يعتبر موضوع تعارض المصالح، أو ما يطلق عليه فى مصر اصطلاح زواج السلطة بالمال، واحداً من الموضوعات المهمة التى تشغل بال السياسيين وتجذب اهتمام القانونيين، على حد سواء. وتختلف الدول اختلافاً واضحاً فى المعالجة القانونية لهذا الموضوع.
لا تضع بعض الدول تنظيماً قانونياً خاصاً بتعارض المصالح. وتعتبر فرنسا من أبرز هذه الدول. وقد أثير الموضوع مؤخراً بمناسبة الاتهامات التى وجهت إلى وزير الميزانية «إيريك وورث» بتلقيه أموالاً من وريثة «لوريال» الميليارديرة «ليليان بيدنكورت»، والقانون الفرنسى يقرر فقط المسؤولية الجنائية لكل شخص يستحوذ على سلطة عامة فى حالة ما إذا أخذ أو تلقى أو حصل، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على مصلحة أياً كانت، من مشروع أو عملية يكون له بشأنه مهمة رقابته كلياً أو جزئياً (المادة ٤٢٢/١٢ من تقنين العقوبات) ولاشك أنه كما يردد الكثيرون، فإن فرنسا تبدو أكثر تساهلاً من غيرها من الدول فى مواجهة تعارض المصالح.
وتعهد بعض القوانين إلى رئيس الوزراء بوضع القواعد الخاصة بتعارض المصالح، وهو أمر لا يخلو من عيوب، لأنه يمكن أن يحدث أن يقوم رئيس الوزراء بتعديل هذه القواعد بالتخفيف أو بالتشديد لأسباب غير موضوعية. وقد حدث بالفعل فى ٢٠٠٩ أن ثارت حملة صحفية ضد وزير العمل «ديفيد ويهسيل»، نظراً لأن المشروع الخاص الذى يساهم فيه تضاعف رقم أعماله مع الدولة منذ أن عين وزيراً، وبالتالى يكون الوزير، بحسب الظاهر، فى حالة تعارض مصالح، وقد خضع رئيس الوزراء لهذه الحملة، ودفع بوزير العمل إلى تقديم استقالته، بل أعلن صراحة أنه لم يعد ممكناً لأى وزير أن يكون مساهماً فى مشروع خاص يتولى أعمالاً مع الحكومة.
وبالمقابل، فإننا نجد تنظيماً تشريعياً متفاوتاً فى دول عديدة لمواجهة ظاهرة تعارض المصالح.
ففى إيطاليا، كان سلفيو برلسكونى، رئيس مجلس الوزراء، محلاً، بصفة مستمرة، لانتقادات حادة من المعارضة، بسبب سيطرته على شبكة كبيرة من محطات التليفزيون وبعض دور النشر، الأمر الذى يثير احتمال وجوده فى حالة تعارض مصالح. وقد ترتب على هذه الانتقادات المستمرة أن صدر قانون فى عام ٢٠٠٤ يوجب على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم وغيرهم من المسؤولين التنفيذيين الامتناع عن اتخاذ قرارات أو المشاركة فى اتخاذ قرارات جماعية تتعلق بموضوعات تثير تعارض مصالح.
أما فى كندا، فإنه يوجد نظامان لتعارض المصالح، أما النظام الأول فهو خاص بالنواب أعضاء مجلس العموم، وهو وارد فى تقنين تعارض مصالح النواب فى ٢٠٠٤. أما النظام الثانى فهو خاص بأعضاء الحكومة وغيرهم من المسؤولين أصحاب المناصب التنفيذية، وهو وارد فى قانون تعارض المصالح النافذ اعتباراً من ٢٠٠٧. ويهدف كل من النظامين إلى تجنب أن يوجد النائب أو شاغل المنصب العام فى وضع تعارض بين المصلحة العامة ومصالحه الخاصة، فالنواب وأصحاب المناصب العامة يجب عليهم الامتناع عن المشاركة فى المناقشات أو المداولات، أو إصدار قرارات أو المشاركة فى إصدار قرارات تتعلق بأوضاع خاصة بمصالحهم الشخصية. وفيما يتعلق بالتعاقد مع الدولة، فإن القانون يحظر على عضو البرلمان أو صاحب المنصب العام أن يكون طرفاً فى عقد مبرم مع الدولة، كما يحظر عليه أيضاً أن تكون له مصلحة فى شركة أشخاص أو شركة خاصة تكون طرفاً فى عقد مبرم مع الدولة وتحصل بمقتضاه على ميزة، ونظّم القانون صوراً أخرى من تعارض المصالح مثل حصول صاحب المنصب العام على أى ميزة نتيجة استغلال منصبه سواء لنفسه أو لأسرته، بل ويضع قيوداً على قبول الهدايا. ويحظر القانون أيضاً على المسؤول السفر على طائرات غير تجارية، وإدارة أو استغلال مشروع أو نشاط تجارى، ويلقى القانون على عاتق النواب وأصحاب المناصب العامة تقديم إقرارات، عند توليهم العضوية أو المنصب، لا تتعلق فقط بثرواتهم وإنما أيضاً بالمصالح الشخصية التى يمكن أن تتعارض مع المصلحة العامة.
وأخيراً، من المهم أن نشير إلى أن القانون فى كندا ينشئ سلطة إدارية مستقلة، تعمل على تطبيق نظامى تعارض المصالح، وتتمتع بسلطة التحقيق مع النائب أو صاحب المنصب العام، وتتمتع بسلطات لاستدعاء الشهود وذلك على غرار بعض المحاكم.
إذا كنا فى مصر جادين حقاً فى إعداد نظام خاص بتعارض المصالح، فإنه يجب أن يتناول هذا التنظيم عدداً من المسائل المهمة، ومن هذه المسائل ما يأتى:
١- أن يحدد المشروع المقترح العناصر التى تدخل فى فكرة تعارض المصالح تحديداً دقيقاً، بما يكفل مواجهة صور تعارض المصالح التى تحدث فى مصر.
٢- أن يحدد المشروع المقترح، تحديداً كافياً، الأشخاص الذين يخضعون لنظام تعارض المصالح، ونرى أن يشمل هذا النظام أعضاء السلطة التشريعية، وعدداً من أصحاب المناصب العليا، يأتى فى مقدمتهم أعضاء الحكومة.
٣- أن يحدد المشروع المقترح التدابير الوقائية لتجنب ظاهرة تعارض المصالح، وهذه التدابير خاصة بالواجبات الإيجابية والمحظورات التى يخضع لها عضو البرلمان أو شاغل المنصب العام، والتى تستهدف الوقاية من تعارض المصالح.
٤- أن يحدد مشروع القانون المقترح الإجراءات الواجب اتخاذها فى حالة وجود شكوك أو أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بمخالفة عضو البرلمان أو صاحب المنصب العام لنظام تعارض المصالح.
٥- أن يحدد مشروع القانون الجزاءات الواجب اتخاذها فى حالة ثبوت مخالفة عضو البرلمان أو صاحب المنصب العام لنظام تعارض المصالح، وأن تصل هذه الجزاءات إلى حد إسقاط عضوية عضو البرلمان، وإقالة عضو الحكومة من منصبه.
٦- أن ينشئ مشروع القانون المقترح سلطة مستقلة تتولى التحقيق فى موضوع تعارض المصالح، وأن يمنحها جميع الضمانات اللازمة لكفالة استقلالها، وأن يزودها بجميع الصلاحيات الضرورية لإنجاز مهمة التحقيق بنجاح.
بقلم / د . محمد عبد اللطيف
لا تضع بعض الدول تنظيماً قانونياً خاصاً بتعارض المصالح. وتعتبر فرنسا من أبرز هذه الدول. وقد أثير الموضوع مؤخراً بمناسبة الاتهامات التى وجهت إلى وزير الميزانية «إيريك وورث» بتلقيه أموالاً من وريثة «لوريال» الميليارديرة «ليليان بيدنكورت»، والقانون الفرنسى يقرر فقط المسؤولية الجنائية لكل شخص يستحوذ على سلطة عامة فى حالة ما إذا أخذ أو تلقى أو حصل، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على مصلحة أياً كانت، من مشروع أو عملية يكون له بشأنه مهمة رقابته كلياً أو جزئياً (المادة ٤٢٢/١٢ من تقنين العقوبات) ولاشك أنه كما يردد الكثيرون، فإن فرنسا تبدو أكثر تساهلاً من غيرها من الدول فى مواجهة تعارض المصالح.
وتعهد بعض القوانين إلى رئيس الوزراء بوضع القواعد الخاصة بتعارض المصالح، وهو أمر لا يخلو من عيوب، لأنه يمكن أن يحدث أن يقوم رئيس الوزراء بتعديل هذه القواعد بالتخفيف أو بالتشديد لأسباب غير موضوعية. وقد حدث بالفعل فى ٢٠٠٩ أن ثارت حملة صحفية ضد وزير العمل «ديفيد ويهسيل»، نظراً لأن المشروع الخاص الذى يساهم فيه تضاعف رقم أعماله مع الدولة منذ أن عين وزيراً، وبالتالى يكون الوزير، بحسب الظاهر، فى حالة تعارض مصالح، وقد خضع رئيس الوزراء لهذه الحملة، ودفع بوزير العمل إلى تقديم استقالته، بل أعلن صراحة أنه لم يعد ممكناً لأى وزير أن يكون مساهماً فى مشروع خاص يتولى أعمالاً مع الحكومة.
وبالمقابل، فإننا نجد تنظيماً تشريعياً متفاوتاً فى دول عديدة لمواجهة ظاهرة تعارض المصالح.
ففى إيطاليا، كان سلفيو برلسكونى، رئيس مجلس الوزراء، محلاً، بصفة مستمرة، لانتقادات حادة من المعارضة، بسبب سيطرته على شبكة كبيرة من محطات التليفزيون وبعض دور النشر، الأمر الذى يثير احتمال وجوده فى حالة تعارض مصالح. وقد ترتب على هذه الانتقادات المستمرة أن صدر قانون فى عام ٢٠٠٤ يوجب على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم وغيرهم من المسؤولين التنفيذيين الامتناع عن اتخاذ قرارات أو المشاركة فى اتخاذ قرارات جماعية تتعلق بموضوعات تثير تعارض مصالح.
أما فى كندا، فإنه يوجد نظامان لتعارض المصالح، أما النظام الأول فهو خاص بالنواب أعضاء مجلس العموم، وهو وارد فى تقنين تعارض مصالح النواب فى ٢٠٠٤. أما النظام الثانى فهو خاص بأعضاء الحكومة وغيرهم من المسؤولين أصحاب المناصب التنفيذية، وهو وارد فى قانون تعارض المصالح النافذ اعتباراً من ٢٠٠٧. ويهدف كل من النظامين إلى تجنب أن يوجد النائب أو شاغل المنصب العام فى وضع تعارض بين المصلحة العامة ومصالحه الخاصة، فالنواب وأصحاب المناصب العامة يجب عليهم الامتناع عن المشاركة فى المناقشات أو المداولات، أو إصدار قرارات أو المشاركة فى إصدار قرارات تتعلق بأوضاع خاصة بمصالحهم الشخصية. وفيما يتعلق بالتعاقد مع الدولة، فإن القانون يحظر على عضو البرلمان أو صاحب المنصب العام أن يكون طرفاً فى عقد مبرم مع الدولة، كما يحظر عليه أيضاً أن تكون له مصلحة فى شركة أشخاص أو شركة خاصة تكون طرفاً فى عقد مبرم مع الدولة وتحصل بمقتضاه على ميزة، ونظّم القانون صوراً أخرى من تعارض المصالح مثل حصول صاحب المنصب العام على أى ميزة نتيجة استغلال منصبه سواء لنفسه أو لأسرته، بل ويضع قيوداً على قبول الهدايا. ويحظر القانون أيضاً على المسؤول السفر على طائرات غير تجارية، وإدارة أو استغلال مشروع أو نشاط تجارى، ويلقى القانون على عاتق النواب وأصحاب المناصب العامة تقديم إقرارات، عند توليهم العضوية أو المنصب، لا تتعلق فقط بثرواتهم وإنما أيضاً بالمصالح الشخصية التى يمكن أن تتعارض مع المصلحة العامة.
وأخيراً، من المهم أن نشير إلى أن القانون فى كندا ينشئ سلطة إدارية مستقلة، تعمل على تطبيق نظامى تعارض المصالح، وتتمتع بسلطة التحقيق مع النائب أو صاحب المنصب العام، وتتمتع بسلطات لاستدعاء الشهود وذلك على غرار بعض المحاكم.
إذا كنا فى مصر جادين حقاً فى إعداد نظام خاص بتعارض المصالح، فإنه يجب أن يتناول هذا التنظيم عدداً من المسائل المهمة، ومن هذه المسائل ما يأتى:
١- أن يحدد المشروع المقترح العناصر التى تدخل فى فكرة تعارض المصالح تحديداً دقيقاً، بما يكفل مواجهة صور تعارض المصالح التى تحدث فى مصر.
٢- أن يحدد المشروع المقترح، تحديداً كافياً، الأشخاص الذين يخضعون لنظام تعارض المصالح، ونرى أن يشمل هذا النظام أعضاء السلطة التشريعية، وعدداً من أصحاب المناصب العليا، يأتى فى مقدمتهم أعضاء الحكومة.
٣- أن يحدد المشروع المقترح التدابير الوقائية لتجنب ظاهرة تعارض المصالح، وهذه التدابير خاصة بالواجبات الإيجابية والمحظورات التى يخضع لها عضو البرلمان أو شاغل المنصب العام، والتى تستهدف الوقاية من تعارض المصالح.
٤- أن يحدد مشروع القانون المقترح الإجراءات الواجب اتخاذها فى حالة وجود شكوك أو أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بمخالفة عضو البرلمان أو صاحب المنصب العام لنظام تعارض المصالح.
٥- أن يحدد مشروع القانون الجزاءات الواجب اتخاذها فى حالة ثبوت مخالفة عضو البرلمان أو صاحب المنصب العام لنظام تعارض المصالح، وأن تصل هذه الجزاءات إلى حد إسقاط عضوية عضو البرلمان، وإقالة عضو الحكومة من منصبه.
٦- أن ينشئ مشروع القانون المقترح سلطة مستقلة تتولى التحقيق فى موضوع تعارض المصالح، وأن يمنحها جميع الضمانات اللازمة لكفالة استقلالها، وأن يزودها بجميع الصلاحيات الضرورية لإنجاز مهمة التحقيق بنجاح.
بقلم / د . محمد عبد اللطيف