مفردات قرآنية: مادة الأمن في القرآن للأستاذ أحمد الشرباصي
مصدرها:
جاءت مادة "الأمن" في القرآن الكريم مرات كثيرة، وتستعمل أحيانا بمعنى الأمن الذي هو ضد الخوف، وأحيانا تأتي من المادة مشتقات تدل على الأمانة، وأحيانا تأتي منها مشتقات تدل على الإيمان، وقد تحدثنا عن "الأمن" من قبل، ونواصل الحديث عن الأمانة والإيمان.
وردت لفظة الأمانة في طائفة من الآيات، كقوله تعالى: "فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " وقوله: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" وقوله: "لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ " وقوله: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".
والأمانة -كما تقول المعجمات- ضد الخيانة، "والخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه"(1). ورجل أُمَنه -بضم ففتح- أي الذي يأمنه كل أحد في كل شيء(2). وقد وردت كلمة "الأمانة" في آية كريمة فشغلت المفسرين أكثر من مثلها في آيات أخرى، وهذه الآية هي قول الله تعالى في سورة الأحزاب: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".
تعددت الأقوال في بيان المراد من "الأمانة" هنا فقال الراغب الأصفهاني: "قيل هي كلمة التوحيد، وقيل العدالة، وقيل حروف التهجي، وقيل العقل، وهو صحيح، فإن العقل هو الذي لحصوله تتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة، وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضل (الإنسان) على كثير ممن خلقه"(3).
فالراغب بعد أن يورد أقوالا في معنى الأمانة، يختار معنى العقل، ويحاول أن يرجع إليه بقية المعاني ببيان كونها داخلة فيه أو راجعة إليه.
وقد روي -كما في اللسان- عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا: الأمانة ها هنا الفرائض التي افترضها الله على عباده، وقال ابن عمر: عرضت على آدم الطاعة والمعصية، وعُرِّف ثواب الطاعة وعقاب المعصية. ثم جاء في اللسان: "والذي عندي فيه أن الأمانة هنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها، ولم يظهر عليها أحدا من خلقه، فمن أضمر من التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها، وكل من خان فيما اؤتمن عليه فهو حامل، والإنسان في قوله: "وحملها الإنسان" هو الكافر الشاك الذي لا يصدق، وهو الظلوم الجهول، يدلك على ذلك قوله: "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"(4).
وكأن المراد هنا أن يجعل الأمانة هي مطابقة الاعتقاد الداخلي للعمل الظاهري والنطق اللساني، وكأنه يجعل الأمانة ضدا للنفاق، وإذا كان الفيروزابادي يذكر في القاموس أن المراد بالأمانة في الآية "الفرائض المفروضة" فإنه ينتقل بعد ذلك إلى ذكر ما يؤيد صاحب اللسان، فيقول: "أو النية التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الإيمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر؛ لأن الله تعالى ائتمنه عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة"(5).
وقد نستطيع أن نلحظ الارتباط بين معنى "الأمن" ومعنى "الأمانة"، لأن الأمانة توجِد أمنا عند صاحبها، لأنه يستقر بأمانته ومطابقة باطنه لظاهره، وموافقة اعتقاده لعمله وقوله، فلا يكون منافقا قلقا مذبذبا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فيتحقق له الأمن والاطمئنان، ويزول عنه الخوف الناشئ من القلق والنفاق والتلون؛ وكذلك يأمن الناس الذي تحلى بالأمانة وحفظ الأمانات، لأن الأمانة صفة تظهر آثارها في حفظ الأمانات، وهي الأشياء الذي يؤتمن عليها: مادية كانت أو معنوية،(6) وفي الحديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له".
ومن مادة "الأمانة" جاءت كلمة "الأمين" في طائفة من الآيات. كقوله تعالى: "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" وقوله: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" وقوله: "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" وقوله أكثر من مرة في سورة الشعراء: "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ".
والأمين هنا الذي لا يخون ولا يخدع ومعنى: "وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" : أي عُرِفْت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن تتهموني، أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه(7).
وقد وصف جبريل بوصف الأمين، يقول القرآن: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ" ويقول: "مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" وجبريل هو أمين الله على وحيه، وسفيره إلى أنبيائه ورسله. وقد وصف مكان المتقين بالأمين في قوله: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ" أي أمنوا فيه من السوء والتعب والألم، كما وصفت مكة بالبلد الأمين في قوله: "وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" أي الآمن.
وقد يجوز وصف الله سبحانه بوصف "الأمين": روى الأزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة في قوله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية ظنوا أن نفسه خرجت فيها، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم، إنه أتاني ملكان في غشيتي، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فانطلقا بي فلقيهما ملك آخر فقال: وأين تريدان به؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتب الله لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به نبيه ما شاء الله!. فعاش شهرا ثم مات!(.
ويكون معنى الأمين هنا هو القوي، إذ من معاني الأمين في كتب اللغة القوي(9) وقد يقوي هذا ورود كلمة "الأمين" مع كلمة "العزيز" في القصة السابقة.
ومن أصل مادة "الأمن" جاءت كلمة "الإيمان" التي وردت في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"، وقوله تعالى: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، وقوله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ". وقوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ". وورد قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" عشرات المرات في القرآن المجيد .. إلخ.
وفي القاموس أن الإيمان هو الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة(10): وحدد الزجاج الإيمان بقوله: الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة، ولما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاده وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاك، وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب(11).
وقال الأزهري: اتفق العلماء على أن الإيمان هو التصديق، قال تعالى: "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا"، أي ما أنت بمصدق لنا، وتقول العرب: (ما أمنت أن أجد صحابة) أي ما وثقت، فالإيمان هو الثقة والتصديق، وقال الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا" أي صدقوا بها ووثقوا فيها(12). ومن الواضح أن التصديق اطمئنان واستقرار، وأن الثقة اطمئنان واستقرار، فارتباط الإيمان بالأمن واضح ظاهر.
ويقول الطبرسي عن الإيمان(13): "أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالى وأنبيائه وملائكته وكتبه والبعث والنشور والجنة والنار".
ويعبر ابن قتيبة عن إيمان العبد بالله بأنه تصديقه قولا وعملا وعقدا، فالعبد مؤمن أي مصدق، والله سبحانه وتعالى مؤمن أي مصدق ما وعده، أي محققه، أو هو قابل لإيمانه(14).
وقد ذكر بعض الأئمة أن الإيمان أنواع فمن الإيمان تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين، يقول الله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا" أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب، ومن الإيمان تصديق باللسان والقلب، يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض، قال الله تعالى: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم قالوا: الله. وهم مع ذلك يجعلون له شركاء، وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرسل والكتب ويكفرون ببعض.
قال الله تعالى: "فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" يعني إيمانهم ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلهم(15).
وللإيمان استعمالات يشير إليها الراغب، فيُستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوة محمد وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان، وعلم بحسب ذلك بالجوارح، ويقال لكل من الاعتقاد والقول: الصدق، والعمل الصالح إيمان، ويزداد اهتمامنا هنا بقول الراغب في حديثه عن الإيمان: "إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن(16) لأن هذا يؤكد ارتباط معنى الإيمان بمعنى الأمن. كما أن الإيمان يرتبط بالأمانة، لأن الأمل في الإيمان كما يقول ابن منظور في اللسان: الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه، فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق، ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول دون التصديق بالقلب، فإنه لا يخلو من وجهين: أحدهما أن يكون منافقا ينضح عن المنافقين تأييدا لهم أو يكون جاهلا لا يعلم ما يقال له، أخرجه الجهل واللجاج إلى عناد الحق، وترك قبول الصواب، أعاذنا الله من هذه الصفة، وجعلنا ممن عَلِم فاستعمل ما عَلِم، أو جَهِل فتعلم ممن عَلِم، وسلَّمَنا من آفات أهل الزيغ والبدع، بمنه وكرمه"(17).
وقد تحدث العلماء كثيرا عن شمول الإيمان للعمل، وقال الطبرسي: قد روى الخاص والعام عن علي بن موسى الرضى عليه السلام أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، وقد روي ذلك على لفظ آخر عنه أيضا: الإيمان قول مقول وعمل معمول، وعرفان بالعقول واتباع للرسول(18).
وفي أسماء الله تعالى: "المؤمن" كما جاء في القرآن وهو الذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان بمعنى التصديق، أو هو الذي يؤمنهم في القيامة من عذابه، فيكون من الأمان والأمن.(19) وقال بعض أهل العلم: إن المؤمن في صفات الله تعالى هو أن يصدق ما وعد عبده من الثواب، وقال آخرون: هو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه ولا يظلمهم(20)، وقال ابن قتيبة فيما يتعلق بوصف العبد بصفة المؤمن: "وقد يكون المؤمن من الأمان، أي لا يأمن إلا من أمنه الله"(21). فالعبد يصدق ربه فيأمن بتصديقه، والله يصدق عبده في هذا الإيمان فيمن عليه بالأمان.
وقد يراد المؤمن الشخص الأمين الذي يأتمنه الناس، ففي الحديث عن ابن عمر قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من المهاجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من هجر السيئات". قال: فمن المؤمن؟ قال: "من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم". قال: فمن المسلم؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". قال: فمن المجاهد؟ قال: "من جاهد نفسه"(22).
ومن هذه النصوص والشواهد المتواكبة المتعاقبة نشهد ترابط الفروع الثلاثة لمادة الألف والميم والنون، وهذه هي الأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد التكذيب.
أما بعد فقد قال ابن عباس: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى "آمين" فقال: "افعل"(23)، وهذا كما يقول ابن فارس: يعود إلى معنى مادة "أمن" الثاني وهو التصديق، لأنه متى استجاب الله للدعاء وحققه فقد صدقه فهناك تصديق للدعاء بالتحقيق له من الله سبحانه، ولذلك قال الترمذي: إن معنى آمين: لا تخيب رجاءنا، وقال جعفر الصادق في تأويل آمين: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا، وقال أبو إسحاق: معناها: اللهم استجب!
ونعود فنردد بالدعاء قائلين: اللهم لا تخيب رجاءنا، اللهم آمين!.
------------------------------------
1 - كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص365.
2- القاموس المحيط، ج4 ص1978.
3- مفردات القرآن، للراغب ص25.
4- لسان العرب، ج13 ص24 طبعة بيروت.
5- القاموس، ج4 ص197.
6- من أنواع الأمانة أمانة المجالس ففي الحديث: "المجالس بالأمانة" وهذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل، فكأن هذا أمانة عند من سمعه أو رآه. انظر النهاية لابن الأثير ج1 ص45 واللسان ج13 ص22 طبعة بيروت.
7- الكشاف للزمخشري، ج2 ص69.
8- لسان العرب، ج13 ص27.
9- القاموس، ج4 ص197.
10- المرجع السابق.
11- لسان العرب، ج13 ص23.
12- تفسير الطبرسي، ج1 ص37.
13- المرجع السابق.
14- تفسير غريب القرآن، ص10.
15- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة ص367.
16- مفردات القرآن، ص35.
17- لسان العرب، ج13 ص23.
18- تفسير الطبرسي، ج1 ص38.
19- النهاية لابن الأثير، ج1 ص43.
20- معجم مقاييس اللغة، ج1 ص135.
21- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، ص10.
22- لسان العرب، ج13 ص24.
23- تهذيب الأسماء، للنووي ج1 ص12 ونحن نتعرض لكلمة آمين لأنها في الظاهر من مادة الأمن.
مفردات قرآنية: مادة الأمن في القرآن للأستاذ أحمد الشرباصي
مصدرها:
جاءت مادة "الأمن" في القرآن الكريم مرات كثيرة، وتستعمل أحيانا بمعنى الأمن الذي هو ضد الخوف، وأحيانا تأتي من المادة مشتقات تدل على الأمانة، وأحيانا تأتي منها مشتقات تدل على الإيمان، وقد تحدثنا عن "الأمن" من قبل، ونواصل الحديث عن الأمانة والإيمان.
وردت لفظة الأمانة في طائفة من الآيات، كقوله تعالى: "فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " وقوله: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" وقوله: "لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ " وقوله: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".
والأمانة -كما تقول المعجمات- ضد الخيانة، "والخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه"(1). ورجل أُمَنه -بضم ففتح- أي الذي يأمنه كل أحد في كل شيء(2). وقد وردت كلمة "الأمانة" في آية كريمة فشغلت المفسرين أكثر من مثلها في آيات أخرى، وهذه الآية هي قول الله تعالى في سورة الأحزاب: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".
تعددت الأقوال في بيان المراد من "الأمانة" هنا فقال الراغب الأصفهاني: "قيل هي كلمة التوحيد، وقيل العدالة، وقيل حروف التهجي، وقيل العقل، وهو صحيح، فإن العقل هو الذي لحصوله تتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة، وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضل (الإنسان) على كثير ممن خلقه"(3).
فالراغب بعد أن يورد أقوالا في معنى الأمانة، يختار معنى العقل، ويحاول أن يرجع إليه بقية المعاني ببيان كونها داخلة فيه أو راجعة إليه.
وقد روي -كما في اللسان- عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا: الأمانة ها هنا الفرائض التي افترضها الله على عباده، وقال ابن عمر: عرضت على آدم الطاعة والمعصية، وعُرِّف ثواب الطاعة وعقاب المعصية. ثم جاء في اللسان: "والذي عندي فيه أن الأمانة هنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها، ولم يظهر عليها أحدا من خلقه، فمن أضمر من التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها، وكل من خان فيما اؤتمن عليه فهو حامل، والإنسان في قوله: "وحملها الإنسان" هو الكافر الشاك الذي لا يصدق، وهو الظلوم الجهول، يدلك على ذلك قوله: "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"(4).
وكأن المراد هنا أن يجعل الأمانة هي مطابقة الاعتقاد الداخلي للعمل الظاهري والنطق اللساني، وكأنه يجعل الأمانة ضدا للنفاق، وإذا كان الفيروزابادي يذكر في القاموس أن المراد بالأمانة في الآية "الفرائض المفروضة" فإنه ينتقل بعد ذلك إلى ذكر ما يؤيد صاحب اللسان، فيقول: "أو النية التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الإيمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر؛ لأن الله تعالى ائتمنه عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة"(5).
وقد نستطيع أن نلحظ الارتباط بين معنى "الأمن" ومعنى "الأمانة"، لأن الأمانة توجِد أمنا عند صاحبها، لأنه يستقر بأمانته ومطابقة باطنه لظاهره، وموافقة اعتقاده لعمله وقوله، فلا يكون منافقا قلقا مذبذبا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فيتحقق له الأمن والاطمئنان، ويزول عنه الخوف الناشئ من القلق والنفاق والتلون؛ وكذلك يأمن الناس الذي تحلى بالأمانة وحفظ الأمانات، لأن الأمانة صفة تظهر آثارها في حفظ الأمانات، وهي الأشياء الذي يؤتمن عليها: مادية كانت أو معنوية،(6) وفي الحديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له".
ومن مادة "الأمانة" جاءت كلمة "الأمين" في طائفة من الآيات. كقوله تعالى: "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" وقوله: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" وقوله: "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" وقوله أكثر من مرة في سورة الشعراء: "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ".
والأمين هنا الذي لا يخون ولا يخدع ومعنى: "وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" : أي عُرِفْت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن تتهموني، أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه(7).
وقد وصف جبريل بوصف الأمين، يقول القرآن: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ" ويقول: "مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" وجبريل هو أمين الله على وحيه، وسفيره إلى أنبيائه ورسله. وقد وصف مكان المتقين بالأمين في قوله: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ" أي أمنوا فيه من السوء والتعب والألم، كما وصفت مكة بالبلد الأمين في قوله: "وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" أي الآمن.
وقد يجوز وصف الله سبحانه بوصف "الأمين": روى الأزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة في قوله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية ظنوا أن نفسه خرجت فيها، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم، إنه أتاني ملكان في غشيتي، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فانطلقا بي فلقيهما ملك آخر فقال: وأين تريدان به؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتب الله لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به نبيه ما شاء الله!. فعاش شهرا ثم مات!(.
ويكون معنى الأمين هنا هو القوي، إذ من معاني الأمين في كتب اللغة القوي(9) وقد يقوي هذا ورود كلمة "الأمين" مع كلمة "العزيز" في القصة السابقة.
ومن أصل مادة "الأمن" جاءت كلمة "الإيمان" التي وردت في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"، وقوله تعالى: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، وقوله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ". وقوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ". وورد قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" عشرات المرات في القرآن المجيد .. إلخ.
وفي القاموس أن الإيمان هو الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة(10): وحدد الزجاج الإيمان بقوله: الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة، ولما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاده وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاك، وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب(11).
وقال الأزهري: اتفق العلماء على أن الإيمان هو التصديق، قال تعالى: "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا"، أي ما أنت بمصدق لنا، وتقول العرب: (ما أمنت أن أجد صحابة) أي ما وثقت، فالإيمان هو الثقة والتصديق، وقال الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا" أي صدقوا بها ووثقوا فيها(12). ومن الواضح أن التصديق اطمئنان واستقرار، وأن الثقة اطمئنان واستقرار، فارتباط الإيمان بالأمن واضح ظاهر.
ويقول الطبرسي عن الإيمان(13): "أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالى وأنبيائه وملائكته وكتبه والبعث والنشور والجنة والنار".
ويعبر ابن قتيبة عن إيمان العبد بالله بأنه تصديقه قولا وعملا وعقدا، فالعبد مؤمن أي مصدق، والله سبحانه وتعالى مؤمن أي مصدق ما وعده، أي محققه، أو هو قابل لإيمانه(14).
وقد ذكر بعض الأئمة أن الإيمان أنواع فمن الإيمان تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين، يقول الله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا" أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب، ومن الإيمان تصديق باللسان والقلب، يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض، قال الله تعالى: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم قالوا: الله. وهم مع ذلك يجعلون له شركاء، وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرسل والكتب ويكفرون ببعض.
قال الله تعالى: "فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" يعني إيمانهم ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلهم(15).
وللإيمان استعمالات يشير إليها الراغب، فيُستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوة محمد وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان، وعلم بحسب ذلك بالجوارح، ويقال لكل من الاعتقاد والقول: الصدق، والعمل الصالح إيمان، ويزداد اهتمامنا هنا بقول الراغب في حديثه عن الإيمان: "إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن(16) لأن هذا يؤكد ارتباط معنى الإيمان بمعنى الأمن. كما أن الإيمان يرتبط بالأمانة، لأن الأمل في الإيمان كما يقول ابن منظور في اللسان: الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه، فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق، ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول دون التصديق بالقلب، فإنه لا يخلو من وجهين: أحدهما أن يكون منافقا ينضح عن المنافقين تأييدا لهم أو يكون جاهلا لا يعلم ما يقال له، أخرجه الجهل واللجاج إلى عناد الحق، وترك قبول الصواب، أعاذنا الله من هذه الصفة، وجعلنا ممن عَلِم فاستعمل ما عَلِم، أو جَهِل فتعلم ممن عَلِم، وسلَّمَنا من آفات أهل الزيغ والبدع، بمنه وكرمه"(17).
وقد تحدث العلماء كثيرا عن شمول الإيمان للعمل، وقال الطبرسي: قد روى الخاص والعام عن علي بن موسى الرضى عليه السلام أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، وقد روي ذلك على لفظ آخر عنه أيضا: الإيمان قول مقول وعمل معمول، وعرفان بالعقول واتباع للرسول(18).
وفي أسماء الله تعالى: "المؤمن" كما جاء في القرآن وهو الذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان بمعنى التصديق، أو هو الذي يؤمنهم في القيامة من عذابه، فيكون من الأمان والأمن.(19) وقال بعض أهل العلم: إن المؤمن في صفات الله تعالى هو أن يصدق ما وعد عبده من الثواب، وقال آخرون: هو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه ولا يظلمهم(20)، وقال ابن قتيبة فيما يتعلق بوصف العبد بصفة المؤمن: "وقد يكون المؤمن من الأمان، أي لا يأمن إلا من أمنه الله"(21). فالعبد يصدق ربه فيأمن بتصديقه، والله يصدق عبده في هذا الإيمان فيمن عليه بالأمان.
وقد يراد المؤمن الشخص الأمين الذي يأتمنه الناس، ففي الحديث عن ابن عمر قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من المهاجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من هجر السيئات". قال: فمن المؤمن؟ قال: "من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم". قال: فمن المسلم؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". قال: فمن المجاهد؟ قال: "من جاهد نفسه"(22).
ومن هذه النصوص والشواهد المتواكبة المتعاقبة نشهد ترابط الفروع الثلاثة لمادة الألف والميم والنون، وهذه هي الأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد التكذيب.
أما بعد فقد قال ابن عباس: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى "آمين" فقال: "افعل"(23)، وهذا كما يقول ابن فارس: يعود إلى معنى مادة "أمن" الثاني وهو التصديق، لأنه متى استجاب الله للدعاء وحققه فقد صدقه فهناك تصديق للدعاء بالتحقيق له من الله سبحانه، ولذلك قال الترمذي: إن معنى آمين: لا تخيب رجاءنا، وقال جعفر الصادق في تأويل آمين: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا، وقال أبو إسحاق: معناها: اللهم استجب!
ونعود فنردد بالدعاء قائلين: اللهم لا تخيب رجاءنا، اللهم آمين!.
------------------------------------
1 - كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص365.
2- القاموس المحيط، ج4 ص1978.
3- مفردات القرآن، للراغب ص25.
4- لسان العرب، ج13 ص24 طبعة بيروت.
5- القاموس، ج4 ص197.
6- من أنواع الأمانة أمانة المجالس ففي الحديث: "المجالس بالأمانة" وهذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل، فكأن هذا أمانة عند من سمعه أو رآه. انظر النهاية لابن الأثير ج1 ص45 واللسان ج13 ص22 طبعة بيروت.
7- الكشاف للزمخشري، ج2 ص69.
8- لسان العرب، ج13 ص27.
9- القاموس، ج4 ص197.
10- المرجع السابق.
11- لسان العرب، ج13 ص23.
12- تفسير الطبرسي، ج1 ص37.
13- المرجع السابق.
14- تفسير غريب القرآن، ص10.
15- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة ص367.
16- مفردات القرآن، ص35.
17- لسان العرب، ج13 ص23.
18- تفسير الطبرسي، ج1 ص38.
19- النهاية لابن الأثير، ج1 ص43.
20- معجم مقاييس اللغة، ج1 ص135.
21- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، ص10.
22- لسان العرب، ج13 ص24.
23- تهذيب الأسماء، للنووي ج1 ص12 ونحن نتعرض لكلمة آمين لأنها في الظاهر من مادة الأمن.
مصدرها:
جاءت مادة "الأمن" في القرآن الكريم مرات كثيرة، وتستعمل أحيانا بمعنى الأمن الذي هو ضد الخوف، وأحيانا تأتي من المادة مشتقات تدل على الأمانة، وأحيانا تأتي منها مشتقات تدل على الإيمان، وقد تحدثنا عن "الأمن" من قبل، ونواصل الحديث عن الأمانة والإيمان.
وردت لفظة الأمانة في طائفة من الآيات، كقوله تعالى: "فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " وقوله: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" وقوله: "لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ " وقوله: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".
والأمانة -كما تقول المعجمات- ضد الخيانة، "والخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه"(1). ورجل أُمَنه -بضم ففتح- أي الذي يأمنه كل أحد في كل شيء(2). وقد وردت كلمة "الأمانة" في آية كريمة فشغلت المفسرين أكثر من مثلها في آيات أخرى، وهذه الآية هي قول الله تعالى في سورة الأحزاب: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".
تعددت الأقوال في بيان المراد من "الأمانة" هنا فقال الراغب الأصفهاني: "قيل هي كلمة التوحيد، وقيل العدالة، وقيل حروف التهجي، وقيل العقل، وهو صحيح، فإن العقل هو الذي لحصوله تتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة، وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضل (الإنسان) على كثير ممن خلقه"(3).
فالراغب بعد أن يورد أقوالا في معنى الأمانة، يختار معنى العقل، ويحاول أن يرجع إليه بقية المعاني ببيان كونها داخلة فيه أو راجعة إليه.
وقد روي -كما في اللسان- عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا: الأمانة ها هنا الفرائض التي افترضها الله على عباده، وقال ابن عمر: عرضت على آدم الطاعة والمعصية، وعُرِّف ثواب الطاعة وعقاب المعصية. ثم جاء في اللسان: "والذي عندي فيه أن الأمانة هنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها، ولم يظهر عليها أحدا من خلقه، فمن أضمر من التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها، وكل من خان فيما اؤتمن عليه فهو حامل، والإنسان في قوله: "وحملها الإنسان" هو الكافر الشاك الذي لا يصدق، وهو الظلوم الجهول، يدلك على ذلك قوله: "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"(4).
وكأن المراد هنا أن يجعل الأمانة هي مطابقة الاعتقاد الداخلي للعمل الظاهري والنطق اللساني، وكأنه يجعل الأمانة ضدا للنفاق، وإذا كان الفيروزابادي يذكر في القاموس أن المراد بالأمانة في الآية "الفرائض المفروضة" فإنه ينتقل بعد ذلك إلى ذكر ما يؤيد صاحب اللسان، فيقول: "أو النية التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الإيمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر؛ لأن الله تعالى ائتمنه عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة"(5).
وقد نستطيع أن نلحظ الارتباط بين معنى "الأمن" ومعنى "الأمانة"، لأن الأمانة توجِد أمنا عند صاحبها، لأنه يستقر بأمانته ومطابقة باطنه لظاهره، وموافقة اعتقاده لعمله وقوله، فلا يكون منافقا قلقا مذبذبا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فيتحقق له الأمن والاطمئنان، ويزول عنه الخوف الناشئ من القلق والنفاق والتلون؛ وكذلك يأمن الناس الذي تحلى بالأمانة وحفظ الأمانات، لأن الأمانة صفة تظهر آثارها في حفظ الأمانات، وهي الأشياء الذي يؤتمن عليها: مادية كانت أو معنوية،(6) وفي الحديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له".
ومن مادة "الأمانة" جاءت كلمة "الأمين" في طائفة من الآيات. كقوله تعالى: "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" وقوله: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" وقوله: "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" وقوله أكثر من مرة في سورة الشعراء: "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ".
والأمين هنا الذي لا يخون ولا يخدع ومعنى: "وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" : أي عُرِفْت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن تتهموني، أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه(7).
وقد وصف جبريل بوصف الأمين، يقول القرآن: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ" ويقول: "مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" وجبريل هو أمين الله على وحيه، وسفيره إلى أنبيائه ورسله. وقد وصف مكان المتقين بالأمين في قوله: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ" أي أمنوا فيه من السوء والتعب والألم، كما وصفت مكة بالبلد الأمين في قوله: "وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" أي الآمن.
وقد يجوز وصف الله سبحانه بوصف "الأمين": روى الأزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة في قوله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية ظنوا أن نفسه خرجت فيها، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم، إنه أتاني ملكان في غشيتي، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فانطلقا بي فلقيهما ملك آخر فقال: وأين تريدان به؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتب الله لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به نبيه ما شاء الله!. فعاش شهرا ثم مات!(.
ويكون معنى الأمين هنا هو القوي، إذ من معاني الأمين في كتب اللغة القوي(9) وقد يقوي هذا ورود كلمة "الأمين" مع كلمة "العزيز" في القصة السابقة.
ومن أصل مادة "الأمن" جاءت كلمة "الإيمان" التي وردت في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"، وقوله تعالى: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، وقوله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ". وقوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ". وورد قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" عشرات المرات في القرآن المجيد .. إلخ.
وفي القاموس أن الإيمان هو الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة(10): وحدد الزجاج الإيمان بقوله: الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة، ولما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاده وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاك، وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب(11).
وقال الأزهري: اتفق العلماء على أن الإيمان هو التصديق، قال تعالى: "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا"، أي ما أنت بمصدق لنا، وتقول العرب: (ما أمنت أن أجد صحابة) أي ما وثقت، فالإيمان هو الثقة والتصديق، وقال الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا" أي صدقوا بها ووثقوا فيها(12). ومن الواضح أن التصديق اطمئنان واستقرار، وأن الثقة اطمئنان واستقرار، فارتباط الإيمان بالأمن واضح ظاهر.
ويقول الطبرسي عن الإيمان(13): "أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالى وأنبيائه وملائكته وكتبه والبعث والنشور والجنة والنار".
ويعبر ابن قتيبة عن إيمان العبد بالله بأنه تصديقه قولا وعملا وعقدا، فالعبد مؤمن أي مصدق، والله سبحانه وتعالى مؤمن أي مصدق ما وعده، أي محققه، أو هو قابل لإيمانه(14).
وقد ذكر بعض الأئمة أن الإيمان أنواع فمن الإيمان تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين، يقول الله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا" أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب، ومن الإيمان تصديق باللسان والقلب، يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض، قال الله تعالى: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم قالوا: الله. وهم مع ذلك يجعلون له شركاء، وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرسل والكتب ويكفرون ببعض.
قال الله تعالى: "فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" يعني إيمانهم ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلهم(15).
وللإيمان استعمالات يشير إليها الراغب، فيُستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوة محمد وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان، وعلم بحسب ذلك بالجوارح، ويقال لكل من الاعتقاد والقول: الصدق، والعمل الصالح إيمان، ويزداد اهتمامنا هنا بقول الراغب في حديثه عن الإيمان: "إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن(16) لأن هذا يؤكد ارتباط معنى الإيمان بمعنى الأمن. كما أن الإيمان يرتبط بالأمانة، لأن الأمل في الإيمان كما يقول ابن منظور في اللسان: الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه، فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق، ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول دون التصديق بالقلب، فإنه لا يخلو من وجهين: أحدهما أن يكون منافقا ينضح عن المنافقين تأييدا لهم أو يكون جاهلا لا يعلم ما يقال له، أخرجه الجهل واللجاج إلى عناد الحق، وترك قبول الصواب، أعاذنا الله من هذه الصفة، وجعلنا ممن عَلِم فاستعمل ما عَلِم، أو جَهِل فتعلم ممن عَلِم، وسلَّمَنا من آفات أهل الزيغ والبدع، بمنه وكرمه"(17).
وقد تحدث العلماء كثيرا عن شمول الإيمان للعمل، وقال الطبرسي: قد روى الخاص والعام عن علي بن موسى الرضى عليه السلام أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، وقد روي ذلك على لفظ آخر عنه أيضا: الإيمان قول مقول وعمل معمول، وعرفان بالعقول واتباع للرسول(18).
وفي أسماء الله تعالى: "المؤمن" كما جاء في القرآن وهو الذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان بمعنى التصديق، أو هو الذي يؤمنهم في القيامة من عذابه، فيكون من الأمان والأمن.(19) وقال بعض أهل العلم: إن المؤمن في صفات الله تعالى هو أن يصدق ما وعد عبده من الثواب، وقال آخرون: هو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه ولا يظلمهم(20)، وقال ابن قتيبة فيما يتعلق بوصف العبد بصفة المؤمن: "وقد يكون المؤمن من الأمان، أي لا يأمن إلا من أمنه الله"(21). فالعبد يصدق ربه فيأمن بتصديقه، والله يصدق عبده في هذا الإيمان فيمن عليه بالأمان.
وقد يراد المؤمن الشخص الأمين الذي يأتمنه الناس، ففي الحديث عن ابن عمر قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من المهاجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من هجر السيئات". قال: فمن المؤمن؟ قال: "من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم". قال: فمن المسلم؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". قال: فمن المجاهد؟ قال: "من جاهد نفسه"(22).
ومن هذه النصوص والشواهد المتواكبة المتعاقبة نشهد ترابط الفروع الثلاثة لمادة الألف والميم والنون، وهذه هي الأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد التكذيب.
أما بعد فقد قال ابن عباس: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى "آمين" فقال: "افعل"(23)، وهذا كما يقول ابن فارس: يعود إلى معنى مادة "أمن" الثاني وهو التصديق، لأنه متى استجاب الله للدعاء وحققه فقد صدقه فهناك تصديق للدعاء بالتحقيق له من الله سبحانه، ولذلك قال الترمذي: إن معنى آمين: لا تخيب رجاءنا، وقال جعفر الصادق في تأويل آمين: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا، وقال أبو إسحاق: معناها: اللهم استجب!
ونعود فنردد بالدعاء قائلين: اللهم لا تخيب رجاءنا، اللهم آمين!.
------------------------------------
1 - كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص365.
2- القاموس المحيط، ج4 ص1978.
3- مفردات القرآن، للراغب ص25.
4- لسان العرب، ج13 ص24 طبعة بيروت.
5- القاموس، ج4 ص197.
6- من أنواع الأمانة أمانة المجالس ففي الحديث: "المجالس بالأمانة" وهذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل، فكأن هذا أمانة عند من سمعه أو رآه. انظر النهاية لابن الأثير ج1 ص45 واللسان ج13 ص22 طبعة بيروت.
7- الكشاف للزمخشري، ج2 ص69.
8- لسان العرب، ج13 ص27.
9- القاموس، ج4 ص197.
10- المرجع السابق.
11- لسان العرب، ج13 ص23.
12- تفسير الطبرسي، ج1 ص37.
13- المرجع السابق.
14- تفسير غريب القرآن، ص10.
15- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة ص367.
16- مفردات القرآن، ص35.
17- لسان العرب، ج13 ص23.
18- تفسير الطبرسي، ج1 ص38.
19- النهاية لابن الأثير، ج1 ص43.
20- معجم مقاييس اللغة، ج1 ص135.
21- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، ص10.
22- لسان العرب، ج13 ص24.
23- تهذيب الأسماء، للنووي ج1 ص12 ونحن نتعرض لكلمة آمين لأنها في الظاهر من مادة الأمن.
مفردات قرآنية: مادة الأمن في القرآن للأستاذ أحمد الشرباصي
مصدرها:
جاءت مادة "الأمن" في القرآن الكريم مرات كثيرة، وتستعمل أحيانا بمعنى الأمن الذي هو ضد الخوف، وأحيانا تأتي من المادة مشتقات تدل على الأمانة، وأحيانا تأتي منها مشتقات تدل على الإيمان، وقد تحدثنا عن "الأمن" من قبل، ونواصل الحديث عن الأمانة والإيمان.
وردت لفظة الأمانة في طائفة من الآيات، كقوله تعالى: "فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ " وقوله: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا" وقوله: "لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ " وقوله: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ".
والأمانة -كما تقول المعجمات- ضد الخيانة، "والخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه"(1). ورجل أُمَنه -بضم ففتح- أي الذي يأمنه كل أحد في كل شيء(2). وقد وردت كلمة "الأمانة" في آية كريمة فشغلت المفسرين أكثر من مثلها في آيات أخرى، وهذه الآية هي قول الله تعالى في سورة الأحزاب: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا".
تعددت الأقوال في بيان المراد من "الأمانة" هنا فقال الراغب الأصفهاني: "قيل هي كلمة التوحيد، وقيل العدالة، وقيل حروف التهجي، وقيل العقل، وهو صحيح، فإن العقل هو الذي لحصوله تتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة، وتعلم حروف التهجي بل لحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضل (الإنسان) على كثير ممن خلقه"(3).
فالراغب بعد أن يورد أقوالا في معنى الأمانة، يختار معنى العقل، ويحاول أن يرجع إليه بقية المعاني ببيان كونها داخلة فيه أو راجعة إليه.
وقد روي -كما في اللسان- عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قالا: الأمانة ها هنا الفرائض التي افترضها الله على عباده، وقال ابن عمر: عرضت على آدم الطاعة والمعصية، وعُرِّف ثواب الطاعة وعقاب المعصية. ثم جاء في اللسان: "والذي عندي فيه أن الأمانة هنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها، ولم يظهر عليها أحدا من خلقه، فمن أضمر من التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها، وكل من خان فيما اؤتمن عليه فهو حامل، والإنسان في قوله: "وحملها الإنسان" هو الكافر الشاك الذي لا يصدق، وهو الظلوم الجهول، يدلك على ذلك قوله: "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا"(4).
وكأن المراد هنا أن يجعل الأمانة هي مطابقة الاعتقاد الداخلي للعمل الظاهري والنطق اللساني، وكأنه يجعل الأمانة ضدا للنفاق، وإذا كان الفيروزابادي يذكر في القاموس أن المراد بالأمانة في الآية "الفرائض المفروضة" فإنه ينتقل بعد ذلك إلى ذكر ما يؤيد صاحب اللسان، فيقول: "أو النية التي يعتقدها فيما يظهره باللسان من الإيمان ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر؛ لأن الله تعالى ائتمنه عليها، ولم يظهرها لأحد من خلقه، فمن أضمر من التوحيد مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة"(5).
وقد نستطيع أن نلحظ الارتباط بين معنى "الأمن" ومعنى "الأمانة"، لأن الأمانة توجِد أمنا عند صاحبها، لأنه يستقر بأمانته ومطابقة باطنه لظاهره، وموافقة اعتقاده لعمله وقوله، فلا يكون منافقا قلقا مذبذبا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فيتحقق له الأمن والاطمئنان، ويزول عنه الخوف الناشئ من القلق والنفاق والتلون؛ وكذلك يأمن الناس الذي تحلى بالأمانة وحفظ الأمانات، لأن الأمانة صفة تظهر آثارها في حفظ الأمانات، وهي الأشياء الذي يؤتمن عليها: مادية كانت أو معنوية،(6) وفي الحديث: "لا إيمان لمن لا أمانة له".
ومن مادة "الأمانة" جاءت كلمة "الأمين" في طائفة من الآيات. كقوله تعالى: "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" وقوله: "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" وقوله: "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ" وقوله أكثر من مرة في سورة الشعراء: "إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ".
والأمين هنا الذي لا يخون ولا يخدع ومعنى: "وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" : أي عُرِفْت فيما بينكم بالنصح والأمانة، فما حقي أن تتهموني، أو أنا لكم ناصح فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه(7).
وقد وصف جبريل بوصف الأمين، يقول القرآن: "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ" ويقول: "مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" وجبريل هو أمين الله على وحيه، وسفيره إلى أنبيائه ورسله. وقد وصف مكان المتقين بالأمين في قوله: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ" أي أمنوا فيه من السوء والتعب والألم، كما وصفت مكة بالبلد الأمين في قوله: "وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" أي الآمن.
وقد يجوز وصف الله سبحانه بوصف "الأمين": روى الأزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة في قوله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ" قال: غشي على عبد الرحمن بن عوف غشية ظنوا أن نفسه خرجت فيها، فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت أن تستعين به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي علي؟ قالوا: نعم، قال: صدقتم، إنه أتاني ملكان في غشيتي، فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فانطلقا بي فلقيهما ملك آخر فقال: وأين تريدان به؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. قال: فأرجعاه، فإن هذا ممن كتب الله لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم، وسيمتع الله به نبيه ما شاء الله!. فعاش شهرا ثم مات!(.
ويكون معنى الأمين هنا هو القوي، إذ من معاني الأمين في كتب اللغة القوي(9) وقد يقوي هذا ورود كلمة "الأمين" مع كلمة "العزيز" في القصة السابقة.
ومن أصل مادة "الأمن" جاءت كلمة "الإيمان" التي وردت في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ"، وقوله تعالى: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، وقوله تعالى: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ". وقوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ". وورد قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" عشرات المرات في القرآن المجيد .. إلخ.
وفي القاموس أن الإيمان هو الثقة وإظهار الخضوع وقبول الشريعة(10): وحدد الزجاج الإيمان بقوله: الإيمان إظهار الخضوع والقبول للشريعة، ولما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقاده وتصديقه بالقلب، فمن كان على هذه الصفة فهو مؤمن مسلم غير مرتاب ولا شاك، وهو الذي يرى أن أداء الفرائض واجب عليه لا يدخله في ذلك ريب(11).
وقال الأزهري: اتفق العلماء على أن الإيمان هو التصديق، قال تعالى: "وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا"، أي ما أنت بمصدق لنا، وتقول العرب: (ما أمنت أن أجد صحابة) أي ما وثقت، فالإيمان هو الثقة والتصديق، وقال الله تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا" أي صدقوا بها ووثقوا فيها(12). ومن الواضح أن التصديق اطمئنان واستقرار، وأن الثقة اطمئنان واستقرار، فارتباط الإيمان بالأمن واضح ظاهر.
ويقول الطبرسي عن الإيمان(13): "أما في الشريعة فالإيمان هو التصديق بكل ما يلزم التصديق به من الله تعالى وأنبيائه وملائكته وكتبه والبعث والنشور والجنة والنار".
ويعبر ابن قتيبة عن إيمان العبد بالله بأنه تصديقه قولا وعملا وعقدا، فالعبد مؤمن أي مصدق، والله سبحانه وتعالى مؤمن أي مصدق ما وعده، أي محققه، أو هو قابل لإيمانه(14).
وقد ذكر بعض الأئمة أن الإيمان أنواع فمن الإيمان تصديق باللسان دون القلب، كإيمان المنافقين، يقول الله تعالى: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا" أي آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، كما كان من الإسلام انقياد باللسان دون القلب، ومن الإيمان تصديق باللسان والقلب، يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" كما كان من الإسلام انقياد باللسان والقلب.
ومن الإيمان تصديق ببعض وتكذيب ببعض، قال الله تعالى: "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" يعني مشركي العرب، إن سألتهم من خلقهم قالوا: الله. وهم مع ذلك يجعلون له شركاء، وأهل الكتاب يؤمنون ببعض الرسل والكتب ويكفرون ببعض.
قال الله تعالى: "فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا" يعني إيمانهم ببعض الرسل والكتب، إذ لم يؤمنوا بهم كلهم(15).
وللإيمان استعمالات يشير إليها الراغب، فيُستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوة محمد وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب وإقرار باللسان، وعلم بحسب ذلك بالجوارح، ويقال لكل من الاعتقاد والقول: الصدق، والعمل الصالح إيمان، ويزداد اهتمامنا هنا بقول الراغب في حديثه عن الإيمان: "إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن(16) لأن هذا يؤكد ارتباط معنى الإيمان بمعنى الأمن. كما أن الإيمان يرتبط بالأمانة، لأن الأمل في الإيمان كما يقول ابن منظور في اللسان: الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه، فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق، ومن زعم أن الإيمان هو إظهار القول دون التصديق بالقلب، فإنه لا يخلو من وجهين: أحدهما أن يكون منافقا ينضح عن المنافقين تأييدا لهم أو يكون جاهلا لا يعلم ما يقال له، أخرجه الجهل واللجاج إلى عناد الحق، وترك قبول الصواب، أعاذنا الله من هذه الصفة، وجعلنا ممن عَلِم فاستعمل ما عَلِم، أو جَهِل فتعلم ممن عَلِم، وسلَّمَنا من آفات أهل الزيغ والبدع، بمنه وكرمه"(17).
وقد تحدث العلماء كثيرا عن شمول الإيمان للعمل، وقال الطبرسي: قد روى الخاص والعام عن علي بن موسى الرضى عليه السلام أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان، وقد روي ذلك على لفظ آخر عنه أيضا: الإيمان قول مقول وعمل معمول، وعرفان بالعقول واتباع للرسول(18).
وفي أسماء الله تعالى: "المؤمن" كما جاء في القرآن وهو الذي يصدق عباده وعده، فهو من الإيمان بمعنى التصديق، أو هو الذي يؤمنهم في القيامة من عذابه، فيكون من الأمان والأمن.(19) وقال بعض أهل العلم: إن المؤمن في صفات الله تعالى هو أن يصدق ما وعد عبده من الثواب، وقال آخرون: هو مؤمن لأوليائه يؤمنهم عذابه ولا يظلمهم(20)، وقال ابن قتيبة فيما يتعلق بوصف العبد بصفة المؤمن: "وقد يكون المؤمن من الأمان، أي لا يأمن إلا من أمنه الله"(21). فالعبد يصدق ربه فيأمن بتصديقه، والله يصدق عبده في هذا الإيمان فيمن عليه بالأمان.
وقد يراد المؤمن الشخص الأمين الذي يأتمنه الناس، ففي الحديث عن ابن عمر قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من المهاجر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من هجر السيئات". قال: فمن المؤمن؟ قال: "من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم". قال: فمن المسلم؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". قال: فمن المجاهد؟ قال: "من جاهد نفسه"(22).
ومن هذه النصوص والشواهد المتواكبة المتعاقبة نشهد ترابط الفروع الثلاثة لمادة الألف والميم والنون، وهذه هي الأمن ضد الخوف، والأمانة ضد الخيانة، والإيمان ضد التكذيب.
أما بعد فقد قال ابن عباس: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى "آمين" فقال: "افعل"(23)، وهذا كما يقول ابن فارس: يعود إلى معنى مادة "أمن" الثاني وهو التصديق، لأنه متى استجاب الله للدعاء وحققه فقد صدقه فهناك تصديق للدعاء بالتحقيق له من الله سبحانه، ولذلك قال الترمذي: إن معنى آمين: لا تخيب رجاءنا، وقال جعفر الصادق في تأويل آمين: قاصدين نحوك، وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا، وقال أبو إسحاق: معناها: اللهم استجب!
ونعود فنردد بالدعاء قائلين: اللهم لا تخيب رجاءنا، اللهم آمين!.
------------------------------------
1 - كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص365.
2- القاموس المحيط، ج4 ص1978.
3- مفردات القرآن، للراغب ص25.
4- لسان العرب، ج13 ص24 طبعة بيروت.
5- القاموس، ج4 ص197.
6- من أنواع الأمانة أمانة المجالس ففي الحديث: "المجالس بالأمانة" وهذا ندب إلى ترك إعادة ما يجري في المجلس من قول أو فعل، فكأن هذا أمانة عند من سمعه أو رآه. انظر النهاية لابن الأثير ج1 ص45 واللسان ج13 ص22 طبعة بيروت.
7- الكشاف للزمخشري، ج2 ص69.
8- لسان العرب، ج13 ص27.
9- القاموس، ج4 ص197.
10- المرجع السابق.
11- لسان العرب، ج13 ص23.
12- تفسير الطبرسي، ج1 ص37.
13- المرجع السابق.
14- تفسير غريب القرآن، ص10.
15- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة ص367.
16- مفردات القرآن، ص35.
17- لسان العرب، ج13 ص23.
18- تفسير الطبرسي، ج1 ص38.
19- النهاية لابن الأثير، ج1 ص43.
20- معجم مقاييس اللغة، ج1 ص135.
21- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، ص10.
22- لسان العرب، ج13 ص24.
23- تهذيب الأسماء، للنووي ج1 ص12 ونحن نتعرض لكلمة آمين لأنها في الظاهر من مادة الأمن.