اختصاص مجلس الدولة بإلطعون على قرارات الممنوعين من السفر
قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :
" وحيث إن عناصر النزاع تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعنين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 56375 لسنة 62 ق أمام محكمة القضاء الإداري بموجب صحيفة أودعت قلم كتابتها بتاريخ 19/8/2008 طالبين الحكم بوقف تنفيذ و إلغاء قرار إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر و ما يترتب على ذلك من آثار .
وقالوا شرحاً لدعواهم أن النيابة العامة قدمتهم كمتهمين بتهمة التهرب من أداء الضريبة العامة على المبيعات بالقضية التي تم قيدها برقم 5399 لسنة 2005 جنح أول أكتوبر و التي لم يفصل فيها بعد ، و قامت النيابة العامة منذ عامن 2000 بوضع أسمائهم بقائمة الممنوعين من السفر على ذمة الفصل في هذه القضية ، و نعى المدعون على قرار منعهم من السفر بمخالفة القانون ، لأن حرية التنقل من مكان لآخر و من جهة لأخرى و السفر خارج البلاد مبدأ أصيل و حق دستوري مقرر للمواطن لايجوز المساس به أو الانتقاص منه لغير مقتض و لا يقيد إلا لصالح المجتمع ، و أنه إذا كان المشرع في المادة 208 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية قد أعطى للنيابة العامة سلطة إصدار الأمر بالمنع من السفر ، فإنه قد اشترط ان يكون ذلك في الأحوال التي تقوم فيها من التحقيق أدلة كافية على جدية الاتهام في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، و لقد تقدموا إلى النائب العام بعدة طلبات إذ لم تثبت إدانتهم رغم انقضاء ثماني سنوات على إصدار قرار المنع من السفر لإبلاغ الجهة المنفذة لرفع أسمائهم إلا أن جميع طلباتهم كان مصيرها الرفض ، و خلص المدعون إلى طلباتهم الآنف ذكرها ، و تدوول نظر الشق العاجل من الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها ، و بجلسة 5/5/2009 صدر الحكم المطعون فيه .
وشيدت المحكمة حكمها على سند من أن المدعين مازالوا رهن المحاكمة الجنائية بالقضية رقم 5399 لسنة 2005 جنح أكتوبر بتهمة التهرب من أداء الضريبة المستحقة عن الفترة من 1992 حتى 2000 ، و أن رئيس محكمة جنح 6 اكتوبر التي تنظرهذه القضية قرر بتاريخ 16/4/2007 استمرار إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر باعتبار أن ذلك من الإجراءات التحفظية ضماناً لمثولهم امام المحكمة لمحاكمتهم و ضماناً لتنفيذ ما عساه يقضى به عليهم ، و لما كان هذا القرار من صميم القرارات القضائية فلا ولاية لمحاكم مجلس الدولة بالتعقيب عليها، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى .
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعنين أقاموا طعنهم الماثل ناعين على الحكم بمخالفته للقانون و الخطا في تطبيقه و تاويله ، ذلك أن الدعوى لم تكن موجهة للطعن على قرار إدراج أسمائهم بقوائم الممنوعين من السفر حتى يتسنى للمحكمة بحث مبررات إصدار القرار ، و إنما كانت الدعوى بطلب حكم لصالحهم برفع أسمائهم من هذه القوائم باعتبار أن ما آتاه المدعون من تصرفات من تاريخ إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر سنة 2000 و حتى إقامة دعواهم سنة 2008 يؤكد انتفاء شبهة التقول بإضرارهم بالمال العام ، و بذلك يكون الحكم قد نظر في غير ما طلبوه عندما تصدى لبحث أسباب إصدار النائب العام بإدراجهم على تلك القوائم ، و لم يبحث الحكم في طلب استصدار قرار جديد ، فضلاً عن أن قرار إدراجهم لم يصدر وفقاً لأحكام تنظيم قواعد إصداره بما يكون معه -وفق ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2361 لسنة 55 ق – جلسة 15/11/1988 – مجرد إجراء فاقد سنده القانوني ، و أن القرار الذي عولت عليه المحكمة بأسباب حكمها و الذي أشارت إليه مذكرة النيابة العامة المقدمة بجلسة 7/4/2009 و نسبت صدوره لرئيس محكمة جنح 6 أكتوبر لم يتم الكشف بالحكم عن كيفية إصداره في هذا التاريخ رغم أن الجنحة محالة إلى خبراء وزارة العدل بجلسة 18/2/2006 و تم إرسالها إلى مكتب الخبراء برقم 43 بتاريخ 1/3/2007 كما هو ثابت بالمستندات المقدمة من المطعون ضدهم بجلسة 7/4/2009 ، و أضاف الطاعنون ان الحكم لم يلتزم حكم المادتين 109 ، 110 مرافعات ، حيث لم يحل الدعوى إلى المحكمة التي يرى أنها مختصة ، كما انه خالف أاحكام قانون الإثبات ، إذ ان ما قدم من جهة الإدارة صور ضوئية يجحدها الطاعنون .
ومن حيث إن المستقر عليه قضاءً أن تكييف الدعوى وتمحيص طلبات الخصوم فيها وقوفاً على ما يرمون إليه و يصبون ، هو من تصريف المحكمة الذي تجريه دون وقوف عند حرفية ما ساقه الخصوم من ألفاظ و عبارات ، إذ العبرة بحقيقة مقصودهم و وفق مرادهم بما يكشف عنه واقع الحال المعبر عنه من قبلهم .
ومن حيث إن البين من واقع الحال المعبر عنه من المدعين بصحيفة دعواهم و بما أوروا به بمذكرات دفاعهم أمام محكمة أول درجة – مؤكد بما ذكروه و تمسكوا به بتقريرطعنهم و مذكرات دفاعهم إبان نظر هذا الطعن – انهم يهدفون من دعواهم رفع اسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر لانقضاء فترة ربت على السنوات السبع عند إقامة دعواهم و ازدادت ما يقرب من السنتين عند إقامة طعنهم الذي ينقل الدعوى برمتها إلى هذه المحكمة ، الأمر الذي يكون تكييف طلبهم وفق مرادهم و حقيقة مقصودهم هو طلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار استمرار إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر و عدم رفعها من هذه القوائم وما يترتب على ذلك من آثار .
ومن حيث إنه في ضوء ذلك و فيما يتعلق بالدفع من قبل هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص محمكة القضاء الإداري ولائياً بنظر الدعوى ، فإنه إذا كان لحق المواطن في التنقل و السفر إلى خارج البلاد ، حصانة بحسبانه من الحقوق اللصيقة بالإنسان و التي قننها دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 و الذي حل محله مؤقتاً الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 متضمناً تقنين هذا الحق في مادته رقم 8 فإنه قد أحيط عند تنظيم المنع من السفر – أياً ما كان وجه الرأي في هذا التنظيم – بقيود تجعل هذا المنع موقوتاً بطبيعته دون أن يكون استمراره ممتداً في الزمن ، حيث إنه من غير الجائز وفقاً لقرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر ان تظل الأسماء مدرجة بالقوائم أكثر من ثلاث سنوات تبدأ من يناير التالي لتاريخ الإدراج ترفع بانقضائها تلقائياً ما لم يتم رفعها قبل ذلك ، و ما لم يتخذ الإجراء اللازم لاستمرار الإدراج فوق السنوات الثلاث المذكورة ، إذ أوجب هذا القرار على إدارة القوائم بمصلحة وثائق السفر و الهجرة بوزارة الداخلية أن تقوم بالتصفية المستمرة للأسماء بعد انقصاء مدة أو مدد الإدراج على هذه القوائم مراعاة لما نص عليه هذا القرار من اعتبار الأسماء مرفوعة – تلقائياً – بانقضائها ، وهو ما يعني أنها تعتبر مرفوعة – قانوناً – بذلك من هذه القوائم ، الأمر الذي لا تملك حياله الإدارة المذكورة أية سلطة تقديرية إذ يلزمها أن تقوم برفع من انقضت مدة إدراجه لما تمارسه من تصفية مستمرة للأسماء المدرجة ، و من ثم يغدو استمرار إدراج من انقضت مدة الإدراج المشار إليها آنفاً دون رفع اسمه ، قراراً منسوباً إلى هذه الإدارة ، و هو دون مراء قرار إداري نهائي يدخل بطبيعته هذه ضمن القرارات الإدارية التي يختص بالفصل في مدى مشروعيتها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ، و بناء عليه ولما كانت حقيقة طلبات المدعين – الطاعنين – هي كما سلف وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار استمرار إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر و عدم رفعها من هذه القوائم ، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي صاحبة الولاية في الفصل في النزاع القائم بشأن هذا القرار ، مما يتعين معه رفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى ، و إذ انتهى الحكم الطعين إلى غير ذلك فإنه يكون مخالفاً صحيح حكم القانون واجب الإلغاء ، وهوما تقضي به هذه المحكمة .
ومن حيث إنه و لئن كان من القواعد المعمول بها أنه عند إلغاء الحكم الصادر بعدم اختصاص محكمة أول درجة بنظر النزاع لاختصاصها وفق صحيح حكم القانون تعاد إليها الدعوى للفصل فيها ، إلا أن ثمة قاعدة من القواعد التي استقر العمل أيضاً بها وهي قاعدة الاقتصاد في الإجراءات و التي تتيح لمحكمة الطعن الفصل في النزاع دون إعادته إلى محكمة أول درجة متى كان صالحاً للفصل فيه ، وهو ما تاخذ به المحكمة بشأن النزاع الماثل .
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بالتكييف السالف الذكر هو من القرارات المستمرة التي يحق لذي المصلحة في الطعن عليه أن يطعن فيه متى كانت حالة الاستمرار قائمة ، و إذ استوفت الدعوى سائرأوضاعها الشكلية ، فمن ثم تكون مقبولة شكلاً .
وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، فإن المستقر عليه أن ولاية محاكم مجلس الدولة في وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها في الإلغاء و فرع منها ، و مردها الرقابةالقانونية التي تسلطتها المحكمة على القرار ، على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية ، إذ يتعين على القرار الإداري ألا يوقف تنفيذ قرار إداري إلا إذا تبين له من ظاهرالأوراق أن طلب وقف التنفيذ قد توافر له ركنان ، الأول : ركن الجدية ، و يتمثل في قيام الطعن في القرار بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب جدية من حيث الواقع و القانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع ، و الثاني : ركن الاستعجال ، بأن يكون من شأن استمرار القرار و تنفيذه نتائج يتعذر تداركها .
ومن حيث إنه عن ركن الجدية ، فإن المادة 41 من الدستور و المعمول بأحكامه إبان صدور القرار المطعون فيه تنص على أن(الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو ....... او منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ....) ، و هو ما يعني أن المنع من التنقل داخل البلاد أو إلى خارجها هو من الإجراءات التي تمثل قيداً على الحرية الشخصية و التي من عناصرها الحرية في التنقل ، و لذا استلزم المشرع الدستوري حتى يكون مثل هذا الإجراء مشروعاً أن تكون ثمة ضرورة لدى التحقيق مع الشخص تستلزم منعه من السفر ، بحيث تكون تلك الضرورة مرتبطة بمصلحة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع ، و يصدر الأمر بذلك من القاضي المختص أو النيابة العامة ، وفق أحكام القانون الذي ينظم حدود هذا القيدعلى ذلك الحق الطبيعي ، و مؤدى ذلك أنه من غير الجائز قانوناً صدور مثل هذا لأمر بالمنع من السفر من غير من خولهم هذا النص الدستوري الاختصاص بذلك ، و إلا كان القرار الصادر بذلك هو و العدم سوء ، لمساسه بحق طبيعي و للافتئات على حكم الدستور الذي هو القاعدة القانونية الأسمى في المجتمع ، و لا سيما و أن المشرع الدستوري لم يترك أمر هذا الاختصاص – بعد أن خوله للقاضي المختص و النيابة العامة – مطلقاً عن التنظيم ن و إنما أوجب أن تكون ممارسته وفق أحكام القانون .
ومن حيث إن الثابت أن القرار المطعون فيه باستمرار إدراج أسماء المدعين – الطاعنين – على قوائم الممنوعين من السفر لم يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، حيث أفادت النيابة العامة بموجب كتابها المؤرخ 7/4/2003 الموجه إلى مدير عام مصلحة الجوازات و الهجرة و الجنسية بأن السيد الأستاذ المستشار النائب العام قد وافق بتاريخ 7/4/2003 على استمرار إدراج اسم الطاعن الأول على قوائم الممنوعين من السفر و ترقب الوصول " حافظة الدولة المقدمة بجلسة 28/5/2011 " كما تضمنت مذكرة المعلومات الموقعة من رئيس نيابة مكافحة التهرب من الضرائب المؤرخة 4/1/2008 المودعة حافظة مستندات الدولة المقدمة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 7/4/2009 أن المتهمين – المدعين – كانوا قد أدرجوا على قوائم الممنوعين من السفر و ترقب الوصول بتاريخ 17/2/2000 خشية هروبهم خارج البلاد وحتى تستكمل النيابة العامة التحقيقات ، و لم تقدم الدولة ما طلبته المحكمة بقرار إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 9/4/2011 من صورة للقرار المدعى صدوره من رئيس محكمة جنح 6 أكتوبر الجزئية بتاريخ 16/4/2007 باستمرار إدراج اسماء الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر ، مكتفية بتقديم صورة كتاب النيابة العامة الموجه إلى مدير عام مصلحة الجوازات و الهجرة و الجنسية المؤرخ 7/4/2003 المشار إليه آنفاً ، الأمر الذي يتيقن معه للمحكمة ان استمرار إدراج الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر لم يكن بقرار من المختص بإصداره وفق أحكام القانون ، سواء في ذلك الطاعن الأول الذي كان يجب رفع اسمه من القوائم بانقضاء ثلاث سنوات وفقاً للمادة 6 من قرار وزير الداخلية المشار إليه سلفاً ، أو الطاعنان الآخران و اللذان لم تقدم الدولة ما يفيد استمرار إدراجهما بقرار من مختص بإصداره بعد انقضاء المدة المذكورة وفق حكم هذه المادة من يناير التالي لتاريخ إدراجهما في 17/8/2000 ، و من ثم يكون القرار المطعون فيه مخالفاً صحيح حكم القانون ويتوافر بشأن طلب وقف تنفيذه ركن الجدية ، فضلاًعن توافر ركن الاستعجال إذ استمرار تنفيذ هذا القرار يمثل قيداً على حرية الطاعنين الشخصية و حقهم الطبيعي في السفر إلى الخارج بما يمس مصالح مشروعة لهم فوق مايمثله من نيل من هذا الحق الطبيعي .
ومن حيث إن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه قد توافر له ركناه فمن ثم تعين القضاء بوقف تنفيذه وما يترتب على ذلك من آثار ".
( الطعن رقم 20325 لسنة 52 ق – جلسة 22/10/2011 – مجلة هيئة قضايا الدولة – العدد الأول أبريل /مارس 2012 – ص 157 و مابعدها )
قضت المحكمة الإدارية العليا بأن :
" وحيث إن عناصر النزاع تخلص – حسبما يبين من الأوراق – في أن الطاعنين كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 56375 لسنة 62 ق أمام محكمة القضاء الإداري بموجب صحيفة أودعت قلم كتابتها بتاريخ 19/8/2008 طالبين الحكم بوقف تنفيذ و إلغاء قرار إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر و ما يترتب على ذلك من آثار .
وقالوا شرحاً لدعواهم أن النيابة العامة قدمتهم كمتهمين بتهمة التهرب من أداء الضريبة العامة على المبيعات بالقضية التي تم قيدها برقم 5399 لسنة 2005 جنح أول أكتوبر و التي لم يفصل فيها بعد ، و قامت النيابة العامة منذ عامن 2000 بوضع أسمائهم بقائمة الممنوعين من السفر على ذمة الفصل في هذه القضية ، و نعى المدعون على قرار منعهم من السفر بمخالفة القانون ، لأن حرية التنقل من مكان لآخر و من جهة لأخرى و السفر خارج البلاد مبدأ أصيل و حق دستوري مقرر للمواطن لايجوز المساس به أو الانتقاص منه لغير مقتض و لا يقيد إلا لصالح المجتمع ، و أنه إذا كان المشرع في المادة 208 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية قد أعطى للنيابة العامة سلطة إصدار الأمر بالمنع من السفر ، فإنه قد اشترط ان يكون ذلك في الأحوال التي تقوم فيها من التحقيق أدلة كافية على جدية الاتهام في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، و لقد تقدموا إلى النائب العام بعدة طلبات إذ لم تثبت إدانتهم رغم انقضاء ثماني سنوات على إصدار قرار المنع من السفر لإبلاغ الجهة المنفذة لرفع أسمائهم إلا أن جميع طلباتهم كان مصيرها الرفض ، و خلص المدعون إلى طلباتهم الآنف ذكرها ، و تدوول نظر الشق العاجل من الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها ، و بجلسة 5/5/2009 صدر الحكم المطعون فيه .
وشيدت المحكمة حكمها على سند من أن المدعين مازالوا رهن المحاكمة الجنائية بالقضية رقم 5399 لسنة 2005 جنح أكتوبر بتهمة التهرب من أداء الضريبة المستحقة عن الفترة من 1992 حتى 2000 ، و أن رئيس محكمة جنح 6 اكتوبر التي تنظرهذه القضية قرر بتاريخ 16/4/2007 استمرار إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر باعتبار أن ذلك من الإجراءات التحفظية ضماناً لمثولهم امام المحكمة لمحاكمتهم و ضماناً لتنفيذ ما عساه يقضى به عليهم ، و لما كان هذا القرار من صميم القرارات القضائية فلا ولاية لمحاكم مجلس الدولة بالتعقيب عليها، الأمر الذي تقضي معه المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى .
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الطاعنين أقاموا طعنهم الماثل ناعين على الحكم بمخالفته للقانون و الخطا في تطبيقه و تاويله ، ذلك أن الدعوى لم تكن موجهة للطعن على قرار إدراج أسمائهم بقوائم الممنوعين من السفر حتى يتسنى للمحكمة بحث مبررات إصدار القرار ، و إنما كانت الدعوى بطلب حكم لصالحهم برفع أسمائهم من هذه القوائم باعتبار أن ما آتاه المدعون من تصرفات من تاريخ إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر سنة 2000 و حتى إقامة دعواهم سنة 2008 يؤكد انتفاء شبهة التقول بإضرارهم بالمال العام ، و بذلك يكون الحكم قد نظر في غير ما طلبوه عندما تصدى لبحث أسباب إصدار النائب العام بإدراجهم على تلك القوائم ، و لم يبحث الحكم في طلب استصدار قرار جديد ، فضلاً عن أن قرار إدراجهم لم يصدر وفقاً لأحكام تنظيم قواعد إصداره بما يكون معه -وفق ما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2361 لسنة 55 ق – جلسة 15/11/1988 – مجرد إجراء فاقد سنده القانوني ، و أن القرار الذي عولت عليه المحكمة بأسباب حكمها و الذي أشارت إليه مذكرة النيابة العامة المقدمة بجلسة 7/4/2009 و نسبت صدوره لرئيس محكمة جنح 6 أكتوبر لم يتم الكشف بالحكم عن كيفية إصداره في هذا التاريخ رغم أن الجنحة محالة إلى خبراء وزارة العدل بجلسة 18/2/2006 و تم إرسالها إلى مكتب الخبراء برقم 43 بتاريخ 1/3/2007 كما هو ثابت بالمستندات المقدمة من المطعون ضدهم بجلسة 7/4/2009 ، و أضاف الطاعنون ان الحكم لم يلتزم حكم المادتين 109 ، 110 مرافعات ، حيث لم يحل الدعوى إلى المحكمة التي يرى أنها مختصة ، كما انه خالف أاحكام قانون الإثبات ، إذ ان ما قدم من جهة الإدارة صور ضوئية يجحدها الطاعنون .
ومن حيث إن المستقر عليه قضاءً أن تكييف الدعوى وتمحيص طلبات الخصوم فيها وقوفاً على ما يرمون إليه و يصبون ، هو من تصريف المحكمة الذي تجريه دون وقوف عند حرفية ما ساقه الخصوم من ألفاظ و عبارات ، إذ العبرة بحقيقة مقصودهم و وفق مرادهم بما يكشف عنه واقع الحال المعبر عنه من قبلهم .
ومن حيث إن البين من واقع الحال المعبر عنه من المدعين بصحيفة دعواهم و بما أوروا به بمذكرات دفاعهم أمام محكمة أول درجة – مؤكد بما ذكروه و تمسكوا به بتقريرطعنهم و مذكرات دفاعهم إبان نظر هذا الطعن – انهم يهدفون من دعواهم رفع اسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر لانقضاء فترة ربت على السنوات السبع عند إقامة دعواهم و ازدادت ما يقرب من السنتين عند إقامة طعنهم الذي ينقل الدعوى برمتها إلى هذه المحكمة ، الأمر الذي يكون تكييف طلبهم وفق مرادهم و حقيقة مقصودهم هو طلب الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء قرار استمرار إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر و عدم رفعها من هذه القوائم وما يترتب على ذلك من آثار .
ومن حيث إنه في ضوء ذلك و فيما يتعلق بالدفع من قبل هيئة قضايا الدولة بعدم اختصاص محمكة القضاء الإداري ولائياً بنظر الدعوى ، فإنه إذا كان لحق المواطن في التنقل و السفر إلى خارج البلاد ، حصانة بحسبانه من الحقوق اللصيقة بالإنسان و التي قننها دستور جمهورية مصر العربية الصادر عام 1971 و الذي حل محله مؤقتاً الإعلان الدستوري الصادر في 30/3/2011 متضمناً تقنين هذا الحق في مادته رقم 8 فإنه قد أحيط عند تنظيم المنع من السفر – أياً ما كان وجه الرأي في هذا التنظيم – بقيود تجعل هذا المنع موقوتاً بطبيعته دون أن يكون استمراره ممتداً في الزمن ، حيث إنه من غير الجائز وفقاً لقرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر ان تظل الأسماء مدرجة بالقوائم أكثر من ثلاث سنوات تبدأ من يناير التالي لتاريخ الإدراج ترفع بانقضائها تلقائياً ما لم يتم رفعها قبل ذلك ، و ما لم يتخذ الإجراء اللازم لاستمرار الإدراج فوق السنوات الثلاث المذكورة ، إذ أوجب هذا القرار على إدارة القوائم بمصلحة وثائق السفر و الهجرة بوزارة الداخلية أن تقوم بالتصفية المستمرة للأسماء بعد انقصاء مدة أو مدد الإدراج على هذه القوائم مراعاة لما نص عليه هذا القرار من اعتبار الأسماء مرفوعة – تلقائياً – بانقضائها ، وهو ما يعني أنها تعتبر مرفوعة – قانوناً – بذلك من هذه القوائم ، الأمر الذي لا تملك حياله الإدارة المذكورة أية سلطة تقديرية إذ يلزمها أن تقوم برفع من انقضت مدة إدراجه لما تمارسه من تصفية مستمرة للأسماء المدرجة ، و من ثم يغدو استمرار إدراج من انقضت مدة الإدراج المشار إليها آنفاً دون رفع اسمه ، قراراً منسوباً إلى هذه الإدارة ، و هو دون مراء قرار إداري نهائي يدخل بطبيعته هذه ضمن القرارات الإدارية التي يختص بالفصل في مدى مشروعيتها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ، و بناء عليه ولما كانت حقيقة طلبات المدعين – الطاعنين – هي كما سلف وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار استمرار إدراج أسمائهم على قوائم الممنوعين من السفر و عدم رفعها من هذه القوائم ، فإن محكمة القضاء الإداري تكون هي صاحبة الولاية في الفصل في النزاع القائم بشأن هذا القرار ، مما يتعين معه رفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى ، و إذ انتهى الحكم الطعين إلى غير ذلك فإنه يكون مخالفاً صحيح حكم القانون واجب الإلغاء ، وهوما تقضي به هذه المحكمة .
ومن حيث إنه و لئن كان من القواعد المعمول بها أنه عند إلغاء الحكم الصادر بعدم اختصاص محكمة أول درجة بنظر النزاع لاختصاصها وفق صحيح حكم القانون تعاد إليها الدعوى للفصل فيها ، إلا أن ثمة قاعدة من القواعد التي استقر العمل أيضاً بها وهي قاعدة الاقتصاد في الإجراءات و التي تتيح لمحكمة الطعن الفصل في النزاع دون إعادته إلى محكمة أول درجة متى كان صالحاً للفصل فيه ، وهو ما تاخذ به المحكمة بشأن النزاع الماثل .
ومن حيث إن القرار المطعون فيه بالتكييف السالف الذكر هو من القرارات المستمرة التي يحق لذي المصلحة في الطعن عليه أن يطعن فيه متى كانت حالة الاستمرار قائمة ، و إذ استوفت الدعوى سائرأوضاعها الشكلية ، فمن ثم تكون مقبولة شكلاً .
وحيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ، فإن المستقر عليه أن ولاية محاكم مجلس الدولة في وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من ولايتها في الإلغاء و فرع منها ، و مردها الرقابةالقانونية التي تسلطتها المحكمة على القرار ، على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية ، إذ يتعين على القرار الإداري ألا يوقف تنفيذ قرار إداري إلا إذا تبين له من ظاهرالأوراق أن طلب وقف التنفيذ قد توافر له ركنان ، الأول : ركن الجدية ، و يتمثل في قيام الطعن في القرار بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب جدية من حيث الواقع و القانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند نظر الموضوع ، و الثاني : ركن الاستعجال ، بأن يكون من شأن استمرار القرار و تنفيذه نتائج يتعذر تداركها .
ومن حيث إنه عن ركن الجدية ، فإن المادة 41 من الدستور و المعمول بأحكامه إبان صدور القرار المطعون فيه تنص على أن(الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو ....... او منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ....) ، و هو ما يعني أن المنع من التنقل داخل البلاد أو إلى خارجها هو من الإجراءات التي تمثل قيداً على الحرية الشخصية و التي من عناصرها الحرية في التنقل ، و لذا استلزم المشرع الدستوري حتى يكون مثل هذا الإجراء مشروعاً أن تكون ثمة ضرورة لدى التحقيق مع الشخص تستلزم منعه من السفر ، بحيث تكون تلك الضرورة مرتبطة بمصلحة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع ، و يصدر الأمر بذلك من القاضي المختص أو النيابة العامة ، وفق أحكام القانون الذي ينظم حدود هذا القيدعلى ذلك الحق الطبيعي ، و مؤدى ذلك أنه من غير الجائز قانوناً صدور مثل هذا لأمر بالمنع من السفر من غير من خولهم هذا النص الدستوري الاختصاص بذلك ، و إلا كان القرار الصادر بذلك هو و العدم سوء ، لمساسه بحق طبيعي و للافتئات على حكم الدستور الذي هو القاعدة القانونية الأسمى في المجتمع ، و لا سيما و أن المشرع الدستوري لم يترك أمر هذا الاختصاص – بعد أن خوله للقاضي المختص و النيابة العامة – مطلقاً عن التنظيم ن و إنما أوجب أن تكون ممارسته وفق أحكام القانون .
ومن حيث إن الثابت أن القرار المطعون فيه باستمرار إدراج أسماء المدعين – الطاعنين – على قوائم الممنوعين من السفر لم يصدر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، حيث أفادت النيابة العامة بموجب كتابها المؤرخ 7/4/2003 الموجه إلى مدير عام مصلحة الجوازات و الهجرة و الجنسية بأن السيد الأستاذ المستشار النائب العام قد وافق بتاريخ 7/4/2003 على استمرار إدراج اسم الطاعن الأول على قوائم الممنوعين من السفر و ترقب الوصول " حافظة الدولة المقدمة بجلسة 28/5/2011 " كما تضمنت مذكرة المعلومات الموقعة من رئيس نيابة مكافحة التهرب من الضرائب المؤرخة 4/1/2008 المودعة حافظة مستندات الدولة المقدمة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 7/4/2009 أن المتهمين – المدعين – كانوا قد أدرجوا على قوائم الممنوعين من السفر و ترقب الوصول بتاريخ 17/2/2000 خشية هروبهم خارج البلاد وحتى تستكمل النيابة العامة التحقيقات ، و لم تقدم الدولة ما طلبته المحكمة بقرار إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 9/4/2011 من صورة للقرار المدعى صدوره من رئيس محكمة جنح 6 أكتوبر الجزئية بتاريخ 16/4/2007 باستمرار إدراج اسماء الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر ، مكتفية بتقديم صورة كتاب النيابة العامة الموجه إلى مدير عام مصلحة الجوازات و الهجرة و الجنسية المؤرخ 7/4/2003 المشار إليه آنفاً ، الأمر الذي يتيقن معه للمحكمة ان استمرار إدراج الطاعنين على قوائم الممنوعين من السفر لم يكن بقرار من المختص بإصداره وفق أحكام القانون ، سواء في ذلك الطاعن الأول الذي كان يجب رفع اسمه من القوائم بانقضاء ثلاث سنوات وفقاً للمادة 6 من قرار وزير الداخلية المشار إليه سلفاً ، أو الطاعنان الآخران و اللذان لم تقدم الدولة ما يفيد استمرار إدراجهما بقرار من مختص بإصداره بعد انقضاء المدة المذكورة وفق حكم هذه المادة من يناير التالي لتاريخ إدراجهما في 17/8/2000 ، و من ثم يكون القرار المطعون فيه مخالفاً صحيح حكم القانون ويتوافر بشأن طلب وقف تنفيذه ركن الجدية ، فضلاًعن توافر ركن الاستعجال إذ استمرار تنفيذ هذا القرار يمثل قيداً على حرية الطاعنين الشخصية و حقهم الطبيعي في السفر إلى الخارج بما يمس مصالح مشروعة لهم فوق مايمثله من نيل من هذا الحق الطبيعي .
ومن حيث إن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه قد توافر له ركناه فمن ثم تعين القضاء بوقف تنفيذه وما يترتب على ذلك من آثار ".
( الطعن رقم 20325 لسنة 52 ق – جلسة 22/10/2011 – مجلة هيئة قضايا الدولة – العدد الأول أبريل /مارس 2012 – ص 157 و مابعدها )