الغريب أنه حتى هذه اللحظة لم تظهر على الساحة المصرية نقاشات أوحوارات توعية للجمهور الذى سيُستفتَى رأيه مستقبلاً ! حول أى تلك التبلورات ( النظام الرئاسى _ النظام شبه الرئاسى _ النظام الرئاسى البرلمانى ) هو الأنسب للحالة المصرية المستقبلية غير المسبوقة الأمر الذى يثير الشك والريبة فى إتجاه النية للإبقاء على نفس إطار نظام الحكم القديم صانع الآلهة مع تغيير طفيف فى الصورة خاصة فى ظل شائعات الصفقات التى تمنح السلطة التنفيذية لقوى ما مقابل منح القوى الأخرى الداعمة كما تتوهم القوى الأولى ! آليات السيطرة على السلطة التشريعية وإطلاق يدها لوضع أركان الدولة المرتقبة حسب أيدولوجيتها ورؤيتها وهيمنتها !
ـ فالملاحظ أن الجميع قد تفرغ إما لبحث ما وراء التحالفات الحزبية وإما للمطالب الفئوية وإما لمتابعة محاكمات القرن كما يسميها البعض والتى أرى حسب تصورى المتواضع أن متهميها يحاكمون على بعض ما ربما هم منه براء !! بينما لا يحاكمون مطلقاً على جرائمهم الفعلية السياسية طوال ثلاثة عقود رغم أنها الأجَّل والأخطر!! وبالتالى أُريد لهم أيضاً حسب رؤيتى المتواضعة أن يكونوا مجرد "إسفنجة" لإمتصاص الغضب الشعبى إما ككباش فداء لشغل إنتباه الرأى العام عن فساد حقيقى يرتع من قبل أو ما زال يرتع خارج أقفاص المحاكمات أو يكمن إستعداداً للرتع بعد تشكيل الإدارة الجديدة ! وإما لإلهاء ذلك الرأى العام عن أمور أخرى أهم وأخطر تتعلق بمستقبله وعلاقاته مع القوى الأجنبية المختلفة شرقاً وغرباً التى تبحث إن لم يكن لديها بالفعل عن شخوص بمواصفات معينة تتولى عملية قولبة نظام الدولة وتشكيل أسس الإدارة المصرية القادمة شخوص تحفظ العهد وأواصر الود وتلتف على الإرادة الشعبية الرافضة لهيمنة الغرب بطرق قد تكون دستورية !.
ـ مثل ذلك شغل الرأى العام بالحديث مثلاً عن الدولة المدنية أو الدولة الدينية وكأن مصر كنانة الله وخاصة أرضه سبحانه كانت أرض كفر من قبل ! أو كالإلهاء بلغم تعديل المادة الثانية من الدستور التى تُفرَد لها النقاشات ليل نهار وتُحزَّب لها الأحزاب وتُجَيش لها الأنصار بين مؤيد ومعارض، بينما البديهى أنه لن يجرؤ أى من يعرف الف باء السياسة على المساس بتلك المادة لا من قريب ولا من بعيد حتى لو كان ملحداً كافراً كفراً صريحاً بواحاً ودون وصاية من جماعة أو حزب أو تيار يعلن ليل نهار مسئوليته عن الإبقاء عليها فى الدستور الجديد.
فالأمر برمته لا يعدو عن كونه مجرد الهاءات ليس إلا يفعلها البعض عن عمد ودراية بالهدف وما يدبر خلف الكواليس بصفته أحد شخوص العناية الغربية وإن إرتدى مسوح الوطنية بينما يفعلها البعض الآخر بسذاجة المنزلق فى الفخ المفتقد لأبجديات السياسة وطبيعة الأمور والأشياء فى حين يفعلها البعض الثالث على مذهب "التقية" لما وراء أهدافه ! دون إنتباه الى أن الغرب المتربص لا يضره تفعيل التوجه الإسلامى أو الإبقاء على المادة الثانية بل ربما سيمرره كنوع من المقايضة طالما ضمن استقرار مصالحه وأمسك بخيوط عرائس المسرح يحركها كما يشاء ويختار كما يحدث فى دول أخرى وهو ما أراه يجرى أو يُعَدّ له الآن بالفعل !