روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    القضاء عبر التاريخ الإسلامي

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القضاء عبر التاريخ الإسلامي Empty القضاء عبر التاريخ الإسلامي

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يناير 09, 2010 11:09 pm

    قبل الإسلام:

    كان الظلم والجهل والعدوان منتشرا وسائدا في مناحي الحياة كلها في الجزيرة العربية، ولا يوجد نظام حكم منصف في حل المنازعات والخصومات، وكانوا يلجأون إلى حلها عن طريق النظام القبلي والعشائري الذي كان سائدا، متمثلا في شيخ القبيلة الذي كان يتمتع بدعم معنوي ومادي من أبناء قبيلته.
    كما كانوا يفزعون في بعض الخصومات إلى الكهان والعرافين، أو إلى الأصنام وسدنتها، وأضحى الوضيع محكوما، والشريف خارجا عن دائرة نظام وسيادة الحكم.

    القضاء في عهد النبوة:
    أسس النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أصول القضاء في شريعته الخاتمة للناس، وتولى صلوات الله وسلامه عليه هذا العمل الجليل بنفسه، فكان هو المرجع في فصل الخصومات، وفيما يلي أبرز الأسس التي تستوحى من سيرته صلى الله عليه وسلم في القضاء:

    * اولاً: الأصل في الحكم والمرجع في القضاء لحكم الشريعة الإسلاميةالعادلة بمدلول قوله عز وجل : (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) المائدة 5/42 . وقوله سبحانه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) المائدة 5/49 .
    * ثانياً: الحكم بين الناس مبناه على إقامة العدل والقسط من غير ميلٍ أو حيف أو هوى . قال جل وعلا : (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) النساء 4/58 . ويقول عز شانه : (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) سورة ص 38/26 .
    * ثالثاً: التحاكم بين الناس واجب إلى شرع الله وحكمه دون غيره من أحكام الطواغيت ،
    يقول تعالى : (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً * وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً) النساء 5/60-63
    ويقول سبحانه : (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور 24/47-51 .
    ويقول عز شأنه : (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فان تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) المائدة 5/49-50 .
    * رابعاً: التسليم لحكم الله والرضى به والانقياد له أمرحتمي لازم لمن آمن ، والنكوص عن ذلك بأية صورة منافٍ لمقتضى الإيمان وحقيقته ، يقول الرب تعالى وتقدس : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) النساء 4/65 .
    * خامساً: الحكم والقضاء في سائر الخصومات والمنازعات يقع من الحاكم على ظواهر الحال ودلائل المتخاصمين ، والحكم بموجب ذلك لا يحل الباطن لمن حكم له إذا كان الأمر في ذاته وحقيقته بخلاف ما ظهر وما حكم به ، دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار" رواه البخاري ومسلم .
    * سادساً: المتولي لعمل القضاء ينظر إلى سلامته من توابع حكمه وقضائه برقابة ذاتية لكونه قد أنيط به إقامة الحق والقسط في الحكومة بحكم الشريعة ، ولذا لزمه الاجتهاد والتحري فيما وكل إليه ليحصل له أجر اجتهاده وإصابته وليسلم من تبعة المؤاخذة في التقصير في الآخرة ، روى بريدة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار" رواه أبو داود .
    * سابعاً: القاضي في اختصام الناس وشقاقهم يلي أمراً مهماً عظيماً يوجب عليه عناية خاصة فيما يعالج فيتعين خلوه من الشواغل والمؤثرات بحيث يضمن سلامة الحكم وصحته في أعيان الوقائع وفي مثل هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" رواه البخاري ومسلم .

    ومقيس على الغضب ما هو من جنسه من الشواغل المؤثرة .
    ونتيجة لما سلف من أسس قضائية فريدة أسسها وأرسى دعائمها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتربى عليها وآمن بها أصحابه – رضوان الله عليهم – كان في الواقع عدل وإنصاف فريد متميّز ، وحظي الناس بحكم مقسط أظهر الحقوق ورد المظالم وقطع شقائق الخلاف والنزاع .
    والمتتبع لنصوص السنة النبوية وسيرة النبي في قضائه وأحكامه يجد فيها تقعيدا ضابطا لأصول المحاكمات والمرافعات.

    القضاء في عهد الخلافة الراشدة:
    القضاء في عهد الخلافة الراشدة يُعد أول تجربة قضائية للمسلمين بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم ولئن تميّز عهد النبوة بالوحي الذي هو مصدر التشريع ، وبوجود النبي صلى الله عليه وسلم قائماً بأمر الحكم بين الناس ومتولياً لهذا الشأن بتسليم ورضى وانقياد منهم تحقيقاً لما أمروا به في مثل قوله تعالى : (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوات إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) النور 24/51 فان عهد الخلفاء الراشدين هو المرحلة التطبيقية للقضاء تأسيساً على نصوص الشريعة ، وتأصيلاً للأحكام على ما فهم من سنن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الباب من بعده ، كما يظهر في هذه المرحلة الطريقة الصحيحة للنظر والاجتهاد في أعيان الحوادث المستجدة في واقع الناس ولم يكن لها نص يخص آحادها من المشرّع ، فيتحقق قيام المقتضي لاستخراج العلل وتحقيق المناطات واستجلاء الأقيسة السالمة من العوارض والنواقض ، ولقد كان في عهد الخلفاء النيّر تقعيد وتأصيل وتأسيس للأقضية والأحكام على ما جمعوه من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم وحفظوه عنه فيها ، ومما يُظهر اعتبار عهد الخلافة الراشدة وتميّزه حتماً بمزيد من العناية ما صح به الأثر عن النبي المصطفى – صلوات الله وسلامة عليه – الأمر بالعمل بسنة الخلفاء الراشدين من بعده . فعن العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : "أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمّر عليكم عبد ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة" رواه أبو داود .

    قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - : "وفي أمره صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده وأمره بالسمع والطاعةلولاه الأمور عموماً دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع سنته ، بخلاف غيرهم من ولاة الأمور" .

    ويمكن أن نستجمع أهم مميزات عهد الخلافة المبارك وسماته في المجال القضائي بما يلي :

    * أولاً: المرجع في الأقضية والأحكام في قضاء الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – إلى وحي الرسالة بما ورد في كتاب الله تعالى وصح من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بحيث يعد النص من المشرع هو الأساس المعتبر المنتهي إليه في كل حكومة يرام فصلها والقضاء فيها اهتداء بما ورد من نصوص الكتاب والسنة الموجبة لهذا الاعتبار .
    * ثانياً: الحرص على تقفّي سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في أحكامه واقضيته ، واتباع سبيله فيها ، والعناية بجمعها . وتحقيق صحة وقائعها بالتتبع والسؤال والبحث وتلك أو وهي سمة ظاهرة في عمل الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – في حكوماتهم واقضيتهم .
    * ثالثاً: الأحكام والأقضية تحتاج إلى إعمال نظر وتأمل ومقايسة ، ولذا فقد كان من منهج الخلفاء - رضي الله عنهم - في قضائهم المشاورة وطلب الرأي فيما يعرض لهم من القضاء ابتغاء للحق ، وتطلباً لحكم الله في الوقائع .
    * رابعاً: آحاد القضايا وأعيانها تتجدد وتتنوع وقد لا يكون ثمة نص في عين قضية ما فيعمد الخلفاء الراشدون - رضي الله عنهم - إلى إعمال أنظارهم باجتهاد وبحث ونظر ، استخراجا لحكم الواقعة وما يرتبط بها من المناطات والعلل المعتبرة في منظور الشريعة مما يتخرج عليه حكمها .

    توسعت أقاليم الدولة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - حتى تجاوزت حدود جزيرة العرب نظراً للفتوحات الكثيرة ، وصاحب ذلك إقبال الناس على الدخول في دين الله أفواجاً ، فاقتضى الحال بعث جملة من القضاة يتولون الفصل والحكم في المنازعات والخصومات بين الناس في كل ناحية وإقليم ، وكان لهذا العمل مصالح كثيرة وإيجابيات متعددة في واقع القضاء حيث جرى ترتيب لهذه الإنابة القضائية من وليّ أمر المسلمين إلى من يقيمه لهذا الشأن بتقعيد أصول القضاء وبيان أساليبه ، وإيضاح سبله وطرائقة و من أشهر ما يذكر في هذا المقام كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في أمر القضاء حيث قال في كتابه : "أما بعد : فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك ، فإنه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له ، وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك ، البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً ، ومن ادعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي إليه ، فإن جاء ببينة أعطيته حقه ، فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك أبلغ في العذر ، وأجلى للعمى ، ولا يمنعك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه رأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق ، لأن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا مجلوداً في حدٍ أو مجرباً عليه شهادة زور ، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة ، فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر ، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان ، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ليس في قرآن ولا سنة ، ثم قايس الأمور عند ذلك ، واعرف الأمثال والأشياء ، ثم اعتمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق ، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر ، فأن القضاء في مواطن الحق يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذخر ، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزيّن بما ليس في نفسه شانه الله ، فان الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً ، وما ظنك بثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته .. والسلام"

    القضاء في عصور ما بعد الخلافة الراشدة:
    تتابعت عصور المسلمين ودولهم بعد عهد النبوة والخلافة الراشدة من بعد سنة الأربعين من الهجرة وللعمل القضائي قواسم مشتركة بين عموم الفترات والمراحل الزمنية المتعاقبة ، وإن كان للمتأمل في كل مرحلة وفترة خصائص تميزها عن غيرها إلا أن العناية بالجوامع بين العموم واستخلاصها وإبرازها أولى بالاعتبار والنظر ، كما أن ذلك يعطي تصوراً عاماً لمسيرة القضاء وعمله في تاريخ المسلمين وحضارتهم في الزمن الماضي ، فقد حكمت ديار المسلمين بعد الخلافة الراشدة عدد من الدول والحكومات في مختلف الأنحاء والأقاليم.

    ولقد اتسم القضاء في عموم هذه الدول بسمات تدل على تقدم أعماله ورسوم وظيفته حيث ظهرت بحوث ودراسات وترتيبات وتنظيمات لهذا العمل الجليل تفيد بعدد من القواعد والضوابط والأحكام والرسوم لشكله ومضمونه مما أعطي هذا الجانب المزيد من العناية والاعتبار ، وأقام لهذه الولاية الشريفة مقاما يليق بمهمتها ووظيفتها السامية 00 ولعل من أبرز السمات الظاهرة للعمل القضائي في تلك العصور ما يلي :

    * أولاً: أن عمل المسلمين في قضائهم عبر عصورهم المتعاقبة ودولهم المتتابعة جار على تحكيم شرع الله المطهر وإعمال أحكامه وإقامة حدوده ولا غرو في ذلك فهو واجب مقطوع به في اصل الدين ، ولم يحصل إخلال به في مجمل أقضية المسلمين عبر تاريخهم إلى حين الزمن المتأخر الذي ظهرت فيه المنابذة لحكم الشريعة واستبداله بحكم الطاغوت
    * ثانياً: إن عمل القضاء من وظائف الإمامة العظمى ، وقد كان ولاة الأمة في الصدر الأول يتولونه بأنفسهم ، وبعد توسع الفتوحات وتعدد البلدان والأقاليم ظهرت الحاجة إلى بعث القضاة في سائر النواحي للقيام بمهمة الحكم بين الناس في خصوماتهم ونزاعاتهم .
    * ثالثاً: إثراء الجوانب المتعلقة بالدراسات الفقهية والقضائية بنشاط التأليف والتصنيف والبحث والنظر وظهور المدارس العلمية في كثير من بلدان العالم الإسلامي مما كان له الأثر البالغ على تحرير الأحكام ، وتصوير وقائعها ، ومعرفة مآخذ الأحكام من النصوص والدلالات الشرعية ، وقد أنتجت العناية بهذا الشأن للمسلمين في عصورهم المتعاقبة مرجعية علمية ثرية بحيث يندر أن تند نازلة من النوازل عن مجموع هذه البحوث والدراسات في الأصول والفروع ، وشاهد ذلك ما تحفل به المكتبات الإسلامية من مؤلفات ومصنفات متنوعة في هذا الفن بين مطوّلات وشروحات ومجاميع ، ولقد كان لعناية الخلفاء والولاة والحكام في تلك العصور بأهل العلم والنظر والتصنيف وحفزهم وتشجيعهم مزيد إثراء لهذا العمل الجليل القدر ونماء للعطاء فيه .
    * رابعاً: حيث تكثر القضايا وتتباين أنواعها ، وتتسع أقاليم الدولة وتتباعد أنحاؤها وأطرافها ، تظهر الحاجة الملحة في الواقع إلى تخصيص العمل القضائي نوعاً ومكاناً ، تحقيقاً لمصلحة المتقاضين وقضاياهم ، وقد كان العمل القضائي المتخصص هو السمة الغالبة على قضاء المسلمين عبر تاريخهم ، ولهذا قرر فقهاء الشريعة بنصوص متظافرة جواز الأخذ بهذا المنهج المتخصص سواء أكان في النوع أو المكان
    * .خامساً: تعدد القضاة في المصر الواحد بحيث يتولى كل واحد منهم نوعاً من القضايا ، أو يتولى مجموعة منهم قضاء المصر من الأمور التي ظهرت في تاريخ قضاء المسلمين وعُدَّ سمة من سماته لقيام المقتضي له ، وقد سمي بعض هؤلاء القضاة بعمله كقاضي الجند ، وقاضي السوق ، وقاضي المناكح وهكذا .
    * سادساً: ولاية القضاء وعمل الحكم والفصل بين الناس هو جزء مستفاد من الإمامة العظمى المنوطة بولي الأمر العام ، وحين ظهر في عصور المسلمين تخلي الأئمة عن هذا العمل وإناطته بغيرهم ممن تأهّل له كان لابد في ظل ذلك من تحديد هذه الولاية ووظائفها ، ولذلك تظافرت كتب الفقهاء - رحمهم الله - في ذكر وظائف القاضي وبيان ما يرتبط بولايته من الأعمال ، وقد يتباين حديثهم عن هذه الوظائف بحسب مفهومها عند كل فقيه وما عاصره إلا أن هناك قواسم مشتركة في تحديد ذلك من حيث العموم ، حيث جعلوا من وظيفة المتولي لعمل القضاء الفصل في منازعات الناس وشقاقهم ، والقيام على أمر المحبوسين والموقوفين والحكم في شأنهم ، ورعاية الأيتام والقاصرين وأموالهم ، والنظر في شأن الأوقاف والوصايا والغيّب والمجاهيل ، والأخذ على السفهاء بالحجر عليهم وزجرهم حفاظاً لهم وللعموم ، وإقامة الحدود ، وإمامة الجمعة والعيد وغير ذلك .
    وقد يكون من شأن القاضي القيام بهذه الأعمال وغيرها مما قد يزاد عليها في عصر من الأعصار ، وقد يحصر عمله في بعضها دون بعض ، ولكن تحديد وظيفة القاضي حال توليته صفة لازمة للعمل القضائي بعامة في زمنه الماضي .
    * سابعاً: درج الولاة على كفاية من يولون عمل القضاء بمنحهم ما يقوم بحاجتهم من رزق بيت المال ليكفوهم مؤونة المعاش ، وليتفرغوا لمعالجة الحكومات وما يعرض من أمر القضاء ، وليكون في ذلك بُعْدٌ للقضاة عن الصفق في الأسواق والدخول في معامع الاتجار وطلب المكاسب ، حفاظاً لمقامهم وشريف وظيفتهم ونبذ احتمال استمالتهم بعرض الدنيا من قبل أرباب المصالح في الخصومة ، وقد كان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن كتب إلى عماله : "استعملوا صالحيكم على القضاء واكفوهم" وعلى هذا السنن جرى عمل القضاء في سائر أعصار المسلمين .
    * ثامناً: حيث كثر عدد القضاة في دول المسلمين عبر تاريخهم كان لابد من ترتيب هذا العدد وتشكيله وإيجاد مرجعية تؤول إليها أمور القضاء والقضاة ويكون لها نوع إشراف على عملهم .
    * تاسعاً: تسجيل الأحكام وتدوين وقائعها مفيد إفادة ظاهرة في حفظها وضبطها توثيقاً للحقوق ومقايسة للنظائر مما يقع فيما يستقبل من النوازل ، ولذا عني المعتنون بأمر القضاء فيما سلف برصد وقوعات الأحكام والأقضية وتسجيلها وتدوينها في محفوظات ووثائق وفق ضوابط وقيود توحي بتصور دقيق لهذا العمل ومحرراته وشرائط من يقوم به .

    تلك هي أبرز السمات التي اتسم بها قضاء المسلمين في تاريخهم إلى حين بلوغ العصر الحديث الذي صيغ فيه القضاء وفق تشيكلات إدارية وتنظيمية جديدة يراد لها تقديم عطاء أكثر وأدق وأضبط.
    منقووووووووووووووووول
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القضاء عبر التاريخ الإسلامي Empty رد: القضاء عبر التاريخ الإسلامي

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يناير 09, 2010 11:13 pm

    النظام القضائي في الحضارة الإسلامية



    بسم الله الرحمن الرحيم

    لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حاكم الدولة وقاضيها الأول، وقد أمره الله تعالى بذلك بقوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة: 49]. وقوله: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيمًا}[النساء: 105].

    <o:p></o:p>
    وكان صلى الله عليه وسلم يرسل نوابًا عنه إلى الأماكن البعيدة يتولون القضاء، فقد أرسل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- إلى اليمن، وَعتَّاب بن أسيد -رضي الله عنه- إلى مكة، وكان قبل أن يرسل القضاة يتولاهم بالنصيحة والموعظة، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب -رضي الله عنه- ذات مرة، فقال: (يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تَقْضِ بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء) [أحمد وأبوداود والترمذي].

    <o:p></o:p>
    المبادئ العامة للقضاء في الإسلام<o:p></o:p>
    كانت المبادئ العامة للقضاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومن تبعه من الخلفاء الراشدين والأمراء الخيرين غاية في السمو والارتقاء والعظمة، ومن مظاهر ذلك:<o:p></o:p>
    - القاضي يحكم وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.<o:p></o:p>
    - التحذير من الظلم في القضاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله مع القاضي ما لم يَجُرْ (يظلم)، فإذا جار تبرأ منه، وألزمه الشيطان) [الحاكم والبيهقي]. وقال صلى الله عليه وسلم : (من طلب قضاء المسلمين حتى يناله ثم غلب عدله جَوْره (ظلمه)، فله الجنة، ومن غلب جوره عدله فله النار) [أبو داود].<o:p></o:p>
    - ابتعاد القاضي عن كل ما قد يؤثر على حكمه بالعدل، فيراعى أن يكون في أحسن حالاته النفسية، بعيدًا عن الضيق ،والقلق ، والغضب، الجوع ، والعطش، حتى لا يؤثر ذلك في عدالته، قال صلى الله عليه وسلم : (لا يحكم أحدكم بين اثنين وهو غضبان) [متفق عليه].<o:p></o:p>
    - تحريم تقديم الرشوة للقاضي، أو قبولها، وإذا قدمها المتهم، فللقاضي أن يعاقبه بما يراه مناسباً ، ولذلك فقد كان قضاة الإسلام لا يستضيفون الخصوم أو بعضهم، ولا يقبلون ضيافتهم ولا هداياهم، حتى لا يكون لذلك تأثير على قضاء القاضي، قال صلى الله عليه وسلم : (من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غُلُول) [أبو داود].<o:p></o:p>
    وقال صلى الله عليه وسلم : (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش (أي الذي يعطي الرشوة، والذي يأخذها والوسيط بينهما)) [أبوداود والترمذي وابن ماجه وأحمد].<o:p></o:p>
    - تحذير المتخاصمين من الكذب في الادعاء، فعن أنسٍ -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور) [البخاري].<o:p></o:p>
    - تحرِّي الصدق في عرض القضية، فقد قال ( لرجلين اختصما أمامه في ميراث طال عليه الزمن، وليس لأحد منهما بيِّنة، فقال صلى الله عليه وسلم : (إنكم تختصمون إليَّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض (أبلغ)، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطامًا (الحديدة التي تحرك بها النار) في عنقه يوم القيامة). فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أما إذ قلتما، فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق (اقصدا)، ثم استهما (أي ليأخذ كل منكما ما تخرجه القرعة بعد القسمة)، ثم ليحلل كل واحدٍ منكما صاحبه) [الشيخان وأحمد].<o:p></o:p>
    أي أن الناس يتحاكمون إلى القاضي، فيجتهد لهم، وقد لا يصيب الحق، فيقضي لأحدهم بشيء ليس من حقه، فحكم القاضي هنا لا يحل لهذا الشخص أخذ ما ليس من حقه.<o:p></o:p>
    - تقديم الصلح على القضاء، وهذا من عظمة القضاء في الإسلام، لأن حكم القضاء يورث الضغائن والأحقاد وما دام الصلح بين المسلمين جائزًا فكان لابد أن يأخذ مكانه لإصلاح ما أفسده الشيطان بين الناس، قال صلى الله عليه وسلم : (والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا حرَّم حلالاً أو أحلَّ حرامًا) [أصحاب السنن].<o:p></o:p>
    ورُوى عن عمر بن الخطاب أنه قال: ردوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء (أحكام القضاء) يورث الضغائن بينهم.<o:p></o:p>
    ومن عظمة الإسلام أنه أباح للقاضي أن يشفع عند أحد المتخاصمين للآخر، فقد ورد أن كعب بن مالك طلب دينًا له كان عند أبي حدرَدٍ، وكانا في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك، فقال كعب: لبيك يا رسول الله. فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك (أي اترك نصف دينك لأخيك). قال كعب: قد فعلت يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي حدرد: (قم فاقضه) [متفق عليه].

    <o:p></o:p>
    طرق إثبات الحق في القضاء الإسلامي:<o:p></o:p>
    - شهادة الشهود ، فيشهد على الحق شاهدان ممن ترضى شهادتهما، أو شهادة رجل وامرأتين، قال الله عز وجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} [البقرة:282]. وهذا في غير القضايا التي تتعلق بالعِرض والشرف، التي يلزم فيها أربعة شهود.<o:p></o:p>
    - الوثائق المكتوبة والأدلة الأخرى التي يستخدمها القاضي بذكاء للتوصل للحكم الصحيح.

    <o:p></o:p>
    ضوابط اختيار القضاة:<o:p></o:p>
    لا يتولى القضاء في الدولة الإسلامية إلا من توفرت فيه عدة شروط، منها:<o:p></o:p>
    - الإسلام والعقل والبلوغ، فلا يتولى قضاء المسلمين كافر أو مجنون أو فاسق أو طفل صغير، كما اشترطوا العلم بالكتاب والسنة، والذكاء الذي يساعده على التمييز بين الحق والباطل.<o:p></o:p>
    - العِلْم بآيات الأحكام وأحاديثها وأدلتها، وبأقوال الصحابة، وبالإجماع، وبما اختلف العلماء فيه، وأن يكون عالمًا باللغة العربية، وقادرًا على القياس والاستنباط.<o:p></o:p>
    - سلامة الحواس، مثل: السمع والبصر واللسان حتى يستطيع القاضي أن يلاحظ وأن يعبر بها، ولا غنى للقاضي عنها.<o:p></o:p>
    - العدالة: وهي أن يكون القاضي متحليًا بمكارم الأخلاق، بعيدًا عن ارتكاب الكبائر، غير مصرّ على فعل الصغائر.<o:p></o:p>
    - أن يكون القاضي رجلاً، فلا يجوز أن يتولى القضاء امرأة؛ لأنها مهنة تحتاج إلى الصبر والمعاناة وعدم الإنفعال، وطبيعة المرأة بعواطفها الرقيقة، وانفعالها السريع وما يحدث لها من حيض ونفاس وحمل ووضع وإرضاع، كل ذلك يجعلها غير مؤهلة للقضاء، كما أن طبيعة هذا المنصب تتطلب الاحتكاك بجمهور الناس، والشهود والخصوم، والوكلاء وأعوان القضاة، و ذلك يتطلب الخلطة والإنفراد بالأعوان، وهذا لا يليق بالمرأة.<o:p></o:p>
    وعندما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس جعلوا حاكمهم ابنة كسرى قال: (لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة) [البخاري].

    <o:p></o:p>
    سرعة الحكم في القضايا:<o:p></o:p>
    لا يجوز للقاضي تأجيل الحكم في قضية إلا في حالات ثلاث:<o:p></o:p>
    - للصلح بين المتخاصمين.<o:p></o:p>
    - إذا طلب أحد المتخاصمين مهلة ليأتي بمزيد من الأدلة المؤيدة لحقه.<o:p></o:p>
    - إذا كان لدى القاضي شك، يتطلب مزيدًا من البحث والتحرى والدقة.

    <o:p></o:p>
    الأجهزة المعاونة للقاضى:<o:p></o:p>
    الشرطة: وهي من الوظائف الإسلامية القديمة، وكانت تساعد القاضي في تنفيذ الحكم الذي يصدره ضد المذنبين. ويبدأ تاريخ الشرطة بعهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي كان يتفقد أحوال الناس بنفسه في الليل ويطارد المنحرفين .<o:p></o:p>
    جهاز الحسبة: وهم جماعة تقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتكليف من الحاكم المسلم، فالمحتسب يمنع الغش في الأسواق ويراقب الموازين، ويطوف على الخبازين والصناع ليلاحظ جودة المنتجات، ويراقب الأفراح والمآتم ليمنع ما يحدث فيها من منكرات، ويحارب الربا، ويطالب بسداد الديون، ويأمر الناس بالصلوات الخمس في أوقاتها...إلخ. وإجمالاً فقد كانت وظيفة المحتسب من الوظائف المهمة التي لها تأثير في المجتمع، وتنظم التعاملات بين الناس وتحفظ حقوقهم، وفق الشريعة السمحة.<o:p></o:p>
    جهاز المظالم: وهذا الجهاز من مفاخر القضاء الإسلامي، فقد وضع هذا الجهاز لكل ما يعجز عنه القضاة من قضايا، كأن تكون القضية متصلة بكبار القوم أصحاب السلطة والنفوذ، فلا يستطيع القاضي فرض نفوذه والحكم ضدهم، فيكلف والي المظالم بأخذ الحق منهم لصاحبه، ولذلك فوالي المظالم لابد أن يكون على درجة عظيمة من الهيبة والتقوى، وسعة العلم.<o:p></o:p>
    وقد تطور ديوان المظالم بعد إنشائه، فأحيانًا كان الخلفاء أنفسهم يقومون بمهمة والي المظالم، وهذا مشهور عن الخلفاء الراشدين والخلفاء الأمويين والعباسيين، ومما يروى في ذلك أن الخليفة العباسي المأمون جلس للمظالم يومًا، فكان آخر من تقدم إليه امرأة، فدخلت عليه وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال لها: وعليك السلام يا أمة الله، تكلمي في حاجتك. فأخبرته أن ابنه قد اغتصب منها أرضها، فحدد لها موعدًا تأتي فيه، ويحضر خصمها أمامها.<o:p></o:p>
    فلما كان اليوم المحدد، أحْضرَ الخَصْمَ، فأجلسه ثم أمرها أن تذكر خصومتها فظلت المرأة تتحدث بصوت عالٍ، فقال لها الفضل (وزير المأمون): على رِسْلِكِ (أي مهلاً)، إنه ابن أمير المؤمنين. فقال له المأمون: دعها فإن الحق أنطقها، والباطل أخرسه. ثم قضى لها بردِّ ضَيْعَتِها، وحبس ابنه. وهكذا كان لجهاز المظالم أثر كبير في رفع الظلم وانتشار العدل، وتطبيق الشريعة على الجميع، مهما كانت منزلتهم.<o:p></o:p>
    ___________
    الحضارة الإسلامية لـ"علي بن نايف الشحود"بـ[تصرف]
    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القضاء عبر التاريخ الإسلامي Empty رد: القضاء عبر التاريخ الإسلامي

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت يناير 09, 2010 11:19 pm

    صفات القاضي.. و القضاء
    صفات القاضي: وهي نوعان: واجبة ومستحبة
    والواجبة: فهي عشر صفات
    أن يكون مسلماً عاقلاً، بالغا، ذكرا، حراً، سميعاً، بصيراً، متكلماً، عدلاً، عارفاً بما يقضي به.
    المستحبة: وهي خمس عشرة صفة:
    1 أن يكون عالماً بالكتاب والسنة بالغاً درجة الاجتهاد.
    2 أن يكون عالماً بما يحتاج إليه من العربية.
    3 أن يكون عالماً بعقد الوثائق.
    4 أن يكون ورعاً في دينه وهي زيادة على عدالته.
    5 أن يكون غنياً فإن كان فقيراً أغناه الإمام وأدى عنه دينه.
    6 أن يكون صبوراً حسن السيرة والسلوك.
    7 أن يكون وقوراً، عبوساً في غير غضب.
    8 أن يكون حليماً.
    9 أن يكون رحيماً يشفق على اليتامى والأرامل وغيرهم.
    10 أن يكون جزلا في تنفيذ الأحكام.
    11 أن لا يبالي بلوم الناس ولا بأهل الجاه, وأن يكونوا عنده وفي مجلس القضاء على السواء.
    12 أن يكون من أهل البلد الذي يقضي فيه، وهذا مما يساعده على معرفة أحوالهم وخفاياهم.
    13 أن يكون متيقظاً لا متغفلاً.
    14 أن يكون معروف النسب فلا يكون ولد زنا.
    15 أن لا يكون قد حكم عليه بحد من قبل.
    فيمَ يفصل القاضي؟
    1 الفصل بين المتخاصمين، اما بصلح عن تراض وهو الأول، واما بإلزام الحكم جبرا نافذا.
    2 قمع الظالم غصبا، ونصره المظلوم واعطاء كل ذي حق حقه.
    3 إقامة الحدود بما شرع الله ورسوله ، والقيام بحقوق الله.
    4 النظر في الدماء والجراح.
    5 النظر في اليتامى والمجانين وتقديم الأوصياء عليهم حفظا لأموالهم.
    6 النظر في الأحباس.
    7 تنفيذ الوصايا.
    8 عقد نكاح النساء اذا لم يكن لهن ولي أو عضلهن الولي.
    9 النظر في المصالح العامة.
    10 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
    ولا يقضي القاضي بعلمه، سواء علم بذلك قبل القضاء أو بعده، بل يقضي بحجة ظاهرة، وهي اعتراف، أو شهادة، أو يمين، أو نكول، أو حوز في دعوى الملك، أو لوث في الدماء، أو معرفة، العفاص والوفاء في اللقطة، وله الاجتهاد في الحكم، فإن أصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر.
    أما آداب القاضي فهي ثمانية وعشرون:
    2 أن يكون قويا من غير عنف، ليناً من غير ضعف، حليماً ذا أناءة وفطنة، بصيراً بأحكام الحكام قبله.
    2 أن يكون على أعدل أحواله في المجلس الشرعي، وغير غضبان ولا جائع ولا شبعان، ولا حاقن، ولامهموم بما يشغله عن فهم الدعوى من المدعين.
    3 أن يكون مقر مجلسه الشرعي في وسط البلد ان أمكن ذلك.
    4 أن يبدأ بالأول، فالأول فإن حضروا دفعة واحدة وتشاحوا، قدمهم بالقرعة، فإن كان المختصمان مسلماً وكافراً قدم المسلم.
    5 أن يكون مجلسه غير بعيد حتى يصل إليه القوي والضعيف.
    6 ولا يجلس بالليل ولا في أيام الأعياد وكذلك الجمع.
    7 أن لا يسمع كلام أحد الخصمين في غيبة الثاني.
    8 أن يشاور أهل العلم ولا يفتي في مسائل الخصام.
    9 أن يختار كاتباً مرتضياً أميناً عابداً صدوقاً، ومترجماً بصفة الكاتب.
    10 أن يتفقد السجون ويخرج من كان مسجوناً بغير حق بعد المناداة ثلاث مرات فان حضر خصمه، والا أخذ عليه الكفالة، وأخلى سبيله بعد أن يستحلفه.
    11 أن يسوي بين الخصمين في لحظة ولفظه ومجلسه، والدخول عليه، ولا يسار أحدهما، ولا يلقنه حجته، ولا يعلمه كيف يدعي في أحد الوجهين.
    12 أن لا يقضي وهو غضبان، لما رواه أبو بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان ولأنه ربما حمله الغضب على الجور في الحكم لأنه ان جار، كان موعوداً بما رواه ابن أوفى مرفوعاً أن الله تعالى مع القاضي مالم يجر فاذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان .
    13 أن لا يبيع ولا يشتري في عروض التجارة.
    14 أن لا يقضي لوالده وولده، بل يصرف الحكم في ذلك إلى غيره، ويجوز له أن يقضي عليهما.
    15 أن لا يقضي على عدوه، ويجوز له أن يقضي له.
    16 أن يزجر من تعدى من المتخاصمين على الآخر في المجلس الشرعي، بشتم أو غيره.
    17 أن يعاقب من آذاه من المتخاصمين أو شتمه أو تنقصه أو نسب إليه جور.
    18 أن يتجنب مجالس الناس والمشي معهم إلا لحاجة.
    19 أن يجتنب الولائم ، إلا وليمة النكاح وله ترك الأكل.
    20 أن لا يقبل الهدية بأي وجه من الوجوه، لأنها دليل هزيمته والطعن في حكمه، إلا ماكان من الأقربين له.
    21 أن لا يطلب من الناس الحوائج بأي صفة.
    22 يستحب له عيادة المرضى وشهود الجنائز اذا لم تشغله عن الحكم.
    23 أن لا يحكم الا بحضرة الشهود ولا يحكم لنفسه.
    24 له السؤال عن أحوال الشهود سرا، ليعرف العدل من غيره.
    25 أن لا يتعقب حكم من قبله، إلا إذا تبين له أنه كان معروفاً بالجور، وله أن ينقض قضاء نفسه إذا تبين الحق.
    26 لا ينبغي له أن يصغي بأذنه للناس في الناس، فيفتح على نفسه بذلك شراً عظيماً.
    27 لا ينبغي أن يكثر من مصاحبة الناس، إلا أن يكونوا أهل أمانة ونصيحة، وفضل فلا بأس بذلك، فإذا حصل الدخال والركاب حصل التردد، وإذا حصل التردد إلى القاضي ثلاث مرات في غيره حاجة، فذلك جرح في عدالته.
    28 ينبغي له اجتناب بطانة السوء، ولا يأتي إلى أحد من الناس، إلا الذي ولاه أو منهم بمنزلته من القضاة.
    ما يجب مراعاته في مجلس القضاء:
    1 عدم الجلوس على حال تشويش.
    2 عدم القيام من مجلسه متشاغلاً عن القضاء بما يؤثر عليه الشك.
    3 لا ينبغي له أن يأكل حتى يشبع ثم يخرج للقضاء، لأن الفهم ينطفي مع الشبع.
    4 لا ينبغي له أن يدخل مجلس القضاء مهموماً، لأن القلب يشتغل مع الهم.
    5 لا ينبغي له أن يدخل مجلس القضاء جوعان، لأن الغضب يسرع مع الجوع.
    6 عدم القضاء ماشياً لأنه يفرق رأيه ويخل فهمه.
    7 ينبغي له الجلوس في مجلس الحكم متريحاً ليمكنه الاصغاء إلى ما يقال.
    8 عدم الضحك في مجلسه، بل يلزم العبوس من غير غضب، وعدم رفع الصوت عنده.
    9 عدم التشاغل بالحديث في مجلس القضاء، لأنه يشتت رأيه.
    10 لا يكثر من القضاء جدا حتى يأخذه النعاس والضجر، فإن عرض له شيء من ذلك فليقم من مجلسه ويدخل بيته، أو يدفع الناس عنه فترة.
    أما سيرة القاضي في الأحكام فعشرة أمور:
    1 لا يقضي حتى لايشك أن قد فهم لما يجد من الحيرة فلا ينبغي أن يقضي بينهما.
    2 إذا كانت القضية مشكلة فيكشف حقيقتها في الباطن، ليتمكن من الوصول إلى الحق.
    3 أن لا يقضي في القضايا التي اشكلت عليه، إلا بحضور أهل العلم وهذا قد يكون سابقاً أو رفعها إلى رئيس المحكمة أو إلى مجلس القضاء الأعلى، أو هيئة التمييز للنظر فيها وإصدار الحكم.
    4 لا يفتي القاضي في مسائل الخصومات لأهل بلده.
    5 إذا أشكل على القاضي أمر تركه، وله أن يأمر المختصمين بالاعادة حتى يفهم عنهما.
    6 وله أن يصلح بينهما اذا اشكل عليه وجه الحكم بالإرشاد.
    7 له أن يصرفهما إلى قاض غيره، ان كان هناك قاض آخر.
    8 لا يعدل إلى الصلح اذا تبين له وجه الحكم، بل يقطع به.
    9 له إذا خشي الفتنة بأسباب انفاذ الحكم بين الخصمين، خصوصاً وان كانا من أهل الفضل، أو بينهما رحم، أن يقيمهما ويأمرهما بالصلح، لما يروى عن عمر بين الخطاب رضي الله عنه : أنه قال/ ردوا القضاء بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن .
    10 إذا تبين للقاضي موضع الظالم من المظلوم، لم يسعه من الله الا فصل القضاء.
    أما فيما يبتدى بالنظر فيه ففيه خمسة أمور:
    1 الكشف عن الشهود والموثقين، فيعرف حاله من لا يعرف حال منهما، ويمحص عدالتهما.
    2 عليه أن يثبت عدالة من ثبتت عدالته، واسقاط من فيه جرح، واراحة المسلمين منه ومن أذيته.
    3 عليه أن يصرح بعزل من عزله،وأن يسجل عليه شهادة الزور كتاباً مخلداً.
    4 عليه أن يكشف عن المحبوسين، فينظر في أمورهم وفي مدة إقامتهم في الحبس، لئلا يكون فيهم من طالت إقامته، أو حبس ظلماً.
    5 عليه النظر في الأوصياء واليتامى، ويأمر من يبلغ أمره أنه قد حجر على كل يتيم لا ولي له، وكل سفيه تجب عليه الولاية.
    وسيرة القاضي مع الخصوم وفي ذلك أمور واجبة عليه هي:
    1 إذا حضر الخصمان بين يديه فليسوِّ بينهما في المجلس، والتكلم والنظر إليهما، مالم يطلبه أحدهما حين الشروع في سماع دعواه، ليفهم ما يقوله المدعي فلا بأس عليه من النظر إليه بمفرده.
    2 له أن يحضهما عند ابتداء المحاكمة على الوقار، وعدم رفع الصوت والتودد، وعدم الاضطراب وحصر الكلام.
    3 أن يقعدهما بين يديه سواء كانا ضعيفين أو كانا قويين، وخصوصاً ان كانا من أهل الجاه فعليه المساواة في المقعد، وأن لا يقرب أحدهما إليه، ولا يقبل هو عليه دون خصمه.
    4 أن لا يميل إلى أحدهما بالسلام، أو بالترحيب، ولا يرفع مجلسه، ولا يسأل أحدهما عن حاله أو خبره أو أي أمور من أموره.
    5 أن لا يسارهما جميعاً او أحدهما، لأن ذلك يجرئهما عليه ويطمعهما فيه.
    6 وله أن يرفع مجلس المسلم عن الذمي، لقوله صلى الله عليه وسلم ولا تساووهم في المجلس ويروى عن عليرضي الله عنه أنه خاصم يهودياً عند القاضي شريح، فجلس علي رضي الله عنه في صدر المجلس وجلس شريح والذمي دونه، وقال:لولا أن النبيصلى الله عليه وسلم نهى عن مساواتهم في المجلس لجلست معه .
    7 لا ينبغي للقاضي أن يدخل عليه أحد الخصمين دون صاحبه، لافي مجلس قضائه، ولا في خلوته، ولا وحده، ولا في جماعة.
    8 لا ينبغي أن يضيّف أحدهما، ولا يقف معه، ولا يركبه، ولا يركب معه، لأن مثل ذلك يدخل عليه سوء الظن.
    9 لا ينبغي له تلقين أحدهما حجته.
    10 أن يحكم بين الخصمين الأول فالأول.
    11 أن يزجر الشاتم منهما للثاني.
    12 إذا شتم الخصم الشاهد وقال له شهدت علي الزور فللقاضي تنكيله.
    13 إذا نهى القاضي أحد الخصمين عن الثرثرة بالكلام، وخلط الحجج على صاحبه ولم ينته فللقاضي تأديبه.
    14 إذا فرغ المدعي من دعواه كلف الخصم بالجواب عنها.
    15 لا يستحلف القاضي المدعي عليه إذا أنكر، إلا بأذن المدعي.
    16 إذا أقر الخصم دعوى المدعي كتب اقراره في دفتر الضبط، وأمر بالخروج عما وجب عليه.
    17 على القاضي أن يراقب أحوال الخصوم، ومنطق كل منهما عند الادلاء بالحجج، خصوصاً وأن الناس في هذا الزمان، كثرت مخادعتهم وقلت أمانتهم، إلا ماشاء الله.
    18 ينبغي للقاضي موعظة الخصمين بالترهيب، وكذلك الشهود.
    19 ان لا يسمع الدعوى في الأشياء التافهة.
    20 له أن يستمع إلى دعوى المدعي، ويطلب تكرارها ليفهمها.
    21 للقاضي تأديب من استهان به عند الطلب له.
    22 وله مجازاة المدعي عليه، إذا تغيب أو تهرب عن القاضي، بأن يدفع لغريمه أجرة ومصاريف المدعي، والرسول في طلبه.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 4:13 pm