طرق التعويض وتقديره
أن التعويض الذي يستحقه المتضرر من جراء النشر الصحفي المتضمن قذفا أو أنتهاكاً للخصوصية قد يكون - وطبقاً للقواعد العامة - تعويضا عينيا يتمثل بأعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الأخلال بالالتزام الذي نشأ عنه الضرر ، وقد يكون تعويضا بمقابل يتجسد في صورة مبلغ من النقود وهذا هو التعويض النقدي أو في صورة أداء أمر معين وهذا هو التعويض غير النقدي (1) .
والتعويض سواء كأن عينيا
أو بمقابل يتطلب تقديره تحديد الوقت الذي يقدر فيه الضرر وما هي العوامل التي يجب على المحكمة أن تأخذها بالأعتبار عند تقديرها للتعويض المستحق .
ولتوضيح هذه الأمور فأن هذا المبحث سيقسم إلى مطلبين نتناول في أولهما طرق التعويض ، وفي ثانيهما تقدير التعويض .
طــرق التعويض
أن التعويض كما ذكرنا أما أن يكون عينياً وأما أن يكون تعويضاً بمقابل . ونتناول هذين النوعين في فرعين مستقلين نخصص أولهما للتعويض العيني ، ونعالج في ثانيهما التعويض بمقابل.
الفرع الأول
التعويض العيني
لاشك في أن المتضرر يسعى إلى الحصول على التعويض الذي يزيل الضرر الذي أصابه أو يخفف من وطأته قدر الأمكان ، وقد يجد المتضرر في التعويض العيني خير وسيلة لجبر الضرر لأن من شأن هذا النوع من التعويض أن يعيده إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر(1) ، بحيث تكون النتيجة التي يصبوا إليها المتضرر من الحكم بهذا التعويض هو إزالة الضرر ومحو آثاره . ولكن السؤال الذي يطرح هنا ، هل يصلح التعويض العيني في قضايا القذف والتشهير أو في قضايا أنتهاك الخصوصيات في إزالة الضرر الذي أصاب بحيث تزول آثار الفعل الضار الذي ارتكبه الصحفي ولم يبق منه سوى الذكرى ؟
الواقع وكما هو معلوم أن الضرر الذي نشأ عن أخلال الصحفي بالتزاماته قد يكون ضررا ماديا وقد يكون ضررا أدبيا ، فقد ينشر الصحفي مقالا ينسب إلى شركه بخلاف الواقع بأنها تمارس وسائل أحتيالية في ممارسة نشاطها مما يؤدي إلى إصابتها بضرر مادي يتمثل في إنخفاض أقيام أسهمها أو يؤدي إلى تعذر حصولها على المواد اللازمة لممارسة نشاطها ، فينخفض أنتاجها أو يشير الصحفي من خلال مقاله إلى قصه لمؤلف بطريقه مشوهه مما يؤدي إلى عدم أقتناء الناس لها أو يقوم بنشر صوره لفنانه دون إذنها مما يفوت عليها المكاسب المادية التي كانت ستحصل عليها لو تعاقدت على نشر صورتها لما تتمتع به بسبب سحرها وجمالها من قيمة تجارية ففي مثل هذه الأحوال يجوز الحكم بالتعويض العيني من خلال أعاده نشر المقال عن الشركة المتضررة بطريقة ينفي عنها استعمالها
للوسائل الأحتيالية ، أو نشر المقال الذي يشير إلى الرواية وبأسلوب يزيل التشويه عنها (1) ، ويمكن أن يلزم الصحفي أيضا بنشر مقاله ثانية والأشارة إلى مؤلف الرواية إذا كان الصحفي قد أغفل أسمه عندما أشار إلى الرواية في مقاله (2) ، إضافة إلى أن المحاكم قد تمنع التداول في حالات ما إذا كأن المساس بالحق يتم عن طريق النشر بصفة عامة فوقف التداول بعد النشر يعتبر بنظر جانب من الفقه بمثابة استئصال الداء من جذوره (3) . فيكون التعويض هنا من جنس الضرر وبالتالي تتحقق المصلحة التي يرمي إليها المدعي ، بيد أن الضرر قد يكون أدبيا وهو الغالب في دعاوى التشهير وأنتهاك الخصوصيات وبالتالي فأنه يتعذر أعاده الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر ، بخلاف الأضرار المادية التي يمكن تعويضها تعويضا عينيا ولذلك ذهب جانب من الفقه إلى أن المبدأ القاضي بأعادة الحال إلى ما كانت عليه سابقا restitution in ntgerum يعتبر خير وسيلة للتعويض في قضايا الأضرار المادية ، غير أن الأمر مختلف في قضايا التعويض عن الأضرار الأدبية الناشئة عن التشهير لأن الأضرار التي تلحق بسمعة الشخص لا يمكن محو آثارها وأعادتها إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر(1) ، فالذي يشهر به لا يكون بوسعه أن يحصــل على تعويض يعادل سمـعته المتـضـرره (2).
ويكون بوسع محاكمنا أن تحكم بالتعويض العيني عن الضرر المادي استنادا إلى النصوص الواردة في قانون العقوبات لمنع الصحيفة من التداول حيث يجوز للمحكمة أن تأمر بضبط كل الكتابات والرسوم وغيرها من طرق التعبير مما يكون قد أعـّد للبيع أو التوزيع أو العرض أو يكون قد بيع أو وزع أو عرض فعلا(3). فضبط الكتابات والمطبوعات يحمل معنى المنع من التداول إذا كان من شأن تلك المطبوعات أو العبارات أن تكون جناية أو جنحة . ولكن يمكن القول بأن الحماية المقررة بموجب هذا النص غير كافيه لأن حكمه لا يطبق إلاّ إذا كونت العبارة جريمة ، فإذا لم تتوافر أركان الجريمة فلا يمكن اللجوء إلى تطبيقها . كما يمكن الأفادة من أحكام قانون حماية حق المؤلف رغم أنه لايتعلق بالحياة الخاصة بل يتعلق بالحياة العامة ولكنها أجازت لمحكمة البداءة في حالة الاعتداء على حق المؤلف أن تأمر بحجز المصنف الأصلي إذا نشر أو أعيد نشره بوجه غير مشروع (4) .
كما أن قانون المطبوعات أجاز تعطيل المطبوعات إذا نشرت فيها أموراً من شأنها التعرض للغير مما يعتبر تشهيراً أو قذفا في أشخاصهم لذاتها أو أنتهاكاً لحرمة الآداب والقيم الخلقية العامة (5). إلاّ أن الحماية هنا تقتصر على القذف والتشهير ولاتتناول حالة أنتهاك الخصوصيات وهذا يعني أن الصحف لاتمنع من التداول إذا أشارت في أخبارها إلى خصوصيات الأفراد . الأمر الذي يدعونا ثانية إلى التأكيد على ضرورة أن يتضمن القانون المدني أحكاما تعطي لمن يقع عليه اعتداءاً غير مشروع في حق من حقوقه الشخصية أن يطالب بوقف هذا الاعتداء بحيث يكون هذا النص أساساً لوقف الاعتداء على الحقوق الملازمة للشخصية سواء كان هذا الضرر قد أصاب السمعة أو اقتصر على كشف الخصوصيات . في الوقت الذي توافرت فيه هذه الحماية القانونية لللقب حيث يجوز لمن أنتحل الغير لقبه أن يطالب بوقف الاعتداء وأن يطلب التعويض إذا لحقه ضرر من ذلك (1). ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تستند إلى ما ورد في عجز المادة 209/2 من القانون المدني (2)، وتحكم بأعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر من خلال ما تأمر به من وقف الاعتداء على السمعة أو الخصوصيات إذ يعتبر ذلك وبحق تعويضاً عينياً للضرر الذي يصيب السمعة أو الحياة الخاصة.
ويذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الحق في الرد والتصحيح صورة من صور التعويض العينـي (3).
وقد أشرنا إلى هذا الحق الذي كفلته قوانين الصحافة لكل شخص تعرضت له الصحيفة بأن يذكر الأيضاحات أو يصحح بعض الأمور الخاطئة ، أو الرد على ما نشرته تلك الصحيفة واعتبرناه كحق للأشخاص يقابل الحق في الأعلام الذي يتمتع به الصحفي . ويمكن القول أن حق الرد أو حق التصحيح إذا كان له دور مهم في مجال القذف الصحفي الماس بسمعة الشخص أو شرفه أو كرامته بحيث يمكّنه من تصحيح المعلومات المنشورة في أعداد لاحقه من الصحيفه ذاتها فيؤدي التصحيح وظيفته كوسيلة لأزالة الضرر من خلال توضيح الحقائق للقراء ، ولكن في المقابل لا يحقق الرد أو التصحيح غايته في حالة أنتهاك حرمة الحياة الخاصة ، فمجرد نشر نسخ من الصحيفة يتحقق المساس والاعتداء على الحياة الخاصة ، خصوصاً إذا كانت الوقائع المنشورة صحيحة وليست خاطئة (1)، فأن الرد على هذا النشر سيزيد من دائرة أنتشار الخبر فيكون بمثابة نشر جديد ، فبدلا من أن يزيل الضرر أو يخفف منه يؤدي إلى إتساع دائرته فلا تتحقق الغاية من تشريعه .
كما أن التصحيحات لا تعتبر في حالات معينه علاجا لأزالة الضرر إذ أنها كثيرا ما تكون متأخرة فلا يمكن من خلالها استعادة خصوصيات الشخص بعد أن هدرت سرّيتها إضافة إلى أن معظم الصحف لا تتخلى عن مواقفها السابقة ، ففي بعض الأوقات قد تفضل الصحيفة الوقوف أمام القضاء لرد الدعوى أو تُؤثر أن تدفع مبلغ من النقود كتعويض أو تسوية خارج المحكمة على أن تعتـرف صراحـة بخطئها (2).
ولابد من الأشارة أخيرا إلى أن التعويض العيني أمر جوازي للمحكمة تقضي به تبعاً للظروف وبناءاًعلى طلب المتضرر إذا كأن ذلك ممكنا وليس فيه إرهاق للمسؤول (3).
الفرع الثاني
التعويض بمقابل
يلاحظ مما تقدم أنه في كثير من حالات الضرر الأدبي يتعذر التعويض العيني فلا يمكن إعادة الحال لسمعة الأنسان وكرامته إلى ما قبل وقوع الضرر، إذ نكون أمام استحالة مطلقه فلا يكون التعويض العيني ممكنا بطبيعته ، وهذا ما عبر عنه وبحق أستاذنا الدكتور حسن علي الذنون من أن الشرف المثلوم والعرض المنتهك والكرامة المـدنسة لايمكن أزالة ما خلفه الفعل الضار الذي كان السبب فيها (4).
إضافة إلى ذلك أن التعويض العيني في نطاق المسؤولية التقصيرية يكون بمنزلة الاستثناء بخلاف المسؤولية العقدية الذي يشكل هذا النوع من التعويض الأصل فيها (5). وكما رأينا أن مسؤولية الصحفي وبحسب التكييف القانوني الذي أخترناه تكون مسؤولية تقصيرية وليست مسؤولية عقدية .
وأمام هذه الصعوبات في تعويض الضرر وخاصة الضرر الأدبي تعويضا عينيا لا يكون أمام القضاء إلاّ اللجوء إلى التعويض بمقابل (1). وهذا التعويض يتخذ صورتين ، فقد يكون عبارة عن تعويض نقدي يقدر بمبلغ من النقود ، وقد يكون هذا التعويض غير نقدي تحكم به المحكمة وفقا لظروف الحال .
ويعتبر التعويض النقدي هو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية بشأن التعويض عن الأضرار ، فالأصل أن يكون التعويض مبلغاً من النقود ، ولا جدال في التعويض النقدي إذا كان الأمر متعلقا بضرر مادي ، إلاّ أن الصعوبة تبرز في حالات الضرر الأدبي من حيث أن هذا الضرر لايمكن تعويضه إذ لا صلة بين الألم النفسي الناتج عن المساس بعاطفة الأنسان وكرامته وبين المبلغ النقدي الذي تقضي به المحكمة . ثم أن من الصعوبة الادعاء أو المجادلة بأن التعويضات يجب أن تمنح لمجرد الشعور بالقلق من المساس بالسمعة ،فهذا النوع من الضرر يفترض أنه غير مادي ومن ثم يستحيل تعويضه مادياً لصعوبة تقديره بالنقد ، لذلك فالأضرار الأدبية لايمكن تعويضها إذا لم تقترن بأضرار مادية(2) .
ورغم ما تقدم ذكره من حجج لدحض التعويض النقدي في حالات الضرر الأدبي ، فأن ذلك لم يثن الفقه والقضاء عن الاعتراف بهذا النوع من التعويض لمن أصابه ضرر أدبي ، فالوسائل التي تساعد في إزالة الضرر أو التخفيف من آثاره يمكن تقويمها بالنقود ، ثم أنه لا يوجد ما
يبّرر منح التعويـــض النقدي للأضرار المادية دون الأضرار الأدبية (1) . لذلك ينبغي على المحكمة أن تقضي بالتعويض النقدي بأعتباره الأصل في تقدير التعويض ، فالنقود إضافة إلى كونها وسيلة للتداول فأنها تعتبر خير وسيلة لتقويم الأضرار بما فيها الأضرار الأدبية (2). ففي جميع الحالات التي يتعذر فيها الحكم بأزالة الضرر عينا" ، فلا مناص من اللجوء إلى التعويض النقدي ويستوي في ذلك ما إذا كان موضوع الدعوى هو قذف وتشهير أو كان مجرد المساس بالخصوصية ، فكثير من القضايا المتعلقة بالخصوصية يمكن أن تؤخذ بنفس الاعتبار في التعويض بالنسبة لقضايا القذف أو التشهير ، ففي قضايا القذف ينصب التعويض عن الضرر في السمعة في الوقت الذي يكون الضرر الأساسي في قضايا الخصوصية الذي يعوض عنه هو الألم النفسي من جراء عرض هذه الخصوصيات إلى العامة ، بالرغم من أن الأذى إلى السمعة ربما يكون عنصرا من عناصر هذا الضرر . وهذا يعني أن الطرق التي يعوض فيها عن الأضرار بالسمعة هي ذاتها التي يعوض فيها بسبب أنتهاك الخصوصية (3).
وفي هذا المعنى جاءت المادة (209) من القانون المدني العراقي التي نصت في فقرتها الأولى على أنه ( تعين المحكمة طريقه التعويض تبعا للظروف ، ويصح أن يكون التعويض أقساطاً أو إيراداً مرتبا. ويجوز في هذه الحالة إلزام المدين بأن يقدم تأميناً )، وجاءت الفقرة الثانية لتؤكد على التعويض النقدي بقولها ( ويقدر التعويض بالنقد …) .
ولو يصار إلى أن تحل الفقرة الثانية محل الفقرة الأولى من المادة المذكورة لكان أفضل . إذا أن في ذلك تأكيداً واضحاً على جعل التعويض النقدي هو الأصل أو يمكن أن تصاغ الفقرة الأولى في أقل تقدير بالشكل التالي
( تعين المحكمة طريقه التعويض تبعاً للظروف ، ويقدر هذا التعويض بالنقد على أنه يجوز للمحكمة وبناءاً على طلب المتضرر أن تأمر بأعادة الحال إلى ما كانت عليه أو أن تحكم بأداء أمر معين أو برد المثل في المثليات وذلك على سبيل التعويض ) بحيث تكون هذه الفقرة هي القاعدة العامة للحكم بالتعويض عن الضرر.
وإذا كان التعويض النقدي هو الأصل في دعاوى المسؤولية التقصيرية على النحو المتقدم ، إلاّ أنه في بعض الدعاوى قد يأمر القاضي بأتخاذ أجراء معين يتضمن رد اعتبار للمتضرر وينطوي في ذات الوقت على جبر الضرر الذي لحق به من جراء الفعل الضار، وهذا هو التعويض غير النقدي الذي يعتبر الصورة الثانية من صور التعويض بمقابل . ومن قبيل التعويض غير النقدي هو ما تأمر به المحكمة في دعاوى القذف بناء على طلب المتضرر بنشر الحكم القاضي بأدانة الصحفي على نفقه الأخير ، فهذا النشر يعتبر دليلاً على براءة المدعي من القذف الموجه إليه أن الصحفي ويعتبر بنفس الوقت تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي أصابه لأن الملحوظ فيه هو المعنى الذي تضمنه (1).
ومع ذلك هناك من أعتبر نشر حكم الأدانة في الصحيفه بمثابة تعويض عيني وليس تعويض غـير نقدي (2) . في حين يرى جانب آخر من الفقه أن هذا التعويض ليس تعويضاً عينياً ولا تعويضاً مالياً (3). ويمكن القول أن هذا النوع من التعويض الذي تحكم به المحكمة في جرائم القذف أو أنتهاك الخصوصيات يعتبر تعويضاً غير نقدي . فلا يمكن اعتباره تعويضاً عينياً لأن الضرر الأدبي الناشئ من الاعتداء في مثل هذه الحالات غير ممكن فلا يمكن أن نضفي هذه التسمية عليه ، كما أنه ليس تعويضاً نقدياً لأن المتضرر لا يسعى إلى الحصول على مبلغ نقدي وإنما يطمح في الحصول على ترضيه مناسبة للضرر الذي لحق به ويعتقد بكفاية هذا الأجراء للتخفيف من آثار الضرر.
ونشر الحكم بأعتباره تعويضاً قد يكون بمثابة أجراء تكميلي لتحقيق التوازن بين الضرر والتعويض في مجال جرائم النشر بصفة عامة بل أن المتضرر قد يهدف إلى الحصول على نشر الحكم بصفة أساسية في بعض الحالات ، ويبرز ذلك في حالات التعويض الرمزي فقد لا يكون كافيا لجبر الضرر، فلا يمثل الغاية المتوخاة من رفع الدعوى لهذا يسعى المتضرر إلى جبر ضرره من خلال طلب نشـر الحكم (1) ، فيكون الغرض الأساسي من رفع الدعوى عن الضرر الذي يصيب اعتباره أو كرامته هو الحصول على أعلان رسمي يصل إلى علم الجميع بأنه كان
على حق وأنه قد أسيْ إلى سمعنه وكرامته وقد يكتفي المتضرر مع هذا الأعلان بتعويض رمزي (2) ، خاصة إذا كان من بين الشخصيات الشهيرة أو تلك التي تتمتع بمكانه إجتماعية مرموقة .
وتستند المحاكم الفرنسية في إصدار حكمها بنشر قرار الأدانة في الصحف إلى نص المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي في فقرتها الثانية التي أجازت للقضاء إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع أو لوقف الاعتداء على ألفة الحياة الخاصة ، ويدخل ضمن هذه الإجراءات نشر الحكم الصادر بالأدانة(3).
وفي مصر استندت المحاكم إلى نص المادة 171 من القانون المدني للحكم بتعويض المتضرر من خلال نشر الحكم المتضمن إدانة الصحفي في نفس الصحيفة أو في صحف أخرى على نفقتـه (1).
كما أن نصوص قانون الصحافة المصري لعام 1996 أجازت للمحكمة عند الحكم بالعقوبة أو التعويض المدني أن تأمر بنشر هذا الحكم في صحيفة يومية واحدة على نفقة الصحيفة وفضلا عن نشره بالصحيفة التي نشر بها المقال أو الخبر موضوع الدعوى خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور الحكم إذا كان حضورياً أو تاريخ إعلانه إذا كان غيابياً(2).
وبوسع المحاكم عندنا أن تحكم استنادا إلى عجز المادة 209/2 من تقنينا المدني بنشر الحكم في الصحيفة أو في صحف أخرى على نفقة الصحفي ، حيث أجازت المادة المذكورة للمحكمة أن تحكم بناء على طلب المتضرر بأداء أمر معين وينطوي تحت هذا الأمر نشر الحكم كتعويض في الصحيفة .
ويمكن الاستناد أيضاً إلى نص المادة 84 من قانون العقوبات التي جاء فيها ( 1- وللمحكمة عند صدور الحكم بالأدانة في موضوع الدعوى أن تأمر بنشر الحكم أو ملخصه في صحيفة أو صحيفتين على الأكثر على نفقة المحكوم عليه 2- ويجوز للمحكمة أيضا إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بطريق النشر في إحدى الصحف أن تأمر بنشر الحكم أو ملخصه في نفس الموضع من الصحيفه المذكورة خلال اجل محدد…)(3).
ومن الأفضل أن يتضمن قانون المطبوعات العراقي نصاً يعطي للمحكمة الحق في أن تأمر بنشر الحكم أو خلاصته المتضمن إدانه الصحفي أو إلزامه بالتعويض في الصحيفة التي يعمل بها أو في صحيفتين على الأقل وعلى نفقته وفي أول عدد بعد صدور الحكم لكي يكون جبر الضرر شاملاً لكل من وصل إلى علمه المقال أو الخبر موضوع الدعوى، وعلى أن يكون النشر في نفس المكان وبذات الحروف التي كتب بها المقال المشكو منه.
فضلا عن ذلك فأن من حق القضاء أن يجعل من نص المادة (47) من قانون حماية حق المؤلف أساساً لحكمه بالتعويض حيث جاء فيه (… يجوز للمحكمة في كل الحالات بناءاً على طلب الطرف الآخر الذي لحق به الضرر أن تأمر بنشر الحكم بأسبابه أو بدونها في جريدة أو مجلة أو أكثر على نفقه المسؤول ) ، وأن كان حكم هذا النص يتعلق بالأضرار التي تصيب المؤلف من جراء النشر الضار.
والتوجه الآن يسير نحو التقليل من التعويض النقدي والاستعاضة عنه بنشر الحكم بنفس الطريقة التي يتحقق بها التشهير (1).
ويمكننا القول أن نشر حكم الأدانة أو التعويض في الصحف يمثل خير تعويض إذا كان الخبر الذي نشره الصحفي أو المقال الذي كتبه يتضمن أموراً مخالفة للحقيقة أو الواقع أو يحمل في ثناياه تجريحاً بسمعة أو كرامة شخص ما، فيأتي النشر موضحاً للحقائق فيكون بمثابة تعويض أدبي للمتضرر . بيد أن المقال قد يكشف جانباً من الخصوصيات بصوره مجردة كما لو أماط الصحفي اللثام عن أمراض المدعي للعامة أو أفشى أسراره للناس ، فأن في جدوى النشر كتعويض يكون محل شك ، إذا أن النشر لا يعدو أن يكون ترديداً لما ذكره الصحفي ، وبالتالي يجعل كل من لم يطلع على المقال موضوع الدعوى أن يبحث عن الصحيفة التي تضمنت ذلك المقال وبالتالي يتوسع نطاق النشر ، فلا يكون بعدئذ لهذا النوع من التعويض أية فائدة .
تقدير التعويض
أن من أهم الصعوبات التي تواجه المحاكم في طريق أصدارها لحكم التعويض عن الضرر الناشئ من القذف أو المساس بالخصوصية تلك التي تتعلق بتقدير التعويض (1)، ولاسيما التعويض عن الأضرار الأدبية .
ومن المبادئ المستقرة في هذا الخصوص هي أن التعويض عن الضرر يجب أن يقدر بقدر الضرر الحقيقي دون زيادة أو نقصان ، بيد أنه قد يتأثر تقدير التعويض بظروف وعوامل من شأنها أن تنقص من مقداره أو تزيد منه . وهذا ما يدعونا إلى أن نخصص الفرع الأول للقاعدة العامة في التعويض وهو أن يكون بمقدار الضرر ونبحث في الفرع الثاني الظروف الملابسة التي تؤثر في تقدير التعويـض .
الفرع الأول
وجوب أن يكون التعويض بمقدار الضرر
أن المبدأ العام الذي يحكم تقدير التعويض هو أن يكون بمقدار الضرر الذي أصاب المتضرر،بسبب نشر العبارات التي شهّرت به أو التي كشفت جانباً من خصوصياته متى كان هذا الضرر نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع أو الأخلال بالعقد (1)، ، ويستوي في ذلك أن يكون متوقعا أو غير متوقع في نطاق المسؤولية التقصيرية ، أما إذا كانت المسؤولية عقدية فأن التعويض يقتصر على الضرر المتوقع إلاّ إذا كأن هذا الضرر ناشئاً من الغش أو الخطأ الجسيم للصحفي (2).
أن مسألة تعادل التعويض للأضرار إذا كانت لا تثير صعوبات في مجال التعويض عن الأضرار الشخصية ، إلاّ أن الأضرار التي تصيب سمعة الأفراد وهي أضرار أدبية لا يخلو تعويضها من صعوبة . ويبدو أن القضاء المقارن قد شعر بهذه الصعوبة ، ففي الوقت الذي يجب أن يكون التعويض الممنوح لأصلاح الضرر محدد بمبلغ من النقود تعادل الضرر دون زيادة أو نقصان فذلك لا يثير جدلاً في تعويض الأضرار المادية عندما تكون محققة ، إذ يكون تقديرها نوعمّا دقيقاً . إلاّ أن الأمر لا يكون كذلك عند تعويض الأضرار الأدبية كالآلام النفسية التي يشعر بها المصاب من كراهية أو أحتقار الناشئة من مهاجمة السمعة ، فغالباً ما يصعب على التعويض أن يعادل الضرر ، وأن أية محاولة لتقدير مثل هذه التعويضات لن يكتب لها النجاح لأن القاضي سيتردد في تحديده للمبلغ الذي يمكن أن يأخذه بنظر الاعتبار (1).
وقد عبر بعض المعلقين عن تلك الصعوبة بالقول أنه ليس بالمستطاع الأعتماد على حسابات رياضية للحكم بمبلغ محدد يعادل الآلام والمعاناة التي يشعر بها المتضرر(2)، وأن البحث عن تعويض معادل لمثل هذه الأضرار إنما يكون بمثابة معادلة بين أشياء غير متكافئة (3)، ولذلك فقد وصف التعويض عن التشهير أو القذف بأنه تعويض غير محدد أو لا يخضع لقاعدة محدده at Large (4).
ويبدو أن مرد هذه الصعوبات التي تواجه القضاء في تقدير التعويض عن الأضرار التي تصيب السمعة يرجع إلى قيمة السمعة نفسها إذ أنه من الاستحالة بمكان وضع مقدار من النقود يوازي سمعة الفرد ، ولعل هذا ما يفسر لنا أن القضاء قد توصّل من خلال أحكامه إلى نوع من التوحيد في قضايا التعويض عن الأضرار الشخصية الأخرى في الوقت الذي لم يوفق في ذلك في دعاوى القذف والتشهير ولو بشكل تقريبي فليس هناك قضيتين متشابهتين من حيث مقدار التعويض الممنوح (5).
وأمام صعوبة تحديد تعويض معادل للضرر لجأت المحاكم أحياناً في مثل هذه الحالات إلى الحكم على الصحفي بتعويض يجاوز الضرر الفعلي في ظروف معينه ويطلق على مثل هذه التعويضات في القانون الأنكليزيExemplary or punitive damages وفي القانون الأمريكيSmart mony وهي تعويضات تأديبية أو جزائية أو مثالية ترى فيها المحكمة زيادة التعويض في حالات معينه لكي تجعل الضرر الفعلي أو الأصلي أبعد أثراً ، وهذا التعويض لا يقابل في حقيقته الضرر الذي تكبده المدعي ، ولكن هو بمثابة عقوبة على المدعي عليه (الصحفي ) ويحمل بنفس الوقت تحذيرا للآخرين ضد السلوك غير المرضي أو غير المرغوب فيه للمدعي عليه، وقد أخذت بعض المحاكم بهذا النوع من التعويض على الرغم من أنه يعد غريباً عن التطرية العامة لقانون المسؤولية التي تقضي وكما ذكرنا بأن تكون التعويضات الممنوحة في الدعاوى المدنية تحمل وصف التعويض عن الضرر وليس عقاباً على الفعل الخاطئ ، لأن العقاب يكون من أختصاص المحاكم الجزائية وليس مـن اختصاص المحاكم المدنية (1) .
ففي إحدى القضايا التي عرضت أمام إحدى المحاكم الانكليزية وصادق عليها مجلس اللوردات، حكمت محكمة الموضوع بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعة قبطان بحري بسبب نشر مقال نسب إليه كاتبه اتهامات خطيرة عن سوء أدارته لأسطوله البحري ، وهذا التعويض كان بعضه يقابل الأضرار الحقيقية التي أصابت المدعي وهي تعويضات معادلة ، وبعضه الآخر كأن عبارة عن تعويضات مثالية أو جزائية تفوق ما يكفي لتعويض الضرر أو جبره وقد حكمت المحكمة بهذا التعويض بالأستناد إلى ظروف النشر (2) .
ولكي يكون بوسع القاضي أن يحدد التعويض الذي يقابل الضرر الذي أصاب المدعي ، لابد من أن يبيّن في حكمه عناصر الضرر المدعى بحصوله ويناقش كل عنصر فيه على حده كي يتأكد من أحقية طالب التعويض في طلبه ، ويستفاد من النصوص القانونية أنه يجب على المحكمة أن تدخل في التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب نتيجة لعدم تنفيذ الصحفي لالتزامه أو تأخره في تنفيذه (3) ، فقد ينشر الصحفي مقالا ينسب فيه إلى فنان معين عدم كفاءته أو يفشي فيه جانبا من حياته الخاصة، فأن الحكم بالتعويض له يجب أن يأخذ بالأعتبار الخسارة التي لحقت به سواء كانت مادية كما لو أقصي من عمله ، أو كانت أدبية متمثلة برد الفعل النفسي للمدعي وشعوره بالحزن الطبيعي والضغط النفسي الذي ربما يشعر به حينما يقرأ العبارات التشهيرية وهي بدون شك أضرار تصيب المدعي في كرامته ، ويشمل التعويض أيضاً ما كان يمكن أن يحصل عليه من أرباح كان سيجنيها من أحياء لحفلاته أو من مشاريع أعماله القادمة .
إلاّ أنه ليس من الضروري أن يحتوي الحكم على عناصر التعويض ، فأذا كان مؤدى ما أورده الحكم في مدوناته أن نشر المقال كان من شأنه خدش شرف المدعي والحط من قدره في أعين الناس ، وكان هذا البيان يتضمن في ذاته الأحاطة بأركان المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على الصحفي بالتعويض ، فلا تثريب على المحكمة أن هي لم تبيّن عناصر الضرر الذي قدّر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به (1).
ويقدر القضاء التعويض عن الضرر المادي والأدبي في المسؤولية التقصيرية سواء كان متوقعا أم غير متوقع ، أما في المسؤولية العقدية ، فالتعويض يقتصر على الضرر المادي فقط وفقا لتقنيننا المدني(2) .
ويمكن القول أن التعويض عن الضرر الأدبي وأن كان نادر الوقوع في المسؤولية التعاقدية ، إلاّ أن ذلك لا يمنع من تعويضه في حاله وقوعه ، إذا لا يعقل أن تنصرف أرادة المتعاقدين إلى التعويض عن الضرر المادي دون الضرر الأدبي ، فمن يتعاقد مع صحفي على كتابة مقال عن إنجازاته وأبحاثه ثم يقوم الصحفي بالكشف عن بعض خصوصياته من خلال هذا المقال أو ينسب إليه أمراً يصيبه بضرر في سمعته وإحتقاره من قبل أقرانه، فبدون شك أن الصحفي يسأل عن الضرر الأدبي .
ويجري القضاء على تقدير التعويض جملة واحدة دون تخصيص بمقدار معين عن كل ضرر(3).
إذا يكفي أن يثبت الحكم مسؤولية الصحفي عن الفعل الذي أرتكبه وحكم بالتعويض من أجله ، ولا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعيه المادي والأدبي (1).
نخلص مما تقدم أنه لاصعوبة في تعويض الضرر المادي و تقديره ، أما الضرر الأدبي فرغم الصعوبات التي تعيق تقديره فليس ثمة شك في وجوب تعويضه سواء كأن في المسؤولية التعاقدية أو في المسؤولية التقصيرية ، ويمكن أن يترك للمتضرر أن يختار الطريقة المناسبة لتعويضه عن الضرر سواء كان بالنقد أم مجرد الاكتفاء بتعويض رمزي أم اكتفاءاً بنشر الحكم في الصحيفة للدلالة على براءته مما نسبه الصحفي إليه .
الفرع الثاني
تـأثير الظروف الملابسه في تقدير التعويض
ملاحظة : الى هنا اكملنا التصحيح
أن دور المحكمة في تقدير التعويض يختلف باختلاف الضرر الناشئ من خطأ الصحفي فعندما يكون الضرر ماديا نجد أن دور المحكمة يكون ضئيلاً نوعمّا حيث يقتصر على تقدير التعويض بقدر الضرر الواقع ، إلاّ أن الأمر يبدو مختلفاً عندما يكون الضرر أدبياً إذا أن ضوابط تحديده تكون مرنه إلى حد كبير، لأنه يقوم على أعتبارات شخصيه تختلف من شخص لآخر مما يجب على المحكمة أن تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الملابسة التي أحاطت بالضرر(2) .
ولكن عندما تأخذ المحكمة الظروف الملابسة في تقديرها للتعويض فهل تعتد بظروف المتضرر فقط أو أنها تأخذ في اعتبارها أيضاً الظروف الخاصة بالصحفي محدث الضرر ومدى جسامة خطئه ؟
وإذا كان الفقه المدني قد أنقسم إلى رأيين ، رأي يعتبر الظروف الملابسة هي تلك التي تحيط بالمتضرر فحسب والتي يحب على القاضي أن يدخلها في حسابه عند تقديره للتعويض (1).
ورأي يذهب إلى أتجاه أوسع من ذلك من حيث أن الظروف التي يقام لها وزن عند تقدير التعويض هي جميع الظروف الملابسة بما في ذلك جسامة خطأ المسؤول (2).
إلاّ أنه وبقدر تعلق الأمر بتقدير التعويض النقدي في مسؤولية الصحفي، يمكن القول أن المحكمة يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار الرأي الأخير عند إصدار حكمها بالتعويض، إذا لا يمكن فصل الظروف المحيطة بالمتضرر عن تلك التي تحيط بالصحفي عند تقدير التعويض ، وهي بالضرورة اعتبارات خارجه عن الضرر الواجب التعويض .
ومن الأمور التي تضعها المحكمة في اعتبارها عند تقديرها للتعويض هي سلوك المتضرر المعتدي على خصوصياته أو على سمعته ويدخل في ذلك سمعة مدعي التعويض قبل نشر المقال الصحفي ، ذلك أن السمعة الردئية للشخص الذي أشير إليه في المقال أو الخبر قد تصل إلى حد اعتبارها سبباً لأعفاء الصحفي من المسؤولية ، فمن باب أولى أن يكون لها دور في تخفيض التعويض الذي يحكم به على الصحفي .
ثم أن وظيفة التعويض هي إعادة المتضرر إلى وضعه الذي كان عليه قبل وقوع الضرر ، فيجب عند تقدير التعويض أن نعرف ما هو المركز أو الوضع الاجتماعي للمدعي قبل ارتكاب الخطأ ، لذلك أن السمعة عند نشر المقال التشهيري يجب أن تؤخذ بالاعتبار ، وهذا مبدأ مستقر منذ زمن في القضاء الأنكليزي وأقره مجلس اللوردات في اكثر من مناسبة (2).
وهذا يعني أن مدعي التعويض لو كان ذات سمعة رديئة قبل التشهير به من قبل الصحفي كما لو كان موظفاً ارتكب عدة مرات جريمة أختلاس، أو تمثل في شركة ثبت استعمالها لوسائل إحتيالية في ممارسة نشاطها فأن ذلك من الأمور التي يجب أن تأخذها المحكمة بنظر الاعتبار في تقديرها للتعويض .
وتجدر الأشارة إلى أنه إذا كان لابد من أن نأخذ بالحسبان سمعة المدعي الرديئة في تخفيض التعويض فأن ذلك يجب أن لا يكون مجرد أشاعات حول هذه السمعة، فليس من المعقول أن تساهم الشبهات حول سمعة المدعي بقدر في تخفيض التعويض ، وإنما يجب أن يكون ذلك قد ثبت على سبيل الجزم واليقين . ولكن يجب أن لا يذهب بنا القول إلى أن المدعي لو كأن يتمتع بسمعة جيدة قبل التشهير به من شأنه أن يزيد في مبلغ التعويض المستحق لأن المفروض أن جميع الناس يمتلكون سمعة حسنه ولا يمكن أن يؤخذ ذلك بنظر الاعتبار عند الحكم بالتعويض . ويجب عدم الخلط بين هذه الحالة وبين حالة اختلاف المركز الاجتماعي والثقافي للشخص إذا أن مدى الضرر الذي يصيب السمعة يختلف تبعاً لذلك ، فالنشر الضار الذي يمس طبيباً أو مدرساً أو استاذاً في الجامعة يختلف عن النشر الذي يمس كناساً أو فراشاً ، ففي كل هذه الأحوال وما إليها يجب على القاضي أن يأخذ في حسابه عند تقدير التعويض تلك العناصر الشخصية الخاصة بالمضرور بحيث يكون التقدير ذاتياً ويتسم بالواقعية(1).
وفي مجال التعويض عن أنتهاك الخصوصية نجد أن المحاكم تلجأ إلى تخفيض مبلغ التعويض إذا كأن قد سبق نشر الوقائع نفسها في صحف أخرى خصوصاً إذا كان النشر السابق برضا الشخص صراحة أو ضمناً ، فمن ينشر خصوصياته لا يصيبه ضرر كبير من النشر اللاحق الذي يتم بدون إذن منه ومن ثم لا يستحق سوى تعويض مخفض ، فبالرغم أن الاتجاه الغالب في القضاء المقارن لا يعتبر سبق النشر مبرراً للنشر اللاحق من قبل الصحفي ولا يؤدي إلى أنتقاء
مسؤوليته ، إلاّ أن تساهل المدعي وتسامحه بالنشر يسمح للصحفي أن يدفع بذلك وتأخذه المحكمة في نظر الاعتبار عند تقديــر التعويـض (1).
ومن الأمور التي لا يمكن أغفالها في مجال تقدير التعويض عن مضار النشر الصحفي هي مدى أنتشار الصحيفه التي حصل عن طريقها نشر التعدي على الشرف أو الاعتبار أو الخصوصية(2) . فالصحيفة التي يكون لها أنتشار واسع لها تأثير يختلف عن تلك التي لا تنشر إلاّ في نطاق محدود، ومن ثم فأن الضرر يختلف بأختلاف هذا التأثير وبالتالي فأن التعويض يجب أن يقاس أو يقدر بمدى النشر أو أتساعه(3).
وتطبيقاً لذلك قضت إحدى المحاكم الأنكليزيه بمسؤولية صحفي كأن قد نشر مقالاً بمناسبة جريمة إدارة منزل للدعارة وكان المتهم فيها محبوساً في أنتظار تحديد يوم محاكمته ، وتضمن المقال أخباراً مصحوبة بالصور تحت عنوان ( أقبضوا على هذا الوحش )، كما أحتوى على معلومات مبالغاً فيها عن حوادث المتهم السابقة ، منها أنه كان على أتصال بعصابة للأتجار في الأعراض ، وقد أصدرت المحكمة حكمها بالتعويض مراعية في ذلك عدد نسخ الصحيفه التي نشرت هذا المقال ومدى أنتشار الصحيفه معلّلة حكمها بأنه لا يمكن تصور ما هو أشد ضرراً من هذا النشر الذي تم في جريدة يبلغ توزيعها أربعة ملايين نسخه في الأسبوع (4).
كما يمكن للقاضي أن يأخذ بالاعتبار ما عاد على الصحيفه من كسب مادي استناداً لعدد النسخ المباعة .
فعلى الرغم من أن هناك اتجاه في القضاء الفرنسي ويؤيده الفقه يذهب إلى أن الربح الذي عاد على الصحيفه يجب أن لا يدخل في تقدير التعويض وعلة ذلك أن التعويض يجب أن يقّدر بمقدار الضرر ، فلسنا بصدد أعمال نظرية الأثراء بلا سبب ، فالمتضرر يتأذى من الخسارة التي لحقت به وليس من الكسب الذي عاد على الصحيفة ويجب أن لا يكون التعويض وسيله لأثراء المضرور ، وإنما هدفه جبر الضرر فقط ، إضافة إلى أن الضرر في الغالب يكون ضرراً أدبياً ومن ثم لا يدخل فيه اعـتبارات مادية (1).
غير أنه ظهر أتجاه آخر ينادي بضرورة النظر إلى الكسب الذي عاد على الصحيفه عند تقدير التعويض لمنع أو تقليل الاعتداءات الصحفية على الحياة الخاصة أو على سمعة الأفراد، ولكي يكون التعويض اكثر فاعليه في تحقيق غاياته ، كما أن ذلك يؤدي إلى منع الصحفي من الاستفادة من اعتدائه أو تشجيعه على هذا الاعتداء وبالمقابل يدفع المتضرر إلى المقاضاة للمطالبة بالتعويض عن التشهير أو أنتهاك الخصوصية (2). وهذا الموقف في القضاء الفرنسي يقابل فكرة التعويضات الجزائية أو الأنتقاميه exemplary damages التي تأخذ بها المحاكم الأنكلوأمريكية في حالات معينه حيث يكون التعويض فيها يزيد عن الضرر . لأن الغرض منها ليس أصلاح الضرر الذي أصاب المدعي فحسب بل لعقاب المسؤول عن سلوكه غير المرضي وأن كان هذا يعّد خروجاً عن أحكام القانون العام التي تقضي بأن التعويضات ليست عقوبة عن الفعل الخاطئ الذي ارتكبه المدعي عليه كما ذكرنا سابقاً .
إلاّ أننا يمكن التوصل إلى نفس النتيجة أي الأخذ في تقدير التعويض بالربح الذي عاد على الصحيفه من جراء نشر المقالات أو الأخبار التشهيرية أو الماسة بالحياة الخاصة دون أن تعتبر التعويض عقوبة على الصحفي من خلال أجراء الربط بين التعويض والضرر مع بقاء الأخير أساساً للمسؤولية ، فلما كان التعويض يتوقف وجوده على مدى الضرر ، ولما كأن الضرر يرتبط بأعداد الصحيفه التي صدرت وتم بيعها للقراء ، فأنه من الطبيعي أن يعتمد التعويض على عدد هذه النسخ ، وبخلاف ذلك لا يكون للتعويض أية أهمية ، ولا يمكن أن يرّد على ذلك بأن القاضي ليس بوسعه أن يحصي عدد النسخ خاصة إذا كأن بعضها قد وزع في مناطق نائية ومتفرقة ، لأن القاضي بوسعه أن يحكم بمبلغ إجمالي عن الضرر الأدبي دون أن يبيّن عناصره وبالتالي يتسنى له أن يضع في اعتباره مدى ما جناه الصحفي من كسب من جراء النشر الضار.
ويمكننا القول أن هذا الاتجاه يمكن الأخذ به من قبل القضاء العراقي الموقر بعد أن ينص المشرع في القانون المدني على السماح للمحكمة بأن تراعي الظروف الملابسة عند تقدير التعويض أسوة ببعض التشريعات المدنية العربية الأخرى (1).
وفي القانون الأنكلوأمريكي تقضي المحاكم وطبقاً لنصوص قانونية في هذا الخصوص بتخفيض التعويض إذا كان التشهير غير مقصود وقام المدعي عليه بأثبات أن العبارات التي نشرها كانت بريئة بأن لم يكن القصد من ذلك الأساءة إلى المدعي ، ولم يكن يعلم بالظروف التي بموجبها يمكن أن تفهم لتكون تشهيرية وقام المدعى عليه ( الصحفي ) بنشر اعتذار وتصحيح للوقائع التي نشرها سابقاً، فأن ذلك يكون سبباً في تخفيض التعويض أو لا يكون بوسع المدعي إلاّ المطالبة بالضـرر الفعلي الذي إصابة (2).
بقي أن نشير أخيراً إلى أن القضاء يقدر التعويض الذي يستحقه المدعي بقدر الضرر يوم الحكم به وليس يوم وقوع الفعل الضار أو إقامة الدعوى (3).
وإذا لم يتيسر للمحكمة أن تحدد التعويض تحديداً كافياً فلها أن تحتفظ للمتضرر بالحق في أن يطالب خلال مدة معقولة بأعادة النظر في تقدير هذا التعويض (4).
إما إذا لم يتغير الضرر في ذاته وإنما أصاب التغيير سعر النقد الذي يقدر به أو تغيرت أسعار السوق بوجه عام ، فالعبرة بسعر النقد أو بسعر السوق يوم النطق بالحكم (5).
طرفا دعوى التعويض
طرفا دعوى التعويض هما المدعي والمدعى عليه ، والمدعي هو من لحقه ضرر في حياته الخاصة أو في شرفه وسمعته من جراء النشر الصحفي الضار ، ولما كأن الحق في الحياة الخاصة والمحافظة على السمعة في مواجهة الصحف يعتبران من الحقوق المرتبطة بالشخصية، فيترتب على ذلك أن من يكون له الحق في المطالبة بالتعويض ( المدعي ) هو من لحقه الضرر بسبب خطأ الصحفي ، إلاّ أن ثمة مشكلة تثور في هذا الصدد تتمثل في مدى إمكان أنتقال الحق في المطالبة بالتعويض إلى الورثة بسبب وفاة من نسب إليه الصحفي أموراً تسيئ إليه .
أما المدعى عليه فهو الطرف الثاني في الدعوى والذي ترفع عليه دعوى التعويض ويكون مسؤولاً عن الفعل الضار ، وهو ما يتطلب تعينه في المسؤولية محل البحث ، إذا أن ذلك يعيننا في تحديد من يتحمل عب التعويض الذي تقضي به المحكمة .
أن تبسيط ما ذكرناه يستلزم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في الأول منهما المدعي في دعوى التعويض ، ونتناول في ثانيهما المدعى عليه .
المطلب الأول
المدعـي في دعوى التعويض
لقد ذكرنا أن حق الشخص في المحافظة على سمعته وحياته الخاصة يعتبران من الحقوق اللصيقة به ، وبالتالي فأن مهمة الدفاع عن هذا الحق يترك له وحده ، فهو الذي يملك المطالبة بالتعويض عما يلحقه من ضرر، كما يكون له أن يتنازل عن هذا الحق فيسمح للصحفي بالنشر دون أن يترتب على الأخير أية مسؤولية.
ولما كان هذا الحق يعتبر من الحقوق الشخصية فأنه ينقضي بوفاة صاحبه ، فمتى ما أنقضت الشخصية فمن الطبيعي أن تنقضي الحقوق المرتبطة بها (1).
إلاّ أن السؤال الذي يطرح هنا ، هل من حق الورثة أن يطالبوا بالتعويض عما أصاب مورثهم من ضرر بسبب التشهير به أو عمّا أصابهم هم نتيجة للضرر الذي لحق بمورثهم ؟
لاشك في أن الشخص الذي تعرض إليه الصحفي في مقاله من خلال التشهير أو عن طريق الكشف عن بعض خصوصياته له وحده الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي أو الأدبي الذي لحق به لو كان حيا . أما إذا مات الشخص المذكور ، فأما أن يكون قد رفع الدعوى ضد الصحفي عن هذا الضرر قبل وفاته ولم يصدر القضاء حكمه فيها بعد ، ففي مثل هذه الحالة يكون للورثة الحق بوصفهم خلفاً عاماً أن يكملوا إجراءات الدعوى .
وأما أن يكون الشخص المذكور قد مات قبل أن يرفع دعواه ، أو قد يصدف أن يكتب الصحفي مقاله عن أشخاص فارقوا الحياة منذ زمن ، فهل ينقضي الحق بالوفاة وينشأ للورثة مجرد حق شخصي جديد، أو أنه ينتقل بالوفاة إلى الورثة فيكون لهم الحق في المطالبة بالتعويض ؟
أن القول بأن الحق في الحياة الخاصة والحق في السمعة يعتبر أن من الحقوق اللصيقة بشخصية الأنسان يؤدي إلى الاعتراف بعدم أمكان أنتقالهما إلى الورثة وإنما ينقضيان بموت صاحبهما ، فالحق في الحياة الخاصة لا يحمي إلاّ الأنسان الحي وما يبقى لورثته إذا أصيبت مشاعرهم بضرر مجرد حق شخصي جديد للمطالبة بالتعويض (2).
ويلاحظ أن المشرع الفرنسي قد أخذ بهذا الاتجاه فيما يتعلق بقذف الموتى وسبّهم من خلال نص المادة 34 من قانون الصحافة ، فبموجب هذه المادة أن دعوى القذف لا ترفع إلاّ بناءاً على شكوى الشخص المقذوف ، وأن أحكام القذف والسب لا تطبق على ما يقع منها في حق الأموات إلاّ إذا قصد بها ذلك المساس بكرامة أو شرف ورثته الأحياء. و يرى المعلقون على هذه المادة أنه يمكن أن يستفاد ذلك من خلال ذكر أسم الوارث في المقالة التي تتضمن الطعن في المورث أو الأشارة إلى أن صفات المورث قد أنتقلت إلى ورثته أو عن طريق نسبة أمور إلى المورث يتعدى أثرها إلى الوارث كالقول عن امرأة متوفاة أنها كانت تعاشر غير أزواجها ، أما الطعن في ذكرى شخص كان قد توفى من غير أن يقترن ذلك بالتعرض لورثته أو الأشاره إليهم بأية صورة ، فلا يتصور في هذه الحالة إمكانية التعدي على الورثة (1) .
ويبدو أن القضاء الفرنسي الحديث يؤيد هذا الرأي حيث قضت محكمة النقض الفرنسية في عام 1997 بأن الحق في رفع دعوى لحماية الحق في احترام الحياة الخاصة ينتهي بوفاة الشخص المعني ، فهو الوحيد الذي يملك هذا الحق ، كما ذهبت محكمة أستئناف باريس في حكمها الصادر في نفس العام أن الحماية المستمدة من نص المادة التاسعة من القانون المدني لها طبيعة فرديه وتقتصر فقط على الاعتداءات الشخصية التي يتعرض لها صاحب الحق المعني وهو لا يقبل الأنتقال إلى الورثة، ومضت المحكمة في حكمها إلى القول بأن المقالات الصحفية المتعلقة بأنتحار أحد المحامين لا يمكن أن تشكل اعتداءاً على حياته الخاصة طالما كان نشرها لاحقاً لتاريخ أنتحاره وأن دعوى التعويض المرفوعة من أرملة المنتحر وولده بصفتهما وارثين تعد إذ أن غير مقبولة إلاّ أن المحكمة تساءلت عما إذا كان هناك ضرر شخصي قد أصاب الأرملة والأبن من جراء ذلك ، وأنتهت إلى أنتفاء المساس بالحياة الخاصـة للمدعيين بواسطة المقالات المنشورة بخصوص مورثهم ومن ثم رفضت المحكمة تعويضهما بصفة شخصية (2).
وذهب قضاء المحكمة العليا الأمريكيه بنفس الاتجاه المشار إليه ، حيث قضت في عدة مناسبات بعدم أحقية الورثة بالادعاء بالتعويض عن الضرر الذي أصاب مورثهم في سمعته أو فـي خصوصياته ، ففي إحدى القضايا كان صحفيا قد نشر مقالاً تعلق بأنتحار شخص شرح فيه واقعة الأنتحار وأشار إلى أن المنتحر قد ترك زوجته وحيده ، فأقامت الزوجة الأرملة دعوى بالمطالبة بالتعويض عما لحق زوجها من أذى بسبب هذا النشر ، فقضت المحكمة المذكورة بأن الزوجة المدعية ليس لها سبب لرفع الدعوى ، فالمقال لم يذكر سوى أن المدعية هي زوجة المنتحر ، فالقذف يتعلق بزوجها المتوفى وأن ذكرها في المقال قد جاء عرضاً . وقد أيدت المحكمة دفع الصحفي المدعي عليه والذي تمثل بالنقاط التالية .
1- أن القذف المنشور يكون قابل للادعاء فقط من قبل زوجها المتوفى .
2- أن سبب الدعوى سقط بموت الزوج .
3- ليس هناك ضرر خاص بالزوجة المدعية .
4- أن الطرف الملائم أو المناسب للادعاء كمدعي في هذه القضية هو الشخص المشهر به مباشرة .
وأنتهت المحكمة في حكمها إلى أن العلاقات العائلية مع الموتى لا تقدم سببا للدعوى (1).
وفي قضية أخرى حكمت المحكمة العليا الأمريكية بحكم مشابه ، فقضت بأن الأم لا تستطيع المطالبة بالتعويض عن القذف المنشور عن أبنها المتوفى وعللّت المحكمة حكمها برفض التعويض بأنه لا يوجد شيئ في المقال يشير إلى أي سلوك ينعكس على الأم المدعية وأن جواز المطالبة بالتعويض في مثل هذه الحالة سيعطي لأم أي شخص الحق في رفع دعوى بأسمها للمطالبة بالتعويض (2). وهناك العديد القضايا في هذا الشأن (3).
وطبقاً للمبادئ المستقرة في القانون الأنكليزي ، لا يحكم بتعويضات عن القذف بالموتى . وأنه قد قرر بأن ليس هناك دعوى للمقاضاة للارملة عن القذف الذي نسب لزوجها بأنه قد أنتحـر (4).
فالمضايقات أو الآثار النفسية التي يتعرض لها الأقارب والأصدقاء لا يمكن أن تكون سبباً للدعوى عن التشهير لأنه لا يوجد أتهام مباشر عن الأذى لمشاعرهم . وفي الوقت الذي يحتفظ فيه كتبة السير والمؤرخين ببعض حرية التعبير في الكتابة عن الشخصيات الشهيرة ، فأن المحاكم إجتهدت لدعم أو تأييد الحق للأقارب لكي يحصلوا على أمر بمنع النشر أو على اعتذار عن الخطأ في النشر ولكن ليس هناك دعوى بالتعويض يمكن أن ترفع ، لأن العبارة التشهيرية توجه إلى الشخص المتوفى ولـيس لورثته أو لأقاربه (5).
وإذا كان ما تقدم ذكره يمثل الاتجاه الراجح في الفقه والقضاء إلا أن هناك ثمة رأي يذهب إلى أن مبدأ عدم أنتقال الحقوق اللصيقة بالشخصية عن طريق الوفاة يجب أن لا يؤخذ على أطلاقه، فهناك بعض الحقوق الشخصية يمكن أن تنتقل بالوفاة ، ومن قبيل ذلك الحق في الصورة وكذلك الحقوق المتعلقة بالشرف والاعتبار من حيث أنها تهدف إلى حماية الكيان المعنوي للأنسان ، فيجب أن تمتد هذه الحماية وتستمر إلى ما بعد الوفاة ، فليس من المعقول أن تهدر خصوصيات حياته أو أن تُمَس سمعته لمجرد وفاته .ولا يمكن قبول الرأي الذي يقضي بأن الموت يؤدي إلى أن تصبح خصوصيات الأنسان وسمعته وكرامته من المباحات تنتهكها الصحف كيفما تريد وبدون أن يكون هناك من جزاء يمنعها من ذلك . كما أن القول بأنقضاء هذا الحق بالوفاة يعني التخلي عن حمايته في لحظه من اكثر اللحظات التي يكون فيها محتاجاً فيها فعلاً للحماية ، فضلاً
منقوووووول
أن التعويض الذي يستحقه المتضرر من جراء النشر الصحفي المتضمن قذفا أو أنتهاكاً للخصوصية قد يكون - وطبقاً للقواعد العامة - تعويضا عينيا يتمثل بأعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الأخلال بالالتزام الذي نشأ عنه الضرر ، وقد يكون تعويضا بمقابل يتجسد في صورة مبلغ من النقود وهذا هو التعويض النقدي أو في صورة أداء أمر معين وهذا هو التعويض غير النقدي (1) .
والتعويض سواء كأن عينيا
أو بمقابل يتطلب تقديره تحديد الوقت الذي يقدر فيه الضرر وما هي العوامل التي يجب على المحكمة أن تأخذها بالأعتبار عند تقديرها للتعويض المستحق .
ولتوضيح هذه الأمور فأن هذا المبحث سيقسم إلى مطلبين نتناول في أولهما طرق التعويض ، وفي ثانيهما تقدير التعويض .
طــرق التعويض
أن التعويض كما ذكرنا أما أن يكون عينياً وأما أن يكون تعويضاً بمقابل . ونتناول هذين النوعين في فرعين مستقلين نخصص أولهما للتعويض العيني ، ونعالج في ثانيهما التعويض بمقابل.
الفرع الأول
التعويض العيني
لاشك في أن المتضرر يسعى إلى الحصول على التعويض الذي يزيل الضرر الذي أصابه أو يخفف من وطأته قدر الأمكان ، وقد يجد المتضرر في التعويض العيني خير وسيلة لجبر الضرر لأن من شأن هذا النوع من التعويض أن يعيده إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع الضرر(1) ، بحيث تكون النتيجة التي يصبوا إليها المتضرر من الحكم بهذا التعويض هو إزالة الضرر ومحو آثاره . ولكن السؤال الذي يطرح هنا ، هل يصلح التعويض العيني في قضايا القذف والتشهير أو في قضايا أنتهاك الخصوصيات في إزالة الضرر الذي أصاب بحيث تزول آثار الفعل الضار الذي ارتكبه الصحفي ولم يبق منه سوى الذكرى ؟
الواقع وكما هو معلوم أن الضرر الذي نشأ عن أخلال الصحفي بالتزاماته قد يكون ضررا ماديا وقد يكون ضررا أدبيا ، فقد ينشر الصحفي مقالا ينسب إلى شركه بخلاف الواقع بأنها تمارس وسائل أحتيالية في ممارسة نشاطها مما يؤدي إلى إصابتها بضرر مادي يتمثل في إنخفاض أقيام أسهمها أو يؤدي إلى تعذر حصولها على المواد اللازمة لممارسة نشاطها ، فينخفض أنتاجها أو يشير الصحفي من خلال مقاله إلى قصه لمؤلف بطريقه مشوهه مما يؤدي إلى عدم أقتناء الناس لها أو يقوم بنشر صوره لفنانه دون إذنها مما يفوت عليها المكاسب المادية التي كانت ستحصل عليها لو تعاقدت على نشر صورتها لما تتمتع به بسبب سحرها وجمالها من قيمة تجارية ففي مثل هذه الأحوال يجوز الحكم بالتعويض العيني من خلال أعاده نشر المقال عن الشركة المتضررة بطريقة ينفي عنها استعمالها
للوسائل الأحتيالية ، أو نشر المقال الذي يشير إلى الرواية وبأسلوب يزيل التشويه عنها (1) ، ويمكن أن يلزم الصحفي أيضا بنشر مقاله ثانية والأشارة إلى مؤلف الرواية إذا كان الصحفي قد أغفل أسمه عندما أشار إلى الرواية في مقاله (2) ، إضافة إلى أن المحاكم قد تمنع التداول في حالات ما إذا كأن المساس بالحق يتم عن طريق النشر بصفة عامة فوقف التداول بعد النشر يعتبر بنظر جانب من الفقه بمثابة استئصال الداء من جذوره (3) . فيكون التعويض هنا من جنس الضرر وبالتالي تتحقق المصلحة التي يرمي إليها المدعي ، بيد أن الضرر قد يكون أدبيا وهو الغالب في دعاوى التشهير وأنتهاك الخصوصيات وبالتالي فأنه يتعذر أعاده الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر ، بخلاف الأضرار المادية التي يمكن تعويضها تعويضا عينيا ولذلك ذهب جانب من الفقه إلى أن المبدأ القاضي بأعادة الحال إلى ما كانت عليه سابقا restitution in ntgerum يعتبر خير وسيلة للتعويض في قضايا الأضرار المادية ، غير أن الأمر مختلف في قضايا التعويض عن الأضرار الأدبية الناشئة عن التشهير لأن الأضرار التي تلحق بسمعة الشخص لا يمكن محو آثارها وأعادتها إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر(1) ، فالذي يشهر به لا يكون بوسعه أن يحصــل على تعويض يعادل سمـعته المتـضـرره (2).
ويكون بوسع محاكمنا أن تحكم بالتعويض العيني عن الضرر المادي استنادا إلى النصوص الواردة في قانون العقوبات لمنع الصحيفة من التداول حيث يجوز للمحكمة أن تأمر بضبط كل الكتابات والرسوم وغيرها من طرق التعبير مما يكون قد أعـّد للبيع أو التوزيع أو العرض أو يكون قد بيع أو وزع أو عرض فعلا(3). فضبط الكتابات والمطبوعات يحمل معنى المنع من التداول إذا كان من شأن تلك المطبوعات أو العبارات أن تكون جناية أو جنحة . ولكن يمكن القول بأن الحماية المقررة بموجب هذا النص غير كافيه لأن حكمه لا يطبق إلاّ إذا كونت العبارة جريمة ، فإذا لم تتوافر أركان الجريمة فلا يمكن اللجوء إلى تطبيقها . كما يمكن الأفادة من أحكام قانون حماية حق المؤلف رغم أنه لايتعلق بالحياة الخاصة بل يتعلق بالحياة العامة ولكنها أجازت لمحكمة البداءة في حالة الاعتداء على حق المؤلف أن تأمر بحجز المصنف الأصلي إذا نشر أو أعيد نشره بوجه غير مشروع (4) .
كما أن قانون المطبوعات أجاز تعطيل المطبوعات إذا نشرت فيها أموراً من شأنها التعرض للغير مما يعتبر تشهيراً أو قذفا في أشخاصهم لذاتها أو أنتهاكاً لحرمة الآداب والقيم الخلقية العامة (5). إلاّ أن الحماية هنا تقتصر على القذف والتشهير ولاتتناول حالة أنتهاك الخصوصيات وهذا يعني أن الصحف لاتمنع من التداول إذا أشارت في أخبارها إلى خصوصيات الأفراد . الأمر الذي يدعونا ثانية إلى التأكيد على ضرورة أن يتضمن القانون المدني أحكاما تعطي لمن يقع عليه اعتداءاً غير مشروع في حق من حقوقه الشخصية أن يطالب بوقف هذا الاعتداء بحيث يكون هذا النص أساساً لوقف الاعتداء على الحقوق الملازمة للشخصية سواء كان هذا الضرر قد أصاب السمعة أو اقتصر على كشف الخصوصيات . في الوقت الذي توافرت فيه هذه الحماية القانونية لللقب حيث يجوز لمن أنتحل الغير لقبه أن يطالب بوقف الاعتداء وأن يطلب التعويض إذا لحقه ضرر من ذلك (1). ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تستند إلى ما ورد في عجز المادة 209/2 من القانون المدني (2)، وتحكم بأعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر من خلال ما تأمر به من وقف الاعتداء على السمعة أو الخصوصيات إذ يعتبر ذلك وبحق تعويضاً عينياً للضرر الذي يصيب السمعة أو الحياة الخاصة.
ويذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الحق في الرد والتصحيح صورة من صور التعويض العينـي (3).
وقد أشرنا إلى هذا الحق الذي كفلته قوانين الصحافة لكل شخص تعرضت له الصحيفة بأن يذكر الأيضاحات أو يصحح بعض الأمور الخاطئة ، أو الرد على ما نشرته تلك الصحيفة واعتبرناه كحق للأشخاص يقابل الحق في الأعلام الذي يتمتع به الصحفي . ويمكن القول أن حق الرد أو حق التصحيح إذا كان له دور مهم في مجال القذف الصحفي الماس بسمعة الشخص أو شرفه أو كرامته بحيث يمكّنه من تصحيح المعلومات المنشورة في أعداد لاحقه من الصحيفه ذاتها فيؤدي التصحيح وظيفته كوسيلة لأزالة الضرر من خلال توضيح الحقائق للقراء ، ولكن في المقابل لا يحقق الرد أو التصحيح غايته في حالة أنتهاك حرمة الحياة الخاصة ، فمجرد نشر نسخ من الصحيفة يتحقق المساس والاعتداء على الحياة الخاصة ، خصوصاً إذا كانت الوقائع المنشورة صحيحة وليست خاطئة (1)، فأن الرد على هذا النشر سيزيد من دائرة أنتشار الخبر فيكون بمثابة نشر جديد ، فبدلا من أن يزيل الضرر أو يخفف منه يؤدي إلى إتساع دائرته فلا تتحقق الغاية من تشريعه .
كما أن التصحيحات لا تعتبر في حالات معينه علاجا لأزالة الضرر إذ أنها كثيرا ما تكون متأخرة فلا يمكن من خلالها استعادة خصوصيات الشخص بعد أن هدرت سرّيتها إضافة إلى أن معظم الصحف لا تتخلى عن مواقفها السابقة ، ففي بعض الأوقات قد تفضل الصحيفة الوقوف أمام القضاء لرد الدعوى أو تُؤثر أن تدفع مبلغ من النقود كتعويض أو تسوية خارج المحكمة على أن تعتـرف صراحـة بخطئها (2).
ولابد من الأشارة أخيرا إلى أن التعويض العيني أمر جوازي للمحكمة تقضي به تبعاً للظروف وبناءاًعلى طلب المتضرر إذا كأن ذلك ممكنا وليس فيه إرهاق للمسؤول (3).
الفرع الثاني
التعويض بمقابل
يلاحظ مما تقدم أنه في كثير من حالات الضرر الأدبي يتعذر التعويض العيني فلا يمكن إعادة الحال لسمعة الأنسان وكرامته إلى ما قبل وقوع الضرر، إذ نكون أمام استحالة مطلقه فلا يكون التعويض العيني ممكنا بطبيعته ، وهذا ما عبر عنه وبحق أستاذنا الدكتور حسن علي الذنون من أن الشرف المثلوم والعرض المنتهك والكرامة المـدنسة لايمكن أزالة ما خلفه الفعل الضار الذي كان السبب فيها (4).
إضافة إلى ذلك أن التعويض العيني في نطاق المسؤولية التقصيرية يكون بمنزلة الاستثناء بخلاف المسؤولية العقدية الذي يشكل هذا النوع من التعويض الأصل فيها (5). وكما رأينا أن مسؤولية الصحفي وبحسب التكييف القانوني الذي أخترناه تكون مسؤولية تقصيرية وليست مسؤولية عقدية .
وأمام هذه الصعوبات في تعويض الضرر وخاصة الضرر الأدبي تعويضا عينيا لا يكون أمام القضاء إلاّ اللجوء إلى التعويض بمقابل (1). وهذا التعويض يتخذ صورتين ، فقد يكون عبارة عن تعويض نقدي يقدر بمبلغ من النقود ، وقد يكون هذا التعويض غير نقدي تحكم به المحكمة وفقا لظروف الحال .
ويعتبر التعويض النقدي هو القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية بشأن التعويض عن الأضرار ، فالأصل أن يكون التعويض مبلغاً من النقود ، ولا جدال في التعويض النقدي إذا كان الأمر متعلقا بضرر مادي ، إلاّ أن الصعوبة تبرز في حالات الضرر الأدبي من حيث أن هذا الضرر لايمكن تعويضه إذ لا صلة بين الألم النفسي الناتج عن المساس بعاطفة الأنسان وكرامته وبين المبلغ النقدي الذي تقضي به المحكمة . ثم أن من الصعوبة الادعاء أو المجادلة بأن التعويضات يجب أن تمنح لمجرد الشعور بالقلق من المساس بالسمعة ،فهذا النوع من الضرر يفترض أنه غير مادي ومن ثم يستحيل تعويضه مادياً لصعوبة تقديره بالنقد ، لذلك فالأضرار الأدبية لايمكن تعويضها إذا لم تقترن بأضرار مادية(2) .
ورغم ما تقدم ذكره من حجج لدحض التعويض النقدي في حالات الضرر الأدبي ، فأن ذلك لم يثن الفقه والقضاء عن الاعتراف بهذا النوع من التعويض لمن أصابه ضرر أدبي ، فالوسائل التي تساعد في إزالة الضرر أو التخفيف من آثاره يمكن تقويمها بالنقود ، ثم أنه لا يوجد ما
يبّرر منح التعويـــض النقدي للأضرار المادية دون الأضرار الأدبية (1) . لذلك ينبغي على المحكمة أن تقضي بالتعويض النقدي بأعتباره الأصل في تقدير التعويض ، فالنقود إضافة إلى كونها وسيلة للتداول فأنها تعتبر خير وسيلة لتقويم الأضرار بما فيها الأضرار الأدبية (2). ففي جميع الحالات التي يتعذر فيها الحكم بأزالة الضرر عينا" ، فلا مناص من اللجوء إلى التعويض النقدي ويستوي في ذلك ما إذا كان موضوع الدعوى هو قذف وتشهير أو كان مجرد المساس بالخصوصية ، فكثير من القضايا المتعلقة بالخصوصية يمكن أن تؤخذ بنفس الاعتبار في التعويض بالنسبة لقضايا القذف أو التشهير ، ففي قضايا القذف ينصب التعويض عن الضرر في السمعة في الوقت الذي يكون الضرر الأساسي في قضايا الخصوصية الذي يعوض عنه هو الألم النفسي من جراء عرض هذه الخصوصيات إلى العامة ، بالرغم من أن الأذى إلى السمعة ربما يكون عنصرا من عناصر هذا الضرر . وهذا يعني أن الطرق التي يعوض فيها عن الأضرار بالسمعة هي ذاتها التي يعوض فيها بسبب أنتهاك الخصوصية (3).
وفي هذا المعنى جاءت المادة (209) من القانون المدني العراقي التي نصت في فقرتها الأولى على أنه ( تعين المحكمة طريقه التعويض تبعا للظروف ، ويصح أن يكون التعويض أقساطاً أو إيراداً مرتبا. ويجوز في هذه الحالة إلزام المدين بأن يقدم تأميناً )، وجاءت الفقرة الثانية لتؤكد على التعويض النقدي بقولها ( ويقدر التعويض بالنقد …) .
ولو يصار إلى أن تحل الفقرة الثانية محل الفقرة الأولى من المادة المذكورة لكان أفضل . إذا أن في ذلك تأكيداً واضحاً على جعل التعويض النقدي هو الأصل أو يمكن أن تصاغ الفقرة الأولى في أقل تقدير بالشكل التالي
( تعين المحكمة طريقه التعويض تبعاً للظروف ، ويقدر هذا التعويض بالنقد على أنه يجوز للمحكمة وبناءاً على طلب المتضرر أن تأمر بأعادة الحال إلى ما كانت عليه أو أن تحكم بأداء أمر معين أو برد المثل في المثليات وذلك على سبيل التعويض ) بحيث تكون هذه الفقرة هي القاعدة العامة للحكم بالتعويض عن الضرر.
وإذا كان التعويض النقدي هو الأصل في دعاوى المسؤولية التقصيرية على النحو المتقدم ، إلاّ أنه في بعض الدعاوى قد يأمر القاضي بأتخاذ أجراء معين يتضمن رد اعتبار للمتضرر وينطوي في ذات الوقت على جبر الضرر الذي لحق به من جراء الفعل الضار، وهذا هو التعويض غير النقدي الذي يعتبر الصورة الثانية من صور التعويض بمقابل . ومن قبيل التعويض غير النقدي هو ما تأمر به المحكمة في دعاوى القذف بناء على طلب المتضرر بنشر الحكم القاضي بأدانة الصحفي على نفقه الأخير ، فهذا النشر يعتبر دليلاً على براءة المدعي من القذف الموجه إليه أن الصحفي ويعتبر بنفس الوقت تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي أصابه لأن الملحوظ فيه هو المعنى الذي تضمنه (1).
ومع ذلك هناك من أعتبر نشر حكم الأدانة في الصحيفه بمثابة تعويض عيني وليس تعويض غـير نقدي (2) . في حين يرى جانب آخر من الفقه أن هذا التعويض ليس تعويضاً عينياً ولا تعويضاً مالياً (3). ويمكن القول أن هذا النوع من التعويض الذي تحكم به المحكمة في جرائم القذف أو أنتهاك الخصوصيات يعتبر تعويضاً غير نقدي . فلا يمكن اعتباره تعويضاً عينياً لأن الضرر الأدبي الناشئ من الاعتداء في مثل هذه الحالات غير ممكن فلا يمكن أن نضفي هذه التسمية عليه ، كما أنه ليس تعويضاً نقدياً لأن المتضرر لا يسعى إلى الحصول على مبلغ نقدي وإنما يطمح في الحصول على ترضيه مناسبة للضرر الذي لحق به ويعتقد بكفاية هذا الأجراء للتخفيف من آثار الضرر.
ونشر الحكم بأعتباره تعويضاً قد يكون بمثابة أجراء تكميلي لتحقيق التوازن بين الضرر والتعويض في مجال جرائم النشر بصفة عامة بل أن المتضرر قد يهدف إلى الحصول على نشر الحكم بصفة أساسية في بعض الحالات ، ويبرز ذلك في حالات التعويض الرمزي فقد لا يكون كافيا لجبر الضرر، فلا يمثل الغاية المتوخاة من رفع الدعوى لهذا يسعى المتضرر إلى جبر ضرره من خلال طلب نشـر الحكم (1) ، فيكون الغرض الأساسي من رفع الدعوى عن الضرر الذي يصيب اعتباره أو كرامته هو الحصول على أعلان رسمي يصل إلى علم الجميع بأنه كان
على حق وأنه قد أسيْ إلى سمعنه وكرامته وقد يكتفي المتضرر مع هذا الأعلان بتعويض رمزي (2) ، خاصة إذا كان من بين الشخصيات الشهيرة أو تلك التي تتمتع بمكانه إجتماعية مرموقة .
وتستند المحاكم الفرنسية في إصدار حكمها بنشر قرار الأدانة في الصحف إلى نص المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي في فقرتها الثانية التي أجازت للقضاء إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع أو لوقف الاعتداء على ألفة الحياة الخاصة ، ويدخل ضمن هذه الإجراءات نشر الحكم الصادر بالأدانة(3).
وفي مصر استندت المحاكم إلى نص المادة 171 من القانون المدني للحكم بتعويض المتضرر من خلال نشر الحكم المتضمن إدانة الصحفي في نفس الصحيفة أو في صحف أخرى على نفقتـه (1).
كما أن نصوص قانون الصحافة المصري لعام 1996 أجازت للمحكمة عند الحكم بالعقوبة أو التعويض المدني أن تأمر بنشر هذا الحكم في صحيفة يومية واحدة على نفقة الصحيفة وفضلا عن نشره بالصحيفة التي نشر بها المقال أو الخبر موضوع الدعوى خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ صدور الحكم إذا كان حضورياً أو تاريخ إعلانه إذا كان غيابياً(2).
وبوسع المحاكم عندنا أن تحكم استنادا إلى عجز المادة 209/2 من تقنينا المدني بنشر الحكم في الصحيفة أو في صحف أخرى على نفقة الصحفي ، حيث أجازت المادة المذكورة للمحكمة أن تحكم بناء على طلب المتضرر بأداء أمر معين وينطوي تحت هذا الأمر نشر الحكم كتعويض في الصحيفة .
ويمكن الاستناد أيضاً إلى نص المادة 84 من قانون العقوبات التي جاء فيها ( 1- وللمحكمة عند صدور الحكم بالأدانة في موضوع الدعوى أن تأمر بنشر الحكم أو ملخصه في صحيفة أو صحيفتين على الأكثر على نفقة المحكوم عليه 2- ويجوز للمحكمة أيضا إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بطريق النشر في إحدى الصحف أن تأمر بنشر الحكم أو ملخصه في نفس الموضع من الصحيفه المذكورة خلال اجل محدد…)(3).
ومن الأفضل أن يتضمن قانون المطبوعات العراقي نصاً يعطي للمحكمة الحق في أن تأمر بنشر الحكم أو خلاصته المتضمن إدانه الصحفي أو إلزامه بالتعويض في الصحيفة التي يعمل بها أو في صحيفتين على الأقل وعلى نفقته وفي أول عدد بعد صدور الحكم لكي يكون جبر الضرر شاملاً لكل من وصل إلى علمه المقال أو الخبر موضوع الدعوى، وعلى أن يكون النشر في نفس المكان وبذات الحروف التي كتب بها المقال المشكو منه.
فضلا عن ذلك فأن من حق القضاء أن يجعل من نص المادة (47) من قانون حماية حق المؤلف أساساً لحكمه بالتعويض حيث جاء فيه (… يجوز للمحكمة في كل الحالات بناءاً على طلب الطرف الآخر الذي لحق به الضرر أن تأمر بنشر الحكم بأسبابه أو بدونها في جريدة أو مجلة أو أكثر على نفقه المسؤول ) ، وأن كان حكم هذا النص يتعلق بالأضرار التي تصيب المؤلف من جراء النشر الضار.
والتوجه الآن يسير نحو التقليل من التعويض النقدي والاستعاضة عنه بنشر الحكم بنفس الطريقة التي يتحقق بها التشهير (1).
ويمكننا القول أن نشر حكم الأدانة أو التعويض في الصحف يمثل خير تعويض إذا كان الخبر الذي نشره الصحفي أو المقال الذي كتبه يتضمن أموراً مخالفة للحقيقة أو الواقع أو يحمل في ثناياه تجريحاً بسمعة أو كرامة شخص ما، فيأتي النشر موضحاً للحقائق فيكون بمثابة تعويض أدبي للمتضرر . بيد أن المقال قد يكشف جانباً من الخصوصيات بصوره مجردة كما لو أماط الصحفي اللثام عن أمراض المدعي للعامة أو أفشى أسراره للناس ، فأن في جدوى النشر كتعويض يكون محل شك ، إذا أن النشر لا يعدو أن يكون ترديداً لما ذكره الصحفي ، وبالتالي يجعل كل من لم يطلع على المقال موضوع الدعوى أن يبحث عن الصحيفة التي تضمنت ذلك المقال وبالتالي يتوسع نطاق النشر ، فلا يكون بعدئذ لهذا النوع من التعويض أية فائدة .
تقدير التعويض
أن من أهم الصعوبات التي تواجه المحاكم في طريق أصدارها لحكم التعويض عن الضرر الناشئ من القذف أو المساس بالخصوصية تلك التي تتعلق بتقدير التعويض (1)، ولاسيما التعويض عن الأضرار الأدبية .
ومن المبادئ المستقرة في هذا الخصوص هي أن التعويض عن الضرر يجب أن يقدر بقدر الضرر الحقيقي دون زيادة أو نقصان ، بيد أنه قد يتأثر تقدير التعويض بظروف وعوامل من شأنها أن تنقص من مقداره أو تزيد منه . وهذا ما يدعونا إلى أن نخصص الفرع الأول للقاعدة العامة في التعويض وهو أن يكون بمقدار الضرر ونبحث في الفرع الثاني الظروف الملابسة التي تؤثر في تقدير التعويـض .
الفرع الأول
وجوب أن يكون التعويض بمقدار الضرر
أن المبدأ العام الذي يحكم تقدير التعويض هو أن يكون بمقدار الضرر الذي أصاب المتضرر،بسبب نشر العبارات التي شهّرت به أو التي كشفت جانباً من خصوصياته متى كان هذا الضرر نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع أو الأخلال بالعقد (1)، ، ويستوي في ذلك أن يكون متوقعا أو غير متوقع في نطاق المسؤولية التقصيرية ، أما إذا كانت المسؤولية عقدية فأن التعويض يقتصر على الضرر المتوقع إلاّ إذا كأن هذا الضرر ناشئاً من الغش أو الخطأ الجسيم للصحفي (2).
أن مسألة تعادل التعويض للأضرار إذا كانت لا تثير صعوبات في مجال التعويض عن الأضرار الشخصية ، إلاّ أن الأضرار التي تصيب سمعة الأفراد وهي أضرار أدبية لا يخلو تعويضها من صعوبة . ويبدو أن القضاء المقارن قد شعر بهذه الصعوبة ، ففي الوقت الذي يجب أن يكون التعويض الممنوح لأصلاح الضرر محدد بمبلغ من النقود تعادل الضرر دون زيادة أو نقصان فذلك لا يثير جدلاً في تعويض الأضرار المادية عندما تكون محققة ، إذ يكون تقديرها نوعمّا دقيقاً . إلاّ أن الأمر لا يكون كذلك عند تعويض الأضرار الأدبية كالآلام النفسية التي يشعر بها المصاب من كراهية أو أحتقار الناشئة من مهاجمة السمعة ، فغالباً ما يصعب على التعويض أن يعادل الضرر ، وأن أية محاولة لتقدير مثل هذه التعويضات لن يكتب لها النجاح لأن القاضي سيتردد في تحديده للمبلغ الذي يمكن أن يأخذه بنظر الاعتبار (1).
وقد عبر بعض المعلقين عن تلك الصعوبة بالقول أنه ليس بالمستطاع الأعتماد على حسابات رياضية للحكم بمبلغ محدد يعادل الآلام والمعاناة التي يشعر بها المتضرر(2)، وأن البحث عن تعويض معادل لمثل هذه الأضرار إنما يكون بمثابة معادلة بين أشياء غير متكافئة (3)، ولذلك فقد وصف التعويض عن التشهير أو القذف بأنه تعويض غير محدد أو لا يخضع لقاعدة محدده at Large (4).
ويبدو أن مرد هذه الصعوبات التي تواجه القضاء في تقدير التعويض عن الأضرار التي تصيب السمعة يرجع إلى قيمة السمعة نفسها إذ أنه من الاستحالة بمكان وضع مقدار من النقود يوازي سمعة الفرد ، ولعل هذا ما يفسر لنا أن القضاء قد توصّل من خلال أحكامه إلى نوع من التوحيد في قضايا التعويض عن الأضرار الشخصية الأخرى في الوقت الذي لم يوفق في ذلك في دعاوى القذف والتشهير ولو بشكل تقريبي فليس هناك قضيتين متشابهتين من حيث مقدار التعويض الممنوح (5).
وأمام صعوبة تحديد تعويض معادل للضرر لجأت المحاكم أحياناً في مثل هذه الحالات إلى الحكم على الصحفي بتعويض يجاوز الضرر الفعلي في ظروف معينه ويطلق على مثل هذه التعويضات في القانون الأنكليزيExemplary or punitive damages وفي القانون الأمريكيSmart mony وهي تعويضات تأديبية أو جزائية أو مثالية ترى فيها المحكمة زيادة التعويض في حالات معينه لكي تجعل الضرر الفعلي أو الأصلي أبعد أثراً ، وهذا التعويض لا يقابل في حقيقته الضرر الذي تكبده المدعي ، ولكن هو بمثابة عقوبة على المدعي عليه (الصحفي ) ويحمل بنفس الوقت تحذيرا للآخرين ضد السلوك غير المرضي أو غير المرغوب فيه للمدعي عليه، وقد أخذت بعض المحاكم بهذا النوع من التعويض على الرغم من أنه يعد غريباً عن التطرية العامة لقانون المسؤولية التي تقضي وكما ذكرنا بأن تكون التعويضات الممنوحة في الدعاوى المدنية تحمل وصف التعويض عن الضرر وليس عقاباً على الفعل الخاطئ ، لأن العقاب يكون من أختصاص المحاكم الجزائية وليس مـن اختصاص المحاكم المدنية (1) .
ففي إحدى القضايا التي عرضت أمام إحدى المحاكم الانكليزية وصادق عليها مجلس اللوردات، حكمت محكمة الموضوع بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بسمعة قبطان بحري بسبب نشر مقال نسب إليه كاتبه اتهامات خطيرة عن سوء أدارته لأسطوله البحري ، وهذا التعويض كان بعضه يقابل الأضرار الحقيقية التي أصابت المدعي وهي تعويضات معادلة ، وبعضه الآخر كأن عبارة عن تعويضات مثالية أو جزائية تفوق ما يكفي لتعويض الضرر أو جبره وقد حكمت المحكمة بهذا التعويض بالأستناد إلى ظروف النشر (2) .
ولكي يكون بوسع القاضي أن يحدد التعويض الذي يقابل الضرر الذي أصاب المدعي ، لابد من أن يبيّن في حكمه عناصر الضرر المدعى بحصوله ويناقش كل عنصر فيه على حده كي يتأكد من أحقية طالب التعويض في طلبه ، ويستفاد من النصوص القانونية أنه يجب على المحكمة أن تدخل في التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب نتيجة لعدم تنفيذ الصحفي لالتزامه أو تأخره في تنفيذه (3) ، فقد ينشر الصحفي مقالا ينسب فيه إلى فنان معين عدم كفاءته أو يفشي فيه جانبا من حياته الخاصة، فأن الحكم بالتعويض له يجب أن يأخذ بالأعتبار الخسارة التي لحقت به سواء كانت مادية كما لو أقصي من عمله ، أو كانت أدبية متمثلة برد الفعل النفسي للمدعي وشعوره بالحزن الطبيعي والضغط النفسي الذي ربما يشعر به حينما يقرأ العبارات التشهيرية وهي بدون شك أضرار تصيب المدعي في كرامته ، ويشمل التعويض أيضاً ما كان يمكن أن يحصل عليه من أرباح كان سيجنيها من أحياء لحفلاته أو من مشاريع أعماله القادمة .
إلاّ أنه ليس من الضروري أن يحتوي الحكم على عناصر التعويض ، فأذا كان مؤدى ما أورده الحكم في مدوناته أن نشر المقال كان من شأنه خدش شرف المدعي والحط من قدره في أعين الناس ، وكان هذا البيان يتضمن في ذاته الأحاطة بأركان المسؤولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية مما يستوجب الحكم على الصحفي بالتعويض ، فلا تثريب على المحكمة أن هي لم تبيّن عناصر الضرر الذي قدّر على أساسه مبلغ التعويض المحكوم به (1).
ويقدر القضاء التعويض عن الضرر المادي والأدبي في المسؤولية التقصيرية سواء كان متوقعا أم غير متوقع ، أما في المسؤولية العقدية ، فالتعويض يقتصر على الضرر المادي فقط وفقا لتقنيننا المدني(2) .
ويمكن القول أن التعويض عن الضرر الأدبي وأن كان نادر الوقوع في المسؤولية التعاقدية ، إلاّ أن ذلك لا يمنع من تعويضه في حاله وقوعه ، إذا لا يعقل أن تنصرف أرادة المتعاقدين إلى التعويض عن الضرر المادي دون الضرر الأدبي ، فمن يتعاقد مع صحفي على كتابة مقال عن إنجازاته وأبحاثه ثم يقوم الصحفي بالكشف عن بعض خصوصياته من خلال هذا المقال أو ينسب إليه أمراً يصيبه بضرر في سمعته وإحتقاره من قبل أقرانه، فبدون شك أن الصحفي يسأل عن الضرر الأدبي .
ويجري القضاء على تقدير التعويض جملة واحدة دون تخصيص بمقدار معين عن كل ضرر(3).
إذا يكفي أن يثبت الحكم مسؤولية الصحفي عن الفعل الذي أرتكبه وحكم بالتعويض من أجله ، ولا يعيب الحكم عدم بيانه الضرر بنوعيه المادي والأدبي (1).
نخلص مما تقدم أنه لاصعوبة في تعويض الضرر المادي و تقديره ، أما الضرر الأدبي فرغم الصعوبات التي تعيق تقديره فليس ثمة شك في وجوب تعويضه سواء كأن في المسؤولية التعاقدية أو في المسؤولية التقصيرية ، ويمكن أن يترك للمتضرر أن يختار الطريقة المناسبة لتعويضه عن الضرر سواء كان بالنقد أم مجرد الاكتفاء بتعويض رمزي أم اكتفاءاً بنشر الحكم في الصحيفة للدلالة على براءته مما نسبه الصحفي إليه .
الفرع الثاني
تـأثير الظروف الملابسه في تقدير التعويض
ملاحظة : الى هنا اكملنا التصحيح
أن دور المحكمة في تقدير التعويض يختلف باختلاف الضرر الناشئ من خطأ الصحفي فعندما يكون الضرر ماديا نجد أن دور المحكمة يكون ضئيلاً نوعمّا حيث يقتصر على تقدير التعويض بقدر الضرر الواقع ، إلاّ أن الأمر يبدو مختلفاً عندما يكون الضرر أدبياً إذا أن ضوابط تحديده تكون مرنه إلى حد كبير، لأنه يقوم على أعتبارات شخصيه تختلف من شخص لآخر مما يجب على المحكمة أن تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الملابسة التي أحاطت بالضرر(2) .
ولكن عندما تأخذ المحكمة الظروف الملابسة في تقديرها للتعويض فهل تعتد بظروف المتضرر فقط أو أنها تأخذ في اعتبارها أيضاً الظروف الخاصة بالصحفي محدث الضرر ومدى جسامة خطئه ؟
وإذا كان الفقه المدني قد أنقسم إلى رأيين ، رأي يعتبر الظروف الملابسة هي تلك التي تحيط بالمتضرر فحسب والتي يحب على القاضي أن يدخلها في حسابه عند تقديره للتعويض (1).
ورأي يذهب إلى أتجاه أوسع من ذلك من حيث أن الظروف التي يقام لها وزن عند تقدير التعويض هي جميع الظروف الملابسة بما في ذلك جسامة خطأ المسؤول (2).
إلاّ أنه وبقدر تعلق الأمر بتقدير التعويض النقدي في مسؤولية الصحفي، يمكن القول أن المحكمة يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار الرأي الأخير عند إصدار حكمها بالتعويض، إذا لا يمكن فصل الظروف المحيطة بالمتضرر عن تلك التي تحيط بالصحفي عند تقدير التعويض ، وهي بالضرورة اعتبارات خارجه عن الضرر الواجب التعويض .
ومن الأمور التي تضعها المحكمة في اعتبارها عند تقديرها للتعويض هي سلوك المتضرر المعتدي على خصوصياته أو على سمعته ويدخل في ذلك سمعة مدعي التعويض قبل نشر المقال الصحفي ، ذلك أن السمعة الردئية للشخص الذي أشير إليه في المقال أو الخبر قد تصل إلى حد اعتبارها سبباً لأعفاء الصحفي من المسؤولية ، فمن باب أولى أن يكون لها دور في تخفيض التعويض الذي يحكم به على الصحفي .
ثم أن وظيفة التعويض هي إعادة المتضرر إلى وضعه الذي كان عليه قبل وقوع الضرر ، فيجب عند تقدير التعويض أن نعرف ما هو المركز أو الوضع الاجتماعي للمدعي قبل ارتكاب الخطأ ، لذلك أن السمعة عند نشر المقال التشهيري يجب أن تؤخذ بالاعتبار ، وهذا مبدأ مستقر منذ زمن في القضاء الأنكليزي وأقره مجلس اللوردات في اكثر من مناسبة (2).
وهذا يعني أن مدعي التعويض لو كان ذات سمعة رديئة قبل التشهير به من قبل الصحفي كما لو كان موظفاً ارتكب عدة مرات جريمة أختلاس، أو تمثل في شركة ثبت استعمالها لوسائل إحتيالية في ممارسة نشاطها فأن ذلك من الأمور التي يجب أن تأخذها المحكمة بنظر الاعتبار في تقديرها للتعويض .
وتجدر الأشارة إلى أنه إذا كان لابد من أن نأخذ بالحسبان سمعة المدعي الرديئة في تخفيض التعويض فأن ذلك يجب أن لا يكون مجرد أشاعات حول هذه السمعة، فليس من المعقول أن تساهم الشبهات حول سمعة المدعي بقدر في تخفيض التعويض ، وإنما يجب أن يكون ذلك قد ثبت على سبيل الجزم واليقين . ولكن يجب أن لا يذهب بنا القول إلى أن المدعي لو كأن يتمتع بسمعة جيدة قبل التشهير به من شأنه أن يزيد في مبلغ التعويض المستحق لأن المفروض أن جميع الناس يمتلكون سمعة حسنه ولا يمكن أن يؤخذ ذلك بنظر الاعتبار عند الحكم بالتعويض . ويجب عدم الخلط بين هذه الحالة وبين حالة اختلاف المركز الاجتماعي والثقافي للشخص إذا أن مدى الضرر الذي يصيب السمعة يختلف تبعاً لذلك ، فالنشر الضار الذي يمس طبيباً أو مدرساً أو استاذاً في الجامعة يختلف عن النشر الذي يمس كناساً أو فراشاً ، ففي كل هذه الأحوال وما إليها يجب على القاضي أن يأخذ في حسابه عند تقدير التعويض تلك العناصر الشخصية الخاصة بالمضرور بحيث يكون التقدير ذاتياً ويتسم بالواقعية(1).
وفي مجال التعويض عن أنتهاك الخصوصية نجد أن المحاكم تلجأ إلى تخفيض مبلغ التعويض إذا كأن قد سبق نشر الوقائع نفسها في صحف أخرى خصوصاً إذا كان النشر السابق برضا الشخص صراحة أو ضمناً ، فمن ينشر خصوصياته لا يصيبه ضرر كبير من النشر اللاحق الذي يتم بدون إذن منه ومن ثم لا يستحق سوى تعويض مخفض ، فبالرغم أن الاتجاه الغالب في القضاء المقارن لا يعتبر سبق النشر مبرراً للنشر اللاحق من قبل الصحفي ولا يؤدي إلى أنتقاء
مسؤوليته ، إلاّ أن تساهل المدعي وتسامحه بالنشر يسمح للصحفي أن يدفع بذلك وتأخذه المحكمة في نظر الاعتبار عند تقديــر التعويـض (1).
ومن الأمور التي لا يمكن أغفالها في مجال تقدير التعويض عن مضار النشر الصحفي هي مدى أنتشار الصحيفه التي حصل عن طريقها نشر التعدي على الشرف أو الاعتبار أو الخصوصية(2) . فالصحيفة التي يكون لها أنتشار واسع لها تأثير يختلف عن تلك التي لا تنشر إلاّ في نطاق محدود، ومن ثم فأن الضرر يختلف بأختلاف هذا التأثير وبالتالي فأن التعويض يجب أن يقاس أو يقدر بمدى النشر أو أتساعه(3).
وتطبيقاً لذلك قضت إحدى المحاكم الأنكليزيه بمسؤولية صحفي كأن قد نشر مقالاً بمناسبة جريمة إدارة منزل للدعارة وكان المتهم فيها محبوساً في أنتظار تحديد يوم محاكمته ، وتضمن المقال أخباراً مصحوبة بالصور تحت عنوان ( أقبضوا على هذا الوحش )، كما أحتوى على معلومات مبالغاً فيها عن حوادث المتهم السابقة ، منها أنه كان على أتصال بعصابة للأتجار في الأعراض ، وقد أصدرت المحكمة حكمها بالتعويض مراعية في ذلك عدد نسخ الصحيفه التي نشرت هذا المقال ومدى أنتشار الصحيفه معلّلة حكمها بأنه لا يمكن تصور ما هو أشد ضرراً من هذا النشر الذي تم في جريدة يبلغ توزيعها أربعة ملايين نسخه في الأسبوع (4).
كما يمكن للقاضي أن يأخذ بالاعتبار ما عاد على الصحيفه من كسب مادي استناداً لعدد النسخ المباعة .
فعلى الرغم من أن هناك اتجاه في القضاء الفرنسي ويؤيده الفقه يذهب إلى أن الربح الذي عاد على الصحيفه يجب أن لا يدخل في تقدير التعويض وعلة ذلك أن التعويض يجب أن يقّدر بمقدار الضرر ، فلسنا بصدد أعمال نظرية الأثراء بلا سبب ، فالمتضرر يتأذى من الخسارة التي لحقت به وليس من الكسب الذي عاد على الصحيفة ويجب أن لا يكون التعويض وسيله لأثراء المضرور ، وإنما هدفه جبر الضرر فقط ، إضافة إلى أن الضرر في الغالب يكون ضرراً أدبياً ومن ثم لا يدخل فيه اعـتبارات مادية (1).
غير أنه ظهر أتجاه آخر ينادي بضرورة النظر إلى الكسب الذي عاد على الصحيفه عند تقدير التعويض لمنع أو تقليل الاعتداءات الصحفية على الحياة الخاصة أو على سمعة الأفراد، ولكي يكون التعويض اكثر فاعليه في تحقيق غاياته ، كما أن ذلك يؤدي إلى منع الصحفي من الاستفادة من اعتدائه أو تشجيعه على هذا الاعتداء وبالمقابل يدفع المتضرر إلى المقاضاة للمطالبة بالتعويض عن التشهير أو أنتهاك الخصوصية (2). وهذا الموقف في القضاء الفرنسي يقابل فكرة التعويضات الجزائية أو الأنتقاميه exemplary damages التي تأخذ بها المحاكم الأنكلوأمريكية في حالات معينه حيث يكون التعويض فيها يزيد عن الضرر . لأن الغرض منها ليس أصلاح الضرر الذي أصاب المدعي فحسب بل لعقاب المسؤول عن سلوكه غير المرضي وأن كان هذا يعّد خروجاً عن أحكام القانون العام التي تقضي بأن التعويضات ليست عقوبة عن الفعل الخاطئ الذي ارتكبه المدعي عليه كما ذكرنا سابقاً .
إلاّ أننا يمكن التوصل إلى نفس النتيجة أي الأخذ في تقدير التعويض بالربح الذي عاد على الصحيفه من جراء نشر المقالات أو الأخبار التشهيرية أو الماسة بالحياة الخاصة دون أن تعتبر التعويض عقوبة على الصحفي من خلال أجراء الربط بين التعويض والضرر مع بقاء الأخير أساساً للمسؤولية ، فلما كان التعويض يتوقف وجوده على مدى الضرر ، ولما كأن الضرر يرتبط بأعداد الصحيفه التي صدرت وتم بيعها للقراء ، فأنه من الطبيعي أن يعتمد التعويض على عدد هذه النسخ ، وبخلاف ذلك لا يكون للتعويض أية أهمية ، ولا يمكن أن يرّد على ذلك بأن القاضي ليس بوسعه أن يحصي عدد النسخ خاصة إذا كأن بعضها قد وزع في مناطق نائية ومتفرقة ، لأن القاضي بوسعه أن يحكم بمبلغ إجمالي عن الضرر الأدبي دون أن يبيّن عناصره وبالتالي يتسنى له أن يضع في اعتباره مدى ما جناه الصحفي من كسب من جراء النشر الضار.
ويمكننا القول أن هذا الاتجاه يمكن الأخذ به من قبل القضاء العراقي الموقر بعد أن ينص المشرع في القانون المدني على السماح للمحكمة بأن تراعي الظروف الملابسة عند تقدير التعويض أسوة ببعض التشريعات المدنية العربية الأخرى (1).
وفي القانون الأنكلوأمريكي تقضي المحاكم وطبقاً لنصوص قانونية في هذا الخصوص بتخفيض التعويض إذا كان التشهير غير مقصود وقام المدعي عليه بأثبات أن العبارات التي نشرها كانت بريئة بأن لم يكن القصد من ذلك الأساءة إلى المدعي ، ولم يكن يعلم بالظروف التي بموجبها يمكن أن تفهم لتكون تشهيرية وقام المدعى عليه ( الصحفي ) بنشر اعتذار وتصحيح للوقائع التي نشرها سابقاً، فأن ذلك يكون سبباً في تخفيض التعويض أو لا يكون بوسع المدعي إلاّ المطالبة بالضـرر الفعلي الذي إصابة (2).
بقي أن نشير أخيراً إلى أن القضاء يقدر التعويض الذي يستحقه المدعي بقدر الضرر يوم الحكم به وليس يوم وقوع الفعل الضار أو إقامة الدعوى (3).
وإذا لم يتيسر للمحكمة أن تحدد التعويض تحديداً كافياً فلها أن تحتفظ للمتضرر بالحق في أن يطالب خلال مدة معقولة بأعادة النظر في تقدير هذا التعويض (4).
إما إذا لم يتغير الضرر في ذاته وإنما أصاب التغيير سعر النقد الذي يقدر به أو تغيرت أسعار السوق بوجه عام ، فالعبرة بسعر النقد أو بسعر السوق يوم النطق بالحكم (5).
طرفا دعوى التعويض
طرفا دعوى التعويض هما المدعي والمدعى عليه ، والمدعي هو من لحقه ضرر في حياته الخاصة أو في شرفه وسمعته من جراء النشر الصحفي الضار ، ولما كأن الحق في الحياة الخاصة والمحافظة على السمعة في مواجهة الصحف يعتبران من الحقوق المرتبطة بالشخصية، فيترتب على ذلك أن من يكون له الحق في المطالبة بالتعويض ( المدعي ) هو من لحقه الضرر بسبب خطأ الصحفي ، إلاّ أن ثمة مشكلة تثور في هذا الصدد تتمثل في مدى إمكان أنتقال الحق في المطالبة بالتعويض إلى الورثة بسبب وفاة من نسب إليه الصحفي أموراً تسيئ إليه .
أما المدعى عليه فهو الطرف الثاني في الدعوى والذي ترفع عليه دعوى التعويض ويكون مسؤولاً عن الفعل الضار ، وهو ما يتطلب تعينه في المسؤولية محل البحث ، إذا أن ذلك يعيننا في تحديد من يتحمل عب التعويض الذي تقضي به المحكمة .
أن تبسيط ما ذكرناه يستلزم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نتناول في الأول منهما المدعي في دعوى التعويض ، ونتناول في ثانيهما المدعى عليه .
المطلب الأول
المدعـي في دعوى التعويض
لقد ذكرنا أن حق الشخص في المحافظة على سمعته وحياته الخاصة يعتبران من الحقوق اللصيقة به ، وبالتالي فأن مهمة الدفاع عن هذا الحق يترك له وحده ، فهو الذي يملك المطالبة بالتعويض عما يلحقه من ضرر، كما يكون له أن يتنازل عن هذا الحق فيسمح للصحفي بالنشر دون أن يترتب على الأخير أية مسؤولية.
ولما كان هذا الحق يعتبر من الحقوق الشخصية فأنه ينقضي بوفاة صاحبه ، فمتى ما أنقضت الشخصية فمن الطبيعي أن تنقضي الحقوق المرتبطة بها (1).
إلاّ أن السؤال الذي يطرح هنا ، هل من حق الورثة أن يطالبوا بالتعويض عما أصاب مورثهم من ضرر بسبب التشهير به أو عمّا أصابهم هم نتيجة للضرر الذي لحق بمورثهم ؟
لاشك في أن الشخص الذي تعرض إليه الصحفي في مقاله من خلال التشهير أو عن طريق الكشف عن بعض خصوصياته له وحده الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي أو الأدبي الذي لحق به لو كان حيا . أما إذا مات الشخص المذكور ، فأما أن يكون قد رفع الدعوى ضد الصحفي عن هذا الضرر قبل وفاته ولم يصدر القضاء حكمه فيها بعد ، ففي مثل هذه الحالة يكون للورثة الحق بوصفهم خلفاً عاماً أن يكملوا إجراءات الدعوى .
وأما أن يكون الشخص المذكور قد مات قبل أن يرفع دعواه ، أو قد يصدف أن يكتب الصحفي مقاله عن أشخاص فارقوا الحياة منذ زمن ، فهل ينقضي الحق بالوفاة وينشأ للورثة مجرد حق شخصي جديد، أو أنه ينتقل بالوفاة إلى الورثة فيكون لهم الحق في المطالبة بالتعويض ؟
أن القول بأن الحق في الحياة الخاصة والحق في السمعة يعتبر أن من الحقوق اللصيقة بشخصية الأنسان يؤدي إلى الاعتراف بعدم أمكان أنتقالهما إلى الورثة وإنما ينقضيان بموت صاحبهما ، فالحق في الحياة الخاصة لا يحمي إلاّ الأنسان الحي وما يبقى لورثته إذا أصيبت مشاعرهم بضرر مجرد حق شخصي جديد للمطالبة بالتعويض (2).
ويلاحظ أن المشرع الفرنسي قد أخذ بهذا الاتجاه فيما يتعلق بقذف الموتى وسبّهم من خلال نص المادة 34 من قانون الصحافة ، فبموجب هذه المادة أن دعوى القذف لا ترفع إلاّ بناءاً على شكوى الشخص المقذوف ، وأن أحكام القذف والسب لا تطبق على ما يقع منها في حق الأموات إلاّ إذا قصد بها ذلك المساس بكرامة أو شرف ورثته الأحياء. و يرى المعلقون على هذه المادة أنه يمكن أن يستفاد ذلك من خلال ذكر أسم الوارث في المقالة التي تتضمن الطعن في المورث أو الأشارة إلى أن صفات المورث قد أنتقلت إلى ورثته أو عن طريق نسبة أمور إلى المورث يتعدى أثرها إلى الوارث كالقول عن امرأة متوفاة أنها كانت تعاشر غير أزواجها ، أما الطعن في ذكرى شخص كان قد توفى من غير أن يقترن ذلك بالتعرض لورثته أو الأشاره إليهم بأية صورة ، فلا يتصور في هذه الحالة إمكانية التعدي على الورثة (1) .
ويبدو أن القضاء الفرنسي الحديث يؤيد هذا الرأي حيث قضت محكمة النقض الفرنسية في عام 1997 بأن الحق في رفع دعوى لحماية الحق في احترام الحياة الخاصة ينتهي بوفاة الشخص المعني ، فهو الوحيد الذي يملك هذا الحق ، كما ذهبت محكمة أستئناف باريس في حكمها الصادر في نفس العام أن الحماية المستمدة من نص المادة التاسعة من القانون المدني لها طبيعة فرديه وتقتصر فقط على الاعتداءات الشخصية التي يتعرض لها صاحب الحق المعني وهو لا يقبل الأنتقال إلى الورثة، ومضت المحكمة في حكمها إلى القول بأن المقالات الصحفية المتعلقة بأنتحار أحد المحامين لا يمكن أن تشكل اعتداءاً على حياته الخاصة طالما كان نشرها لاحقاً لتاريخ أنتحاره وأن دعوى التعويض المرفوعة من أرملة المنتحر وولده بصفتهما وارثين تعد إذ أن غير مقبولة إلاّ أن المحكمة تساءلت عما إذا كان هناك ضرر شخصي قد أصاب الأرملة والأبن من جراء ذلك ، وأنتهت إلى أنتفاء المساس بالحياة الخاصـة للمدعيين بواسطة المقالات المنشورة بخصوص مورثهم ومن ثم رفضت المحكمة تعويضهما بصفة شخصية (2).
وذهب قضاء المحكمة العليا الأمريكيه بنفس الاتجاه المشار إليه ، حيث قضت في عدة مناسبات بعدم أحقية الورثة بالادعاء بالتعويض عن الضرر الذي أصاب مورثهم في سمعته أو فـي خصوصياته ، ففي إحدى القضايا كان صحفيا قد نشر مقالاً تعلق بأنتحار شخص شرح فيه واقعة الأنتحار وأشار إلى أن المنتحر قد ترك زوجته وحيده ، فأقامت الزوجة الأرملة دعوى بالمطالبة بالتعويض عما لحق زوجها من أذى بسبب هذا النشر ، فقضت المحكمة المذكورة بأن الزوجة المدعية ليس لها سبب لرفع الدعوى ، فالمقال لم يذكر سوى أن المدعية هي زوجة المنتحر ، فالقذف يتعلق بزوجها المتوفى وأن ذكرها في المقال قد جاء عرضاً . وقد أيدت المحكمة دفع الصحفي المدعي عليه والذي تمثل بالنقاط التالية .
1- أن القذف المنشور يكون قابل للادعاء فقط من قبل زوجها المتوفى .
2- أن سبب الدعوى سقط بموت الزوج .
3- ليس هناك ضرر خاص بالزوجة المدعية .
4- أن الطرف الملائم أو المناسب للادعاء كمدعي في هذه القضية هو الشخص المشهر به مباشرة .
وأنتهت المحكمة في حكمها إلى أن العلاقات العائلية مع الموتى لا تقدم سببا للدعوى (1).
وفي قضية أخرى حكمت المحكمة العليا الأمريكية بحكم مشابه ، فقضت بأن الأم لا تستطيع المطالبة بالتعويض عن القذف المنشور عن أبنها المتوفى وعللّت المحكمة حكمها برفض التعويض بأنه لا يوجد شيئ في المقال يشير إلى أي سلوك ينعكس على الأم المدعية وأن جواز المطالبة بالتعويض في مثل هذه الحالة سيعطي لأم أي شخص الحق في رفع دعوى بأسمها للمطالبة بالتعويض (2). وهناك العديد القضايا في هذا الشأن (3).
وطبقاً للمبادئ المستقرة في القانون الأنكليزي ، لا يحكم بتعويضات عن القذف بالموتى . وأنه قد قرر بأن ليس هناك دعوى للمقاضاة للارملة عن القذف الذي نسب لزوجها بأنه قد أنتحـر (4).
فالمضايقات أو الآثار النفسية التي يتعرض لها الأقارب والأصدقاء لا يمكن أن تكون سبباً للدعوى عن التشهير لأنه لا يوجد أتهام مباشر عن الأذى لمشاعرهم . وفي الوقت الذي يحتفظ فيه كتبة السير والمؤرخين ببعض حرية التعبير في الكتابة عن الشخصيات الشهيرة ، فأن المحاكم إجتهدت لدعم أو تأييد الحق للأقارب لكي يحصلوا على أمر بمنع النشر أو على اعتذار عن الخطأ في النشر ولكن ليس هناك دعوى بالتعويض يمكن أن ترفع ، لأن العبارة التشهيرية توجه إلى الشخص المتوفى ولـيس لورثته أو لأقاربه (5).
وإذا كان ما تقدم ذكره يمثل الاتجاه الراجح في الفقه والقضاء إلا أن هناك ثمة رأي يذهب إلى أن مبدأ عدم أنتقال الحقوق اللصيقة بالشخصية عن طريق الوفاة يجب أن لا يؤخذ على أطلاقه، فهناك بعض الحقوق الشخصية يمكن أن تنتقل بالوفاة ، ومن قبيل ذلك الحق في الصورة وكذلك الحقوق المتعلقة بالشرف والاعتبار من حيث أنها تهدف إلى حماية الكيان المعنوي للأنسان ، فيجب أن تمتد هذه الحماية وتستمر إلى ما بعد الوفاة ، فليس من المعقول أن تهدر خصوصيات حياته أو أن تُمَس سمعته لمجرد وفاته .ولا يمكن قبول الرأي الذي يقضي بأن الموت يؤدي إلى أن تصبح خصوصيات الأنسان وسمعته وكرامته من المباحات تنتهكها الصحف كيفما تريد وبدون أن يكون هناك من جزاء يمنعها من ذلك . كما أن القول بأنقضاء هذا الحق بالوفاة يعني التخلي عن حمايته في لحظه من اكثر اللحظات التي يكون فيها محتاجاً فيها فعلاً للحماية ، فضلاً
منقوووووول