فوجئ أحد مهندسي الصوت بمبني الإذاعة والتليفزيون أن المكالمات التي تمكن من تسجيلها لزوجته وعشيقها لن تمكنه من إدانتها بتهمة الزني ولكنها كافية جداً لدخوله السجن لمدة سنة بتهمة التعدي علي الحياة الخاصة لزوجته، بالإضافة الي مصادرة الأجهزة التي استخدمها في الحصول علي التسجيلات.
القانون هنا لم ير في طبيعة العلاقة بين المهندس وزوجته مبرراً للتنصت عليها حتي لو كشفت التسجيلات عن أنها بالفعل تخون زوجها، والقانون أيضاً لا يعترف بأي دليل يقدمه شخص ما حول ارتكاب شخص آخر ما يخالف القانون مهما كانت طبيعة الجريمة حتي لوكانت جريمة قتل لأن القانون يري أن الحفاظ علي الحياة الخاصة للمواطن من الانتهاك أهم وأخطر من مجرد اكتشاف مجرم أو ضبط جريمة ولهذا يستبعد القاضي أي تسجيلات تحصل عليها أجهزة الأمن كدليل مادي في القضية التي تنظرها إلا لو تمت هذه التسجيلات بإذن خاص من النيابة أو القاضي الجزئي وبناء علي تحريات جادة.
وتشدد المادة 309 من قانون العقوبات في عقاب كل من اعتدي علي حرمة الحياة الخاصة دون رضا من المجني عليه في غير الحالات التي سمح بها القانون سواء استراق السمع أو التسجيل أو النقل عن طريق اي جهاز أية محادثات جرت في مكان خاص أو من خلال التليفون أو التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه. ولا يفرق القانون بين المواطن العادي والموظف العام سواء كان ضابطاً في جهاز أمني أو في مؤسسة يمكن أن يتمكن موظفوها من اختراق خصوصية المواطنين فقد عاقبت المادة الموظف العام الذي يرتكب نفس الأفعال السابقة اعتماداً علي سلطة وظيفته بنفس العقوبة.وحتي لا يتم استخدام مواد مسجلة خاصة بمواطنين فقد حرص القانون في نفس المادة - 309 - علي التأكيد علي إعدام التسجيلات حتي لا تصبح حياة المواطن الخاصة معرضة للكشف بالمصادفة او الإهمال.كما قررت المادة مصادرة الأجهزة التي تم استخدامها في التسجيل أو التصوير.
الغريب أن القانون المصري لم ينص في مواده علي عقوبة لجريمة انتهاك الحياة الخاصة قبل سنة 1972 في القانون رقم 37 والذي تم تعديله سنة 1995 ثم تم تعديله مرة اخري سنة 1996 بالقانون رقم 59 مما يكشف ان فكرة حرمة الحياة الخاصة الموجودة في الدستور لم يستوعبها أعضاء مجلس الشعب الذي صاغ مواد القانون وبالطبع أعضاء اللجنة التشريعية والحكومة التي قدمت القانون وتعديلاته. والتي تنبهت في 12 يوليو سنة 1998 فأصدر رئيس الحكومة وقتها بصفته كحاكم عسكري القرار رقم 3 والذي يحظر استيراد وتصنيع وحيازة أجهزة التنصت في غير الأحوال المصرح بها كما يحظر الإعلان عنها بأي وسيلة من وسائل الإعلان واهتم القرار بشرح معني الجزء السابق في قراره فأكد ان هذه الأجهزة هي كل آلة او جسم أي كان شكله أوحجمه محظور استيراده اذا كان يمكن صاحبه من مجرد السمع او نقل أو تسجيل المحادثات او الإشارات التي تتم في مكان خاص أو مجلس أو اجتماع سري أو أي محادثات تتم عبر أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية. الحالة الوحيدة التي يعتبر فيها القانون تسجيل المكالمات شرعياً من الناحية القانوية هي تعرض شخص ما لألفاظ يعاقب عليها القانون من خلال التليفون وهنا أجازت المادة 95 مكرر من قانون العقوبات أن يقوم المجني عليه بالتسجيل ولكن بشروط تؤكد حرمة الحياة الخاصة للجاني فقد تشدد القانون ونص علي وجوب الحصول علي موافقة رئيس المحكمة الابتدائية بناء علي تقرير مدير عام مصلحة التليفونات وشكوي المجني عليه. ويري بعض القانونيين أن الإجراءات العقابية في المادة 309 مكرر ليست بنفس الأهمية القصوي لحرمة الحياة الخاصة للمواطن خاصة بعد أن تعددت حالات التنصت التي يقوم بها مواطنون بدافع الاستهتار يقول، حسب جميل سعيد المحامي إن المادة 309 عقوبات لا تشكل رادعاً كافياً للمواطنين الذين يتورطون في حالات الاعتداء علي حرمة الحياة الخاصة خاصة بعد أن تعددت الحوادث التي تورط فيها البعض في تسجيل وتصوير وانتهاك خصوصية آخرين، مما يجعل من تعديل العقوبة في المادة 309 أمراً ملحاً ومن الأفضل أن يرفع المشرع من هذه الجريمة الي درجة الجناية، لأن اختراق حرمة الآخرين مخالفة للدستور الذي ينص علي ضرورة صيانة الحياة الشخصية من اختراق خصوصياتها ويعتبر ان العدوان علي الحياة الخاصة، عدوان علي الحياة نفسها. ويقترح جميل سعيد أن يتم تعديل نص عقوبة التعدي علي حرمة الحياة الخاصة في القانون حتي تصبح من الجرائم المخلة بالشرف ويتم حرمان المتورط فيها من ممارسة حقوقه السياسية والترشح للمناصب العامة بل والعزل منها اذا ثبت تورطه في هذه الجريمة