مكسى إسكندر يعالج فيه موضوعاً خطيراً وهو النظرة الدونية والخاطئة من
الشعوب العربية والإسلامية الشرقية باعتبار المسيحيين ليسوا سوى جماعات من
أصحاب التعاليم المسيحية المشوهة والمنحرفة عن العقيدة الأصلية السليمة
التى أتى بها أصلا السيد المسيح من السماء وقد استمد هؤلاء المسلمون هذه
المعلومات المغلوطة عن المسيحية وتعاليمها من جماعات قليلة كانت مسيحية
ومنحرفة وهرطوقية عاشت على أطراف الجزيرة العربية زمن البعثة المحمدية
«أواخر القرن السادس» وساد الاعتقاد أن هؤلاء النصارى وحدهم أتباع الرسول
عيسى ابن مريم وأنهم يعبدون ثلاثة آلهة «الله + المسيح + مريم».
والكتاب
يقع فى أربعة فصول ويتعرض الكاتب فى الفصل الأول تحت عنوان «الأقباط ليسوا
نصارى» ويتحدث فيه عمن هم الأقباط قديما وحديثا؟ وهل أقباط مصر نصارى؟
يقــول
العالــم الأمريكــى «unger» إن قدماء المصريين سموا بلادهم كمِت «kemet»
أو كيمى Kimi بمعنى أرض السواد (Black Land) نسبة إلى الطمى الأسود الذى
كان يجلبه فيضان النيل من الحبشة «أثيوبيا» بالمقارنة برمال الصحراء
المحيطة بوادى النيل على جانبيه. وقد سمى الإغريق القدماء مصر بـ
«إيجيبتوس» «Aigyptos» وهو اسم على الأرجح مشتق من العبارة المصرية القديمة
«جى - كو - بتاع» «ومعناها بيت الإله بتاح» وهو اسم مشتق من ممفيس «منف»
البدرشين الحالية» وكانت عاصمة مصر فى عهد مينا موحد القطرين ومنها اشتقت
كلمة «Egypt» ومنها اشتق الاسم العربى «قبط» و«أقباط» ويرى البعض أن العرب
قبل الإسلام «الإسماعيليين» قد عرفوها بهذا الاسم نسبة إلى بلدة قفط «بقنا»
التى كانوا يستوردون منها القفاطى وهى الملابس مثل القفطان التقليدى عبر
البحر الأحمر للجزيرة العربية وأما الاسم «مصر» فقد أشار العالم الأمريكى
وليم سميث أنه نسبة إلى «مصرايم» ابن حام وسميت مصر فى المزامير «أرض حام»
نسبة إلى حام بن نوح وقــــيل إن «مصــر ايــم» اسم عبرى مثنى نسبة للوجهين
القبلى والبحرى ووردت فى القرآن الكريم باسم مصر misr إذن فإن صفة مصرى هى
قبطى أى سواء كان مسلماً أو مسيحياً فهو قبطى لأن أقباط تعنى أنهم ينتمون
كلهم إلى مصر.
* الأقباط ليسوا نصارى
*
مدينة الناصرة تقع على جبل مرتفع فى الجليل وتبعد 14 ميلا غرب بحيرة طبرية
وهى مدينة صغيرة ومعنى الناصرة بالعبرية القضب أو الغصن أو الحارسة
والمحروسة وقد عاش فيها السيد المسيح طفولته مع العذراء مريم ويوسف النجار.
ولم تكن الناصرة بلداً ذات أهمية، بل كانت مجرد مدينة محتقرة فى
القرن الأول الميلادى وهو ما أكده نثنائيل «تلميذ السيد المسيح بقوله هل
يمكن أن يخرج من الناصرة شىء صالح» وكانت مشهورة بشرها ورفضها لتعاليم
السيد المسيح.
وقد وصف اليهود المتعصبون السيد المسيح بأنه «ناصرى»
«لو18» ويعلل العالم Unger سبب ذلك بأن سكان الناصرة كانوا جهلاء دينيا
وثقافيا لهم لهجة وقحة وقليلى العلم وأكثر التصاقا بالوثنيين.
وقد
انتقلت هذه الصفات السلبية مع اليهود الذين هاجروا للجزيرة العربية بعد
تشتتهم من فلسطين عام «70م» ومن اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية ووصلت
صفاتهم تلك إلى الجاهلية وعرف بها المسلمون الأوائل حيث كان يشير القرآن
الكريم دائما إلى وصف أهل الإنجيل باسم نصارى ولم ترد به أبدا صفة مسيحيين
وانتقلت للأجيال المسلمة التالية إلى أن فطن إليها بعض المسلمين المستنيرين
فى كتاباتهم وأحاديثهم وحواراتهم مع المسيحيين بوصفهم مسيحيين وليسوا
نصارى، وقد كان اليهود ينعتون السيد المسيح وتلاميذه بصفة «النصارى»
احتقارا له ولتلاميذه.
ويشير الدكتور ميخائيل مكس فى الفصل الثانى
إلى أن الأقباط ليسوا كفرة ولا مشركين لأن الكافر فى اللغــة العربيـــة
هــو من ينـكـــر اللـه وكــل كتبه المقدسة وأنبيائه ورسله والمشرك بالله
«poly theist» وهو الذى يعبد أكثر من إله «صنم، وثن».
ويتحدث
الدكتور ميخائيل فى فصله الثالث عن الإيمان المسيحى بإله واحد له ثلاث صفات
جوهرية فالله موجود بذاته ويسمى الأب AB «وهى كلمة عبرية وسريانية وعربية
وتعنى أصل الوجود» وهو ناطق بكلمته «السيد المسيح» وحى بروح قدسه.
أما الفصل الرابع فعنوانه «من أين أتى الاعتقاد بأن النصارى كفرة ومشركون»؟!
وقد
أتى هذا الاعتقاد من أن ما سجله القرآن الكريم من صفات إلحادية ووثنية
كانت تنطبق على جماعات نصرانية ضالة ومنحرفة عن تعاليم المسيح وعن الإيمان
السليم وهذه القبائل النصرانية سكنت فى جنوب العراق وشمال شرق الجزيرة
العربية كانت فى الأصل قبائل عربية وثنية تعبد كوكب الزهرة التى كانت عند
الرومان الوثنيين إلهة الحب والجمال فلما اعتنقت هذه القبائل الإيمان
المسيحى لم تتخل تماماً عن كل معتقداتها السابقة الوثنية فانحرفت ونادت بأن
فينوس هى العذراء مريم وقامت بتأليهها وهذا الإيمان النصرانى المنحرف هو
الذى أشارت إليه سورة المائدة «116» بما نصه:
إذ قال الله ياعيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك.. إلخ».
وفى
سورة الأنعام «101» «بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له
صاحبة» وفى سورة الجن «وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولد له» ونفس
الكلام ورد فى سور «يونس ــ الكهف - مريم - الزخرف» كما جاء فى سورة النساء
«171» ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن
يكون له ولد» والمسيحية تقول بذلك لأنه لا يمكن أن يكون لله ولد من مريم
بأسلوب بشرى تناسلى فالخالق هو روح بالطبع وجاء فى سورة المائدة «73» «لقد
كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة «الله - المسيح - مريم» وما من إله إلا
إله واحد» وهو ما تقول به المسيحية كما يوضحه الإنجيل وتعاليم رسل المسيح
«العهد الجديد» وتاريخ الكنيسة وتاريخ العالم بصفة عامة واسألوا أقباط مصر
فاحصى الإنجيل.
وتحارب المسيحية بدعة تأليه مريم منذ القرن الخامس
كما قال القديس إبيفانوس أسقف قبرص فى كتابه عن البدع «أكرموا مريم ودعوها
لشأنها ولا تعبدوا إلا الإله الواحد الأب والابن والروح القدس أما مريم فلا
تدعوا أحداً يعبدها.
ويقول البيضاوى والجلالين «إن الواضح أن
المسيحية لا تُعلم بأن لله صاحبة ولا يمكن أن يكون لله ولد، ولادة تناسلية
ولا ثلاثة آلهة.. فكلها ابتداع فرقة نصرانية منحرفة.. وهو أمر حقيقى».
كما
جاء فى كتاب أصول الدين للإمام الغزالى قوله إن أقوال علماء النصارى
«المسيحيين» المنبثقة فى آفاق كل الكتب المقدسة لتشهد بتوحيدهم وبأن أسماء
الأب والابن والروح القدس إنما هى خواص «صفات» لذاته الواحدة أى أن الله
تعالى جوهر واحد موصوف بالكلام وله ثلاث خواص «صفات جوهرية» ذاتية.
ويقول
القاضى محمد بن الطيب «إننا إذا أمعنا النظر فى قول المسيحية إن الله
تعالى جوهر واحد فى ثلاثة أقانيم لا تجد بيننا وبينهم خلافاً إلا فى اللفظ
فقط».
وهناك كثير من العلماء المستنيرين الذين فهموا حقيقة الإيمان
المسيحى الذين يعملون على التقارب وليس التباعد ولا لإثارة الفتن الذين لا
يدعون لثقافة الكراهية ولا يخلقون بيئة تنتج ثقافة العنف والإرهاب وتحريم
تولى المسيحى وظائف عليا فى الحكومة لأننا فى البداية أقباط وأبناء وطن
واحد.