من طرف 
وحول هذه القضية صدرت دراسة حديثة للدكتور محمد عبدالنعيم أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة بعنوان " أزمة اللحوم وأثرها علي المجتمع المصري في عصر دولة المماليك الجراكسة (784ـ 923هـ /1383 ــ 1517م ) " عدد أكتوبر 2011 عن حواليات "مركز البحوث والدراسات التاريخية بكلية الآداب" جامعةالقاهرة .
الدراسة تعرض لأزمة اللحوم التي عانت منها مصر في تلك الفترة من حيث ارتفاع الأسعار والأسباب المؤدية إلي ذلك ، وموقف سلاطين المماليك الجراكسة من هذه الأزمة ، وما ترتب عليها من آثار سلبية علي عامةالشعب المصري في هذه الفترة .
يقول الدكتور وجيه عتيق مدير مركز الدراسات التاريخية بجامعة القاهرة أن الدراسة تقترب من أزمة اللحوم التي تعاني منها مصر في الوقت الحالي منذ أزمة أنفلوانزا الطيور .
تنقسم الدراسة لخمسة مباحث، يتناول الأول مصادر جلب اللحوم (موارد اللحوم )، ويحلل الثاني أسباب أزمة اللحوم (الأسباب الطبيعية والأسباب البشرية )، بينما يناقش الثالث علاقة السلاطين وأزمة اللحوم (الحوم السلطاني ، الأضاحي ، تمرد الجلبان )، ويدور المبحث الرابع حول موظفي الدولة وأزمة اللحوم ، وأخيرا يناقش المبحث الخامس علاقة العامة وأزمة اللحوم (الحرف والمهن المرتبطة باللحوم ، ثورات العامة علي السلاطين بسب اللحوم ).
وتؤكد الدراسة أن أزمة اللحوم أثرت علي بنية واقتصاد المجتمع المصري في عصر المماليك الجراكسة , فمن الناحية الاقتصادية أدى إنخفاض منسوب النيل أو إرتفاعه إلي ندرة بعض الغلال والمحاصيل الزراعية ، وهي العناصر الرئيسة لتغذية الماشية والأبقار والأغنام والجمال ،وبالتالي أدت إلي ارتفاع اسعارها ، كما أن الفيضان كان يؤدي إلي هلاك المراعي وإفساد الأراضي وهلالك الماشية .
كما أن انتشار الأوبئة والطواعين كان يؤدي لهلاك عدد كبير من الماشية ، وبالتالي لإرتفاع أسعارها الحية منها ، كما كانت ثورات العربان تؤدي إلي خراب الريف والأقاليم .
كما ترتب على أزمة اللحوم في المجتمع المصري زيادة الضرائب وأتساع الفجوات الإقتصادية ، وترتب عليها أن أطلق الموظفون أيديهم في الناس لإستخلاص نفقاتهم مما زاد من حدة الأزمات الإقتصادية في تلك الفترة .
ومن الناحية الإجتماعية أدى نقص اللحوم إلي قطع أرزاق الناس وخاصة من المشايخ والأعيان والفقهاء وحرملانهم من مرتباتهم ، ونستطيع أن نقول أن أزمة اللحوم بلغت ذروتها في عصر السلطان الغوري ، حيث كثرت الإضرابات والثورات الإحتجاجية .
ولو أخذنا خطا بيانيا للدراسة نستطيع أن نقول أن أزمة اللحوم تصاعدت إلى حد كبير منذ بداية دولة المماليك الجراكسة حتي نهايتها ، فقد كان عهد البرقوق والمؤيد شيخ بداية الأزمة ، ثم تطور الأمر إلي مواجهات مع السلاطين بشكل تصاعدي بدءاً من عهد برسباي وآينال إلي ان وصلنا إلي عهد السلطان الغوري .
ورغم أن الدراسة لم تشر بوضوح لحل أزمة اللحوم في عصر المماليك أو حتى في عصرنا الحالي ، إلا إنها ناقشت مشكلة قديمة متجددة، تحتاج لأدوات جديدة وطرح تاريخي يعطي حلولا من التاريخ لحل مشكلات معاصرة، كما أن واضع الدراسة الدكتور عبدالنعيم اعتمد مصادر ووثائق نادرة .