتكار الحكومي لتجارة المحاصيل الزراعية ومصادرة أية كمية منها تباع خارج الأقنية الحكومية، وصارت الدولة تشتريها من المزارعين بأسعار احتكارية، ثم تبيعهم حاجتهم منها بأسعار أعلى

    وقد أدى ذلك كله إلى سلسلة من الأزمات في المواد الغذائية، وعجز عن تلبية الاستهلاك المحلي) د. ذوقان قرقوط، جوانب غير معروفة من تجربة محمد علي باشا)، واستياء عام لدى الفلاحين، الذين كانوا سجناء قراهم لا يغادرونها أو يسافرون إلا بإذن كتابي من الحكومة. وكان الفلاحون يهربون من السخرة في مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة. وعلى سبيل الاحتجاج، أحرق فلاحو الصعيد محاصيلهم عام 1830 كي لا تقع في أيدي رجال محمد علي (أحمد عبد الرازق، النخبة البرلمانية في الصعيد)
    وفي الصناعة، عندما احتاج محمد علي الموارد لتمويل الجيش، امتد احتكاره ليشمل الصناعات الوطنية القديمة، وخاصة منها صناعة الشموع من الشحوم، وصناعة الخشب والقصب، وتقطير ماء الورد، وصناعة السكر، ومعاصر الزيوت، وحياكة الأنسجة بالأنوال. وكان يطلق على الاحتكار الحكومي للصناعات لفظ "تحجِير"، ويشمل التحجير عدة عناصر رئيسة أبرزها:‏ اختيار سلعة شائعة الاستعمال، واحتكار البيع بسعر يحدده المندوبون الحكوميون، وجمع منتجي تلك السلعة والمتجرين بها في كل مدينة على صعيد واحد، حتى يمكن إحكام المراقبة واجتناب الهرب، وإرغام مشايخ القرى والبلدان على شراء حصة من الإنتاج بالثمن المحدد
    وقد لاقى تحجير الصناعة، كما هي الحال في احتكار الزراعة، استياءً عاماً من المواطنين، إلى درجة أن عمال مصانع النسيج في الصعيد مثلاً، قاموا في عام 1824، بإشعال النار في‏ المصنع. وكان الفلاحون يعملون عنوة وبالسخرة في مصانع "الباشا"، فكانوا يفرون حتى إذا ألقت الشرطة القبض عليهم أعادتهم إلى المصانع ثانية. وكان الفلاحون يحتجزون في سجون داخل المصانع حتي لا يفروا، وكانت أجورهم متدنية للغاية وتُخصَمُ منها الضرائب
    وفي مجال الضرائب، كانت الضريبة الشخصية أو "فرضة الرؤوس" أهم الضرائب، وكان ما يحصل منها عادة يشكل سدس إيراد الخزينة المصرية. فقد كان الذكور المراهقون كافة، ملزمين بدفع هذه الفرضة متى بلغوا الثانية عشرة من عمرهم، وهي تختلف تبعاً لتفاوت الناس في الثروة، وتعادل أجور عمل نصف شهر على الأقل. وكانت الضريبة الشخصية تحصل في المدن عن النفوس، وفي القرى عن المنازل، وكانت تتزايد بمعدل يكاد يكون دورياً لتغطية نفقات الحروب وإرضاء السلطان العثماني، وبحيث أنها ازدادت خلال 24 عاماً فقط (1820-1844) نحو 300%
    وقد شكل ذلك عبئاً كبيراً على الفلاحين خاصة، لأنهم كانوا مسؤولين عن الضرائب بصورة جماعية، وبحيث أن القرية كلها كانت مسؤولة عن الضرائب المتأخرة، ومتضامنة مع غيرها من القرى المجاورة في المتأخرات من الأموال، بل إن هذا التضامن كان يمتد أحياناً ليشمل وادي النيل كله
    ولعل ما زاد الطين بلة، تطبيق نظام السخرة، فقد كان الفلاحون يُستخدَمون إجبارياً، لحفر الترع وتطهيرها، وتقوية الجسور، وحراسة شواطئ النيل أثناء الفيضان. وكان يحق للدولة نقل عمال السخرة إلى أي مكان في مصر. وكانت السخرة تتم خلال تسعة شهور في السنة، وبلغ متوسط ماكان يساهم به كل فلاح من العمل بالسخرة شهرين من السنة
    وفي كتاب "ثروة الأمم وفقرها"، للمؤرخ وعالم الاقتصاد ديفيد لاندس
    (David S. Landes, The Wealth and Poverty of Nations: Why Some Are So Rich and Some So Poor, Norton, US)
    نقرأ أن محمد علي قد واجه مشكلة الطاقة البشرية والعمال المؤهلين، فاستخدم في البداية العمال العبيد من دارفور وكردفان، وكان هؤلاء يموتون بالجملة بسبب الظروف السيئة. ثم لجأ محمد علي إلى عمال السخرة ينتزعهم من بين أسرهم، وهو ما كان يدفع بعض هؤلاء العمال إلى تشويه نفسه لتجنب الخدمة، أو إلى تخريب الآلة التي يعمل عليها (شوقي رافع، الطغاة يجهلون الجغرافيا، مجلة "العربي"، الكويت، العدد 478، سبتمبر أيلول 1998، ص 80 -85)

    يقول الشيخ محمد عبده في إطار تقييمه لتجربة هذا الحاكم: "ما الذي صنع محمد علي؟.. لم يستطع أن يحيي ولكن استطاع أن يميت، كان معظم قوة الجيش معه، وكان صاحب حيلة بمقتضى الفطرة، فأخذ يستعين بالجيش، وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من خصومه، ثم يعود بقوة الجيش، وبحزب آخر على من كان معه أولاً وأعانه على الخصم الزائل فيمحقه. وهكذا، حتى إذا سحقت الأحزاب القوية، وجّه عنايته إلى رؤساء البيوت الرفيعة، فلم يدع منها رأساً يستقر فيه ضمير (أنا)، واتخذ من المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين، وتكرر ذلك منه مراراً، حتى فسد بأسُ الأهالي وزالت ملكة الشجاعة منهم، وأجهز على من بقي في البلاد من حياة في أنفس بعض أفرادها، فلم يُبقِ في البلاد رأساً يعرف نفسه حتى خلعه من بدنه، أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان، فهلك فيه. أخذ يرفع الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى، وكأنه كان يحنُ لشبهٍ فيه ورثه عن أصله الكريم، حتى انحط الكرام وساد اللئام، ولم يبق في البلاد إلا آلات له يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعلى أي وجه، فسحق بذلك جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال، ليصير البلاد المصرية جميعاً إقطاعاً واحداً له ولأولاده"
    من هنا فقط يمكن أن نفهم موقف المصريين من محمد علي باشا الذي ظل حاكماً حتى أصيب بالخرف فتنازل عن العرش في سبتمبر أيلول 1848 قبل أن يتوفى في الإسكندرية في 2 أغسطس آب 1849. إن محمد علي باشا الذي رحل عن عالمنا عن عمر يناهز الثمانين، لم يحضر جنازته سوى حفنة من القناصل الأجانب ولم تغلق المحال أبوابها، كما هي العادة في مثل هذه الظروف، فنقل جثمانه من الإسكندرية إلى القاهرة عبر النيل وحيداً، ودفن في جامعه بالقلعة
    وفي مصر، يصنع المال المنهوب والأملاك المصادرة ونهج الاحتكار والاحتقار، سداً عالياً بين الحاكم والمحكوم


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في السبت مارس 26, 2011 12:34 pm عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:47 pm

    أثرياء مصر زمان.. والآن الخديو إسماعيل..وأحلام بالتقسيط









    يعد الخديو إسماعيل الحاكم الأخير في أسرة محمد علي باشا الذي يضع اسمه في قائمة أغنياء مصر خلال القرن التاسع عشر

    بدأ الخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا (31 ديسمبر كانون أول 1830-2 مارس آذار 1895) حياته كأحد كبار الأغنياء في مصر، حتى أنه اشترى أملاك أخيه الأمير مصطفى بمبلغ مليوني جنيه، في وقتٍ كان فيه سعر الفدان لا يتجاوز 20 جنيهاً

    غير أن ما يحسب للخديو إسماعيل أنه كان من فاعلي الخير البارزين في عصره. ولعل من أشهر الأوقاف التي خصصت للمساجد وقف الخديو إسماعيل الذي بلغت مساحته 10 آلاف فدان، ونصت وقفيته على أن "يصرف ريع ذلك في بناء وعمارة ومرمّات ومصالح مهمات، وإقامة الشعائر الإسلامية بالمساجد والمكاتب الكائنة بمصر المحروسة التي لا ريع لها، أو لها ريع لا يفي بالعمارات وإقامة الشعائر واللوازم لذلك من المساجد والمكاتب المرموقين...". وتعد وقفيات الخديو إسماعيل هي أكبر الوقفيات التي أنشئت في تاريخ مصر الحديث (د. إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق، القاهرة، 1998)

    كانت ثروة إسماعيل ضخمة للغاية، لكن أحلامه وتطلعاته كانت أكبر



    ويتحدث المؤرخ إلياس الأيوبي (تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، القاهرة، 1922) كيف راودت إسماعيل أحلامٌ بأن تكون مصر "قطعة من أوروبا"، وسعى إلى بناء إمبراطورية مصرية في إفريقيا. وفي سبيل تحقيق ذلك، قرر الرجل الذي حكم مصر بدءاً من 18 يناير كانون ثان عام 1863 ألا يصطدم بالدولة العثمانية، وأدرك أن المال أمضى من السيف في قضاء المصالح في الآستانة. وهكذا نجح في عام 1867 في الحصول من السلطان العثماني على لقب "خديو"، مقابل زيادة في الجزية، إضافة إلى فرمان آخر يقضي بتغيير نظام وراثة ولاية مصر من أكبر أبناء أسرة محمد علي إلى أكبر أبناء إسماعيل، ثم استصدر فرماناً آخر من السلطان يعترف بأن السودان وما يفتحه الخديو فيه من أملاك الخديوية المصرية

    كما حصل عام 1873 على فرمان يتيح له استقلالاً أكثر عن الحكم العثماني، وعُرِفَ بالفرمان الشامل وقضى بمنحه حق التصرف بحرية تامة في شؤون الدولة ما عدا عقد المعاهدات السياسية وعدم حق التمثيل الدبلوماسي وعدم صناعة المدرعات الحربية مع الالتزام بدفع الجزية السنوية التي بلغت قيمتها 750 ألف جنيه


    غير أن خزانة مصر تكلّفت الكثير من الأموال بسبب مشروعات إسماعيل التنموية – مثل حفر قناة السويس وإنشاء دار الأوبرا والسكك الحديد وخطوط البريد وحديقة حيوان الجيزة وإقامة الكباري وشق الترع- وبذخه الزائد، ومن ذلك فاتورة الاحتفالات الأسطورية بافتتاح قناة السويس. وأدى ذلك إلى تراكم الديون على مصر، خاصة بعد انخفاض أسعار القطن انخفاضاً كبيراً بعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية

    حاول إسماعيل أن يسد العجز في الميزانية عن طريق الضرائب المختلفة، إلا أنه لم يفلح في ذلك، فلجأ إلى الاستدانة من الخارج. تدافعت البنوك والمؤسسات المالية على إقراضه، لكن سماسرة الديون وقناصل الدول أخذوا ما يقرب من 40 مليون جنيه إسترليني من قروض مصر البالغة 90 مليوناً؛ فتعثرت مصر عن السداد، واضطرت إلى بيع أسهمها في قناة السويس بمبلغ هزيل للإنجليز، وهو ما جعلها على حافة الإفلاس والخراب المالي
    وفي ذلك يقول تقرير خبير الاقتصاد الإنجليزي ستيفن كيف الذي رئس لجنة لفحص مالية مصر في نهاية عام 1875: "إن المبالغ الحاصلة من ميزانية مصر عن المدة الواقعة بين سنة 1864 وسنة 1875 بلغت 94,21,400 جنيه، خصص منها لحملة الأسهم نحو ستة ملايين من الجنيهات، أي أن مخصصات الديون ابتلعت معظم الميزانية، وظهر في ميزانية تلك السنة عجز مقداره 1,382,200 جنيه، نشأ عن فداحة مخصصات الديون"


    وما زاد الطين بِلة، أن الخديو إسماعيل لم يضع حداً بين أمواله وأموال الدولة، وكانت أملاك الدولة رهن إرادته، الأمر الذي زاد من سوء الأوضاع في ظل غياب حسن الإدارة
    ويكفي أن نشير إلى أنه في عام 1873 بدأ الخديو إسماعيل في تشييد قصره الكبير بالزمالك "فندق ماريوت الآن" واستلزم البناء تحويل مجرى نهر النيل لعزل جزيرة "الزمالك" وإحاطتها بالماء من كل جانب، حتى يمر نهر النيل في قلب القاهرة على غرار مرور نهر السين بقلب باريس؛ لتصير حياة الخديو لها خصوصية مميزة
    ويقول كثيرٌ من المؤرخين إن الضرائب ارتفعت في الفترة منذ نهاية حكم محمد على حتى عهد إسماعيل بدرجة كبيرة. فعلى سبيل المثال، بمقتضى القرار الأول الصادر في عهد سعيد، ارتفعت الضرائب على الأراضي المتوسطة والضعيفة إلى ما يوازى ثلث محصولها، وواصلت الضرائب ارتفاعها في عهد إسماعيل، فإلى جانب الضرائب المقررة استحدثت ضرائب إضافية جديدة مثل ضريبة الإعانة وضريبة السُدس وضريبة الري، وفق دراسة أعدها مركز الدراسات الاشتراكية بمصر
    وقد كتب القاضي الهولندي فان بملن الذي عاش في عهد إسماعيل يقول: "إن الخديو إسماعيل هو أول من مهد السبيل لسيطرة أوروبا الاقتصادية على مصر، فإن أوروبا وبخاصة باريس، قد أفسدت على هذا الأمير دينه وأخلاقه وماله، وفتنته فتنة شاملة، فلم يعد يعنى إلا بكل ما هو أوروبي، وبكل ما يراه الأوروبيين واعتزم من يوم أن تولى عرش مصر أن يعيش كملك إفرنجي في قصوره وأثاثه، ومأكله ومظهره وملبسه، ومن الأسف أن كل ما أنفقه في هذا السبيل لم يعد بالفائدة إلا على أوروبا، إذ كان يستورد من مصنوعاتها تلك الأشياء الهالكة، العديمة الجدوى، وكان يدفع أثمانها أضعافاً مضاعفة، ولأجل أن يستوفى مطالبه الخارقة في هذا الصدد، لم تكفه الأموال التي يجبيها من شعبه على فداحتها فأمده أصدقاؤه الأوروبيون بالقروض الجسيمة ذات الشروط المخربة"


    ولم يكن أمام الخديو إسماعيل بعدما فقد جميع وسائله لتدبير المال الكافي لسداد أقساط الديون إلا أن يعلن توقفه عن الدفع، فأصدر مرسوماً في 6 إبريل نيسان 1876 تم الإعلان عنه في بورصة الإسكندرية، يقرر فيه أن حكومته سوف "تؤجل" سداد أقساط ديونها لثلاثة شهور. بالطبع لم يكن تحديد هذه الأشهر الثلاثة إلا لكي تحافظ الحكومة على شكلها العام، إذ كانت الحكومة قد قررت أن تتوقف نهائياً عن السداد، وبدا توقف الحكومة المصرية عن الدفع بمنزلة إعلان إفلاسها رسمياً
    ومع تصاعد الأزمة المالية، أنشأت الدول الدائنة "صندوق الدَين" في مايو 1876، ثم نظام "المراقبة الثنائية" في نوفمبر 1876، ثم "لجنة التحقيق الأوروبية" في يناير 1878، التي طالبت بضرورة تنازل الخديو عن أطيانه وأطيان عائلته كرهن لسداد الديون. ويخبرنا المؤرخ عبد الرحمن الرافعي (عصر إسماعيل، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة،1987) أنه مع اشتداد الأزمة المالية في مصر في عام 1874، خاف الخديو إسماعيل أن يحجز الدائنون الغربيون على أملاكه، فوزعها على زوجاته وأولاده
    تم إذاً تعيين مراقبَين ماليين: أحدهما إنجليزي، والآخر فرنسي؛ لمراقبة إيرادات ومصروفات البلاد، بل إن وزارة نوبار باشا دخلها وزيران أوروبيان لأول مرة في تاريخ مصر
    وانتهى الأمر إلى طلب الدائنين فرض الوصاية المالية الكاملة على مصر، وأن يكون لسداد الديون الأولوية المطلقة. وأدى هذا التعنت الأوروبي إلى انتفاضة وطنية تلقائية في (ربيع آخر 1296 هـ = إبريل 1879م) جمعت قادة وطوائف الشعب المصري المختلفة، دعوا خلالها إلى اكتتاب عام لسداد قسط الدين الذي تعثرت الدولة في سداده، ويبلغ 1.5 مليون جنيه إسترليني، وتم تحصيله على الفور وسداده

    ودعا هؤلاء أيضاً إلى إقامة حياة نيابية كاملة، والعمل على سداد الديون والوقوف أمام التدخل الأجنبي، والتقوا الخديو إسماعيل الذي أقر مطالبهم، وهو ما أثار مخاوف الدول الغربية، وقدم قنصلا بريطانيا وفرنسا إنذاراً إلى إسماعيل بأن يرجع عن تأييد المشروع الوطني، وإلا فإنهما سيعملان على عزله

    وإزاء رفضه، تحالفت الدول الأوروبية مع السلطان العثماني على ضرورة عزل الخديو إسماعيل عن حكم مصر، وأصدر السلطان فرمانه في 26 يونيو حزيران 1879 بعزل إسماعيل عن الحكم، وتنصيب ابنه الأكبر محمد توفيق باشا على مصر . وجاء نص التلغراف الذي ورد من الآستانة كالتالي
    "إلى سمو إسماعيل باشا خديو مصر السابق
    "إن الصعوبات الداخلية والخارجية التي وقعت أخيراً في مصر قد بلغت من خطورة الشأن حداً يؤدي استمراره إلى إثارة المشكلات والمخاطر لمصر والسلطنة العثمانية؛ ولما كان الباب العالي يرى أن توفير أسباب الراحة والطمأنينة للأهالي من أهم واجباته ومما يقضيه الفرمان الذي خولكم حكم مصر، ولما تبين أن بقاءكم في الحكم يزيد المصاعب الحالية، فقد أصدر جلالة السلطان إرادته بناء على قرار مجلس الوزراء بإسناد منصب الخديوية المصرية إلى صاحب السمو الأمير توفيق باشا وأرسلت الإرادة السنية في تلغراف آخر إلى سموه بتنصيبه خديوياً لمصر، وعليه أدعو سموكم عند تسلمكم هذه الرسالة إلى التخلي عن حكم مصر احتراماً للفرمان السلطاني "


    ثلاثة أيام أمضاها إسماعيل في الاستعداد للسفر‏،‏ وجمع كل ما استطاع من المال والمجوهرات والتحف الثمينة من القصور الخديوية، ونقلها إلى اليخت "المحروسة"، وهي الباخرة نفسها التي أقلته من قبل مراتٍ عدة إلى سواحل أوروبا وهو في قمة المجد‏.‏ ولأن السلطان العثماني رفض استقبال الخديو المخلوع في الآستانة فقد غادر اسماعيل مصر يوم 30 ‏ يونيو حزيران 1879 متجهاً مع زوجاته وحاشيته من الإسكندرية إلى نابولي،‏ وهي المدينة نفسها التي استقبلت حفيده فاروق في 26 يوليو تموز ‏1952‏. لم ييأس إسماعيل، وظل يرسل التماساً وراء الآخر من منفاه في أوروبا، حتى تعطّف السلطان عبد الحميد الثاني أخيراً ووافق على حضوره للآستانة التي انتقل اليها عام 1888 للإقامة بقصر إميرجان المطل على البوسفور

    ‏ وبعدما قضى نحو 16 عاماً في منفاه، لم يعد إسماعيل إلى مصر إلا ميتاً، حيث دُفِنَ في مسجد الرفاعي
    وإذا كان إجمالي ديون عهد إسماعيل باشا بلغ 91 مليون جنيه، فإن "أفندينا" ظل حتى وفاته ينعم بلقب أغنى رجال مصر


    أثرياء مصر زمان.. والآن أبو الإسكندرية..وزعيم الماسونية





    منحت السلطات في مصر ابتداءً من عهد الخديو إسماعيل العديد من الأجانب تصريحاً بإنشاء شركات لإدخال المياه وتوصيل الكهرباء والغاز في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى، الأمر الذي در على هؤلاء الأشخاص مبالغ ضخمة وأرباحاً طائلة انتعشت بها ثرواتهم
    غير أن قوائم الأغنياء في مطلع القرن العشرين شهدت أسماء مصرية مثل أحمد المنشاوي باشا، وهو من أعيان الغربية، والذي قُدِرَت ثروته بنحو مليوني جنيه، وخُصِصَ جزءٌ منها لأعمال الخير. ويعد المنشاوي باشا والأمير عمر طوسون من أكثر المصريين في العصر الحديث إنفاقاً في المشروعات الخيرية. وحسبنا أن نعلم أن المنشاوي باشا أوقف نحو ألف فدان على أعمال الخير والإصلاح، ولا تزال آثار يديه شاهدة على ذلك
    كان المنشاوي باشا من أشهر كبار الملاك الذين اهتموا بإنشاء التكايا والوقف عليها في مطلع القرن العشرين الماضي، ومن ذلك تكيته بمدينة طنطا، التي جعلها -كما ورد في نص حجة وقفه- "للعواجز واليتامى؛ لتكون منازل ومساكن لهم وللسيارة والمارة، وأبناء السبيل من المسلمين، سيما الذين يحضرون إلى مدينة طنطا من بلاد الترك والمغرب وغيرها وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج"، وقد بلغ نصيب هذه التكية من ريع الوقف 1500 جنيه مصري قبيل تسليم أطيان الوقف عام 1962 لهيئة الإصلاح الزراعي
    وكان النَفَس الوطني واضحاً في أعمال الخير لديه. من ذلك مثلاً أن المنشاوي باشا، نص في وقفيته المحررة في عام 1903 على أنه "لا حق لأحد من الموقوف عليهم في الوقف، لا بنظر ولا استحقاق.. إذا تزوجت إحدى بناتهم بأحد من أهل الحمايات الأجنبية خلاف الدولة العلية" (العثمانية)
    ولا بد أن نشير هنا إلى إسهام الأوقاف في شراء أراضي الدولة التي بيعت أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وفاء لبعض أقساط الديون الأجنبية، ذلك أن الحكومة اضطرت لبيع مساحات شاسعة من أراضي الأملاك الأميرية الحرة لمواجهة تلك الديون. وكان المتنافسون الرئيسيون على شراء تلك الأراضي هم الأجانب من ناحية، وكبار الملاك المصريين من ناحية، وديوان عموم الأوقاف من ناحية ثالثة. وهكذا اشترى أحمد باشا المنشاوي في سنتي 1898 و 1900 نحو 4000 فدان، ووقفها كلها سنة 1903 وعلي باشا عبدالله مهنا اشترى في 1898 مساحة 689 فداناً ووقفها سنة ،1900 وأحمد مظلوم باشا اشترى في سنة 1904 مساحة 3130 فداناً ووقفها في سنة 1908 (إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، دار الشروق، القاهرة، 1998)
    وفي مجلة "المنار" كتب محمد رشيد رضا تحت عنوان "المحسن العظيم منشاوي باشا..أبو الوطن لا الإسكندرية وحدها" وذلك بمناسبة زيارة المنشاوي مدارس العروة الوثقى الخيرية في الإسكندرية وعدد من المدارس الأخرى، قائلاً: "وقد هزته الأريحية لما شاهده من حال هذه المدارس والمكاتب وحال التلامذة والتلميذات الذين كانوا يتدفقون بزيارته بِشراً وشكراً، فأمر بأن تكون كسوة تلامذة المكاتب على نفقته ، ووعد بأنه سيوقف أطيانًا يخص ريعها بتجهيز بنات الفقراء المتعلمات في هذه المدارس عند زواجهن. وذكرت مدرسة جمعية الحمَّالين في الكمرك فوعد بمساعدتها. ثم أمر بصرف راتب شهر لكل واحد من معلمي هذه المدارس" (مجلة المنار، الأعداد الكاملة، ج 6، ص 698)
    ثم يضيف الكاتب قائلاً: "وإننا لنفتخر بهذا المحسن العظيم الذي طوق الإسكندرية بفضله وإحسانه حتى قال بعض الأدباء: يجب أن نكنيه بأبي الإسكندرية، ونحن نتوقع أن يطوق بفضله القطر كله بمساعدة الجمعية الخيرية الإسلامية العامة كما طوق الإسكندرية بمساعدة جمعية العروة الوثقى الخاصة فيكون أبا الوطن كله لا أبا الإسكندرية وحدها
    أدام الله توفيقه . وألهم سائر أغنيائنا أن يسلكوا طريقه"
    واشتهرت القرشية - إحدى قرى مركز السنطة محافظة الغربية - بوجود حديقة المنشاوي باشا والتي اشتهرت بأنها تضم أشجار المانجو التي تم جلبها من أنحاء العالم، وكان يأتي ذكرها في الكلمات المتقاطعة بالصحف والمجلات حتى وقتٍ قريب
    وبمبادرة فردية، أعلن المنشاوي باشا في أواخر أيامه، عن رغبته فى إنشاء جامعة في جهة باسوس وأبي غيط، على نفقته الخاصة، وبحث مع أفاضل العلماء فيما تستلزمه هذه الجامعة من النفقات الأولية، والنفقات السنوية، وفى كيفية استحضار المعلمين والأدوات، وكانت هذه الفكرة شغله الشاغل في سنته الأخيرة وموضوع حديثه في الليل والنهار مع الشيخ محمد عبده، إلا أن المنية قد سبقته
    غير أن المنشاوي كان بطل حادثة غريبة
    ففي عام 1902 شب حريق ضخم في مدينة غمر، دفع شاعر النيل حافظ إبراهيم إلى نظم قصيدة يصف فيها الحادث المأساوي ويدعو شخصاً مسجوناً إلى التبرع لضحايا الحريق. ولم يكن السجين الذي دعاه حافظ إبراهيم إلى التبرع سوى المنشاوي باشا. وسبب سجنه أن لصوصاً سرقوا مواشي من مزرعة يملكها الخديو عباس حلمي شخصياً، فتطوع المنشاوي باشا بتعذيب اللصوص حتى يعترفوا، وهو ما حدث بالفعل، لكن الباشا الذي ارتكب جريمة تعذيب "لصوص المواشي" عوقب على فعلته بالسجن
    ومن أثرياء مطلع القرن العشرين، فخري بك عبد النور الذي استغل موقع مدينة جرجا التجاري فنّمى ثروته، وعمر سلطان الذي ورث عن أبيه محمد سلطان باشا مساحاتٍ شاسعة من الأراضي والأموال، إلى جانب إدريس بك راغب الذي تخلى له الخديو محمد توفيق باشا عن رئاسة المحفل الأكبر الوطني المصري (الماسوني) في جلسة عُقِدَت في يناير كانون ثانٍ عام 1891. وبالمناسبة، فإن إدريس بك راغب شارك في الجلسة التأسيسية للنادي الأهلي المصري في 24 إبريل نيسان 1907 وكان عضو أول مجلس إدارة للنادي

    وبالرغم من محاولة الخديو عباس حلمي الثاني ( 14 يوليو 1874- 19 ديسمبر 1944) حاكم مصر من عام 1892 إلى عام 1914 تنمية ثروته الشخصية، فإن اسمه لم يتردد باعتباره أغنى رجل في مصر، على غرار ما وُصِفَ جده الخديو إسماعيل وجد جده محمد علي باشا
    ويضاف إلى من تقدم، البارون البلجيكي إدوارد لويس جوزيف إمبان (1852-1929) الذي وصل إلى مصر في يناير كانون ثانٍ 1904 بغرض إنقاذ أحد مشروعات شركته وهو إنشاء خط سكة حديدية يربط بين المنصورة والمطرية (مدينة على بحيرة المنزلة - بورسعيد). وعلى الرغم من خسارته حق إنجاز المشروع الذي أُسنِدَ إلى البريطانيين بدلاً من شركته، فإنه ظل في مصر ولم يرحل عنها

    وفي عام 1906 أسس هذا المهندس والصناعي شركته Heliopolis Oasis Company واشترت مساحة كبيرة من الصحراء من الحكومة الاستعمارية البريطانية في ذلك الوقت - في منطقة مصر الجديدة الحالية- مساحتها 25 كيلومتراً مربعاً شمال غرب القاهرة. وبدأ بين عامي 1906 و1907 في بناء ضاحية مصر الجديدة التي أرادها أن تكون قاهرة جديدة راقية، واشتملت على جميع مرافق البنية التحتية اللازمة من كهرباء ومياه وصرف صحي وفنادق، بالإضافة إلى ملاعب الجولف ومضامير سباق الخيول والمنتجعات الراقية. وضمت مصر الجديدة مساكن راقية للإيجار مصممة على تصاميم معمارية مبتكرة في ذلك الوقت، تشكل حتى الآن تراثاً معمارياً فريداً. ولعل أشهر آثار البارون أمبان في مصر هو قصر البارون (1911) الذي استلهمه من معبد أنكور وات في كمبوديا ومعابد أوريسا الهندية
    أفرزت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) عدداً من الأغنياء الجدد الذين وصف عزيز بك الخانكي ثرواتهم بقوله: "لا يمكن للعقل أن يدرك حجم الأرباح التي ربحها التجار..تجار الأقمشة والمنسوجات أصبح الواحد منهم يستنكف أن يقال عنه إنه صاحب 100 ألف جنيه أو 200 ألف جنيه ويؤكد أن ربحه ناهز المليون..أعرف واحداً منهم اشترى ألف فدان من الأطيان..ودفع ثمنها عداً ونقداً، وتجار الأخشاب مثلهم أصبح الواحد منهم يعتبر نفسه قارون زمانه. اشترى واحدٌ منهم البنك المصري بحذافيره، وتاجران من تجار التصدير ربحا في سنةٍ واحدة 1600000 جنيه جلباها من عرق الفلاح المسكين" (أحمد كمالي، قصة الثروة في مصر خلال 200 عام، "أيام مصرية"، العدد 14، 15 سبتمبر 2000، ص 6)
    كانت الحرب العالمية الأولى فرصة لظهور رأس المال المصري بشكل مغاير، حيث كان كثيرون يفضلون العمل الزراعي فقط تاركين قطاع البنوك وأعمال المرابين للأجانب واليهود ولا يرحبون بالعمل في مجال التصنيع. غير أن توقف عملية الاستيراد والتصدير أثناء الحرب دفعتهم إلى إخراج أموالهم ومدخراتهم والتعامل بها، حتى شهدت مصر نهضةً صناعية مصغرة، وصار هناك استعدادٌ جِدي لإنشاء بنك برأسمال مصري تتجمع فيه الأموال المصرية
    وهذا يفتح سيرة البنوك المصرية
    ففي عام 1907 ونتيجة لرفض البنوك الأجنبية العاملة في مصر منح قروض للفلاحين المصريين، تعالت أصوات المفكرين والسياسيين المصريين تنادي بأهمية إنشاء بنوك وطنية لتحل محل البنوك الأجنبية في تقديم قروض للفلاحين. ونتيجة لذلك، عقدت سلسلة من اللقاءات العلمية لبحث هذا الموضوع من الناحية الشرعية، وكان من أهمها الملتقى العلمي الذي عقد في عام 1913، حيث التقت آراء معظم المحاضرين على رفض المشروع من الوجهة الدينية، غير أن فريقاً آخر أيد الفكرة معتمداً على نصٍ قرآني في دعوى أن الربا المحظور في الإسلام بالنص والإجماع إنما هو الربا الذي يصل إلى مثل رأس المال أو يزيد عليه ["يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، آل عمران:130] وأن كل ربح ينقص عن مقدار رأس المال فهو محلُ بحثٍ واختلاف في نظرهم
    وبعد مرور سنوات قليلة بدأت البنوك الوطنية في الظهور في مصر. وكان أول بنك وطني مصري يتم إنشاؤه على غرار البنوك الأجنبية هو بنك مصر والذي أسسه محمد طلعت حرب عام 1920. وقد اختار طلعت حرب رئيس الطائفة اليهودية يوسف قطاوي ليكون نائباً لرئيس بنك مصر عام 1920
    ولعل أول قائمةٍ مرتبةٍ للأغنياء المصريين هي ما ظهرت عام 1920 في العام نفسه الذي شهد تأسيس بنك مصر، وبعد عامٍ من ثورة 1919
    وكان ترتيب القائمة كالتالي:
    1-الأمير عمر طوسون
    2-الأمير أحمد سيف الدين
    3- الأمير يوسف كمال
    4- الشواربي باشا
    5- البدراوي باشا
    6- علي شعراوي باشا
    7-علي فهمي المهندس
    8- سرسق
    9- السكاكيني
    10- ميرزا
    11- محمود سليمان باشا
    12- محمود خليل باشا
    ولكل واحدٍ من هؤلاء الأغنياء حكاية، تستحق أن تُروى!


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في السبت مارس 26, 2011 12:38 pm عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:48 pm

    أثرياء مصر زمان.. والآن عمر طوسون..الأمير المستنير







    أدهش الأمير عمر طوسون عصره، بثرائه الشديدة تارة، وتبرعاته السخية تارة ثانية، ومؤلفاته الغزيرة تارة أخرى

    وطوسون (1289 - 1363 هـ = 1872 - 1944 م) الذي كان جده الأكبر هو محمد علي باشا، ولِدَ وتُوفي في مدينة الإسكندرية، حبه الأكبر. كان "رضي الخلق، مترفعاً عن الصغائر، وفياً لأصدقائه، شعبياً محبوباً" (من ترجمة له بقلمه في مجلة المجمع العلمي العربي 19: 163 أضاف فيها إلى اسمه واسم أبيه لفظ "محمد" للتبرك)

    تعلم في سويسرا، وزار أوروبا، لكنه في النهاية انتمى إلى وطنه مصر بكل ما تعنيه تلك الكلمة

    بعد عودة الابن الثاني للأمير طوسون بن محمد سعيد بن محمد علي من رحلة تعليمية في أوروبا، تفرغ لإدارة أملاكه، وكان قد ورث ثروة طائلة عن أبيه، فأجاد إدارة أملاكه، وشغل نفسه بتحسين غلة أرضه وتجويد صنف محاصيلها. لم تمض سنوات قليلة حتى زادت موارد أملاكه، وبلغ من حسن إدارته أن أسند إليه اثنان من أقاربه إدارة شؤون أملاكهما، فقام بذلك دون أن يتقاضى عن عمله هذا أجراً
    شغف عمر طوسون بالرياضة والصيد في شبابه، وأتقن مع العربية التركية والفرنسية والإنجليزية. وعكف على تاريخ مصر الحديث وآثارها، فصنف كتباً كثيرة بالعربية والفرنسية استعان على تأليفها ببعض كبار الكتاب. وكان من أعضاء المجمعين العلميين بمصر ودمشق، ومن أعضاء الجمعية الجغرافية بمصر، وكان في صدارة المتحدثين في المؤتمر الجغرافي العام الذي استضافته القاهرة في مطلع إبريل نيسان 1925 (خير الدين الزركلي، الأعلام، ج 5، دار العلم للملايين، بيروت، 2000)

    آزر الحركة الوطنية المصرية بقلمه وماله، غير متقيد بتقاليد أسرته، في الابتعاد عن الدخول في غمار الجمهور. وكان عمر طوسون – الذي تزوج الأميرة رقية حليم - أكثر أمراء البيت العلوي إحساساً بقضايا الأمة وعملاً على تحسينها. ويبدو أنه ورث هذه الخصلة من جده الوالي سعيد بن محمد علي الذي كان يعطف على الفلاحين المصريين؛ فأسقط عنهم ما يثقل كاهلهم من الضرائب، وملّكهم الأرض الزراعية، وجعل لهم مطلق الحرية في التصرف في زراعتها وبيع حاصلاتها

    وكما اقترب طوسون من القضايا الوطنية اقترب كثيراً من القضايا الإسلامية، فلم يُخف ميوله إلى الدولة العثمانية والوقوف إلى جانبها وفي صفها، باعتبارها دولة الخلافة التي تظل العالم الإسلامي وتربط بين أبنائه. وكان طوسون من أعلى الأصوات في مصر مؤازرة للدولة وعوناً لها فيما يقع لها من المصائب والكوارث

    فحين نشبت الحرب الإيطالية الطرابلسية سنة (1329هـ= 1911م) وخاضت الدولة العثمانية الحرب مع أهالي برقة وطرابلس ضد إيطاليا الطامعة في الأراضي الليبية، أهاب الأمير عمر طوسون بالمصريين لمد يد العون إلى في ليبيا، وترأس اللجنة التي شُكلت لجمع التبرعات لمساعدة الدولة العثمانية في حربها العادلة ضد العدوان، وبدأ بنفسه فتبرع بخمسة آلاف جنيه للجيش العثماني الذي يقاتل هناك، وبألف أخرى لبعثة الهلال الأحمر المصرية التي سافرت إلى هناك. بالإضافة إلى ذلك كان يرسل إلى المقاتلين في برقة والجبل الأخضر قوافل محملة بالعتاد والطعام، وكان لهذا العون الكريم أثره في استمرار المقاومة ومواصلة القتال (مجموعة من المؤلفين، ذكرى المغفور له الأمير عمر طوسون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1946)

    لم يمض عامٌ على هذه الحرب حتى اشتعلت حرب أخرى ضد الدولة العثمانية في البلقان، فانتقض عمر طوسون لمساعدة العثمانيين وبذل جهداً مضاعفاً لجمع التبرعات، وجاب أنحاء مصر مع الأمير محمد علي لهذا الغرض، حتى تجمعت لديه حصيلة ضخمة من التبرعات بلغت 300 ألف جنيه في بضعة أسابيع، كما نظم البعوث الطبية لجمعية الهلال الأحمر إلى هناك

    ولما انتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار الحلفاء وهزيمة الدولة العثمانية اقتطع المنتصرون كثيراً من الأراضي العثمانية، واحتلوا عاصمة دولة الخلافة، واضطرت فلول الجيش العثماني إلى الانسحاب إلى داخل الأناضول للدفاع عن البقية الباقية من بلادهم. وكان هؤلاء يحتاجون إلى العون والمساعدة حتى يستمروا في الدفاع والصمود، فامتدت إليهم يد الأمير عمر طوسون الذي دعا المصريين إلى التبرع لإخوانهم فاستجابوا لدعوته

    استمرت هذه المعونة تتدفق ثلاث سنوات على هؤلاء المدافعين حتى تمكنوا من تحقيق النصر على اليونان وتحرير أرضهم (محمد كرد علي، جريدة الأهرام، 7 - 2 - 1935)، ولكن بعد أن تم لهم النصر عصفوا بالخلافة الإسلامية، وأخرجوا الخليفة عبد المجيد وسائر أسرة آل عثمان، فانبرى عمر طوسون يدافع عن مقام الخلافة، ويقف إلى جانب الأسرة المنكوبة، فألف جمعية لمساعدة الخليفة عبد المجيد وأمراء البيت العثماني وإمدادهم بما يحتاجونه

    آزر عمر طوسون بجهده وماله معظم القضايا الإسلامية التي عاصرها، فناهض سياسة فرنسا في الجزائر التي كانت تدعو إلى تحويل مئات الألوف من المسلمين عن ديانتهم بدعوى أنهم برابرة وليسوا عرباً، وفضح سياسة الاستعمار الهولندي في إندونيسيا، ما ترتب عليه أن تراجعت هولندا وتنفس المسلمون بعضاً من الحرية التي جعلتهم يحافظون على دينهم وهويتهم

    ووقف أيضاً إلى جانب قضية فلسطين وناهض سياسة بريطانيا، ودافع عن حقوق المسلمين والعرب في فلسطين، وأهاب بهم جميعاً أن يتحدوا ويتجمعوا على كلمة سواء ضد فكرة إنشاء وطن قومي لليهود، وبذل من ماله لمساعدة المقاتلين الذين انبروا للدفاع عن هذه البقعة المقدسة (عزيز خانكي، جريدة الأخبار، 18 -11 - 1954)

    نزل الأمير عمر طوسون معترك الحياة السياسية وشارك فيها مشاركة فعالة، مدفوعاً بحبه لمصر والتزامه بقضاياها الوطنية. ويمكن القول إن أعماله الوطنية فاقت أعمال غالبية الزعماء السياسيين ورجال الأحزاب في عصره
    ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، دعا إلى تشكيل وفد مصري يتولى التحدث باسم مصر في مؤتمر فرساي عام (1337هـ= 1918م) للمطالبة باستقلالها، دون نظرٍ إلى حزب أو جماعة سياسية، وهو بذلك صاحب فكرة تأليف وفد مصري للتفاوض. فلما طرحها على سعد زغلول استحسنها ووعده بعرضها على أصدقائه، وبلغ من إعجاب سعد زغلول بهذا الاقتراح أن قال في مذكراته: "إن الأمير يستحق تمثالاً من الذهب لو نجحت هذه المهمة" (عبد المنعم إبراهيم الدسوقي الجميعي، منهج البحث التاريخي.. دراسات وبحوث، القاهرة، 1992)

    غير أن سعد زغلول انفرد بتأليف الوفد بعيداً عن صاحب الاقتراح الذي غضب لهذا التصرف، وكادت تحدث أزمة تهدد الصف ثم تغلبت المصلحة العامة على هذا الخلاف. عاود سعد زغلول الاتصال بالأمير عمر طوسون، ووقف عمر طوسون إلى جانب ثورة 1919، وأعلن هو وبعض الأمراء تضامنه مع الأمة، ومطالبتهم باستقلالها استقلالاً تاماً بلا قيد أو شرط، وكان قصره في الإسكندرية مركزاً للعمل الوطني تصدر منه البيانات المؤيدة لحقوق الأمة (يواقيم رزق مرقص، الأمير عمر طوسون ودوره في المسيرة الوطنية، مجلة مصر الحديثة، العدد الثاني، 2003)

    كان الأمير عمر طوسون يعد السودان امتداداً طبيعياً لمصر، وكتب ذلك في الصحف وضمنه كتبه ومذكراته، وكان لا يذكر السودانيين إلا بما يليق بهم، ويبدي إعجابه بكفاحهم. وحين شُكلَت لجنة لوضع الدستور المصري برئاسة حسين رشدي باشا سنة (1341هـ= 1922م) كتب إليهم قبل أن تبدأ أعمالها مذكراً بأهمية السودان واعتباره ضمن حدود البلاد كما كان قبل الاحتلال، وبوجوب تشكيل مجلس النواب من السودانيين والمصريين على حدٍ سواء يعمل للمصلحة المشتركة التي لا انفصام لها أبداً. وكان لهذا الخطاب أثره في مناقشات لجنة وضع الدستور

    ويندر أن تجد مشروعاً نافعاً في مصر إلا وللأمير عمر طوسون يد بيضاء عليه، ويأتي في مقدمة أعماله الخيرية ما فعله مع الجمعية الخيرية الإسلامية التي كانت تقوم بدور عظيم في مجال التعليم عبر مدارسها المنتشرة في أنحاء مصر، فحين تعثرت ميزانيتها بعد أن تأخر كثير من المساهمين فيها في دفع اشتراكاتهم ودعت أهل الخير للتبرع بالمال لاستكمال رسالتها كان الأمير عمر طوسون أول من استجاب لهذه الدعوة من المصريين وتبرع بمبلغ خمسة آلاف جنيه، وذلك في سنة (1339هـ= 1920م)، ولم يكتف بهذا بل دعا غيره للتبرع حتى وصل المبلغ إلى خمسة عشر ألف جنيه، فاستعانت به الجمعية في عملها

    لفت نظره ما تعانيه الجمعية الخيرية القبطية من ضيق، فتبرع لها بألف جنيه، ودعا الأقباط إلى الاكتتاب لها كما دعا المسلمين إلى الاكتتاب لجمعيتهم، ونشر ذلك في الصحف. وجاء في دعوته: "والغرض الأقصى لي من ذلك أن أشرف على مضمار للخير في مصر بين الأخوين الشقيقين المسلم والقبطي، تتسابق فيه العزائم وتتبارى الهمم؛ لأنظر إلى أية غاية يجري الأخوان المتباريان"

    كما تبرع لمدرستي البطركخانة والمشغل البطرسي على إثر زيارته للأنبا كيرلس بطريرك الأقباط الأرثوذكس بمبلغ من المال، يصرف من ريعه على الطلاب المتفوقين في المدرستين

    وشارك مشاركة فعالة في جمعية منع المسكرات التي أنشأها الدكتور أحمد غلوش، وكانت مصر قد شهدت في تلك الفترة انتشاراً ملحوظاً للحانات ومحال بيع الخمور في أنحائها. وقد لقيت الجمعية عوناً ظاهراً من طوسون، فأرسل في سنة (1349هـ= 1930م) إلى رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب رسالة طالبهم فيها بالنظر في سن قانون يقضي بمنع تداول المسكرات في البلاد، وبعث إليهم بمشروع لهذا القانون، وترأس وفداً من الجمعية سنة (1353هـ= 1934م) لمقابلة الملك فؤاد، وعرض عليه مذكرة تطالبه بتحريم المسكرات في المملكة

    وشملت صِلاته الخيرية عشرات الجمعيات في مصر، مثل جمعية الشبان المسلمين، والعروة الوثقى، والمواساة، والملجأ العباسي، ومشيخة العلماء بالإسكندرية، فضلاً عن إعاناته المختلفة للمعاهد العلمية والأثرية والرياضية (زكي فهمي، صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1995)

    وفي جريدة "الأهرام" عدد 18730 بتاريخ 17 يناير كانون ثانٍ 1937 رصد الأمير عمر طوسون عدداً من فوائد الوقف، ومنها حفظ ثروة البلاد، وصون البيوتات العريقة من الاندثار، وبقاء الأعيان الموقوفة سليمة ومتجددة على مر الدهور
    تبرع عمر طوسون بجميع نفقات جنازة الزعيم الوطني محمد فريد طول الطريق في أعقاب نقل رفاته من ألمانيا إلى مصر. واستغرقت مراسم الجنازة الشعبية ٢٤ ساعة بدءاً من مرورها بشوارع الإسكندرية حتى محطة مصر في القاهرة، قبل الصلاة على الجثمان في جامع قيسون بالقلعة ومنه إلى مدافن العائلة في السيدة نفيسة في ٩ يونيو حزيران ١٩٢٠ (زينب حسن، محمد فريد.. زعيم "العمل الصامت".. عاش مناضلاً ومات منفياً، جريدة المصري اليوم، 21-12-2007)

    تولى عمر طوسون رئاسة الجمعية الزراعية الملكية سنة (1351هـ= 1932م)، وكانت تعنى بشؤون الزراعة في مصر والعمل على نهضتها. وقد نهض بالجمعية ووسع من دائرة عملها وكان لشغفه بالعلم وحبه للبحث العلمي أثرٌ في توجيه الجمعية، فأجريت التجارب على مختلف الأراضي الزراعية وطرق إصلاحها وما يناسبها من الأسمدة، وأنتجت عدة سلالات من القطن والقمح والشعير، وأقيمت لأول مرة في مصر تحت إشرافه تجارب الصرف الجوفي وتأثيره على جذر النبات ونموه. واهتم طوسون ببحوث الحشرات، وأعلن عن تقديم جائزة مالية قدرها خمسة عشر ألف جنيه لمن يبتكر علاجاً لإبادة دودة ورق القطن، وشجع الجمعية على إعداد كميات كبيرة من التقاوي الممتازة للمحاصيل الرئيسية لتوزيعها على المزارعين

    دعا عمر طوسون إلى الاهتمام بتعليم المرأة، كما طالب بالنهوض بالشأن الاجتماعي في مصر. وهنا يروي قليني فهمي باشا ما يلي:"كنت أتحدّث مع سموه يوماً عن الإصلاح الاجتماعي، ولم تكن وزارة الشؤون الاجتماعية قد أنشئت بعد، فقال سموه: إنّ الإصلاح الاجتماعي في مصر يحتاج إلى أداة حكومية تديره وتشرف عليه وتعاونه. ولا يكون ذلك إلاّ بإنشاء وزارة جديدة تدعى وزارة الشؤون الاجتماعية، فهو أوَّل من قال بها في مصر" (قليني فهمي، واجب الوفاء: الأمير عمر طوسون..حياته، آثاره، أعماله، مطبعة كوستا تسوماس، دون تاريخ)

    ويُذكر له أنه أنشأ عدداً من القرى النموذجية المزودة بالمرافق الضرورية، وأرسل إلى الحكومة المصرية كتاباً يقترح فيه أن تبدأ برنامجاً منظماً لإصلاح قرى القطر المصري، واتجهت الجمعية أثناء رئاسته إلى نشر بعض المؤلفات العلمية المتصلة بالزراعة، مثل الحشرات الضارة في مصر لـ"ولكس"، وقوانين الدواوين للمؤرخ الأسعد بن مماتي، والأحوال الزراعية في مصر لـ"جيرار"، والخيول العربية للأمير محمد علي، فضلا عن المطبوعات التي تتضمن نتائج البحوث العلمية التي تقوم بها الجمعية

    وفي عام 1930، سجَّل طيَّار بريطاني، هو الكابتن كول، ملاحظاته عن مشاهداته أثناء طيرانه على ارتفاع منخفض فوق خليج أبو قير؛ وتضمَّنت تلك المشاهدات تكويناً ضخماً، على هيئة حدوة حصان، تحت سطح البحر. ووصلت هذه الأخبار إلى الأمير عمر طوسون، وكان يملك إقطاعية ضخمة حول الخليج، فكلَّف بعض المهندسين بتحديد مواقع هذه الآثار. واستمرَّ طوسون في اهتمامه بآثار خليج أبو قير الغارقة، فانتشل رأس تمثال من الرخام الأبيض، وهو معروض بالمتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، كما اكتشف عدَّة أرصفة وقواعد لأعمدة من الجرانيت الأحمر، حدد موقع أحد المعابد، على بعد 240 متراً من خط الساحل

    وكان عمر طوسون وراء إيفاد عدد من العرب للدراسة في الخارج، ومنهم السوداني الدرديري أحمد إسماعيل، لنيل الكفاءة الليسانس والأستاذية في الحقوق من جامعة ليدز ما بين عامي 34-1937 فكان أوّل سوداني ينال شهادة الأستاذية في الحقوق من الخارج. وقد تبوأ أعلى المناصب وكان من أشهر المحامين السودانيين وعمل وكيلاً لشؤون السودان بمصر 1952 ووزيراً في عدة وزارات سودانية

    وفي 20 أكتوبر تشرين أول 1998 طالب حفيد عمر طوسون ووريثه الوحيد، عزيز محمد عمر طوسون، باسترداد ممتلكات وقصور جده ومقتنياته الأثرية النادرة، وإلغاء قرار لجان المصادرة بمصادرتها عام 1953. وطعنت الدعوى القضائية في قرار المصادرة لتناقضه مع موقف ثورة 23 يوليو 1952 تجاه الأمير عمر طوسون واعترافها بوطنيته ودوره المشهود في النضال ضد الاحتلال البريطاني، ودعم الحركة الوطنية المصرية، والدفاع عن وحدة وادي النيل، وإثرائه المكتبة العربية بكتاب نادر عن نهر النيل

    بقي أن نشير إلى أن والدة عمر طوسون هي الأميرة فاطمة إسماعيل (1853-1920) إحدى بنات الخديو إسماعيل، التي ما إن علمت عن طريق طبيبها الخاص محمد علوي باشا عضو مجلس الجامعة المصرية بالصعوبات التي تعانيها هذه الجامعة، حتى بادرت الأميرة بإخراج هذا المشروع من عثرته المالية، فأوقفت ستة أفدنة من أراضيها ليقام عليها الصرح العلمي. وأوقفت كذلك 661 فداناً من أجود أراضيها في محافظة الدقهلية على هذا الأمر من ضمن 3357 فداناً كانت تخصصها للبر والإحسان، وجعلت للجامعة من صافي ريع تلك الأرض حوالي 40% كل عام

    وعندما تعذر على الجامعة إقامة حفل وضع حجر الأساس الذي كان سيحضره كبار رجال الدولة في مصر تكفلت تلك السيدة بالتكاليف جميعها، وتم الاحتفال في يوم (3 من جمادى الأولى 1322هـ=31 من مارس 1914م)، ثم ما لبثت الأميرة فاطمة أن أعلنت أنها ستتحمل تكاليف بناء الجامعة من نفقاتها الخاصة؛ ولذا عرضت مجوهراتها الثمينة . وعندما لم تنجح محاولة بيعها في مصر تم عرضها للبيع خارج البلاد وتم بيعها بحوالي 70 ألف جنيه

    ومن الأشياء التي تحسب للأميرة فاطمة أن مقر المتحف الزراعي في القاهرة والذي يقع على مساحة 30 فداناً ويعد أول متحف زراعي في العالم، كان في الأساس هو القصر الذي تعيش فيه فاطمة ثم تبرعت به للجامعة والذي أنشئ عليه بعد ذلك المتحف الزراعي

    والنبتة الطيبة، لها دوماً عطر العطاء وبهاء الخلود



    أثرياء مصر زمان.. والآن سعادة المليونير في المصحة








    لم يستمتع الأمير أحمد سيف الدين يوماً بثروته

    والأمير سيف الدين الذي احتل المرتبة الثانية في قائمة أغنى أغنياء مصر عام 1920 هو حفيد إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا، وكان بطل حادثة إطلاق النار على الأمير أحمد فؤاد – ملك مصر لاحقاً- في 7 مايو أيار عام 1898 في الكلوب الخديوي في شارع المناخ. وبعد محاكمته والحكم بسجنه سبع سنوات تحسب منها مدة الحبس الاحتياطي، صدر قرارٌ في عام 1900 من مجلس حسبي مصر يمنع الأمير سيف الدين من التصرف في أمواله

    وبعد أسابيع من قرار الحجر، صدر قرارٌ بالإفراج عن سيف الدين وإرساله إلى انجلترا وفقاً لترتيباتٍ خاصة قام بها لورد كرومر، ثم المفوضية العليا البريطانية إلى مصر، سواء فيما يتعلق بإجراءات السفر أو الإيداع في مصحةٍ للأمراض النفسية

    وفي عام 1925 ووفقاً لتقرير رفعه مدير قسم إيرادات بلدية الإسكندرية، فإن أملاك الأمير سيف الدين تضمنت 20 ألفاً و252 فداناً من الأطيان الزراعية ومجموعة من العقارات في القاهرة والإسكندرية، علاوة على 20 ألفاً و343 متراً مربعاً من الأراضي الفضاء، منها 18 ألفاً و403 أمتار بقصر الدوبارة. وأشار التقرير المذكور إلى أن أملاك الأمير في الثغر تشمل التالي: عمارتان في شارع أديب ونصف عمارة في المنشية (ميدان محمد علي) وشونة بالقباري وقطعة أرضٍ مسورة بجوار الشونة وأربعة عشر منزلاً بمحرم بك. أما في العاصمة فكانت الأملاك كالتالي: منزل بجهة الأزبكية وآخر بشارع محمد علي ومنزلان بجهة المواردي ومحال بخان الخليلي وسلاملك بقصر الدوبارة ومنزل صغير بجوار السلاملك ومنزل كبير بقصر الدوبارة ومكان مستعمل أجزاخانة بقصر الدوبارة ومكان قبلي الأجزاخانة

    أضاف الخبير الذي قدم كل تلك المعلومات، ويدعى إبراهيم بك فؤاد سيد أحمد، بعض المعلومات ذات الطابع الدرامي، ففي حين بلغت جملة إيرادات الأمير من أملاكه الزراعية والعقارية عن ذلك العام 119 ألفاً و483 جنيهاً و222 مليماً، هذا بعد ما تعرضت له من سرقة طبعاً، بلغت مصروفات شؤون الأمير المحجور عليه 3860 جنيهاً و28 مليماً، أما بقية المبلغ فقد وقع في الغالب بأيدي القيّمين
    وما بين سنواتٍ في المصحة في بريطانيا، وخطة ناجحة للهرب انتهت به في تركيا، ظل الأمير سيف الدين يمتلك الملايين من الجنيهات على الورق، إذ لم يكن يحصل سوى على 4000 جنيه سنوياً، في حين بلغ ريع ثروته نحو 120 ألف جنيه مصري سنوياً
    أما الأمير يوسف كمال الذي حل ثالثاً في قائمة أغنياء مصر عام 1920، فقد كان واحداً من أبناء الأسرة المالكة في مصر، وممن يمتلكون ثروة كبيرة، ويحبون العمل الاجتماعي

    وقد جاءت الترجمة الشخصية للأمير يوسف كمال في كتابيّ "صفوة العصر" و"دليل الطبقة الراقية" لتوضيح أن نسبه كالتالي: "يوسف كمال باشا بن أحمد كمال بن أحمد رفعت بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا..وهو أمير من الأسرة العلوية ورحالة جغرافي مصري. كان شديد الولع باصطياد الوحوش المفترسة وغامر في سبيل ذلك إلى إفريقيا الجنوبية وبعض بلاد الهند وغيرها واحتفظ بالكثير من جلود فرائسه وبعض رؤوسها المحنطة وكان يقتنيها بقصوره العديدة بالقاهرة والإسكندرية ونجع حمادي مع تماثيل من المرمر ومجموعة من اللوحات النادرة. لقد كان مغرماً بأحداث التاريخ وجغرافية البلاد ومن هنا أنفق على ترجمة بعض الكتب الفرنسية التي اختارها فنقلت إلى العربية وطبعت على حسابه منها "وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن إفريقيا الشرقية" من تأليف مسيو جيان و"المجموعة الكمالية في جغرافية مصر والقارة" (13مجلداً) بالعربية والفرنسية وكتاب "بالسفينة حول القارة الإفريقية" و"رحلة سياحة في بلاد الهند والتبت الغربية وكشمير 1915". وكان يوسف كمال من أغنى أغنياء مصر، ففي عام 1937 قدر إيراده بمئة ألف جنيه وفي عام 1934 قدرت ثروته بحوالي 10 ملايين جنيه وكان في هذا العام أغنى شخصية في مصر بينما في عام 1948 كان يمتلك حوالي 17 ألف فدان تدر دخلاً يقدر ب 340 ألف جنيه في العام"

    اشتهر يوسف كمال بحبه للفنون الجميلة، وقد أنشأ أول مدرسة للفنون الجميلة في أحد بيوته في درب الجماميز بالقاهرة وذلك في 12 مايو أيار 1908، وأوقف عليها مساحة قدرها 127 فداناً من الأراضي الزراعية الواقعة بزمام مديرية المنيا بصعيد مصر، وأوقف عليها أيضاً عدة عقارات بمدينة الإسكندرية، وقد نص في حجة وقفه على أن يصرف ريعها "فيما يلزم لتدريس وتعليم مئة وخمسين تلميذاً، يكون الثلثان منهم من المصريين، والثلث من الأجانب، بدون التفات إلى الجنسية والدين، ويكون تعليمهم مجاناً -بغير استثناء- العلوم العصرية التي منها الخطوط العربية، والنقوش البارزة، وأشغال العمارات، والتصميمات والرسومات وغير ذلك"
    وقد أجازت محكمة مصر الشرعية الكبرى حجة وقف الأمير بما تضمنته من تلك الشروط الفنية، وذلك بتاريخ 14 جمادى أولى 1327هـ - 3 يونيو 1909م، الأمر الذي يستفاد منه عدم وجود مانع شرعي للوقف على مثل تلك الأغراض -الفنون الجميلة وتعلمها- طبقاً لما ورد بنص حجة الوقف بما في ذلك اشتراطه "أن يقوم بالتدريس مدرسون من فرنسا وإيطاليا، وأن تمنح ميدالية برونزية لكل من الطالب الأول والثاني من الناجحين بالفرقة النهائية، مكتوب على أحد وجهي الميدالية "إنَّا فتحنا لك فتحًا مبيناً" وعلى الوجه الآخر "تذكار من الأمير يوسف كمال". ثم عاد الأمير وغيّر من شروط وقفيته في عام 1927 وجعل ريعها مخصصاً لإرسال بعثات علمية من الطلاب ليتعلموا الفنون الجميلة في جامعات فرنسا وإيطاليا

    قدم الأمير يوسف كمال الكثير من أجل الفن والثقافة خاصةً مجموعة المقتنيات التى ساهم بها للمتحف الإسلامي وهى عبارة عن آثار وقفية من الثريات ومنابر المساجد والسيوف والمشغولات الذهبية والمصاحف والدروع قدمها تباعاً من أوائل القرن التاسع عشر وحتى عام 1927. وقد حرص على تسجيل كل قطعة مع وصف تفصيلي لكل منها وذكر منشأها وتاريخ صنعها. كما أهدى مجموعة من الطيور المحنطة ورؤوس الحيوانات المفترسة من صيده إلى متحف فؤاد الأول الزراعي، وبعضها ضم إلى متحف محمد علي بالمنيل. وأهدى أيضاً آلاف الكتب المصورة عن الطيور والحيوانات إلى دار الكتب المصرية وجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) وتضمها حالياً المكتبة المركزية بالجامعة

    كان شديد الاهتمام باقتناء النفائس النادرة والعناية بالفنون الجميلة، وقد شمل سخاء الأمير يوسف كمال الجامعة فوهبها 125 فداناً في مديرية القليوبية ومبلغاً كبيراً لاستصلاح تلك الأراضي، كما انتخب عضواً بمجلس إدارة الجامعة منذ عام 1912. وفي تلك الأثناء طلب الأمير يوسف كمال من مجلس إدارة الجامعة تولي إدارة مدرسة الفنون الجميلة التي كان قد أنشأها في القاهرة عام 1908 وأجيب إلى طلبه، غير أنه عدل عن قراره بعد ذلك

    وفي مارس آذار عام 1914 عرض مجلس إدارة على الأمير رئاسة الجامعة لكنه اعتذر وطالب بالاكتفاء بأن يكون عضواً بمجلس إدارتها، ثم لم يلبث أن اختير رئيساً للجامعة عام 1916 حينما اضطر حسين رشدي باشا إلى التخلي عنها، ولكنه لم يمكث في الرئاسة إلا عاماً وبعض عام. وفي تلك الفترة من رئاسته للجامعة أرسل بعض طلبتها إلى الخارج للدراسة على نفقته. وبعد أن ترك رئاسة الجامعة ونظراً لظروف الحرب العالمية الأولى والضيق الاقتصادي الذي حل بالبلاد انصرف معظم الأفراد عن دعم الجامعة، إلا أن الأمير يوسف كمال تبرع للجامعة بمبلغ ألفي جنيه لمساعدتها على التغلب على ما تتعرض له من مصاعب

    أسهم الأمير يوسف كمال في تنمية عددٍ كبير من القرى المصرية في صعيد مصر، وأدخل بعض التقنيات الزراعية الحديثة في منطقة نجع حمادي، وعُرف بالوطنية، حتى إنه أعاد في مطلع الخمسينيات إلى مصر معظم ممتلكاته التي كانت في الخارج. وبعد ثورة يوليو 1952 غادر مصر وأقام في أوروبا حتى توفي في مدينة أستروبل بالنمسا عام (1389= 1969م)

    عائلة الشواربي تضم أسماء مختلفة في عالم الثراء

    أول هؤلاء هو محمد باشا الشواربي، وهو محمد سالم بن منصور بن محمد بن إبراهيم. قدم جده الأكبر إلى مصر عن طريق الشام في زمن الظاهر بيبرس. ولد محمد الشواربي عام 1841، وكانت له أراضٍ خصبة. تم تعيينه عضواً في مجلس النواب المصري عام 1882، ثم أصبح عضواً في مجلس الشورى ثم وكيلاً للمجلس. ومن أعماله الخيرية إنشاء مستشفى قليوب الشهير، كما أقام مسجداً فخماً في محطة قليوب، وأوقف وقفاً خيرياً للحرم النبوي، وأوقف أوقافاص خيرية لتكية أنشأها في قليوب، وخصص مرتبات للأضرحة والعائلات الفقيرة

    والشواربي باشا لا يزال اسمه يطلق على أحد شوارع القاهرة القديمة الرئيسة، وهو من قبيلة حرب ويقال إنهم أحامدة ويقال إن أصل الكلمة الشاربي الأحمدي ثم جرى تحريفها

    وممن حملوا لقب هذه العائلة حامد باشا الشواربي المولود في 3 مارس آذار 1889 في قليوب، وقد عين سكرتيراً في لجنة المراقبة القضائية عام 1911 ثم أصبح سكرتيراً لوكيل وزارة المعارف العمومية علي باشا أبو الفتوح، قبل أن يتم اختياره سكرتيراً لوزير الحقانية (العدل) شكري باشا. أصبح وكيلاً لنيابة محكمة الزقازيق ثم جرى تعيينه قاضياً بالمحكم الأهلية، وانتخب لعضوية مجلس النواب المصري عن دائرة مركز قليوب، ونال رتبة الباشوية في سبتمبر أيلول 1925
    نال حامد الشواربي حظوة لدى محمد باشا الشواربي كبير العائلة، الذي أوصى له بنظارة أوقافه الشاسعة ليتولى إدارة شؤونها بنفسه. كما أشرف على توزيع مرتبات أوصى بها محمد باشا الشواربي لفقراء العائلة، وتولى الوصاية على تربية عبد الحميد باشا الشواربي نجل كبير العائلة المولود في يونيو حزيران 1906

    أما عبد الحميد الشواربي فقد كان من أشهر مليونيرات عصره. تولى رئاسة نادي الزمالك عام 1956 خلفاً للمحامي محمود شوقي. غير أنه بعد ثلاثة أشهر فقط، لم يقتنع الشواربي بحكاية المركز الأدبي والوجاهة الاجتماعية كرئيس لنادي الزمالك .. ولم يفرح طويلاً بالمقارنة بينه وبين المليونير أحمد عبود الجالس على مقعد رئاسة النادي الأهلي. تقدم الشواربي باشا باستقالته معلناً أن رجال الأعمال لا يصلحون لإدارة نادي الزمالك لو أداروه بمنطق وفكر وحسابات رجال الأعمال. ومن الواضح أن الرجل لم تكن تعنيه مسألة الوجاهة، فهو رجل مال، اعتاد أن يتعامل بقواعد الحساب وقوانين المكسب والخسارة. وقد اكتشف الشواربي أن رئاسة الزمالك صفقة خاسرة بالنسبة له

    أما عائلة البدراوي باشا ذات الميول الوفدية الواضحة، فهي التي استضافت زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس باشا على امتداد شهور عام 1941 في شمال الدلتا، بعد أن رأى عددٌ من زعماء الحزب أن من الخطر على سلامة النحاس باشا البقاء في مسكنه في مصر الجديدة على مقربة من منطقة مطار ألماظة، بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية

    وكان مكرم عبيد باشا قد اكتشف شاباً من ألمع شباب أسرة البدراوي، هو محمد فؤاد سراج الدين (ابن سراج الدين شاهين باشا وزوج زكية البدراوي كريمة البدراوي باشا)، وقد لمح مكرم عبيد لدى فؤاد سراج الدين استعداداً للعمل السياسي من موقع الجاه والغنى، ومعهما طاقة من الحيوية والنشاط لافتة

    وكان الشاب في سلك النيابة أصلاً وأقنعه مكرم عبيد باشا أن ينضم إلى حزب الوفد، وأن يترشح في دائرة انتخابية من دوائر عدة فيها أملاك ونفوذ لأسرته. بدأ نجم فؤاد سراج الدين يلمع في الوسط القريب المحيط برئيس الوفد، ثم أصبح ملازماً للرئيس ومرافقاً له باستمرار، قبل أن يصبح سراج الدين رئيساً لحزب الوفد الجديد

    أما علي شعراوي، فقد ظل طاهراً في سلوكه محافظاً على التقاليد مستقيم السلوك من بدء حياته إلى ختامها، فضلاً عن كونه من خيرة الوطنيين. ووالده هو حسن أفندي شعراوي عمدة المطاهرة بمركز المنيا كما كان نائباً عن المنيا في الانتخابات الأولى لمجلس شورى النواب في ٢٥ نوفمبر تشرين ثانٍ ١٨٦٦. أما علي شعراوي (الابن) فنجده في برلمان "توفيق – عرابي" في نوفمبر تشرين ثانٍ ١٨٨١

    وعلي شعراوي باشا هو أحد الثلاثة الكبار - إلى جانب سعد زغلول وعبد العزيز فهمي- الذين قابلوا المعتمد البريطاني في مصر السير ريجنالد ونغيت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لعرض مطالب البلاد. وفي ذلك اللقاء، قال السير ونغيت‏:‏
    " لقد كانت مصر عبداً لتركيا‏، أفتكون أحط منها لو كانت عبداً لانجلترا؟"
    وتصدى علي شعراوي باشا لهذا المنطق قائلاً: " إن العبودية أمرٌ لا يسر في أي حالة‏،‏ ونحن كما قلنا نريد أن نكون أصدقاء لانجلترا صداقة الأحرار لا صداقة العبيد"‏
    وكان الخديو توفيق قد أهدى لصديقه المخلص محمد سلطان جارية بيضاء أنجب منها عمر وهدى، التي لم تكن راغبة في البداية في الزواج من "ابن عمتها"، علي شعراوي، خصوصاً أن فارق السن بينهما وصل إلى نحو أربعين عاماً. وتحت ضغط الأسرة، وافقت ابنة الرابعة عشرة على الزواج، شريطة أن تقيم في القاهرة
    وعاشت هدى شعراوي –التي عرفت لاحقاً بوصفها رائدة حركة تحرير المرأة- بعد وفاة والدها في ظل ثروتين: ثروة أبيها وثروة زوجها

    وحظي السكاكيني باشا بشهرة واسعة في مصر، ليس فقط بسبب إطلاق اسمه على الحي المقام به قصره، وإنما لأنه كان رجلاً واسع الثراء وصاحب أملاك واسعة. أما قصره فإنه يعد تحفة معمارية غاية في الجمال، بما يضمه في طرازه المعماري من مختلف فنون العمارة، بمدارسها التي تتنوع فيها العمارة الإسلامية، والفرعونية بل والصينية أيضاً، إلى جانب فنون النهضة الأوروبية
    كانت المنطقة التي يوجد بها قصر السكاكيني قبل بنائه عبارة عن بركة مياه، على الجانب الشرقي للخليج المصري، تعرف ببركة "قراجا التركماني"، قبل أن تؤول ملكيتها وما حولها إلى السكاكيني باشا، بحكم مرسى المزاد الصادر من محكمة مصر المختلطة في العاشر من يونيو في عام 1880
    وما إن استقرت هذه البركة وما جاورها في حوزة السكاكيني، حتى شرع في ردمها وبناء قصره الفخيم الذي يقع في منتصف الحي الموجود حاليا، لتلتقي عنده كل الطرق المؤدية إلى الحي، ما كان له أثر بالغ في التوسع العمراني في هذه المنطقة شمالا وشرقا، طوال القرنين التاسع عشر والعشرين
    وبني قصر السكاكيني على يد معماريين إيطاليين جاؤوا خصيصاً للمشاركة في بناء القصر، الذي يعتبر النموذج المجسم لفن الروكوكو. وبعد وفاة السكاكيني باشا آل القصر إلى ورثته الذين تنازلوا أخيراً عنه إلى وزارة الصحة، بغرض إقامة أول متحف طبي في مصر، بناء على فكرة، طرحها أحد أحفاد السكاكيني باشا الذي كان يعمل طبيباً
    واللافت للانتباه أن قائمة أغنى أغنياء مصر عام 1920 لم تضم حاكم مصر السلطان فؤاد
    غير أن مصر كانت في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين على موعد مع زلزال اقتصادي أعاد تغيير موازين الثراء وترتيب الأثرياء في المحروسة


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في السبت مارس 26, 2011 12:39 pm عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:53 pm

    أثرياء مصر زمان.. والآن مولد أغنياء الحرب







    ضرب الكساد الكبير الولايات المتحدة - والعديد من دول العالم- في أكتوبر عام 1929 نتيجة للانهيار المالي الضخم في بورصة الأوراق المالية في نيويورك، والمعروف باسم "الثلاثاء الأسود"، وانتهى في أوقاتٍ متفاوتة - بحسب كل بلدٍ- ما بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي


    اعتبر خبراء الاقتصاد تلك الأزمة أكبر كسادٍ اقتصادي يضرب العالم في القرن العشرين، ونظروا إليه في القرن الحادي والعشرين كنموذج على المدى الذي يمكن أن ينهار به الاقتصاد العالمي


    كان لهذه الكارثة الاقتصادية آثارها القوية على الاقتصاد المصري، باعتبارها إحدى المستعمرات التي تدور فى فلك إنجلترا إحدى دول المركز، وأيضاً لارتباط العملة المصرية بالجنيه الإسترليني. ظهرت أولى آثار الأزمة الاقتصادية في مصر على شكل انخفاضٍ رهيب في أسعار القطن وصعوبة بالغة في تسويقه

    وليس مثل القطن من محصولٍ زراعي لعب دوراً خطيراً في التأثير على تاريخ مصر الاقتصادي

    ويتعين أن نشير إلى أن القطن شغل 22.4 % من المساحة المنزرعة عام 1913، مقابل 11.5 % عام 1879، وزاد محصول القطن من مليون و818 ألف قنطار إلى 6 ملايين و250 ألف قنطار بين عامي 1884 و1908، كما ارتفعت قيمة الصادرات القطنية من 6 ملايين و424 ألف جنيه إلى 17 مليوناً و91 ألف جنيه أثناء الفترة نفسها، وهو ما يمثل 67 % من مجموع الصادرات عام 1884، و83 % عام 1906


    والشاهد أن مصر بمدنها وريفها قد تأثرت بشدة بهذا الكساد العالمي، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، ومن ذلك أحوال المعيشة والزواج والطلاق والتعليم والصحة والتبشير والبطالة والإجرام والبغاء والمخدرات (علي شلبي، أزمة الكساد العالمي الكبير وانعكاسها على الريف المصري (1929-1934)، دار الشروق، القاهرة، 2007)

    والأكيد أن الأزمة الاقتصادية خنقت الأسواق، وأدت إلى إفلاس كثيرين نتيجة استمرارها بضعة أعوام، الأمر الذي حال دون صعود وجوه جديدة من الأثرياء ورجال المال والأعمال

    وبالرغم من مضي 15 عاماً على القائمة السابقة لأغنى أغنياء مصر، فإن القائمة الحديثة لهؤلاء الأغنياء لم تشهد تغيراً يذكر، وإن اختلف الترتيب، وأضيفت وجوهٌ قليلة إلى نادي كبار الأثرياء


    وهكذا أظهرت قائمة منتصف الثلاثينيات الترتيب التالي لأغنى أغنياء مصر:

    1- الأمير أحمد سيف الدين، ووصلت ثروته إلى ستة ملايين جنيه، وأقر مجلس البلاط الملكي منحه مرتباً شهرياً قدره ألف جنيه، في أعقاب هروبه من المصحة في إنجلترا في خريف 1925 وذهابه إلى الآستانة
    2- محمد بك ابن محمود خليل باشا، وقدرت ثروته بنحو ثلاثة ملايين جنيه
    3- الأمير عمر طوسون
    4- آل البدراوي وعاشور



    كان والد محمد محمود خليل (1877- 31 ديسمبر 1953) يشغل وظيفة مهمة في الديوان الخديوي، وكانت أمه يونانية. وجد نفسه يسعى بين القصور ويشاهد أعمال الفنانين، ويسمع الموسيقى بآلاتها الغربية مع الفرق التي كانت تزور قصر الخديو الجديد

    التحق بمدرسة الليسيه فرنسيه بالقاهرة ثم سـافر إلى باريس عام 1897 ليـدرس القـانون بجـامعة السوربون. وبعد إتمام دراسته عاد ليعمل وكيلاً لمجلس الشيوخ المصري ثم أصبح رئيساً لهذا المجلس في الفترة من 8 مايو أيار 1938 إلى 9 سبتمبر أيلول 1942، كما تولى منصب وزير الزراعة عام 1937





    ويعد متحف محمد محمود خليل وحرمه - الذي افتتح رسمياً في 23 يوليو تموز 1962 وأعيد افتتاحه بشكله الجديد في أكتوبر تشرين ثانٍ 1995- واحداً من أهم المتاحف في مصر. وهو في الأصل قصرٌ لصاحبه، جمع فيه مختارات من أعمال فنانين كبار قادوا الحركة الفنية في أوروبا خاصة في فرنسا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبخاصة للمدرسة التأثيرية وإعلامها مثل ماتيه وغوغان، إضافة إلى مجموعة من التماثيل البرونزية والرخامية والجصية لكبار مثالي القرن التاسع عشر كأعمال رودان وكاريو وباري وهوردون

    كان محمد محمود خليل باشا قد التقى في عام 1903 راقصة مغمورة تدرس الموسيقى بمعهد كونسرفتوار بارشرا اشتهرت باسم "زورو" واسمها الحقيقي إميلين لوك. أحبها، وكانت عاشقة للفنون والاقتناء، فاختلطت عنده العاطفة مع عشقه لاقتناء كنوز الفن. تزوجها في العام نفسه، وعادا إلى مصر حيث أقاما في قصره بالجيزة عام 1915


    حدث أنه عندما كان في باريس عام 1903 أن دفعت إميلين 400 جنيه كاملة في لوحـة "الفتاة ذات رباط العنق الأبيض" The One With The White Tie للفنان بيير-أوغست رينوار، وعندما راجعها محمد محمود خليل في الأمر أجابته ضاحكة: سوف يقدر التاريخ قيمة هذه اللوحة. ويتجاوز سعر هذه اللوحة الآن 50 مليون دولار

    شارك في تأسيس جـمعية محبي الفنون الجميلة مع الأمير يوسف كمال وأصبح رئيساً لها بين عامي 1924 و1925. أصبح رئيسـاً للجنة الاستشارية للفنون الجميلة بوزارة المعارف عام 1927. وفي عام 1928 استطاع محمد محمود خليل أن يقنع الملك فؤاد بضرورة إقامة متحف للفن الحديث فعهد إليه الملك بهذه المهمة، فكان يسافر إلى فرنسا لاقتناء اللوحات للمتحف بصحبة سفير مصر في باريس مع مدير الفنون الجميلة بوزارة المعارف

    أقيم المتحف في البداية بقصر تيجراي بشارع إبراهيم باشا ثم انتقل إلى قصر موصيري بشارع فؤاد عام 1930 ثم إلى قصر البستان عام 1935، ثم إلى قصر الكونت زغيب بجوار قصر هدى شعراوي الإسلامي الطراز، حتى هدمت مباني القصرين في عهد الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإعلام في مطلع ستينيات القرن الماضي، وموقعها أصبح موقفاً للسيارات يطل على ميدان التحرير بعد فشل مشروع الفندق السياحي الذي كان من المقرر إقامته في هذا الموقع

    في عـام 1937 أشـرف على الجناح المصري بمعرض باريس الدولي، وبه عرض الكثير من أعمال الفنانين المصريين في ذلك الوقت. وفي عام 1949 أقيم معرض بباريس عُرِضَت به مختاراتٌ فنية من المتاحف المصرية والفرنسية وبعض لوحاتٍ لفنانين مستشرقين من مجموعته. أشرف على هذا المعرض فنانون مصريون وفرنسيون، وكان محمد محمود خليل رئيساً للجانب المصري

    وربما جاز القول إنه لولا أن محمد محمود خليل باشا قد خلّد نفسه بالمتحف الذي يحمل اسمه لما تذكره كثيرون في تاريخنا المعاصر


    وشهدت القائمة عودة الوجوه الملكية من جديد، إذ احتل الملك فؤاد ملك مصر المركز الأول بشكلٍ غير رسمي، حيث نجح في في تنمية ثروته بحكم مركزه. كما انضم إلى القائمة حاكم مصر السابق الخديو عباس حلمي الثاني الذي عزله الإنجليز عن العرش عام 1914، وإن لوحظ أن ثروته تركزت خارج مصر


    وأدى اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1945) إلى ظهور طبقة جديدة من الأثرياء أطلق عليهم أثرياء الحرب، حيث كان معظمهم من التجار الذين يمتلكون مخازن كبرى بها بضائع توقف استيرادها فقفزت أسعارها، ولم يكونوا مؤهلين للمال الذي حصلوا عليه، فاندفعوا في أعمال ومشروعات دفعت رسامي الكاريكاتير في معظم المجلات إلى تناولهم بالسخرية. في الوقت نفسه، شهدت مصر هروب عدد من الأغنياء وخاصة من اليهود وتصفيتهم أعمالهم، في أعقاب وصول القوات الألمانية إلى حدود مصر الغربية واقترابها من العلمين


    في كتابه "تطور الحركة الوطنية المصرية 1882-1956" (دار شهدي للطبع والنشر والتوزيع، 1957)، يقدم شهدي عطية الشافعي أحد أبرز قادة الحركة الشيوعية المصرية في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين رؤيةً مهمة. يقول الكاتب تحت عنوان "سيطرة كبار رجال المال": "وفي ظل الاستقلال الاسمي الذي فازت به مصر، ظهرت نواةٌ بارزة من كبار الماليين المصريين، المتصلين أوثق اتصال بالشركات الأجنبية، برؤوس الأموال الاستعمارية. إذ رأت هذه الشركات أنه من الخير لها أن تعين من بين أعضاء مجالس إدارتها بعض مستوزرين سابقين، وبعض كبار الموظفين ليستخدموا جهاز الدولة في خدمة هذه الشركات. كما أن بعض أثرياء التجار المصريين أمثال فرغلي، وعلي أمين يحيى، رأوا من صالحهم التعاون مع رؤوس الأموال الأجنبية لتحقيق مزيدٍ من الأرباح. ومن ثم برزت فئةٌ جديدة شاركت كبار الملاك الحكم تحت سيطرة السراي والاستعمار"

    ويضيف شهدي عطية قائلاً: "هذه الفئة وأمثالها من كبار الماليين المتصلين أوثق اتصال بالاحتكارات الأجنبية اجتهدت أول الأمر أن تنشيء لها أحزاباً مستقلة، كحزب الاتحاد عام 1925 الذي كان يرأسه يحيى إبراهيم باشا (من كبار الماليين) ونشأت باشا، ثم حزب الشعب الذي كوّنه صدقي باشا 1931، ولكن هذه الأحزاب فشلت فشلاً ذريعاً. لقد نشأت في أحضان السراي وبقوة البوليس ورجال الإدارة، فلم تنجح في تضليل أحد، وسرعان ما كانت تذبل وتموت بمجرد خروجها من الحكم. ومن ثم اتبع كثيرٌ من كبار الماليين سياسة جديدة، هي البقاء خارج الأحزاب تحت يافطة المستقلين وتحت طلب السراي والاستعمار، كلما أراد انقلاباً جديداً"

    غير أن نجمي المجتمع في تلك الفترة كانا رجلي مال وأعمال اتسم نشاطهما بالعمل المؤسسي: المهندس العصامي أحمد عبود باشا، وسليل عائلة التجار محمد أحمد فرغلي باشا



    أثرياء مصر زمان.. والآن دموع ملك القطن





    ينتمي محمد أحمد فرغلي باشا ملك القطن، إلى أسرةٍ من أصولٍ صعيدية، فهي من مدينة أبو تيج ونزحت إلى الإسكندرية واستقرت بها. كانت أسرته محسوبة من الصفوة، حيث الثراء المادي والاقتصادي، بل إن الشارع الذي وُلِدَ فيه حمل اسم أسرته: شارع فرغلي

    توارثت الأسرة العمل التجاري، فالجد والابن من بعده يعدان من كبار تجار الحبوب، وكانا يتاجران في القطن على الجانب المحلي وحده، ولا يخوضان تجربة التصدير إلى الخارج

    تلقى محمد أحمد فرغلي تعليمه في مدرسة الجيزويت الفرنسية، ثم التحق بكلية فيكتوريا ذائعة الصيت، وكان من أبرز أصدقائه فيها أمين عثمان الذي اغتيل عام 1946. سافر فرغلي بعد ذلك إلى إنجلترا لاستكمال دراسته في مدرسة لندن للدراسات الاقتصادية، لكن مرض الأب اضطره إلى العودة إلى الإسكندرية، لتحمل أعباء العمل التجاري للعائلة

    كان رأسمال الأب في تلك الفترة يقترب من 30 ألف جنيه، وهو رقمٌ كبير آنذاك، لكن طموح الابن تجاوز ذلك بكثير. بعد فترة حاول العمل مستقلاً لمدة عامين، إذ أنشأ مزرعة لتربية الخنازير فوق أرض مستصلحة تبلغ مساحتها 900 فدان كانت تملكها العائلة في منطقة أبو الشقوق بالقرب من المنصورة. ثم استدعاه أبوه، فقرر تصفية مشروعه الذي حقق من ورائه ربحاً صافياً يقترب من ثلاثة آلاف جنيه، وهو رقمٌ ضخم بمقاييس عشرينيات القرن الماضي
    وتحت إلحاح الابن محمد، سرعان ما بارك الأب تحول جزء من نشاط الأسرة التجاري إلى مجال تصدير الأقطان، الذي كان حكراً على الأجانب
    تكبدت الصفقة الأولى في مجال تصدير القطن خسارة فادحة، تزيد على أربعة آلاف جنيه، غير أن محمد تعلم من التجربة جيداً
    بدأت رحلة "ملك القطن" - الذي توفي والده عام 1927- مع التصدير بحصةٍ لا تتجاوز 0,25 % من إجمالي المحصول المصري من القطن. وبعد ما يزيد قليلاً عن عشر سنوات، كان محمد أحمد فرغلي يصدر 15 % من جملة المحصول. وبهذه النسبة كان يحتل المركز الأول في قائمة المصدرين، فضلاً عن أن نجاحه مَثَل دافعاً لأن يقتحم مصريون آخرون مجالاً كان مغلقاً دونهم (مصطفى بيومي، محمد أحمد فرغلي "ملك القطن"، سلسلة رواد الاستثمار، مركز إعداد القادة لإدارة الأعمال، وزارة المالية، مصر، 2008)
    في عام 1935، انتُخِبَ محمد أحمد فرغلي وكيلاً لبورصة مينا البصل، وكان أول مصري ينهي سيطرة الأجانب الطويلة على المناصب القيادية. وفي مقابلة مع الملك فؤاد بعد انتخابه، ودعه الملك مخاطباً بكلمة "بك". ولما كان نطق الملك سامياً لا عودة فيه، فقد حاز محمد أفندي فرغلي رتبة البكوية. وفي عام 1941، في ظل وزارة حسين سري، حصل فرغلي على رتبة الباشاوية
    غير أن محمد أحمد فرغلي باشا عاش كثيراً من الأزمات والمحن
    ففي عام 1934 أدى ارتفاع أسعار القطن في بورصة نيويورك إلى توريده كميات كبيرة كان متعاقداً عليها بأسعار كلفته خسارة قدرها 600 ألف جنيه. غير أن حصوله على قرض من البنك الإيطالي بقيمة 100 ألف جنيه دون ضمان، أنقذه من ضائقةٍ مالية شديدة
    وعاد الخط البياني إلى الصعود السريع حتى جاءت الأزمة الثانية عام 1949. وخلال السنوات الفاصلة بين الأزمتين، كان فرغلي قد أصبح من كبار المساهمين في عدد كبير من الشركات وعضواً في مجالس إدارات عدد من البنوك والمؤسسات الاقتصادية، وتوسعت شركة فرغلي للأقطان في أعمالها حتى وصلت أرباحها السنوية إلى ما يزيد عن مليون جنيه
    وفي الأزمة الثانية، عجز صغار ومتوسطو التجار عن توريد الكميات المطلوبة في التوقيتات المحددة لمجموعة شرائية عملاقة تم الاتفاق بشأنها بين محمد أحمد فرغلي وعلي يحيى وآخرين. للإفلات من الحصار الذي يهددهم، لجأ هؤلاء التجار إلى تصعيد الأمر بالشكوى إلى الحكومة، وكانت المفاجأة في فتوى وزارة المالية بإمكان تسليم التجار لأقطان لا تطابق المواصفات
    ويروي ملك القطن في مذكراته (محمد أحمد فرغلي، عشت حياتي بين هؤلاء، الإسكندرية، 1984) كيف اتفق كبار المصدرين على تحرك مضاد، وفوضوا علي يحيى بالسعي إلى استمالة الملك والحصول على دعمه، وكان إلياس أندراوس باشا هو الوسيط، وطالب بأن يحصل الملك على ربع مليون جنيه، أما الحاشية، أو ما كان يطلق عليها الأوركسترا، فحصة أفرادها من الرشوة 25 ألفاً
    يؤكد فرغلي أن الملك فاروق مارس ضغوطاً على الحكومة الوفدية حتى تراجع وزير المالية زكي باشا عبد المتعال عن موقفه. وبفضل الحيلة والتلاعب، التف كبار مصدري القطن على مجلس الدولة ورئيسها آنذاك عبد الرزاق السنهوري باشا، مع أن فتوى مجلس الدولة جاءت لمصلحة صغار التجار، ولكن بعد فوات الأوان. انتقلت القضية بعد ذلك إلى ساحة المحاكم وظلت مستمرة نحو 20 عاماً، ليكسبها في النهاية فرغلي باشا ومن معه
    يقول محمد أحمد فرغلي باشا بوضوح رجل أعمال لا ينكر اللجوء إلى سلاح الرشوة: "انتهت هذه الأزمة عام 1950 بعد ضجةٍ إعلامية كبيرة على صفحات الصحف، وفي المنتديات العامة، ولقد كسبت بعض الصحف نتيجة مساندتها لنا آلاف الجنيهات، كما كسب المحامون مبالغ طائلة وسميت هذه العملية أيامها بعملية "الكورنر"
    ولم تكن تلك واقعة الرشوة الوحيدة التي كان تاجر القطن الشهير طرفاً فيها. فقد حدث في دائرة مينا البصل بمحافظة الإسكندرية أن رشح أحمد فرغلي نفسه. يومها دفع فرغلي باشا أكبر رشوة انتخابية وهي جنيه مصري كامل لكل من يمنحه صوته. وكان مندوب الباشا يعطي الناخب نصف ورقة الجنيه فإذا خرج من اللجنة الانتخابية وأعلن أنه انتخب الباشا حصل على نصف الورقة الآخر. وكان مندوب الباشا داخل اللجنة يعطي الناخب ورقة تؤكد أنه نفذ المطلوب، وانتخب تاجر القطن
    ولم ينجح الباشا بل سقط أمام مرشح الوفد رغم الجنيهات الكثيرة التي دفعها؛ لأن الوفد في ذلك الزمان كان يكسب في كل انتخابات لم تمتد إليها يد التزوير في النتائج
    وفي عام 1951، تعرض فرغلي باشا لأزمة ثالثة، دفعته إلى البكاء أمام زوجته
    فقد تعاقد على بيع ربع مليون قنطار من القطن بسعر ثمانية جنيهات للقنطار، لتصل قيمة الصفقة إلى مليوني جنيه. بعد أن تم التعاقد، رفض خبراء البورصة القطن الذي قدمه فرغلي لأنه ليس مطابقاً للمواصفات. وعندما احتج المُصدِر الكبير على القرار، تشكلت لجنة ثانية أيدت ما وصلت إليه اللجنة الأولى
    ويعترف محمد أحمد فرغلي بأنه دفع خمسة آلاف جنيه لأحد كبار الصحفيين ممن يملكون داراً صحفية، ليكتب مقالاً موقعاً باسم فرغلي باشا، حمل عنوان "إني أتهم"، يتهم فيه مندوب الحكومة في البورصة بالتحيز
    ولم ينقذ فرغلي باشا من المحنة الثالثة سوى حريق القاهرة
    ففي أعقاب حريق القاهرة الذي شب في 26 يناير كانون ثانٍ 1952، سقطت الحكومة الوفدية، وتشكلت وزارة جديدة قبلت القطن الذي سبق رفضه، وبدلاً من خسارة المليونين، حقق فرغلي ربحاً جديداً
    ثم وقعت ثورة يوليو 1952 التي أعادت رسم ملامح مصر سياسياً واقتصادياً
    في لقائهما الأول، قال محمد أحمد فرغلي للرئيس جمال عبد الناصر: "يا رفعة الرئيس، كيف لا أؤيد تغييراً يسعى إلى تحقيق الأفضل. لقد كنت أتوقع مثل هذا التغيير، بدءاً من عام 1949، وكان كل خوفي أن تقع السلطة في أيدي الإخوان المسلمين، فيعودوا بالمجتمع إلى الوراء"
    غير أن الثورة حملت معها رياح التأميم الذي يرى الباشا أنه تم بطريقة عشوائية، أما فرض الحراسة على أموال ممتلكات الأغنياء فهي في تصوره أقرب إلى الأعمال الانتقامية التي تنتهك كرامة الإنسان
    قًدِرَت قيمة شركات فرغلي بمبلغ مليوني جنيه، على الرغم من أن قيمتها الحقيقية تزيد عن ذلك بأربعة أضعاف. أما أول مرتبٍ شهري حصل عليه بعد فرض الحراسة على أمواله، فلم يزد عن جنيهين ونصف الجنيه
    في الستينيات، تلقى محمد أحمد فرغلي عرضاً للعمل كمستشار في أحد البنوك الإنجليزية في لندن براتب يصل إلى 25 ألف جنيه بالإضافة إلى مسكن سيارة وسائق، لكنه رفض العمل خارج مصر
    ووافق ملك القطن على العمل مستشاراً لمؤسسة القطن في مصر، بمرتبٍ يعادل مجلس الإدارة، غير أن المجلس في اجتماعه للموافقة على التعيين، رفض المرتب المقترح، وقرر ألا يزيد عن 100 جنيه
    وهكذا تعامل رجال الثورة مع القطاع الخاص الوطني، فكان.. ما كان


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في السبت مارس 26, 2011 12:40 pm عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:55 pm

    أثرياء مصر زمان.. والآن عبود باشا.. صانع الملوك









    ينتمي أحمد عبود باشا إلى جيل فرغلي باشا ذي الوردة الدائمة في عنق الجاكيت "ملك القطن"، وسيد ياسين "ملك الزجاج"، وإلياس أندراوس "ملك البورصة" وغيرهم
    غير أن أحمد عبود، يختلف عن أقرانه بأنه مليونير عصامي بدأ من القاع.. أو تحته قليلاً
    ومن مجرد فتى يملك أبوه يملك حماماً شعبياً في حي باب الشعرية، أصبح رجل أعمال يملك إمبراطورية ضخمة من صناعة السكر والصناعات الكيميائية والورق والشحن والقطن، تبلغ قيمته 100 مليون دولار (مجلة تايم الأمريكية، عدد 10 يناير 1964)
    يا لها من رحلة جمعت بين الاستثمار والسياسة..والفساد
    ظل أحمد عبود يساعد والده في إدارة الحمام الشعبي حتى تخرج في المهندسخانة. عمل بعد تخرجه بأجر شهري لا يتجاوز خمسة جنيهات في وابورات تفتيش الفيكونت الفرنسي هنري غابرييل الشهير بالكونت دي فونتارس بأرمنت، وفُصِلَ منه بعد فترة ليعمل مع أحد مقاولي الطرق والكباري بفلسطين، وكان ينفذ بعض العمليات للجيش الإنجليزي. وفي تلك الفترة تعرف إلى مدير الأشغال العسكرية للجيش الإنجليزي ونشأت بين عبود وبين ابنة هذا الضابط الإنجليزي المهم قصة حب انتهت بالزواج
    وهنا جاء التحول الكبير في حياة هذا المهندس الشاب، حيث ترك العمل لدى المقاول واشتغل بالمقاولات. وبمساعدة حميه أسندت إليه معظم أشغال الجيش الإنجليزي في فلسطين ومدن القناة حتى تكون لديه رأسمال استطاع به أن يشتري معظم أسهم شركة ثورنيكروفت Thornycroft
    للنقل بالسيارات بالقاهرة، ثم شركة بواخر البوستة الخديوية، حتى ظهر اسمه في عام 1935 في ذيل قائمة أغنياء مصر أيامها
    كان عبود أحد أولئك الذين استفادوا من ظروف الحرب العالمية الثانية ليحقق ثروة طائلة من أرباح أسطول السفن الذي كان يملكه، في ظل ارتفاع أجور النقل ارتفاعاً خيالياً. وهكذا اشترى معظم أسهم شركة السكر والتكرير المصرية التي كان يملكها رجل أعمال بلجيكي يدعى هنري نوس. وعندما مات هنري نوس أسندت إدارة الشركة إلى ابنه هوغ، لكن عبود العضو البارز في مجلس إدارة الشركة استغل هذه الفرصة وأوعز لأصدقائه الإنجليز ليقوموا بتجنيد الابن رغم أنفه، وتم ذلك فعلاً ويذهب هوغ نوس ليشارك في الحرب ولا يعود منها، فقد قتل في إحدى المعارك. وخلا الجو لعبود لينفرد بإدارة شركة السكر رئيساً والعضو المنتدب لها، وظل رئيساً لمجلس إدارتها حتى تم تأميمها في عام 1961


    وكانت لأرمنت عند عبود هوى خاص، حتى إنه اشترى تفتيش الكونت الفرنسي دي فونتارس (6000 فدان) الذي كان يعمل أجيراً فيه – بعد هجرة الكونت إلى البرازيل- واشترى أيضاً قصره بأرمنت (سراي عبود)، وكان أحد قصور الخديو إسماعيل إذ بناه لاستضافة أوجيني إمبراطورة فرنسا أثناء زيارتها لافتتاح مصنعه بأرمنت الذي واكب افتتاحه افتتاح قناة السويس في نوفمبر تشرين ثانٍ عام 1869

    اشترى عبود المكان الذي بدأ فيه رحلته موظفاً صغيراً، بكل ما فيه من منشآت ومنازل ومخازن وحظائر بمبلغ 60 ألف جنيه، وسجل هذه الأملاك باسم ابنته الطفلة مونا. كان عبود أثناء زياراته السنوية القصيرة لأرمنت يقيم في القصر المذكور مع شقيقه مصطفى الذي بنى مسجد أرمنت العتيق. وللاستمتاع بالأيام القلائل التي يقضيها مع زوجته وابنته، بنى المليونير حماماً للسباحة وملاعب للغولف والبولو والإسكواش والتنس


    أقام عبود في حديقته لاحقاً قصراً - بكلفة 30 ألف جنيه بخلاف قيمة الأثاث والمفروشات- صممه مهندس إيطالي ويعد من التحف المعمارية المميزة، تزوجت فيه ابنته مونا من المهندس المصري محمد علي حسين الذي ترأس مصلحة الميكانيكا والكهرباء في وزارة الأشغال، وكان عضواً بمجلس إدارة شركة سيمنز الألمانية

    وقد اشترت شركة السكر هذا القصر من الحراسة بعد التأميم. وبعد إلغاء الحراسة اشترى القصر الاقتصادي المصري مصطفى الزناتي أحد أبناء قرية الضبعية إحدى قرى مركز أرمنت والتي ضُمت أخيراً إلى مركز الأقصر
    امتدت إمبراطورية عبود باشا الذي أصبح أغنى أغنياء مصر إلى دائرة السياسة والرياضة والسياحة، وكان يملك معظم أسهم شركة الفنادق المصرية، إضافة إلى شركات الأسمدة في عتاقة والكراكات المصرية، وغيرها من شركات الصناعات الكيميائية، والتقطير، والغزل والنسيج التي أنشأها قرب نهاية أربعينيات القرن العشرين
    وفي تلك الفترة الزمنية، كتب مقالاً صحفياً تحت عنوان "كيف تصبح مليونيراً" قدم فيه نصائحه وخلاصة تجربته، وافتتح المقال بقوله: "ليس النجاح من الأسرار، ولكنه أولاً وقبل كل شيء توفيقٌ من الله، فقد تجتمع في شخصٍ كل مؤهلات النجاح من شهاداتٍ وجاه وشخصية قوية، لكن سوء الحظ يلازمه فلا ينجح في أي عملٍ يقوم به، بينما ينجح من هو أقل منه في الكفاءة والجاه، وأضعف منه شخصية"!
    وبلغ من نفوذ عبود أنه أجبر طلعت حرب مؤسس بنك مصر وأشهر أعلام النهضة المصرية على الاستقالة من بنك مصر في 14 سبتمبر أيلول 1939 الذي أسسه بعرقه وجهده
    فقد اشترك عبود وفرغلي باشا ملك القطن في تنفيذ سياسة قوامها سحب ودائعهما من البنك بمعدل نصف مليون جنيه يومياً حتى بلغ السحب ثلاثة ملايين جنيه، كما هددت الحكومة التي يترأسها حسين سري - صديق عبود باشا- بسحب ودائع الحكومة فاضطر طلعت حرب للاستقالة حتى لا يهتز مركز البنك وترك إدارته لحافظ عفيفي طبيب الأطفال، وهو صديق أثير للإنجليز ولعبود
    في 13 يناير كانون ثانٍ 1944، أقام النادي الأهلي بالجزيرة حفلة شاي تكريماً لكل من أحمد عبود باشا وعبد الحميد عبد الحق، بمناسبة تبرع عبود باشا بثلاثة آلاف جنيه لإتمام إنشاء حمام السباحة بالنادي، وتقديراً لما قدمه الثاني للنادي والهيئات الرياضية الآخرى. ووقف رئيس النادي أحمد حسنين باشا – رئيس الديوان الملكي- وألقى كلمة استهلها بقوله: "إني بعد أن حنيت رأسي للراحل الكريم جعفر ولي باشا (رئيس النادي الأهلي سابقاً) أرفع رأسي بالشكر للرجلين الكريمين الأستاذ عبد الحميد عبد الحق وزير الشؤون الاجتماعية السابق وأحمد عبود باشا". ثم أشار إلى ما كان من اعتماد الوزير عبد الحق ثلاثة آلاف جنيه مساهمة في إنشاء حمام السباحة في النادي الأهلي، وإلى تبرع عبود باشا بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه أخرى للغرض نفسه
    تولى أحمد عبود باشا رئاسة النادي الأهلي لمدة 15 عاماً (19 فبراير شباط 1946-19 ديسمبر كانون أول 1961) فاز فيها دائماً بالرئاسة بالتزكية، وكانت تلك الفترة من أزهى عصور الأهلي، حيث حصل خلالها على تسع بطولات متتالية للدوري من 1947 حتى 1956 (حسن المستكاوي، النادي الأهلي (1907 - 1997) بطولة في الرياضة والوطنية، 1997). وطوال فترة رئاسته النادي الأهلي، كان عبود باشا ينفق على النادي من جيبه الخاص رافضاً أية إعانة من الحكومة. وهو الذي بنى حمام السباحة من جيبه الخاص، وهدم مدرج الدرجة الثالثة القديم وبنى المدرج الحالي.. ثم بنقوده ونفوذه اقتطع الجزء الكبير من نادي الفروسية ليطل النادي على كورنيش النيل
    وحكاية مباراة بورسعيد مشهورة، إذ أبدى أمين شعير مدير الكرة بالأهلي انزعاجه لعدم استطاعة صالح سليم كابتن الفريق اللحاق بالمباراة رغم قوة فريق المصري البورسعيدي في تلك الأيام؛ لأن صالح كان سيؤدي امتحاناً في كلية التجارة ينتهي في الواحدة ظهراً في حين أن المباراة في بورسعيد في الثالثة ظهراً. وما إن علم عبود باشا بالأمر حتى أرسل سيارته إلى الجامعة لتأخذ صالح بعد الامتحان مباشرة إلى المطار، حيث كان في انتظاره عبود باشا وأخذه معه في طائرته الخاصة إلى بورسعيد ليلحق بالمباراة (عبد الرحمن فهمي، تعالوا نصحح التاريخ، جريدة الجمهورية، 5 مارس آذار 2007)
    أُبعِدَ أحمد عبود باشا عن رئاسة النادي الأهلي بعد شهورٍ من زيارة جمال عبد الناصر ومعه ملك أفغانستان للنادي الأهلي في أكتوبر تشرين أول 1960 إذ صدرت قوانين يوليو الاشتراكية، فلم يكمل عبود مدته كرئيس للنادي الأهلي وترك منصبه في 17 أكتوبر تشرين أول 1961
    وقد أنشأ عبود باشا عام 1939 أكبر وأعلى عمارة في مصر كلها في ذاك الوقت، وكانت تتكون من 13 طابقاً، وكان الناس يزورونها ليروا هذا البناء الشامخ في شارع المدابغ الذي أصبح فيما بعد اسمه شارع شريف في وسط القاهرة، وهي تقع على ناصية شارعي شريف وقصر النيل، وأطلق عليها اسم عمارة الإيموبيليا


    كان لاعبو الأهلي يذهبون كل أسبوع إلى مكتب عبود باشا بالعمارة، منهم صالح سليم وعبد الوهاب وطارق سليم وميمي الشربيني وعادل هيكل وسعيد أبو النور وفؤاد أبو غيدة ومروان كنفاني وعوضين.. ويذهب معهم أحياناً أصدقاؤهم من لاعبي الزمالك نبيل نصير وعلي محسن ورأفت عطية وعلاء الحامولي
    كان عبود باشا يشترط على من يسكن العمارة أن يكون أهلاوياً، لكنه لم يشترط ذلك بالنسبة للموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يجهر بزملكاويته هو وأم كلثوم
    خصص أحمد باشا عبود شقتين في عمارة الإيموبيليا للمغتربين من لاعبي الأهلي وقام بتوظيف بعض اللاعبين كموظفين بشركة البوستة الخديوية، وهي أكبر شركة ملاحة وبواخر في الشرق الأوسط في ذاك الوقت ومقرها في العمارة نفسها، ومنهم فؤاد أبو غيدة ومروان وسعيد أبو النور وأحمد زايد وعوضين وغيرهم، وتم الاستغناء عن خدماتهم بعد تأميم عمارة الإيموبيليا وباقي ممتلكات عبود باشا
    عددٌ كبير من الفنانين كانوا يسكنون العمارة وبعضهم لهم مكاتب فنية منهم عبد الحليم حافظ. أما السكان فكان بينهم نجيب الريحاني، وليلى مراد وأنور وجدي بعد زواجهما، وأسمهان وأحمد سالم بعد زواجهما أيضاً، وكاميليا، وعبد العزيز محمود، وكمال الشيخ، وهنري بركات، ومحمود المليجي، وماجدة الصباحي، وماجدة الخطيب ومحمد فوزي وزوجته مديحة يسري وغيرهم



    وكان لعبود باشا معاركه مع الصحافة

    ومن ذلك أن الصحفي محمد توفيق دياب كتب في صحيفة "الجهاد" في فبراير شباط 1932 ضد عبود باشا، وبدأ الجولة بمقال يحمل عنواناً يقول: "المبرقعون المصريون في شركة ثورنيكروفت" ثم أتبعه بمقال آخر يحمل عنواناً يقول: "اقرأوا واعجبوا أيها المصريون... عبود باشا يملك أكثر من ٥٢% من شركة ثورنيكروفت وسوارس المندمجتين". وتحدث دياب عن مشاركة عبود باشا في تعلية خزان أسوان. ولم يكن مستغرباً أن تنتهز حكومة إسماعيل صدقي باشا الفرصة وتحرض عبود باشا على أن يتقدم ببلاغ ضد "الجهاد"، مطالباً بتعويض مدني قدره عشرون ألف جنيه
    وانتهى الأمر بأن قدمت حكومة صدقي بلاغاً إلى النائب العام ضد توفيق دياب؛ باعتبار أن ما ورد في مقاله ينطوي على طعن واضح في هيئة نظامية وهي البرلمان، ولكن دياب ظل على إصراره وواصل الهجوم على الحكومة حتى انتهى الأمر إلى محاكمته في قضيتين إهانة البرلمان والطعن في عبود باشا
    وفي يوم الاثنين ٢٧ فبراير شباط عام ١٩٣٣ صدر الحكم بحبس توفيق دياب لمدة ثلاثة أشهر وغرامة خمسين جنيهاً. ولأنه قد سبق أن حكم عليه في ٣١ مارس آذار ١٩٣٢ بالحبس ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ فقد أصبح هذا الحكم واجب النفاذ مع صدور الحكم الثاني
    وفي نوفمبر تشرين ثانٍ 1933 تولى الوزارة عبد الفتاح يحيى باشا خلفاً لإسماعيل صدقي وخلفه أيضاً في رئاسة الحزب. وبعد أيام من عمر وزارته أثيرت أزمة تتعلق بوزير الأشغال العمومية عبد العظيم راشد باشا، الذي اتًهِمَ بأنه أسند إلى أحمد عبود بعض المقاولات بالأمر المباشر، مخالفاً بذلك القوانين واللوائح المعمول بها


    ونشرت الصحف - وبالذات جريدة "السياسة" التي كان يرأس تحريرها د. محمد حسين هيكل- الأنباء مزودة بالتفاصيل، بل إن د. هيكل كتب سلسلة مقالاتٍ ساخنة تحمل عنوان "نزاهة الحكم". (د. محمد حسين هيكل، مذكرات في السياسة المصرية (الجزء الأول)، دار المعارف، القاهرة، 1977، ص 357-360). وصل الأمر إلى إحالة الموضوع للنيابة ثم إلى القضاء، ولكن عبود الذي كانت تربطه بالمندوب السامي البريطاني مصالح واسعة لم تهزه الأزمة، حيث تدخل المندوب السامي لدى الملك فؤاد الذي ضغط على رئيس الوزراء لتقديم استقالته، فاستقال رئيس الوزراء الذي ذكر في كتاب استقالته أنه قدمها بناء على رغبة الحكومة البريطانية دون تفريط في حقوق البلاد
    ولا بد أن نشير إلى أن طائرة أحمد عبود الخاصة لعبت دوراً مؤثراً في حادث 4 فبراير 1942
    فقد عاد مصطفى النحاس باشا على متن هذه الطائرة من الأقصر لتشكيل الوزارة التي جاءت في أعقاب الإنذار الإنجليزي للملك فاروق ومحاصرة الدبابات لقصر عابدين
    وبالرغم من أن عبود بنى مدرسة ثانوية في أرمنت وكوم أمبو على نفقة شركة السكر ومستوصفاً للعلاج، فإنه لم ينجح في اختبار الشعبية أمام منافس وفدي
    وكان عبود النائب عن أرمنت في البرلمان عن حزب الوفد عام 1942 قد رشح نفسه عن دائرة أرمنت مرة أخرى لبرلمان 1945 ضد أبو المجد بك الناظر، القطب الوفدي المعروف وأحد أبطال ثورة 1919
    طلب زعيم الوفد مصطفى النحاس من أبو المجد الناظر التنازل لصالح أحمد عبود باشا، فأرسل له برقيته المشهورة:
    "شاورت نفسي وأهلي فأبوا"
    وسقط عبود ونجح الناظر
    كان الاقتراب من قصر عبود في أرمنت جريمة لا تغتفر، لهذا كانت جماهير أرمنت تهتف في الانتخابات: يسقط عبود الزاني، يحيا أبو المجد بك الناظر
    وعندما ثار الفلاحون في أرمنت على أحمد عبود وحاولوا اغتياله على سلم يخته، طالت الرصاصات مفتش تفتيشه عبد الرحمن عرفات فاغتالته



    تدريجياً، بدأ عبود باشا يشعر بالقلق على الاستقرار السياسي في مصر، وهو ما يمس بالضرورة مصالحه المالية والاقتصادية
    ويقول محمد حسنين هيكل (ثورة يوليو خمسون عاماً: السؤال الأول ملك تحت الحصار!، مجلة وجهات نظر، عدد يوليو 2002):
    "ولم يكن الملك فاروق وحده المصاب بالقلق لما آلت إليه الأحوال ـ بل كان هناك غيره أصيبوا بالأرق إلى جانب القلق، لأنهم أصحاب مصالح حقيقية في مصر يخشون عليها ويحرصون على ضمانها، ولذلك كان اقترابهم من السياسة ـ منطقياً..وفي الظروف الطارئة فإنه أصبح حيوياً ـ وكان أول هؤلاء هو المالي الكبير أحمد عبود (باشا)
    "كان عبود (باشا) رجلاً عالي الكفاءة في مجال الأعمال، وكان يقول عن نفسه إنه "يلمس التراب فيحيله ذهباً" ـ غير أنه كان يعرف أن تحويل التراب إلى ذهب يحتاج إلى حماية تسبق وتجاري وتلاحق حركة الذهب! ـ وهنا كانت في حاجة إلى القرب من السلطة إلى أي درجة يستطيع بلوغها
    "[وقلت مرة لعبود (باشا): "إنه رجلٌ يستحيل عليه أن يكون ملكاً لأنه لا يحوز المواصفات اللازمة ـ لكنه يحلم بمقدرة صنع الملوك لأنه يحوز المصالح المُلزمة، وذلك وضعٌ شديد الخطر على البلد وعليه أيضاً!
    "وقد سمعني الرجل مطرقاً برأسه متأملاً!]"
    ولا يفوت هيكل أن يقول: "كان القصر (حتى أيام الملك فؤاد) يشك في توجهات عبود (باشا) ومساعيه، ولعل ذلك في جزءٍ منه كان يرجع إلى التناقض الطبيعي بين "الملوك" و"الأثرياء". والأثرياء في أوطانهم خصوصاً عندما يزيد الثراء وتتجلى مظاهره، فإن الغنى القديم والموروث ـ يحس بنوع من الغيرة إزاء الغنى الطارئ الذى يعلن عن نفسه متباهياً وأحيانا مستفزاً!"
    وبناء على حسابات المصلحة، مال عبود باشا إلى حزب الوفد ، ربما لاعتقاده أن ذلك الحزب هو القادر أكثر من غيره على توفير "الاستقرار" السياسي على الأقل بهيبة الشرعية
    وتحفل الوثائق البريطانية عام 1944 بتفاصيل جهود يقوم بها عبود باشا في لندن لتجنب السماح للملك بإقالة النحاس باشا. وفي رسائل عدة بتوقيع رئيس القسم المصري في وزارة الخارجية تلك الأيام مجموعة رسائل يقول فيها بيتر سكريفنر إن عبود باشا قَدَّم نفسه باعتباره مكلفاً من النحاس باشا شخصياً
    ولعل من المهم أن نشير إلى أنه طوال السنوات التي تلت إقالة حكومة النحاس باشا وحتى عام 1948، كان عبود باشا يتصل ويدعو لعودة الوفد إلى الحكم، لكنه عندما بدأ يتحرك عملياً في ظروف مواتية لأفكاره، ظهر أن مرجعه فى الوفد هو فؤاد سراج الدين باشا، وكان اللقاء بين الرجلين نتيجة عددٍ من العوامل المتشابكة
    يلخص هيكل في مقاله المذكور تلك الأسباب قائلاً: "فالمالي الباحث عن "الاستقرار السياسي" ويجده في الوفد ـ لا يرى أمامه في هذا الحزب ـ مع نهاية الأربعينيات ـ غير فؤاد سراج الدين (باشا)
    "ثم إن المالي الراغب في العمل السياسي من وراء الستار، يجد أرضية مشتركة مع نجم طالع، حتى وإن كان يمارس نفوذه في الوفد من وراء الستار
    "يضاف إلى ذلك أن الوفرة في الثروة جامع بين الاثنين ـ ثم إن مشروعات رأس المال تستطيع أن تلتقي بسهولة مع مشروعات النفوذ السياسي، خصوصا عندما تكون السياسة في صالونات "الأوبيسون" وبعيداً عن سرادقات الفراشة التي لا تفرق بين مهرجانات فيها أو جنازات!
    "كذلك فإن فؤاد سراج الدين (باشا) اقترب لبعض الوقت ـ ولم يبق طويلاً ـ من تقليد أن أبناء كبار الملاك الزراعيين في الريف يستكملون وجاهة المدن بعضوية مجالس إدارة الشركات المالية والصناعية، وهنا فإن شركات عبود (باشا) مقصد وموقع
    "وهكذا فإنه طوال عام 1948 كان أحمد عبود باشا يراهن على حزب الوفد ـ وفي داخل حزب الوفد، فقد كان موضع رهانه هو موقع فؤاد سراج الدين باشا. وأكثر من ذلك فإن عبود (باشا) رفع قيمة الرهان، ووصل إلى حد وضع الرصيد كله على رئاسة فؤاد سراج الدين لوزارة وفدية يباركها النحاس باشا ويرعاها من بعيد"


    وتُظهر ملفات وزارة الخارجية البريطانية (5187 بتاريخ 21 يناير كانون ثانٍ 1950) ـ أن ذلك التقرير المستفيض من السفير البريطاني وصل إلى وزير الدولة البريطاني وقتها هكتور ماكنيل الذي علق عليه بخط يده يوم 25 يناير بما نصه:
    "إنني أشعر بالقلق وأنا أقرأ التقارير الأخيرة من سفيرنا في القاهرة، خشية أن يبدو موقفنا وكأن لدينا شيئاً من التعاطف مع الملك، إن عودة النحاس إلى الحكم تؤكد إلى جانب علامات أخرى شعوراً لدى الناخبين معادياً للقصر، ومع اعتقادي بأن نسبة المشاركة في التصويت ضئيلة جداً، فإن ما يمكن استخلاصه منها هو أن الطبقات ذات الوزن في مصر لم تعد على استعداد لهضم تصرفات فاروق وهذه ظاهرة مهمة

    ثم يضيف وزير الدولة هكتور ماكنيل إلى ما سبق فقرة تستحق التأمل:
    "إن السفير يحسن صنعاً لو نسق خطاه مع عبود (المليونير أحمد عبود باشا)، نحن نعلم أن عبود نصاب (Crook)، ولكن ميزة الرجل أنه لا يخفي حقيقته سرا، ثم إنه رجل بارع جدا فيما يقوم به، ومع أن مصالحه هي التي تحركه، فإنه يبقى أنفع لنا وسط هذه الفوضى في القاهرة. وفي كل الأحوال فإن علينا أن نبقى بعيدين لبعض الوقت، ونترك الأمور لتفاعلاتها في مصر، ونقوم نحن بِطَي أشرعتنا Trim Our Sails
    إمضاء: هـ. ماكنيل!"


    وتتحدث أخبار عام 1952 عن أن وزارة أحمد نجيب الهلالي (أول مارس آذار 1952- 2 يوليو تموز 1952) الذي اشتهر بالصلابة في الحق والاعتزاز بالنفس والعداء للقصر، أسقطها عبود باشا لأنها لم تأتِ على هواه وطالبت شركاته بالضرائب. وبحسب مجلة "تايم" الأمريكية، فإن الهلالي كان يدرس 140 اتهاماً بالتهرب من الضرائب ضد عبود باشا، كانت حكومة الوفد قد ألغتها قبل تشكيل وزارة الهلالي
    (What Happened to Hilaly, Time magazine, 14 July 1952)


    ويقول تقرير لمراسل المجلة الأمريكية إن كريم ثابت – المستشار الصحفي السابق للملك فاروق- عرض على السفير الأمريكي جيفرسون كافري دعم الوفد لمشروع قيادة الشرق الأوسط الذي تتبناه وزارة الخارجية الأمريكية لمواجهة السوفييت، مقابل ممارسة واشنطن نفوذها لإقناع الملك فاروق بإقالة حكومة الهلالي وتعيين حكومة وفدية جديدة. والسبب هو أن حملة مكافحة الفساد التي يقودها الهلالي كانت تقترب من كبار رموز الوفد أكثر فأكثر
    مصادر ومراجع مصرية أخرى تذهب إلى القول بأن عبود اتفق مع مستشاري الملك فاروق على رشوة الملك بمليون فرنك لإقالة وزارة نجيب الهلالي التي جاءت لتنقب في ملفات الفساد ورفعت شعار "التطهير قبل التحرير"
    أقيل الهلالي، ليشكل عبود باشا من قصره في أرمنت وزارة جديدة برئاسة صديقه حسين سري باشا، الذي كان نائب رئيس مجلس الإدارة في شركتي السكر والأسمدة اللتين يملكهما عبود. وهكذا دفع عبود رشوة مليون فرنك ليتخلص من خمسة ملايين دولار ضرائب (مصطفى بيومي، أحمد عبود "الاقتصادي العصامي"، سلسلة رواد الاستثمار، مركز إعداد القادة لإدارة الأعمال، وزارة المالية، مصر، 2008)

    وما هي إلا أيام، حتى قامت ثورة 23 يوليو 1952 لتتغير الخريطة السياسية والاقتصاية في مصر
    وفي 15 أغسطس آب 1955، وقعت أول مواجهة بين الثورة المصرية والرأسماليين، إذ جرى فرض الحراسة على شركة السكر، التي يمتلكها أحمد عبود باشا

    وبعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961، آثر عبود الهجرة إلى أوروبا لإدارة أعماله بجزء من أموال تمكن من تهريبها إلى هناك. وكان قد علم أو أحس بأن الدولة مقبلة على التأميم، وكانت بالصدفة المحضة كل بواخره في عرض البحر ما عدا باخرتين واحدة في ميناء السويس وأخرى بالإسكندرية، فأصدر تعليماته بسفر باخرة إلى جدة وأخرى إلى بيروت في انتظار أوامر أخرى، ثم اتصل لاسلكياً بباقي بواخره في عرض البحر بعدم العودة إلى الإسكندرية الآن، ثم استطاع أن يحول أمواله السائلة بالبنوك إلى بنوك سويسرية بطريقة أو بأخرى، ثم سافر إلى نابولي في إيطاليا ليستدعي بواخره واحدة بعد الأخرى ليبيعها هناك. وأصبحت لديه أصولٌ سائلة تكفيه هو وابنته الوحيدة
    مارس عبود باشا نشاطه التجاري في أوروبا، وحقق نجاحاً كبيراً كتاجر ومستشار اقتصادي، إلى أن وافاه الأجل المحتوم في لندن في مطلع يناير كانون ثانٍ 1964 بعد أن هزمته أمراض القلب والكُلى
    اسم عبود باشا وثراؤه لم يشفعا لورثته: أحمد عبود محمد علي ونادية محمد علي وأولاد ابنته الوحيدة مونا وابنة شقيقته زينب محمد شوقي، الذين حصلوا على حكم نهائي في يناير كانون ثانٍ 2006 بعد رحلة تقاضٍ استمرت ٣٠ عاماً باسترداد عقارهم المهجور بجليم بالإسكندرية البالغة مساحته ٤٤٠٠ م٢ والذي يتجاوز ثمنه ٥٠ مليون جنيه


    غير أن العقار الذي تسيطر عليه رئاسة الجمهورية لم يعد إلى الورثة، رغم أنف القانون


    أثرياء مصر زمان..والآن أبو رجيلة.. إمبراطور الأتوبيس








    ارتبط اسمه بالعصر الذهبي لحافلات النقل العام في مصر

    إنه عبد اللطيف أبو رجيلة

    ابن مدينة إسنا الصعيدية، المولود في أم درمان في السودان، والذي تعلم وعمل في البداية في القاهرة، واكتسب الخبرة العلمية والعملية في لندن وروما، فكانت الصفقة الأولى في إيطاليا، ثم حقق الشهرة والنجاح في القاهرة من جديد، قبل أن يتوزع نشاطه بعد التأميم بين إيطاليا والسودان، لتنتهي الرحلة في مصر وسط الحسرة على الحلم الضائع

    رحلةٌ زاخرة بالتفاصيل المثيرة

    بعد التعليم الأولي في السودان، جاء أبو رجيلة إلى القاهرة، والتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية. وفي الجامعة التحق بكلية التجارة، وكان يعول نفسه بممارسة عمل تجاري على نطاق ضيق مع بعض أقاربه
    عمل عبد اللطيف أبو رجيلة بعد تخرجه في بنك مصر، وأخذ يتعلم ويستفيد من تجربة أستاذه: طلعت حرب
    كان أبو رجيلة يعتبر نفسه تلميذاً في مدرسة طلعت حرب -الذي لم يصل يوماً إلى قائمة أغنى أغنياء مصر بالرغم من دوره الاقتصادي الكبير- وكان يؤمن بأن النجاح، كهدف، ينبغي أن يسبق جمع الثروة، لدى أي رجل أعمال، وأن المال يجب أن يجري في مشروعات طول الوقت، ولا يتكدس في البنوك لحظة واحدة!
    بدأ رحلة الاستيراد والتصدير برأسمال متواضع: 34 جنيهاً

    اشترى أبو رجيلة آلة كاتبة ومكتباً وطوابع بريد، وعيّن موظفاً ليعاونه بمرتبٍ لا يزيد عن خمسة جنيهات في الشهر، وانطلق في مشروعه الجديد

    يقول في حديثٍ له مع سكينة السادات (مجلة المصور، مارس آذار 1959): "كانت السنة الأولى في هذا العمل سنة كفاح بل سنة حرب، واجتزت معارك السنة الأولى، وبدأت معارك السنة الثانية، وبعد ثلاث سنوات أخرى، سارت سفينة العمل في الطريق الصحيح، وبدأت تتجه إلى بر الأمان
    "ومضيت في طريقي هذا حتى غمرتني الملايين كما يقولون، وما زلت – وأنا في غمرة ملاييني- أذكر رأسمالي العظيم الذي تدفقت منه هذه الملايين. لقد كانت أربعة وثلاثين جنيهاً عظيمة حقاً، لأنها أنبتت أضعاف أضعافها، كأنها الحبة المباركة التي وصفها القرآن الكريم بأنها أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مئة حبة"

    عملٌ شاقٌ ونجاح وصعود، ثم إفلاس وهبوط. كانت ثروة أبو رجيلة كلها في موانيء إيطاليا ممثلة في كميات كبيرة من البضائع، وضاع كل شيء في غارات الحرب العالمية الثانية التي طالت بالدمار الأغلب الأعم من الأراضي الإيطالية. أصبح وفق تعبيره الساخر "على الحديدة"، لكنه لم يعرف اليأس، وعاود الصعود إلى القمة (مصطفى بيومي، عبد اللطيف أبو رجيلة "إمبراطور الأتوبيس"، سلسلة رواد الاستثمار، مركز إعداد القادة لإدارة الأعمال، وزارة المالية، مصر، 2008)

    عاش أبو رجيلة في إيطاليا سنواتٍ طويلة قبل ثورة يوليو 1952، وتزوج من إيطالية تدعى لندا، كانت صديقة دراسة لابنة أسرةٍ مصرية تعيش هناك. ويشير أبو رجيلة إلى أن لندا صعيدية إيطالية مثلما هو صعيدي مصري، فهي من منطقة كالابريا Calabria جنوب إيطاليا

    ظل أبو رجيلة من العازفين عن الزواج إلى أن التقى المرأة التي تعلق بها قلبه فتزوجها، ولكن لم يرزقهما الله بأطفال

    عاد إلى مصر للمرة الأولى عام 1949 قبيل نهاية عام 1949، بعد انقطاع تجاوز 12 عاماً. اشترى قطعة أرضٍ في وسط القاهرة، تبلغ مساحتها ستة آلاف متر تحيط بها شوارع سليمان ومعروف وشمبليون وعبد الحميد سعيد، كما اشترى مزرعةً تبلغ مساحتها 400 فدان حدائق في منطقة عين شمس، لكنه عاد إلى إيطاليا من جديد في نهاية عام 1952، بعد شهورٍ قليلة من ثورة يوليو
    استدعاه عبد اللطيف البغدادي، وزير الشؤون البلدية عام 1954، وطلب منه أن يتولى أتوبيس القاهرة، فوصل المرفق على يديه إلى مستوى غير مسبوق من النمو، والنظام، والنظافة، والكفاءة في الأداء، وبلغ حداً لم يكن يتخيله أحد، وكان ينقل ١٣ مليون راكب شهرياً، من خلال شركة كانت تضم ٤ آلاف موظف

    ولا بد أن الذين عاشوا تلك الأيام، يذكرون جيداً، كيف كان مرفق النقل الداخلي في العاصمة وقتها، على يد الرجل، ثم كيف أصبح الآن، وكيف تحول الأتوبيس من وسيلة لنقل المواطن، إلى أداة لتعذيبه!

    بعد عامين من بدء العمل، كان لدى خطوط القاهرة أكثر من 400 سيارة أتوبيس تقدم خدمات راقية وبكفاءة، وفق مواعيد منضبطة- ولم يكن الزمن الفاصل بين كل سيارتين في الخطوط المزدحمة يتجاوز ثلاث دقائق- ينفذها سائقون ومحصلون ومُدرَبون. وكان هناك تفتيشٌ صارم يحول دون الاستهانة بالراكب والإساءة إليه وإهدار وقته، وجراجات حديثة لإيواء السيارات وصيانتها في ورشات متطورة
    بنى أبو رجيلة أكبر جراجين في مدينة القاهرة، أولهما عند مدخل القبة على مساحة 13 فداناً، وثانيهما بالقرب من نفق الجيزة، فضلاً عن جراج ثالثٍ كان مِلكاً لشركة أمنيبوس العمومية بشارع إسطبلات الطرق في حي بولاق، اشتراه أبو رجيلة لينضم إلى شركته العملاقة

    وكان أبو رجيلة يتخفى ويركب الأتوبيس مرة كل شهر، ليرى كيف يتعامل موظفو شركته مع الركاب، واحتد ذات مرةٍ على سائق تجاوز محطة من المحطات المقرر له أن يقف فيها

    كانت أنظف حافلات في مصر، كما نراها في فيلم "الكمساريات الفاتنات" بطولة إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي ونجاح سلام.. وبالفعل كان أبو رجيلة - الذي سُمي علي اسمه المدرب محمود عبد المنعم الذي كان يعمل لديه في جراج الأميرية، فأصبح مشهوراً باسم محمود أبو رجيلة - يعين مُحَصِلات في أتوبيساته ويختارهن بدقة وعناية لجذب الركاب من شركتي مقار وسوارس المنافستين له، وبسبب هذا تم صنع هذا الفيلم

    ونقرأ عند سامي شرف، الذي عمل سكرتيراً للمعلومات لدى الرئيس جمال عبد الناصر أنه بعد ثورة يوليو 1952 عرض المليونير المعروف أبو رجيلة على والد عبد الناصر أن يعينه بمرتب كبير عضواً في مجلس إدارة إحدى شركاته للأوتوبيس. ولما علم عبد الناصر بهذا العرض قال لوالده: "يا والدي دول عايزينك عضو مجلس إدارة.. إزاي وإنت راجل بتاع بوستة وتلغراف؟! دول عايزين يشتروني من خلالك". ورفض جمال هذا العرض كما رفضه الحاج عبد الناصر حسين (سامي شرف، سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر.. شهادة سامي شرف، الفرسان، القاهرة، 2005)

    وحين تولى عبد اللطيف أبو رجيلة رئاسة نادي الزمالك عام 1956، حصل النادي على بطولة الدوري لأول مرة في تاريخه، منذ نشأ عام ١٩١١. وفي تلك الفترة ارتفعت ميزانية النادي من 6000 جنيه إلى 18000 جنيه ودخل الزمالك مرحلة جديدة انتعش فيها وتوسعت المنشآت بشكلٍ ملحوظ
    تبرع أبو رجيلة بمبلغ كبير لبناء مقر نادي الزمالك في ميت عقبة عام 1958، بعد أن كان الزمالك مجرد ثلاث غرف ومدرج خشبي مكان مسرح البالون وإلي جواره نادي الترسانة مكان السيرك القومي على فرع النيل الصغير بالعجوزة. وعندما بدأ الإعداد لبناء الاستاد حدث عجز في الميزانية المقررة للبناء، فلجأ أبو رجيلة إلى طريقة ذكية

    فقد كانت هناك شركتان تتنافسان على توريد البنزين والسولار إلى أسطول شركة أتوبيسات القاهرة التي يمتلكها عبد اللطيف أبو رجيلة، فبادر إلى الاتصال بقيادات هاتين الشركتين في محاولة لتخفيض سعر البنزين ونجح في تخفيض المبلغ بمقدار 50 مليماً في سعر اللتر، ليتوفر من خلال الملاليم مبلغ وصل إلى أكثر من عشرة آلاف جنيه، ليتم بناء مدرجات الدرجة الثالثة في النادي، ويفتتح ملعب الزمالك بلقاء مع فريق دوكلا براغ التشيكي في مباراةٍ امتلأت فيها مدرجات الزمالك عن آخرها، وانتهت بفوز الزمالك بثلاثة أهداف نظيفة
    جعل أبو رجيلة من مقر النادي قطعة من الجنة، وسط حقول ميت عقبة ومنازلها العشوائية آنذاك. وعندما أدخل المياه إلى نادي الزمالك لم ينسَ أن يمد المياه لسكان ميت عقبة الفقراء مجاناً على نفقته
    بعد حرب فلسطين عام 1948، لم يتردد في تقديم الدعم للجيش المصري، وكتب في مذكرةٍ رفعها للوزيرين عبد اللطيف البغدادي وحسن إبراهيم، رداً على اتهاماتٍ باطلة وُجِهَت إليه: "لا شك أنه يعز على أي مواطن صالح أن يجد نفسه موضع التشكيك والاتهام، وخصوصاً إذا كان هذا المواطن من رجال الأعمال الذين يعتمدون على الثقة باسمهم"
    وعندما طلبت منه وزارة الحربية تمويل صفقات الأسلحة التي كان الحظر مفروضاً عليها بعد الحرب، بادر بالاستجابة. وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي عام 1956، بادر إلى وضع حافلات شركته تحت تصرف القوات المسلحة وتكفل بمسؤولية تموينها ودفع أجور سائقيها
    وفي 26 أغسطس آب 1957، كتب إقراراً قدمه إلى الحكومة المصرية، جاء فيه:
    "بما أنني سبق أن تقدمت إلى السلطات المختصة في إيطاليا بطلب تحويل إيراداتي إلى مصر ولكن هذه السلطات رفضت هذا الطلب بحجة أنني لم أقم باستيراد باقي المبالغ المطلوبة لي من وزارة الحربية والناشئة عن العقود التي أبرمتها معها بشأن استيراد أسلحة من إيطاليا والتي كنت مُموِلاً فيها
    "وبما أنني قد أعدت السعي للموافقة على إجراء هذا التحويل في صورة بضائع أقوم بتصديرها إلى مصر وقد قمت فعلاً باستيراد ماكينات لأعمال الطرق في حدود مبلغ خمسة وثلاثين ألف جنيه في عام 1955. وما زلت أسعى لإتمام هذا التحويل في صورة بضائع على نطاق أوسع وقدمت بذلك طلباً إلى السلطات الإيطالية والمصرية لاستيراد بضائع في حدود مئة ألف جنيه بدون مقابل
    "وبما أنني سبق أن أثبتُ في إقرارات الضريبة على الإيراد العام إيراداتي في الخارج
    "وإظهاراً لتعاوني الكامل فإني أقرر بموجب هذا أنني على استعداد لتحويل جميع إيراداتي في إيطاليا إلى مصر. وإذا لم ينجح مسعاي في ذلك فإني سأطلب من السلطات المصرية معاونتي لدى السلطات الإيطالية للحصول على هذا التحويل"
    والإقرار واضحٌ في دلالته على موقف رجل أعمال يملك حساً وطنياً عالياً، ويضع المصلحة العامة فوق مصالحه الشخصية
    غير أن كل ذلك لم يشفع له في شيء، حين عصفت به قرارات التأميم، في مطلع الستينيات، فانتقل للإقامة في روما وهو يقترب من سن الخمسين. وأثناء سنوات غربته، قدم أبو رجيلة تجربة ناجحة في الخرطوم، واستدعى بيت خبرة بلجيكي الجنسية ليضع حلولاً عملية لمشكلة المرور التي تعاني منها العاصمة السودانية
    عاد إلى مصر في منتصف السبعينيات، وعاش بقية عمره حزيناً على إهدار تجربته، كفرد، وإهدار تجربة بلد بكامله، وهي تجربة كانت في مطلع الخمسينيات لا تزال تتلمس الطريق، وقد كانت هناك بدايات قطاع خاص ينمو، وبدايات أحزاب تتحرك، فجاء مَن وأدها في مهدها، لنعود إلى المربع الأول!
    كانت وصية عبد اللطيف أبو رجيلة أنه لا نجاح لهيئة النقل بمعزلٍ عن محاربة الرشوة والسرقة والإهمال والتسيب. وظل يردد بثقةٍ أن أزمة المواصلات في القاهرة يمكن أن تُحل قبل أن ينتهي من قهوته
    لكن قهوته انتهت، وهو رحل، لتبقى مشكلة المرور والنقل في أعناقنا جميعاً


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في السبت مارس 26, 2011 12:42 pm عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 8:58 pm

    أثرياء مصر زمان..والآن جيل السداح مداح






    في عام 1950 كان أحمد عبود باشا ومحمد أحمد فرغلي باشا بالإضافة إلى الأمير محمد عبد المنعم، يتصدرون قوائم الأغنياء، مع وجود آل البدراوي وعاشور وآل سراج الدين
    والأمير محمد عبد المنعم (1899-1979) هو الابن الأكبر للخديو عباس حلمي الثاني. وُلِدَ في قصر عابدين في القاهرة، وكان ولي عهد أبيه. تزوج من الجميلة نسل شاه، وله قصرٌ شهير في المنيل. رأس اللجنة الأوليمبية المصرية في الفترة بين 11 مايو أيار 1934 و18 يناير كانون ثان 1938. وتولى رئاسة مجلس الوصاية على الملك أحمد فؤاد الثاني من 26 يوليو تموز 1952 إلى 18 يونيو حزيران 1953 عندما تم إعلان الجمهورية برئاسة محمد نجيب. ظل في مصر حتى مات عن 80 عاماً
    وإضافة إلى الأسماء السابق ذكرها، فقد برز بشكل رسمي اسم الملك فاروق الذي ورث عن أبيه ثروة طائلة
    وفي العدد الصادر من مجلة "المصور" في 5 ديسمبر كانون أول عام 1952 نطالع قوائم دقيقة لثروة فاروق الحقيقية. ففي مجال الأطيان والأرض الزراعية تبين أن مجموعها 24 ألفاً و73 فداناً و16 قيراطاً، وكان لفاروق دخلٌ آخر يحصل عليه من ريع الأوقاف يقدر بنحو مليون و365 ألف جنيه.. هذا بخلاف دخلٍ سنوي كبير يقدر بحوالي 300 ألف جنيه يستولي عليه بصفته ناظراً على عددٍ من أوقافٍ أخرى يبلغ عددها 14 وقفاً
    أما دخل فاروق من الأسهم التي كان يملكها في الشركات فيبلغ ثلاثة ملايين و398 ألفاً و145 جنيهاً. وكان فاروق يملك 71 سيارة خاصة به غير السيارات الملكية "الحمراء" والسيارات المخصصة لرجال الحاشية والقصر، ومن هذه السيارات الخاصة بالملك السابق سيارات كاديلاك ومرسيدس ورينو وكورد وفيات ولينكن وفورد وشيفروليه وجيب ليموزين وتوربين للسباق. أما اليخوت واللنشات فيبلغ عددها عشرين قطعة، قدر ثمنها بنحو 58 ألف جنيه. وهناك ممتلكات أخرى تتمثل في الأثاثات التي ملأت قصري الطاهرة والبستان واستراحات وادي الرشراش والغردقة والمعمورة
    وفي أعقاب قيام ثورة يوليو 1952 وتنازل فاروق عن العرش لابنه الملك أحمد فؤاد الثاني، عادت قوائم أغنى أغنياء مصر لتخلو من اسم الحاكم، فالملك الصغير لم يكن يمتلك الكثير
    وأدت القرارات والإجراءات التي اتخذتها الثورة مثل الإصلاح الزراعي ومصادرة أموال وممتلكات أسرة محمد علي، إلى تقليص قوائم الأغنياء التي انتهت تماماً بعد صدور قرارات التأميم، حيث صارت الدولة تمتلك كل شيء
    وعلى استحياء، برزت أسماء لأثرياء منخرطين في العمل الوطني، من عينة التاجر العصامي والبرلماني سيد جلال (1901-1987)، الذي لم يكن فقط "ابن بلد" كما شاع عنه، ولا كان فلاحاً أصيلاً فقط، ولا كان تاجراً أو رجل صناعة كبيراً، وكفى.. ولكنه، في الأساس، اشتهر بأنه أحب شيئاً وحيداً، كان هو المفضل إلى قلبه، وهو استصلاح الأراضي البور، وتحويلها، بضربة من يده، إلى أرض حية، تبعث على الفرح والبهجة
    ومن مجرد ساعٍ في شركة أجنبية لتجارة الغلال يملكها يوناني، إلى وكيل الشركة، قبل أن يعمل مستقلاً في الاستيراد والتصدير وتشييد المصانع المنتجة. وكان سيد جلال يقترب من سن الستين حين اشترى شركة غارقة في الديون هي شركة الصناعات المتحدة في شبرا الخيمة، ليتمكن من الوفاء بديونها وتحويلها إلى شركة تحقق أرباحاً
    أما على الصعيد البرلماني، فقد خاض الأب الروحي لدائرة باب الشعرية معارك عدة لاستصدار قوانين وتشريعاتٍ مختلفة، مثل استغلال النفوذ، ومحاكمة الوزراء، وخفض الإيجارات الزراعية. ولعل أبرز إنجازاته هو نجاح حملته لمكافحة البغاء العلني، وهو ما أسفر عن إلغاء البغاء عام 1947
    وحين توفي، كتب المهندس عثمان أحمد عثمان مؤسس شركة "المقاولون العرب" مقالاً قصيراً نشرته جريدة "الجمهورية" في 7 يناير كانون ثانٍ 1987 تحت عنوان "سيد جلال.. الإنسان..ابن البلد.. المدرسة"، قال فيه "لم يكن سيد جلال رجلاً عظيماً بماله وبما حققه، ولكن عظمته في أنه كان يعطي دون أن يتوقف عن العطاء"
    انتهى عقد الستينيات في القرن العشرين، والمصريون لا يشعرون بفارق هائل بين أغنيائهم وفقرائهم، في ظل وضعٍ عام تسير فيه القاطرة ببطء شديد.. لكنها تسير. بل إن البعض يجادل بأن مصر بدت في نهاية ذلك العقد أكثر تصنيعاً بكثير مما كانت في بدايته، بالرغم من تراجع المعونات الخارجية ثم نشوب حرب يونيو حزيران ١٩٦٧
    وجاء عصر السادات
    كانت ديون مصر الخارجية عند وفاة عبد الناصر خمسة مليارات دولار، لكنها تضاعفت بسرعة في ظل الضغوط الاقتصادية ثم حرب أكتوبر تشرين أول 1973. وفي عام ١٩٧٥ قال السادات إن حالة الديون خطيرة ووصف الاقتصاد المصري بأنه بلغ درجة الصفر، ولكنه برر ذلك بقوله: إن أحداً لم يخبره من قبل بخطورة الأمر، كما ذهب إلى أن الأرقام التي عُرِضَت عليه كان يظن أنها بالدولارات ثم تبين له أنها بالجنيهات الإسترلينية
    كانت مصر مطالبة بدفع ٢٠٨٤ مليون دولار في ١٩٧٥وحدها سداداً لأصل وفوائد الديون قصيرة الأجل التي كانت تشكل نحو ثلث إجمالي القروض المصرية وكانت أسعار فوائدها تتجاوز أحياناً ١٥% وكان المبلغ المذكور يعادل ٧٨% من حصيلة الصادرات المصرية كلها في ذلك العام
    في تلك الفترة، حاول الرئيس أنور السادات إنشاء طبقة أو شريحة رأسمالية عن طريق سياسة الانفتاح الاقتصادي والقوانين التي سُنَت على عجلٍ للتحول تدريجياً من القطاع العام إلى القطاع الخاص. وكان من نتاج هذه السياسة ظهور طبقةٍ طفيلية استغلت صلتها بالسلطة في تحقيق ثراءٍ غير مشروع. وظهرت مجموعاتٌ حققت ثرواتٍ مالية سريعة عن طريق الاتجار في العملة وتهريب المخدرات، كما نشأت طبقة من الأثرياء الجدد في مصر، الذين أُطلِقَ عليهم وصف أثرياء الانفتاح
    وفي ظل ما أطلق عليه أحمد بهاء الدين وصف "انفتاح السداح مداح"، وقعت ثلاث ظواهر مهمة، فقد انتشرت الرأسمالية العائلية، واختلطت السياسة بدوائر المال والأعمال، وبالتالي تطورت أشكال الفساد وآلياته. ويعلق الأديب والروائي يوسف القعيد على تلك الفترة بأنها فترة "المظليين" الذين ينقضون من السماء على المواقع ليحتلوها أو ليدمروها
    الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، يقول في كتابه "خريف الغضب" في صفحة 328 بعنوان "النهب المنظم": "إن مصر في تلك الحقبة أصبحت مفتوحة للوسطاء والسماسرة والأجانب بحللهم الأنيقة وأحذيتهم اللامعة ومواكبهم الفخمة، وتم تطويق القطاع العام خاصة في مجال انتزاع صفقات السلاح، وتم فتح الباب على مصراعيه أمام الوكلاء لكل شيء من كل حدب وصوب (الانفتاح)، حتى وقف المستشار الفذ ممتاز نصار في مجلس الشعب عام 1980 يصرخ "إن مصر بها الآن 17 ألف مليونير .. ربما 7 آلاف منهم حصلوا على أموالهم بدون فساد، وحوالي 10 آلاف حصلوا على أموالهم بدون سند ومبرر قانوني"
    ووقف أنور السادات يوماً ما يخطب في الشعب، ويقول: "لا..للأحقاد وترويج الإشاعات ضد الناجحين..نحن بلد مؤسسات..وكل من يخرج عن القانون يحاسب بمؤسسات الدولة"، لكن البعض كان يشير في أسى إلى أغنياء مصر الجدد: عصمت السادات -شقيق الرئيس السابق نفسه- ورشاد عثمان، وتوفيق عبد الحي، وثلاثتهم خضعوا في أوقاتٍ لاحقة للتحقيق على يد جهاز المدعي العام الاشتراكي
    فقد أثيرت اتهامات بشأن أموال عصمت السادات، وسط شبهاتٍ بأنه أساء استغلال اسم الرئيس لتحقيق مكاسب وأرباح طائلة
    وفي أعقاب حادث المنصة في 6 أكتوبر تشرين أول 1981، تبين أن حجم الثروة التي كوّنها عصمت في عهد أخيه الرئيس السادات، تمثل إمبراطورية ضخمة. فقد اتضح أن ممتلكات هذا الشقيق الذي لم يكن له حظٌ كبير من التعليم، تشمل أراضي زراعية، وأراضي بناء، وفيلات وعمارات، ومحال تجارية ومصانع ومخازن وورش، وسيارات ركوب ولوريات نقل، ووكالات للاستيراد والتصدير، وشركات للمقاولات، وأن هذه الشركات والعقارات كانت تمتد من أقصى شمال الجمهورية إلى أقصى الجنوب
    ألقي القبض على عصمت السادات وتم الحجز على أمواله المنقولة، وحققت معه أكثر من 22 لجنة من جهاز المدعي الاشتراكي الذي كان يترأسه عام 1982 المستشار عبد القادر أحمد علي. وصدر حكمٌ بمصادرة أموال عصمت السادات وأبنائه تنفيذاً لحكم نهائي صادر من محكمة القيم في 12 فبراير شباط 1983 برئاسة المستشار أحمد رفعت خفاجي نائب رئيس محكمة النقض
    بدت حيثيات الحكم كأنها إدانة لعصرٍ بأكمله
    فقد أدانت محكمة القيم من قالت إنهم: "انقلبوا كالثعالب الضالة يتصيدون ضحاياهم ويمتصون دماءهم ويخربون اقتصاد مصر ويلتهمون من خيراتها ويفسدون الحياة السياسية في البلاد، لا هم لهم إلا السطو والنهب وجمع المال والاستيلاء علي الغنائم مسلحين بالجشع والأنانية وحب الذات ومتخذين الحيلة والنصب والوساطة والرشوة وفرض الإتاوات بالإرهاب والتهديد ركاباً إلى إثمهم وعدوانهم بغرض الكسب السريع، دون اكتراث بأحكام القانون ودون النظر إلى أنهم بذلك يخرجون على مبادئ القيم ويخالفون أبسط قواعد الأخلاق، ذلك أنهم نفوس لهثت وراء الثراء فداست بأقدامها كل القيم الإنسانية والانسان أيضاً، مما يصدق عليهم وبحق أنهم عصابة المافيا التي ظهرت في مصر ونشرت فسادها في أرجاء البلاد"
    وقالت المحكمة أيضاً: "في الوقت الذي يعيش فيه أفراد الشعب تحت وطأة الحاجة، ظلت هذه الفئة الطفيلية تسرح وتمرح دون رادع إلى أن استطاعت بوسائلها الخبيثة تكوين ثروات طائلة تقدر بالملايين من الجنيهات بالنسبة لكل واحد منهم، كل ذلك بعد أن انقضوا على كل ما هو محرم، فارتكبوا من الأفعال الضارة بالمجتمع ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، إذ تخشبت قلوبهم، وتكلست ضمائرهم، ولم يرحموا مصر وهي تشكو وتئن من اقتصادٍ مرهق يعيش أغلب الناس فيه تحت حد الفقر، معتقدين أنهم بمنأى عن مخالب القانون وأنيابه، وأنهم أسياد مصر وفوق المحاسبة ومتناسين أن الله يمهل ولا يهمل وأن يوم الحساب لا ريب فيه، فسطوة القانون قائمة ولا أحد فوق المساءلة ولا أحد فوق القانون"
    ورصدت المحكمة الأموال التي أصدرت قراراً بمصادرتها على الوجه التالي:
    الأب عصمت السادات أكثر من 23 مليوناً
    محمد أنور عصمت السادات أكثر من 21 مليوناً
    طلعت عصمت السادات أكثر من 59 مليوناً
    جلال السادات أكثر من 19 مليوناً
    نادية عصمت السادات أكثر من مليون جنيه
    وكان المجموع الكلي أكثر من 124 مليون جنيه
    وتعد قضية رشاد عثمان الشهيرة بالإسكندرية مثالاً صارخاً لتلك الطبقة التي نشأت في عهد السادات
    إنها قصة عامل ميناء بالإسكندرية كان يتقاضى 30 قرشاً، إلى أن حقق المدعى الاشتراكي معه فيما بعد في أموال وممتلكاتٍ بلغت قيمتها 300 مليون جنيه
    حكم رشاد عثمان الإسكندرية بوعدٍ شفوي من السادات له الذي قال له ذات مرةٍ: "الإسكندرية أمانة في رقبتك يا رشاد"، فقد تصرف في عروس الثغر باعتبارها إقطاعية ورّثها له الرئيس. وتحول رشاد عثمان من تاجرٍ بسيط إلى أشهر مليونير في مصر الثمانينيات، بعد أن قفزت ثروته فجأة بفضل مخازن الأخشاب التي أخذ يمتلكها، ودوره في الجمرك وميناء الإسكندرية، حتى أصبح مالك المدينة
    بدأ رشاد عثمان نشاط أعماله التجارية في الإسكندرية منذ عام 1964 وذلك في تجارة وتوزيع الأخشاب في السوق المحلية من خلال شركات القطاع العام. وفي عام 1972 أسس أولى شركاته وهي "شركة القاهرة للنقل بالسيارات". وفي ظل سياسة الانفتاح أسس "شركة رشاد عثمان للأعمال البحرية" وذلك في عام 1978. وفي غضون فترة وجيزة، نجحت هذه الشركات توسيع قاعدة أنشطتها لتمتد إلى الملاحة والسفن التجارية، والاستثمار العقاري. كما استغل رشاد صلته القوية بعثمان أحمد عثمان صهر السادات في الحصول على أموال وممتلكات مختلفة، بينها شقتان بالمعمورة أهدى واحدة منها إلى صديقه الوزير واحتفظ بالأخرى لنفسه
    ولم تسقط دولة رشاد عثمان إلا بعد عامين من رحيل الرئيس السادات. وقد انتهى على الرغم من كل ما كان يتمتع به من نفوذٍ إلى المحكمة، حيث صرخ في قفص الاتهام بأعلى صوته "الله ينتقم منك يا عثمان"
    أما رجل الأعمال توفيق عبد الحي فقد فر في 18 فبراير شباط 1982 إثر الإعلان عن ضبط صفقة استيراد دواجن فاسدة (1426 طناً) كانت على وشك التوزيع على منافذ البيع، بجانب قضايا مالية أخرى، بعد أن حصل على ما لا يقل عن 15 مليون دولار من ثلاثة بنوك كبرى بلا أي ضمانات أو مستندات
    وتوفيق عبد الحي، عضو الاتحاد الاشتراكي وقيادي التنظيم الطليعي وعضو الحزب الوطني، وأحد المقربين إلى "المعلم" عثمان أحمد عثمان صهر الرئيس الراحل أنور السادات، هو ابن جيل السبعينيات و"فتى التنمية الشعبية المدلل". وإذا كانت محكمة أمن الدولة العليا قد برأته في 28 إبريل نيسان 1994، فإنه ظل متخوفاً من العودة إلى مصر، خصوصاً أنه أُدرِجَ على قوائم الممنوعين من السفر إلى الخارج، بقرارٍ سابق من المدعي العام الاشتراكي
    وفي حديثه مع "المصري اليوم" بتاريخ 29 أكتوبر تشرين أول 2006، قال توفيق عبد الحي إن "الرئيس السادات أصدر قراراً بمنح "إيريك" قرضاً من بنك التسليف الزراعي وقعَ عليه نائب الرئيس ورئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني حينئذ حسني مبارك وبفائدة ٣% فقط بغرض إنشاء منافذ توزيع، وكنت باعمل كل حاجة بدعم من السادات وعثمان"
    على أن أبرز مليونيرات عصر السادات كان صهره وصديقه المقرب: عثمان أحمد عثمان
    ففي عهد السادات، كبرت شركة "المقاولون العرب" وتضخمت، وتحولت إلى "شركة الوزراء"، على حد وصف ديفيد هيرست مراسل صحيفة "غارديان" البريطانية، إذ كان يعمل لدى عثمان في وقتٍ من الأوقات - حسب قول الجريدة البريطانية- 30 وزيراً ومستشاراً ومحافظاً ومسؤولاً، شغلوا مواقع حساسة
    مجلة "فورتشن" الأمريكية وضعت عثمان أحمد عثمان في الترتيب رقم (65 مكرر) ضمن قائمة عام 1988 لأغنى أغنياء العالم، بثروةٍ قدرها 1.5 مليار دولار، ووصفته بأنه "أكبر البنائين في مصر منذ عصر الفراعنة"
    ((The 1988 Billionaires Ranked by Assets, Fortune magazine, 12 September 1988

    ولعل عثمان أحمد عثمان هو أول ملياردير في مصر، على الأقل وفق الأرقام الرسمية المعلنة والموثقة في مجلات مالية متخصصة. وربما لا ينافسه على أسبقية اللقب سوى مصريين جمعوا ثروتهم في الخارج، أولهم محمد عبد المنعم فايد - المعروف باسم محمد الفايد- مالك متجر "هارودز" ونادي فولام لكرة القدم في بريطانيا، والمولود في 27 يناير كانون ثانٍ 1933

    شارك عثمان و"المقاولون العرب" في بناء مدن جديدة، مثل مدينة العاشر من رمضان،‏ ومدينة السادات،‏ ومدينة الملك خالد،‏ ومدينة العبور،‏ ومدينة ‏15‏ مايو.‏ كما كان السادات في حاجة إلى عثمان كي يتولى توسعة قناة السويس بعد تطهيرها من الألغام، بهدف استثمارها كممر رئيسي للملاحة الدولية. والعلاقة بين السادات وعثمان أحمد عثمان وصلت إلى مستوى المصاهرة، بعد أن تزوج نجله محمود عثمان من جيهان (نانا) ابنة السادات في 2 يناير كانون ثانٍ 1977

    في المقابل، كان المهندس عثمان أحمد عثمان، يؤكد أنه ليس الأغنى في مصر، مشيراً إلى أن ثروة أشرف مروان –زوج منى جمال عبد الناصر- بلغت في منتصف السبعينيات بأكثر من ٤٠٠ مليون دولار، وأنه لا يمتلك ١٠% من الذي يمتلكه مروان
    وفي عهد السادات، أخذت الهوة بين الأغنياء والفقراء تتسع أكثر، وبدا ذلك جلياً في انتفاضة 18 و19 يناير 1977. وبالرغم من وعود الرخاء الاقتصادي، والتشديد على مفهوم السلام بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، فإن الاقتصاد المصري ظل يعاني من مشكلات الديون الأجنبية
    عندما اغتيل السادات في 6 أكتوبر ١٩٨١، كانت ديون مصر الخارجية قد زادت إلى ثلاثين مليار دولار، أي أن إجمالي مديونية مصر الخارجية تضاعف أثناء حكم السادات نحو ستة أمثال ما كانت عليه الحال قبل توليه السلطة
    ومن هذه النقطة تحديداً بدأ عهد مبارك




    أثرياء مصر زمان..والآن مليونيرات المعونة الأمريكية





    دخلت مصر عصر التضخم الموجع منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين، ولعل هذا-إلى جانب الديون الخارجية- كان أثقل ما تركه الرئيس السادات من إرثٍ اقتصادي للرئيس مبارك
    غير أنه لاح في الأفق بعد سنواتٍ قلائل قرص إسبرين خارجي اسمه: المعونة الأمريكية
    إذ إنه مع إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 تدفقت المعونة الأمريكية على مصر، وكانت تقدم على شكل برامج سنوية لإعادة تأهيل البنية الأساسية المدنية. بدأ التطبيق عام 1983 بتخصيص 200 مليون دولار للاستيراد السلعي، وقد تميز البرنامج بميزة مغرية هي وجود سعر ترجيحي للدولار، فالدولار يساوي جنيهاً ورجل الأعمال الذي يستورد بضائع قيمتها مليون دولار يسدد مليون جنيه ويتم السداد على فترات تمتد من 3 إلى 7 سنوات، وهو ما ساعد رجال الأعمال على الاستفادة من فرق السعر
    كما منح البرنامج أولوية توريد السلع للشركات القائمة بتنفيذ البرامج الأخرى في مختلف التخصصات. وهكذا توفر لهؤلاء التحويل ذو الشروط الميسرة وتوزيع السلع بسهولة وأيضاً شروط سداد سهلة، ما أدى إلى ظهور طبقة جديدة سماها البعض مليونيرات المعونة الأمريكية، من أمثال مصطفى البليدي وإلهامي الزيات وغيرهم
    وتصدر هؤلاء قوائم الأغنياء في مصر، إلى جانب أسماء مثل د. أحمد بهجت - صاحب قناة دريم الفضائية ودريم بارك ودريم لاند وشركة جولدي للأجهزة الكهربائية- ود. عبد المنعم سعودي – الذي بدأ بتجارة وتجميع السيارات اليابانية وخصوصاً من ماركة "سوزوكي" ثم امتد نشاط عائلته إلى مجالات المنسوجات والإنشاءات وغيرها- ومحمد نصير، ومحمد منصور، وإبراهيم كامل، وحسين سالم، وحمزة الخولي، ومحمد شتا، وآل غبور، ومحمد فريد خميس، وآل الهواري، ومحمد جنيدي، وحسن راتب، وحسام أبو الفتوح
    في غضون ذلك، كان العالم يتغير، لتتغير معه مصر
    ففي السنوات الخمس الأولى من عهد مبارك، استمرت مصر في الاقتراض من الخارج حتى بلغ إجمالي الديون الخارجية ٤٥ مليار دولار، أي بزيادة قدرها ٥٠% في خمس سنوات وهو معدل، رغم خطورته، أقل بكثير من معدل زيادة الديون في عهد السادات
    في ١٩٩٠ كان مبلغ خدمة الديون المستحقة على مصر قد ارتفع إلى ٦ مليارات دولار أي ما يمثل ٥٤% من قيمة جميع صادرات مصر من السلع والخدمات. وفي ظل تطورات حرب الخليج نتيجة الغزو العراقي للكويت في أغسطس آب 1990 ومشاركة مصر في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لتحرير الكويت، حصلت مصر على إعفاءات كبيرة من ديونها. أعفيت مصر أولاً من جانب الولايات المتحدة ودول الخليج من ديون قدرها ١٣.٧ مليار دولار، ثم دعيت مصر إلى عقد اتفاق في مايو أيار ١٩٩١ مع الدول (نادي باريس)، أسفر عن إعفاء مصر من ٥٠% من ديون أخرى على مراحل
    ترتب على هذا أن انخفضت ديون مصر الخارجية من ٤٧.٦ مليار دولار في يونيو حزيران ١٩٩٠ إلى ٣٤ ملياراً في فبراير شباط ١٩٩١ ثم إلى ٢٤ مليار دولار في منتصف ١٩٩٤ أي نصف ما كانت عليه في منتصف ١٩٩٠
    ومع تعاظم الثروة لدى البعض في مصر، ظهر نوعٌ من التزاوج بين الثروة والسلطة، فأصبح من المألوف أن يصبح نجوم البيزنس نجوم سياسة أيضاً، مثل محمد أبو العينين وطلعت السادات ورامي لكح
    في 18 يناير كانون ثانٍ 1995 ألقى الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل محاضرته الشهيرة والأخيرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب. بدت المحاضرة التي نُشِرَت لاحقاً في كتاب محاولةً مبكرةً لمناقشة أعراض أزمةٍ اتضحت ملامحها تدريجياً
    وربما يذكر من حضروا تلك المحاضرة – أو من قرأوا نصها لدى نشرها لاحقاً- كيف صدمهم هيكل بعرض تقريرٍ وضعته مجموعة دولية عن المؤشرات الطبقية الجديدة في مصر (حتى عام 1995)، إذ قال:
    "والصورة تشير إلى ما يلي:
    - في مصر 50 فرداً ثروة كل واحد منهم ما بين 100 إلى 200 مليون دولار وأكثر
    - وفي مصر 100 فرد تتراوح ثروة كل منهم ما بين 80 إلى 100 مليون دولار
    - وفي مصر 150 فرداً تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 50 إلى 80 مليون دولار
    - وفي مصر 220 فرداً تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 30 إلى 50 مليون دولار
    - وفي مصر 350 فرداً تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 15 إلى 30 مليون دولار
    - وفي مصر 2800 فرد تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 10 إلى 15 مليون دولار
    - وفي مصر 70 ألف فرد تتراوح ثروة كل واحد منهم ما بين 5 إلى 10 ملايين دولار
    ويتابع هيكل في محاضرته قائلاً: "وإذا أخذنا الأرقام الخمسة الأولى من هذا الجدول فإننا في مصر أمام حوالي ألف فرد استطاعوا في العشرين السنة الأخيرة أن يصبحوا أصحاب ثروات هائلة لا تتناسب مع الحقائق الاقتصادية أو الحقائق العلمية السائدة في البلد. وقد جاءت هذه الثروات الهائلة فى معظمها من عمليات تقسيم وبيع الأراضي والعقارات وما يتصل بها، ومن التوكيلات التجارية التي لا يعرف أحدٌ حسابها، ومن احتكار بعض السلع كالأسمنت والحديد والسكر واللحوم (بما فيها اللحوم الفاسدة)، ثم إن بعضها – وهو ليس قليلاً – جاء من عمولات تجارة السلاح
    "ولقد كنا نقبل -ونسعد ونبارك- لو أن هذه الثروات نتيجة لعملية الإنتاج بالمنطقة والرأسمالي السليم القائم على الاستثمار وقبول مخاطره والقائم على احترام القوانين والتزام ضوابطها، والقائم على دفع الضرائب والرضا بتكاليفها
    "لكن الواقع الحي أمامنا أنه – في معظم الأحيان وباستثناء لا تزيد نسبته على عشرة في المئة فقط- لم يكن الأمر هو الاستثمار ومخاطره وإنما الاستغلال ونفوذه، ولم يكن القانون وضوابطه وإنما الدوران حوله والاستهتار به، ولم تكن الضرائب العادلة في تكاليفها وإنما الضرائب على أضعف الطبقات قدرة على أدائها وأقلها فرصة في الهرب أو التهرب منها!" (محمد حسنين هيكل، باب مصر إلى القرن الواحد والعشرين، دار الشروق، القاهرة، 1996)
    ثم يظل من المفارقات أن مصر - وهي واحدة من البلدان الموضوعة في قوائم الدول الفقيرة- تستورد أكبر نسبة من سيارات "مرسيدس" في العالم بالقياس إلى عدد سكانها، طبقاً للبيان السنوي (عام 1993) لشركة السيارات الألمانية ذاتها
    الإيقاع المتسارع لأصحاب الأعمال الجدد دفع العديد من البنوك – نتيجة الرغبة في الاستثمار، أو الخضوع لضغوط أهل النفوذ، أو بسبب شبهات فساد- إلى فتح خزائنها لمنح قروضٍ، كان بعضها دون ضماناتٍ كافية للسداد
    وطبقاً لما جاء في النشرة الاقتصادية لوزارة الاقتصاد عام 2000 فإن جملة ما منحته البنوك من قروض يصل إلى 207 مليارات دولار منها نحو 20 ملياراً تعثر أصحابها في سدادها بنسبة 6% تقريباً، ما جعل بنوك القطاع العام تزيد من المخصصات رغم مركزها المالي لمواجهة الديون المشكوك فيها إلى 27 مليار دولار طبقاً لتقرير البنك المركزي عن الفترة من يوليو تموز إلى سبتمبر أيلول عام 1999
    وفي دراسة للدكتورة سلوى العنتري مدير البحوث بالبنك الأهلي المصري تكشف أن القطاع الخاص يحصل علي 52% من القروض بلا ضمانات من الجهاز المصرفي استناداً على سلامة المركز المالي. وتشير الدراسة إلى أن أكبر 20 عميلاً يحصلون على 10% من جملة التسهيلات والقروض الممنوحة من البنوك، وأن 250 رجل أعمال حصلوا على 36% من جملة التسهيلات والقروض للقطاع الخاص وأن نسبة القروض المتعثرة تعدت نسبة 20% من إجمالي القروض
    وقد رصد د. حمدي عبد العظيم الخبير الاقتصادي بأكاديمية السادات أن 36 مليار دولار خرجت من مصر أو هربت منها أثناء عام 1998 فقط، منها تحويلات بنكية وشهادات إيداع دولية وتحويل عمليات استيراد منها 25 مليار دولار في صورة خفية
    وهكذا بدأ هروب رجال وسيدات أعمال بملايين الدولارات من أموال البنوك أو ضحايا شركات توظيف الأموال: هدى عبد المنعم، أشرف السعد، جورج إسحق حكيم، محمد الجارحي، رامي لكح، وآخرون
    وكلهم كانوا مليونيرات، وإن يكن ذلك من المال العام
    وظهر في ربوع مصر رجال أعمال أنشأوا دولة نفوذ خاصة بهم داخل كل محافظة، تم توريثها إما سياسياً أو عائلياً أو مالياً وحزبياً. ففي الإسكندرية، يبرز اسم محمد فرج عامر رجل الأعمال وعضو الشورى بالتزكية ورئيس مجلس إدارة نادي سموحة الرياضي. ومن هؤلاء أيضاً عبد السميع الشامي في محافظة الغربية، والنائب بلال السيوي في محافظة مطروح، ورجل الأعمال وعضو مجلس الشورى محمد عبد المنعم الشهير بأحمد الكاجوجي في محافظة أسوان، وغيرهم (طغاة المحافظات.. رؤساء بدون قرار جمهوري، جريدة "اليوم السابع"، 30 أكتوبر 2008)
    على أن أياً من أصحاب تلك الأسماء التي سبق ذكرها لم يكن ضمن قائمة أغنى الأثرياء في بر مصر، في مطلع الألفية الثالثة


    عدل سابقا من قبل محمد راضى مسعود في السبت مارس 26, 2011 12:43 pm عدل 1 مرات
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الخميس أكتوبر 22, 2009 9:03 pm

    أثرياء مصر زمان..والآن الخمسة الكبار











    خمسة أسماء مصرية نجحت في الوصول إلى قائمة أغنى أغنياء مصر والعرب

    هؤلاء الخمسة قد يكونون بالفعل الأغنى وفق الأرقام والتقديرات الرسمية لأعمالهم ونشاطهم المالي والتجاري، مع أن البعض قد يشير إلى أن ما يظهر من جبل الجليد ليس سوى جزءٍ يسير منه

    ومن يتأمل قائمة مجلة "أريبيان بزنس" للعام 2008 التي ترصد حركة الثروة واتجاهاتها في المنطقة، يمكنه أن يلاحظ وجوداً مصرياً لا بأس به على تلك القائمة، مع قناعتنا طبعاً بأنها لا تعبر تماماً عن الثروات الحقيقية في مصر والعالم العربي. فهناك العشرات بل المئات من الأثرياء العرب ممن لم تستطع هذه المجلة المتخصصة الوصول إلى بيانات أو معلومات عن حجم ثرواتهم، إما لأنها لم تمتلك الوقت أو لأنها لم تمتلك معلوماتٍ كافية

    القائمة التي نشرتها المجلة في منتصف ديسمبر 2008، تظل في هذا السياق تقديرية، إذ إن المجلة نفسها تؤكد أنه لم تتح لها الفرصة لمعرفة كافية حول ممتلكات معظم الأسماء التي أوردتها في تلك القائمة، لأن تقييم الثروة أمرٌ غاية في الصعوبة ويخضع للكثير من المعايير ولأن موضوع التقييم معقدٌ وشائك، كما أن الإفصاح والشفافية أمران نفتقدهما في المنطقة، ما يزيد من صعوبة المهمة
    في المركز الثالث والعشرين من قائمة أغنى أثرياء العرب، وبثروة تقدر بـ 3,2 مليار دولار تأتي عائلة ساويرس التي تسيطر على حصة تزيد عن 50 في المئة في ثلاث شركات، هي أوراسكوم للاتصالات وأوراسكوم الفنادق وأوراسكوم للمقاولات. ويقود نجيب ساويرس شركة أوراسكوم للاتصالات ويدير سميح شركة الفنادق، في حين يتولى ناصيف أعمال قطاع العقارات

    وكانت أوراسكوم للإنشاء والصناعة وهي أكبر شركة للبناء في مصر من حيث القيمة السوقية، قد أعلنت أن أرباحها الصافية في الربع الثالث من العام 2008 قفزت بنسبة تقترب من 300 في المئة مسجلة ما مجموعه 205.1 مليون دولار لكنها لم تصل إلى مستوى توقعات السوق. كما أضافت أن إيرادات الأشهر الثلاثة ارتفعت 75 في المئة محققة ما قيمته إلى 991.9 مليون دولار. وزادت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والمصاريف واستهلاك الدين 152 في المئة لتبلغ 307.2 مليون دولار، في الوقت الذي تراوحت توقعات ثلاثة محللين من بنوك استثمار، بينها بلتون فاينانشيال والمجموعة المالية هيرميس أن يتراوح صافي أرباح الشركة ما بين 248 مليون و285 مليون دولار

    بدأت حياة أنسي ساويرس العملية في صعيد مصر حيث أسس شركة للمقاولات عرفت في البداية باسم لمعي وساويرس. وكانت هذه الشركة هي تميمة الحظ التي فتحت عليه أبواب عالم البيزنس حيث انفرد أنسي بالشركة عام 1950 واتسع نشاطها بشكل غير مسبوق حتى جاءت قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961 لتؤدي إلى تأميم الشركة

    في عام 1966 غادر أنسي إلى ليبيا، وهناك احترف بيزنس التوكيلات والمقاولات واستمر يمارس نشاطه حتى عام 1975. ومع بداية عصر الانفتاح الاقتصادي، عاد إلى مصر ليستثمر خبرته الواسعة في مجال المقاولات فأقام شركة "أوراسكوم" للمقاولات التي استطاعت أن تعمل في الظل وتحصل على بعض المقاولات الصغيرة من "فم الأسد"، وكان أسد المقاولات في ذلك الوقت هي شركة عثمان أحمد عثمان

    غير أن نجاح العائلة الأكبر جاء بقيادة الابن نجيب ساويرس، وذلك في مجال الاتصالات، لتبدأ مظلة عائلة ساويرس في الامتداد داخل مصر وخارجها
    في المركز الرابع والثلاثين من قائمة أغنى أثرياء العرب، وبثروة تصل إلى 2,2 مليار دولار، يأتي محمد شفيق جبر رئيس مجموعة أرتوك غروب المصرية للاستثمار والتنمية

    ولد شفق جبر الذي يعد الابن الوحيد من الذكور بين أشقائه لوالده الدبلوماسي المصري عادل جبر، الذي سبق له العمل في الهند واليونان ولديه شقيقتان. اتجه إلى البيزنس منذ نعومة أظفاره ليلتحق بالعمل في الشركة التي كونها والده عقب تركه العمل بالحقل الدبلوماسي التي تم تأسيسها عام 1971 بمساهمة عمه ووالده لتلقى رواجاً في فترة السبعينيات أثناء مرحلة الانفتاح الاقتصادي. بدأ نشاط الشركة في الاستثمار في مواد البناء والتعاون مع الشركات الأجنبية ومشروعات توليد الطاقة وتحلية المياه، إلى أن تطورت لتصبح شركة قابضة للاستثمارات
    توسعت شركته في مجالاتٍ مختلفة، بينها السيارات والطيران وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فضلاً عن البنية الأساسية "المياه - المطارات - محطات الطاقة"، وكذا الصناعات الثقيلة ومنتجات الصلب والمعدات الهندسية والمنتجات الاستهلاكية، ودور النشر والتنمية العقارية والبترول، واستقراء النتائج الرياضية والخدمات المضافة عن طريق أحدث التقنيات

    ويتقاسم شفيق جبر المعايير نفسها المتعامل بها داخل نادي الأثرياء العرب. فبالإضافة إلى تولي القيادة من والده وتحمله مسؤولية نمو الشركة المصرية للاستثمار والتنمية، كان محمد شفيق جبر مؤسس ورئيس الغرفة التجارية الأمريكية في مصر ورئيس مجلس الأعمال العربي ورئيس مجلس المستشارين للبنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكل هذه المناصب ليست سوى شيء متواضع مقارنة بالمناصب التي أسندت إلى هذا الملياردير

    وبالإضافة إلى كل تلك المناصب فإن محمد شفيق جبر هو عضو في المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط ، وكان شريكاً لـ"إعمار" الإماراتية في شركة إعمار مصر بقيمة 4 مليارات دولار، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق لإنهاء هذه الشراكة

    مجموعة Artoc شركة استثمارية تطورت بسرعة منذ تأسيسها لتنشأ مؤسسات تجارية تحت مظلتها في جميع أنحاء العالم. وتعمل الشركات التابعة والمؤسسات الفرعية لها تحت ستة أقسام، تشمل، قسم السيارات، قسم النشر، قسم مشروعات المرافق والمشروعات الهندسية الخاصة، قسم المنتجات الاستهلاكية وقسم العمليات الدولية
    وفي المركز السادس والأربعين لقائمة أغنياء العرب، وبثروة تبلغ 1.5 مليار دولار، نجد أحمد عز أو إمبراطور الحديد كما يطلق عليه في مصر، والذي حقق ما يقارب 25 مليار جنيه مصري منذ بداية نشاطه في مجال الحديد عام 1989. ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد سيطر عز على 60 % من سوق الحديد في مصر وأكثر من 50 % من جملة الحديد المصري المطروح في الأسواق العالمية. وتمتعت شركاته بإعفاء ضريبي استمر 10 سنوات حقق خلالها أرباحاً صافية وصلت إلى 15 مليار جنيه مصري
    إمبراطورية عز الحديدية لم تكتف بذلك. فشركات رجال الأعمال الجدد مثل عز ومحمد أبو العينين وفريد خميس تحصل على مليون وحدة حرارية بأقل من دولار. أما عز - أمين التنظيم بالحزب الوطني الديمقراطي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب- فقد تمكن عبر نشاطه المتزايد من تحقيق أرباح بلغت 5 أضعاف الأصول المدفوعة لشركات الحديد الأربع التي يملكها..أو على الأقل، هذا هو ما تشير إليه ميزانية شركات عز المنشورة. ويعتبر محللون اقتصاديون أن خطوة نشر الميزانيات رغم أهميتها فإنها جاءت لتغطي على عمليات ضرب شركة الحديد والصلب الحكومية تمهيداً لخصخصتها لصالح إمبراطور الحديد أحمد عز
    تضم شركات عز شركة العز لصناعة حديد التسليح – التي تأسست عام 1994 بالمنوفية - برأسمال مصدر ومدفوع قدره (911.9 مليون جنيه)، مستفيداً من مزايا قانون الاستثمار رقم (43) لسنة 1974 وتعديلاته المثيرة للجدل، وكذلك قانون تنمية المجتمعات العمرانية الجديدة لسنة 1979. وبعد تأسيس هذه الشركة تأسست 3 شركات تابعة لها وهي:
    أولاً، مصانع عز للدرفلة (مصانع العز للصلب سابقاً) التي تأسست عام 1986 مستفيدةً من قانون الانفتاح، ثم عدَّلت أوضاعها بعد انتهاء فترة الإعفاءات الضريبية مستفيدةً من قانون الاستثمار الجديد رقم (Cool لسنة 1997، ويملك أحمد عز 90.73 % من أسهمها. ثانياً، شركة العز لصناعة الصلب المسطح (العز للصناعات الثقيلة سابقاً) التي تأسست عام 1998 بنظام المناطق الحرة مستفيدة كذلك من قانون الاستثمار الجديد ويمتلك فيها أحمد عز 75.15 % من أسهمها. ثالثاً، شركة عز الدخيلة للصلب (الإسكندرية) التي كانت من سنواتٍ قليلة من ممتلكات قطاع الأعمال العام وكانت قد تأسست عام 1982، وعبر عمليات غامضة -كما تقول مجلة "أريبيان بيزنس" في تقريرها- استحوذ أحمد عز عليها عام 1998 وامتلك الآن 50.28 % من أسهمها، بعد أن كانت حصته فيها في ديسمبر كانون أول من العام 2007 نحو 53.52 %
    تعمل في صناعة الحديد والصلب في مصر 19 شركة، منها واحدة فقط مملوكة للقطاع العام هي (شركة الحديد والصلب المصرية) التي بدأت منذ عام 1955، وبقية الشركات مملوكة للقطاع الرأسمالي الخاص. وتستحوذ الشركات الخاصة على نحو 90 % من إجمالي إنتاج ومبيعات السوق، وتستأثر شركات أحمد عز بحوالي 60 % من الطلب المحلي وأكثر من 50 % من الطلب الخارجي
    وأحمد عز من مواليد يناير كانون ثانٍ عام 1959. دخل جامعة القاهرة وحصل على بكالوريوس هندسة واشتهر بأنه كان شاباً رومانسياً يحب الموسيقى الغربية. بدأ حياته عازفاً ضمن فرقة موسيقية بأحد فنادق القاهرة الشهيرة كما روى رجل الأعمال رامي لكح في دراسة أعدها معهد كارنيغي الأمريكي عن المقربين من جمال مبارك. والحقيقة أن أحمد عز كان يعزف الدرامز في فرقة "طيبة" التي أنشأها عام 1976 الشقيقان مودي وحسين الإمام. وطبقاً لرواية النائب طلعت السادات كان عز من أسرة مستورة في وضعها المالي تمتلك ورشة للحدادة، تطورت لتصبح محلاً لبيع الحديد

    بدأ أحمد عز نشاطه الاقتصادي حينما تقدم للمهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان والتعمير آنذاك بطلبٍ للحصول على قطعة أرض في مدينة السادات لإقامة مصنع لدرفلة الحديد، كما بدأت استثمارات عز مع مشروع سيراميك الجوهرة، وأخذت صور أحمد عز تظهر للمرة الأولى على صفحات جريدة "الأهرام" في مطلع عقد التسعينيات

    زاد ظهور عز إعلامياً ليتحدث عن استثماراته وظهر لأول مرة بجوار جمال مبارك في مؤتمر الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 1996. منذ ذلك التاريخ حرص عز على الحفاظ على علاقته بجمال مبارك، وكان طبيعياً أن يكون من أوائل المساهمين عام 1998 في جمعية جيل المستقبل والتي بدأ بها جمال مبارك رحلة صعوده السياسي، ولم يفارقه عز بعد ذلك في أي محطة منها. من 1998 حتى 2000 جنى أحمد عز ثمار استثماراته وعلاقته وأصبح وكيلاً لاتحاد الصناعات
    تعرضت شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب الدخيلة عام 1999 للانهيار ونقص السيولة بسبب سياسات الإغراق التي سمحت بها الحكومة للحديد القادم من أوكرانيا ودول الكتلة الشرقية فتقدم عز بعرض للمساهمة في رأس المال، وبالفعل تم نقل 500ر543 سهم إليه، واشترت شركة العز لحديد التسليح 9.9% من شركة حديد الدخيلة. وبعد شهر واحد تم إصدار ثلاثة ملايين سهم لصالحة بقيمة 456 مليون جنيه. بعد ذلك وفي شهر ديسمبر من السنة نفسها أصبح عز رئيساً لمجلس إدارة حديد الدخيلة على أساس ملكيته لـ27% من أسهم الدخيلة

    بدأ عز مرحلة التزاوج مع السياسة عام 2000 عندما رشح نفسه لعضوية مجلس الشعب عن دائرة منوف مستنداًً على أصوات عمال مصانعه بمدينة السادات، وفي فبراير شباط 2002 ظهر عز قوياً في الحزب الوطني وأصبح عضواً في الأمانة العامة للحزب الوطني ضمن الموجة الأولى لانخراط رجال الأعمال الجدد في مجال العمل السياسي، وبعدها أصبح رئيساً للجنة التخطيط والموازنة في مجلس الشعب
    في سبتمبر أيلول 2002 انعقد المؤتمر العام للحزب وأصبح عز عضواً في أمانة السياسات، ولم يكن مجرد عضو عادي بل كان من المسيطرين والمحركين الأساسيين، كما قال الدكتور أسامة الغزالي حرب بعد خروجه من الحزب

    في عام 2003 سافر أحمد عز مع جمال مبارك إلى الولايات المتحدة، وفي عام 2004 حصل على منصب أمين العضوية وهو أخطر منصب داخل الحزب الوطني، وكان يشغله قبله كمال الشاذلي

    في عام 2005 قام عز بتمويل حملة الرئيس مبارك الانتخابية، وحصل بعد ذلك على منصب أمين التنظيم والذي كان أيضاً يشغله كمال الشاذلي. تراوحت أسعار الحديد في عام 2001 من 1200 جنيه للطن حتى ارتفعت إلى 3600 جنيه في مارس آذار 2007 ووصلت إلى 7700 جنيه في 2008 (أحمد عز.. الصعود السريع للقمة، جريدة "اليوم السابع"، 23 مايو 2008)
    وفي المرتبة الثامنة والأربعين من قائمة أغنى أغنياء العرب، نجد طلعت مصطفى بثروة قيمتها 1,5 مليار دولار. وإذا كان كثيرون ممن هم على قائمة الأغنياء قد تأثروا بالأزمة المالية العالمية، فإن العام 2008 كان أكثر صعوبةً بالنسبة لطلعت مصطفى، حيث مثل نجله هشام طلعت رجل الأعمال البارز وعضو مجلس الشورى المصري أمام محكمة بتهمة الاتفاق والتآمر مع ضابط الأمن السابق محسن السكري على قتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، والتي عُثِرَ عليها مقتولة في دبي في شهر يوليو تموز 2008
    وتعد مجموعة طلعت مصطفى واحدة من أهم شركات الأعمال في مصر، ولها من الخبرة أكثر من عشرين عاماً في التطوير الصناعي. تمتلك الشركة فندق ومنتجع "فور سيزون"، وفي العام 1995 بدأت أعمال بناء فندق النيل بلازا، وعام 1996 بدأت أعمال بناء فندق شرم الشيخ، وأخيراً وفي العام 1998 بدأت ببناء لؤلؤة الإسكندرية وسان ستيفانو. ويشغل حالياً نجله الأكبر طارق (مواليد 1952 وخريج قسم الهندسة المدنية بجامعة الإسكندرية 1975 وهو أيضاً رئيس لجنة الإسكان في مجلس الشعب) منصب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب، خلفاً لشقيقه هشام، ويشغل الشقيق الثاني هاني طلعت مصطفى (مواليد 1955 وخريج قسم الهندسة المدنية بجامعة الإسكندرية 1978) منصب رئيس مجلس إدارة شركة الإسكندرية للإنشاءات، وهي أكبر شركات المجموعة والشركة الأم
    وفي المركز التاسع والأربعين وبثروة قدرها 1,4 مليار دولار، يطل علينا اسم فايز صاروفيم المعروف بالفرعون المصري، وهو رجل أعمال متمسك بسياسات متشددة، وهي الطريقة التي كدس بها 1.5 مليار دولار، بشراء مخزون بشركات كبيرة، والسيطرة عليها في الأوقات الجيدة والسيئة
    وفايز صاروفيم نجل مزارع القطن المصري الثري حصل على شهادته من جامعة كاليفورنيا وهارفارد. في الثلاثين من عمره أسس بنك فايز صاروفيم وبنك الاستثمار، في العام 1958، برأسمال مليون جنيه حصل عليها من والده

    واليوم، تدير الشركة استثمارات محافظ لشريحة واسعة من الزبائن، بالإضافة إلى خطط معاشية، ومؤسسات، وهبات بقيمة إجمالية تصل 34 مليار دولار. أدار صاروفيم –الذي يعيش في هيوستون بولاية تكساس الأمريكية- صفقاتٍ تسويقية ليحصل على حساباتٍ رئيسية مبكراً، وربح عقود إدارة لصناديق المعاشات التقاعدية في شركة موبيل، وجنرال الكتريك وفورد

    وفي عام 2008 مرت صناديق التقاعد العمومية الأمريكية بأسوأ سنة في تاريخها، وهو ما دفعها للضغط على حكومات الولايات لدعمهم. في نهاية شهر سبتمبر أيلول 2008 بلغ معدل الخسارة في صناديق المعاشات 14.8 بالمئة
    خطوة صاروفيم الكبرى كانت بتقديم منح رايس الجامعية، كما أقام متحف هيوستون للفنون بـ 300 مليون دولار كهبة أيضاً. ثروته كدست بناءً على مراهنات على شركات كبرى كفيليب موريس وبروكتور آند غامبل بسياسة البيع والشراء التي يبيعها ببيع الخسارة ومضاعفة الأرباح، وهي عكس سياسة المستثمرين الآخرين

    يعتقد صاروفيم –وهو أبٌ لخمسة أبناء- بأن الشركات الثلاث التي تتربع على القمة في مجال الصناعة سوف تدر أرباحاً كثيرة، وهو يراهن على مخزون الشركات وعلى الرؤية الواضحة للنمو المستقبلي. كما أنه يستثمر على المدى الطويل مع زبائنه، ويقلب فقط خمسة بالمئة من محافظه سنوياً. وبالرغم من نجاحه فإنه مر بأوقات عصيبة، ومن ذلك مثلاً عندما خسر نحو 475 مليون دولار في عام 1992 عندما خفض عملاق التبغ الأمريكي فيليب موريس أسعار علب السجائر الخاصة به

    ومن رحم هؤلاء وغيرهم، تُولَدُ وتُسطَرُ كل يومٍ فصولٌ جديدة في كتابٍ ضخم اسمه: قصة الثروة والأثرياء في مصر
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed Empty رد: اثرياء زمان و اثرياء .. تاريخ مصر المدفون من الثورهEng.Sayed M. EL_Sayed

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت مارس 26, 2011 12:51 pm

    أما الآن وبعد ثورة 25 يناير وتكشف تضخم ثروات أهل الحكم والسلطة والبطانة والحاشية وظهور الارقام الفلكية التى يحتار العقل البشرى فى تصورها كالتريليون والبليون والمليار واصبح المليون رقما غير ذى ذكر فإن التاريخ سيحتار فى أن يحصر أويعد هؤلاء الذين نهبوا ثروات البلاد والعباد أو بأيهم سيبدأ وبمن سينتهى

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 6:40 pm