لم يكن ممكناً ألا يكون لأحكام وقواعد الشريعة الإسلامية تأثير على أحكام القضاء في مصر بعد أن نص دستور سنة 1971 في مادته الثانية على أن : ( الإسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) ومن قبله كان دستور سنة 1923 في المادة 149 التي تنص على أن : ( الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغة رسمية ) ، ومن قبل كل ذلك كان القانون المدني المصري بالقانون رقم 131 لسنة 1948 ينص في المادة الأولى منه على أنه : ( إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ، حكم القاضي بمقتضى العرف ، فإذا لم يجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ، فإذا لم توجد ، فبمقتضى مبادئ القانوني الطبيعي ) ، وبذلك أصبحت الشريعة الإسلامية منذ العمل بأحكام هذا القانون المصدر الثالث الذي يستند إليه القاضي في حكمه ، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الغالبية العظمى من شعب مصر مسلمة وهو شعب بطبيعته متدين يرتضي قواعد الشريعة الإسلامية للحكم فيما ينشب بين أفراده من منازعات بل وقد يفضل ذلك على أي قانون وضعي ، والبقية الباقية من شعب مصر أقباط يدينون بالمسيحية السمحة ويجيدون اللغة العربية ولا تعرف غالبيتهم التعصب الذي تعرفه بعض شعوب العالم بل إن بعضهم يحفظ القرآن وبعض الأحاديث الشريفة ويستشهد بها في أحاديه وكتاباته والبعض يبحث في أحكام الشريعة الإسلامية ويتعمق ويقدم فيها برسالة دكتوراة ومنهم أستاذنا الدكتور / شفيق شحاته أحد أبرز رجال القانون الخاص في مصر والذي تقدم برسالة عن النظرية العامة للالتزامات في الشريعة الإسلامية وكان أحد المشرفين عليه هو العلامة الشيخ / أحمد إبراهيم .
ولم يكن ممكناً في هذا الجو العلمي السائد في مصر يحث جموع شعبه مسلمين وأقباط ألا تتأثر أحكم القضاء بقواعد الشريعة الإسلامية سواء منها القواعد الموضوعية أو الإجرائية على اختلاف أنواع القضايا التي تنظرها المحاكم وخاصة وأن بعض القوانين التي تطبقها هذه المحاكم قد تأثرت بهذه القواعد على اختلاف أنواعها مدنية وجنائية وأحوال شخصية ، فكان التأثير على الثالثة أشد فهي تستمد جميع قواعدها من الشريعة الإسلامية بحسبان أن الأمور التي تحكمها تتعلق بالأسرة وتكوينها وأمر هذا شأنه لا يمكن أن تحكمه إلا القواعد التي تنظم شعائر المسلمين أما النوعان الأول والثاني من القوانين وهي المدنية والجنائية فإن التأثير على الأول كان أشد من الثانية حيث استمدت القوانين المدنية بعض نصوصها وأحكامها من قواعد الشريعة الإسلامية مثل أحكام الشفعة والتعسف في استعمال الحق ، وأحكام الحكر والمريض مرض الموت ، أما في القانون الجنائي فإن تأثير الشريعة الإسلامية فيه أقل ، وفي القوانين التي تستمد أحكامها أو بعضها من الشريعة الإسلامية كان لابد للرجوع لهذه الأحكام سواء الموضوعية أو المتعلقة بالإثبات حتى غير التي تم تقنينها باعتبار أن هذه القواعد والأحكام هي المصدر التاريخي لها ولابد من الاستعانة به في تفسير هذه النصوص ومعرفة حكمها ومقاصدها والغاية منها وصولاً إلى وجه الحق فيما يعرض على القضاء من نزاع .
لما كان كل ذلك وكان يلزم لبيان مدى تأثير قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها على أحكام القضاء في مصر استعراض القضايا التي تأثرت فيها أحكام القضاء بهذه القواعد بالقدر الذي يسعف به الوقت ويحقق الغرض من هذا البحث مع وضع ترتيب لهذه القواعد حسب نوعها ومدى التأثير فيها ، وسنبدأ إن شاء الله بقواعد الإثبات باعتبارها تسبق القواعد الموضوعية في العمل وفي الحكم ، إذ لابد أولاً من ثبوت الواقعة محل النزاع قبل إنزال حكم القواعد الموضوعية عليها أما بالنسبة للقواعد الموضوعية فسنقوم بترتيبها حسب نوعها مدنية ، جنائية وأحوال شخصية ، ولما كانت الثالثة تستمد جميع قواعدها وأحكامها من الشريعة الإسلامية وبالتالي فإن التأثير عليها أشد بل هي تستوعبها من أولوها إلى أخرها ولذلك فإن الحديث عنها سيكون في أضيق الحدود أما القواعد من المدني والجنائي فهي النوعان اللذان سنحاول إلقاء الضوء على مدى تأثر أحكام القضاء فيهما بأحكام الشريعة الإسلامية .
لم نتمكن من العثور على أحكام كثيرة للقضاء المصري في المسائل الجنائية تبين أثر قواعد وأحكام الشرعية الإسلامية على هذا النوع من القضاء ومرجع ذلك أن جميع مواد القانون الجنائي وإجراءاته مستمدة من القوانين الغربية ولذلك فإن استدلال هذا النوع من القضاء بقواعد وأحكام الشريعة قليل ، كما أنه توجد القواعد المشتركة بين الفقة الغربي والشريعة الإسلامية والتي لا تختلف عليها شريعة تريد تحقيق العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه ومن الأمثلة على ذلك ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والضرورات تبيح المحظورات ، ولا ينسب لساكت قول ، و يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبراً ) .
فهذا أو غير من القواعد ذا ت الأصل الإسلامي أو الذي تشترك فيه الشريعة الإسلامية مع غيرها من الشرائع مما لا تختلف عليه شريعة من الشرائع ما يستدل به القضاء المصر أو يطبق أحكامه . ونسوق هنا بعض الأمثلة لما أخذت به أحكام القضاء الجنائي المصري من قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية :
قررت المحكمة أنه لابد من الجزم واليقين في تقرير ثبوت التهمة ، آخذاً بقاعدة الأصل في الإنسان البراءة وقاعدة ما ثبت باليقين لا يزول بالشك وهما قاعدتان من قواعد الشريعة الإسلامية في الفقة الجنائي ، على سبيل المثال الأحكام في الطعون أرقام 878 / 16 ق جلسة 15 / 4 / 1946 ، 422 / 20 ق جلسة 16 / 10 / 1950 ، ورقم 1545 /27 ق جلسة 17 / 3 / 1958 ) .
وقد استقر قضاء محكمة النقض على أنه لابد من استنتاج النتائج من وقائعها من الاعتماد على القاعدة الحكمية : قاعدة درء الحدود بالشبهات ( نقض 11 / 12 / 1930 مجموعة عمر للقواعد القانونية ج 2 رقم 129 ص 155 ) .
وجرى قضاء محكمة النقض على أن سكون المتهم لا يصلح أن يتخذ قرينة على ثبوت التهمة ضده ( نقض جلسة 18/3/1973 طعن رقم 60 / 23 ق ) وهذا تطبيق لقاعدة الفقه الإسلامي التي تقرر أنه لا ينسب لساكت قول .
هذا بالنسبة للقضاء الجنائي أما بالنسبة إلى القضاء المدني فإن تأثير قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية فهو أظهر وأكثر ويتجلى ذلك في قواعد الإثبات والقواعد الموضوعية وإذا كنا نتحدث عن القضاء المدني فإننا لا نعني بذلك القضايا المدنية المحصنة بل يدخل في ذلك جميع فروع القضاء المدني ومنها القضاء التجاري لأن هذه تطبق قواعد مشتركة بينها وإن تميز القضاء التجاري بقواعد خاصة به خاصة في الإثبات مقصود بها تسهيل التعامل ومراعاة ظروفه والتيسير فيه .
وسنبين أولاً بعض قواعد الإثبات في الشريعة الإسلامية ثم نورد تطبيقاتها القضائية .
ففي الإثبات مثلاً يقول المرحوم الأستاذ / عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي في الإسلام ( فرضت الشرعية الإسلامية الكتابة وسيلة لإثبات الدين المؤجل سواء كبرت فيه الدين أو صغرت وذلك في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وقوله : {.. وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ.. }البقرة282 ويدخل تحت لفظ الدين كل التزام أياً كان نوعه ، لأن الالتزام ليس إلا ديّناً في ذمة الملتزم للملتزم له ، فيدخل تحت لفظ الديّن ( القرض والرهن والبيع بثمن مؤجل والتعهد بعمل ، وغير ذلك ... ) .
وفي القانون التجاري حيث تتميز المعاملات بالسرعة والسهولة واليسر استثنت الشريعة من مبدأ الكتابة الدّين التجاري وأباحت إثباته بغير الكتابة من طرق الإثبات الأخرى ، وذلك في قوله تعالى : {.. إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا ..}البقرة282 والعلة في استثناء الديون التجارية من شرط الكتابة أن الصفقات التجارية تقتضي السرعة ولا تحتمل الانتظار واشتراط الكتابة فيها يؤدي إلى الحرج .
ومن المبادئ التي أرستها الشريعة مبدأ حماية الطرف الضعيف في العقد فأعطته الحق في أن يملي هو العقد في قوله تعالى : {.. وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ..}البقرة 282 وهذا المبدأ هو ما تحاول الحكومات الحديثة أن تفعله لحماية الطرف الضعيف في العقد بالتدخل في بعض بنوده بالنسبة لعقود العمل الفردية وما يعرف في الفقه بعقود الإذعان .
مبدأ آخر أقرته الشريعة الإسلامية ووضعت أساسه لحماية الصغار وذوي الاحتياجات الخاصة وذلك في قوله تعالى : {.. فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ..}البقرة282، وهذا هو مبدأ الولاية والوصاية على القصر والقوامة على الضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة وهو المبدأ المعمول به في مصر في قوانين الولاية على المال .
كل هذه المبادئ التي أقرتها الشريعة الإسلامية وجدت صداها في القوانين المصرية ووجدت طريقها إلى التطبيق في أحكام القضاء إلى جوار بعض الأحكام والقواعد الموضوعية التي شملتها القوانين المدنية والتجارية والأحوال الشخصية نفس ومال وسنتولى فيما يلي ضرب أمثلة لأحكام القضاء المصري في هذا الأمر .
ولم يكن ممكناً في هذا الجو العلمي السائد في مصر يحث جموع شعبه مسلمين وأقباط ألا تتأثر أحكم القضاء بقواعد الشريعة الإسلامية سواء منها القواعد الموضوعية أو الإجرائية على اختلاف أنواع القضايا التي تنظرها المحاكم وخاصة وأن بعض القوانين التي تطبقها هذه المحاكم قد تأثرت بهذه القواعد على اختلاف أنواعها مدنية وجنائية وأحوال شخصية ، فكان التأثير على الثالثة أشد فهي تستمد جميع قواعدها من الشريعة الإسلامية بحسبان أن الأمور التي تحكمها تتعلق بالأسرة وتكوينها وأمر هذا شأنه لا يمكن أن تحكمه إلا القواعد التي تنظم شعائر المسلمين أما النوعان الأول والثاني من القوانين وهي المدنية والجنائية فإن التأثير على الأول كان أشد من الثانية حيث استمدت القوانين المدنية بعض نصوصها وأحكامها من قواعد الشريعة الإسلامية مثل أحكام الشفعة والتعسف في استعمال الحق ، وأحكام الحكر والمريض مرض الموت ، أما في القانون الجنائي فإن تأثير الشريعة الإسلامية فيه أقل ، وفي القوانين التي تستمد أحكامها أو بعضها من الشريعة الإسلامية كان لابد للرجوع لهذه الأحكام سواء الموضوعية أو المتعلقة بالإثبات حتى غير التي تم تقنينها باعتبار أن هذه القواعد والأحكام هي المصدر التاريخي لها ولابد من الاستعانة به في تفسير هذه النصوص ومعرفة حكمها ومقاصدها والغاية منها وصولاً إلى وجه الحق فيما يعرض على القضاء من نزاع .
لما كان كل ذلك وكان يلزم لبيان مدى تأثير قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها على أحكام القضاء في مصر استعراض القضايا التي تأثرت فيها أحكام القضاء بهذه القواعد بالقدر الذي يسعف به الوقت ويحقق الغرض من هذا البحث مع وضع ترتيب لهذه القواعد حسب نوعها ومدى التأثير فيها ، وسنبدأ إن شاء الله بقواعد الإثبات باعتبارها تسبق القواعد الموضوعية في العمل وفي الحكم ، إذ لابد أولاً من ثبوت الواقعة محل النزاع قبل إنزال حكم القواعد الموضوعية عليها أما بالنسبة للقواعد الموضوعية فسنقوم بترتيبها حسب نوعها مدنية ، جنائية وأحوال شخصية ، ولما كانت الثالثة تستمد جميع قواعدها وأحكامها من الشريعة الإسلامية وبالتالي فإن التأثير عليها أشد بل هي تستوعبها من أولوها إلى أخرها ولذلك فإن الحديث عنها سيكون في أضيق الحدود أما القواعد من المدني والجنائي فهي النوعان اللذان سنحاول إلقاء الضوء على مدى تأثر أحكام القضاء فيهما بأحكام الشريعة الإسلامية .
لم نتمكن من العثور على أحكام كثيرة للقضاء المصري في المسائل الجنائية تبين أثر قواعد وأحكام الشرعية الإسلامية على هذا النوع من القضاء ومرجع ذلك أن جميع مواد القانون الجنائي وإجراءاته مستمدة من القوانين الغربية ولذلك فإن استدلال هذا النوع من القضاء بقواعد وأحكام الشريعة قليل ، كما أنه توجد القواعد المشتركة بين الفقة الغربي والشريعة الإسلامية والتي لا تختلف عليها شريعة تريد تحقيق العدل بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه ومن الأمثلة على ذلك ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والضرورات تبيح المحظورات ، ولا ينسب لساكت قول ، و يضاف الفعل إلى الفاعل لا إلى الآمر ما لم يكن مجبراً ) .
فهذا أو غير من القواعد ذا ت الأصل الإسلامي أو الذي تشترك فيه الشريعة الإسلامية مع غيرها من الشرائع مما لا تختلف عليه شريعة من الشرائع ما يستدل به القضاء المصر أو يطبق أحكامه . ونسوق هنا بعض الأمثلة لما أخذت به أحكام القضاء الجنائي المصري من قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية :
قررت المحكمة أنه لابد من الجزم واليقين في تقرير ثبوت التهمة ، آخذاً بقاعدة الأصل في الإنسان البراءة وقاعدة ما ثبت باليقين لا يزول بالشك وهما قاعدتان من قواعد الشريعة الإسلامية في الفقة الجنائي ، على سبيل المثال الأحكام في الطعون أرقام 878 / 16 ق جلسة 15 / 4 / 1946 ، 422 / 20 ق جلسة 16 / 10 / 1950 ، ورقم 1545 /27 ق جلسة 17 / 3 / 1958 ) .
وقد استقر قضاء محكمة النقض على أنه لابد من استنتاج النتائج من وقائعها من الاعتماد على القاعدة الحكمية : قاعدة درء الحدود بالشبهات ( نقض 11 / 12 / 1930 مجموعة عمر للقواعد القانونية ج 2 رقم 129 ص 155 ) .
وجرى قضاء محكمة النقض على أن سكون المتهم لا يصلح أن يتخذ قرينة على ثبوت التهمة ضده ( نقض جلسة 18/3/1973 طعن رقم 60 / 23 ق ) وهذا تطبيق لقاعدة الفقه الإسلامي التي تقرر أنه لا ينسب لساكت قول .
هذا بالنسبة للقضاء الجنائي أما بالنسبة إلى القضاء المدني فإن تأثير قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية فهو أظهر وأكثر ويتجلى ذلك في قواعد الإثبات والقواعد الموضوعية وإذا كنا نتحدث عن القضاء المدني فإننا لا نعني بذلك القضايا المدنية المحصنة بل يدخل في ذلك جميع فروع القضاء المدني ومنها القضاء التجاري لأن هذه تطبق قواعد مشتركة بينها وإن تميز القضاء التجاري بقواعد خاصة به خاصة في الإثبات مقصود بها تسهيل التعامل ومراعاة ظروفه والتيسير فيه .
وسنبين أولاً بعض قواعد الإثبات في الشريعة الإسلامية ثم نورد تطبيقاتها القضائية .
ففي الإثبات مثلاً يقول المرحوم الأستاذ / عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي في الإسلام ( فرضت الشرعية الإسلامية الكتابة وسيلة لإثبات الدين المؤجل سواء كبرت فيه الدين أو صغرت وذلك في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } وقوله : {.. وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ.. }البقرة282 ويدخل تحت لفظ الدين كل التزام أياً كان نوعه ، لأن الالتزام ليس إلا ديّناً في ذمة الملتزم للملتزم له ، فيدخل تحت لفظ الديّن ( القرض والرهن والبيع بثمن مؤجل والتعهد بعمل ، وغير ذلك ... ) .
وفي القانون التجاري حيث تتميز المعاملات بالسرعة والسهولة واليسر استثنت الشريعة من مبدأ الكتابة الدّين التجاري وأباحت إثباته بغير الكتابة من طرق الإثبات الأخرى ، وذلك في قوله تعالى : {.. إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا ..}البقرة282 والعلة في استثناء الديون التجارية من شرط الكتابة أن الصفقات التجارية تقتضي السرعة ولا تحتمل الانتظار واشتراط الكتابة فيها يؤدي إلى الحرج .
ومن المبادئ التي أرستها الشريعة مبدأ حماية الطرف الضعيف في العقد فأعطته الحق في أن يملي هو العقد في قوله تعالى : {.. وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ..}البقرة 282 وهذا المبدأ هو ما تحاول الحكومات الحديثة أن تفعله لحماية الطرف الضعيف في العقد بالتدخل في بعض بنوده بالنسبة لعقود العمل الفردية وما يعرف في الفقه بعقود الإذعان .
مبدأ آخر أقرته الشريعة الإسلامية ووضعت أساسه لحماية الصغار وذوي الاحتياجات الخاصة وذلك في قوله تعالى : {.. فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ..}البقرة282، وهذا هو مبدأ الولاية والوصاية على القصر والقوامة على الضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة وهو المبدأ المعمول به في مصر في قوانين الولاية على المال .
كل هذه المبادئ التي أقرتها الشريعة الإسلامية وجدت صداها في القوانين المصرية ووجدت طريقها إلى التطبيق في أحكام القضاء إلى جوار بعض الأحكام والقواعد الموضوعية التي شملتها القوانين المدنية والتجارية والأحوال الشخصية نفس ومال وسنتولى فيما يلي ضرب أمثلة لأحكام القضاء المصري في هذا الأمر .