روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    دستور منذ الزمن الفرعونى

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    دستور منذ الزمن الفرعونى Empty دستور منذ الزمن الفرعونى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود السبت أبريل 21, 2012 11:15 am

    على ذكر كتابة الدستور .. دستور منذ الزمن الفرعونى

    بقلم د.رفعت السعيد ٢١/ ٤/ ٢٠١٢

    عندما كنت أعد رسالة الدكتوراه فى ألمانيا، قال لى أستاذى البروفيسور لوثر راتمان: «إن أستاذى هو أشهر عالم مصريات يريد أن يقابلك»، والتقيت برئيس قسم الحضارة المصرية أستاذ أستاذى، وتحدث الرجل بهدوء العالم العجوز الوقور، وبعد أن تحدث طويلاً عن مصر والمصريين صاح غاضباً: حتى أنت تدرس التاريخ الحديث فلماذا لا تدرس تاريخ حضارتكم العريقة؟! أنتم تنظرون إلى ما تبقى من الفراعنة على أنه مجرد كومة من الأحجار والتماثيل والمعابد، لكن هناك ما هو أهم، فحضارة الفراعنة ليست حضارة حجرية وإنما هى حضارة عقلانية وعلمية، ولولا العقل والعلم والعدل ما كانت هذه الآثار الحجرية. ولكننى إذ واصلت إعداد رسالتى فى التاريخ الحديث، انصعت فى نفس الوقت لأستاذ أستاذى وأخذت فى تجميع معلومات عن العمق الحضارى الفكرى والعلمى والعقلى للفراعنة القدامى. ومع إصرار تيار التأسلم السياسى على إعداد دستور على مقاسه متجاهلاً ثمار العلم والعقل والخبرة وحقوق الآخرين عدت إلى أوراقى القديمة، وأستاذن القارئ فى إيراد بعض منها، لعلها تكون إسهاماً فكرياً فى حث المصريين على رفض أى كتابة للدستور تتجاهل العقل والعلم والعدل واحترام حقوق الاعتقاد.

    ■ فى كتاب د. سيد كريم «لغز الحضارة المصرية» نجد قائمة بالأسئلة التى يواجهها المتوفى أمام محكمة الآخرة.. وهى أسئلة تصلح تماماً لأن نوجهها إلى من ينفردون بكتابة الدستور.. «هل حافظت على حسن سمعتك؟ هل رأيت خيالك وقد تبدى كبيراً على الجدار فأخذك الغرور، وظننت نفسك كبيراً وقوياً مثل خيالك؟ هل أخذك الغرور فعميت على الحكمة؟ هل رويت عطش المتعطشين إلى الصدق؟ هل استخدمت قوتك فى سبيل النور وليس الظلام والوقوف إلى جانب الحق والعدل؟ وهل تسببت فى تقييد حرية أحد أو سلبتها منه؟».

    ■ وفى كتاب د. محرم كمال والمعنون «الحكم والأمثال والنصائح عند قدماء المصريين» نقرأ دفاعاً للميت عند حسابه أمام قضاة الآخرة «لقد عشت بالعدل، ونشرت الإصلاح فى كل اتجاه حتى حمد الناس سيرتى، فكم أطعمت الجياع، وسقيت العطشى وكسوت العراة، وكنت أباً للأيتام وعيناً للأعمى، وأذناً للأصم وعصا للشيخ العجوز. إن قلبى نقى ويدىّ طاهرتان. كنت أتكلم بالخير وقد جمعت مالى بطرق عادلة».

    ■ وعن حقوق المرأة نقرأ فى كتاب برستيد «فجر الضمير»: «لقد أعطيت الأرملة نصيباً مثل الرجل، ولم أرفع الرجل العظيم فوق الرجل الفقير».

    ■ أما الدكتور محمود سلام زناتى فيعلمنا فى كتابه عن حقوق الإنسان فى عهد الفراعنة قائلاً: «عندما تصور المصرى القديم وجد أرباباً تصور معها وجود ربات، وكذلك ملوك وملكات، كهنة وكاهنات وحتى فى المهن المختلفة، ففى إحدى مصاطب الأسرة الرابعة «دفنت سيدة هى «بسشت» وكان لقبها رئيسة الطبيبات. وهناك السيدة «تشات» التى كانت وكيلة أملاك الحاكم. ويقول الحكيم آنى «لا تكن فظاً مع المرأة فى بيتها. ولا تقل لها أين هذا الشىء، لأنها بالضرورة تكون قد وضعته فى المكان المناسب. والآن ضع يدك فى يدها، فهناك كثير من الناس لا يعرف كيف يتصرف الرجل مع المرأة». وفى وصية نيكاو رع «ابن خوفو» أوصى للمرأة بنصيب يفوق نصيب كل ولد من أولاده.

    أما ماسبيرو فيقول فى كتابه «الحياة فى مصر القديمة»: «المرأة المصرية كانت أكثر احتراماً وأكثر استقلالية من أى امرأة أخرى فى العالم».

    ■ أما الباحث الفرنسى فى علم المصريات البروفيسور ديون فيقول: «لم تكن سلطة المرأة تستند إلى فكرة الأم وإنما تستند إلى فكرة المرأة ذاتها، وكانت متساوية الحقوق تماماً مع الرجل، سواء فى الأسرة أو فى المجتمع بمجرد بلوغها سن الرشد. وكان للملكة من القوة والمجد أكثر مما للملك. ويتعهد العريس عند الزواج بأن يستمع دوماً إلى رأى زوجته فى جميع الأمور».

    ■ كذلك احترم المصريون القدامى حرية الاعتقاد الدينى، وعندما توحدت البلاد تحت حكومة واحدة لم يسع أحد لتوحيد المعتقدات أو فرض معتقد بذاته، بل تركت كل مقاطعة محتفظة بمعتقداتها ومعبوداتها الخاصة، ولم يحدث أى ضغط فى ذلك إلا فى عهد إخناتون وانتهى هذا الأمر بنهايته. ولم يكن الأمر مقصوراً على المصريين بل سمح للغرباء بممارسة معتقداتهم وطقوسهم الدينية. ويروى هيرودوت أن الملك أمازيس سمح لليونانيين بإقامة هياكل ومعابد لآلهتهم، وكان أشهر هذه المعابد يسمى الهيلونيون. «عن كتاب (هيرودوت يتحدث عن مصر)- صـ٣١٠».

    ■ وكان العقل هو أساس كل القوانين والقواعد، يقول برستيد. «كان العقل هو القيمة الأساسية عند الفراعنة، فكان القلب هو العقل، والعقل هو القوة المنشئة للكلمة التى تعلن الفكرة فتلبسها تتوب الحقيقة».

    ■ وهكذا فإن: العقل- العلم- العدل- حقوق المرأة- حرية الاعتقاد الدينى كانت معاً الأسس التى بنى عليها المصريون القدماء حضارتهم بما مكنهم من أن يتركوا لنا هذا التراث الحضارى العظيم. فهل بإمكاننا وبعد كل هذا الزمان أن نسعى كى نرتقى إلى مستواهم العقلى والفكرى والحضارى؟ هذا السؤال نقدمه إلى من ينفردون بكتابة الدستور.

    ويبقى أن نستعير مقولة لتولستوى. «هناك كثيرون يقولون ويؤكدون أنهم يريدون تغيير العالم، لكنهم لا يستطيعون، بل لا يريدون تغيير أنفسهم». أليس كذلك؟


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 3:22 am