قبل أن يبدأ مستشارو الاستئناف حديثهم أكدوا أنه لا تعليق علي أحكام القضاء.. نحن نتحدث حديث القانون ولا علاقة لنا بأي قضية.. نجيب عن أسئلة عامة قانونية يمكن أن تخص هذه القضية أو غيرها.
كانت هذه شروط القضاة أصحاب المقام الرفيع. استجبت لها وبدأنا ندخل في الحديث.. طرحت أسئلتي.. كما طرحت خواطر عوام الناس ممن يطلق عليهم "إعلامياً" الرأي العام.. حاولت الوصول إلي الإجابة دون لف أو دوران وبشفافية تحفظ للقضاء المصري هيبته ووقاره دون افتئات أو تعد أو تجاوز علي الهيئة الموقرة أو غيرها.
كان لابد أولاً من الكشف عن حقيقة ما جري في واقعة المستشار أحمد عزت العشماوي "رحمه الله" مع قضية نواب القروض.. وتساءلت هل يمكن أن تعتبر هذه الواقعة نموذجاً لقضايا مماثلة؟
ثانياً: هل يمكن أن يراعي الحكم القضائي ما يسمي بالمصالح العليا للبلاد سواء أكانت هذه المصالح اقتصادية أو أمنية أو سياسية.. وهل من العدالة قبل إصدار الحكم مراعاة كل هذه الاعتبارات؟
ثالثاً: ما هو المصير الذي ينتظر حكماً تم بدون مرافعة.. وهل يمكن أن يلجأ القاضي إليه ومتي؟ ما هو دور النيابة في هذا الخصوص وهل يمكن أن تنضم إلي الدفاع في أسباب طعنه بالنقض؟
وأبدأ قبل الحديث مع رؤساء الاستئناف بسرد واقعة المستشار أحمد عزت العشماوي في قضية نواب القروض كما شاهدتها بنفسي.. الواقعة كانت يوم 18 مايو ..2002 طالب الدفاع يومها بوقف نظر القضية لحين الفصل في طلب الرجوع الذي تقدم به إلي محكمة النقض.. فما هي حكاية طلب الرجوع؟.. كان الدفاع قد تقدم بهذا الطلب إلي محكمة النقض يطلب منها الرجوع عن حكمها الصادر في 14 يناير 2002 بقبول طعن النيابة والمتهمين ونقض الحكم بإدانتهم وإعادة محاكمتهم أمام دائرة جديدة "وهي دائرة المستشار العشماوي".
وكان الدفاع قبل ذلك أيضاً وفي أول جلسة أمام المستشار العشماوي قد تقدم بطلب رد للمحكمة أوقفت المحكمة علي أثره نظر الدعوي لحين الفصل في طلب الرد.. وتم الفصل فيه برفضه وإعادة القضية لنفس الدائرة.. ولم يكن مستساغاً وقف الدعوي مرة أخري للفصل فيما أسماه الدفاع طلب الرجوع.. فشعرت المحكمة من وجهة نظرها أن هناك تسويفاً ومماطلة مقصودة.. فرفعت الجلسة للمداولة.. ثم عادت المحكمة للمنصة.. لا لتحكم ولكن لتقرر حجز القضية للحكم في 31 يوليو 2002 أي بعد حوالي شهرين ونصف الشهر أعطت فيها المحكمة الفرصة للنيابة لتقديم مذكرات بمرافعتها حتي 25 مايو وللدفاع مهلة حتي 9 يونيو لتقديم مذكراته بالدفاع وفي الموعد المحدد أصدرت الحكم.. تذكر الواقعة دون تعليق ولا مقارنة وتترك ذلك لفطنة القاريء.
المستشار سامي محمود زين الدين رئيس محكمة الاستئناف يؤكد أن المحكمة هي المدافع الأول عن المتهم وفي فترة ما يسمي بإضراب المحامين صدرت أحكام دون مرافعة عندما كانت المحكمة موقنة ببراءة المتهمين.. أما مسألة انعدام الحكم لعدم المرافعة فهي بعيدة لأن ذلك وإن كان إخلالاً بحق الدفاع إلا أنه لا يصل إلي انعدام الحكم.. وبالنسبة لطعن النيابة فإنها تطعن عندما لا يتم الاستجابة لطلباتها.. ولكن إذا طلبت مثلاً الحكم بأقصي العقوبة.. ورأت المحكمة أن أقصي العقوبة للجرائم التي أمامها هي السجن المشدَّد أو المؤبد والنيابة كانت تريد الإعدام.. فإن المحكمة هنا استجابت لطلب النيابة وأدانت المتهمين والعقوبة هنا تقديرية للمحكمة فقط دون تدخل من أحد.. ولا يعتبر هذا رفضاً لطلب النيابة ولكن النيابة هنا أجيبت إلي طلباتها.
ولا يصح لها الطعن استناداً إلي عدم الاستجابة لطلبها.. ولكنها يمكن أن تطعن لخطأ مثلاً في تطبيق القانون.
المستشار محمد ناجي شحاتة رئيس محكمة الاستئناف بالجيزة يقول إن القاعدة العامة أنه لا يضار الطاعن بطعنه.. فإذا طعن المتهم علي الحكم الصادر ضده فإن الدائرة الجديدة التي سيحاكم أمامها لو قبل طعنه لن تحكم بأشد مما قضت به السابقة وكذلك لو تصدت محكمة النقض لواقعة فلن يحكم بأشد مما قضت به الدائرتان السابقتان.. أما إذا طعنت النيابة وهذا محتمل أيضاً فالوضع يختلف.
سألته وهل يحق للنيابة الطعن؟..
أجاب: من حقها أن تطعن إذا أغفلت المحكمة طلباتها مثل أن تصدر حكماً في قضية اختلاس مثلاً بأقصي العقوبة ولكنها لم تعزل المتهم من الوظيفة.. من حق النيابة هنا أن تطعن لأن المحكمة لم توقع العقوبة بكامل أجزائها.. إلا أن النيابة ليس من حقها أن تنضم إلي الدفاع مثلاً لعدم استكمال إجراءات المحاكمة مثل عدم الاستماع إلي المرافعة الشفوية.. ولكن لو رأت بطلاناً في الإجراءات أثر علي الحكم مثل أن يطلب الدفاع استعمال الرأفة.. فتقضي المحكمة بالبراءة فلها أن تطعن علي الحكم أو رأت النيابة أن الجريمة ثابتة وقضت المحكمة بالبراءة فلها أيضاً أن تطعن علي الحكم.
ولكن هل يجوز للمحكمة الاكتفاء بما أبداه الدفاع في مرافعات سابقة؟
يجيب المستشار محمد ناجي شحاتة بأنه يجوز ذلك إذا عادت القضية بعد حكم منقوض وإذا ارتأت من سلوك الدفاع أنه يهدف إلي عرقلة الفصل في الدعوي لأنه من القواعد الأساسية في قانون الإجراءات الجنائية أن سير الخصومة بشكل طبيعي هو اعتبار أساس يفضل علي حق الدفاع.
ولكن ما هي حدود القاضي في الحكم. أليس من العدالة مراعاة المصالح العليا للبلاد التي تؤثر تأثيراً خطيراً علي النواحي الاقتصادية أو الأمنية مثلاً؟
يجيب المستشار محمد ناجي شحاتة بأن هذا غير موضوع إطلاقاً في ضمير القاضي.. هذا ينحي جانباً تماماً.. فلا سلطان علي القاضي إلا لضميره فقط ولا اعتبار لأي مواءمات أخري كالناحية السياسية أو الاقتصادية أو الرأي العام لأن العدالة معصوبة العينين.. ويجب توقيع العقاب دون أي اعتبارات تتعلق بمكانة المتهم أو نفوذه أو مدي تأثيره علي الحالة الاقتصادية.. ومن المباديء الأساسية المطروحة في قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات أن لكل جريمة عقوبة لها حدان أدني وأقصي فإذا وقع القاضي العقوبة علي المتهم فيما بين حديها الأدني والأقصي فقد استعمل حقه ولا يستطيع أحد أن ينال من حكم القاضي الذي استعمل سلطته التقديرية في حدود العقوبة التي مكنه المشرع من توقيعها علي المتهم.
إضافة إلي ذلك كما يؤكد المستشار ناجي شحاتة أنه إذا ارتأي القاضي وارتاح ضميره ووجدانه أن هناك ظروفاً في الدعوي أو ظروفاً شخصية للمتهم توجب النزول بالعقوبة عن الحد الأدني المقرر لها قانوناً فله أن يعمل بنص المادة "17" عقوبات المخففة للعقوبة عن حدها الأدني فيستبدل مثلاً السجن المشدد بالسجن فقط أو المؤبد بالمؤقت.. وفي جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد فإن عقوبتها الإعدام للفاعل الأصلي والإعدام أو السجن المؤبد للشريك إلا إذا رأت المحكمة أن الشريك أكثر إجراماً كأن يكون الفاعل مثلاً استمد الجريمة من الشريك.
المستشار محمد عاصم بسيوني رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة يؤكد أن القاضي لا علاقة له بأحداث أخري غير الأوراق مثل ما يسمي المصالح العليا أو خلافه فهو يطبق حكم القانون الصحيح ولا يتأثر بعواطف أو سلوك الرأي العام ويؤكد أنه ليس شرطاً أن يأخذ الشريك عقوبة مثل الفاعل الأصلي فيمكن للمحكمة أن تفرد العقاب أو تقدر مساهمة كل منهم في الجريمة فالمحرض علي الجريمة هو الذي خلق الفكرة ولكن الفاعل الأصل يمكنه العدول عنها.. فإذا اقتنع وفكر ودبر ونفذ أصبح فاعلاً أصلياً..
ولكن المستشار البسيوني يشير إلي أنه في حالة طعن النيابة فإن تشديد العقوبة لابد أن يكون بإجماع الآراء وأن يثبت ذلك.. والتصالح ليس قاعدة لتخفيف العقوبة ولكنه يرجع لتقدير المحكمة.
ويؤكد المستشار البسيوني أنه ليس للنيابة أن تطعن إذا وجدت خطأ من وجهة نظرها في إجراءات المحاكمة مثل عدم سماع المرافعة ولكنها تطعن إذا أغفلت المحكمة واقعة من الوقائع أو مادة تنطبق علي الجريمة أو طبق قانوناً لا يعمل به فهذا خطأ في تطبيق القانون يُطعن فيه النيابة.. يضيف أن للمحكمة أيضاً أن تكتفي بالمرافعات السابقة إذا رأت تسويفاً من الدفاع لإطالة أمد التقاضي.
ولكن محامي النقض هشام عبدالسلام يؤكد أن المشرع أوجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه دفاعاً صحيحاً وعلي محكمة الموضوع أن تراقب الدفاع فلو كان صورياً تعرض علي المتهم توكيل محام آخر.. وهذا يؤكد ضرورة الدفاع الشفوي أمام المحكمة.. أما القول بالاكتفاء بالمرحلة السابقة فهو خطأ لأن أي محاكمتين لا يقل الفاصل الزمني بينهما عن عام وخلاله قد يستجد مدافعون جدد بوجهة نظر جديدة وصياغة جديدة وأدلة جديدة فحرمانهم من أداء واجبهم خرق للقانون وإذا بدأت الجنايات اتباع هذا المنهج سقط أحد جناحي العدالة وأصبح المحامي لا دور له لأن المرافعة الشفوية تظهر جوانب أخري غير معروضة في الادعاء ولايصح أن تسمح المحكمة بالإدعاء الجنائي والإدعاء المدني وتحجب صاحب الدعوي الأصلية وهو المدافع عن المتهم عن المرافعة وعندما تصدر المحكمة قراراً بطلب شهود ثم تعدل عنه دون مقتضي فهذا إبطال لإجراءات المحاكمة يمكن أن ينعدم بسببها الحكم ويعاد مرة ثالثة للجنايات.
الجمهورية
كانت هذه شروط القضاة أصحاب المقام الرفيع. استجبت لها وبدأنا ندخل في الحديث.. طرحت أسئلتي.. كما طرحت خواطر عوام الناس ممن يطلق عليهم "إعلامياً" الرأي العام.. حاولت الوصول إلي الإجابة دون لف أو دوران وبشفافية تحفظ للقضاء المصري هيبته ووقاره دون افتئات أو تعد أو تجاوز علي الهيئة الموقرة أو غيرها.
كان لابد أولاً من الكشف عن حقيقة ما جري في واقعة المستشار أحمد عزت العشماوي "رحمه الله" مع قضية نواب القروض.. وتساءلت هل يمكن أن تعتبر هذه الواقعة نموذجاً لقضايا مماثلة؟
ثانياً: هل يمكن أن يراعي الحكم القضائي ما يسمي بالمصالح العليا للبلاد سواء أكانت هذه المصالح اقتصادية أو أمنية أو سياسية.. وهل من العدالة قبل إصدار الحكم مراعاة كل هذه الاعتبارات؟
ثالثاً: ما هو المصير الذي ينتظر حكماً تم بدون مرافعة.. وهل يمكن أن يلجأ القاضي إليه ومتي؟ ما هو دور النيابة في هذا الخصوص وهل يمكن أن تنضم إلي الدفاع في أسباب طعنه بالنقض؟
وأبدأ قبل الحديث مع رؤساء الاستئناف بسرد واقعة المستشار أحمد عزت العشماوي في قضية نواب القروض كما شاهدتها بنفسي.. الواقعة كانت يوم 18 مايو ..2002 طالب الدفاع يومها بوقف نظر القضية لحين الفصل في طلب الرجوع الذي تقدم به إلي محكمة النقض.. فما هي حكاية طلب الرجوع؟.. كان الدفاع قد تقدم بهذا الطلب إلي محكمة النقض يطلب منها الرجوع عن حكمها الصادر في 14 يناير 2002 بقبول طعن النيابة والمتهمين ونقض الحكم بإدانتهم وإعادة محاكمتهم أمام دائرة جديدة "وهي دائرة المستشار العشماوي".
وكان الدفاع قبل ذلك أيضاً وفي أول جلسة أمام المستشار العشماوي قد تقدم بطلب رد للمحكمة أوقفت المحكمة علي أثره نظر الدعوي لحين الفصل في طلب الرد.. وتم الفصل فيه برفضه وإعادة القضية لنفس الدائرة.. ولم يكن مستساغاً وقف الدعوي مرة أخري للفصل فيما أسماه الدفاع طلب الرجوع.. فشعرت المحكمة من وجهة نظرها أن هناك تسويفاً ومماطلة مقصودة.. فرفعت الجلسة للمداولة.. ثم عادت المحكمة للمنصة.. لا لتحكم ولكن لتقرر حجز القضية للحكم في 31 يوليو 2002 أي بعد حوالي شهرين ونصف الشهر أعطت فيها المحكمة الفرصة للنيابة لتقديم مذكرات بمرافعتها حتي 25 مايو وللدفاع مهلة حتي 9 يونيو لتقديم مذكراته بالدفاع وفي الموعد المحدد أصدرت الحكم.. تذكر الواقعة دون تعليق ولا مقارنة وتترك ذلك لفطنة القاريء.
المستشار سامي محمود زين الدين رئيس محكمة الاستئناف يؤكد أن المحكمة هي المدافع الأول عن المتهم وفي فترة ما يسمي بإضراب المحامين صدرت أحكام دون مرافعة عندما كانت المحكمة موقنة ببراءة المتهمين.. أما مسألة انعدام الحكم لعدم المرافعة فهي بعيدة لأن ذلك وإن كان إخلالاً بحق الدفاع إلا أنه لا يصل إلي انعدام الحكم.. وبالنسبة لطعن النيابة فإنها تطعن عندما لا يتم الاستجابة لطلباتها.. ولكن إذا طلبت مثلاً الحكم بأقصي العقوبة.. ورأت المحكمة أن أقصي العقوبة للجرائم التي أمامها هي السجن المشدَّد أو المؤبد والنيابة كانت تريد الإعدام.. فإن المحكمة هنا استجابت لطلب النيابة وأدانت المتهمين والعقوبة هنا تقديرية للمحكمة فقط دون تدخل من أحد.. ولا يعتبر هذا رفضاً لطلب النيابة ولكن النيابة هنا أجيبت إلي طلباتها.
ولا يصح لها الطعن استناداً إلي عدم الاستجابة لطلبها.. ولكنها يمكن أن تطعن لخطأ مثلاً في تطبيق القانون.
المستشار محمد ناجي شحاتة رئيس محكمة الاستئناف بالجيزة يقول إن القاعدة العامة أنه لا يضار الطاعن بطعنه.. فإذا طعن المتهم علي الحكم الصادر ضده فإن الدائرة الجديدة التي سيحاكم أمامها لو قبل طعنه لن تحكم بأشد مما قضت به السابقة وكذلك لو تصدت محكمة النقض لواقعة فلن يحكم بأشد مما قضت به الدائرتان السابقتان.. أما إذا طعنت النيابة وهذا محتمل أيضاً فالوضع يختلف.
سألته وهل يحق للنيابة الطعن؟..
أجاب: من حقها أن تطعن إذا أغفلت المحكمة طلباتها مثل أن تصدر حكماً في قضية اختلاس مثلاً بأقصي العقوبة ولكنها لم تعزل المتهم من الوظيفة.. من حق النيابة هنا أن تطعن لأن المحكمة لم توقع العقوبة بكامل أجزائها.. إلا أن النيابة ليس من حقها أن تنضم إلي الدفاع مثلاً لعدم استكمال إجراءات المحاكمة مثل عدم الاستماع إلي المرافعة الشفوية.. ولكن لو رأت بطلاناً في الإجراءات أثر علي الحكم مثل أن يطلب الدفاع استعمال الرأفة.. فتقضي المحكمة بالبراءة فلها أن تطعن علي الحكم أو رأت النيابة أن الجريمة ثابتة وقضت المحكمة بالبراءة فلها أيضاً أن تطعن علي الحكم.
ولكن هل يجوز للمحكمة الاكتفاء بما أبداه الدفاع في مرافعات سابقة؟
يجيب المستشار محمد ناجي شحاتة بأنه يجوز ذلك إذا عادت القضية بعد حكم منقوض وإذا ارتأت من سلوك الدفاع أنه يهدف إلي عرقلة الفصل في الدعوي لأنه من القواعد الأساسية في قانون الإجراءات الجنائية أن سير الخصومة بشكل طبيعي هو اعتبار أساس يفضل علي حق الدفاع.
ولكن ما هي حدود القاضي في الحكم. أليس من العدالة مراعاة المصالح العليا للبلاد التي تؤثر تأثيراً خطيراً علي النواحي الاقتصادية أو الأمنية مثلاً؟
يجيب المستشار محمد ناجي شحاتة بأن هذا غير موضوع إطلاقاً في ضمير القاضي.. هذا ينحي جانباً تماماً.. فلا سلطان علي القاضي إلا لضميره فقط ولا اعتبار لأي مواءمات أخري كالناحية السياسية أو الاقتصادية أو الرأي العام لأن العدالة معصوبة العينين.. ويجب توقيع العقاب دون أي اعتبارات تتعلق بمكانة المتهم أو نفوذه أو مدي تأثيره علي الحالة الاقتصادية.. ومن المباديء الأساسية المطروحة في قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات أن لكل جريمة عقوبة لها حدان أدني وأقصي فإذا وقع القاضي العقوبة علي المتهم فيما بين حديها الأدني والأقصي فقد استعمل حقه ولا يستطيع أحد أن ينال من حكم القاضي الذي استعمل سلطته التقديرية في حدود العقوبة التي مكنه المشرع من توقيعها علي المتهم.
إضافة إلي ذلك كما يؤكد المستشار ناجي شحاتة أنه إذا ارتأي القاضي وارتاح ضميره ووجدانه أن هناك ظروفاً في الدعوي أو ظروفاً شخصية للمتهم توجب النزول بالعقوبة عن الحد الأدني المقرر لها قانوناً فله أن يعمل بنص المادة "17" عقوبات المخففة للعقوبة عن حدها الأدني فيستبدل مثلاً السجن المشدد بالسجن فقط أو المؤبد بالمؤقت.. وفي جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد فإن عقوبتها الإعدام للفاعل الأصلي والإعدام أو السجن المؤبد للشريك إلا إذا رأت المحكمة أن الشريك أكثر إجراماً كأن يكون الفاعل مثلاً استمد الجريمة من الشريك.
المستشار محمد عاصم بسيوني رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة يؤكد أن القاضي لا علاقة له بأحداث أخري غير الأوراق مثل ما يسمي المصالح العليا أو خلافه فهو يطبق حكم القانون الصحيح ولا يتأثر بعواطف أو سلوك الرأي العام ويؤكد أنه ليس شرطاً أن يأخذ الشريك عقوبة مثل الفاعل الأصلي فيمكن للمحكمة أن تفرد العقاب أو تقدر مساهمة كل منهم في الجريمة فالمحرض علي الجريمة هو الذي خلق الفكرة ولكن الفاعل الأصل يمكنه العدول عنها.. فإذا اقتنع وفكر ودبر ونفذ أصبح فاعلاً أصلياً..
ولكن المستشار البسيوني يشير إلي أنه في حالة طعن النيابة فإن تشديد العقوبة لابد أن يكون بإجماع الآراء وأن يثبت ذلك.. والتصالح ليس قاعدة لتخفيف العقوبة ولكنه يرجع لتقدير المحكمة.
ويؤكد المستشار البسيوني أنه ليس للنيابة أن تطعن إذا وجدت خطأ من وجهة نظرها في إجراءات المحاكمة مثل عدم سماع المرافعة ولكنها تطعن إذا أغفلت المحكمة واقعة من الوقائع أو مادة تنطبق علي الجريمة أو طبق قانوناً لا يعمل به فهذا خطأ في تطبيق القانون يُطعن فيه النيابة.. يضيف أن للمحكمة أيضاً أن تكتفي بالمرافعات السابقة إذا رأت تسويفاً من الدفاع لإطالة أمد التقاضي.
ولكن محامي النقض هشام عبدالسلام يؤكد أن المشرع أوجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه دفاعاً صحيحاً وعلي محكمة الموضوع أن تراقب الدفاع فلو كان صورياً تعرض علي المتهم توكيل محام آخر.. وهذا يؤكد ضرورة الدفاع الشفوي أمام المحكمة.. أما القول بالاكتفاء بالمرحلة السابقة فهو خطأ لأن أي محاكمتين لا يقل الفاصل الزمني بينهما عن عام وخلاله قد يستجد مدافعون جدد بوجهة نظر جديدة وصياغة جديدة وأدلة جديدة فحرمانهم من أداء واجبهم خرق للقانون وإذا بدأت الجنايات اتباع هذا المنهج سقط أحد جناحي العدالة وأصبح المحامي لا دور له لأن المرافعة الشفوية تظهر جوانب أخري غير معروضة في الادعاء ولايصح أن تسمح المحكمة بالإدعاء الجنائي والإدعاء المدني وتحجب صاحب الدعوي الأصلية وهو المدافع عن المتهم عن المرافعة وعندما تصدر المحكمة قراراً بطلب شهود ثم تعدل عنه دون مقتضي فهذا إبطال لإجراءات المحاكمة يمكن أن ينعدم بسببها الحكم ويعاد مرة ثالثة للجنايات.
الجمهورية