بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى وآله الهداة المهديين وأصحابه المنتجبين .
اثمن هذا الجهد وهذه البادرة الكريمة التي تحتضنها جمعية الملتقى الثقافي الأهلي وأتوجه بالشكر الجزيل على دعوتي للمشاركة في هذه الندوة وأشكر القائمين على تنظيم برامجها وأخص بالذكر رئيسها الفخري الوجيه عبد الرحمن جاسم كانو ورئيس مجلس ادارتها الأستاذ علي عبد الله خليفة تلك البرامج والفعاليات التي تساهم بلا شك في اثراء وترشيد الفكر المعاصر لجيلنا وأجيال المستقبل على هذه الأرض الطيبة .
وحيث أن عنوان هذا الملتقى الطيب هو الحديث عن
حكمة توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية)
فلابد لنا أن نشير بادئ بدء الى ثلاثة تمهيدات :
التمهيد الأول
وفيه نشير الى أمرين هامين ضرورين للشروع :
الأمر الأول : ضرورة الوقوف في وجه الحرب الأيدلوجية المنظمة التي يعكف على شنها العالم الغربي والصهيونية العالمية ضد عالمنا الإسلامي بغية مصادرة عقيدته ودينه التي تقف سداً منيعاً للسيطرة على مقدراته وكنوزه وذخائره التي تزخر بها أعماق أراضيه على امتداد رقعته الجغرافية .
ولابد من التكاتف بين جميع المسلمين حكومات وشعوب من أجل وضع استرتيجية بعيدة المدى لتفويت الفرصة عليهم وافشال مؤامراتهم التي يحيكونها بشكل مستمر خصوصاً في ظل الإنجراف الى داخل دائرة نظام العولمة الجديد .
إن هناك هجمة منظمة ضد الإسلام تشنها وسائل الإعلام الغربي و عبر أدوات توجيه الرأي العام من صحافة وكتب ونشريات باتت في متناول الجميع وفي كل بيت حيث توجد خدمة الإنترنت ومستقبلات الفضائيات و كذلك المجلات والصحف التي تباع في أكشاك المحلات التجارية .
ولا بد من موازاتها في الردع بما يكفل تحقيق الحصانة والمنعة والحيلولة دون تأثيرها على عقول أبناء شعوبنا المسلمة وبشتى الأساليب والوسائل والأدوات الإعلامية المتاحة.
الأمر الثاني : ضرورة توعية المسلمين بمحاسن دينهم وقيمه السامية ومثله العليا وما ينبغي عليهم من الأخذ به من أسباب القوة والمنعة والتفوق في جميع ميادين الحياة في العلم والعمل والتقدم والرقي والإزدهار والإستقلال عن التبعية لغيرهم
<كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه> ( آل عمران ـ 110 )
<و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مسلمين > ( آل عمران ـ 139 )
وإذا كانت ولا تزال هناك محاولات دؤوبة ومتعمدة دائمة من أعداء الإسلام لقلب محاسن الإسلام الى مساوئ عبر التشويش المتعمد وتزوير الحقائق فليكن من قبلنا جهد دائم وسعي دؤوب عبر الفعاليات والأنشطة الثقافية المختلفة لبيان تلك المحاسن ومجالات التفوق وصور العظمة والشموخ التشريعي والأيدلوجي في ديننا الإسلامي .
وحيث أن العنوان لهذه الندوة يحمل مصطلح الميراث في الشريعة الإسلامية فهو يمثل مساحة محصورة من عالم الفقه الإسلامي ونظراً لوجود بعض النقاط الجديرة بالإثارة فقد جهد صانعوا حيل الإختراق الغربيين في حربهم الأيدلوجية الى تحويل تلك النقاط الى مادة خصبة للإثارة والتشويه خصوصاً في التباكي للمرأة لإثارتها ضد عقيدتها أولاً وضد الرجل ثانياً للمطالبة بإرجاع حقوقها المغتصبة بزعمهم.
وأن القرآن الكريم وبالتحديد في اية < يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء 11 ) وفي آية < وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءاً فللذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء ـ 176 ) يكرس التمييز ضد حقوقها ويسلبها مستحقها وأنه بذلك يضطهدها وينأى بها الى خلف الركب في الحقوق والإمتيازات .
هذه الهجمة طبعاً دون الإشارة الى الإمتيازات الجمة والحقوق الكثيرة التي كفلها الإسلام لها وكرمها بها ودون التنبيه الى المبدأ الذي قام عليه هذا التشريع ودون المقارنة بين المرأة في العالم الغربي والتي كانت في القرون الوسطى الى عهد قريب ليست مهضومة الحقوق فقط بل غير معترف بأنها إنسانة لها كرامة الإنسان وإنما كائن ليس بحيوان وليس بإنسان خلق لمهمة الإنجاب لإستمرار النسل وإشباع نزوة الرجل وتسليته وكسر شهوته .
التمهيد الثاني
ونتطرق فيه الى تعريف الإسلام وما يتيحه لنا من وظائف
لقد عرف العلماء الإسلام بأنه عبارة عن التسليم والإنقياد للأوامر والنواهي الإلهية وتلقيها بالقبول والطاعة وبذل الجهد والطاقة
وهذا التعريف إنما هو التعريف بالمعنى الأخص الذي له وثيق الصلة بفعل الإنسان فيما هو مكلف به في مواضع الإبتلاء اليومي .
لذا فنحن بحكم التبعية والإنقياد مأمورون بالتسليم والإمتثال لما نتلقاه من أوامر خاطبتنا بها الشريعة الإسلامية سواء كانت بصفة الإلزام عبر الواجبات أو بصفة الرجحان والترغيب عبر المندوبات والآداب والسنن .
ومأمورون كذلك في المقابل بالكف عن ارتكاب أمور نهتنا عنها بصفة الإلزام عبر النهي والتحريم أو بصفة رجحان الترك عبر الكراهة.
ولكن هناك تعريف بالمعنى الأعم يمكن إيجازه بأنه عبارة عن مجموع المعارف و العلوم والرؤى والمفاهيم والأفكار والقوانين والأحكام والمبادئ والمثل والقيم التي جاء ت وجادت بها الشريعة الإسلامية عبر مصادرها التشريعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
و نحن بحكم المفهوم الأعم مأمورون بتحصيل تلك العلوم والمعارف والمفاهيم والمبادئ والسير على خطاها وانتهاجها في الحياة وهذا هو الذي حرك الثورة العلمية في أعماق المسلمين منذ العهود الأولى لفجر الإسلام ودعاهم لتأسيس النهضة العلمية الشاملة وغزو العالم بها في عصورهم الذهبية الأولى التي سجلها التاريخ بأحرف من نور .
و من خلال هذا التوضيح لابد لنا من التفريق بين الأحكام التي لها صفة العبودية والإمتثال والتي يجب علينا التقيد بها والإلتزام بحدودها وضمن دائرتها .
وبين ما ينبغي تحصيله من المعارف والعلوم والمبادئ الكونية واكتشافه من قوانين الوجود في هذا العالم لإستثمارها فيما نحتاج اليه من منافع لاشباع رغباتنا المادية الحسية ورفاهيتناكما قال سبحانه وتعالى <هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً >( البقرة ـ 29
<وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه > ( الجاثية ـ 13 )
وعند العودة الى ما نحن فيه هل يمكننا القول بأننا مكلفون بمعرفة أسباب وعلل الأحكام لنمتثل بها ؟ وفيما لو لم نقتنع هل يحق لنا العصيان والتمرد عليها
والتمثيل بعنوان (الحكمة من توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية ) الذي نحن بصدد الحديث عنه هو مثال واحد ضمن أمثلة كثيرة لا حصر لها في الفقه الإسلامي يمكن إثارتها وعنونتها بعناوين خاصة بها ضمن دائرة الموضوع نفسه .
مما قدمناه وأشرنا اليه ينبغي أن لا يصل بنا الأمر الى القول بمثل ذلك والخلط بين المفاهيم طبقاً لضيق وسعة مفهومي الإسلام بعناه الخاص أو معناه الأعم الذي أشرنا اليهما
قال سبحانه وتعالى :
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (الأحزاب ــ63).
{من يعصِ اللّه ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها} (النساء ــ41).
وبغض النظر عن النصوص الخاصة بذلك نجد أن جميع القوانين الوضعية تأبى ذلك
إذ لو كان الأمر كذلك للزم تعطيل كل القوانين و أدى ذلك الى الهرج والفوضى حتى يقتنع جميع المواطنين بجميع القوانين والقرارات التي سنتها الدولة في جميع المجالات التي وضعت فيها لكي يعمل بها ومالم يقتنع فليس من أحد الحق في الزامه بها .
فإذا كانت أهمية هذه الفرضية البديهية في الحياة العامة في ظل سلطة القانون ودولة القانون الوضعي لا يختلف عليها اثنان فكيف لا نطبقها نفسها وبحذافيرها فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية التي هي من مشرع رتبة تشريعه فوق رتبة تشريع البشر وحاكم عليها ، وما يرد من نقض وانتقاض وانتقاص هناك يرد هنا بعينه لأن نظم الأمور والقوانين الكفيلة بإقراره هي في كل تشريع أساس انتظام الوجود والحياة العاقلة التي تتجسد في مجتمع الإنسان وعالمه .
التمهيد الثالث
الأحكام التكليفية في الحكمة الإلهية الخاصة بفعل المكلف تنحصر في خمسة عناوين : < الوجوب والحرمة والإستحباب والكراهة والإباحة >
وقد دلت الكثير من النصوص على أن مامن حكم إلا ويبتني على ما فيه مصلحةللإنسان سواء ادرك هو هذة المصلحة وتعقلها أو لم يدركها ولم يحط بها .
كما أن الأحكام لها علل حَكَمِيّة وعلل حُكْمِيّة
والعِلَل الحَكَمِيّة منها ماهو خفي ومنها ماهو واضح جلي
وأما العلل الحُكْمِيَّة فمنها ما هو منصوص العلة ويتوقف الحكم عليها وجوداً وعدماً
ومنها ماهو مستنبط العلة ومنها ماهو غير معلل لم نكلف بطلب البحث ومعرفة علله التي يبتني عليها .
يضاف الى ذلك أن في الشريعة الإسلامية من الخصائص الكثيرة التي تنص على جملة من الثوابت والأصول التي تضفي على الشريعة جملة من السمات المثالية المتكاملة
فمن تلك الخصائص <الربانيّة) وتعني وثاقة الصلة باللّه ويتحقق ذلك عن طريقين:
1 ـ ربانية الغاية والجهة .
2 ـ ربانية المصدر والمنهج .
وخاصية (الإٍنْسَانِيَّة)
ويمكن أن نلحظها جليّاً من خلال مجمل المحاور الرئيسيّة التالية:
(المحور الأول) ما يتناول حفظ النفس ووقايتها :
{من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها ابداً} (النساء ــ39).
{من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً} (المائدة ــ23).
(المحور الثاني) ما يتناول حفظ المال والعرض
{السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (المائدة ــ83).
{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} (النور ــ2).
(المحور الثالث) ما يتناول حفظ الحقوق العامّة:
{ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلّكم تتقون} (البقرة ــ971).
{من يعصِ اللّه ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها} (النساء ــ41).
{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} (الحجرات ــ11).
{ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً} (الحجرات ــ21).
وخاصيّة ( الواقعيّة )
ولها معان:
(الأول) المطابقية بين أحكامه وتقنيناته وبين موضوعاتها .
(الثاني) واقعيّة المصداقية الالهيّة وربّانيّة التشريع.
(الثالث) واقعيّة التجانس الفطري وملائمة أحكامه للفطرة وتوافقها معها .
وخاصية (البرهانيّــة والاقناعيّــة )
قال تعالى: {تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (الأنبياء ــ42).
{ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلِمَ تحاجّون فيما ليس لكم به علم} (آل عمران ــ66).
{قل فأتوا بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} (القصص ــ94).
فالميزة الاساسية للوحي الخاتم المنزل على خاتم المرسلين تتمثل فيما يرتكز عليه من فهم معنوي دقيق للحياة ، واحساس خلقي بها ، والخط العريض في هذا النظام هو اعتبار الفرد والمجتمع معاً وتأمين الحياة الفردية والإجتماعيّة بشكل متوازن.وضمان السعادة الأخرويّة مضافاً للدنيويّة.
آيات الميراث
أهم ماجاء منها من آيات ورد ذكرها في سورة النساء :
1 ـ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}(النساء/7).
2 ـ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا}(النساء/.
3 ـ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَِلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَِلأَمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَِلأَمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}(النساء/11).
4 ـ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }(النساء/12).
5 ـ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(النساء/13). {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }(النساء/14).
6 ـ {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(النساء/32).
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}(النساء/33).
7 ـ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}(النساء/34).
7 ـ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء/40).
8 ـ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(النساء/176).
سهام الميراث
هناك ست نسب مقدرة ( فروض ) ورد النص عليها في القرآن الكريم من مجمل الآيات هي :
النصف ـ الربع ـ الثمن ـ الثلث ـ الثلثان ـ السدس
وتفصيل توزيعها:
1 ـ النصف
للزوج
للبنت الواحدة
للأخت من الأبوين
2 ـ الربع
للزوج ولها ولد
للزوجة مع عدم الولد
3 ـ الثمن
للزوجة مع الأولاد
4 ـ الثلث
للأم مع عدم الأولاد
للأخوين فأكثر
5 ـ الثلثان
للبنتين فصاعداً
للأختين فصاعداً
6 ـ السدس
للأب وللأم مع وجود أولاد للمتوفى
للأخوة من الأم
للأخ والأخت من الأم
مراتب الميراث
هناك ثلاث طبقات ومراتب للميراث لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود احد الأفراد من المرتبة السابقة وهي :
المرتبة الأولى :الأبوان والأولاد وإن نزلوا.
المرتبة الثانية :الأجداد والإخوة .
المرتبة الثالثة : الأعمام والأخوال
وأهم قضية كما سبق وأن أشرنا اليها في الميراث هي : < كون ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر> كما ورد النص عليه في قوله تعالى :< للذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء ـ 11) و< فللذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء ـ 176 ) .
وقد ورد في علّة ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة ( أي دية ) ، وإنما ذلك على الرجال فلذلك جعل للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين .
( الوسائل ج 26 ص 93 ) .
و روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال : علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي ، فلذلك وفّر على الرجال .
وعلّة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى لأنّ الأنثى في عيال الذكر إذا احتاجت وعليه أن يعولها ، وعليه نفقتها ، وليس على المرأة أن تعول الرجل ، ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج ، فوفّر على الرجال لذلك ،وذلك قول اللّه عزوجلّ :< الرجال قوّامون على النساء بما فضل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم > (النساء ـ 34 ).
فالشريعة الإسلامية كل مترابط تكمل أحكامها بعضها البعض وشموليتها للمكان والانسان والزمان من الأمور التي تلاحظ في جميع تشريعاته التي سنها لعامة المكلفين
قال تعالى :> ولكل أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون<(يونس ـ 48)
ففي الوقت الذي يسوي بينهما في التكليف والجزاء
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}(النساء/124).
نلاحظ أنّه أ ورد استثناءات خاصة لكل منهما، من ذلك ما نلاحظه من ضمن التشريع الخاص بالرجل أنه يجب عليه :
1 ـ المهر للزوجة
2 ـ نفقة الزوجة
3 ـ نفقة الوالدين وإن علوا
4 ـ نفقة الأولاد وإن نزلوا
5 ـ نفقة الأقارب على جهة الندب
6 ـ الجهاد بالمال
7 ـ الدية في العاقلة ( دية الخطأ)
وفي المقابل عندما نلاحظ ضمن التشريع الخاص بالمرأة نجد أنه لا يجب عليها شيء من ذلك ، وأن ما تحصل عليه من أموال وإن تعددت مصادره من هبة أوهدية أو ميراث أو كسب أو أجرة تحصل عليها من عمل نجد أنّ كله لها وحدها ولا يجب عليها شيء
فلا يجب عليها الإنفاق على نفسها من مالها بالأصل.
ولا يجب عليها مهر ، ولا يجب عليها الإنفاق على زوجها و لا على نفسها ولو أنفقت كان لها الحق في احتسايه كدين يلزم بسداده متى ما أيسر .
ولا يجب عليها خدمة الزوج ولها احتساب أجرة على ذلك زيادة على ما تتقاضاه من نفقة لها .
ولا يجب عليها الجهاد بمالها وإنما لها التطوّع بذلك وفي جميع موارد الصرف الأخرى ، ولا يحق لوالدها ولا لزوجها وضع اليد على مالها أو التصرف به بدون رضاها وموافقتها والإذن منها .
من خلال هذا التشريع الشمولي والتكريمي للمرأة واستناداً لمجمل ذلك نجد أن تشريع حصة الأنثى قد تم في قبال المسؤوليات الجمّة التي تنتظر الحصة التي سيتقاضاها الذكر فكيف يتصور أن في ذلك حيف وإخلال في موازين العدل أو هضم لحق المرأة .
بل ينبغي أن يعتبر مثل ذلك إمتيازاً آخر يضاف الى امتيازاتها الأخرى التي كرمها الإسلام بها لأنّ حصتها ستكون لها لوحدها وبدون التزامات مالية ملقاة على كاهلها وأعباء تثقل بها .
ومما يختص به فقه الشيعة الإمامية في الميراث أمور أهمها:
1 ـ ميراث الزوجة
حيث تستحق الزوجة الثمن إذا كان لها أولاد والربع مع عدم الأولاد لزوجها المتوفي سواء كان منها أو من غيرها .
وهنا موضعان جديران بالإشارة والتنبيه عليهما :
الموضع الأول :اختصاص الميراث بالنقود والعروش دون العقار
يذهب علماء الشيعة الإمامية الى عدم استحقاق الزوجة من العقارات التي تدخل ضمن وعاء التركة، ويحصرون حصتها من الميراث في خصوص النقود والعروش ومما ينقل ويحول مما دخل ضمن موجودات وعاء التركة دون الأراضي سواء كانت للسكنى أو ضياع وبساتين أو جرداء خالية .
والعلة فيه استناداً للنصوص المعللة لذلك بالحيلولة دون نشوب خصومات في العقار الذي يتعذر اقتسامه إذا تزوجت بزوج آخر بعد وفاة زوجها مورثها.
ولما سئل الإمام الصادق عليه السلام عن علة ذلك أجاب بقوله : لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به ، وإنما هي دخيل عليهم إنما صار هذا كذا لئلا تتزوّج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم .
( الوسائل ج 26 ص 207 )
وفي حديث آخر قال عليه السلام :
لا ترث النساء ( يقصد الزوجات خاصة ) من عقار الدور شيئاً ، ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها قال : وإنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم .
( الوسائل ج 26 ص 208 )
الموضع الثاني : استحقاق الزوجة التي تطلق في مرض الموت للميراث
إذا طلق المريض زوجته لئلا ترث منه شيئاً ثم مات ولو بعد انقضاء عدّة طلاقها منه ورثت منه رغماً عنه ما لم تمض سنة على تاريخ الطلاق وإن ماتت هي في تلك الفترة لم يرثها .
العلة في ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال عندما سأله أحد أصحابه عن العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض في حال الإضرار ورثته ، ولم يرثها وما حد الإضرار عليه فقال : هو الإضرار ومعنى الإضرار منعه إيّاها ميراثها منه ، فألزم الميراث عقوبة.
(الوسائل ج 26 ص 228 )
وإذا تزوج في أثناء مرض الموت فإن دخل بها ورثت وإن لم يدخل بها لم ترث مع جملة الورثة .
2 ـ الحبوة
أي العطية ويحبى أي يعطى الإبن الأكبر من تركة أبيه زيادة على ما يستحقه من ميراث جملة من متروكاته وهي : ثيابه وخاتمه و مصحفه وكتبه ورحله وراحلته وسيفه .
والعلة في ذلك
لأنه الوصي الشرعي الذي يتحمل التجهير والدفن ويتحمل أعباء ما يوصي به الوصي من أمور أداء الحقوق التي له أو عليه .
والحمد للّه أولاً وآخراً وصلى اللّه وبارك على تبينا محمد وآله
والسلام عليكم ورحمة اللّه و بركاته
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد المصطفى وآله الهداة المهديين وأصحابه المنتجبين .
اثمن هذا الجهد وهذه البادرة الكريمة التي تحتضنها جمعية الملتقى الثقافي الأهلي وأتوجه بالشكر الجزيل على دعوتي للمشاركة في هذه الندوة وأشكر القائمين على تنظيم برامجها وأخص بالذكر رئيسها الفخري الوجيه عبد الرحمن جاسم كانو ورئيس مجلس ادارتها الأستاذ علي عبد الله خليفة تلك البرامج والفعاليات التي تساهم بلا شك في اثراء وترشيد الفكر المعاصر لجيلنا وأجيال المستقبل على هذه الأرض الطيبة .
وحيث أن عنوان هذا الملتقى الطيب هو الحديث عن
حكمة توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية)
فلابد لنا أن نشير بادئ بدء الى ثلاثة تمهيدات :
التمهيد الأول
وفيه نشير الى أمرين هامين ضرورين للشروع :
الأمر الأول : ضرورة الوقوف في وجه الحرب الأيدلوجية المنظمة التي يعكف على شنها العالم الغربي والصهيونية العالمية ضد عالمنا الإسلامي بغية مصادرة عقيدته ودينه التي تقف سداً منيعاً للسيطرة على مقدراته وكنوزه وذخائره التي تزخر بها أعماق أراضيه على امتداد رقعته الجغرافية .
ولابد من التكاتف بين جميع المسلمين حكومات وشعوب من أجل وضع استرتيجية بعيدة المدى لتفويت الفرصة عليهم وافشال مؤامراتهم التي يحيكونها بشكل مستمر خصوصاً في ظل الإنجراف الى داخل دائرة نظام العولمة الجديد .
إن هناك هجمة منظمة ضد الإسلام تشنها وسائل الإعلام الغربي و عبر أدوات توجيه الرأي العام من صحافة وكتب ونشريات باتت في متناول الجميع وفي كل بيت حيث توجد خدمة الإنترنت ومستقبلات الفضائيات و كذلك المجلات والصحف التي تباع في أكشاك المحلات التجارية .
ولا بد من موازاتها في الردع بما يكفل تحقيق الحصانة والمنعة والحيلولة دون تأثيرها على عقول أبناء شعوبنا المسلمة وبشتى الأساليب والوسائل والأدوات الإعلامية المتاحة.
الأمر الثاني : ضرورة توعية المسلمين بمحاسن دينهم وقيمه السامية ومثله العليا وما ينبغي عليهم من الأخذ به من أسباب القوة والمنعة والتفوق في جميع ميادين الحياة في العلم والعمل والتقدم والرقي والإزدهار والإستقلال عن التبعية لغيرهم
<كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه> ( آل عمران ـ 110 )
<و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مسلمين > ( آل عمران ـ 139 )
وإذا كانت ولا تزال هناك محاولات دؤوبة ومتعمدة دائمة من أعداء الإسلام لقلب محاسن الإسلام الى مساوئ عبر التشويش المتعمد وتزوير الحقائق فليكن من قبلنا جهد دائم وسعي دؤوب عبر الفعاليات والأنشطة الثقافية المختلفة لبيان تلك المحاسن ومجالات التفوق وصور العظمة والشموخ التشريعي والأيدلوجي في ديننا الإسلامي .
وحيث أن العنوان لهذه الندوة يحمل مصطلح الميراث في الشريعة الإسلامية فهو يمثل مساحة محصورة من عالم الفقه الإسلامي ونظراً لوجود بعض النقاط الجديرة بالإثارة فقد جهد صانعوا حيل الإختراق الغربيين في حربهم الأيدلوجية الى تحويل تلك النقاط الى مادة خصبة للإثارة والتشويه خصوصاً في التباكي للمرأة لإثارتها ضد عقيدتها أولاً وضد الرجل ثانياً للمطالبة بإرجاع حقوقها المغتصبة بزعمهم.
وأن القرآن الكريم وبالتحديد في اية < يوصيكم اللّه في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء 11 ) وفي آية < وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءاً فللذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء ـ 176 ) يكرس التمييز ضد حقوقها ويسلبها مستحقها وأنه بذلك يضطهدها وينأى بها الى خلف الركب في الحقوق والإمتيازات .
هذه الهجمة طبعاً دون الإشارة الى الإمتيازات الجمة والحقوق الكثيرة التي كفلها الإسلام لها وكرمها بها ودون التنبيه الى المبدأ الذي قام عليه هذا التشريع ودون المقارنة بين المرأة في العالم الغربي والتي كانت في القرون الوسطى الى عهد قريب ليست مهضومة الحقوق فقط بل غير معترف بأنها إنسانة لها كرامة الإنسان وإنما كائن ليس بحيوان وليس بإنسان خلق لمهمة الإنجاب لإستمرار النسل وإشباع نزوة الرجل وتسليته وكسر شهوته .
التمهيد الثاني
ونتطرق فيه الى تعريف الإسلام وما يتيحه لنا من وظائف
لقد عرف العلماء الإسلام بأنه عبارة عن التسليم والإنقياد للأوامر والنواهي الإلهية وتلقيها بالقبول والطاعة وبذل الجهد والطاقة
وهذا التعريف إنما هو التعريف بالمعنى الأخص الذي له وثيق الصلة بفعل الإنسان فيما هو مكلف به في مواضع الإبتلاء اليومي .
لذا فنحن بحكم التبعية والإنقياد مأمورون بالتسليم والإمتثال لما نتلقاه من أوامر خاطبتنا بها الشريعة الإسلامية سواء كانت بصفة الإلزام عبر الواجبات أو بصفة الرجحان والترغيب عبر المندوبات والآداب والسنن .
ومأمورون كذلك في المقابل بالكف عن ارتكاب أمور نهتنا عنها بصفة الإلزام عبر النهي والتحريم أو بصفة رجحان الترك عبر الكراهة.
ولكن هناك تعريف بالمعنى الأعم يمكن إيجازه بأنه عبارة عن مجموع المعارف و العلوم والرؤى والمفاهيم والأفكار والقوانين والأحكام والمبادئ والمثل والقيم التي جاء ت وجادت بها الشريعة الإسلامية عبر مصادرها التشريعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
و نحن بحكم المفهوم الأعم مأمورون بتحصيل تلك العلوم والمعارف والمفاهيم والمبادئ والسير على خطاها وانتهاجها في الحياة وهذا هو الذي حرك الثورة العلمية في أعماق المسلمين منذ العهود الأولى لفجر الإسلام ودعاهم لتأسيس النهضة العلمية الشاملة وغزو العالم بها في عصورهم الذهبية الأولى التي سجلها التاريخ بأحرف من نور .
و من خلال هذا التوضيح لابد لنا من التفريق بين الأحكام التي لها صفة العبودية والإمتثال والتي يجب علينا التقيد بها والإلتزام بحدودها وضمن دائرتها .
وبين ما ينبغي تحصيله من المعارف والعلوم والمبادئ الكونية واكتشافه من قوانين الوجود في هذا العالم لإستثمارها فيما نحتاج اليه من منافع لاشباع رغباتنا المادية الحسية ورفاهيتناكما قال سبحانه وتعالى <هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً >( البقرة ـ 29
<وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه > ( الجاثية ـ 13 )
وعند العودة الى ما نحن فيه هل يمكننا القول بأننا مكلفون بمعرفة أسباب وعلل الأحكام لنمتثل بها ؟ وفيما لو لم نقتنع هل يحق لنا العصيان والتمرد عليها
والتمثيل بعنوان (الحكمة من توزيع الميراث في الشريعة الإسلامية ) الذي نحن بصدد الحديث عنه هو مثال واحد ضمن أمثلة كثيرة لا حصر لها في الفقه الإسلامي يمكن إثارتها وعنونتها بعناوين خاصة بها ضمن دائرة الموضوع نفسه .
مما قدمناه وأشرنا اليه ينبغي أن لا يصل بنا الأمر الى القول بمثل ذلك والخلط بين المفاهيم طبقاً لضيق وسعة مفهومي الإسلام بعناه الخاص أو معناه الأعم الذي أشرنا اليهما
قال سبحانه وتعالى :
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} (الأحزاب ــ63).
{من يعصِ اللّه ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها} (النساء ــ41).
وبغض النظر عن النصوص الخاصة بذلك نجد أن جميع القوانين الوضعية تأبى ذلك
إذ لو كان الأمر كذلك للزم تعطيل كل القوانين و أدى ذلك الى الهرج والفوضى حتى يقتنع جميع المواطنين بجميع القوانين والقرارات التي سنتها الدولة في جميع المجالات التي وضعت فيها لكي يعمل بها ومالم يقتنع فليس من أحد الحق في الزامه بها .
فإذا كانت أهمية هذه الفرضية البديهية في الحياة العامة في ظل سلطة القانون ودولة القانون الوضعي لا يختلف عليها اثنان فكيف لا نطبقها نفسها وبحذافيرها فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية التي هي من مشرع رتبة تشريعه فوق رتبة تشريع البشر وحاكم عليها ، وما يرد من نقض وانتقاض وانتقاص هناك يرد هنا بعينه لأن نظم الأمور والقوانين الكفيلة بإقراره هي في كل تشريع أساس انتظام الوجود والحياة العاقلة التي تتجسد في مجتمع الإنسان وعالمه .
التمهيد الثالث
الأحكام التكليفية في الحكمة الإلهية الخاصة بفعل المكلف تنحصر في خمسة عناوين : < الوجوب والحرمة والإستحباب والكراهة والإباحة >
وقد دلت الكثير من النصوص على أن مامن حكم إلا ويبتني على ما فيه مصلحةللإنسان سواء ادرك هو هذة المصلحة وتعقلها أو لم يدركها ولم يحط بها .
كما أن الأحكام لها علل حَكَمِيّة وعلل حُكْمِيّة
والعِلَل الحَكَمِيّة منها ماهو خفي ومنها ماهو واضح جلي
وأما العلل الحُكْمِيَّة فمنها ما هو منصوص العلة ويتوقف الحكم عليها وجوداً وعدماً
ومنها ماهو مستنبط العلة ومنها ماهو غير معلل لم نكلف بطلب البحث ومعرفة علله التي يبتني عليها .
يضاف الى ذلك أن في الشريعة الإسلامية من الخصائص الكثيرة التي تنص على جملة من الثوابت والأصول التي تضفي على الشريعة جملة من السمات المثالية المتكاملة
فمن تلك الخصائص <الربانيّة) وتعني وثاقة الصلة باللّه ويتحقق ذلك عن طريقين:
1 ـ ربانية الغاية والجهة .
2 ـ ربانية المصدر والمنهج .
وخاصية (الإٍنْسَانِيَّة)
ويمكن أن نلحظها جليّاً من خلال مجمل المحاور الرئيسيّة التالية:
(المحور الأول) ما يتناول حفظ النفس ووقايتها :
{من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها ابداً} (النساء ــ39).
{من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً} (المائدة ــ23).
(المحور الثاني) ما يتناول حفظ المال والعرض
{السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} (المائدة ــ83).
{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} (النور ــ2).
(المحور الثالث) ما يتناول حفظ الحقوق العامّة:
{ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلّكم تتقون} (البقرة ــ971).
{من يعصِ اللّه ورسوله ويتعدَّ حدوده يدخله ناراً خالداً فيها} (النساء ــ41).
{يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب} (الحجرات ــ11).
{ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً} (الحجرات ــ21).
وخاصيّة ( الواقعيّة )
ولها معان:
(الأول) المطابقية بين أحكامه وتقنيناته وبين موضوعاتها .
(الثاني) واقعيّة المصداقية الالهيّة وربّانيّة التشريع.
(الثالث) واقعيّة التجانس الفطري وملائمة أحكامه للفطرة وتوافقها معها .
وخاصية (البرهانيّــة والاقناعيّــة )
قال تعالى: {تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (الأنبياء ــ42).
{ها أنتم حاججتم فيما لكم به علم فلِمَ تحاجّون فيما ليس لكم به علم} (آل عمران ــ66).
{قل فأتوا بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} (القصص ــ94).
فالميزة الاساسية للوحي الخاتم المنزل على خاتم المرسلين تتمثل فيما يرتكز عليه من فهم معنوي دقيق للحياة ، واحساس خلقي بها ، والخط العريض في هذا النظام هو اعتبار الفرد والمجتمع معاً وتأمين الحياة الفردية والإجتماعيّة بشكل متوازن.وضمان السعادة الأخرويّة مضافاً للدنيويّة.
آيات الميراث
أهم ماجاء منها من آيات ورد ذكرها في سورة النساء :
1 ـ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا}(النساء/7).
2 ـ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا}(النساء/.
3 ـ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَِلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَِلأَمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَِلأَمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}(النساء/11).
4 ـ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ }(النساء/12).
5 ـ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(النساء/13). {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ }(النساء/14).
6 ـ {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(النساء/32).
{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}(النساء/33).
7 ـ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}(النساء/34).
7 ـ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}(النساء/40).
8 ـ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(النساء/176).
سهام الميراث
هناك ست نسب مقدرة ( فروض ) ورد النص عليها في القرآن الكريم من مجمل الآيات هي :
النصف ـ الربع ـ الثمن ـ الثلث ـ الثلثان ـ السدس
وتفصيل توزيعها:
1 ـ النصف
للزوج
للبنت الواحدة
للأخت من الأبوين
2 ـ الربع
للزوج ولها ولد
للزوجة مع عدم الولد
3 ـ الثمن
للزوجة مع الأولاد
4 ـ الثلث
للأم مع عدم الأولاد
للأخوين فأكثر
5 ـ الثلثان
للبنتين فصاعداً
للأختين فصاعداً
6 ـ السدس
للأب وللأم مع وجود أولاد للمتوفى
للأخوة من الأم
للأخ والأخت من الأم
مراتب الميراث
هناك ثلاث طبقات ومراتب للميراث لا يرث أحد من المرتبة التالية مع وجود احد الأفراد من المرتبة السابقة وهي :
المرتبة الأولى :الأبوان والأولاد وإن نزلوا.
المرتبة الثانية :الأجداد والإخوة .
المرتبة الثالثة : الأعمام والأخوال
وأهم قضية كما سبق وأن أشرنا اليها في الميراث هي : < كون ميراث الأنثى نصف ميراث الذكر> كما ورد النص عليه في قوله تعالى :< للذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء ـ 11) و< فللذكر مثل حظ الأنثيين > ( النساء ـ 176 ) .
وقد ورد في علّة ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : إن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة ( أي دية ) ، وإنما ذلك على الرجال فلذلك جعل للمرأة سهماً واحداً وللرجل سهمين .
( الوسائل ج 26 ص 93 ) .
و روي عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال : علة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأنّ المرأة إذا تزوجت أخذت والرجل يعطي ، فلذلك وفّر على الرجال .
وعلّة أخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى لأنّ الأنثى في عيال الذكر إذا احتاجت وعليه أن يعولها ، وعليه نفقتها ، وليس على المرأة أن تعول الرجل ، ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج ، فوفّر على الرجال لذلك ،وذلك قول اللّه عزوجلّ :< الرجال قوّامون على النساء بما فضل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم > (النساء ـ 34 ).
فالشريعة الإسلامية كل مترابط تكمل أحكامها بعضها البعض وشموليتها للمكان والانسان والزمان من الأمور التي تلاحظ في جميع تشريعاته التي سنها لعامة المكلفين
قال تعالى :> ولكل أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون<(يونس ـ 48)
ففي الوقت الذي يسوي بينهما في التكليف والجزاء
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}(النساء/124).
نلاحظ أنّه أ ورد استثناءات خاصة لكل منهما، من ذلك ما نلاحظه من ضمن التشريع الخاص بالرجل أنه يجب عليه :
1 ـ المهر للزوجة
2 ـ نفقة الزوجة
3 ـ نفقة الوالدين وإن علوا
4 ـ نفقة الأولاد وإن نزلوا
5 ـ نفقة الأقارب على جهة الندب
6 ـ الجهاد بالمال
7 ـ الدية في العاقلة ( دية الخطأ)
وفي المقابل عندما نلاحظ ضمن التشريع الخاص بالمرأة نجد أنه لا يجب عليها شيء من ذلك ، وأن ما تحصل عليه من أموال وإن تعددت مصادره من هبة أوهدية أو ميراث أو كسب أو أجرة تحصل عليها من عمل نجد أنّ كله لها وحدها ولا يجب عليها شيء
فلا يجب عليها الإنفاق على نفسها من مالها بالأصل.
ولا يجب عليها مهر ، ولا يجب عليها الإنفاق على زوجها و لا على نفسها ولو أنفقت كان لها الحق في احتسايه كدين يلزم بسداده متى ما أيسر .
ولا يجب عليها خدمة الزوج ولها احتساب أجرة على ذلك زيادة على ما تتقاضاه من نفقة لها .
ولا يجب عليها الجهاد بمالها وإنما لها التطوّع بذلك وفي جميع موارد الصرف الأخرى ، ولا يحق لوالدها ولا لزوجها وضع اليد على مالها أو التصرف به بدون رضاها وموافقتها والإذن منها .
من خلال هذا التشريع الشمولي والتكريمي للمرأة واستناداً لمجمل ذلك نجد أن تشريع حصة الأنثى قد تم في قبال المسؤوليات الجمّة التي تنتظر الحصة التي سيتقاضاها الذكر فكيف يتصور أن في ذلك حيف وإخلال في موازين العدل أو هضم لحق المرأة .
بل ينبغي أن يعتبر مثل ذلك إمتيازاً آخر يضاف الى امتيازاتها الأخرى التي كرمها الإسلام بها لأنّ حصتها ستكون لها لوحدها وبدون التزامات مالية ملقاة على كاهلها وأعباء تثقل بها .
ومما يختص به فقه الشيعة الإمامية في الميراث أمور أهمها:
1 ـ ميراث الزوجة
حيث تستحق الزوجة الثمن إذا كان لها أولاد والربع مع عدم الأولاد لزوجها المتوفي سواء كان منها أو من غيرها .
وهنا موضعان جديران بالإشارة والتنبيه عليهما :
الموضع الأول :اختصاص الميراث بالنقود والعروش دون العقار
يذهب علماء الشيعة الإمامية الى عدم استحقاق الزوجة من العقارات التي تدخل ضمن وعاء التركة، ويحصرون حصتها من الميراث في خصوص النقود والعروش ومما ينقل ويحول مما دخل ضمن موجودات وعاء التركة دون الأراضي سواء كانت للسكنى أو ضياع وبساتين أو جرداء خالية .
والعلة فيه استناداً للنصوص المعللة لذلك بالحيلولة دون نشوب خصومات في العقار الذي يتعذر اقتسامه إذا تزوجت بزوج آخر بعد وفاة زوجها مورثها.
ولما سئل الإمام الصادق عليه السلام عن علة ذلك أجاب بقوله : لأنّ المرأة ليس لها نسب ترث به ، وإنما هي دخيل عليهم إنما صار هذا كذا لئلا تتزوّج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً آخرين في عقارهم .
( الوسائل ج 26 ص 207 )
وفي حديث آخر قال عليه السلام :
لا ترث النساء ( يقصد الزوجات خاصة ) من عقار الدور شيئاً ، ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها قال : وإنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم .
( الوسائل ج 26 ص 208 )
الموضع الثاني : استحقاق الزوجة التي تطلق في مرض الموت للميراث
إذا طلق المريض زوجته لئلا ترث منه شيئاً ثم مات ولو بعد انقضاء عدّة طلاقها منه ورثت منه رغماً عنه ما لم تمض سنة على تاريخ الطلاق وإن ماتت هي في تلك الفترة لم يرثها .
العلة في ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال عندما سأله أحد أصحابه عن العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض في حال الإضرار ورثته ، ولم يرثها وما حد الإضرار عليه فقال : هو الإضرار ومعنى الإضرار منعه إيّاها ميراثها منه ، فألزم الميراث عقوبة.
(الوسائل ج 26 ص 228 )
وإذا تزوج في أثناء مرض الموت فإن دخل بها ورثت وإن لم يدخل بها لم ترث مع جملة الورثة .
2 ـ الحبوة
أي العطية ويحبى أي يعطى الإبن الأكبر من تركة أبيه زيادة على ما يستحقه من ميراث جملة من متروكاته وهي : ثيابه وخاتمه و مصحفه وكتبه ورحله وراحلته وسيفه .
والعلة في ذلك
لأنه الوصي الشرعي الذي يتحمل التجهير والدفن ويتحمل أعباء ما يوصي به الوصي من أمور أداء الحقوق التي له أو عليه .
والحمد للّه أولاً وآخراً وصلى اللّه وبارك على تبينا محمد وآله
والسلام عليكم ورحمة اللّه و بركاته