اختصاصات السلطة الرئاسية المتعلقة بالأعمال
وهي الاختصاصات التي تمارسها السلطة الرئاسية في إطار الجانب التنفيذي للعملية الإدارية بما يستوجبه ذلك من إصدار القرارات والأوامر إلى المرؤوسين حول تنفيذ المهام الموكولة لهم ورسم الإجراءات المناسبة لتنظيم العمل ووضع الأسس التي تحدد سير العمل بين الموظفين على أن بعض القرارات والأوامر الرئاسية لا تشمل مجال الموظفين فحسب وإنما تشمل أيضاً الأفراد الذين هم محور النشاط الإداري للسلطة الرئاسية لا سيما بعد أن اتسعت مجالات هذا النشاط في العصر الراهن وانعكس ذلك على أساليب ممارسة السلطة الرئاسية وسنرى أن المهام المتزايدة للنشاط الإداري استدعى تطور ممارسة السلطة الرئاسية وتوسع صلاحياتها من خلال اتجاه المشرع إلى منحها صلاحيات عديدة لتمكنها من أداء المهام المنوطة لها وقد تنوعت وتعددت هذه الصلاحيات خصوصاً فيما يخص إصدار القرارات الإدارية والظروف والمستجدات التي أخذت تؤثر في عملية إصدار هذه القرارات
وسنبحث ذلك في ثلاثة مطالب هي
المطلب الأول : اختصاص السلطة الرئاسية في إصدار القرارات والأوامر
المطلب الثاني : اختصاص السلطة الرئاسية في التنظيم الإداري
المطلب الثالث : اختصاص السلطة الرئاسية في الرقابة الإدارية
المطلب الأول : اختصاص السلطة الرئاسية في إصدار القرارات والأوامر
يعتبر هذا الاختصاص من ابرز اختصاصات السلطة الرئاسية لما لذلك من أهمية كبيرة في سير العملية الإدارية ، وعلى ذلك توصف السلطة الرئاسية بأنها سلطة آمرة تقوم بإصدار القرارات والأوامر التي لها صفة الإلزام بالنسبة للمخاطبين بها موظفين كانوا أم أفراداً ..إلا أن السلطة الرئاسية وهي تصدر قراراتها الملزمة لابد أن تصدرها وفقاً للقوانين والأنظمة المطبقة والتي تنظم مختلف أوجه النشاط الإداري وبعكسه تكون هذه القرارات غير مشروعة.وهو ما يطلق عليه بمبدأ الشروعية (1) ويراد بالقانون هنا جميع أنواع القواعد القانونية في الدولة مع مراعاة التدرج في قوتها القانونية حيث يكون الصرح القانوني في الدولة على شكل هرمي متدرج يقع الدستور في أعلى قمة هذا الهرم يليه القانون العادي (التشريع ) ثم الأنظمة والتعليمات أو القرارات التنظيمية ثم القرارات الفردية (2) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. سليمان الطماوي : النظرية العامة للقرارات الإدارية ص 15 .
(2) د. سليمان الطماوي: القضاء الإداري – قضاء الإلغاء ص 22 .
وكل نوع من هذه القواعد القانونية إنما يكتسب الصفة الإلزامية بالقدر الذي تحدده القاعدة الأعلى بحيث تكون القاعدة الأدنى نوعاً من التخصص والتحديد للقاعدة الأعلى وتمثل في الوقت نفسه بالنسبة للقواعد التي تدنوها القيد الخارجي والضابط العام الذي تلتزمه هذه القواعد بدورها ، وفي ضوء هذا التدرج فالقاعدة القانونية لا تكون مشروعة إلا بالقدر الذي تلتزم فيه الضوابط التي تحددها القاعدة القانونية الأعلى وهي في الوقت ذاته ملزمة للقواعد القانونية الأدنى (1) وهكذا كلما انحدرنا في اتجاه قاعدة الهرم القانوني التي تتكون من مجموعة من القرارات الفردية (2) تعلوها القرارات التنظيمية ثم تليها القوانين ثم الدستور الذي هو قمة الهرم القانوني ، وبذلك يكون النظام القانوني بأكمله محكوماً بالنصوص الدستورية أي أن أياً من سلطات الدولة لا يمكنها ممارسة سلطاتها إلا وفقاً للحدود التي يرسمها الدستور (3) .
هذا وتتخذ الاعمال القانونية التي تباشرها الادارة احد مظهرين هما :-
1) الاعمال القانونية الصادرة من جانبين وتحصل نتيجة اتفاق بين الادارة من جهة والافراد او احدى الجهات الادارية من جهة اخرى ويتمثل ذلك بالعقد الاداري حيث تتجه ارادة الطرفين الى احداث اثر قانوني معين هو انشاء او تعديل التزام قائم او الغائه ( 1).
والعلاقة التي تربط الادارة بالافراد هي من نوع العلاقة التعاقدية أي ان المتعاقد مع الادارة يخضع لشروط العقد والى القواعد التنظيمية الخاصة بالمرفق العام الا ان ذلك لايعني ان علاقة المتعاقد مع الادارة من ذات العلاقة التي تربط المرؤؤس بالرئيس الاداري اذ ان هذه الاخيرة تخضع لضوابط الوظيفة العامة ومنها نبدا التدرج الرئاسي والتبعية الوظيفية التي سبقت الاشارة اليها صحيح ان الادارة ترتبط مع الافراد بم يحقق الصالح العام وما يعنيه من تغليب المصلحة العامة على مصلحة الافراد وفي هذه الحالة تبرز اوجه الشبه بين وضع المتعاقد والموظف حيث يخضع كل منهما بمقتيضات الصالح العام كما ان شروط العقد غالبا ما يتم تحريرها مقدماً حيث تنفرد الادارة بوضع الشروط الخاصة بالعطاءات دون ان يكون للمتعاقد فرصة الاشتراك في صياغة هذه الشروط ولاتظهر ارادة المتعاقد في هذه الحالة بل ان الادارة تضع الشروط بارادتها المنفردة وفي هذه الحالة ايضاً يوجد شبه بين الوضع المتعاقد ووضع الموظف الذي يعيين في الوظيفة طبقاً لضوابط وشروط تضعها الادارة بارادتها المنفردة ورغم هذا فان علاقة الموظف بالادارة هي ليست كعلاقة المتعاقد مع الادارة ذلك ان الاول تحكمه مبادئ التنظيم الاداري حيث تمارس السلطة الرئاسية سلطتها على المرؤؤس وفقاً لمبدأ التدرج الرئاسي كما انه للادارة سلطات
(1) د. محمود حلمي : تدرج القواعد القانونية : مجلة العلوم الإدارية العدد الأول لسنة 1963 القاهرة ص 173 .
(2) د. طعيمة الجرف : مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الإدارة للقانون : دار النهضة العربية : القاهرة 1976 ص 47 .
(3) د.إحسان القرحي :دوعم الجدة : النظرية العامة في القانون الدستوري وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بغداد –1990 ص 164
( 4 ) انظر د. محمود خلف الجبوري : العقود الادارية : وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 1998 ص 5
معينة تجاه المتعاقد كسلطة الرقابة على تنفيذ العقد وسلطة توقيع الجزاء اذا اخل بالتزاماته ثم سلطة تعديل العقد من جانبها بل وحتى سلطة انهاء العقد اذا وجدت ان مقتضيات المصلحة العامة تقضي بان تنفيذ العقد لم يعد ضرورياً
الا ان هذه السلطات تجاه المتعاقد تختلف في طبيعتها واثارها عن سلطتها تجاه الموظف في ضوء ما تقدم تكون علاقة الافراد بالادارة علاقة تعاقدية في حين ان علاقتها بالموظف علاقة تنظيمية تحكمها مبادئ التدرج الرئاسي والتبعية الوظيفية .
وبما ان موضوع الاطروحة يتعلق بممارسة السلطة الرئاسية لذا تم استبعاد اختصاصات الادارة المتعلقة بالاعمال التعاقدية ... لذا اقتضى التنويه .
2) الاعمال القانونية الصادرة من جانب واحد أي بالارادة المنفردة للادارة ويتمثل ذلك بالقرارات الادرية .
هذا وتقسم القرارات الإدارية من حيث مضمونها والآثار التي تترتب عليها إلى قرارات تنظيمية وقرارات فردية ، فالقرارات التنظيمية هي القرارات التي تتضمن قواعد موضوعية عامة تنطبق على عدد من الأفراد غير محددين بذواتهم .
ويطلق الفقهاء تسميات عديدة على هذا النوع من القرارات كالمنشورات ومذكرات الخدمة والأوامر المصلحية (4) وفي العراق دأبت الجهات الإدارية على إطلاق تسميات عديدة على هذه القرارات كالأنظمة – التعليمات – المنشورات – التعاميم – البيانات – ألاوامر داخلية ….الخ .
أما القرارات الفردية فهي التي تصدرها الإدارة وتتعلق بفردٍ أو مجموعة أفراد معينين بالذات كأوامر التعيين والنقل و الترفيع .
والقرارات الإدارية التنظيمية تقسم بدورها إلى أنواع عديدة طبقاً للظروف التي تصدرها السلطة الرئاسية فهناك القرارات التي تصدر في الظروف العادية والقرارات التي تصدر في الظروف الاستثنائية ، كما تقسم القرارات التنظيمية بالنظر إلى موضوعها وطبيعتها فهناك القرارات التنفيذية والقرارات المستقلة وقرارات الضبط الإداري .
والقرارات التنظيمية التي تصدرها السلطة الرئاسية تتضمن قواعد عامة موضوعية وهي بذلك تماثل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. محمد أحمد الطيب هيكل : السلطة الرئاسية بين الفاعلية والضمان : رسالة دكتوراه كلية الحقوق / جامعة عين شمس (بدون سنة طبع) ص 233 .