بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود
الدكرورى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدى محمد
خليل وعويس عبد الوهاب عويس وعلى عوض صالح وحسنى سيد محمد. نواب رئيس مجلس
الدولة.
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعاء الموافق 5/2/1986 أودع الأستاذ/ محمود محمود الشربينى
المحامى بصفته وكيلا عن الممثل القانونى لبنك الاستثمار القومى (الطاعن)
قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم
761 لسنة 37ق ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة التسويات
بجلسة 25/12/1985 فى الدعوى رقم 434 لسنة 38ق المقامة من المطعون ضدهما ضد
الطاعن والذى قضى بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بأحقية المدعيين لبدل
السفر المستحق لهما عن مدة إيفادهما فى إيطاليا لدورة تدريبية فى المدة من 8
مايو سنة 1983حتى 8 يوليو سنة 1983 وذلك على الوجه المبين بالأسباب وألزمت
البنك المدعى عليه بالمصروفات.
وطلب الطاعن ختام تقرير طعنه وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن
شكلا وفى الموضوع أصليا ببطلان الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة
القضاء الإدارى لتفصيل فيها دائرة أخرى غير التى أصدرت الحكم المطعون فيه
واحتياطيا بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضدهما مع إلزامهما
مصروفاتها ومصروفات الطعن وخلال نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون وأما
المحكمة حضر المطعون ضدهما أكثر من جلسة وقدما بجلسة 9/3/1992 مذكرة دفاع
وحافظة مستندات ومن ثم يكون حضورهم أمام المحكمة قد حل محل إعلانهما قانونا
بتقرير الطعن.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم
بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا برفض
الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى.
وقد تحددت جلسة 25/11/1991 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة
فتداولت نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها إلى أن قررت بجلسة
8/6/1992 إحالته إلى هذه المحكمة حيث عينت لنظره جلسة 4/7/1992م وتداولت
المحكمة نظره بها بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن
قررت بجلسة 10/10/1992 إصدار الحكم بجلسة 5/12/1992، ثم قررت مد أجل النطق
به لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند
النطق.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فأنه يكون مقبولا شكلا.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من أوراقها فى أن
المطعون ضدهما أقاما بتاريخ 29/10/1983 الدعوى رقم 434 لسنة 38ق ضد الطاعن
أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة التسويات) بطلب الحكم بأن يدفع المدعى
عليه مبلغ 3059.325 للمدعى الأول ومبلغ 4052.450 للمدعية الثانية مع
الفوائد القانونية المستحقة لكل منهما من تاريخ المطالبة القضائية مع إلزام
الجهة المدعى عليها بالمصروفات.
وقالا شرحا لدعواهما أنهما يعملان بالبنك المدعى عليه فى وظيفة باحث
بقطاع المعلومات والبحوث وكانا قد اجتازا بتفوق دورة تدريبية بمركز الحاسب
الآلى بجامعة عين شمس واستكمالا لهذه الدورة كلفهم البنك بحضور دورة
تدريبية أخرى فى إيطاليا نظمتها الحكومة الإيطالية وهيئة اليونسكو فى المدة
من 8 من مايو سنة 1983 حتى 8 من يوليو سنة 1983 وذلك لدراسة نظم المعلومات
والحاسبات الإلكترونية وقام المسئولون فى البنك باستدعائهما حيث أوضحوا
لهما أنه يتعين عليهما أن يوقعا اقرارا بالتنازل عن مستحقاتهما المقررة
بلائحة العاملين بالبنك فيما يتعلق ببدل السفر وإلا فأنهما لن يقوما بهذه
المهمة التدريبية واستجابة لهذا الطلب وقع المدعيان تعهدا بالتنازل عن
مستحقاتهما باللائحة مقابل حصول كل منهما على المرتب والجهود والحوافز
للإنفاق على أسرته أثناء السفر.
وبعد وصولهما إلى إيطاليا تبين لهما أن ما يصرف لهما هو خمسة وعشرون
دولارا فى اليوم ونظرا لارتفاع نفقات المعيشة فقد اضطرا للاستدانة حتى
يمكنهما استكمال الدورة التدريبية وتمكنا من اجتياز الدورة والعودة لأرض
الوطن وعقب عودتهما تقدما بعدة تظلمات إلى المسئولين بالبنك أوضحا فيها أن
قرارهما بالتنازل مخالفا للنظام العام فضلا عن أنهما وقعاه تحت إكراه أدبى
يتمثل فى عدم الموافقة على قيامهما بالدورة التدريبية واستطرد المدعيان
قائلين أنهما كانا فى مهمة رسمية تتعلق بنشاط عملهما فى البنك وأنهما بناء
على ذلك يستحقان بدل السفر المقرر لهذه المهمة مع خصم ما تم صرفه لهما طوال
فترة التدريب وأنهما المدعيان قدما عريضة دعواهما بطلب الحكم لهما
بطالباتهم المنوه عنها آنفا.
وبجلسة 25/12/1985 أصدرت المحكمة حكمها محل هذا الطعن وأقامته على أساس
أن البنك المدعى عليه أصدر القرار رقم 10 لسنة 1983 بالتصريح بسفر المدعيين
إلى إيطاليا فى أجازة دراسية مدفوعة الحوافز والجهود لحضور الدورة
التدريبية التى نظمها معهد سيزم بإيطاليا فى المدة من 9 مايو حتى 8 يوليو
سنة 1983 وأنه طبقا لنص المادة 63 من لائحة العاملين بالهيئة العامة
للاستثمار والمناطق الحرة المطبقة على العاملين ببنك الاستثمار القومى
بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 29 لسنة 1981م يكون من حق المدعيين أن يصرفا
بدل السفر المقرر لهما وفقا للائحة العاملين بالبنك أثناء فترة إيفادهم
إلى الخارج فى بعثتهم التدريبية وما دامت الجهة التى أوفدا إليها قد تحملت
بنفقات السكن ومصروفات الغذاء فينخفض بدل السفر المستحق لهما بنسبة الربع
كما من هذا البدل أية مبالغ نقدية أخرى تكون تلك الجهة قد دفعتها إليهما.
ولا أثر للتنازل الموقع عليه منهما قبل سفرهما على حق المدعيين فى
المطالبة لما يكون مستحقا لهما وفقا للقانون ولائحة العاملين بالبنك ذلك أن
العلاقة التى تربط الموظف بالإدارة ليست علاقة تعاقدية ينظمها العقد إنما
هى علاقة تنظيمية تخضع للقوانين واللوائح الصادرة فى هذا الشأن ولا يجوز
الاتفاق على ما يخالفها نظرا لتعلقها بالصالح العام.
ومن حيث أن هذا الطعن يقوم على أسبابه حاصلها بطلان الحكم ومخالفته
للقانون والخطأ فى تطبيقه على الوجه الآتى أولا: الثابت من مطالعة تقرير
مفوضى الدولة المودع فى الدعوى محل الطعن أنه أقتصر على عدم اختصاص محاكم
مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى دون أن يتصدى لموضوعها إلا أن محكمة
الموضوع تصدت أبان نظرها لتلك الدعوى لموضوعها وأصدرت الحكم المطعون فيه
قاضيا فى شقيها الشكلى والموضوعى وبذلك يكون قد شابه البطلان. للفصل فى
موضوع الدعوى قبل أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتهيئة للمرافعة وتقديم
تقريرها فى موضوعه.
ثانيا: أن ما تم صرفه للمدعيين سواء داخل الجمهورية من مرتب وحوافز
وجهود أو خارجها أثناء تواجدهما فى دورتهما التدريبية بإيطاليا فيه إثراء
على حساب الدولة نظرا لاستضافتهما استضافة كاملة لمواجهة ظروف المعيشة فى
البلد الذى تم فيه التدريب أما فى الداخل فقد تقدم كل منهما بطلب لإدارة
البنك بأن يصرف له مرتبه كاملا بالإضافة إلى الحوافز والجهود غير العادية
والمكافأة الدورية ليتم لهما ولأسرتهما مواجهة أعباء المعيشة فى مصر حيث
أجابتهما إدارة البنك بالرغم من أن الحوافز والجهود غير العادية والمكافآت
لا تصرف ألا لمن يكون متواجداً فى عمله فى مصر ويؤدى أعماله بكفاءة وبصورة
مستمرة ومع ذلك وتقديرا لأنهما يتدربان فى الخارج صرفت لهما الحوافز
والجهود غير العادية والمكافآت مع مرتباتهما كاملة بالإضافة إلى ما يصرف
لهما من العملة الأجنبية فى إيطاليا وكل فى مقابل تنازلهما عن بدل السفر
المقرر فى اللائحة.
ثالثا: أن قصور الاعتمادات المالية بالنقد الأجنبى لم يكن يسمح بسفرهما
لولا الاتفاقات التى تمت مع المجموعة الأوربية بشأن استضافة المتدربين بشأن
استضافة المتدربين استضافة كاملة وبناء على ذلك فأن قرار البنك رقم 10
لسنة 1983 بسفر كل من المطعون ضدهما لم يكن ممكنا تنفيذه وقت صدوره لعدم
توافر الاعتماد المالى وأصبح ممكنا تنفيذه بإقرار المطعون ضدهما بالتنازل
عن بدل السفر وتحمل المجموعة الأوربية بنفقات الإقامة والإعاشة والمصروفات
الأخرى (استضافة كاملة) وأنه لو لم يكن ذلك متاحا لما أمكن تنفيذ هذا
القرار.
رابعا: أن إيفاد المطعون ضدهما للدورة التدريبية التى نظمها معهد سيزم
بجامعة ماديين فى موضوع تطبيقات نظم المعلومات فى الدول النامية إنما عاد
بنفع خاص لهما وليست للبنك الطاعن مصلحة مباشرة تعود عليه بالنفع الخاص
الأمر الذى يمتنع معه اعتبار بدلا السفر المقرر بهذه اللائحة خاصا بتلك
المهام التدريبية كما أن تنظيم هذه الدورة جاء بالاتفاق بين البنك الطاعن
ومعهد CTSM حيث تضمن فى عناصره تحميل البنك الطاعن بالنفقات الآتية: 40
دولاراً فى اليوم نفقات إقامة ومعيشة 400 دولارا بدل كتب ومراجع، 650
دولارا تذكرة سفر ذهاب وعودة وكان البنك إزاء هذه النفقات الامتناع عن
ترشيح المطعون ضدهما وقد سبق ترشيحه لهما ولازمة رغبتهما فى السفر ومن أجل
ذلك تحرر التنازل المنوه عنه بمحض إرادتهما ومن ثم فقد وقع صحيحا ومنتجا
لآثاره ويتعين أخذهما به، ولا يجوز لهما بعد ذلك أن ينقضا من جانبهما ما تم
صحيحا على يدهما فضلا عن أن هذا التنازل إنما كان مراعاة لظروف الاعتماد
المالى المخصص بالميزانية بالعملة الصعبة (الدولار) وخلص البنك الطاعن من
ذلك إلى أن تنازل المطعون ضدهما عن بدل السفر يعد بمثابة إبراء يرتب انقضاء
التزام البنك الطاعن فى هذا الشأن.
وأثناء تداول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة قدم الحاضر
عن المطعون ضدهما بجلسة 9/7/1993 حافظة مستندات ومذكرة دفاع عقب فيها على
ما جاء بتقرير الطعن وانتهى إلى طلب رفض الطعن وبجلسة 11/5/1992 قدم الحاضر
عن البنك الطاعن مذكرة دفاع رد فيها على ما جاء بتقرير الطعن وعقب على
مذكرة دفاع المطعون ضدهما كما دفع فيها بعدم اختصاص محاكم الدولة ولائيا
بنظر الدعوى وطلب إحالتها للقضاء المدنى تأسيسا على أن الطبيعة القانونية
للبنك الطاعن وفقا لقانون إنشائه تؤدى إلى أن تكون علاقة العاملين بع علاقة
خاضعة للقانون الخاص كما قدم حافظة مستندات طويت على صور أحكام وفتاوى.
ومن حيث أنه عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائيا بنظر النزاع
المطروح فأن المستفاد من نصوص القانون رقم 119لسنة 1980 بإنشاء بنك
الاستثمار القومى(الطاعن) أن هذا البنك شخص معنوى عام إذ يتبع وزير التخطيط
ويديره مجلس الإدارة برئاسته ويتولى الجهاز المركزى للمحاسبات مراجعة
حساباته سنويا عن طريق مراقبة تنشأ لهذا الغرض وقد صدر قرار رئيس الجمهورية
رقم 29 لسنة 1981 بسريان لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة للاستثمار
والمناطق الحرة على العاملين بالبنك وبأن تسرى عليهم أحكام قانون العاملين
المدنيين بالدولة فيما لم يرد به نص خاص فيها، ويخلص من ذلك أن البنك
الطاعن منشأ فى إطار السلطة العامة وهو يقوم على تعبئة المدخرات المتولدة
لدى الحكومة والهيئات العامة ويتولى تمويل مشروعات الحكومة والقطاع العام
ومن ثم فهو يعد شخصا معنويا عاما يدير مرفقا من المرافق العامة للدولة
وبالتالى فأن العاملين فيه تحكمهم به علاقة تنظيمية لائحية ويعتبرون فى هذا
الإطار موظفين عموميين وتكون القرارات التى تصدرها- سلطات البنك فى شأنهم
قرارات إدارية كما تكون المنازعات المتعلقة بشئونهم الوظيفية منازعات
إدارية تدخل فى ولاية واختصاص القضاء الإدارى فأن الدفع بعدم اختصاص مجلس
الدولة بهيئة قضاء إدارى ولائيا بنظر الدعوى الماثلة يكون غير سديد ولا
أساس له من القانون متعين الرفض.
ومن حيث أنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن الخاص ببطلان الحكم المطعون
فيه لتصدى المحكمة لموضوع الدعوى والفصل فيه قبل أن تقدم هيئة مفوضى الدولة
تقريرها بالرأى القانونى فى الموضوع حيث اقتصر النقد المقدم على الشق
الخاص بمدى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر الدعوى، فأن هذا
الوجه مردود بأن قضاء هذه المحكمة استقر على أن هيئة مفوضى الدولة تعتبر
أمنية على المنازعة الإدارية وعاملا أساسيا فى تحضيرها وتهيئتها للمرافعة
وفى إبداء الرأى القانونى المحايد فيها وقد تضمنت المواد 26، 27، 28 من
قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972 النص على أن يقوم
قلم كتاب المحكمة بإرسال ملف الأوراق إلى هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة
وتتولى الهيئة المذكورة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة ثم بعد إتمام تهيئة
الدعوى يودع المفوض تقريرا يحدد فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التى
يثيرها النزاع ويبدى رأيه مسببا ثم تقوم هيئة مفوضى الدولة بعرض الملف على
رئيس المحكمة لتعيين تاريخ الجلسة التى تنظر فيها الدعوى.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن هيئة مفوضى الدولة قامت بتحضير الدعوى
وتهيئتها للمرافعة وقدمت تقريرا بالرأى القانونى فيها حددت وقائع الدعوى
والمسائل القانونية التى يثيرها النزاع وأبدت رأيا مسببا فى الاختصاص
وعرضتها على رئيس المحكمة الذى حدد لها جلسة ومن ثم تكون الدعوى قد اتصلت
بالمحكمة بعد اتباع الإجراءات التى أشارت إليها سالفة الذكر وبالتالى لا
يكون لزاما على المحكمة بعد ذلك أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة
لاستيفاء أى جوانب فيها موضوعية كانت هذه الجوانب أو قانونية ولا سند من
القانون فيما تمسك به الطاعن من بطلان الحكم المطعون فيه بمقولة أن تقرير
هيئة مفوضى الدولة اقتصر على التوصية بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائيا بنظر
الدعوى دون إبداء الرأى القانونى فى موضوع إذ أن هذا يعد مجرد اجتهاد
بالرأى فى التقرير لا يؤدى إلى بطلان الحكم حيث لا يوجد ما يوجب قانونا على
المحكمة أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لاستكمال تقريرها بعد أن
اتصلت بنظر الدعوى على أساس تسلسل الإجراءات التى أشارت إليها مواد القانون
تسلسلا سليما. فإذا مرت الدعوى بمراحلها المقررة قانونا فليس ثمة إلزام من
القانون على المحكمة أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لاستيفاء ما
تكون قد أغفلته فى تحضيره أو فى التقرير الذى أودعته بالرأى القانونى فيها.
وبناء على ما تقدم فأن النعى ببطلان الحكم المطعون فيه لاقتصار تقرير هيئة
مفوضى الدولة على رأيها بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائيا بنظر النزاع
الماثل دون إبداء رأيها فى الموضوع يكون على غير أساس سليم من القانون
متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن باقى أوجه الطعن فأن النزاع فى الدعوى يدور حول مدى
استحقاق المطعون ضدهما لبدل السفر المقرر بالمادة 63 من لائحة العاملين
بالبنك وأثر الإقرار بالتنازل عن أحقيتهما فى صرف هذا البدل والموقع عليه
منهما قبل سفرهما إلى الدورة التدريبية بإيطاليا.
ومن حيث أن المادة 63 من لائحة شئون العاملين بالبنك تنص على أن يصرف
للموفدين فى بعثات دراسية للتدريب فى الخارج بدل السفر المقرر إليها للموفد
فى مهمة رسميه على أن يخصم من هذا البدل ما قد تتحمل به الجهة الموفد
إليها العامل من نفقات ومصاريف وذلك على أساس ربع البدل مقابل كل من السكن
ومصروفات الغذاء كما يخصم منه ما قد تدفعه تلك الجهة من مبالغ نقدية
للموفد.
ومن حيث أن الماثل بالأوراق أن السيد نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو
المنتدب لبنك الاستثمار القومى كان قد اصدر بتاريخ 16/4/1983 القرار رقم 10
لسنة 1983 بالتصريح بسفر المدعيين إلى إيطاليا لحضور الدورة التدريبية
التى نظمها معهد سيزم بجامعة بادتين فى المدة من 9/5/1983 حتى 15/7/1983
وقد منح المدعيان خلال فترة هذه الدورة كامل مرتباتهما ومكافآتهم والحوافز
والجهود غير العادية كما لو كانا يؤديان عملهما فى البنك وتم صرف هذه
المبالغ لهما بناء على التنازل الموقع عليه منهما بتاريخ 8/2/1983،
10/3/1983 وكان ذلك قبل صدور القرار الخاص بالتصريح لهما بالسفر فى هذه
الدورة والذى روعى فى إصداره أثر ومدى التنازل المشار إليه الذى تضمن قبول
تنازلهما عما يستحق لهما من بدل السفر عن فترة الدورة مع اشتراطهما للعمل
بهذا التنازل أن يمنحا مرتباتهما كاملا شاملا الحوافز والجهود أثناء
التواجد بالخارج “هذا بالإضافة إلى قبولهما مبدأ الاستضافة لدى الجهة
الموفد إليهم بالخارج أثناء الفترة التدريبية التى منحتهما مبلغ خمسة
وعشرون دولارا يوميا للسكن مع الإعاشة وذلك طبقا للاتفاقية المنعقدة بين
البنك والمجموعة الأوربية المتحملة لقيمة نفقات مثل هذه الدورات وهذا الأمر
الذى يجعل عبء تحمل هذه النفقات مرفوعا عن كاهل البنك فإذا ما تقدم
المدعيان بعد ذلك بطلب صرف بدل السفر المستحق لهما طبقا للمادة 63 من لائحة
شئون العاملين بالبنك عن فترة هذه الدورة فأن هذه المطالبة تكون لا سند
لها من القانون بناء على التنازل المشار إليه والذى بمقتضاه قام البنك بصرف
مرتبهما كاملا وملحقاته للإنفاق منه على أسرتيهما أى أن موافقة البنك فى
هذه الحالة على التصريح لهما بالسفر بالقرار رقم 10 لسنة 1983 وصرف
مستحقاتهم بالداخل كاملا كان استنادا إلى التنازل المقدم منهما عن بدل
السفر الأمر الذى يجعل موافقة البنك على هذا السفر مشروطا بهذا التنازل
أمرا سائغا قانونا مما يتعين معه أخذ المدعيان به حيث لا يجوز لهما بعد ذلك
أن ينقا من جانبهما ما التزاما به وقبلاه ولا يغير من هذا الوضع آثاره
الحكم المطعون فيه من أن التنازل المشار إليه لا ينتج آثره القانونى لكون
علاقة البنك بالمدعيين علاقة لائحية ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها
لتعلقها بالصالح العام- ذلك أن بدل السفر مع قبيل الحقوق المالية التى يملك
العامل التنازل عن استحقاقه فيها بإرادته طالما يتمثل فى هذا التنازل
مصلحة له أو يحقق به ميزة يقبلها، طالما كان التنازل فى مناسبته له ما
يبرره، فأنه لا يوجد ما يحول دون صدوره عن العامل وأخذه به، وهو ما حدث فى
واقعة النزاع الماثل حيث ارتبط التنازل المتنازع عليه برغبة المدعيين فى
السفر حيث جاء بالأوراق أن المهمة التى أوفدا إليها هدفها رفع المستوى
العلمى لهما فى مجال تطبيقات تنظيم المعلومات فى الدول النامية ومن أجل هذه
الأغراض اتفق على تنظيم هذه الدورات التدريبية كى يفيد منها المدعيان فإذا
ما وضع ذلك فى الاعتبار انعزلت طبيعة هذه الدراسات التدريبية التى انتفع
بها المدعيان عن طبيعة المهام الاعتيادية التى توفد فيها الجهات الإدارية
موظفيها فى العادة لمصلحة مباشرة تعود عليها بالنفع الخاص مما يمتنع معه
القول بعدم جواز التنازل عن المبالغ المستحقة للمدعيين كبدل سفر لهما عن
الأيام التى قضت بإيطاليا فى المدة 9/5/1983 حتى 8/7/1983 سواء تم ذلك قبل
القيام بالمهمة أو بعدها وترتيبا على ذلك تغدو دعوى المدعيين والحال كذلك
على غير سند صحيح من القانون خليقة بالرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى
خلافه فأنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه مما يتعين معه القضاء
بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المدعيين المصروفات عن درجتى التقاضى.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعيين المصروفات.
باسم الشعب
مجلس الدولة
المحكمة الإدارية العليا
بالجلسة المنعقدة علناً برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود
الدكرورى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدى محمد
خليل وعويس عبد الوهاب عويس وعلى عوض صالح وحسنى سيد محمد. نواب رئيس مجلس
الدولة.
* إجراءات الطعن
فى يوم الأربعاء الموافق 5/2/1986 أودع الأستاذ/ محمود محمود الشربينى
المحامى بصفته وكيلا عن الممثل القانونى لبنك الاستثمار القومى (الطاعن)
قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها العام تحت رقم
761 لسنة 37ق ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى دائرة التسويات
بجلسة 25/12/1985 فى الدعوى رقم 434 لسنة 38ق المقامة من المطعون ضدهما ضد
الطاعن والذى قضى بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بأحقية المدعيين لبدل
السفر المستحق لهما عن مدة إيفادهما فى إيطاليا لدورة تدريبية فى المدة من 8
مايو سنة 1983حتى 8 يوليو سنة 1983 وذلك على الوجه المبين بالأسباب وألزمت
البنك المدعى عليه بالمصروفات.
وطلب الطاعن ختام تقرير طعنه وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن
شكلا وفى الموضوع أصليا ببطلان الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة
القضاء الإدارى لتفصيل فيها دائرة أخرى غير التى أصدرت الحكم المطعون فيه
واحتياطيا بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضدهما مع إلزامهما
مصروفاتها ومصروفات الطعن وخلال نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون وأما
المحكمة حضر المطعون ضدهما أكثر من جلسة وقدما بجلسة 9/3/1992 مذكرة دفاع
وحافظة مستندات ومن ثم يكون حضورهم أمام المحكمة قد حل محل إعلانهما قانونا
بتقرير الطعن.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم
بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا برفض
الدعوى وإلزام المطعون ضدهما المصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى.
وقد تحددت جلسة 25/11/1991 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة
فتداولت نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها إلى أن قررت بجلسة
8/6/1992 إحالته إلى هذه المحكمة حيث عينت لنظره جلسة 4/7/1992م وتداولت
المحكمة نظره بها بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن
قررت بجلسة 10/10/1992 إصدار الحكم بجلسة 5/12/1992، ثم قررت مد أجل النطق
به لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند
النطق.
* المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية فأنه يكون مقبولا شكلا.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من أوراقها فى أن
المطعون ضدهما أقاما بتاريخ 29/10/1983 الدعوى رقم 434 لسنة 38ق ضد الطاعن
أمام محكمة القضاء الإدارى (دائرة التسويات) بطلب الحكم بأن يدفع المدعى
عليه مبلغ 3059.325 للمدعى الأول ومبلغ 4052.450 للمدعية الثانية مع
الفوائد القانونية المستحقة لكل منهما من تاريخ المطالبة القضائية مع إلزام
الجهة المدعى عليها بالمصروفات.
وقالا شرحا لدعواهما أنهما يعملان بالبنك المدعى عليه فى وظيفة باحث
بقطاع المعلومات والبحوث وكانا قد اجتازا بتفوق دورة تدريبية بمركز الحاسب
الآلى بجامعة عين شمس واستكمالا لهذه الدورة كلفهم البنك بحضور دورة
تدريبية أخرى فى إيطاليا نظمتها الحكومة الإيطالية وهيئة اليونسكو فى المدة
من 8 من مايو سنة 1983 حتى 8 من يوليو سنة 1983 وذلك لدراسة نظم المعلومات
والحاسبات الإلكترونية وقام المسئولون فى البنك باستدعائهما حيث أوضحوا
لهما أنه يتعين عليهما أن يوقعا اقرارا بالتنازل عن مستحقاتهما المقررة
بلائحة العاملين بالبنك فيما يتعلق ببدل السفر وإلا فأنهما لن يقوما بهذه
المهمة التدريبية واستجابة لهذا الطلب وقع المدعيان تعهدا بالتنازل عن
مستحقاتهما باللائحة مقابل حصول كل منهما على المرتب والجهود والحوافز
للإنفاق على أسرته أثناء السفر.
وبعد وصولهما إلى إيطاليا تبين لهما أن ما يصرف لهما هو خمسة وعشرون
دولارا فى اليوم ونظرا لارتفاع نفقات المعيشة فقد اضطرا للاستدانة حتى
يمكنهما استكمال الدورة التدريبية وتمكنا من اجتياز الدورة والعودة لأرض
الوطن وعقب عودتهما تقدما بعدة تظلمات إلى المسئولين بالبنك أوضحا فيها أن
قرارهما بالتنازل مخالفا للنظام العام فضلا عن أنهما وقعاه تحت إكراه أدبى
يتمثل فى عدم الموافقة على قيامهما بالدورة التدريبية واستطرد المدعيان
قائلين أنهما كانا فى مهمة رسمية تتعلق بنشاط عملهما فى البنك وأنهما بناء
على ذلك يستحقان بدل السفر المقرر لهذه المهمة مع خصم ما تم صرفه لهما طوال
فترة التدريب وأنهما المدعيان قدما عريضة دعواهما بطلب الحكم لهما
بطالباتهم المنوه عنها آنفا.
وبجلسة 25/12/1985 أصدرت المحكمة حكمها محل هذا الطعن وأقامته على أساس
أن البنك المدعى عليه أصدر القرار رقم 10 لسنة 1983 بالتصريح بسفر المدعيين
إلى إيطاليا فى أجازة دراسية مدفوعة الحوافز والجهود لحضور الدورة
التدريبية التى نظمها معهد سيزم بإيطاليا فى المدة من 9 مايو حتى 8 يوليو
سنة 1983 وأنه طبقا لنص المادة 63 من لائحة العاملين بالهيئة العامة
للاستثمار والمناطق الحرة المطبقة على العاملين ببنك الاستثمار القومى
بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 29 لسنة 1981م يكون من حق المدعيين أن يصرفا
بدل السفر المقرر لهما وفقا للائحة العاملين بالبنك أثناء فترة إيفادهم
إلى الخارج فى بعثتهم التدريبية وما دامت الجهة التى أوفدا إليها قد تحملت
بنفقات السكن ومصروفات الغذاء فينخفض بدل السفر المستحق لهما بنسبة الربع
كما من هذا البدل أية مبالغ نقدية أخرى تكون تلك الجهة قد دفعتها إليهما.
ولا أثر للتنازل الموقع عليه منهما قبل سفرهما على حق المدعيين فى
المطالبة لما يكون مستحقا لهما وفقا للقانون ولائحة العاملين بالبنك ذلك أن
العلاقة التى تربط الموظف بالإدارة ليست علاقة تعاقدية ينظمها العقد إنما
هى علاقة تنظيمية تخضع للقوانين واللوائح الصادرة فى هذا الشأن ولا يجوز
الاتفاق على ما يخالفها نظرا لتعلقها بالصالح العام.
ومن حيث أن هذا الطعن يقوم على أسبابه حاصلها بطلان الحكم ومخالفته
للقانون والخطأ فى تطبيقه على الوجه الآتى أولا: الثابت من مطالعة تقرير
مفوضى الدولة المودع فى الدعوى محل الطعن أنه أقتصر على عدم اختصاص محاكم
مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى دون أن يتصدى لموضوعها إلا أن محكمة
الموضوع تصدت أبان نظرها لتلك الدعوى لموضوعها وأصدرت الحكم المطعون فيه
قاضيا فى شقيها الشكلى والموضوعى وبذلك يكون قد شابه البطلان. للفصل فى
موضوع الدعوى قبل أن تقوم هيئة مفوضى الدولة بتهيئة للمرافعة وتقديم
تقريرها فى موضوعه.
ثانيا: أن ما تم صرفه للمدعيين سواء داخل الجمهورية من مرتب وحوافز
وجهود أو خارجها أثناء تواجدهما فى دورتهما التدريبية بإيطاليا فيه إثراء
على حساب الدولة نظرا لاستضافتهما استضافة كاملة لمواجهة ظروف المعيشة فى
البلد الذى تم فيه التدريب أما فى الداخل فقد تقدم كل منهما بطلب لإدارة
البنك بأن يصرف له مرتبه كاملا بالإضافة إلى الحوافز والجهود غير العادية
والمكافأة الدورية ليتم لهما ولأسرتهما مواجهة أعباء المعيشة فى مصر حيث
أجابتهما إدارة البنك بالرغم من أن الحوافز والجهود غير العادية والمكافآت
لا تصرف ألا لمن يكون متواجداً فى عمله فى مصر ويؤدى أعماله بكفاءة وبصورة
مستمرة ومع ذلك وتقديرا لأنهما يتدربان فى الخارج صرفت لهما الحوافز
والجهود غير العادية والمكافآت مع مرتباتهما كاملة بالإضافة إلى ما يصرف
لهما من العملة الأجنبية فى إيطاليا وكل فى مقابل تنازلهما عن بدل السفر
المقرر فى اللائحة.
ثالثا: أن قصور الاعتمادات المالية بالنقد الأجنبى لم يكن يسمح بسفرهما
لولا الاتفاقات التى تمت مع المجموعة الأوربية بشأن استضافة المتدربين بشأن
استضافة المتدربين استضافة كاملة وبناء على ذلك فأن قرار البنك رقم 10
لسنة 1983 بسفر كل من المطعون ضدهما لم يكن ممكنا تنفيذه وقت صدوره لعدم
توافر الاعتماد المالى وأصبح ممكنا تنفيذه بإقرار المطعون ضدهما بالتنازل
عن بدل السفر وتحمل المجموعة الأوربية بنفقات الإقامة والإعاشة والمصروفات
الأخرى (استضافة كاملة) وأنه لو لم يكن ذلك متاحا لما أمكن تنفيذ هذا
القرار.
رابعا: أن إيفاد المطعون ضدهما للدورة التدريبية التى نظمها معهد سيزم
بجامعة ماديين فى موضوع تطبيقات نظم المعلومات فى الدول النامية إنما عاد
بنفع خاص لهما وليست للبنك الطاعن مصلحة مباشرة تعود عليه بالنفع الخاص
الأمر الذى يمتنع معه اعتبار بدلا السفر المقرر بهذه اللائحة خاصا بتلك
المهام التدريبية كما أن تنظيم هذه الدورة جاء بالاتفاق بين البنك الطاعن
ومعهد CTSM حيث تضمن فى عناصره تحميل البنك الطاعن بالنفقات الآتية: 40
دولاراً فى اليوم نفقات إقامة ومعيشة 400 دولارا بدل كتب ومراجع، 650
دولارا تذكرة سفر ذهاب وعودة وكان البنك إزاء هذه النفقات الامتناع عن
ترشيح المطعون ضدهما وقد سبق ترشيحه لهما ولازمة رغبتهما فى السفر ومن أجل
ذلك تحرر التنازل المنوه عنه بمحض إرادتهما ومن ثم فقد وقع صحيحا ومنتجا
لآثاره ويتعين أخذهما به، ولا يجوز لهما بعد ذلك أن ينقضا من جانبهما ما تم
صحيحا على يدهما فضلا عن أن هذا التنازل إنما كان مراعاة لظروف الاعتماد
المالى المخصص بالميزانية بالعملة الصعبة (الدولار) وخلص البنك الطاعن من
ذلك إلى أن تنازل المطعون ضدهما عن بدل السفر يعد بمثابة إبراء يرتب انقضاء
التزام البنك الطاعن فى هذا الشأن.
وأثناء تداول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة قدم الحاضر
عن المطعون ضدهما بجلسة 9/7/1993 حافظة مستندات ومذكرة دفاع عقب فيها على
ما جاء بتقرير الطعن وانتهى إلى طلب رفض الطعن وبجلسة 11/5/1992 قدم الحاضر
عن البنك الطاعن مذكرة دفاع رد فيها على ما جاء بتقرير الطعن وعقب على
مذكرة دفاع المطعون ضدهما كما دفع فيها بعدم اختصاص محاكم الدولة ولائيا
بنظر الدعوى وطلب إحالتها للقضاء المدنى تأسيسا على أن الطبيعة القانونية
للبنك الطاعن وفقا لقانون إنشائه تؤدى إلى أن تكون علاقة العاملين بع علاقة
خاضعة للقانون الخاص كما قدم حافظة مستندات طويت على صور أحكام وفتاوى.
ومن حيث أنه عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائيا بنظر النزاع
المطروح فأن المستفاد من نصوص القانون رقم 119لسنة 1980 بإنشاء بنك
الاستثمار القومى(الطاعن) أن هذا البنك شخص معنوى عام إذ يتبع وزير التخطيط
ويديره مجلس الإدارة برئاسته ويتولى الجهاز المركزى للمحاسبات مراجعة
حساباته سنويا عن طريق مراقبة تنشأ لهذا الغرض وقد صدر قرار رئيس الجمهورية
رقم 29 لسنة 1981 بسريان لائحة نظام العاملين بالهيئة العامة للاستثمار
والمناطق الحرة على العاملين بالبنك وبأن تسرى عليهم أحكام قانون العاملين
المدنيين بالدولة فيما لم يرد به نص خاص فيها، ويخلص من ذلك أن البنك
الطاعن منشأ فى إطار السلطة العامة وهو يقوم على تعبئة المدخرات المتولدة
لدى الحكومة والهيئات العامة ويتولى تمويل مشروعات الحكومة والقطاع العام
ومن ثم فهو يعد شخصا معنويا عاما يدير مرفقا من المرافق العامة للدولة
وبالتالى فأن العاملين فيه تحكمهم به علاقة تنظيمية لائحية ويعتبرون فى هذا
الإطار موظفين عموميين وتكون القرارات التى تصدرها- سلطات البنك فى شأنهم
قرارات إدارية كما تكون المنازعات المتعلقة بشئونهم الوظيفية منازعات
إدارية تدخل فى ولاية واختصاص القضاء الإدارى فأن الدفع بعدم اختصاص مجلس
الدولة بهيئة قضاء إدارى ولائيا بنظر الدعوى الماثلة يكون غير سديد ولا
أساس له من القانون متعين الرفض.
ومن حيث أنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن الخاص ببطلان الحكم المطعون
فيه لتصدى المحكمة لموضوع الدعوى والفصل فيه قبل أن تقدم هيئة مفوضى الدولة
تقريرها بالرأى القانونى فى الموضوع حيث اقتصر النقد المقدم على الشق
الخاص بمدى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر الدعوى، فأن هذا
الوجه مردود بأن قضاء هذه المحكمة استقر على أن هيئة مفوضى الدولة تعتبر
أمنية على المنازعة الإدارية وعاملا أساسيا فى تحضيرها وتهيئتها للمرافعة
وفى إبداء الرأى القانونى المحايد فيها وقد تضمنت المواد 26، 27، 28 من
قانون مجلس الدولة الصادر به القانون رقم 47 لسنة 1972 النص على أن يقوم
قلم كتاب المحكمة بإرسال ملف الأوراق إلى هيئة مفوضى الدولة بالمحكمة
وتتولى الهيئة المذكورة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة ثم بعد إتمام تهيئة
الدعوى يودع المفوض تقريرا يحدد فيه وقائع الدعوى والمسائل القانونية التى
يثيرها النزاع ويبدى رأيه مسببا ثم تقوم هيئة مفوضى الدولة بعرض الملف على
رئيس المحكمة لتعيين تاريخ الجلسة التى تنظر فيها الدعوى.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن هيئة مفوضى الدولة قامت بتحضير الدعوى
وتهيئتها للمرافعة وقدمت تقريرا بالرأى القانونى فيها حددت وقائع الدعوى
والمسائل القانونية التى يثيرها النزاع وأبدت رأيا مسببا فى الاختصاص
وعرضتها على رئيس المحكمة الذى حدد لها جلسة ومن ثم تكون الدعوى قد اتصلت
بالمحكمة بعد اتباع الإجراءات التى أشارت إليها سالفة الذكر وبالتالى لا
يكون لزاما على المحكمة بعد ذلك أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة
لاستيفاء أى جوانب فيها موضوعية كانت هذه الجوانب أو قانونية ولا سند من
القانون فيما تمسك به الطاعن من بطلان الحكم المطعون فيه بمقولة أن تقرير
هيئة مفوضى الدولة اقتصر على التوصية بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائيا بنظر
الدعوى دون إبداء الرأى القانونى فى موضوع إذ أن هذا يعد مجرد اجتهاد
بالرأى فى التقرير لا يؤدى إلى بطلان الحكم حيث لا يوجد ما يوجب قانونا على
المحكمة أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لاستكمال تقريرها بعد أن
اتصلت بنظر الدعوى على أساس تسلسل الإجراءات التى أشارت إليها مواد القانون
تسلسلا سليما. فإذا مرت الدعوى بمراحلها المقررة قانونا فليس ثمة إلزام من
القانون على المحكمة أن تعيد الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لاستيفاء ما
تكون قد أغفلته فى تحضيره أو فى التقرير الذى أودعته بالرأى القانونى فيها.
وبناء على ما تقدم فأن النعى ببطلان الحكم المطعون فيه لاقتصار تقرير هيئة
مفوضى الدولة على رأيها بعدم اختصاص مجلس الدولة ولائيا بنظر النزاع
الماثل دون إبداء رأيها فى الموضوع يكون على غير أساس سليم من القانون
متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن باقى أوجه الطعن فأن النزاع فى الدعوى يدور حول مدى
استحقاق المطعون ضدهما لبدل السفر المقرر بالمادة 63 من لائحة العاملين
بالبنك وأثر الإقرار بالتنازل عن أحقيتهما فى صرف هذا البدل والموقع عليه
منهما قبل سفرهما إلى الدورة التدريبية بإيطاليا.
ومن حيث أن المادة 63 من لائحة شئون العاملين بالبنك تنص على أن يصرف
للموفدين فى بعثات دراسية للتدريب فى الخارج بدل السفر المقرر إليها للموفد
فى مهمة رسميه على أن يخصم من هذا البدل ما قد تتحمل به الجهة الموفد
إليها العامل من نفقات ومصاريف وذلك على أساس ربع البدل مقابل كل من السكن
ومصروفات الغذاء كما يخصم منه ما قد تدفعه تلك الجهة من مبالغ نقدية
للموفد.
ومن حيث أن الماثل بالأوراق أن السيد نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو
المنتدب لبنك الاستثمار القومى كان قد اصدر بتاريخ 16/4/1983 القرار رقم 10
لسنة 1983 بالتصريح بسفر المدعيين إلى إيطاليا لحضور الدورة التدريبية
التى نظمها معهد سيزم بجامعة بادتين فى المدة من 9/5/1983 حتى 15/7/1983
وقد منح المدعيان خلال فترة هذه الدورة كامل مرتباتهما ومكافآتهم والحوافز
والجهود غير العادية كما لو كانا يؤديان عملهما فى البنك وتم صرف هذه
المبالغ لهما بناء على التنازل الموقع عليه منهما بتاريخ 8/2/1983،
10/3/1983 وكان ذلك قبل صدور القرار الخاص بالتصريح لهما بالسفر فى هذه
الدورة والذى روعى فى إصداره أثر ومدى التنازل المشار إليه الذى تضمن قبول
تنازلهما عما يستحق لهما من بدل السفر عن فترة الدورة مع اشتراطهما للعمل
بهذا التنازل أن يمنحا مرتباتهما كاملا شاملا الحوافز والجهود أثناء
التواجد بالخارج “هذا بالإضافة إلى قبولهما مبدأ الاستضافة لدى الجهة
الموفد إليهم بالخارج أثناء الفترة التدريبية التى منحتهما مبلغ خمسة
وعشرون دولارا يوميا للسكن مع الإعاشة وذلك طبقا للاتفاقية المنعقدة بين
البنك والمجموعة الأوربية المتحملة لقيمة نفقات مثل هذه الدورات وهذا الأمر
الذى يجعل عبء تحمل هذه النفقات مرفوعا عن كاهل البنك فإذا ما تقدم
المدعيان بعد ذلك بطلب صرف بدل السفر المستحق لهما طبقا للمادة 63 من لائحة
شئون العاملين بالبنك عن فترة هذه الدورة فأن هذه المطالبة تكون لا سند
لها من القانون بناء على التنازل المشار إليه والذى بمقتضاه قام البنك بصرف
مرتبهما كاملا وملحقاته للإنفاق منه على أسرتيهما أى أن موافقة البنك فى
هذه الحالة على التصريح لهما بالسفر بالقرار رقم 10 لسنة 1983 وصرف
مستحقاتهم بالداخل كاملا كان استنادا إلى التنازل المقدم منهما عن بدل
السفر الأمر الذى يجعل موافقة البنك على هذا السفر مشروطا بهذا التنازل
أمرا سائغا قانونا مما يتعين معه أخذ المدعيان به حيث لا يجوز لهما بعد ذلك
أن ينقا من جانبهما ما التزاما به وقبلاه ولا يغير من هذا الوضع آثاره
الحكم المطعون فيه من أن التنازل المشار إليه لا ينتج آثره القانونى لكون
علاقة البنك بالمدعيين علاقة لائحية ولا يجوز الاتفاق على ما يخالفها
لتعلقها بالصالح العام- ذلك أن بدل السفر مع قبيل الحقوق المالية التى يملك
العامل التنازل عن استحقاقه فيها بإرادته طالما يتمثل فى هذا التنازل
مصلحة له أو يحقق به ميزة يقبلها، طالما كان التنازل فى مناسبته له ما
يبرره، فأنه لا يوجد ما يحول دون صدوره عن العامل وأخذه به، وهو ما حدث فى
واقعة النزاع الماثل حيث ارتبط التنازل المتنازع عليه برغبة المدعيين فى
السفر حيث جاء بالأوراق أن المهمة التى أوفدا إليها هدفها رفع المستوى
العلمى لهما فى مجال تطبيقات تنظيم المعلومات فى الدول النامية ومن أجل هذه
الأغراض اتفق على تنظيم هذه الدورات التدريبية كى يفيد منها المدعيان فإذا
ما وضع ذلك فى الاعتبار انعزلت طبيعة هذه الدراسات التدريبية التى انتفع
بها المدعيان عن طبيعة المهام الاعتيادية التى توفد فيها الجهات الإدارية
موظفيها فى العادة لمصلحة مباشرة تعود عليها بالنفع الخاص مما يمتنع معه
القول بعدم جواز التنازل عن المبالغ المستحقة للمدعيين كبدل سفر لهما عن
الأيام التى قضت بإيطاليا فى المدة 9/5/1983 حتى 8/7/1983 سواء تم ذلك قبل
القيام بالمهمة أو بعدها وترتيبا على ذلك تغدو دعوى المدعيين والحال كذلك
على غير سند صحيح من القانون خليقة بالرفض وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى
خلافه فأنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه مما يتعين معه القضاء
بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المدعيين المصروفات عن درجتى التقاضى.
* فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعيين المصروفات.