نماذج وقفية
من القرن التاسع الهجري
مقدمة:
الوقف هو الصدقة الجارية، وفي الاصطلاح الفقهي: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة. وهو نظام ارتبط، منذ فجر الإسلام، بمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي كانت رافداً هاماً في الحياة، سواء على مستوى الأسرة أو الجماعة أو الأمة.
والمتتبع لمسيرة المجتمعات الإسلامية في التاريخ المعاصر، يلاحظ أن تحولاً جذريا أصاب مؤسسة الوقف، فبعد أن كانت مؤسسة أهلية ذات درجة عالية من الاستقلال الإداري والمالي والوظيفي، ارتبطت بها مهام اجتماعية واقتصادية متعددة كالتعليم والصحة والمساجد وغير ذلك أصبحت مؤسسة الوقف مؤسسة حكومية تحكمها أنظمة وسياسات الحكومات وخططها. وبالتالي فقدت هذه المؤسسة توهجها ودورها والتفاف الناس حولها، وفقدت المجتمعات الإسلامية ذلك النسيج من العلاقات الإنسانية التراحمية والتكافلية التي ربطت بين الدنيا والآخرة في إطار رائع من الحب والتعاون المدفوع بالرغبة فيما عند الله تعالى، من نعيم لا ينفد.
وهذا الخلل الذي أصاب مؤسسة الوقف وعطل وظائفها، يعكس مرضاً عضالاً أصاب المجتمعات المسلمة خاصة والمجتمعات التي تسمى بالنامية عامة. وهذا المرض تمثل في مفهوم الشمولية في الدولة المركزية الحديثة، الذي لا يسمح بالحياة لكيان تنظيمي اجتماعي أهلي مستقل عن هيمنة الدولة. وهذا النمط من التفكير الحديث أدى إلى تصفية المؤسسات الأهلية وتحويلها إلى مؤسسات حكومية أو شبه حكومية خاضعة لسياسة الدولة وتعليماتها.
وهذه الورقة تعريف بنماذج وقفية في مصر، في القرن التاسع الهجري وذلك من خلال دراسة نصوص حجج وقفية، مع محاولة تطبيق عناصر نموذج الحجة الوقفية. ومن ذلك سنرى كيف كانت حرية الواقف، واستقلالية المؤسسة الوقفية، و تعدد الوظائف الاجتماعية والإنسانية التي عملت على تحقيقها.
وقد رجعت في هذه الدراسة الموجزة إلى كتاب منشور أصله تحقيق لمخطوط قديم تضمن خلاصة لأربع وعشرين حجة وقفية، قدمه المحقق في إطار رسالة للدكتوراه، ثم نشره مستقلا عام 1963م. ولم أستطع لضيق الوقت المتاح لإعداد الدراسة أن أتوسع في الرجوع إلى مصادر أخرى أو الرجوع إلى أصل هذه الحجج مفصلة. لذا أرجو من القارئ الكريم أن يراعي ذلك.
والله ولي التوفيق.
عناصر نموذج الحجة الوقفية
عقد الدكتور إبراهيم البيومي غانم، في رسالته للدكتوراه بعنوان: الأوقاف والسياسة في مصر( )، فصلاً مستقلاً حول حجج إنشاء الأوقاف. وعرض لعناصر نموذج الحجة الوقفية. وأقوم هنا بعرض أهم ما أورده بتصرف يقتضيه الهدف من هذا العرض.
إن وثيقة أو حجة الوقف، تعتبر مرآة تعكس العلاقات الاجتماعية والسياسية في المجتمع في مرحلة إنشاء الوقف، ويمكن من خلال تحليل ودراسة حجج الأوقاف في مرحلة تاريخية معينة، رسم صورة واضحة لتلك العلاقات ودور القطاع الأهلي في الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع. وهذا إضافة إلى ما يمكن استخلاصه من التوجه الفقهي المذهبي في صياغة الحجة.
وعلى أي حال، فإن هناك عناصر سبعة، تحتوي عليها حجة الوقف وهي:
1 – المقدمة أو الاستهلال.
2 – التوثيق.
3 – الشهود.
4 – صيغة الوقف.
5 – أغراض الوقف ومصارفه.
6 – شروط الواقف.
7 – الخاتمة.
أما المقدمة فهي تمهيد يتضمن البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله @، وذكر بعض الآيات والأحاديث الشريفة الدالة على عمل الخير وأمثلة من الأسوة الحسنة في الأوقاف بدءاً برسول الله @ والصحابة والتابعين، وعزم الواقف على الاقتداء وتحصيل الأجر في الدنيا والآخرة.
ومن دراسة هذا العنصر في العديد من حجج الأوقاف، تبين أن التمهيد في هذه الحجج قد تغير من فترة لأخرى وقل الاهتمام بالتوسع فيها حتى كادت تتلاشى في بعض الحجج المعدة لدى مكاتب التوثيق. وهذا مؤشر يقيس جوانب من التغير الفكري والثقافي في المجتمع.
وأما التوثيق، فيختص بإثبات اسم القاضي الشرعي واسم الواقف وتاريخ تحرير الحجة واسم المحكمة الشرعية. وتتوسع بعض الحجج في المعلومات الخاصة باسم الواقف ونسبه وسنه. وتظهر أهمية هذا التفصيل في حجج الأوقاف الأهلية لإثبات الأنساب وصلة المستحقين بالواقف، إلى غير ذلك من المسائل الإجرائية التي ينص عليها النظام أو القانون.
وأما الشهود، فهم الجماعة الذين حضروا واقعة تحرير الحجة لغرض التعريف بالواقف. وإن كان حضور الشهود ليس شرطاً في صحة الوقف إلا أن الاحتفاء بالواقعة والابتهاج بها، جعل من حضور الشهود عنصراً وارداً في كثير من الحجج، كما جعل الكثير من أصحاب الجاه والبر والخير يحرصون على الحضور. وهذا فيه إشادة بعمل الخير وتأسيس الأسوة والقدوة والتشجيع على ذلك. وللأسف الشديد اضمحلت هذه المعاني في العصور الأخيرة.
وأما صيغة الوقف، فهي الصيغة التي تحدد الممتلكات الموقوفة وتعينها وهي متعددة الألفاظ، كوقف وسبّل، وحبَّس، وأخرج من ملكه وتصدق لله تعالى بما هو في ملكه …… وهكذا.
والممتلكات الموقوفة في صيغة الوقف قد تكون أعيانا كالعقارات والأراضي، والمباني، وقد تكون منافع.
وتحتوي الحجج الوقفية على تفصيلات هامة ودقيقة للموقوفات كالمساحة والموقع والحدود والعدد والوصف والملكية وكيف آلت إليه شرعاً دون اغتصاب أو سرقة، أو انشغال بديون وحقوق الآخرين.
والنص على صيغة الوقف متضمنة الممتلكات الموقوفة شرط لصحة الوقف.
وأما أغراض الوقف ومصارفه، فهي تحديد المنتفعين من الوقف وفي هذا الخصوص، فإن هناك ثلاثة أنواع من الوقف، أولها الخيري الخاص أو العام، وثانيها الذري أو الأهلي، وثالثها المشترك الذي يجمع الخيري والذري.
ويذكر الدكتور غانم أن هذا التقسيم ليس معروفا في فقه الوقف، وإنما هو تقسيم عرفي ثبتته الحكومات الحديثة لتسهيل سيطرتها على الأوقاف. ويورد قول الشيخ عبدالمجيد سالم – مفتى الديار المصرية – سنة 1932م حيث يقول: لم نعثر في كتب الفقهاء المعتد بهم تقسيم الوقف إلى أهلي وخيري( ).
وأما شروط الواقف، فهي تأتي بعد ذكر الأغراض ومصارف الوقف وهي متعددة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعرف بالشروط العشرة وهي الإعطاء والحرمان، والإدخال والإخراج، والزيادة والنقصان، والتغير والتبديل، والإبدال والاستبدال. والثانية تخص الشروط المتعلقة بالنظارة على الوقف أو الولاية عليه، وهي محددات لإدارة أعيان الوقف وتسييره وتوزيع عوائده على المستحقين، كما تشمل الصفات التي يجب أن يتحلى بها الناظر وأجرته ومدته والشروط التي يجب أن يلتزم بها في تأجير أعيان الوقف ومدته، إلى غير ذلك من التفصيلات التي ترقى في بعض الحالات إلى لائحة داخلية إدارية للنظر أو الولاية على الوقف. والمجموعة الثالثة من الشروط تخص إجراءات صرف الغلة أو العائد وسلم أولويات هذا الصرف.
ودراسة وتحليل حجج الأوقاف، تدل على أن قوانين الوقف المعاصرة حاولت التدخل في توجيه شروط الواقفين والحد من حرياتهم مما أدى إلى عدم الإقبال على الوقف.
وأخيراً، الخاتمة، التي غالباً ما تذكر لزوم الوقف وتحذر من الاعتداء عليه أو انتهاك حرمته. جاء في حجة وقف محمد منصور الفقي التي حررت بتاريخ 19/4/1302هـ أمام محكمة ثغر الإسكندرية الشرعية ما نصه: صار من أوقاف الله الأكيدة، مدفوعاً عنه بقوته السديدة، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه إلى ربه القوي صاير، أن يغيره أو يبـدلـه أو يسعى في إبطال شيء من منافعه، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع عليم( ).
والخاتمة تحتوي أيضا على ختم القاضي وتوقيع الواقف والشهود والتاريخ ومحرر الحجة أو الصك وما يتعلق بذلك.
تلك هي العناصر السبعة التي تحتويها حجج الأوقاف والتي يجب أن تتعرض لها أي دراسة أو تحليل لهذه الحجج أو الصكوك. وفي الجزء التالي من هذه الورقة، نحاول أن نتتبع هذه العناصر في مجموع الحجج الوقفية موضع الدراسة.
حجج أوقاف الأشرف برسباي
في القرن التاسع الهجري
تحتفظ وزارة الأوقاف المصرية بحجة وقفية كبيرة عدد أوراقها (229) ورقة، وهناك ملخص لهذه الحجة بدار الكتب المصرية، يحتوي على 24 حجة خاصة بالأوقاف التي أوقفها السلطان المملوكي الأشـرف برسباي أثناء سنوات حكمه، على مدى أربع عشرة سنة منذ 828هـ إلى 841هـ.
وقد نشر هذا الملحق، في كتاب مستقل، الدكتور أحمد دراج من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1963م بواسطة مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية.
ومن الطريف العجيب، أن السلطان برسباي نقش حجج أوقافه هذه على جدار الإيوان الغربي لمدرسته الأشرفية التي أوقف عليها الكثير من الأوقاف كما سيأتي ذكره، وهي تفوق لذلك أية حجة أخرى مخطوطة، وهي كذلك الوحيدة الموجودة نقشاً في مصر.
وسأقوم هنا بتحليل نص هذه الحجج على أساس العناصر السبعة التي ذكرتها قبل. فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المقدمة أو الاستهلال
اشتملت مقدمة ملخص الحجة الكبيرة على البسملة والصلاة على رسول الله @. ولم تحتو على الحديث عن سنة الوقف وسندها الشرعي وعزم الواقف على الاقتداء بالسنة وغير ذلك. ولعل السبب في ذلك أن هذا هو الملخص وليس الحجة الكبيرة المحفوظة في وزارة الأوقاف المصرية التي فشل ناشر هذا الملخص، على حد قوله، في الحصول على نسخة مصورة لها. وسيتضح لنا بعد، أن كثيراً من التفصيلات لم ترد في الملخص.
ثانياً: التوثيق
لم يشمل الملخص المذكور على اسم القاضي الشرعي واسم المحكمة الشرعية، واكتفى بإثبات تاريخ إنشاء الوقف في نهاية كل حجة من الحجج الأربعة والعشرين. كما لم يشتمل الملخص على تفصيل اسم الواقف ونسبه وسنه، وقد يعود ذلك لأن الواقف كان حاكماً سلطانا وقتذاك، وشهرته ومكانته تغنى عن ذلك.
ثالثاً: الشهود
لم يشتمل الملخص على أسماء الشهود للتعريف بالواقف والاحتفاء بالمناسبة وقد يعود ذلك لشهرة الواقف ومكانته وعدم الحاجة إلى الإشهاد على ما يقرره.
وفي الملخص إشارة في نهاية كل حجة إلى أنه شهد به في تاريخ كذا. ولعل أسماء الشهود موجودة في الحجة الكبيرة ليس لغرض التعريف بالواقف وإنما لغرض الاحتفاء بذلك الحدث الخيري العظيم.
رابعاً: صيغة الوقف وأعيانه
ابتدأت الحجة الأولى بعد البسملة والصلاة على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، بالقول: وقف، وهذه صيغة مقبولة من الصيغ المعتمدة فقها، ثم ذكر الأعيان الموقوفة. ولم يحتو الملخص في عدة مواضع على تفصيل حدود الأعيان واكتفى بالقول أن ذلك وصف وحدد. وفيما يلي ما احتوته الحجة الأول من الأعيان وعددها ثمانية:
1 – جميع المكان الكامل أرضاً وبناءً بالقاهرة برأس الحريريين.
2 – جميع مدرسة الجامع الأشرفى.
3 – جميع الوكالة بخط الركن المُخلق على يسرة السالك ذاهباً إلى مدرسة جمال الدين الأستادار والخانقاه الصلاحية وغير ذلك، بها مخازن سفلي وعليا عدتها ثمانية وخمسون مخزناً وبظاهر بابها الذي بالدرب الأصفر سبعة مخازن وبها طباق بعضها مُطل على رحبتها وبعضها على الدرب الأصفر وبعضها حبيس وعُدتها ثمانية وثلاثون طبقة. ومن حقوق الوكالة المذكورة مطلع به طبقة مطلة على رحبتها. ووصف ذلك جميعه وحدد.
4 – جميع المكان الكائن بخط الدجاجيين بالقرب من الجامع الأفمر وهو الربع والحوانيت. ووصف ذلك وحدد أيضاً.
5 – جميع المكان بخط الصنادقيين المجاور للمدرسة السيفية وهو الربع وبه طباق علو الحوانيت السبعة. ووصف ذلك وحدد أيضاً.
6 – جميع الحصة التي مبلغها النصف من بناء البئر الكائنة بجنينة الصلاحي ابن الكويز ببركة الحاجب بباب الشعرية. ووصف ذلك وحدد أيضاً. والحصة التي مبلغها النصف اثنى عشر سهماً من جميع الطاحونة والسرجة يسار باب الشعرية على يمنة السالك إلى باب البحر وغيره، ووصف ذلك وحدد.
7 – جميع الحاصل الكائن بخط الخراطين بالقاهرة المحروسة على يمنة السالك إلى الجامع الأزهر ووصف ذلك وحدد أيضاً. وجميع النصف من بناء الحوانيت الكائنة بالخراطين وعدتها ثمانية، ومن الطباق علوها وعدتها متجاورة مطلة على الطريق، وحدد ذلك ووصف أيضاً.
8 – جميع الحوانيت المتجاورة الكائنة بخط الوراقين وعدتها ستة والطباق علوها وعدتها أربعة عشر طبقة متجاورة ومتطابقة ووصف ذلك وحدد أيضا.
أما الحجة الثانية، فهي إضافة أعيان موجودة في دمشق الشام وليست في مصر، وبدأها بالقول ثم وقف …… وكذلك الحجة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، فكل أعيانها، في مصر، وهي إضافات على ما ورد في الحجة الأولى، أوقفت لصالح الجامع الأشرفي.
أما الحجة الثامنة فقد كانت مشتركة بين الذرية والجامع الأشرفي.
والحجة التاسعة كانت خاصة بابنته فاطمة.
والحجج العاشرة والحادية عشر والثانية عشر، تخص أوقافا مشتركة بين الذرية والمدرسة.
أما الحجة الثالثة عشر فتخص حوض السبيل بناحية السواد.
والحجتان الرابعة عشر والتاسعة عشر تخصان الزاوية بالصحراء والصوفية وشيخهم.
والحجة الخامسة عشر، فيها وقف خاص بالسبيل الكائن بالتربة ولقارئ المصحف بالتربة.
ثم يعود الواقف، في الحجة السادسة عشر والسابعة عشر والحجة العشرين والحجة الرابعة والعشرين الأخيرة، ويوقف أعيانا أخرى لصالح المسجد الأشرفي.
وأما الحجة الثامنة عشرة، ففيها أوقاف خاصة بالمسجد داخل باب النصر والمدرسة المجاورة للتربة والزاوية بالصحراء.
وفي الحجة الواحدة والعشرين، أوقاف خاصة لشيخ الزاوية والصوفية.
وفي الحجة الثانية والعشرين، أوقاف خاصة بالذرية.
والحجة الثالثة والعشرين، فيها أوقاف خاصة بجامع سرياقوس.
وقد احتوت كل حجة من الحجج الأربعة والعشرين على بيان لحدود وأوصاف ومحتويات الأعيان الموقوفة، أحيانا يكون مفصلاً وأحيانا يكون مختصراً. ومثال المفصل ما ورد في الحجة الثامنة، وفيها التالي:
ومنها جميع المكان الكامل أرضاً وبناءً المعروف بإنشائه الكائن بالقاهرة برأس الحريريين تجاه الجامع الأشرفي. صفته أن يشتمل من ظاهره على واجهة مبنية من الحجر الفص النحيت. بها من الجهة البحرية ستة عشر باباً متجاورة، شارع في الطريق منها باب كبير مربع يغلق عليه زوجا باب يدخل منه إلى فندق يأتي ذكره. وبقية الأبواب يدخل من كل منها إلى حانوت يشتمل كلٌ من ذلك على مصطبة وداخل وزراريب إلا اثنين منها. واحد يعرف بسكن الفقاعي ببابه مصطبة مفروشة الأرض بالرخام الملون بوزرة قائمة وشاذروان وقواديس ينزل إليهما الماء من الشاذروان، يقابل المصطبة باب يتوصل منه إلى داخل الحانوت. وواحد بالصفة إلا أن مصطبته لم تكن مرخمة. ويشتمل من ظاهره أيضاً من الجهة الغربية والقبلية على تسعة أبواب مبنية بالحجر منها ستة في الجهة الغربية. أحدهما يدخل منه إلى الحانوت والسادس يدخل منه إلى مجاز به سلم يصعد من عليه إلى طباق متطابقة ومتجاورة، فالمتطابقة عشرة مطلة على شارع الخراطين، والمتجاورة ثلاث مطلات على الفندق. ومنها ثلاث من الجهة القبلية، اثنان منها يدخل من كل منهما إلى مخـزن والثالث يدخل منه إلى مجاز لطيف يتوصل منه إلى سلم يصعد من عليه إلى أربع وأربعين طبقة. وأما الفندق الموعود بذكره فإنه يشتمل على ساحة كبيرة وثلاثة عشر مخزناً، ولذلك حدود: القبلي إلى الزقاق، والبحري إلى الشارع المسلوك، والشرقي بعضه إلى المسجد وبعضه إلى الصنادقية، والغربي بعضه إلى المسجد وباقيه إلى الخراطين.
تلك مواصفات تفصيلية طريفة في لغتنا الهندسية المعاصرة، ويصعب علينا تخيل بعضها وتطبيقها، وما هو معني الطبقة؟هل هو الطابق المعروف لدينا الآن؟
أما المختصرات فهي كثيرة ويشار إليها في الملخص، أنها قد حددت ووصفت كما مر معنا قبل.
وليس هنا حاجة إلى اقتطاف المزيد من أعيان الأوقاف ومواصفاته في الحجج الأخرى. ولكني أكتفي بما ذكرت مؤكدا على استيفاء الحجج للصيغة الشرعية للوقف باستخدام قولـه وقف، مع تحديد الأعيان الموقوفة ومواصفاتها. وهذا عنصر هام في الحجة الوقفية وشرط واجب لصحة الوقف.
خامساً: أغراض الوقف ومصارفه
احتوت الحجج الأربعة والعشرون على جميع أغراض وأنواع الوقف المعلومة التي أشرنا إليها سابقا، وهي الخيري والأهلي والمشترك، فبعضها كان وقفاً خيرياً (18 حجة) (الوقف على الجامع الأشرفي، 11 حجة، والوقف على الزاوية والصوفية وشيخهم، 3 حجج، والوقف على جامع سرياقوس، حجة واحدة، والوقف على المسجد داخل باب النصر، حجة واحدة، والوقف على حوض السبيل، حجتان) وفي الأربع والعشرين حجة حجتان تمثلان وقفاً على الذرية (22.9)، والأربع الحجج الباقية حجج مشتركة بين الخيري والذري.
ولكن يجب أن نلاحظ أنه حتى الوقف الخيري، فإن الواقف ينص في كثير من الأحيان، كما جاء في الحجة الأولى، على أن ما فاض من الريع بعد الإنفاق على ما نص عليه، ينفق عل ذريته.
ونظرا لأن هذا القسم من الحجة الوقفية يتضمن النص على المنتفعين من الوقف، وهو ما يعكس صورا من الحياة الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة وقت إنشاء الوقف، فإنني سوف أتوسع في النقل من بعض الحجج خاصة ذات الأوقاف الخيرية.
ومن خلال دراسة نص الوقف الخيري في الحجة الأولى الخاصة بالجامع الأشرفي، نجد ما يلي:
نص الواقف على أن الغلة أو الريع المتحصل من جميع ما وقف وذكر، يصرف بعد العمارة (أي عمارة المسجد وصيانته)، على:
1 – ثلاثة مؤذنين حسني الصوت (1100درهم) لكل منهم.
2 – رجل من أهل الخير والدين حافظ لكتاب الله العزيز، يؤم الناس ويصلى بهم وأن يكون حنيفاً عالما بأحكام الصلاة محسناً للقراءة (1000درهم).
3 – رجل من أهل العلم والدين والخير عارف بطريق الوعظ يخطب بالناس أيام الجمع والعيدين ويؤم بهم بعد الخطبة (500 درهم).
4 – رجل عالم بالأوقات يتولى مباشرة الأوقات على العادة (300 درهم).
5 – رجل يخرج أمام الخطيب يوم الجمعة ويؤذن أمام المؤذنين (100 درهم).
6 – رجل من أهل العلم حنفي المذهب موصوف بالديـانة يكـون شيخاً للصوفية (3000 درهم).
7 – 25 رجلاً من طلبة العلم الحنفية الموصوفين بالخير والدين والفقر، بالسوية بينهم (7500درهم) لكلٍ 300درهم في كل شهر على أن يجتمعون هم وشيخهم المذكور في كل يوم بعد صلاة العصر وتفرق عليهم الربعة الشريفة ويوضع المصحف الشريف بين يدي الشيخ المذكور ويقرأ كل منهم حزباً من تجزئة ستين حزباً، فإذا فرغ من القراءة يقرأ قراء الصفُة الآتي ذكرهم ما سيذكر.
8 – يصرف لأربعة نفر حسني الأصوات يجلسون مع الصوفية ويقرؤون ما شرط على كل من الصوفية. فإذا فرغوا من القراءة قرأ الأربعة سورة الإخلاص على العادة في ذلك، وإذا فرغوا ذكر واحد منهم شيئاً من كلام أهل الحقيقة ثم يدعوا على العادة.
9 – يصرف لرجل يقوم في خدمة شيخ المكان ويجتمع مع مباشريه إذا اجتمعوا في المكان لعمل مصلحة الوقف ومستحقيه ويوم النفقة وما جرت العادة به لأمثاله من الفلوس الموصوفة (400 درهم).
10– يصرف لرجل يتولى بسط سجادات الصوفية قبل الحضور وطيها بعده وتفرقة الربعة الشريفة على الصوفية على العادة ويبخر يوم الجمعة والمؤذون على المتدنة على العادة مبلغ (100 درهم).
11– يصرف لرجل من أهل الدين والأمانة يضبط غيبة أرباب الوظائف مبلغ (100 درهم).
12– يصرف لخمس جوق كل جوقة ثلاث نفر من حفاظ القرآن العظيم، تقرأ كل جوقة بعد كل صلاة حزبين من القرآن العظيم على العادة (1000درهم).
13– يصرف لرجل من حفاظ القرآن الكريم يقرأ في المصحف الشريف في كل يوم جمعة حزباً واحداً مبلغ (100 درهم ).
14– يصرف لرجل عارف بقراءة حديث سيدنا رسول الله @ يقرأ البخاري من أول شهر رجب من كل سنة ويختمه في العشر الأخير من شهر رمضان في كل شهر مبلغ (200 درهم).
15– يصرف لعشرين يتيماً في كل شهر مبلغ (2000 درهم) وفي كل سنة كسوة الشتاء والصيف (9000 درهم) من الفلوس الموصوفة.
16– يصرف لمؤدبهم في كل شهر (300 درهم) ويكون حافظاً للقرآن ومن أهل العفة والصيانة والدين مشهور بذلك يتولى تعليمهم على العادة. على أن من بلغ منهم وحفظ القرآن الكريم استبدل به. وإن بلغ وقد بقى عليه اليسير فيستمر في المكتب إلى أن يكمل حفظ القرآن إذا رجى فلاحه وخيره ثم يستبدل به غيره.
17– يصرف لرجل من أهل الأمانة يتولى خزانة كتب العلم على العادة (300درهم ).
18– ويصرف لرجلين من أهل الخير والأمانة وطلبة العلم الشريف يكونان شاهدين بالوقف على العادة مبلغ(600درهم) بالسوية.
19– يصرف لرجل عارف بنظم الحسابات ووضعها يكون عاملا بالوقف على العادة في كل شهر (400 درهم).
20– يصرف لرجل يكون من أهل الدهقنة والمروءة يقيمه الناظر شاداً بالوقف على العادة في كل شهر(500 درهم).
21– يصرف لرجل يقيمه الناظر برداراً بالوقف على العادة مبلغ (200درهم).
22– يصرف لرجل من أهل الأمانة والحراسة يقيمه
الناظر بواباً بالجامع المذكور على العادة في كل شهر (400درهم).
23– يصرف لرجل يسقي المسلمين بالسبيل على العادة في رمضان بعد المغرب إلى بعد عشاء الآخرة مبلغ (500 درهم).
24– يصرف لأربعة نفر فراشين على العادة مبلغ (800 درهم) بالسوية.
25– يصرف من ذلك في كل شهر لرجلين وقادين على العادة مبلغ (400 درهم) بالسوية.
26– يصرف لرجل يكون سواقاً بساقية الجامع المذكور على العادة مبلغ (400 درهم).
27– يصرف برسم علوفة أ ثوار الساقية وكلفة ثمن قادوس وناشوش وطونس وغيره على العادة مبلغ (600 درهم).
28– يصرف برسم الصهريج بالجامع الأشرفي في كل شهر مبلغ (750 درهم) في ثمن ماء عذب من النيل المبارك من جريانه ما فيه كفايته إلى آخر السنة.
29– يصرف في ثمن الزيت برسم الوقود مبلغ (2000 درهم) في كل شهر، وبرسم التوسعة في شهر رمضان من كل سنة على العادة مبلغ (250 درهم).
30– يصرف لمن يتولى الكنس والرش أمام الجامع المذكور على العادة مبلغ (300 درهم).
31– يصرف لرجل من أهل الدين والأمانة يتولى استخراج ريع الوقف وقبضه وصرفه مبلغ (600 درهم).
وفيما سبق من أغراض يبدو واضحا شكل النشاط الديني والثقافي الذي وقفت عليه الأموال والعناية بحفظ القرآن الكريم وتعليمه ورسم طرائق خاصة بما يعكس أحوال البيئة الدينية آنئذ، مما قد لا يتيسر الآن.
وفي الفقرة التالية يحدد الواقف، أجر الناظر ويحدد صلاحياته:
32– يصرف للناظر على الوقف على أن يتولى عمل مصالح الوقف ومستحقيه ومساعدة مباشريه ويتفقد أحواله ويجتهد في كف أسباب الضرر عنهم وتنمية ريع الوقف على العادة مبلغ (2000 درهم).
وبعد النص على الأغراض الخيرية، يورد الواقف، توجيهات تخص الفائض من العوائد المالية بعد الصرف على عمارة الوقف وصيانته والأغراض التي ذكرها سابقاً. وقد جاءت هذه التوجيهات بالترتيب التالي:
1- الذرية، فإذا انقرضت،
2- الجامع الأشرفي، فإذا تعذر ذلك،
3- فقراء الحرمين الشريفين، فإذا تعذر ذلك،
4- الجامع الأشرفي، فإن تعذر،
5- الفقراء والمساكين أينما كانوا.
وفيما يلي بيان ذلك:
33– مهما فضل بعد ذلك يتناوله الواقف لنفسه ما دام حياً ثم من بعده يكون الفاضل لمن يوجد من أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه وذريته من الذكور والإناث من أولاد الظهر والبطن طبقة بعد طبقة تحجب العليا السفلي أبداً ما توالدوا. يستقل به الواحد إذا انفرد ويشترك الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع، يستوي الذكر والأنثى. على أنه من توفى منهم وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه، فإن لم يترك أحداً ممن ذكر انتقل إلى من هو في درجته من أهل الوقف من الذرية، فإن لم يكن فإلى أقرب الطبقات إلى المتوفى. وعلى أنه من مات منهم أجمعين قبل دخوله في هذا الوقف وترك ولداً أو ولد ولدٍ أو أسفل من ذلك وآلـ الوقف إلى حال لو كان المتوفى حيا لاستحق، قام ولده وإن سفل مقامه في الاستحقاق. فإذا انقرضوا كان مصروفاً في مصالح الجامع على ما يراه الناظر ويؤدي إليه اجتهاده.
34– عند تعذر الصرف إلى الجامع يصرف إلى فقراء الحرمين الشريفين بالسوية، وعند تعذره عليهما – والعياذ بالله تعالى، صرف إلى الآخر. فإن عاد إمكان الصرف إلى الجهة المتعذر إليها صرف إليها، فإن تعذر الصرف إلى الحرمين وأمكن الصرف إلى الجامع صرف إليه، فإن تعذر ذلك كله صرف للفقراء والمساكين أينما كانوا.
ومما سبق يتضح لنا الشمول في الأغراض والاستيعاب للمتغيرات المستقبلية، مما يظهر صفة الديمومة والأبدية في الوقف وأغراضه. وهو أيضا يثير قضية فقهية هامة تتعلق بالعمل في حال تغير الأزمان والأحوال، كيف يكون التصرف في الأموال وإلى أي مدى تتأثر الأغراض بالمصالح المرسلة للناس مع تطور الأزمان؟
أما الحجة الثانية، فقد نصت على أغراض أخرى، من المفيد ذكرها هنا لبيان علاقتها بما قبلها، وما أضافته من أغراض أخرى.
يقول الواقف بعد صيغة الوقف وبيان أعيانه:
(أن الناظر يبدأ من ريعه بعمارته ومرمته وما فضل يضاف إلى ريع الوقف السابق ذكره).
وبعد تأكيد ضرورة الصرف على العمارة والترميم في الأول وقبل كل صرف يقول الواقف، محددا أغراض الوقف:
ويصرف منه في ثمن خبز قرصه ما يكفى من يذكر من أرباب الوظائف المدرسة المذكورة. ويترتب من ذلك في كل يوم لشيخ الصوفية بالمدرسة المذكورة ستة أرطال. ولكل من خادم الربعة الشريفة وخادم الشيخ والصوفية، وخازن الكتب وكاتب الغيبة، والإمام، والخطيب، وقراء الصفة، والأيتام، ومؤدبهم، وزمام القبة، والوقادين، والفراشين، والبواب، والمزملاتى، والمشرف وقرا خوند، والسواق في كل يوم ثلاثة أرطال بالمصرى.
ويصرف لنفرين حافظين لكتاب الله الكريم يقرأ كل منهما في المصحف الشريف بالمدرسة المذكورة أربعة أحزاب من تجزئة ستين حزباً، يقرأ واحد بعد صلاة الصبح من كل يوم وواحد بعد حضور التصوف في كل شهر مبلغ ستمائة درهم من الفلوس أو ما يقوم مقامها بالسوية بينهما.
ويصرف للمشرف خارجاً عن الخبز في كل شهر مائتا درهم على أن يتولى تفرقة الخبز على المستحقين المشار إليهم.
ويصرف لمن يكون ناظراً على الأوقاف الشامية في كل شهر من الدراهم النقرة معاملة دمشق مائة درهم واحدة ولمن يتولى جباية ريع الأماكن بالشام في كل شهر ستين درهماً من الدراهم المذكورة أو ما يقوم مقامها من النقود.
ويصرف من ذلك لثلاثة نفر من المؤذنين بالمدرسة المذكورة زيادة على ما ذكر في الوقف السابق ستمائة درهم بالسوية. ومهما فضل بعد المصاريف المعينة يصرف على حكم فاضل الريع على الحكم المشروح في كتاب الوقف السابق على هذا.
ومن النص السابق، نلاحظ ربط الصرف على الموظفين، بقيمة سلع عينية وهي الخبز، وليس مخصصا ماليا كعدد من الدراهم، وإنما ثمن كذا رطل من الخبز. وهذا يعني أن القيمة المصروفة من ريع الوقف سوف تتغير بتغير الأسعار. وفي هذا إشارة هامة إلى أن غرض الواقف هو توفير كمية معينة من الخبز وهو سلعة أساسية للحياة، وليس مبلغا معينا من المال احتياطا لأثر التضخم وارتفاع الأسعار.
كما يتضمن النص زيادة في الصرف على المؤذنين، وإحداث إنفاق جديد للناظر على الأوقاف الشامية التي ورد ذكرها في نص الحجة الثانية. وختم الواقف أغراض الوقف بتأكيد ما نص عليه في الحجة الأولي، من أن الفاضل يصرف بنفس الطريقة التي أشرنا إليها سابقا في تحليلنا لنص الحجة الأولي.
وفي الحجة الوقفية الرابعة الخاصة بالجامع الأشرفي، ورد ما يلي:
ثم أشهد عليه أنه زاد في مصاريف الوقف المذكور لمن يذكر فيه من أرباب الوظائف، في كلٍ تسعون رطلا على التفصيل الآتي ذكره لأرباب الوظائف المنـزلين بالجامع المذكور، فمن ذلك للمؤذنين ورئيسهم ثلاثون رطلا لكلٍ منهم ثلاثة أرطال كل يوم. ولقراء الشباك ممن ليس لهم خبز في التصوف اثنان وأربعون رطلاً. لكل نفر منهم ثلاثة أرطال وما لقارئ البخاري ثلاثة أرطال، وما هو للشيخ شرف الدين موسى المكتب الرومي في اليوم ثلاثة أرطال خبز وفي الشهر ثلاثمائة درهم فلوساً أو ما يقوم مقام ذلك من النقود، ليتعاهد شرف الدين المذكور أرباب الوظائف بتعليم رسم الكتابة على العادة في مثل ذلك، وما هو لعصفور الكناس تجاه الجامع في اليوم ثلاثة أرطال خبز وفي الشهر ثلاثمائة درهم فلوساً أو ما يقوم مقام ذلك من النقود، وما هو لمباشري الوقف وهم أربعة نفر لكل نفر منهم ثلاثة أرطال خبز.
وفي هذا النص، تغيير للأغراض والمصاريف بالزيادة لمن سبق النص عليهم في الحجة الأولي.
وفي الحجة الوقفية السادسة الخاصة بالجامع الأشرفي أيضاً ورد ما يلي:
وأشهد عليه أن يصرف من ريع الموقوف الموصوف في كتاب الأوقاف المسطرة في هذا المكتوب لمن يذكر فيه ما يعين فيه زيادة على ما هو مقرر لذلك.
فيصرف في كل سنة، في ثمن ماءٍ عذبٍ تحمل من النيل المبارك إلى الصهريج الكائن بجامعه المذكور، ما مبلغه من الفلوس ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم أو ما يقوم مقام ذلك من النقود ليكمل له في كل سنة أثنى عشر ألف درهم فلوساً جدداً.
ويصرف لكاتب غيبة أرباب الوظائف بالجامع المذكور، في كل شهر مائة درهم، ليكمل له في كل شهر ثلاث مائة درهم فلوساً.
ويصرف في كل يوم ثمن قدحين فول صحيح بالمصرى زيادة في علوفة ثور الساقية التي بالجامع المذكور بالغاً ما بلغ.
وفي النص السابق، إشارات لطيفة لزيادة المخصص من الأوقاف لتوفير المياه في الجامع، وكأن تكلفة ذلك قد زادت منذ تحرير النص السابق. وكذلك زيادة مخصص لمراقب دوام أصحاب الوظائف. ومن النكات اللطيفة، النص على علف ثور الساقية من الفول المصري الصحيح وأن المبلغ الذي يصرف على ثمن قدحين ليس له حدود بالغا ما بلغ (يا ليت ثيران العصر الحديث يعلمون بذلك النعيم والغذاء السليم الذي كان ينعم به أخوهم ثور الساقية في القرن التاسع!). وكل ذلك يمثل عناية فائقة بالتغيرات الاقتصادية التي تحدث، مما يثير قضية فقهية هامة حول ضرورة تغيير الأغراض في الحجج القديمة لكي تلائم الأوضاع المتجددة. وإذا كان الواقف ~ قد تدارك ذلك في حياته فمن يقوم بذلك بعد وفاة الواقف؟
وفي الحجة الوقفية الثامنة المشتركة بين الجامع الأشرفي والذرية فقد أجرى فيها الواقف تغييرات كثيرة في أغراض الأوقاف ومصارفه الخاصة بالجامع الأشرفي والذرية، ونص على:
أن الناظر على هذا الوقف والمتولي عليه يبدأ من ريع الأماكن جميعها والحصص الموصوف ذلك بعمارتها ومرمتها وإصلاحها وصلاحها وما فيه بقاء عينها ودوام منفعتها ولو أنفق في ذلك جميع غلتها، ثم ما فضل بعد ذلك بعد صرف ما عين صرفه للذرية، كما شرح فيه، يصرف الناظر منه في ملء الصهريج الكائن بالجامع الأزهر في ثمن ماءٍ عذبٍ ينقل أيام زيادة النيل المبارك من ماء النيل إلى الصهريج المذكور في كل سنة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسمائة درهم فضة وزناً بصنج الفضة، نصفها مائة درهم وخمسون درهماً أو ما يقوم مقامها من النقود.
وهذا النص جاء بعد أن أشهد الواقف أنه رجع عن مصرف ريع أماكن عديدة كثيرة وصفها وحددها في الحجة الثامنة، رجوعا شرعيا وجعل مصرف ريعها فيما ذكره في الحجة الثامنة، ومنه ما ذكرناه في الفقرة السابقة حيث أكد على أن المصرف الأول للريع هو عمارة الموقوف وإصلاحه ودوام منفعته وبقاء عينه، ثم على ذريته كما مر معنا، ثم خص الجامع الأزهر بالصرف على ملئ صهريج مائه، وبعد ذلك يصرف على الآتي ذكرهم:
1 – يصرف لمن قرره الواقف ممن يذكر فيه زيادة على من قرره مولانا الواقف المشار إليه قبل تاريخه وعينه في كتاب وقف الجامع الأشرفي وهم:
شيخ شافعى المذهب له طاقة على إشغال الطلبة وتدريسهم العلم الشريف وعشرون نفراً من الطلبة الشافعية المذهب يجلسون مع الشيخ المذكور بالإيوان البحري بالجامع الأشرفي في كل يوم بكرة النهار وأيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك ليلقى عليهم الشيخ المذكور ما تيسر له إلقاؤه من العلم الشريف، ويحضر الطلبة خاصة وظيفة التصرف بعد صلاة العصر بالجامع المذكور. ويصرف للشيخ المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسون درهماً. نصفها خمسة وعشرون فضة، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ولكل نفر من الطلبة الشافعية الصوفية المذكورين فيه كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية وزناً بصنج الفضة عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
2 – شيخ مالكي المذهب له طاقة على إشغال الطلبة بالعلم الشريف وتدريسهم، وعشرة أنفار من المالكية يجلسون مع الشيخ المذكور بالجامع المذكور في كل يوم بكرة النهار في أيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك يلقى عليهم ما تيسر إلقاؤه من العلم الشريف، ويحضر الطلبة المالكية المذكورون وظيفة التصوف بعد صلاة العصر بالجامع المذكور كما شرح أعلاه. ويصرف للشيخ المالكي المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسون درهماً، نصفها خمسة وعشرون فضة، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ويصرف لكل نفر من الطلبة المالكية المذكورين فيه من كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية وزناً بصنج الفضة عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
3 – شيخ حنبلي المذهب له طاقة على إشغال الطلبة بالعلم الشريف وتدريسهم، عشرة أنفار من الطلبة الحنابلة يجلسون مع الشيخ المذكور بالجامع المذكور في كل يوم بكرة النهار أيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك ويلقى عليهم الشيخ المذكور ما تيسر له إلقاؤه من العلم الشريف، وتحضر الطلبة المذكرون وظيفة التصوفي في كل يوم بعد صلاة العصر. ويصرف للشيخ الحنبلي المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسون درهماً، نصفها خمسة وعشرون درهماً، وزناً بصنج الفضة وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ويصرف لكل من الطلبة الحنابلة المذكورين في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
4 – عشرة أيتام من المسلمين يجلسون بمكتب السبيل بالجامع المذكور مع الأيتام ومؤدبهم المنزلين قبل تاريخه بالمكتب المذكور لتعليم القرآن العظيم وحفظه وتعليم الخط العربي على العادة في مثل ذلك، ويصرف لكل يتيم منهم في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسة دراهم نصفها درهمان ونصف درهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
5 – يصرف لخادم شيخ الحنفية بالجامع المذكور في كل يوم من الخبز المذكور أعلاه ثلاثة أرطال بالمصرى زيادة على ما هو مقرر له قبل تاريخه في كتاب الوقف السابق.
6 – يصرف لرجل من أهل الخير والدين، يتولى تفرقة أجزاء الربعة الشريفة عند حضور وظيفة التصرف بالجامع المذكور على طهارة كاملة وجمع أجزائها بعد فراغ القراءة ووضعها في محلها، في كل شهر من الأهلة من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز ثلاثة أرطال.
7 – يصرف للأيتام المذكورين كسوة في كل سنة على حكم ما شرط الواقف المذكور في كتاب وقفه السابق المسطر أعلى أعلاه.
8 – يصرف لكل واحد من شاد الوقف، وشاهديه معاً بالسوية، وعامله وجابيه في كل شهر من شهور الأهلة من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة زيادة على ما هو مقرر له قبل تاريخه في كتاب الوقف السابق.
9 – يصرف لرجل فراش يتولى كنس الميضأة المنسوبة للجامع المذكور وخلاوى الطهارة على العادة في مثل ذلك من كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسة عشر درهماً، نصفها سبعة دراهم ونصف، وزناً من الفضة، وفي اليوم ثلاثة أرطال من خبز البر.
10– فإن تعذر الصرف لما عين صرفه فيه، صرف ذلك من المصاريف المعين الصرف إليها بعد المصاريف المعينة في كتاب الوقف السابق حالاً ومآلاً وتعذراً وإمكانا واستحقاقاً نظراً. فإن عاد إمكان الصرف إلى ما تعذر الصرف إليه وقدم على غيره، يجرى الحال في ذلك وجوداً وعدماً أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وإن كان من تعليق على هذه المصارف، فإنها تدل على تغير منهج الواقف في النظر إلى المذاهب الفقهية، فبعد أن خص أصحاب المذهب الحنفي فقط في الحجج السابقة، أضاف إليهم أصحاب المذاهب الأخرى من أهل السنة والجماعة. والغرض الجديد هو تحديد مجموعة من الأيتام للصرف عليهم.
وأكتفي بما سبق من الأمثلة والنقول، للدلالة على اشتمال هذه النماذج الوقفية على عنصر أغراض الوقف اشتمالا واضحا دقيقا مراعيا للتغير في الأحوال.
سادسا: شروط الوقف
احتوت كل حجة على شروط للواقف السلطان أشرف برسباي. ولكن لأغراض التحليل واستخراج النتائج، نذكر ما ورد من شروط في الحجة الأولى.
وقد بدأ الواقف هذا بقوله، وشرط 0000وفيما يلي هذه الشروط:
1 – من توفي من أرباب الوظائف المذكورة وله ولد صالح لوظيفة والده قرره الناظر مكان والده فيها بمعلومه، فإن لم يكن له ولد قرر الناظر فيها واحداً من المترددين إلى الجامع من طلبة العلم الشريف المتصفين بالصفات المذكورة أولا، ويبدأ بالأسبق منهم في التردد فإن اشتركوا وتساووا في السبق قدم أفضلهم.
2 – أن من غاب من أرباب الوظائف عن وظيفته شهراً كاملاً من غير عذر وهو مقيم بالقاهرة قطع واستبدل به غيره، فإن غاب عنها أقل من شهر من غير عذر قطع معلومه لجهة الوقف مع بقائه على وظيفته، فإن حج حجة الإسلام جرى عليه معلومه مدة غيبته فإذا جاور قطع واستبدل به غيره. ومن حج نفلاً ولم يجاور قطع معلومه زمن الحج لجهة الوقف، فإن عاد أجرى عليه معلومه بشرط مباشرته الوظيفة. وأن لشيخ الصوفية وللصوفية المسامحة ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يبطلوا حضور الدروس على جارى عادة الفقهاء بالديار المصرية أيام العيدين والتشريق والمطر المانع من الحضور ويجرى عليهم معلومهم مدة البطالة. وألا ينـزل أحد منهم عن وظيفته بالجامع المذكور، فإن نزل فلا يمضى له وينـزل غير المنازل والمنـزول له.
3 – أن لا يؤجر شيء من الوقف أكثر من سنتين ولا يدخل عقد على عقد قبل مضي ما قبله ولا يؤجر بأقل من أجرة المثل ولا لمتجوه ولا لأحد من أرباب الشوكة، ولا لمشهور بسوء المعاملة.
4 – أن لا يستبدل بشيء من الوقف ولو بلغ من الخراب ما بلغ، وتقطع جوامك المستحقين إلا المؤذنين والإمام والخطيب حتى يعمر الوقف، فإن كان في الوقف ما يعمر به صرف في العمارة ولا يقطع شيء من الجوامك. وأن يجري الماء من البئر المستأجرة إلى الفسقية بقيسارية بكتمر الساقي في كل يوم للوضوء وغيره ما دامت في إيجار الوقف.
5 – أنه جعل لنفسه الزيادة فيما قرره من الجوامك وفي أوقافه على الجامع ما يرى زيادته وينقص ما يرى نقصه ويغيره بحسب ما يراه ويعيده إن شاء ويستبدل به من شاء ولم يكن ذلك لأحد بعده.
6 – أن يتعهد كتاب الوقف في كل عشر سنين بالإثبات والتنفيذ على السادة القضاة قضاة، ويصرف أجرة الموقعين على العادة وثمن أوراق وغير ذلك.
7 – أن يتعاهد كتاب الوقف بالقراءة في كل سنة بحضرة شيخ الصوفية والمستحقين ليحيطوا علماً بحال الوقف وشروطه.
8 – جعل النظر لنفسه وله أن يسنده ويفوضه، فإن مات بغير إسناد ولا تفويض أو أسند وفوض وتعذر نظر المسند إليه كان النظر للدوادار بالديار المصرية مع مشاركة الأرشد من أولاد الواقف وأولاد أولاده، وإن سفلوا على الشرط المتقدم في الاستحقاق يقدم الأرشد فالأرشد من الذكور على الإناث. فإن تعذر واحد ممن جعل له النظر نظر من بقي من المشروط له النظر، فإن عاد الإمكان عاد النظر إليه فإن تعذر النظر لمن ذكر كان النظر في ذلك لحاكم المسلمين بالديار المصرية.
من النص السابق الذي سنكتفي به كنموذج للشروط في الحجج الوقفية، يتضح لنا أن الواقف ~ وضع شروطا دقيقة كأنما وضع لوائح إدارية للعاملين في الجامع الأشرفي والمدرسة الأشرفية من حيث الحضور والغياب والإجازات. كما وضع لائحة موجزة للتأجير، فالعقد يجب أن لا يتجاوز السنتين، وفي هذا حفظ لمصالح الوقف، ويجب أن لا يبرم عقد آخر حتى ينتهي العقد الأول، وأن لا يقل الإيجار عن أجر المثل، وأن لا يؤجر لأرباب الشوكة ولا لمشور بسوء المعاملة، وشروط أخرى كلها يدل على وعي وحصافة الواقف وحرصه الشديد على ضبط التصرفات لمصلحة وغبطة الوقف.
سابعاً: الخاتمة
هذا هو العنصر الأخير من عناصر الحجج الوقفية. وقد احتوت الحجج الأربعة والعشرون المختصرة عن الحجج الكبيرة التي أشرنا إليها سابقاً، على خاتمة اقتصرت على أنه شهد به في تاريخ كذا. وعلى سبيل المثال ورد في خاتمة الحجة الأولى، أنه شهد به في تواريخ آخرها يوم الثلاثاء السدس عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
وفي الحجة الرابعة والعشرين، ورد في خاتمتها ما يلي:
وقف ذلك على مصالح مدرسته الأشرفية برأس الحريريين بالقاهرة المحروسة ومصالح أرباب وظائفها، على حكم شرطه في كتبا وقف المدرسة المذكورة في الحال والمآل والتعذر والإمكان والاستحقاق والنظر، في الرابع والعشرين من رجب سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، محكوم به منفذ في الشرع الشريف والحمد لله وحده.
ما سبق كان محاولة تحليل لبعض نصوص حجج وقفية من القرن التاسع عشر الهجري وحاولت من خلال ذلك إبراز العناصر التي يجب أن تتوفر في نموذج الحجة الوقفية، وبعض ما تعكسه تلك النصوص من واقع الفكر والوقفي والاجتماعي والفقهي. أرجو أن أكون قد وُفقت بعض التوفيق.
نتائج الدراسة
تعتبر النصوص التي اشتملت عليها الحجج الوقفية في القديم وفي كل زمان، مرآة تعكس التوجّه الفقهي السائد وقت ……… البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حين وأثناء إقرار الوقف.
وكان ذلك جلياً من خلال دراستنا لحجج أوقاف السلطان المملوكي الأشرف برسباي، التي بلغت 24 حجة أثناء فترة حكمه. والنص الذي رجعنا إليه هو ملخص للحجج الكبيرة التي بلغت صفحاتها 229 صفحة وهي منقوشة حتى وقتنا الحاضر على جدار الباب الغربي بالمدرسة الأشرفية.
ويمكن أن نخلص من التحليل السابق إلى ما يلي:
1 – التوجّه الخيري عند حكام المسلمين للوقف توجّه أصيل، يجب الإقتداء به وقد بدأه أفضل الخلق رسول الله @، ويجب لذلك أن يحرص الناس في كل زمانٍ على تسجيل ولاة الأمر على الوقف، وحثهم عليه. والملاحظ أن ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية ينفقون الكثير من الأموال على أعمال البر والخير، ولو توجّهت بعض هذه الأموال لإنشاء الأوقاف والصرف من عوائدها ضماناً لديمومة الأجر والمثوبة، فإن في ذلك خيراً عميماًً وصدقةًً لا تنقطع.
2 – إن الأغراض التي نص عليها أجدادنا، لا يمكن تنفيذ الكثير منها مع تطور الأزمان والأحوال والأمم. وهنا يحتم الاجتهاد الفقهي المعاصر في الأغراض مع الأخذ بقادة شرط الواقف نص شرعي لا يجوز خلافه، بما يحقق أهداف الواقفين. والذي أخشاه أن بعض الناس يلغي الوقف نظراً لعدم إمكان تنفيذ أغراض وشروط الوقف. وهذا فيه حرمان للمنتفعين من الوقف.
والذي أراه، والله أعلم، أن وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي مدعوة إلى العمل في هذا الشأن عملاً دؤوباً مستمراً حتى تؤدي الأمانات إلى أهلها ويحكم بين الناس بالعدل الذي شرعه الله .
3 – التداخل بين الوقف الخيري والوقف الذري، شائع وأصيل في مؤسسة الوقف في الإسلام، وقد أخطأ من ألغاه أو جعل له حدوداً بالطبقة الأولى أو الثانية. ويجب على علماء الأمة الإسلامية الدعوة إلى العودة إلى الأحكام الشرعية في هذا المجال، وحبذا لو توجّه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو يضم العلماء من كل قطر إسلامي، بالنصح للدول الإسلامية التي ألغت الوقف الذري، أن تعود إلى الأخذ به ففيه خيرٌ كثير. والله أعلم.
من القرن التاسع الهجري
مقدمة:
الوقف هو الصدقة الجارية، وفي الاصطلاح الفقهي: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة أو الثمرة. وهو نظام ارتبط، منذ فجر الإسلام، بمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي كانت رافداً هاماً في الحياة، سواء على مستوى الأسرة أو الجماعة أو الأمة.
والمتتبع لمسيرة المجتمعات الإسلامية في التاريخ المعاصر، يلاحظ أن تحولاً جذريا أصاب مؤسسة الوقف، فبعد أن كانت مؤسسة أهلية ذات درجة عالية من الاستقلال الإداري والمالي والوظيفي، ارتبطت بها مهام اجتماعية واقتصادية متعددة كالتعليم والصحة والمساجد وغير ذلك أصبحت مؤسسة الوقف مؤسسة حكومية تحكمها أنظمة وسياسات الحكومات وخططها. وبالتالي فقدت هذه المؤسسة توهجها ودورها والتفاف الناس حولها، وفقدت المجتمعات الإسلامية ذلك النسيج من العلاقات الإنسانية التراحمية والتكافلية التي ربطت بين الدنيا والآخرة في إطار رائع من الحب والتعاون المدفوع بالرغبة فيما عند الله تعالى، من نعيم لا ينفد.
وهذا الخلل الذي أصاب مؤسسة الوقف وعطل وظائفها، يعكس مرضاً عضالاً أصاب المجتمعات المسلمة خاصة والمجتمعات التي تسمى بالنامية عامة. وهذا المرض تمثل في مفهوم الشمولية في الدولة المركزية الحديثة، الذي لا يسمح بالحياة لكيان تنظيمي اجتماعي أهلي مستقل عن هيمنة الدولة. وهذا النمط من التفكير الحديث أدى إلى تصفية المؤسسات الأهلية وتحويلها إلى مؤسسات حكومية أو شبه حكومية خاضعة لسياسة الدولة وتعليماتها.
وهذه الورقة تعريف بنماذج وقفية في مصر، في القرن التاسع الهجري وذلك من خلال دراسة نصوص حجج وقفية، مع محاولة تطبيق عناصر نموذج الحجة الوقفية. ومن ذلك سنرى كيف كانت حرية الواقف، واستقلالية المؤسسة الوقفية، و تعدد الوظائف الاجتماعية والإنسانية التي عملت على تحقيقها.
وقد رجعت في هذه الدراسة الموجزة إلى كتاب منشور أصله تحقيق لمخطوط قديم تضمن خلاصة لأربع وعشرين حجة وقفية، قدمه المحقق في إطار رسالة للدكتوراه، ثم نشره مستقلا عام 1963م. ولم أستطع لضيق الوقت المتاح لإعداد الدراسة أن أتوسع في الرجوع إلى مصادر أخرى أو الرجوع إلى أصل هذه الحجج مفصلة. لذا أرجو من القارئ الكريم أن يراعي ذلك.
والله ولي التوفيق.
عناصر نموذج الحجة الوقفية
عقد الدكتور إبراهيم البيومي غانم، في رسالته للدكتوراه بعنوان: الأوقاف والسياسة في مصر( )، فصلاً مستقلاً حول حجج إنشاء الأوقاف. وعرض لعناصر نموذج الحجة الوقفية. وأقوم هنا بعرض أهم ما أورده بتصرف يقتضيه الهدف من هذا العرض.
إن وثيقة أو حجة الوقف، تعتبر مرآة تعكس العلاقات الاجتماعية والسياسية في المجتمع في مرحلة إنشاء الوقف، ويمكن من خلال تحليل ودراسة حجج الأوقاف في مرحلة تاريخية معينة، رسم صورة واضحة لتلك العلاقات ودور القطاع الأهلي في الحياة الاجتماعية والسياسية للمجتمع. وهذا إضافة إلى ما يمكن استخلاصه من التوجه الفقهي المذهبي في صياغة الحجة.
وعلى أي حال، فإن هناك عناصر سبعة، تحتوي عليها حجة الوقف وهي:
1 – المقدمة أو الاستهلال.
2 – التوثيق.
3 – الشهود.
4 – صيغة الوقف.
5 – أغراض الوقف ومصارفه.
6 – شروط الواقف.
7 – الخاتمة.
أما المقدمة فهي تمهيد يتضمن البسملة والحمدلة والصلاة على رسول الله @، وذكر بعض الآيات والأحاديث الشريفة الدالة على عمل الخير وأمثلة من الأسوة الحسنة في الأوقاف بدءاً برسول الله @ والصحابة والتابعين، وعزم الواقف على الاقتداء وتحصيل الأجر في الدنيا والآخرة.
ومن دراسة هذا العنصر في العديد من حجج الأوقاف، تبين أن التمهيد في هذه الحجج قد تغير من فترة لأخرى وقل الاهتمام بالتوسع فيها حتى كادت تتلاشى في بعض الحجج المعدة لدى مكاتب التوثيق. وهذا مؤشر يقيس جوانب من التغير الفكري والثقافي في المجتمع.
وأما التوثيق، فيختص بإثبات اسم القاضي الشرعي واسم الواقف وتاريخ تحرير الحجة واسم المحكمة الشرعية. وتتوسع بعض الحجج في المعلومات الخاصة باسم الواقف ونسبه وسنه. وتظهر أهمية هذا التفصيل في حجج الأوقاف الأهلية لإثبات الأنساب وصلة المستحقين بالواقف، إلى غير ذلك من المسائل الإجرائية التي ينص عليها النظام أو القانون.
وأما الشهود، فهم الجماعة الذين حضروا واقعة تحرير الحجة لغرض التعريف بالواقف. وإن كان حضور الشهود ليس شرطاً في صحة الوقف إلا أن الاحتفاء بالواقعة والابتهاج بها، جعل من حضور الشهود عنصراً وارداً في كثير من الحجج، كما جعل الكثير من أصحاب الجاه والبر والخير يحرصون على الحضور. وهذا فيه إشادة بعمل الخير وتأسيس الأسوة والقدوة والتشجيع على ذلك. وللأسف الشديد اضمحلت هذه المعاني في العصور الأخيرة.
وأما صيغة الوقف، فهي الصيغة التي تحدد الممتلكات الموقوفة وتعينها وهي متعددة الألفاظ، كوقف وسبّل، وحبَّس، وأخرج من ملكه وتصدق لله تعالى بما هو في ملكه …… وهكذا.
والممتلكات الموقوفة في صيغة الوقف قد تكون أعيانا كالعقارات والأراضي، والمباني، وقد تكون منافع.
وتحتوي الحجج الوقفية على تفصيلات هامة ودقيقة للموقوفات كالمساحة والموقع والحدود والعدد والوصف والملكية وكيف آلت إليه شرعاً دون اغتصاب أو سرقة، أو انشغال بديون وحقوق الآخرين.
والنص على صيغة الوقف متضمنة الممتلكات الموقوفة شرط لصحة الوقف.
وأما أغراض الوقف ومصارفه، فهي تحديد المنتفعين من الوقف وفي هذا الخصوص، فإن هناك ثلاثة أنواع من الوقف، أولها الخيري الخاص أو العام، وثانيها الذري أو الأهلي، وثالثها المشترك الذي يجمع الخيري والذري.
ويذكر الدكتور غانم أن هذا التقسيم ليس معروفا في فقه الوقف، وإنما هو تقسيم عرفي ثبتته الحكومات الحديثة لتسهيل سيطرتها على الأوقاف. ويورد قول الشيخ عبدالمجيد سالم – مفتى الديار المصرية – سنة 1932م حيث يقول: لم نعثر في كتب الفقهاء المعتد بهم تقسيم الوقف إلى أهلي وخيري( ).
وأما شروط الواقف، فهي تأتي بعد ذكر الأغراض ومصارف الوقف وهي متعددة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعرف بالشروط العشرة وهي الإعطاء والحرمان، والإدخال والإخراج، والزيادة والنقصان، والتغير والتبديل، والإبدال والاستبدال. والثانية تخص الشروط المتعلقة بالنظارة على الوقف أو الولاية عليه، وهي محددات لإدارة أعيان الوقف وتسييره وتوزيع عوائده على المستحقين، كما تشمل الصفات التي يجب أن يتحلى بها الناظر وأجرته ومدته والشروط التي يجب أن يلتزم بها في تأجير أعيان الوقف ومدته، إلى غير ذلك من التفصيلات التي ترقى في بعض الحالات إلى لائحة داخلية إدارية للنظر أو الولاية على الوقف. والمجموعة الثالثة من الشروط تخص إجراءات صرف الغلة أو العائد وسلم أولويات هذا الصرف.
ودراسة وتحليل حجج الأوقاف، تدل على أن قوانين الوقف المعاصرة حاولت التدخل في توجيه شروط الواقفين والحد من حرياتهم مما أدى إلى عدم الإقبال على الوقف.
وأخيراً، الخاتمة، التي غالباً ما تذكر لزوم الوقف وتحذر من الاعتداء عليه أو انتهاك حرمته. جاء في حجة وقف محمد منصور الفقي التي حررت بتاريخ 19/4/1302هـ أمام محكمة ثغر الإسكندرية الشرعية ما نصه: صار من أوقاف الله الأكيدة، مدفوعاً عنه بقوته السديدة، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعلم أنه إلى ربه القوي صاير، أن يغيره أو يبـدلـه أو يسعى في إبطال شيء من منافعه، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع عليم( ).
والخاتمة تحتوي أيضا على ختم القاضي وتوقيع الواقف والشهود والتاريخ ومحرر الحجة أو الصك وما يتعلق بذلك.
تلك هي العناصر السبعة التي تحتويها حجج الأوقاف والتي يجب أن تتعرض لها أي دراسة أو تحليل لهذه الحجج أو الصكوك. وفي الجزء التالي من هذه الورقة، نحاول أن نتتبع هذه العناصر في مجموع الحجج الوقفية موضع الدراسة.
حجج أوقاف الأشرف برسباي
في القرن التاسع الهجري
تحتفظ وزارة الأوقاف المصرية بحجة وقفية كبيرة عدد أوراقها (229) ورقة، وهناك ملخص لهذه الحجة بدار الكتب المصرية، يحتوي على 24 حجة خاصة بالأوقاف التي أوقفها السلطان المملوكي الأشـرف برسباي أثناء سنوات حكمه، على مدى أربع عشرة سنة منذ 828هـ إلى 841هـ.
وقد نشر هذا الملحق، في كتاب مستقل، الدكتور أحمد دراج من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1963م بواسطة مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية.
ومن الطريف العجيب، أن السلطان برسباي نقش حجج أوقافه هذه على جدار الإيوان الغربي لمدرسته الأشرفية التي أوقف عليها الكثير من الأوقاف كما سيأتي ذكره، وهي تفوق لذلك أية حجة أخرى مخطوطة، وهي كذلك الوحيدة الموجودة نقشاً في مصر.
وسأقوم هنا بتحليل نص هذه الحجج على أساس العناصر السبعة التي ذكرتها قبل. فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المقدمة أو الاستهلال
اشتملت مقدمة ملخص الحجة الكبيرة على البسملة والصلاة على رسول الله @. ولم تحتو على الحديث عن سنة الوقف وسندها الشرعي وعزم الواقف على الاقتداء بالسنة وغير ذلك. ولعل السبب في ذلك أن هذا هو الملخص وليس الحجة الكبيرة المحفوظة في وزارة الأوقاف المصرية التي فشل ناشر هذا الملخص، على حد قوله، في الحصول على نسخة مصورة لها. وسيتضح لنا بعد، أن كثيراً من التفصيلات لم ترد في الملخص.
ثانياً: التوثيق
لم يشمل الملخص المذكور على اسم القاضي الشرعي واسم المحكمة الشرعية، واكتفى بإثبات تاريخ إنشاء الوقف في نهاية كل حجة من الحجج الأربعة والعشرين. كما لم يشتمل الملخص على تفصيل اسم الواقف ونسبه وسنه، وقد يعود ذلك لأن الواقف كان حاكماً سلطانا وقتذاك، وشهرته ومكانته تغنى عن ذلك.
ثالثاً: الشهود
لم يشتمل الملخص على أسماء الشهود للتعريف بالواقف والاحتفاء بالمناسبة وقد يعود ذلك لشهرة الواقف ومكانته وعدم الحاجة إلى الإشهاد على ما يقرره.
وفي الملخص إشارة في نهاية كل حجة إلى أنه شهد به في تاريخ كذا. ولعل أسماء الشهود موجودة في الحجة الكبيرة ليس لغرض التعريف بالواقف وإنما لغرض الاحتفاء بذلك الحدث الخيري العظيم.
رابعاً: صيغة الوقف وأعيانه
ابتدأت الحجة الأولى بعد البسملة والصلاة على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، بالقول: وقف، وهذه صيغة مقبولة من الصيغ المعتمدة فقها، ثم ذكر الأعيان الموقوفة. ولم يحتو الملخص في عدة مواضع على تفصيل حدود الأعيان واكتفى بالقول أن ذلك وصف وحدد. وفيما يلي ما احتوته الحجة الأول من الأعيان وعددها ثمانية:
1 – جميع المكان الكامل أرضاً وبناءً بالقاهرة برأس الحريريين.
2 – جميع مدرسة الجامع الأشرفى.
3 – جميع الوكالة بخط الركن المُخلق على يسرة السالك ذاهباً إلى مدرسة جمال الدين الأستادار والخانقاه الصلاحية وغير ذلك، بها مخازن سفلي وعليا عدتها ثمانية وخمسون مخزناً وبظاهر بابها الذي بالدرب الأصفر سبعة مخازن وبها طباق بعضها مُطل على رحبتها وبعضها على الدرب الأصفر وبعضها حبيس وعُدتها ثمانية وثلاثون طبقة. ومن حقوق الوكالة المذكورة مطلع به طبقة مطلة على رحبتها. ووصف ذلك جميعه وحدد.
4 – جميع المكان الكائن بخط الدجاجيين بالقرب من الجامع الأفمر وهو الربع والحوانيت. ووصف ذلك وحدد أيضاً.
5 – جميع المكان بخط الصنادقيين المجاور للمدرسة السيفية وهو الربع وبه طباق علو الحوانيت السبعة. ووصف ذلك وحدد أيضاً.
6 – جميع الحصة التي مبلغها النصف من بناء البئر الكائنة بجنينة الصلاحي ابن الكويز ببركة الحاجب بباب الشعرية. ووصف ذلك وحدد أيضاً. والحصة التي مبلغها النصف اثنى عشر سهماً من جميع الطاحونة والسرجة يسار باب الشعرية على يمنة السالك إلى باب البحر وغيره، ووصف ذلك وحدد.
7 – جميع الحاصل الكائن بخط الخراطين بالقاهرة المحروسة على يمنة السالك إلى الجامع الأزهر ووصف ذلك وحدد أيضاً. وجميع النصف من بناء الحوانيت الكائنة بالخراطين وعدتها ثمانية، ومن الطباق علوها وعدتها متجاورة مطلة على الطريق، وحدد ذلك ووصف أيضاً.
8 – جميع الحوانيت المتجاورة الكائنة بخط الوراقين وعدتها ستة والطباق علوها وعدتها أربعة عشر طبقة متجاورة ومتطابقة ووصف ذلك وحدد أيضا.
أما الحجة الثانية، فهي إضافة أعيان موجودة في دمشق الشام وليست في مصر، وبدأها بالقول ثم وقف …… وكذلك الحجة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، فكل أعيانها، في مصر، وهي إضافات على ما ورد في الحجة الأولى، أوقفت لصالح الجامع الأشرفي.
أما الحجة الثامنة فقد كانت مشتركة بين الذرية والجامع الأشرفي.
والحجة التاسعة كانت خاصة بابنته فاطمة.
والحجج العاشرة والحادية عشر والثانية عشر، تخص أوقافا مشتركة بين الذرية والمدرسة.
أما الحجة الثالثة عشر فتخص حوض السبيل بناحية السواد.
والحجتان الرابعة عشر والتاسعة عشر تخصان الزاوية بالصحراء والصوفية وشيخهم.
والحجة الخامسة عشر، فيها وقف خاص بالسبيل الكائن بالتربة ولقارئ المصحف بالتربة.
ثم يعود الواقف، في الحجة السادسة عشر والسابعة عشر والحجة العشرين والحجة الرابعة والعشرين الأخيرة، ويوقف أعيانا أخرى لصالح المسجد الأشرفي.
وأما الحجة الثامنة عشرة، ففيها أوقاف خاصة بالمسجد داخل باب النصر والمدرسة المجاورة للتربة والزاوية بالصحراء.
وفي الحجة الواحدة والعشرين، أوقاف خاصة لشيخ الزاوية والصوفية.
وفي الحجة الثانية والعشرين، أوقاف خاصة بالذرية.
والحجة الثالثة والعشرين، فيها أوقاف خاصة بجامع سرياقوس.
وقد احتوت كل حجة من الحجج الأربعة والعشرين على بيان لحدود وأوصاف ومحتويات الأعيان الموقوفة، أحيانا يكون مفصلاً وأحيانا يكون مختصراً. ومثال المفصل ما ورد في الحجة الثامنة، وفيها التالي:
ومنها جميع المكان الكامل أرضاً وبناءً المعروف بإنشائه الكائن بالقاهرة برأس الحريريين تجاه الجامع الأشرفي. صفته أن يشتمل من ظاهره على واجهة مبنية من الحجر الفص النحيت. بها من الجهة البحرية ستة عشر باباً متجاورة، شارع في الطريق منها باب كبير مربع يغلق عليه زوجا باب يدخل منه إلى فندق يأتي ذكره. وبقية الأبواب يدخل من كل منها إلى حانوت يشتمل كلٌ من ذلك على مصطبة وداخل وزراريب إلا اثنين منها. واحد يعرف بسكن الفقاعي ببابه مصطبة مفروشة الأرض بالرخام الملون بوزرة قائمة وشاذروان وقواديس ينزل إليهما الماء من الشاذروان، يقابل المصطبة باب يتوصل منه إلى داخل الحانوت. وواحد بالصفة إلا أن مصطبته لم تكن مرخمة. ويشتمل من ظاهره أيضاً من الجهة الغربية والقبلية على تسعة أبواب مبنية بالحجر منها ستة في الجهة الغربية. أحدهما يدخل منه إلى الحانوت والسادس يدخل منه إلى مجاز به سلم يصعد من عليه إلى طباق متطابقة ومتجاورة، فالمتطابقة عشرة مطلة على شارع الخراطين، والمتجاورة ثلاث مطلات على الفندق. ومنها ثلاث من الجهة القبلية، اثنان منها يدخل من كل منهما إلى مخـزن والثالث يدخل منه إلى مجاز لطيف يتوصل منه إلى سلم يصعد من عليه إلى أربع وأربعين طبقة. وأما الفندق الموعود بذكره فإنه يشتمل على ساحة كبيرة وثلاثة عشر مخزناً، ولذلك حدود: القبلي إلى الزقاق، والبحري إلى الشارع المسلوك، والشرقي بعضه إلى المسجد وبعضه إلى الصنادقية، والغربي بعضه إلى المسجد وباقيه إلى الخراطين.
تلك مواصفات تفصيلية طريفة في لغتنا الهندسية المعاصرة، ويصعب علينا تخيل بعضها وتطبيقها، وما هو معني الطبقة؟هل هو الطابق المعروف لدينا الآن؟
أما المختصرات فهي كثيرة ويشار إليها في الملخص، أنها قد حددت ووصفت كما مر معنا قبل.
وليس هنا حاجة إلى اقتطاف المزيد من أعيان الأوقاف ومواصفاته في الحجج الأخرى. ولكني أكتفي بما ذكرت مؤكدا على استيفاء الحجج للصيغة الشرعية للوقف باستخدام قولـه وقف، مع تحديد الأعيان الموقوفة ومواصفاتها. وهذا عنصر هام في الحجة الوقفية وشرط واجب لصحة الوقف.
خامساً: أغراض الوقف ومصارفه
احتوت الحجج الأربعة والعشرون على جميع أغراض وأنواع الوقف المعلومة التي أشرنا إليها سابقا، وهي الخيري والأهلي والمشترك، فبعضها كان وقفاً خيرياً (18 حجة) (الوقف على الجامع الأشرفي، 11 حجة، والوقف على الزاوية والصوفية وشيخهم، 3 حجج، والوقف على جامع سرياقوس، حجة واحدة، والوقف على المسجد داخل باب النصر، حجة واحدة، والوقف على حوض السبيل، حجتان) وفي الأربع والعشرين حجة حجتان تمثلان وقفاً على الذرية (22.9)، والأربع الحجج الباقية حجج مشتركة بين الخيري والذري.
ولكن يجب أن نلاحظ أنه حتى الوقف الخيري، فإن الواقف ينص في كثير من الأحيان، كما جاء في الحجة الأولى، على أن ما فاض من الريع بعد الإنفاق على ما نص عليه، ينفق عل ذريته.
ونظرا لأن هذا القسم من الحجة الوقفية يتضمن النص على المنتفعين من الوقف، وهو ما يعكس صورا من الحياة الاجتماعية والثقافية التي كانت سائدة وقت إنشاء الوقف، فإنني سوف أتوسع في النقل من بعض الحجج خاصة ذات الأوقاف الخيرية.
ومن خلال دراسة نص الوقف الخيري في الحجة الأولى الخاصة بالجامع الأشرفي، نجد ما يلي:
نص الواقف على أن الغلة أو الريع المتحصل من جميع ما وقف وذكر، يصرف بعد العمارة (أي عمارة المسجد وصيانته)، على:
1 – ثلاثة مؤذنين حسني الصوت (1100درهم) لكل منهم.
2 – رجل من أهل الخير والدين حافظ لكتاب الله العزيز، يؤم الناس ويصلى بهم وأن يكون حنيفاً عالما بأحكام الصلاة محسناً للقراءة (1000درهم).
3 – رجل من أهل العلم والدين والخير عارف بطريق الوعظ يخطب بالناس أيام الجمع والعيدين ويؤم بهم بعد الخطبة (500 درهم).
4 – رجل عالم بالأوقات يتولى مباشرة الأوقات على العادة (300 درهم).
5 – رجل يخرج أمام الخطيب يوم الجمعة ويؤذن أمام المؤذنين (100 درهم).
6 – رجل من أهل العلم حنفي المذهب موصوف بالديـانة يكـون شيخاً للصوفية (3000 درهم).
7 – 25 رجلاً من طلبة العلم الحنفية الموصوفين بالخير والدين والفقر، بالسوية بينهم (7500درهم) لكلٍ 300درهم في كل شهر على أن يجتمعون هم وشيخهم المذكور في كل يوم بعد صلاة العصر وتفرق عليهم الربعة الشريفة ويوضع المصحف الشريف بين يدي الشيخ المذكور ويقرأ كل منهم حزباً من تجزئة ستين حزباً، فإذا فرغ من القراءة يقرأ قراء الصفُة الآتي ذكرهم ما سيذكر.
8 – يصرف لأربعة نفر حسني الأصوات يجلسون مع الصوفية ويقرؤون ما شرط على كل من الصوفية. فإذا فرغوا من القراءة قرأ الأربعة سورة الإخلاص على العادة في ذلك، وإذا فرغوا ذكر واحد منهم شيئاً من كلام أهل الحقيقة ثم يدعوا على العادة.
9 – يصرف لرجل يقوم في خدمة شيخ المكان ويجتمع مع مباشريه إذا اجتمعوا في المكان لعمل مصلحة الوقف ومستحقيه ويوم النفقة وما جرت العادة به لأمثاله من الفلوس الموصوفة (400 درهم).
10– يصرف لرجل يتولى بسط سجادات الصوفية قبل الحضور وطيها بعده وتفرقة الربعة الشريفة على الصوفية على العادة ويبخر يوم الجمعة والمؤذون على المتدنة على العادة مبلغ (100 درهم).
11– يصرف لرجل من أهل الدين والأمانة يضبط غيبة أرباب الوظائف مبلغ (100 درهم).
12– يصرف لخمس جوق كل جوقة ثلاث نفر من حفاظ القرآن العظيم، تقرأ كل جوقة بعد كل صلاة حزبين من القرآن العظيم على العادة (1000درهم).
13– يصرف لرجل من حفاظ القرآن الكريم يقرأ في المصحف الشريف في كل يوم جمعة حزباً واحداً مبلغ (100 درهم ).
14– يصرف لرجل عارف بقراءة حديث سيدنا رسول الله @ يقرأ البخاري من أول شهر رجب من كل سنة ويختمه في العشر الأخير من شهر رمضان في كل شهر مبلغ (200 درهم).
15– يصرف لعشرين يتيماً في كل شهر مبلغ (2000 درهم) وفي كل سنة كسوة الشتاء والصيف (9000 درهم) من الفلوس الموصوفة.
16– يصرف لمؤدبهم في كل شهر (300 درهم) ويكون حافظاً للقرآن ومن أهل العفة والصيانة والدين مشهور بذلك يتولى تعليمهم على العادة. على أن من بلغ منهم وحفظ القرآن الكريم استبدل به. وإن بلغ وقد بقى عليه اليسير فيستمر في المكتب إلى أن يكمل حفظ القرآن إذا رجى فلاحه وخيره ثم يستبدل به غيره.
17– يصرف لرجل من أهل الأمانة يتولى خزانة كتب العلم على العادة (300درهم ).
18– ويصرف لرجلين من أهل الخير والأمانة وطلبة العلم الشريف يكونان شاهدين بالوقف على العادة مبلغ(600درهم) بالسوية.
19– يصرف لرجل عارف بنظم الحسابات ووضعها يكون عاملا بالوقف على العادة في كل شهر (400 درهم).
20– يصرف لرجل يكون من أهل الدهقنة والمروءة يقيمه الناظر شاداً بالوقف على العادة في كل شهر(500 درهم).
21– يصرف لرجل يقيمه الناظر برداراً بالوقف على العادة مبلغ (200درهم).
22– يصرف لرجل من أهل الأمانة والحراسة يقيمه
الناظر بواباً بالجامع المذكور على العادة في كل شهر (400درهم).
23– يصرف لرجل يسقي المسلمين بالسبيل على العادة في رمضان بعد المغرب إلى بعد عشاء الآخرة مبلغ (500 درهم).
24– يصرف لأربعة نفر فراشين على العادة مبلغ (800 درهم) بالسوية.
25– يصرف من ذلك في كل شهر لرجلين وقادين على العادة مبلغ (400 درهم) بالسوية.
26– يصرف لرجل يكون سواقاً بساقية الجامع المذكور على العادة مبلغ (400 درهم).
27– يصرف برسم علوفة أ ثوار الساقية وكلفة ثمن قادوس وناشوش وطونس وغيره على العادة مبلغ (600 درهم).
28– يصرف برسم الصهريج بالجامع الأشرفي في كل شهر مبلغ (750 درهم) في ثمن ماء عذب من النيل المبارك من جريانه ما فيه كفايته إلى آخر السنة.
29– يصرف في ثمن الزيت برسم الوقود مبلغ (2000 درهم) في كل شهر، وبرسم التوسعة في شهر رمضان من كل سنة على العادة مبلغ (250 درهم).
30– يصرف لمن يتولى الكنس والرش أمام الجامع المذكور على العادة مبلغ (300 درهم).
31– يصرف لرجل من أهل الدين والأمانة يتولى استخراج ريع الوقف وقبضه وصرفه مبلغ (600 درهم).
وفيما سبق من أغراض يبدو واضحا شكل النشاط الديني والثقافي الذي وقفت عليه الأموال والعناية بحفظ القرآن الكريم وتعليمه ورسم طرائق خاصة بما يعكس أحوال البيئة الدينية آنئذ، مما قد لا يتيسر الآن.
وفي الفقرة التالية يحدد الواقف، أجر الناظر ويحدد صلاحياته:
32– يصرف للناظر على الوقف على أن يتولى عمل مصالح الوقف ومستحقيه ومساعدة مباشريه ويتفقد أحواله ويجتهد في كف أسباب الضرر عنهم وتنمية ريع الوقف على العادة مبلغ (2000 درهم).
وبعد النص على الأغراض الخيرية، يورد الواقف، توجيهات تخص الفائض من العوائد المالية بعد الصرف على عمارة الوقف وصيانته والأغراض التي ذكرها سابقاً. وقد جاءت هذه التوجيهات بالترتيب التالي:
1- الذرية، فإذا انقرضت،
2- الجامع الأشرفي، فإذا تعذر ذلك،
3- فقراء الحرمين الشريفين، فإذا تعذر ذلك،
4- الجامع الأشرفي، فإن تعذر،
5- الفقراء والمساكين أينما كانوا.
وفيما يلي بيان ذلك:
33– مهما فضل بعد ذلك يتناوله الواقف لنفسه ما دام حياً ثم من بعده يكون الفاضل لمن يوجد من أولاده وأولاد أولاده ونسله وعقبه وذريته من الذكور والإناث من أولاد الظهر والبطن طبقة بعد طبقة تحجب العليا السفلي أبداً ما توالدوا. يستقل به الواحد إذا انفرد ويشترك الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع، يستوي الذكر والأنثى. على أنه من توفى منهم وترك ولداً أو ولد ولد أو أسفل من ذلك انتقل نصيبه إليه، فإن لم يترك أحداً ممن ذكر انتقل إلى من هو في درجته من أهل الوقف من الذرية، فإن لم يكن فإلى أقرب الطبقات إلى المتوفى. وعلى أنه من مات منهم أجمعين قبل دخوله في هذا الوقف وترك ولداً أو ولد ولدٍ أو أسفل من ذلك وآلـ الوقف إلى حال لو كان المتوفى حيا لاستحق، قام ولده وإن سفل مقامه في الاستحقاق. فإذا انقرضوا كان مصروفاً في مصالح الجامع على ما يراه الناظر ويؤدي إليه اجتهاده.
34– عند تعذر الصرف إلى الجامع يصرف إلى فقراء الحرمين الشريفين بالسوية، وعند تعذره عليهما – والعياذ بالله تعالى، صرف إلى الآخر. فإن عاد إمكان الصرف إلى الجهة المتعذر إليها صرف إليها، فإن تعذر الصرف إلى الحرمين وأمكن الصرف إلى الجامع صرف إليه، فإن تعذر ذلك كله صرف للفقراء والمساكين أينما كانوا.
ومما سبق يتضح لنا الشمول في الأغراض والاستيعاب للمتغيرات المستقبلية، مما يظهر صفة الديمومة والأبدية في الوقف وأغراضه. وهو أيضا يثير قضية فقهية هامة تتعلق بالعمل في حال تغير الأزمان والأحوال، كيف يكون التصرف في الأموال وإلى أي مدى تتأثر الأغراض بالمصالح المرسلة للناس مع تطور الأزمان؟
أما الحجة الثانية، فقد نصت على أغراض أخرى، من المفيد ذكرها هنا لبيان علاقتها بما قبلها، وما أضافته من أغراض أخرى.
يقول الواقف بعد صيغة الوقف وبيان أعيانه:
(أن الناظر يبدأ من ريعه بعمارته ومرمته وما فضل يضاف إلى ريع الوقف السابق ذكره).
وبعد تأكيد ضرورة الصرف على العمارة والترميم في الأول وقبل كل صرف يقول الواقف، محددا أغراض الوقف:
ويصرف منه في ثمن خبز قرصه ما يكفى من يذكر من أرباب الوظائف المدرسة المذكورة. ويترتب من ذلك في كل يوم لشيخ الصوفية بالمدرسة المذكورة ستة أرطال. ولكل من خادم الربعة الشريفة وخادم الشيخ والصوفية، وخازن الكتب وكاتب الغيبة، والإمام، والخطيب، وقراء الصفة، والأيتام، ومؤدبهم، وزمام القبة، والوقادين، والفراشين، والبواب، والمزملاتى، والمشرف وقرا خوند، والسواق في كل يوم ثلاثة أرطال بالمصرى.
ويصرف لنفرين حافظين لكتاب الله الكريم يقرأ كل منهما في المصحف الشريف بالمدرسة المذكورة أربعة أحزاب من تجزئة ستين حزباً، يقرأ واحد بعد صلاة الصبح من كل يوم وواحد بعد حضور التصوف في كل شهر مبلغ ستمائة درهم من الفلوس أو ما يقوم مقامها بالسوية بينهما.
ويصرف للمشرف خارجاً عن الخبز في كل شهر مائتا درهم على أن يتولى تفرقة الخبز على المستحقين المشار إليهم.
ويصرف لمن يكون ناظراً على الأوقاف الشامية في كل شهر من الدراهم النقرة معاملة دمشق مائة درهم واحدة ولمن يتولى جباية ريع الأماكن بالشام في كل شهر ستين درهماً من الدراهم المذكورة أو ما يقوم مقامها من النقود.
ويصرف من ذلك لثلاثة نفر من المؤذنين بالمدرسة المذكورة زيادة على ما ذكر في الوقف السابق ستمائة درهم بالسوية. ومهما فضل بعد المصاريف المعينة يصرف على حكم فاضل الريع على الحكم المشروح في كتاب الوقف السابق على هذا.
ومن النص السابق، نلاحظ ربط الصرف على الموظفين، بقيمة سلع عينية وهي الخبز، وليس مخصصا ماليا كعدد من الدراهم، وإنما ثمن كذا رطل من الخبز. وهذا يعني أن القيمة المصروفة من ريع الوقف سوف تتغير بتغير الأسعار. وفي هذا إشارة هامة إلى أن غرض الواقف هو توفير كمية معينة من الخبز وهو سلعة أساسية للحياة، وليس مبلغا معينا من المال احتياطا لأثر التضخم وارتفاع الأسعار.
كما يتضمن النص زيادة في الصرف على المؤذنين، وإحداث إنفاق جديد للناظر على الأوقاف الشامية التي ورد ذكرها في نص الحجة الثانية. وختم الواقف أغراض الوقف بتأكيد ما نص عليه في الحجة الأولي، من أن الفاضل يصرف بنفس الطريقة التي أشرنا إليها سابقا في تحليلنا لنص الحجة الأولي.
وفي الحجة الوقفية الرابعة الخاصة بالجامع الأشرفي، ورد ما يلي:
ثم أشهد عليه أنه زاد في مصاريف الوقف المذكور لمن يذكر فيه من أرباب الوظائف، في كلٍ تسعون رطلا على التفصيل الآتي ذكره لأرباب الوظائف المنـزلين بالجامع المذكور، فمن ذلك للمؤذنين ورئيسهم ثلاثون رطلا لكلٍ منهم ثلاثة أرطال كل يوم. ولقراء الشباك ممن ليس لهم خبز في التصوف اثنان وأربعون رطلاً. لكل نفر منهم ثلاثة أرطال وما لقارئ البخاري ثلاثة أرطال، وما هو للشيخ شرف الدين موسى المكتب الرومي في اليوم ثلاثة أرطال خبز وفي الشهر ثلاثمائة درهم فلوساً أو ما يقوم مقام ذلك من النقود، ليتعاهد شرف الدين المذكور أرباب الوظائف بتعليم رسم الكتابة على العادة في مثل ذلك، وما هو لعصفور الكناس تجاه الجامع في اليوم ثلاثة أرطال خبز وفي الشهر ثلاثمائة درهم فلوساً أو ما يقوم مقام ذلك من النقود، وما هو لمباشري الوقف وهم أربعة نفر لكل نفر منهم ثلاثة أرطال خبز.
وفي هذا النص، تغيير للأغراض والمصاريف بالزيادة لمن سبق النص عليهم في الحجة الأولي.
وفي الحجة الوقفية السادسة الخاصة بالجامع الأشرفي أيضاً ورد ما يلي:
وأشهد عليه أن يصرف من ريع الموقوف الموصوف في كتاب الأوقاف المسطرة في هذا المكتوب لمن يذكر فيه ما يعين فيه زيادة على ما هو مقرر لذلك.
فيصرف في كل سنة، في ثمن ماءٍ عذبٍ تحمل من النيل المبارك إلى الصهريج الكائن بجامعه المذكور، ما مبلغه من الفلوس ثلاثة آلاف وخمسمائة درهم أو ما يقوم مقام ذلك من النقود ليكمل له في كل سنة أثنى عشر ألف درهم فلوساً جدداً.
ويصرف لكاتب غيبة أرباب الوظائف بالجامع المذكور، في كل شهر مائة درهم، ليكمل له في كل شهر ثلاث مائة درهم فلوساً.
ويصرف في كل يوم ثمن قدحين فول صحيح بالمصرى زيادة في علوفة ثور الساقية التي بالجامع المذكور بالغاً ما بلغ.
وفي النص السابق، إشارات لطيفة لزيادة المخصص من الأوقاف لتوفير المياه في الجامع، وكأن تكلفة ذلك قد زادت منذ تحرير النص السابق. وكذلك زيادة مخصص لمراقب دوام أصحاب الوظائف. ومن النكات اللطيفة، النص على علف ثور الساقية من الفول المصري الصحيح وأن المبلغ الذي يصرف على ثمن قدحين ليس له حدود بالغا ما بلغ (يا ليت ثيران العصر الحديث يعلمون بذلك النعيم والغذاء السليم الذي كان ينعم به أخوهم ثور الساقية في القرن التاسع!). وكل ذلك يمثل عناية فائقة بالتغيرات الاقتصادية التي تحدث، مما يثير قضية فقهية هامة حول ضرورة تغيير الأغراض في الحجج القديمة لكي تلائم الأوضاع المتجددة. وإذا كان الواقف ~ قد تدارك ذلك في حياته فمن يقوم بذلك بعد وفاة الواقف؟
وفي الحجة الوقفية الثامنة المشتركة بين الجامع الأشرفي والذرية فقد أجرى فيها الواقف تغييرات كثيرة في أغراض الأوقاف ومصارفه الخاصة بالجامع الأشرفي والذرية، ونص على:
أن الناظر على هذا الوقف والمتولي عليه يبدأ من ريع الأماكن جميعها والحصص الموصوف ذلك بعمارتها ومرمتها وإصلاحها وصلاحها وما فيه بقاء عينها ودوام منفعتها ولو أنفق في ذلك جميع غلتها، ثم ما فضل بعد ذلك بعد صرف ما عين صرفه للذرية، كما شرح فيه، يصرف الناظر منه في ملء الصهريج الكائن بالجامع الأزهر في ثمن ماءٍ عذبٍ ينقل أيام زيادة النيل المبارك من ماء النيل إلى الصهريج المذكور في كل سنة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسمائة درهم فضة وزناً بصنج الفضة، نصفها مائة درهم وخمسون درهماً أو ما يقوم مقامها من النقود.
وهذا النص جاء بعد أن أشهد الواقف أنه رجع عن مصرف ريع أماكن عديدة كثيرة وصفها وحددها في الحجة الثامنة، رجوعا شرعيا وجعل مصرف ريعها فيما ذكره في الحجة الثامنة، ومنه ما ذكرناه في الفقرة السابقة حيث أكد على أن المصرف الأول للريع هو عمارة الموقوف وإصلاحه ودوام منفعته وبقاء عينه، ثم على ذريته كما مر معنا، ثم خص الجامع الأزهر بالصرف على ملئ صهريج مائه، وبعد ذلك يصرف على الآتي ذكرهم:
1 – يصرف لمن قرره الواقف ممن يذكر فيه زيادة على من قرره مولانا الواقف المشار إليه قبل تاريخه وعينه في كتاب وقف الجامع الأشرفي وهم:
شيخ شافعى المذهب له طاقة على إشغال الطلبة وتدريسهم العلم الشريف وعشرون نفراً من الطلبة الشافعية المذهب يجلسون مع الشيخ المذكور بالإيوان البحري بالجامع الأشرفي في كل يوم بكرة النهار وأيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك ليلقى عليهم الشيخ المذكور ما تيسر له إلقاؤه من العلم الشريف، ويحضر الطلبة خاصة وظيفة التصرف بعد صلاة العصر بالجامع المذكور. ويصرف للشيخ المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسون درهماً. نصفها خمسة وعشرون فضة، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ولكل نفر من الطلبة الشافعية الصوفية المذكورين فيه كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية وزناً بصنج الفضة عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
2 – شيخ مالكي المذهب له طاقة على إشغال الطلبة بالعلم الشريف وتدريسهم، وعشرة أنفار من المالكية يجلسون مع الشيخ المذكور بالجامع المذكور في كل يوم بكرة النهار في أيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك يلقى عليهم ما تيسر إلقاؤه من العلم الشريف، ويحضر الطلبة المالكية المذكورون وظيفة التصوف بعد صلاة العصر بالجامع المذكور كما شرح أعلاه. ويصرف للشيخ المالكي المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية خمسون درهماً، نصفها خمسة وعشرون فضة، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ويصرف لكل نفر من الطلبة المالكية المذكورين فيه من كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرفية والمؤيدية وزناً بصنج الفضة عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
3 – شيخ حنبلي المذهب له طاقة على إشغال الطلبة بالعلم الشريف وتدريسهم، عشرة أنفار من الطلبة الحنابلة يجلسون مع الشيخ المذكور بالجامع المذكور في كل يوم بكرة النهار أيام الدروس الجاري بها العادة في مثل ذلك ويلقى عليهم الشيخ المذكور ما تيسر له إلقاؤه من العلم الشريف، وتحضر الطلبة المذكرون وظيفة التصوفي في كل يوم بعد صلاة العصر. ويصرف للشيخ الحنبلي المذكور في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسون درهماً، نصفها خمسة وعشرون درهماً، وزناً بصنج الفضة وفي كل يوم من الخبز القرصة المذكور ستة أرطال بالمصرى. ويصرف لكل من الطلبة الحنابلة المذكورين في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
4 – عشرة أيتام من المسلمين يجلسون بمكتب السبيل بالجامع المذكور مع الأيتام ومؤدبهم المنزلين قبل تاريخه بالمكتب المذكور لتعليم القرآن العظيم وحفظه وتعليم الخط العربي على العادة في مثل ذلك، ويصرف لكل يتيم منهم في كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسة دراهم نصفها درهمان ونصف درهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز المذكور ثلاثة أرطال بالمصرى.
5 – يصرف لخادم شيخ الحنفية بالجامع المذكور في كل يوم من الخبز المذكور أعلاه ثلاثة أرطال بالمصرى زيادة على ما هو مقرر له قبل تاريخه في كتاب الوقف السابق.
6 – يصرف لرجل من أهل الخير والدين، يتولى تفرقة أجزاء الربعة الشريفة عند حضور وظيفة التصرف بالجامع المذكور على طهارة كاملة وجمع أجزائها بعد فراغ القراءة ووضعها في محلها، في كل شهر من الأهلة من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة، وفي كل يوم من الخبز ثلاثة أرطال.
7 – يصرف للأيتام المذكورين كسوة في كل سنة على حكم ما شرط الواقف المذكور في كتاب وقفه السابق المسطر أعلى أعلاه.
8 – يصرف لكل واحد من شاد الوقف، وشاهديه معاً بالسوية، وعامله وجابيه في كل شهر من شهور الأهلة من الفضة الأشرافية والمؤيدية عشرة دراهم، نصفها خمسة دراهم، وزناً بصنج الفضة زيادة على ما هو مقرر له قبل تاريخه في كتاب الوقف السابق.
9 – يصرف لرجل فراش يتولى كنس الميضأة المنسوبة للجامع المذكور وخلاوى الطهارة على العادة في مثل ذلك من كل شهر من شهور الأهلة ما مبلغه من الفضة الأشرافية والمؤيدية خمسة عشر درهماً، نصفها سبعة دراهم ونصف، وزناً من الفضة، وفي اليوم ثلاثة أرطال من خبز البر.
10– فإن تعذر الصرف لما عين صرفه فيه، صرف ذلك من المصاريف المعين الصرف إليها بعد المصاريف المعينة في كتاب الوقف السابق حالاً ومآلاً وتعذراً وإمكانا واستحقاقاً نظراً. فإن عاد إمكان الصرف إلى ما تعذر الصرف إليه وقدم على غيره، يجرى الحال في ذلك وجوداً وعدماً أبد الآبدين ودهر الداهرين إلى أن يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وإن كان من تعليق على هذه المصارف، فإنها تدل على تغير منهج الواقف في النظر إلى المذاهب الفقهية، فبعد أن خص أصحاب المذهب الحنفي فقط في الحجج السابقة، أضاف إليهم أصحاب المذاهب الأخرى من أهل السنة والجماعة. والغرض الجديد هو تحديد مجموعة من الأيتام للصرف عليهم.
وأكتفي بما سبق من الأمثلة والنقول، للدلالة على اشتمال هذه النماذج الوقفية على عنصر أغراض الوقف اشتمالا واضحا دقيقا مراعيا للتغير في الأحوال.
سادسا: شروط الوقف
احتوت كل حجة على شروط للواقف السلطان أشرف برسباي. ولكن لأغراض التحليل واستخراج النتائج، نذكر ما ورد من شروط في الحجة الأولى.
وقد بدأ الواقف هذا بقوله، وشرط 0000وفيما يلي هذه الشروط:
1 – من توفي من أرباب الوظائف المذكورة وله ولد صالح لوظيفة والده قرره الناظر مكان والده فيها بمعلومه، فإن لم يكن له ولد قرر الناظر فيها واحداً من المترددين إلى الجامع من طلبة العلم الشريف المتصفين بالصفات المذكورة أولا، ويبدأ بالأسبق منهم في التردد فإن اشتركوا وتساووا في السبق قدم أفضلهم.
2 – أن من غاب من أرباب الوظائف عن وظيفته شهراً كاملاً من غير عذر وهو مقيم بالقاهرة قطع واستبدل به غيره، فإن غاب عنها أقل من شهر من غير عذر قطع معلومه لجهة الوقف مع بقائه على وظيفته، فإن حج حجة الإسلام جرى عليه معلومه مدة غيبته فإذا جاور قطع واستبدل به غيره. ومن حج نفلاً ولم يجاور قطع معلومه زمن الحج لجهة الوقف، فإن عاد أجرى عليه معلومه بشرط مباشرته الوظيفة. وأن لشيخ الصوفية وللصوفية المسامحة ثلاثة أيام من كل شهر، وأن يبطلوا حضور الدروس على جارى عادة الفقهاء بالديار المصرية أيام العيدين والتشريق والمطر المانع من الحضور ويجرى عليهم معلومهم مدة البطالة. وألا ينـزل أحد منهم عن وظيفته بالجامع المذكور، فإن نزل فلا يمضى له وينـزل غير المنازل والمنـزول له.
3 – أن لا يؤجر شيء من الوقف أكثر من سنتين ولا يدخل عقد على عقد قبل مضي ما قبله ولا يؤجر بأقل من أجرة المثل ولا لمتجوه ولا لأحد من أرباب الشوكة، ولا لمشهور بسوء المعاملة.
4 – أن لا يستبدل بشيء من الوقف ولو بلغ من الخراب ما بلغ، وتقطع جوامك المستحقين إلا المؤذنين والإمام والخطيب حتى يعمر الوقف، فإن كان في الوقف ما يعمر به صرف في العمارة ولا يقطع شيء من الجوامك. وأن يجري الماء من البئر المستأجرة إلى الفسقية بقيسارية بكتمر الساقي في كل يوم للوضوء وغيره ما دامت في إيجار الوقف.
5 – أنه جعل لنفسه الزيادة فيما قرره من الجوامك وفي أوقافه على الجامع ما يرى زيادته وينقص ما يرى نقصه ويغيره بحسب ما يراه ويعيده إن شاء ويستبدل به من شاء ولم يكن ذلك لأحد بعده.
6 – أن يتعهد كتاب الوقف في كل عشر سنين بالإثبات والتنفيذ على السادة القضاة قضاة، ويصرف أجرة الموقعين على العادة وثمن أوراق وغير ذلك.
7 – أن يتعاهد كتاب الوقف بالقراءة في كل سنة بحضرة شيخ الصوفية والمستحقين ليحيطوا علماً بحال الوقف وشروطه.
8 – جعل النظر لنفسه وله أن يسنده ويفوضه، فإن مات بغير إسناد ولا تفويض أو أسند وفوض وتعذر نظر المسند إليه كان النظر للدوادار بالديار المصرية مع مشاركة الأرشد من أولاد الواقف وأولاد أولاده، وإن سفلوا على الشرط المتقدم في الاستحقاق يقدم الأرشد فالأرشد من الذكور على الإناث. فإن تعذر واحد ممن جعل له النظر نظر من بقي من المشروط له النظر، فإن عاد الإمكان عاد النظر إليه فإن تعذر النظر لمن ذكر كان النظر في ذلك لحاكم المسلمين بالديار المصرية.
من النص السابق الذي سنكتفي به كنموذج للشروط في الحجج الوقفية، يتضح لنا أن الواقف ~ وضع شروطا دقيقة كأنما وضع لوائح إدارية للعاملين في الجامع الأشرفي والمدرسة الأشرفية من حيث الحضور والغياب والإجازات. كما وضع لائحة موجزة للتأجير، فالعقد يجب أن لا يتجاوز السنتين، وفي هذا حفظ لمصالح الوقف، ويجب أن لا يبرم عقد آخر حتى ينتهي العقد الأول، وأن لا يقل الإيجار عن أجر المثل، وأن لا يؤجر لأرباب الشوكة ولا لمشور بسوء المعاملة، وشروط أخرى كلها يدل على وعي وحصافة الواقف وحرصه الشديد على ضبط التصرفات لمصلحة وغبطة الوقف.
سابعاً: الخاتمة
هذا هو العنصر الأخير من عناصر الحجج الوقفية. وقد احتوت الحجج الأربعة والعشرون المختصرة عن الحجج الكبيرة التي أشرنا إليها سابقاً، على خاتمة اقتصرت على أنه شهد به في تاريخ كذا. وعلى سبيل المثال ورد في خاتمة الحجة الأولى، أنه شهد به في تواريخ آخرها يوم الثلاثاء السدس عشر من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة.
وفي الحجة الرابعة والعشرين، ورد في خاتمتها ما يلي:
وقف ذلك على مصالح مدرسته الأشرفية برأس الحريريين بالقاهرة المحروسة ومصالح أرباب وظائفها، على حكم شرطه في كتبا وقف المدرسة المذكورة في الحال والمآل والتعذر والإمكان والاستحقاق والنظر، في الرابع والعشرين من رجب سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، محكوم به منفذ في الشرع الشريف والحمد لله وحده.
ما سبق كان محاولة تحليل لبعض نصوص حجج وقفية من القرن التاسع عشر الهجري وحاولت من خلال ذلك إبراز العناصر التي يجب أن تتوفر في نموذج الحجة الوقفية، وبعض ما تعكسه تلك النصوص من واقع الفكر والوقفي والاجتماعي والفقهي. أرجو أن أكون قد وُفقت بعض التوفيق.
نتائج الدراسة
تعتبر النصوص التي اشتملت عليها الحجج الوقفية في القديم وفي كل زمان، مرآة تعكس التوجّه الفقهي السائد وقت ……… البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حين وأثناء إقرار الوقف.
وكان ذلك جلياً من خلال دراستنا لحجج أوقاف السلطان المملوكي الأشرف برسباي، التي بلغت 24 حجة أثناء فترة حكمه. والنص الذي رجعنا إليه هو ملخص للحجج الكبيرة التي بلغت صفحاتها 229 صفحة وهي منقوشة حتى وقتنا الحاضر على جدار الباب الغربي بالمدرسة الأشرفية.
ويمكن أن نخلص من التحليل السابق إلى ما يلي:
1 – التوجّه الخيري عند حكام المسلمين للوقف توجّه أصيل، يجب الإقتداء به وقد بدأه أفضل الخلق رسول الله @، ويجب لذلك أن يحرص الناس في كل زمانٍ على تسجيل ولاة الأمر على الوقف، وحثهم عليه. والملاحظ أن ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية ينفقون الكثير من الأموال على أعمال البر والخير، ولو توجّهت بعض هذه الأموال لإنشاء الأوقاف والصرف من عوائدها ضماناً لديمومة الأجر والمثوبة، فإن في ذلك خيراً عميماًً وصدقةًً لا تنقطع.
2 – إن الأغراض التي نص عليها أجدادنا، لا يمكن تنفيذ الكثير منها مع تطور الأزمان والأحوال والأمم. وهنا يحتم الاجتهاد الفقهي المعاصر في الأغراض مع الأخذ بقادة شرط الواقف نص شرعي لا يجوز خلافه، بما يحقق أهداف الواقفين. والذي أخشاه أن بعض الناس يلغي الوقف نظراً لعدم إمكان تنفيذ أغراض وشروط الوقف. وهذا فيه حرمان للمنتفعين من الوقف.
والذي أراه، والله أعلم، أن وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي مدعوة إلى العمل في هذا الشأن عملاً دؤوباً مستمراً حتى تؤدي الأمانات إلى أهلها ويحكم بين الناس بالعدل الذي شرعه الله .
3 – التداخل بين الوقف الخيري والوقف الذري، شائع وأصيل في مؤسسة الوقف في الإسلام، وقد أخطأ من ألغاه أو جعل له حدوداً بالطبقة الأولى أو الثانية. ويجب على علماء الأمة الإسلامية الدعوة إلى العودة إلى الأحكام الشرعية في هذا المجال، وحبذا لو توجّه مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وهو يضم العلماء من كل قطر إسلامي، بالنصح للدول الإسلامية التي ألغت الوقف الذري، أن تعود إلى الأخذ به ففيه خيرٌ كثير. والله أعلم.