اعداد/ د. هند بدارى
تواجه الكثير من الثورات التي أطاحت بأنظمة الحكم المستبدة والفاسدة عبر العالم ثورات مضادة ،قد تقضي عليها وتبدد طموحات الشعوب في الاستقرار بإشاعة الفوضي وإعادة نظام الحكم الديكتاتوري مثلما حدث في ثورات شيلي وايران وإسبانيا وغيرها ،وربما تفشل هذه الحركات المضادة نتيجة إنقاذ الثورة الأم مثل الثورة الفرنسية والبلشفية .
وثمة شواهد تشير إلي أن البلاد التى شهدت ثورات الربيع العربي منذ 17ديسمبر 2010 تواجه خطر الثورة المضادة من أنصار الأنظمة البائدة، الذين يتربصون عادة في انتظارفرصة للانقضاض علي الثورة، والعودة مرة أخري الى ادارة مسرح الأحداث بإستغلال الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها بعض القوي، التي تريد احتكار الثورة، وتوجيه مسار الدولة .
فعلى سبيل المثال : تتعرض ثورة 25يناير المصرية حاليا لنذر الثورة المضادة، من إثارة الفوضي وصناعة الفتنة الطائفية،و أعمال البلطجة، والاعتصامات الفئوية والإضرابات العمالية إلي رواج تجارة السلاح، وغيرها من مخاطر قد تتسبب فى انتكاس الثورة قبل اكتمال نضجها.
وتشير أصابع الاتهام عادة إلى قوى خفية تحرك أحداث العنف من وراء الستار بدليل أن التحقيقات التي تباشرها نيابة جنوب القاهرة الكلية في مصادمات مجلس الوزراء ،قد كشفت عن اعتراف 8 متهمين من المقبوض عليهم بتلقيهم أموالا نظير تنفيذ عمليات حرق المباني العامة فى شارع قصر العينى مثل: مبنى حى بولاق، وهيئة الطرق والكبارى.
والأخطر ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصدر مسئول من رصد جهات أمنية سيادية لتحركات واتصالات عناصر داخلية مع جهات أجنبية خارجية لتنفيذ سيناريو مخطط يوم 25 يناير 2012 ،من خلال قيام ثورة أخرى هدفها فقط الدخول فى اشتباكات دامية مع عناصر القوات المسلحة بعد استفزازهم فى أماكن حيوية إلى جانب التجهيز لاشعال الحرائق، وكلها أمور تثير المخاوف من ثورة مضادة تدفع البلاد الي مزيد من الفوضي خاصة أن البلطجة وتجارة السلاح، بلغا حدا غير مسبوق .
وتعد الثورة التونسية التي أطلقت الشرارة الأولى للانتفاضات العربية ، نموذجاً حيا لعرقلة شبح "الثورة المضادة"، استكمال مشروع "الانتقال الديمقراطي" ، نتيجة تحريض عناصر غامضة داخليا وخارجيا من المتضررين على اشاعة الفوضى ، لعل من أهمهم بعض بارونات الحكم السابق وحزب التجمع الدستوري المنحل وجماعات سياسية يمينية ويسارية متطرفة، وربما بعض القادة ممن قد تلحقهم متابعات قضائية بتهم ارتكاب جرائم تعذيب أو فقدوا امتيازاتهم السلطوية ونفوذهم بعد الثورة.
ولعل المفارقة أن يستغل قادة الثورة المضادة فقر وجهل عدد من أبناء الطبقات الفقيرة و المتوسطة ليكونوا وقود مؤامراتهم ،رغم أن الثورة تسعى الى تحسين أوضاعهم ، ما دفع تونس إلى مظاهر من الفوضى الأمنية والإفلاس الاقتصادي، ولاتزال هناك أجهزة اعلام رسمية وخاصة مملوكة لاتباع الرئيس المخلوع "بن علي"، تقوم بدورها فى إحباط ثورة الشباب التونسي، من خلال شق الصف ، وبث السموم الإعلامية المثيرة .
ومن هنا ،جاء ت تصريحات الرئيس التونسى المؤقت منصف المرزوقى ، في كلمة القاها بعد آداء اليمين الدستورية أمام المجلس التأسيسي 13 ديسمبر2011، بأن المجلس التأسيسي مطالب بتحقيق أهداف الثورة التونسية والاستقرار والاسراع في الاصلاحات العاجلة ، مؤكداً أنه لا يمكن أن يقبل قيام ثورة مضادة لثورة 17 ديسمبر المجيدة .كما دعا المرزوقى فى حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته الأحد 25 ديسمبر التونسيين لإيقاف الاعتصامات لأنه من شأنها إرعاب رأس المال الأجنبى والتونسى ،قائلا " لهذا نقول للتونسيين لا تنتحروا".
العودة إلي أعلي
يوم الثورة المضادة
وسبق أن سجلت صفحات التاريخ صراعات ثورات الشعوب مع الثورات المضادة فى بلاد من ثقافات وقارات مختلفة ، ومن أبرزها فى التاريخ الحديث : ما حدث في ثورة تشيلي بأمريكا اللاتينية ، فقد وصل سلفادور ألنيدي إلي السلطة، عبر انتخابات ديمقراطية بعد ثورة أسقطت نظاما قمعيا ، وفي 11 سبتمبر 1973، الشهيرهناك "بيوم الثورة المضادة "، نفذت مجموعة عسكرية بقيادة الجنرال أوجستو بنيوشيه انقلاباً مسلحاً ضد الرئيس الاشتراكى المنتخب، والمفارقة ان هذه المجموعة كانت من أعضاء حكومة ألنيدي، لجأ إليها لضبط البلاد ومنع الاضطرابات..فإنقلبت عليه !.
وكانت الثورة الأم فى تشيلى ،قد اندلعت فى الفترة من 1964 حتى 1970، حينما واجهت الحكومة المسيحية الديمقراطية بقيادة إدوارد فراى تصاعدًا كبيرًا فى حدة الصراع العمالى خلال سنواتها الأخيرة وبلغت الإضرابات مدي غير مسبوق، نتيجة ارتفاع الأسعار حوالى 50% خلال عامى 1968 - 1969، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة.
ونظم فقراء المدن من العاطلين وأصحاب المهن الهامشية أنفسهم كجماعات من أجل حقوقهم في السكن والخدمات الأساسية، وفشلت الحكومة في وقف نزيف الفوضي التي اجتاحت البلاد.
وفى ظل هذا الصراع الطبقى، جرت الانتخابات الرئاسية فى 1970 وأسفرت عن فوز سلفادورأليندى ورغم بدء النظام الجديد في إصلاحات سياسية واقتصادية، إلا أن الثورة المضادة المتمثلة في البرجوازية (الطبقة الراسمالية المستغلة ) إعتبرت هذه الإصلاحات تهديداً خطيراً لمصالحها، فشنت هجوما منظما ضد العمال، وحكومة الوحدة الشعبية بالعديد من الأساليب لتضييق الخناق علي النظام ،منها : سحب رءوس الأموال وتعطيل الاستثمارات بغرض إحداث اختناقات اقتصادية شديدة، وإنفاق الأموال علي تنظيم مظاهرات ضد السلطة والنظام الحاكم، وتمويل حملات عنيفة في البرلمان المنتخب، ضد الإصلاحات وقرارات التأميم التي لجأ إليها "ألنيدي".
ونتيجة الانفلات ، حدثت فجوة بين الحكومة والعمال ،وهنا وجدت المعارضة اليمينية داخل البرلمان ، الفرصة سانحة لإسقاط الحكومة،فدعت الى تنفيذ إضراب مهني واسع شمل (الأطباء ـ المحامين ـ المهندسين ـ القضاة) حتى عمت الفوضي تشيلي، فإضطر ألنيدي أن يستعين بالجنرالات ، وإعلان حالة الطوارئ، فقاد "بنيوشيه"أحد الجنرالات الذين انضموا للحكومة في الأسبوع الأول من سبتمبر 1973، انقلاباً دموياً بعد 3 أيام فقط من دخوله الوزارة، قتل خلاله 30 ألف شخص أغلبهم من المناضلين الاشتراكيين والنقابيين ، وتولى "بنيوشيه" السلطة 17 سنة،حكم خلالها بالحديد والنار لكنه اضطر في النهاية إلي تسليم السلطة لحكومة مدنية عام 1990.
ثم تعرض "بنيوشيه" لملاحقة قضائية دولية نتيجة للجرائم والمذابح التي نفذها في شعب تشيلي، ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى رحل عن الحياة فى اليوم العالمى لحقوق الإنسان 10 ديسمبر2006 .
عصابات نيكاراجوية
أما ثورة نيكاراجوا الشعبية ، فقد اندلعت سنة 1979 بزعامة الحركة الماركسية الساندينية لإسقاط عائلة "سوموزا" التى حكمت البلاد منذ 1935 إلى 1979 بقبضة حديدية وتركت الفساد الإداري يتفشى حتى اشتدت المعارضة ضد حكم سوموزا بعد الاستيلاء على المساعدة الدولية لضحايا زلزال دمر العاصمة ماناجوا 1972،وبعد سيطرة الماركسيين الساندينيين على السلطة اتبعوا سياسة تأميم الاقتصاد.
وفي 1981 ،اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية نيكاراجوا بمساندة المتمردين السلفادوريين، فأوقفت الإعانة و دعمت "الكونتراس" سنة 1982 و هي حركة عصابات نيكاراجوية سندينية معارضة للحكومة حتى اشتدت الحرب الأهلية و مكنت "الكونتراس" من مراكز السلطة في نيكاراجوا،وفي 1987 تم توقيع معاهدة سلام بدعم من دول أمريكا اللاتينية و هزم الساندينيون في الانتخابات الوطنية التي أجريت سنة 1990.
وفي انتخابات الرئاسة التي جرت في نيكاراجوا الاحد 6نوفمبر 2011 ،حقق رئيس نيكاراجوا دانييل اورتيجا تقدما مبكرا كبيرا وكان قائدا سابقا لجبهة التحرير الساندينية المتمردة التي فازت بالسلطة في ثورة 1979 ،ورئيس حكومتها الثورية 1984- 1990 التى أقامت نظاما إشتراكيا، أزعج أمريكا ودفعها الى دعم الثورة المضادة .
العودة إلي أعلي
لجان استثنائية للمقاومة
وتعد الثورة البلشفية أو ثورة أكتوبر أول ثورة شيوعية في القرن العشرين الميلادي ، وشكلت المرحلة الثانية من الثورة الروسية عام 1917 ،وواجهت ثورة مضادة لمدة أربع سنوات ،أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا، وحرب أهلية أدت إلي تدخلات أجنبية.
وقاد هذه الثورة البلاشفة (اسم أطلقته جماعة الجناح اليساري من أنصار لينين على نفسها 1903،وكانت تشكل الأكثرية في حزب العمل الإشتراكي الديمقراطي الروسي ، وتسعى للحل الثوري). وتبنت هذه الجماعة أفكار كارل ماركس لإقامة دولة شيوعية وإسقاط الحكومة المؤقتة التى دفعت سياساتها البلاد إلى حافة الكارثة، حيث انخفض إجمالي الإنتاج الصناعي عام 1917 بنسبة تزيد على 36 %عما كان عليه عام 1916،مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وغلاء تكاليف المعيشة بشكل حاد.
وفي 18 فبراير 1917، أعلن عمال أكبر مصانع بتروجراد، مصنع بوتيلوف إضرابهم عن العمل مطالبين بزيادة الأجور بنسبة 50%، واندلعت احتجاجات الخبز ، واقتحم المتظاهرون المخابز ومخازن الطعام، وتكرر هذا المشهد عدة مرات في الأيام التالية.
وفي 25 أكتوبر 1917، قاد البلاشفة قواتهم إلى الانتفاضة في سانت بطرسبرج عاصمة روسيا، وتمكنوا من الاستيلاء على المرافق الحكومية الرئيسية.
وفي ليلة 25 أكتوبر، تم شن الهجوم على القصر الشتوي للقيصر وتمت السيطرة عليه دون مقاومة، كما أصدر البلاشفة الذين استولوا على السلطة في البلاد مراسيم تقضي بمصادرة أراضي كبار الإقطاعيين ومعامل الرأسماليين.
وفي 12 نوفمبر 1917، أجريت الانتخابات في الجمعية التأسيسية (البرلمان)، لكن الحزب البلشفي لم يحصل فيها على أغلبية الأصوات، وبعد رفض نواب البرلمان إقرار المراسيم الصادرة عن الحكومة البلشفية، تم حل الجمعية التأسيسية بقوة في يناير 1918، الأمر الذي أثار احتجاج القوى الديمقراطية ،لكن البلاشفة أمروا بإطلاق النيران على المظاهرة السلمية مما أدى إلى مقتل 21 شخصا.
وفي 20 ديسمبرمن العام نفسه ، أسس لينين لجانا استثنائية لمكافحة الثورة المضادة سميت (الشي كا)، كى يقضى البلاشفة على أعدائهم ومعارضيهم حيث بدأت تلك اللجان بممارسة الإرهاب الجماعي ضد ممثلي الفئات الغنية والمتوسطة للمجتمع الروسي والمثقفين ورجال الدين والضباط المشتبه بمعاداتهم للسلطة الجديدة.
العودة إلي أعلي
إعادة حكم الشاه
وفي إيران، نجحت الثورة المضادة فى إعادة حكم الشاه وعائلته عام 1951، بعد القضاء علي ثورة "مصدق" التي أزاحت الحكم الإمبراطوري، حيث استمرحكم محمد رضا بهلوي من 1941 حتى ثورة 1979 لكنه انقطع فترة مؤقتة حين تعرض لمحاولة ثورة و فر من البلاد لفترة وجيزة بعد صراع على السلطة بينه وبين رئيس وزرائه محمد مصدق الذي قاد حملة لتأميم حقول النفط في البلد وسيطر على القوات المسلحة حتى تمت الإطاحة بحكومة محمد مصدق واعتقاله وإعادة الشاه إلى العرش عبر انقلاب العسكري أشارت شواهد الى أنه حظى برعاية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
ثم نشبت الثورة الإيرانية الإسلامية1979 وحولت إيران من نظام ملكي، تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي،الى جمهورية إسلامية عن طريق الاستفتاء ، وشهدت تحالفاً بين الليبراليين واليساريين والجماعات الدينية لإسقاط الشاه لعدة أسباب من أبرزها :علاقاته الوطيدة مع إسرائيل واعتماده على الولايات المتحدة، إضافة إلى الإسراف والفساد وانتهاك الدستور الإيراني الذي وضع سنة 1906، بما في ذلك قمع المعارضة من خلال جهاز الأمن (السافاك).
وفي 16 يناير 1979 ،غادر الشاه والملكة إيران البلاد تحت ضغط رئيس الوزراء الدكتور شابور بختيار، الذي كان لفترة طويلة زعيم المعارضة، وأعلن وقتها بختيار حل البوليس السرى (سافاك)، وأفرج عن السجناء السياسيين، ووعد بانتخابات حرة حتى تولى آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية وأتباعه السلطة في 12 فبراير 1979.
العودة إلي أعلي
انتصار البرجوازية بإسبانيا
أما فى أوربا ، فقد اندلعت ثورة يوليو 1936 العمالية في برشلونة وكادت أن تشمل كل أنحاء أسبانيا لتعلن ميلاد الدولة العمالية الإسبانية ولكنها هزمت فى النهاية ،بينما انتصرت الثورة المضادة التي قادتها البرجوازية الديمقراطية بالتحالف مع الستالينيين .
وكانت أسبانيا قد مرت في الفترة من 1931 حتى 1936 بمرحلة أزمة ثورية أخفقت فيها الحكومات البرجوازية المتعاقبة عن تحقيق الاستقرار في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي سادت النظام العالمي وقتها. وفي 1936 ،بدأت الحرب الأهلية بتمرد يميني مسلح للجيش بقيادة فرانكو ضد حكومة الجبهة الشعبية والتي ضمت أحزاب اليسار والأحزاب البرجوازية الديمقراطية، وامتد التمرد خلال الأسابيع الأولى ليشمل أكثر من ثلث الأراضي الأسبانية وانضم إليه كل الحاميات العسكرية والغالبية العظمى من الطبقة الحاكمة القديمة بما فيها الرأسماليون الصناعيون.
وتشكلت حكومة جديدة أكثر يمينية ضمن محاولات البرجوازية استرضاء فرانكو وجاء "باريو" المحافظ رئيسا للوزراء مما دفع العمال لتنظيم مظاهرة حاشدة في مدريد مرددين "خيانة " إلا أن حكومة "باريو" لم تستمر سوى ساعات لتتشكل حكومة جديدة بقيادة " كويروجا ".
وبعد اعلان التمرد الفاشي فى برشلونة قبل ساعات من افتتاح دورة اوليمبية،أقيمت احتجاجا على دورة برلين المقامة تحت رعاية هتلر، قام حزب العمال بالاستيلاء علي السلاح عنوة و سحق الحامية العسكرية وأعدم العمال قادتها وشكلت الأحزاب العمالية والنقابات في إقليم كاتالونيا ميليشيات عمالية نجحت في سحق الفاشيين من جبهة أراجون. وشهدت برشلونة ملامح الدولة العمالية منذ ثورة يوليو 1936حين قام العمال بالاستيلاء على المصانع وسيطر الفلاحون على الأرض فى ثورة اجتماعية على نطاق واسع وحسب شهادة أحد المراقبين " جورج أورويل " لبرشلونة، قال:لقد تم تأميم كل شىء ،كانت هذه دولة عمالية، والبرجوازية إما هربت أو قتلت، أو انتقلت طواعية إلى جانب العمال .
ورعم أن حزب العمال للتوحيد الماركسي كان يتبنى خط الثورة الدائمة كطريق وحيد لهزيمة الفاشية إلا أن هذا لم ينعكس في ممارساته الفعلية في تلك اللحظة الثورية،فبعد مشاركة الأحزاب الراديكالية في حكومة الجبهة الشعبية شهدوا القضاء على منجزات الثورة في برشلونة،واختفاء العبق الثوري، وعودة الرأسمالية المستغلة في أبريل 1937.
وفي مايو 1937 ، شنت الحكومة حملة دعائية حيث حاولت الاستيلاء على مبنى السنترال في برشلونة والذي كان تحت سيطرة الفوضويين منذ أحداث يوليو1936 بعد معركة شرسة واندلع قتال عنيف دام ثلاثة أيام ،وقاوم العمال فى محاولة أخيرة لانقاذ الثورة لكن حزب العمال والفوضويون قبلوا الهدنة بشروط الحكومة وناشدوا العمال الرجوع للمنازل وترك المتاريس .
ولم يمر يونيو حتى كان حزب التوحيد الماركسي يدفع ثمن أخطائه فقد تم حظر الحزب وطارد البوليس - الواقع تحت سيطرة الحزب الشيوعي - أعضاءه وزج بالآلاف في السجون، وفي أكتوبر فرت الحكومة المركزية إلى برشلونة وبدأت مراحل الهزيمة ،وفي يناير 38 19بدأ قصف برشلونة ونجح فرانكو في أبريل في الوصول من معقله في الشمال إلى الساحل الجنوبي وبالتالي شطر أسبانيا الجمهورية لقسمين .
العودة إلي أعلي
صمود الثورة الفرنسية
وحتى أم الثورات، "الثورة الفرنسية"، انقضت عليها ثورة مضادة ثم استعادت الثورة الأولي عافيتها وانتصرت مرة أخري. وقد اندلعت الشرارة الأولي في أول يوليو 1789 حين صمم الشعب علي خلع الملك لويس الخامس عشر الذي كان منعزلا عن شعبه وازداد عدد المنافقين المستفيدين من النظام، ولأن فرنسا كانت بمركز الصدارة في عالم الفكر والادب ،فقد ظهر مفكرون مثل مونتسكيو وروسو و فولتير الذي كان يدعو إلى إقامة نظام ملكي مستنير ومونتسكيو، الذي انتقد مساوئ الحكم الاستبدادي المطلق في كتابه "روح القوانين"،وغيرهم ممن نشروا فكر الحرية و المساواة أمام القانون ، فبدأت ارهاصات الثورة بحلم الحرية والعدالة الاجتماعية.
وخرج الفقراء في مظاهرات حاشدة الي قصر فرساي ثم قصر التويلري في باريس، فأصدر الملك أوامره للجيش بالسيطرة علي الاوضاع، لكن الجيش المكون من أبناء الشعب رفض الاوامر، وتحت ضغط المظاهرات سقط الملك وتمت محاكمته مع الملكة بتهمة التآمر ضد الشعب، وفي 21 يناير 1793 تم اعدامهما بالمقصلة أمام الجماهير مع أكثر من 1500 معاون فى أكبر مذبحة علنية في التاريخ، ثم بدأت مظاهر الثورة المضادة بأشكال متباينة عندما انقسم الثواروتركوا الفرصة لتجمع فلول العهد البائد وتم استقطاب الطبقات الفقيرة مما دفعها الى الاعتصامات والاحتجاجات بعد أن ساءت الأحوال الاقتصادية وانتشر الفقر، والبلطجة ثم نشبت صراعات دموية وصلت الي حد اعدام بعض الثواربالمقصلة في ميدان"الباستيل".
فالثورة الفرنسية بدأت عام 1789 وانتهت عام 1799، حيث سعت حكومات الثورة الفرنسية إلى إلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الارستقراطية، والنفوذ الديني الكاثوليكي وأحدثت تغييرات جذرية لصالح "التنوير" عبر إرساء الديمقراطية وحقوق الشعب والمواطنة، وبرزت فيها نظرية العقد الإجتماعي لـ جان جاك روسو، الذي يعتبر منظر الثورة الفرنسية وفيلسوفها.
وكان المجتمع الفرنسي يتكون من ثلاث طبقات على رأسها طبقة النبلاء يليها رجال الدين وأخيراً الطبقة الثالثة وهي الطبقة الوسطى (عمال وفلاحين)، وكان لطليعة الطبقة البرجوازية المستيرة النصيب الأكبر في تحريك الثورة وقيادتها بعد حدوث أزمة اقتصادية خانقة في عام 1788 بسبب سوء المحاصيل، أدت إلى مجاعة.
وقد حاول الملك التصدي للجمعية الوطنية التي أعلنت 17 يونيه وسيطر عليها نواب الطبقة الفقيرة بقيادة البرجوازية المثقفة، فاستدعى في بداية يوليو 1789 قوات المرتزقة من السويسريين والألمان إلى فرساي حتى تفشت الفوضى مدينة باريس،فهاجم بعض الثوريين مخازن السلاح ، ثم اقتحموا رمز الظلم "سجن الباستيل" في 14يوليو 1789، وبعد استسلام حاميته وقتلها وتحرير السجناء، انتقلت الثورة التي كانت عفوية إلى المقاطعات الفرنسية، فهاجمت الجماهير قصور النبلاء وبعض الأديرة.
وفي 4 أغسطس1789، صدرت عن الجمعية الوطنية قرارات من أجل تدعيم الثورة وتهدئة الشارع، كان أهمها إلغاء الحقوق الإقطاعية، التي تمثلت بضريبة العشر الكنسية والعدالة الإقطاعية، ونظام السخرة، وإعلان المساواة التامة في الحصول على الوظائف العامة بين المواطنين، ما يعني انهيار النظام القديم وإطلاق مجتمع الحرية والمساواة والإخاء.
ثم أعلنت الجمعية الوطنية الفرنسية وثيقة حقوق الإنسان، كحق الحرية والأمن والملكية ومقاومة الظلم، لكن الملك رفض التوقيع على هذه القرارات الثورية، واستدعى قوات المرتزقة الأجانب، إلى فرساي من جديد، وهكذا دفعت هذه الأحداث المتلاحقة عددا كبيرا من النبلاء ورجال الدين المعادين للثورة، إلى الهجرة إلى الحدود الإيطالية والألمانية والبلجيكية، حيث بدأوا هناك يتآمرون ضد الثورة مع الدول المضيفة لإعادة النظام القديم وامتيازاته إلى فرنسا.
وفي 21 يونيه 1791، هرب الملك وعائلته من باريس سراً، إلا أن رحلة هروبه فشلت وأعيد تحت حراسة مشددة إلى باريس، وأُوقفته الجمعية الوطنية الفرنسية عن ممارسة أعماله حتى إعلان الدستور الجديد.
وعقب ذلك، تم تشكيل لجنة ثورية أو هيئة تنفيذية لإدارة البلاد التى شهدت حملة إعدامات من 2 حتى 5سبتمبر بين مؤيدي الملكية في باريس وسائر المدن الفرنسية ، راح ضحيتها نجو1400 قتيل. وبعدها حَلّت الجمعية التشريعية نفسها، وجرت انتخابات جديدة شكلت المؤتمر الوطني، الذي استهل جلساته بإلغاء النظام الملكي في 21 سبتمبر 1792 وإعلان قيام الجمهورية، وقرر إعدام لويس السادس عشر، حيث نُفذ فيه حكم الإعدام بميدان الجمهورية في باريس بالمقصلة في 21 يناير1793.
* فى ضوء التجارب السابقة ، نجد أن بعض الثورات المضادة التي قد تنتج عن انقسامات بصفوف منظمى الثورة الأصلية وأحيانا تشارك بها جهات وأطراف متعددة فى مقدمتها أنصار النظام المنهار، وتتورط بها غالبا عناصر منظمة تعمل في الخفاء، وتحفز علي القيام بأعمال تبدو عشوائية، وناتجة عن مطالب ثورية قد تكون مشروعة أو غير مشروعة .
وبعض الثورات المضادة ينجح فى إستعادة النظام السابق أو رموزه وسياساته والبعض الاخر يفشل أوينجح الى حين ،وهذا يتوقف على عدة اعتبارات مثل وعى الشعوب ومدى صمود حماة الثورة فى مواجهة الفلول ومؤامرات القوى الخارجية.