دستورية التظلم خلال ثمانية أيام من أمر تقدير الرسوم القضائية
قضية رقم 255 لسنة 24 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السادس من مايو سنة 2012م ، الموافق الخامس عشر من جماد الآخر سنة 1433 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وعبدالوهاب عبدالرازق والدكتور حنفى على جبالى
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 255 لسنة 24 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / فيصل على محمد ندا
ضد
1 السيد رئيس مجلس الوزراء
2 السيد المستشار وزير العدل
بصفته الرئيس الأعلى للجهاز الإدارى
" قلم المطالبة بمحكمة عابدين الجزئية "
" الإجراءات"
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2002 ، أودع المدعى صحيفة الدعوى الماثلة ، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة السابعة عشرة من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية ، وسقوط المادة الثامنة عشرة من القانون ذاته .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا أصليًا وتقريرين تكميليين برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه بتاريخ 29/1/2002 أصدر قلم المطالبة بمحكمة استئناف القاهرة أمرى تقدير الرسوم النسبية والخدمات المستحقة عن الاستئناف رقم 2244 لسنة 114 " قضائية " مستأنف القاهرة بواقع 5ر3290 جنيه رسوم نسبية و75ر1643 جنيه رسم خدمات ، وبتاريخ 21/4/2002 تم إعلان قائمة الرسوم إلى المدعى ، فطعن عليها بتقرير معارضة مؤرخ 29/4/2002 أمام قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة ، وأسس معارضته على سببين أولهما المغالاة فى
التقدير ، وثانيهما أن الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة المشار إليه مطعون عليه بالنقض .
وأثناء نظر المعارضة أمام محكمة استئناف القاهرة ، دفع المدعى بجلسة 12/6/2002 بعدم دستورية نص المادة 17 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية ، فقررت المحكمة تأجيل نظرها لجلسة 15/9/2002 لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقام دعواه الماثلة .
وحيث إن المادة 17 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية تنص على أن " يجوز لذى الشأن أن يعارض فى مقدار الرسوم الصادر بها الأمر المشار إليه فى المادة السابقة ، وتحصل المعارضة أمام المحضر عند إعلان أمر التقدير أو بتقرير فى قلم الكتاب فى الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلان الأمر ويحدد له المحضر فى الإعلان أو قلم الكتاب فى التقرير اليوم الذى تنظر فيه المعارضة " .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه أنه يُلزم المتقاضين اتباع طريقين عند المنازعة فى أوامر تقدير الرسوم القضائية ، الأول : طريق المعارضة إذا كانت المنازعة منصبةً على مقدار الرسم ، والثانى : الطريق المعتاد لرفع الدعوى طبقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية إذا كانت المنازعة مبنيةً على سبب آخر غير ذلك ، الأمر الذى يؤدى إلى ولوج طريقين للتقاضى بصدد منازعة واحدة ، وما يترتب عليه من تحمل المتقاضين لأعباء مادية تتمثل فى رسوم ومصروفات إقامة العديد من الدعاوى التى تتعلق بالمنازعة فى حق واحد ، بما يرهق حق التقاضى وينتقص من الذمة المالية للمتقاضين ، ويعوق سرعة الفصل فى القضايا ، فضلاً عن أن ميعاد الثمانية أيام التى أتاح النص الطعين خلالها للمتقاضين تقديم معارضتهم أمام المحضر أو بتقرير فى قلم كتاب المحكمة التى أصدرت أمر التقدير ، يعد ميعادًا قصيرًا غير كاف لاتخاذ هذا الإجراء بما ينتقص من حق التقاضى ويُخل بمبدأ المساواة وهو ما يخالف أحكام المواد 32 و34 و38 و40 و68 من دستور 1971.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور ، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية ، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة ، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها ، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامنيها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
وحيث إن المناعى التى وجهها المدعى إلى النص المطعون عليه ، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى ، ومن ثم فإن هذه المحكمة سوف تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص فى ضوء الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 ، باعتباره الوثيقة الدستورية التى تحكم شئون البلاد خلال الفترة الإنتقالية التى تمر بها .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه مردود بأن الأصل فى رفع الدعاوى على ما تنص عليه المادة 63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 أن تكون بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة ، إلا أن المشرع تبسيطًا للإجراءات وتيسيرًا على المتقاضين ، أفرد المنازعة فى أمر تقدير الرسوم القضائية ، بتنظيم قانونى خاص ضمنه المواد 16 ، 17 ، 18 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه أجاز فيه لذوى الشأن المعارضة فى مقدار الرسوم التى يصدر بها أمر من رئيس المحكمة أو القاضى حسب الأحوال وذلك أمام المحضر عند إعلان أمر التقدير ، أو بتقرير فى قلم الكتاب خلال الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلان الأمر ، وفى الوقت ذاته لم يمنع ذوى الشأن من سلوك الطريق المعتاد الذى أورده فى المادة 63 من قانون المرافعات بحسبانه الأصل العام فى رفع الدعاوى ، مما مؤداه أن المتقاضى بالخيار بين أن يعارض فى أمر تقدير الرسوم فيما يخص مقدارها أمام المحضر عند إعلان الأمر أو بتقرير فى قلم كتاب المحكمة التى أصدر رئيسها الأمر خلال الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلانه به ، أو بصحيفة تودع ابتداءً قلم كتاب المحكمة المختصة ، أما من ينازع فى أساس الالتزام ومداه وفى الوفاء به ، فله أن يسلك الطريق التى نصت عليه المادة 63 من قانون المرافعات بحسبانه الأصل العام فى رفع الدعاوى .
وحيث إن إفراد المنازعة فى مقدار الرسوم القضائية بهذا التنظيم الخاص مرده اعتبارات موضوعية تتصل بطبيعة المنازعة ، إذ إن الخلاف حول مقدار الرسوم أمر ليس بالعسير إثبات صحته من عدمه ومن ثم حسمه ، خلاف المنازعة فى أصل استحقاق تلك الرسوم والتى تستلزم لأهميتها وتشعب طرق إثباتها رفع دعوى مبتدأة وفقًا للطرق المعتادة للخصومة القضائية .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع غير مقيد – فى مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء – بأشكال محددة تُمثل أنماطًا جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل ، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون فى تقديره الموضوعى أكثر اتفاقًا مع طبيعة المنازعة التى يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى ، وذلك دون إخلال بضماناتها الرئيسية التى تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة فى ذاتها ، وكان المشرع – التزامًا منه بحق التقاضى – قد أجاز فى النص المطعون فيه لكل من أُعلن بأمر تقدير الرسوم القضائية المعارضة فى هذا الأمر أمام المحضر عند إعلانه ، أو أمام المحكمة التى أصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضى حسب
الأحوال ، فإنه يكون قد التزم بالضوابط الدستورية التى تحكم سلطة المشرع التقديرية فى مجال تنظيم حق التقاضى دون أن يصادره أو يقيده أو يفرغه من مضمونه ، متخيرًا من بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم أنسبها وأكفلها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها فى مجال تنظيم هذا الحق وتسيير مرفق العدالة بما يتفق وأحكام المادة (21) من الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 .
وحيث إن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون ، لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين فى مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كما أنه ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها ، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى تبعًا لذلك على مخالفة للمادة (7) من الإعلان الدستورى المشار إليه ، وكان النص المطعون فيه قد أفرد المعارضة فى مقدار الرسوم القضائية بتنظيم خاص أجاز بمقتضاه لذى الشأن أن يعارض فى مقدار الرسم أمام المحضر أو بتقرير فى قلم كتاب المحكمة التى أصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضى حسب الأحوال ، مراعاة منه لطبيعة هذه المنازعة تبسيطًا للإجراءات وتيسيرًا على المتقاضين ، ولسرعة حسم هذه المنازعات تحقيقًا لعدالة سريعة وناجزة ، ومن ثم فإن القول بمخالفته لمبدأ المساواة لا يكون لها من محل .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من إخلاله بالحماية التى كفلتها المادة 6 من الإعلان الدستورى لحق الملكية الخاصة مردود بأن التنظيم التشريعى للمعارضة فى مقدار الرسوم القضائية إنما يهدف إلى سرعة الفصل فى هذه المنازعة ، ولا يثقل كاهل المتقاضين بتكبيدهم نفقات إقامة دعوى مبتدأة وما تتطلبه من الاستعانة بمحام الأمر الذى يُحقق – فى واقع الأمر – مصلحة المدعى المادية ، ويُزيد الجانب الإيجابى من ذمته المالية ، ولا ينتقص منها .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من قِصَر ميعاد التظلم من أمر التقدير ، وهو ما يعد – من وجهة نظره – إخلالاً بحق التقاضى ، فمردود بأن ميعاد الثمانية أيام التى أجاز المشرع التظلم خلالها من أمر التقدير ، يعتبر متصلاً بالشروط التى تطلبها لجوازه ، ومرتبطًا تبعًا لذلك بتنظيم المشرع للحق فى الدعوى مما يدخل فى نطاق سلطته التقديرية ، كما أن هذا الميعاد لا ينفتح إلا من تاريخ إعلان أمر التقدير لكل ذى شأن فيه . ومجرد التظلم من أمر التقدير أمام المحضر عند إعلانه ، يعتبر كافيًا لاتصال خصومة الطعن بالمحكمة التى ناط بها المشرع الفصل فيه ، وتلك جميعها أشكال إجرائية حد بها المشرع من الآثار السلبية لقِصَر ميعاد التظلم ، والذى روعى فى تقديره سرعة إنهاء هذا النوع من المنازعات بالنظر إلى طبيعتها وصيانة لمصالح الخزانة العامة .
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه
قضية رقم 255 لسنة 24 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد ، السادس من مايو سنة 2012م ، الموافق الخامس عشر من جماد الآخر سنة 1433 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : ماهر البحيرى وعدلى محمود منصور وعلى عوض محمد صالح وأنور رشاد العاصى وعبدالوهاب عبدالرازق والدكتور حنفى على جبالى
نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبدالسميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 255 لسنة 24 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / فيصل على محمد ندا
ضد
1 السيد رئيس مجلس الوزراء
2 السيد المستشار وزير العدل
بصفته الرئيس الأعلى للجهاز الإدارى
" قلم المطالبة بمحكمة عابدين الجزئية "
" الإجراءات"
بتاريخ الخامس والعشرين من أغسطس سنة 2002 ، أودع المدعى صحيفة الدعوى الماثلة ، قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة السابعة عشرة من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية ، وسقوط المادة الثامنة عشرة من القانون ذاته .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة ، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى .
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا أصليًا وتقريرين تكميليين برأيها.
ونُظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع– حسبما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – تتحصل فى أنه بتاريخ 29/1/2002 أصدر قلم المطالبة بمحكمة استئناف القاهرة أمرى تقدير الرسوم النسبية والخدمات المستحقة عن الاستئناف رقم 2244 لسنة 114 " قضائية " مستأنف القاهرة بواقع 5ر3290 جنيه رسوم نسبية و75ر1643 جنيه رسم خدمات ، وبتاريخ 21/4/2002 تم إعلان قائمة الرسوم إلى المدعى ، فطعن عليها بتقرير معارضة مؤرخ 29/4/2002 أمام قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة ، وأسس معارضته على سببين أولهما المغالاة فى
التقدير ، وثانيهما أن الحكم الصادر من محكمة استئناف القاهرة المشار إليه مطعون عليه بالنقض .
وأثناء نظر المعارضة أمام محكمة استئناف القاهرة ، دفع المدعى بجلسة 12/6/2002 بعدم دستورية نص المادة 17 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية ، فقررت المحكمة تأجيل نظرها لجلسة 15/9/2002 لاتخاذ إجراءات الطعن بعدم الدستورية ، فأقام دعواه الماثلة .
وحيث إن المادة 17 من القانون رقم 90 لسنة 1944 بالرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية تنص على أن " يجوز لذى الشأن أن يعارض فى مقدار الرسوم الصادر بها الأمر المشار إليه فى المادة السابقة ، وتحصل المعارضة أمام المحضر عند إعلان أمر التقدير أو بتقرير فى قلم الكتاب فى الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلان الأمر ويحدد له المحضر فى الإعلان أو قلم الكتاب فى التقرير اليوم الذى تنظر فيه المعارضة " .
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه أنه يُلزم المتقاضين اتباع طريقين عند المنازعة فى أوامر تقدير الرسوم القضائية ، الأول : طريق المعارضة إذا كانت المنازعة منصبةً على مقدار الرسم ، والثانى : الطريق المعتاد لرفع الدعوى طبقًا لأحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية إذا كانت المنازعة مبنيةً على سبب آخر غير ذلك ، الأمر الذى يؤدى إلى ولوج طريقين للتقاضى بصدد منازعة واحدة ، وما يترتب عليه من تحمل المتقاضين لأعباء مادية تتمثل فى رسوم ومصروفات إقامة العديد من الدعاوى التى تتعلق بالمنازعة فى حق واحد ، بما يرهق حق التقاضى وينتقص من الذمة المالية للمتقاضين ، ويعوق سرعة الفصل فى القضايا ، فضلاً عن أن ميعاد الثمانية أيام التى أتاح النص الطعين خلالها للمتقاضين تقديم معارضتهم أمام المحضر أو بتقرير فى قلم كتاب المحكمة التى أصدرت أمر التقدير ، يعد ميعادًا قصيرًا غير كاف لاتخاذ هذا الإجراء بما ينتقص من حق التقاضى ويُخل بمبدأ المساواة وهو ما يخالف أحكام المواد 32 و34 و38 و40 و68 من دستور 1971.
وحيث إنه من المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور ، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية ، وضبطها للقيم التى ينبغى أن تقوم عليها الجماعة ، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – وأيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور لضمان اتساقها والمفاهيم التى أتى بها ، فلا تتفرق هذه القواعد فى مضامنيها بين نظم مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التى تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية .
وحيث إن المناعى التى وجهها المدعى إلى النص المطعون عليه ، تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى ، ومن ثم فإن هذه المحكمة سوف تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص فى ضوء الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 ، باعتباره الوثيقة الدستورية التى تحكم شئون البلاد خلال الفترة الإنتقالية التى تمر بها .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه مردود بأن الأصل فى رفع الدعاوى على ما تنص عليه المادة 63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 أن تكون بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة ، إلا أن المشرع تبسيطًا للإجراءات وتيسيرًا على المتقاضين ، أفرد المنازعة فى أمر تقدير الرسوم القضائية ، بتنظيم قانونى خاص ضمنه المواد 16 ، 17 ، 18 من القانون رقم 90 لسنة 1944 المشار إليه أجاز فيه لذوى الشأن المعارضة فى مقدار الرسوم التى يصدر بها أمر من رئيس المحكمة أو القاضى حسب الأحوال وذلك أمام المحضر عند إعلان أمر التقدير ، أو بتقرير فى قلم الكتاب خلال الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلان الأمر ، وفى الوقت ذاته لم يمنع ذوى الشأن من سلوك الطريق المعتاد الذى أورده فى المادة 63 من قانون المرافعات بحسبانه الأصل العام فى رفع الدعاوى ، مما مؤداه أن المتقاضى بالخيار بين أن يعارض فى أمر تقدير الرسوم فيما يخص مقدارها أمام المحضر عند إعلان الأمر أو بتقرير فى قلم كتاب المحكمة التى أصدر رئيسها الأمر خلال الثمانية أيام التالية لتاريخ إعلانه به ، أو بصحيفة تودع ابتداءً قلم كتاب المحكمة المختصة ، أما من ينازع فى أساس الالتزام ومداه وفى الوفاء به ، فله أن يسلك الطريق التى نصت عليه المادة 63 من قانون المرافعات بحسبانه الأصل العام فى رفع الدعاوى .
وحيث إن إفراد المنازعة فى مقدار الرسوم القضائية بهذا التنظيم الخاص مرده اعتبارات موضوعية تتصل بطبيعة المنازعة ، إذ إن الخلاف حول مقدار الرسوم أمر ليس بالعسير إثبات صحته من عدمه ومن ثم حسمه ، خلاف المنازعة فى أصل استحقاق تلك الرسوم والتى تستلزم لأهميتها وتشعب طرق إثباتها رفع دعوى مبتدأة وفقًا للطرق المعتادة للخصومة القضائية .
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن المشرع غير مقيد – فى مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء – بأشكال محددة تُمثل أنماطًا جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل ، بل يجوز أن يختار من الصور الإجرائية لإنفاذ هذا الحق ما يكون فى تقديره الموضوعى أكثر اتفاقًا مع طبيعة المنازعة التى يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى ، وذلك دون إخلال بضماناتها الرئيسية التى تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة فى ذاتها ، وكان المشرع – التزامًا منه بحق التقاضى – قد أجاز فى النص المطعون فيه لكل من أُعلن بأمر تقدير الرسوم القضائية المعارضة فى هذا الأمر أمام المحضر عند إعلانه ، أو أمام المحكمة التى أصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضى حسب
الأحوال ، فإنه يكون قد التزم بالضوابط الدستورية التى تحكم سلطة المشرع التقديرية فى مجال تنظيم حق التقاضى دون أن يصادره أو يقيده أو يفرغه من مضمونه ، متخيرًا من بين البدائل المختلفة التى تتصل بالموضوع محل التنظيم أنسبها وأكفلها لتحقيق الأغراض التى يتوخاها فى مجال تنظيم هذا الحق وتسيير مرفق العدالة بما يتفق وأحكام المادة (21) من الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 .
وحيث إن مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون ، لا يعنى أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تباين فى مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة ، كما أنه ليس مبدأ تلقينيًا جامدًا منافيًا للضرورة العملية ولا هو بقاعدة صماء تنبذ صور التمييز جميعها ، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوى تبعًا لذلك على مخالفة للمادة (7) من الإعلان الدستورى المشار إليه ، وكان النص المطعون فيه قد أفرد المعارضة فى مقدار الرسوم القضائية بتنظيم خاص أجاز بمقتضاه لذى الشأن أن يعارض فى مقدار الرسم أمام المحضر أو بتقرير فى قلم كتاب المحكمة التى أصدر رئيسها أمر التقدير أو القاضى حسب الأحوال ، مراعاة منه لطبيعة هذه المنازعة تبسيطًا للإجراءات وتيسيرًا على المتقاضين ، ولسرعة حسم هذه المنازعات تحقيقًا لعدالة سريعة وناجزة ، ومن ثم فإن القول بمخالفته لمبدأ المساواة لا يكون لها من محل .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من إخلاله بالحماية التى كفلتها المادة 6 من الإعلان الدستورى لحق الملكية الخاصة مردود بأن التنظيم التشريعى للمعارضة فى مقدار الرسوم القضائية إنما يهدف إلى سرعة الفصل فى هذه المنازعة ، ولا يثقل كاهل المتقاضين بتكبيدهم نفقات إقامة دعوى مبتدأة وما تتطلبه من الاستعانة بمحام الأمر الذى يُحقق – فى واقع الأمر – مصلحة المدعى المادية ، ويُزيد الجانب الإيجابى من ذمته المالية ، ولا ينتقص منها .
وحيث إن ما ينعاه المدعى على النص المطعون فيه من قِصَر ميعاد التظلم من أمر التقدير ، وهو ما يعد – من وجهة نظره – إخلالاً بحق التقاضى ، فمردود بأن ميعاد الثمانية أيام التى أجاز المشرع التظلم خلالها من أمر التقدير ، يعتبر متصلاً بالشروط التى تطلبها لجوازه ، ومرتبطًا تبعًا لذلك بتنظيم المشرع للحق فى الدعوى مما يدخل فى نطاق سلطته التقديرية ، كما أن هذا الميعاد لا ينفتح إلا من تاريخ إعلان أمر التقدير لكل ذى شأن فيه . ومجرد التظلم من أمر التقدير أمام المحضر عند إعلانه ، يعتبر كافيًا لاتصال خصومة الطعن بالمحكمة التى ناط بها المشرع الفصل فيه ، وتلك جميعها أشكال إجرائية حد بها المشرع من الآثار السلبية لقِصَر ميعاد التظلم ، والذى روعى فى تقديره سرعة إنهاء هذا النوع من المنازعات بالنظر إلى طبيعتها وصيانة لمصالح الخزانة العامة .
وحيث إن النص المطعون فيه لا يخالف أى حكم آخر من أحكام الإعلان الدستورى الصادر فى الثلاثين من مارس سنة 2011 .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى ، وبمصادرة الكفالة ، وألزمت المدعى المصروفات ، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماه