بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد
يسرى عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدى مليحي
ومحمد أمين المهدى وفاروق عبد الرحيم غنيم والدكتور محمود صفوت عثمان
المستشارين.
* إجراءات الطعن
في يوم الثلاثاء الموافق 5/4/1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن
رئيس مصلحة الجمارك قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد
بجدولها العام تحت رقم 1376 لسنة 29 ق في الحكم الصادر بجلسة 10/2/1983 في
الدعوى رقم 1325 لسنة 35 ق المقامة من السيد / محمود أحمد المنزلاوى ضد
رئيس مصلحة الجمارك والقاضى بإلغاء قرارى رئيس مصلحة الجمارك رقمى 99 و 100
لسنة 1981 وما يترتب على ذلك من اثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات،
وطلبت الطاعنة في ختام طعنها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون
فيه وفي الموضوع بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبعد أن تم إعلان الطعن على الوجه
المبين بالأوراق، أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى في الطعن
ارتأت فيه الحكم برفض الطلب المستعجل الخاص بوقف تنفيذ الحكم وإلزام
الظاعن بمصروفاته، وبقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه
والقضاء بإلغاء القرارين المطعون فيهما فيما تضمناه من اشتراط – الحصول
على مكتب بمنطقة الجمرك ورفض ماعدا ذلك من طلبات، وإلزام الطرفين
بالمصروفات مناصفة طبقا للمادتين 184 و 186 من قانون المرافعات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 17/2/1986 ونظرته
على الوجه المبين بمحاضرها حتى قررت بجلسة 2/6/1986 أحالته إلى المحكمة
الإدارية العليا (دائرة منازعات الهيئات والأفراد والعقود والتعويضات)
لتنظره. بجلسة 28/6/1986، فنظرته المحكمة وسمعت ما رأت لزوما لسماعه من
إيضاحات على الوجه المبين بمحاضرها ثم قررت بجلسة 18/10/1986 إصدار الحكم
بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق
به
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة
من حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتضح من الأوراق فى أنه
بتاريخ22/9/1981 أقام السيد / محمود أحمد المنزلاوى المطعون ضده الدعوى رقم
1325 لسنة35 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية طالبا الحكم بصفة
مستعجلة بوقف تنفيذ القرارين رقمى 99 و100 لسنة 1981، وفي الموضوع
بإلغائهما وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة -.
واستند فى ذلك إلى أن السيد رئيس مصلحة الجمارك اصدر القرارين المطعون
فيهما بغية تنظيم مزاولة مهنه التخليص على البضائع: واشترط فيمن يزاول هذه
المهنة أن يتخذ له مكتبا بمنطقة الجمرك، وأن يكون حاصلا على مؤهل عال،
وأوجب على مكتب التخليص أن يودع تأمينا نقديا لدى مصلحة الجمارك قدره خمسة
آلاف جنيه قبل بداية النشاط. وقد صدر القراران المشار إليهما بالمخالفة
لأحكام القانون رقم 66 لسنة 1963 بتنظيم الجمارك، وانطويا على إجحاف بحقوق
المدعى “المطعون ضده” وزملائه اذ لايمكن لأى مستخلص حاليا توفير مبلغ خمسة
آلاف جنيه أو إيجاد مكتب بمنطقة الجمرك لاستحكام أزمة المساكن. وقد أجابت
الجهة الإدارية على الدعوى بأن القرارين المطعون فيهما قد صدرا استنادا إلى
التفويض المخول من وزير الخزانة لرئيس مصلحة الجمارك في تحديد شروط
الترخيص بمزاولة أعمال التخليص، وقد استهدفا مصلحة عامة هى رفع مستوى مهنة
التخليص على البضائع حتى تتوازى مع المهن الحرة الأخرى كالطب والمحاماة،
ومع ذلك فقد اعتدا بالمصالح المكتسبة للمستخلص. إذ بعد أن اشترطا أن يكون
من يزاول أعمال التخليص حاصلا على مؤهل عال استثنيا من هذا الشرط
المستخلصين الجمركيين المرخص لهم قبل العمل بالقرار رقم 99 المشار إليه. كا
لم يستلزما بالنسبة لهم أن يتركوا مكاتبهم ويستأجروا مكاتب أخرى بمنطقة
الجمرك، بل سمح لهم بالانتماء لأحد المكاتب المرخص بها في المنطقة، وهو أمر
ليس بمستحيل. كما أن اشتراط دفع مبلغ خمسة آلاف جنيه نقدا ليس فيه إجحاف
بحقوق المستخلصين، إذ أن هذا المبلغ مطلوب من كل مكتب تخليص وليس من كل
مستخلص، وهو أمر ليس بالشىء المستحدث، إذ أن قرار وزير الخزانة رقم 40 لسنة
1963 كان يوجب على كل مستخلص أن يودع لدى مصلحة الجمارك تأمينا نقديا
يحدده المدير العام للجمارك حسب كل حالة على حدة، ومن ثم يكون القراران
المطعون فيهما قد صدرا ممن يملك إصدارهما بقصد تحقيق مصلحة عامة هى رفع
مستوى مهنة التخليص فى البلاد.
ومن حيث أنه بجلسة 10/2/1983أصدرت محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية
حكمها القاضي بإلغاء قرارى رئيس مصلحة الجمارك رقمى 99 و 100 لسنة 1981 وما
يترتب على ذلك من آثار وألزمت جهة الإدارة بالمصروفات. وأقامت قضاءها على
أنه ولئن كان القراران المطعون فيهما قد صدرا- مستندين إلى السلطة
التقديرية المخولة للإدارة في تحديد شروط الترخص بمزاولة مهنة . التخليص
للارتقاء بهذه المهنة، إلا أنهما قد تضمنا في جوهرهما ما قد يؤدى إلى
الإضرار بمهنة التخليص .والإجحاف بحقوق المستخلصين، وأيد ذلك أن القرارين
المذكورين قد استحدثا شرطا فيمن يزاول أعمال التخليص الجمركى على الرسائل
التجارية، وهو أن يتخذ له مكتبا بمنطقة الجمرك الذى يزاول نشاطه الرئيسي
فيه. كما تطلبا من كل مكتب تخليص أداء تأمين نقدى قدره خمسة آلاف جنيه. ولا
ريب فى أن تكليف المستخلص الذى ليس له مكتب بمنطقة الجمرك السعى لدى أحد-
المكاتب القائمة لقبول انتمائه إليه ومشاركته فيه هو أمر ليس باليسير، فضلا
عما سيؤدى إليه عملا من احتكار مهنة التخليص بالنسبة لقلة من أصحاب
المكاتب القائمة التى ستتمكن في ظل هذه الظروف المستحدثة من جذب غالبيته
المستخلصين للانتماء إليها والعمل لحسابها، مع ما قد يستتبعه ذلك من
استغلال وتحكم وما قد يفضى إليه من تعطل وبطالة. هذا بالإضافة إلى أن أداء
التأمين نقدا بالصورة التى اشترطها القرار رقم 99 المشار إليه فيه إجحاف
بالمستخلصين، اذ يؤدى الى تعطيل المبالغ السائلة لديهم، مع أن خطاب الضمان
فيه الكفاية فى مجال التأمينات وحفظ الحقوق، الأمر الذى يجعل القرارين
المطعون فيهما مشمولين بعيب إساءة السلطة.
ومن حيث ان مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل
القانون وتطبيقه أذ قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما رغم أن كلا منهما قد
صدر ممن يملكه قانونا بناء على التفويض الصادر من وزير الخزانة “المالية”
فيكون له بموجب هذا التفويض سلطة وضع الشروط والضوابط التى يراها لازمة
وضرورية لمزاولة المهنة على الوجه المطلوب بغير مساس بمصالح الدولة
المالية، وفي نفس الوقت حماية المواطنين أصحاب البضائع الموجودة بالجمارك
من استغلال المستخلصين كما أنه له أيضا وضع الشروط الكفيلة بتمكين جهاز
الجمارك من إحكام الرقابة على هذه الطائفة، وضبط ما يقع منهم من مخالفات.
وله أن يعدل هذه الشروط والضوابط كلما دعت الضرورة إلى ذلك بغير معقب عليه
من القضاء لتعلقة بصميم السلطة التقديرية التى تجبريها الجهة الإدارية بغير
رقابة عليها مادامت قد صدرت مستهدفة الصالح العام، وهو ما اتبعته الإدارة
بإصدارها القرارين المطعون فيهما، مما يجعل الحكم غير قائم على أساس سليم
من القانون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث أن المطعون ضده قد أودع بجلسة 2/6/1986 مذكرة بدفاعه أشار فها
إلى انعدام القرارين المطعون فيهما تأسيسا على أن قانون الجمارك رقم 66
لسنة 1963 قد ناط بوزير المالية (الخزانة) إصدار القرار الخاص بتحديد شروط
التخليص والنظام الخاص بالمخلصين. ونفاذا لهذا التفويض التشريعى فلا – يجوز
له أن يفوض غيره في إصدار هذا القرار أصلا أو في إصدار قرارات معدلة له،
لأن من المقرر قانونا وفقها وقضاء أنه لا يجوز التفويض في التفويض، لأنه لو
سمح بذلك لأدى هذا إلى انحدار الاختصاص إلى سلطات لا يعرف مداها.
ومن حيت أنه لا يسوغ القول بأن الاختصاص المنصوص عليه في المادة 49 من
قانون الجمارك هو تفويض تشريعى لا يجوز التفويض فيه وإنما هو في حقيقته
اختصاص أصيل مقرر لوزير المالية بموجب حكم هذا -القانون، وهو بهذه المثابة
اختصاص قانونى يجوز التفويض فيه وفقا لأحكام القانون رقم 42 لسنة 1967 بشأن
التفويض في الاختصاصات.
ومن حيث أنه سبق – لهذه المحكمة أن قضت بأن مناط الحكم على مشروعية
القرارين رقمى 99 و 100 لسنة 1981 الصادرين من رئيس مصلحة الجمارك هو الحكم
الوارد بالمادة 49 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 ونص على أنه ” يعتبر
مخلصا جمركيا كل شخص طبيعى أو معنوى يقوم بإعداد البيان الجمركى وتوقيعه
وتقديمه للجمارك وإتمام الإجراءات بالنسبة إلى البضائع لحساب الغير، ولا
يجوز له مزاولة أعمال التخليص إلا بعد الحصول على ترخيص من مصلحة الجمارك
ويحدد وزير الخزانة شروط الترخيص والجزاءات التى توقع عليهم”… ومققضى هذا
النص أن يكون للجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة في تحديد الشروط
اللازمة للترخيص بمزاولة أعمال التخليص وفي وضع قواعد وأسس النظام الخاص
بالمخلصين طالما أن القانون لم يفرض شروطا محددة،. و لم يتضمن ضوابط معينة
يتعين الالتزام بها في هذا الخصوص. ومن ثم تظل للجهة الإدارية سلطتها
التقديرية التى تمارسها في اطار الضابط العام الذى يتعين صراعاته والالتزام
به عند تحديد القواعد والشروط الخاصة بتنظيم مهنة التخليص، وكلها مستمدة
من طبيعة أعمال المخلصين الجمركيين ذاتها، وفى حدود ما تمليه مصالح الدولة
المالية وحقوق أصحاب البضائع موضوع التخليص ضمانا لتحقيق الصالح العام. ومن
ثم تنحصر رقابة القضاء الإدارى على سلطة الإدارة فى تنظيم هذه المهنه وفي
وزن قرارها بميزان المشروعية، دون أن تحل نفسها محل الجهة الإدارية فيما هو
متروك لتقديرها ووزنها للأمور في النطاق الذى حدده لها القانون على الوجه
المتقدم ذكره، ومن ثم فإن القرارين الصادرين من رئيس مصلحة الجمارك بناء
على السلطة التفويضيه المخولة له من وزير الخزانة وما فرضناه. على كل من
يزاول المهنة من أن يتخذ مكتبا له بمنطقه الجمرك وأن يؤدى تأمينا نقديا
قدره خمسة آلاف جنيه قبل البدء في مزاولة المهنة أو الاستمرار فيها، قد
صدرا ممن يملكها قانوناً فى حدود السلطة التقديرية المخولة له فى تنظيم
مهنة التخليص، ولم يقم دليل على أن هذا التنظيم شابه انحراف فى شروطه أو في
التقدير أو أنه تغيا غير المصلحة العامة أو استهدف المساس بفئة لحساب
أخرى، فلا ريب أن جهة الإدارة إذا قدرت ضرورة اشتراط انتماء المخلص إلى
مكتب يقع في دائرة الجمرك لمزاولة أعمال التخليص طبقا للقرارين المشار
إليهما وأن ذلك من مقتضيات ممارسة المهنة بما تستلزمه من إمساك سجلات
واستخراج يبانات وتقديم مستندات يتعين حفظها في مقر ثابت بمنطقة العمل حتى
يسهل أحكام الرقابة على القائمين بممارسة المهنة فى إطار الغاية من
تنظيمها، فهو تقدير تملك وزنه، ولا يمثل هذا الشرط اذن تعسفا في استعمال
السلطة بمقولة أن أزمة المساكن تحول دون تحقق هذا الشرط، ذلك أن هذه الأزمة
لا تعدو أن تكون ظرفا خاصا يمكن التغلب عليه بالانتماء إلى مكتب يقع في
المنطقة التى حددها القراران المطعون فيهما وهو ما أجازاه. فعلا، ولا يصلح
بذاته سندا لغل يد الإدارة عن استلزام هذا الشرط طبقا لما ترتأيه هى متفقا
مع المصلحة العامة للمشتغلين بهذه المهنة، والمعاملين معهم على حد سواء.
كما أن اشتراط تقديم تأمين قدره خمسة آلاف جنيه أمر اقتضته في نظر جهة
الإدارة ضرورة إعادة النظر في تنظيم المهنة على أساس زيادة حجم التبادل
التجارى و اتساع حركة التعامل على البضائع وما يوجبه ذلك فى نظر الإدارة
أيضا من ضرورة التدخل لوضع الضمانات الكافية لحمالة أصحاب الشأن في حدود
السلطة المخولة لها بتنظيم هذه المهنة بغير معقب عليها من القضاء طالما خلا
قرارها من إساءة استعمال السلطة أو استهدف غير وجه الصالح العام.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد انتهج غير هذا النهج في بسط رقابته على
تقدير الملاءمات التى قام عليها التنظيم المتضمن في القرارين المطعون
فيهما، وأحل نفسه محل السلطة المختصة بإجراء ملاءمات التقدير الذى قد يكون
مناسبا لتنظيم هذه المهنة فيما هو متروك لتقديرها دون أن يقدم أى دليل على
أن هذا الوزن أو التقدير قد شابه أى انحراف أو اساءة استعمال السلطة فإنه
يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه وأضحى حقيقا بالإلغاء والقضاء برفض
الدعوى فيما تضمنه من طلب إلغاء القرارين المطعون فيهما لإلزام المطعون –
ضده بالمصروفات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده بالمصروفات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1045 لسنة 29 ق بجلسة 14/12/1985.
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد
يسرى عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدى مليحي
ومحمد أمين المهدى وفاروق عبد الرحيم غنيم والدكتور محمود صفوت عثمان
المستشارين.
* إجراءات الطعن
في يوم الثلاثاء الموافق 5/4/1983 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن
رئيس مصلحة الجمارك قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد
بجدولها العام تحت رقم 1376 لسنة 29 ق في الحكم الصادر بجلسة 10/2/1983 في
الدعوى رقم 1325 لسنة 35 ق المقامة من السيد / محمود أحمد المنزلاوى ضد
رئيس مصلحة الجمارك والقاضى بإلغاء قرارى رئيس مصلحة الجمارك رقمى 99 و 100
لسنة 1981 وما يترتب على ذلك من اثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات،
وطلبت الطاعنة في ختام طعنها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون
فيه وفي الموضوع بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات.
مقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وبعد أن تم إعلان الطعن على الوجه
المبين بالأوراق، أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى في الطعن
ارتأت فيه الحكم برفض الطلب المستعجل الخاص بوقف تنفيذ الحكم وإلزام
الظاعن بمصروفاته، وبقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه
والقضاء بإلغاء القرارين المطعون فيهما فيما تضمناه من اشتراط – الحصول
على مكتب بمنطقة الجمرك ورفض ماعدا ذلك من طلبات، وإلزام الطرفين
بالمصروفات مناصفة طبقا للمادتين 184 و 186 من قانون المرافعات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 17/2/1986 ونظرته
على الوجه المبين بمحاضرها حتى قررت بجلسة 2/6/1986 أحالته إلى المحكمة
الإدارية العليا (دائرة منازعات الهيئات والأفراد والعقود والتعويضات)
لتنظره. بجلسة 28/6/1986، فنظرته المحكمة وسمعت ما رأت لزوما لسماعه من
إيضاحات على الوجه المبين بمحاضرها ثم قررت بجلسة 18/10/1986 إصدار الحكم
بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق
به
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة
من حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتضح من الأوراق فى أنه
بتاريخ22/9/1981 أقام السيد / محمود أحمد المنزلاوى المطعون ضده الدعوى رقم
1325 لسنة35 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية طالبا الحكم بصفة
مستعجلة بوقف تنفيذ القرارين رقمى 99 و100 لسنة 1981، وفي الموضوع
بإلغائهما وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة -.
واستند فى ذلك إلى أن السيد رئيس مصلحة الجمارك اصدر القرارين المطعون
فيهما بغية تنظيم مزاولة مهنه التخليص على البضائع: واشترط فيمن يزاول هذه
المهنة أن يتخذ له مكتبا بمنطقة الجمرك، وأن يكون حاصلا على مؤهل عال،
وأوجب على مكتب التخليص أن يودع تأمينا نقديا لدى مصلحة الجمارك قدره خمسة
آلاف جنيه قبل بداية النشاط. وقد صدر القراران المشار إليهما بالمخالفة
لأحكام القانون رقم 66 لسنة 1963 بتنظيم الجمارك، وانطويا على إجحاف بحقوق
المدعى “المطعون ضده” وزملائه اذ لايمكن لأى مستخلص حاليا توفير مبلغ خمسة
آلاف جنيه أو إيجاد مكتب بمنطقة الجمرك لاستحكام أزمة المساكن. وقد أجابت
الجهة الإدارية على الدعوى بأن القرارين المطعون فيهما قد صدرا استنادا إلى
التفويض المخول من وزير الخزانة لرئيس مصلحة الجمارك في تحديد شروط
الترخيص بمزاولة أعمال التخليص، وقد استهدفا مصلحة عامة هى رفع مستوى مهنة
التخليص على البضائع حتى تتوازى مع المهن الحرة الأخرى كالطب والمحاماة،
ومع ذلك فقد اعتدا بالمصالح المكتسبة للمستخلص. إذ بعد أن اشترطا أن يكون
من يزاول أعمال التخليص حاصلا على مؤهل عال استثنيا من هذا الشرط
المستخلصين الجمركيين المرخص لهم قبل العمل بالقرار رقم 99 المشار إليه. كا
لم يستلزما بالنسبة لهم أن يتركوا مكاتبهم ويستأجروا مكاتب أخرى بمنطقة
الجمرك، بل سمح لهم بالانتماء لأحد المكاتب المرخص بها في المنطقة، وهو أمر
ليس بمستحيل. كما أن اشتراط دفع مبلغ خمسة آلاف جنيه نقدا ليس فيه إجحاف
بحقوق المستخلصين، إذ أن هذا المبلغ مطلوب من كل مكتب تخليص وليس من كل
مستخلص، وهو أمر ليس بالشىء المستحدث، إذ أن قرار وزير الخزانة رقم 40 لسنة
1963 كان يوجب على كل مستخلص أن يودع لدى مصلحة الجمارك تأمينا نقديا
يحدده المدير العام للجمارك حسب كل حالة على حدة، ومن ثم يكون القراران
المطعون فيهما قد صدرا ممن يملك إصدارهما بقصد تحقيق مصلحة عامة هى رفع
مستوى مهنة التخليص فى البلاد.
ومن حيث أنه بجلسة 10/2/1983أصدرت محكمة القضاء الإداري بالاسكندرية
حكمها القاضي بإلغاء قرارى رئيس مصلحة الجمارك رقمى 99 و 100 لسنة 1981 وما
يترتب على ذلك من آثار وألزمت جهة الإدارة بالمصروفات. وأقامت قضاءها على
أنه ولئن كان القراران المطعون فيهما قد صدرا- مستندين إلى السلطة
التقديرية المخولة للإدارة في تحديد شروط الترخص بمزاولة مهنة . التخليص
للارتقاء بهذه المهنة، إلا أنهما قد تضمنا في جوهرهما ما قد يؤدى إلى
الإضرار بمهنة التخليص .والإجحاف بحقوق المستخلصين، وأيد ذلك أن القرارين
المذكورين قد استحدثا شرطا فيمن يزاول أعمال التخليص الجمركى على الرسائل
التجارية، وهو أن يتخذ له مكتبا بمنطقة الجمرك الذى يزاول نشاطه الرئيسي
فيه. كما تطلبا من كل مكتب تخليص أداء تأمين نقدى قدره خمسة آلاف جنيه. ولا
ريب فى أن تكليف المستخلص الذى ليس له مكتب بمنطقة الجمرك السعى لدى أحد-
المكاتب القائمة لقبول انتمائه إليه ومشاركته فيه هو أمر ليس باليسير، فضلا
عما سيؤدى إليه عملا من احتكار مهنة التخليص بالنسبة لقلة من أصحاب
المكاتب القائمة التى ستتمكن في ظل هذه الظروف المستحدثة من جذب غالبيته
المستخلصين للانتماء إليها والعمل لحسابها، مع ما قد يستتبعه ذلك من
استغلال وتحكم وما قد يفضى إليه من تعطل وبطالة. هذا بالإضافة إلى أن أداء
التأمين نقدا بالصورة التى اشترطها القرار رقم 99 المشار إليه فيه إجحاف
بالمستخلصين، اذ يؤدى الى تعطيل المبالغ السائلة لديهم، مع أن خطاب الضمان
فيه الكفاية فى مجال التأمينات وحفظ الحقوق، الأمر الذى يجعل القرارين
المطعون فيهما مشمولين بعيب إساءة السلطة.
ومن حيث ان مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل
القانون وتطبيقه أذ قضى بإلغاء القرارين المطعون فيهما رغم أن كلا منهما قد
صدر ممن يملكه قانونا بناء على التفويض الصادر من وزير الخزانة “المالية”
فيكون له بموجب هذا التفويض سلطة وضع الشروط والضوابط التى يراها لازمة
وضرورية لمزاولة المهنة على الوجه المطلوب بغير مساس بمصالح الدولة
المالية، وفي نفس الوقت حماية المواطنين أصحاب البضائع الموجودة بالجمارك
من استغلال المستخلصين كما أنه له أيضا وضع الشروط الكفيلة بتمكين جهاز
الجمارك من إحكام الرقابة على هذه الطائفة، وضبط ما يقع منهم من مخالفات.
وله أن يعدل هذه الشروط والضوابط كلما دعت الضرورة إلى ذلك بغير معقب عليه
من القضاء لتعلقة بصميم السلطة التقديرية التى تجبريها الجهة الإدارية بغير
رقابة عليها مادامت قد صدرت مستهدفة الصالح العام، وهو ما اتبعته الإدارة
بإصدارها القرارين المطعون فيهما، مما يجعل الحكم غير قائم على أساس سليم
من القانون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث أن المطعون ضده قد أودع بجلسة 2/6/1986 مذكرة بدفاعه أشار فها
إلى انعدام القرارين المطعون فيهما تأسيسا على أن قانون الجمارك رقم 66
لسنة 1963 قد ناط بوزير المالية (الخزانة) إصدار القرار الخاص بتحديد شروط
التخليص والنظام الخاص بالمخلصين. ونفاذا لهذا التفويض التشريعى فلا – يجوز
له أن يفوض غيره في إصدار هذا القرار أصلا أو في إصدار قرارات معدلة له،
لأن من المقرر قانونا وفقها وقضاء أنه لا يجوز التفويض في التفويض، لأنه لو
سمح بذلك لأدى هذا إلى انحدار الاختصاص إلى سلطات لا يعرف مداها.
ومن حيت أنه لا يسوغ القول بأن الاختصاص المنصوص عليه في المادة 49 من
قانون الجمارك هو تفويض تشريعى لا يجوز التفويض فيه وإنما هو في حقيقته
اختصاص أصيل مقرر لوزير المالية بموجب حكم هذا -القانون، وهو بهذه المثابة
اختصاص قانونى يجوز التفويض فيه وفقا لأحكام القانون رقم 42 لسنة 1967 بشأن
التفويض في الاختصاصات.
ومن حيث أنه سبق – لهذه المحكمة أن قضت بأن مناط الحكم على مشروعية
القرارين رقمى 99 و 100 لسنة 1981 الصادرين من رئيس مصلحة الجمارك هو الحكم
الوارد بالمادة 49 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 ونص على أنه ” يعتبر
مخلصا جمركيا كل شخص طبيعى أو معنوى يقوم بإعداد البيان الجمركى وتوقيعه
وتقديمه للجمارك وإتمام الإجراءات بالنسبة إلى البضائع لحساب الغير، ولا
يجوز له مزاولة أعمال التخليص إلا بعد الحصول على ترخيص من مصلحة الجمارك
ويحدد وزير الخزانة شروط الترخيص والجزاءات التى توقع عليهم”… ومققضى هذا
النص أن يكون للجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة في تحديد الشروط
اللازمة للترخيص بمزاولة أعمال التخليص وفي وضع قواعد وأسس النظام الخاص
بالمخلصين طالما أن القانون لم يفرض شروطا محددة،. و لم يتضمن ضوابط معينة
يتعين الالتزام بها في هذا الخصوص. ومن ثم تظل للجهة الإدارية سلطتها
التقديرية التى تمارسها في اطار الضابط العام الذى يتعين صراعاته والالتزام
به عند تحديد القواعد والشروط الخاصة بتنظيم مهنة التخليص، وكلها مستمدة
من طبيعة أعمال المخلصين الجمركيين ذاتها، وفى حدود ما تمليه مصالح الدولة
المالية وحقوق أصحاب البضائع موضوع التخليص ضمانا لتحقيق الصالح العام. ومن
ثم تنحصر رقابة القضاء الإدارى على سلطة الإدارة فى تنظيم هذه المهنه وفي
وزن قرارها بميزان المشروعية، دون أن تحل نفسها محل الجهة الإدارية فيما هو
متروك لتقديرها ووزنها للأمور في النطاق الذى حدده لها القانون على الوجه
المتقدم ذكره، ومن ثم فإن القرارين الصادرين من رئيس مصلحة الجمارك بناء
على السلطة التفويضيه المخولة له من وزير الخزانة وما فرضناه. على كل من
يزاول المهنة من أن يتخذ مكتبا له بمنطقه الجمرك وأن يؤدى تأمينا نقديا
قدره خمسة آلاف جنيه قبل البدء في مزاولة المهنة أو الاستمرار فيها، قد
صدرا ممن يملكها قانوناً فى حدود السلطة التقديرية المخولة له فى تنظيم
مهنة التخليص، ولم يقم دليل على أن هذا التنظيم شابه انحراف فى شروطه أو في
التقدير أو أنه تغيا غير المصلحة العامة أو استهدف المساس بفئة لحساب
أخرى، فلا ريب أن جهة الإدارة إذا قدرت ضرورة اشتراط انتماء المخلص إلى
مكتب يقع في دائرة الجمرك لمزاولة أعمال التخليص طبقا للقرارين المشار
إليهما وأن ذلك من مقتضيات ممارسة المهنة بما تستلزمه من إمساك سجلات
واستخراج يبانات وتقديم مستندات يتعين حفظها في مقر ثابت بمنطقة العمل حتى
يسهل أحكام الرقابة على القائمين بممارسة المهنة فى إطار الغاية من
تنظيمها، فهو تقدير تملك وزنه، ولا يمثل هذا الشرط اذن تعسفا في استعمال
السلطة بمقولة أن أزمة المساكن تحول دون تحقق هذا الشرط، ذلك أن هذه الأزمة
لا تعدو أن تكون ظرفا خاصا يمكن التغلب عليه بالانتماء إلى مكتب يقع في
المنطقة التى حددها القراران المطعون فيهما وهو ما أجازاه. فعلا، ولا يصلح
بذاته سندا لغل يد الإدارة عن استلزام هذا الشرط طبقا لما ترتأيه هى متفقا
مع المصلحة العامة للمشتغلين بهذه المهنة، والمعاملين معهم على حد سواء.
كما أن اشتراط تقديم تأمين قدره خمسة آلاف جنيه أمر اقتضته في نظر جهة
الإدارة ضرورة إعادة النظر في تنظيم المهنة على أساس زيادة حجم التبادل
التجارى و اتساع حركة التعامل على البضائع وما يوجبه ذلك فى نظر الإدارة
أيضا من ضرورة التدخل لوضع الضمانات الكافية لحمالة أصحاب الشأن في حدود
السلطة المخولة لها بتنظيم هذه المهنة بغير معقب عليها من القضاء طالما خلا
قرارها من إساءة استعمال السلطة أو استهدف غير وجه الصالح العام.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه قد انتهج غير هذا النهج في بسط رقابته على
تقدير الملاءمات التى قام عليها التنظيم المتضمن في القرارين المطعون
فيهما، وأحل نفسه محل السلطة المختصة بإجراء ملاءمات التقدير الذى قد يكون
مناسبا لتنظيم هذه المهنة فيما هو متروك لتقديرها دون أن يقدم أى دليل على
أن هذا الوزن أو التقدير قد شابه أى انحراف أو اساءة استعمال السلطة فإنه
يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه وأضحى حقيقا بالإلغاء والقضاء برفض
الدعوى فيما تضمنه من طلب إلغاء القرارين المطعون فيهما لإلزام المطعون –
ضده بالمصروفات.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المطعون ضده بالمصروفات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1045 لسنة 29 ق بجلسة 14/12/1985.