هل القرآن يدعو إلى أخذ الثأر
الشبهة
ورد في القرآن قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ} [البقرة :194] ونحن نرى الأثر السيئ لمبدأ الأخذ بالثأر متفشيًا بسبب هذا الكلام، وكم تعب رجال الشرطة من نتائجه، وبُحَّت أصوات المعلمين في التعليم ضده! وهل الاعتداء على من اعتدى علاج للجريمة؟
الرد عليها
قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
أولاً: المقصود من الاعتداء في الآية:
جرت الآية الكريمة على سنن اللغة العربية في استخدام الأسلوب البلاغي المسمى بالمشاكلة، وهو: ذكْرُ الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، وإن كان في غير معناه؛ لغرض بلاغي، وذلك مثل قول الشاعر:
قالوا اقترح شيئًا نُجٍٍٍٍٍٍٍٍد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصًا (1)
والجُبَّة والقميص لا يطبخان، كأنه قال: خيطوا لي، ومثله قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى :40]
وعليه فمعنى الآية أن مَنْ قام بالبغي عليكم، فردوا عدوانه وبغيه، ودافعوا عن أنفسكم، وليس في الآية -إطلاقًا- تحفيز للمسلم على الاعتداء، كيف والآية التي قبلها تدعو المسلم إلى ضبط ميزان القتال والعدل فيه، بأن يكون القتال في سبيل مبدأ درأ الفتن، لا شهوة في الانتقام والعدوان، وأن يقتصر على الظالمين لردعهم عن العدوان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة193].
ثانيًا: الآية نهي عن الثأر حيث أمرت بمثلية العقاب:
ثم إن الآية تزجر من يتوجَّه إلى الأخذ بالثأر؛ إذ أن الأخذ بالثأر ليس فيه عقاب بالمثل، فالثأر عادة جاهلية تقتضي بأن يقتل واحد من أهل القتيل واحدًا من أهل مَنْ يظن أن فيهم القاتل، دون أن يلتفت إلى أنه هو القاتل الحقيقي أو لا، ودون أن يجري في ذلك تحقيق، فأمرت الآية بأن يتحقق الإنسان من أن العقاب مساوٍ للجرم، لا أزيد منه و"المراد بالمثلية في الآية الكريمة المماثلة في المقدار والأحوال" (2).
للمسامحة مجال أيضًا:
لم يفهم السائل أن الأمر برد الاعتداء في الآية الكريمة لا يراد به الوجوب، وإنما هو للإباحة، فمن أراد أن يتسامح في حقه فالشرع الشريف يُجيز له ذلك، وله على هذا العفو جزاء عظيم، قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم- عند قتل عمه حمزة: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل : 126]
وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى : 43]
أما أن يكون المرء مظلومًا ويأمره الشرع الشريف بأن لا يرد الأذى عن نفسه، فهذا لا يناسب سائر النفسيات البشرية، فقد لا يقبل هذا القول كثير من الناس، فإذا ألزمتهم بذلك، وقلت: إن هذا هو أمر الله، فهي مصيبة عظيمة قد تخرج الناس من دين الله أفواجًا (3).
الهوامش:
------------------------
(1) الإيضاح في علوم البلاغة 1/327
(2) التحرير والتنوير 2 / 211 0
(3) انظر روح المعاني 2 / 116 ط دار الفكر 0
الشبهة
ورد في القرآن قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ} [البقرة :194] ونحن نرى الأثر السيئ لمبدأ الأخذ بالثأر متفشيًا بسبب هذا الكلام، وكم تعب رجال الشرطة من نتائجه، وبُحَّت أصوات المعلمين في التعليم ضده! وهل الاعتداء على من اعتدى علاج للجريمة؟
الرد عليها
قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية
أولاً: المقصود من الاعتداء في الآية:
جرت الآية الكريمة على سنن اللغة العربية في استخدام الأسلوب البلاغي المسمى بالمشاكلة، وهو: ذكْرُ الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، وإن كان في غير معناه؛ لغرض بلاغي، وذلك مثل قول الشاعر:
قالوا اقترح شيئًا نُجٍٍٍٍٍٍٍٍد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصًا (1)
والجُبَّة والقميص لا يطبخان، كأنه قال: خيطوا لي، ومثله قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى :40]
وعليه فمعنى الآية أن مَنْ قام بالبغي عليكم، فردوا عدوانه وبغيه، ودافعوا عن أنفسكم، وليس في الآية -إطلاقًا- تحفيز للمسلم على الاعتداء، كيف والآية التي قبلها تدعو المسلم إلى ضبط ميزان القتال والعدل فيه، بأن يكون القتال في سبيل مبدأ درأ الفتن، لا شهوة في الانتقام والعدوان، وأن يقتصر على الظالمين لردعهم عن العدوان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة193].
ثانيًا: الآية نهي عن الثأر حيث أمرت بمثلية العقاب:
ثم إن الآية تزجر من يتوجَّه إلى الأخذ بالثأر؛ إذ أن الأخذ بالثأر ليس فيه عقاب بالمثل، فالثأر عادة جاهلية تقتضي بأن يقتل واحد من أهل القتيل واحدًا من أهل مَنْ يظن أن فيهم القاتل، دون أن يلتفت إلى أنه هو القاتل الحقيقي أو لا، ودون أن يجري في ذلك تحقيق، فأمرت الآية بأن يتحقق الإنسان من أن العقاب مساوٍ للجرم، لا أزيد منه و"المراد بالمثلية في الآية الكريمة المماثلة في المقدار والأحوال" (2).
للمسامحة مجال أيضًا:
لم يفهم السائل أن الأمر برد الاعتداء في الآية الكريمة لا يراد به الوجوب، وإنما هو للإباحة، فمن أراد أن يتسامح في حقه فالشرع الشريف يُجيز له ذلك، وله على هذا العفو جزاء عظيم، قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم- عند قتل عمه حمزة: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل : 126]
وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى : 43]
أما أن يكون المرء مظلومًا ويأمره الشرع الشريف بأن لا يرد الأذى عن نفسه، فهذا لا يناسب سائر النفسيات البشرية، فقد لا يقبل هذا القول كثير من الناس، فإذا ألزمتهم بذلك، وقلت: إن هذا هو أمر الله، فهي مصيبة عظيمة قد تخرج الناس من دين الله أفواجًا (3).
الهوامش:
------------------------
(1) الإيضاح في علوم البلاغة 1/327
(2) التحرير والتنوير 2 / 211 0
(3) انظر روح المعاني 2 / 116 ط دار الفكر 0