تعالت الاصوات المطالبة بتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في مباشرة مهامها الرقابية علي مجريات العمل السياسي بوجه عام ومن بينها مباشرة الحقوق السياسية لهذه المنظمات في مراقبة انتخابات مجلس الشعب المقبلة وغيرها من الممارسات السياسية اللاحقة عليها فالامر لديها يطلق عليه موسم الانتخابات حيث تنشط الجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني في متابعة المرشحين حتي تنتهي العملية الانتخابية برمتها وتعود تلك المنظمات للتواري في الظلمات خمس سنوات دون الالتفات إلي دورها الاجتماعي الداعي بحيث لا يقتصر دورها علي الجوانب السياسية فقط التي اصبحت لا تهم قطاعا عريضا من المواطنين بقدر اهتمامهم بمن يؤمن لهم قوت ابناءهم واحتياجاتهم الضرورية بعد أن التهمت الاسعار دخولهم واصبحوا في حاجة ماسة لمساندة منظمات المجتمع المدني لهم والتخفيف عن كاهلهم معضلات جمة تعثروا فيها ويبحثون لها عن مرشد من قبل المنظمات الاهلية الراعية لحقوق المواطنين.
ويقول د. جمال عبد الجواد، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن الانتخابات في مصر ترتبط بشكل واسع بمنظمات المجتمع المدني والتي لها دور رقابي مهم علي سير العملية الانتخابية.
وأكد السيد ياسين المفكر السياسي، علي ضرورة عمل دراسة حقيقية تسعي إلي التعرف علي ما تريده منظمات المجتمع المدني من الشارع المصري لافتا إلي أن دور غالبية تلك المنظمات صار يقتصر علي الانتخابات النيابية ومراقبتها فقط دون الاهتمام بحياة المواطن وحقه الاقتصادي والصحي وليس السياسي فقط.
وأضاف ياسين في مؤتمر المجتمع المدني والانتخابات البرلمانية الذي نظمه مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية أن هناك أزمة ما في مصر تتمثل في ثقافة المواطن تجاه معرفة دور مجلسي الشعب والشوري موضحا أن المواطن مازال يعتقد أن دور الشوري هامشي ولم يتضح له بعد التعديلات التشريعية التي أعطت للشوري صلاحيات كبيرة مما أدي إلي عزوفه نسبيا عن التصويت في انتخابات الشوري الماضية متوقعا أن تشهد انتخابات مجلس الشعب المقبلة حضوراً واسعاً ومشاركات في جميع الدوائر الانتخابية.
وهاجم ياسين من أسماهم بالأحزاب المجهولة لافتا إلي وجود ما يقرب من 20 حزباً لا يعرف المواطن أو النخبة عنها شيئا مما جعلها مجهولة في المجتمع حتي إن النخبة نفسها لا تعرف قيادات هذه الأحزاب أو برامجها التي من المفترض أن تقدمها إلي المواطن العادي داعيا هذه الأحزاب إلي "عرض أنفسهم وبضاعتهم السياسية علي الإعلام"، وأكد ياسين أن تعبير "سيادة الدولة" لم يعد مصطلحا "مطلقا" بل صار مقيدا لافتا إلي ضرورة وضع ما أسماه أحقية المجتمع المدني العالمي في مراقبة الانتخابات وهذا لا يعد تدخلا في شئون الدولة بل يدخل ضمن حقوق المجتمع المدني المحلي.
وقالت د. أماني قنديل عضو المجلس القومي للمرأة ومنسق الشبكة العربية للمنظمات الأهلية: إن جميع الأدبيات الغربية التي تناولت دور المجتمع المدني لم تتناول قدرته علي إحداث تغيير، وقالت إن الانتخابات البرلمانية عام 2005 شهدت اختلاطا للنفوذ السياسي والاقتصادي معا فضلا عن دخول المصالح الرأسمالية الكبري في الجمعيات الأهلية لافتة النظر لجماعة الإخوان المسلمين حيث استطاعوا توظيف قدراتهم المالية داخل الجمعيات الأهلية مما انعكس عليهم أثناء الانتخابات البرلمانية.
وانتقدت قنديل بشدة توظيف الجمعيات الأهلية لصالح العملية الانتخابية مشيرة إلي أن الانتخابات الماضية كشفت عما يقرب من 400 مرشح "رجال أعمال وأثرياء" ممن لديهم جمعيات أهلية واستطاعوا توظيفها أثناء العملية الانتخابية.
وانتقدت قنديل تحول بعض منظمات المجتمع المدني إلي "جماعات مصالح" ولفتت النظر إلي ما رصدته في دراسة أعدتها عام 2006 بشأن انتخابات عام 2005 كشفت عن قيام 38 منظمة خيرية كانت تراقب الانتخابات ولم يتواجد بها أي كوادر حقيقية مؤكدة علي دور المجتمع المدني في متابعة العملية الانتخابية.
ورأي أيمن عبد الوهاب رئيس برنامج المجتمع المدني بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه ليس لدينا في مصر مجتمع مدني بالمعني الحقيقي والموجود حاليا يتنافي مع حالة النشاط والحيوية التي تبدو عليها بعض قطاعات هذا المجتمع خلال فترات زمنية معينة وربما يتنافي مع العمق التاريخي للعمل الأهلي.
وأشار عبد الوهاب في الورقة البحثية التي قدمها تحت عنوان "المجتمع المدني المصري إشكاليات الدور" إلي أن الدولة سعت إلي التعامل مع الجمعيات الأهلية كإحدي أدوات تنفيذ السياسات العامة للدولة إلا أن الاندماج التنظيمي لم يمنع النوادي وعلي الأخص نادي أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة من الاحتجاج علي بعض الاتجاهات السياسية للنظام الأمر الذي تراجع معه دور وزارة الشئون الاجتماعية في التأثير علي نشاط النوادي كما برز أيضا دور نادي القضاة مؤخرا حيث اتجهت نوادي القضاة إلي مطالبة النظام السياسي بإقرار التعديلات المقترحة علي قانون السلطة القضائية وتحديد ضوابط إشراف القضاء علي الانتخابات العامة مشيرا إلي أن بعض الجمعيات الأهلية الدينية الإسلامية والمسيحية لعبت أدوارآً سياسية إلي جانب أدوارها الاجتماعية الأهلية الإسلامية تمثلت في جمعية الشبان المسلمين التي احتضنت منذ تأسيسها عناصر الإخوان المسلمين وعلي الجانب المسيحي انطبقت قاعدة تسييس العمل الاجتماعي والدور السياسي الضمني علي جمعية الشباب المسيحية.
وعلي جانب متصل أكد يسري الغرباوي الباحث السياسي بالمركز، في دراسته عن "الفئات المهمشة في المجالس النيابية" أن مشاركة المرأة المصرية في العمل السياسي ترجع إلي عام 1881 عندما شاركت في الثورة العرابية كما ساهمت في ثورة 19 وفي ظل قانون الحكم المحلي رقم 43 لسنة 79 أنشئت مجالس للأحياء والمدن ومجالس للقري والمجلس الشعبي المحلي للمحافظة وخصص للمرأة في كل منها مقاعد تتراوح نسبتها بين10 % إلي 20% من إجمالي عدد الأعضاء.
وقال الغرباوي في دراسة إن نسبة مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية لا تتعدي الـ 5% بينما لا تتعدي مشاركتها كنائب في البرلمان الـ 2% وتأتي مشاركتها في الانتخابات المختلفة لتعكس تدنيا واضحا في نسب المشاركة حيث لا يذهب إلي التصويت من 5.3 مليون مواطنة لها حق التصويت سوي أقل من مليون، وأشار الغرباوي إلي أن نسبة المقيدات في الجداول الانتخابية في عام 1975 كانت 16% من إجمالي عدد النساء بينما لم يزد في عام 2006 سوي 19% فقط أي أن نسبة المقيدات كانت 40% كما جاءت نسبة التصويت في عام 1984 لتمثل 43% بينما انخفضت في عام 2005 لتصبح 28% ويشير هذا إلي تدني مستوي المشاركة السياسية للمصريين في الانتخابات التشريعية والتي بلغت أقصاها عام 1987 محققة نسبة 50% بينما جاء أدني مستوياتها في انتخابات 2000 حيث بلغت النسبة 25%.
وقال الغرباوي إن انتخابات مجلس الشعب 2000-2005 تميزت بنسبة مشاركة مرتفعة للمرأة ولكن جاء ذلك لصالح جماعة الإخوان المسلمين والتي نجحت بانضباطها التنظيمي في حشد أعضائها من النساء الأخوات بينما انتخابات 2005 كانت تمثل علامة للتدهور في أوضاع المرأة في المجال السياسي حيث إن نسبة المقيدين ممن لهم حق التصويت في الانتخابات عام 84 كانت 46% بينما زاد بنسبة 34% فقط في 2005 وجاءت نسبة ممن أدلوا بأصواتهم في انتخابات 84 بنسبة 11% ولم تمثل هذه النسبة أي ارتفاع في 2005 وظلت علي ما هي عليه بنسبة 11%.
وأكدت الدراسة أن نسبة مشاركة المرأة في مجلس الشوري بلغت في 2002 نسبة 5% مقابل 95% للرجال وضعف إقبال المرأة والأقباط علي انتخابات الشوري أدي إلي وجود أغلبية التعيينات من هاتين الفئتين وبالنسبة للمرأة في انتخابات مجلس الشعب فنسبة تمثيلها في برلمان 2005 سجلت انخفاضات عن نظيرتها في عام 2000 حيث حصلت المرأة علي 9 مقاعد "4 بالانتخاب و5 بالتعيين" وذلك مقارنة ببرلمان 2000 حيث حصلت علي 11 مقعداً.
وأشار الغرباوي إلي أن مشاركة المرأة في برلمان عام 75 كانت بعدد 2 من النائبات من إجمالي 350 مقعدا بينما زادت النسبة في 2005 مقعدين فقط وجاء تمثيل المرأة علي أربعة مقاعد من إجمالي 444 مقعداً. وأشار إلي أن الكنيسة المصرية كان لها دور في الانتخابات النيابية من حيث المشاركة أو المقاطعة حيث لعبت الكنيسة دوراً في تسجيل الناخبين المسيحيين في الجداول الانتخابية كما أنها قامت بحملات واسعة لدعم مرشحي الحزب الوطني وقد وصل الدعم إلي قيام رجال الدين بإيصال رسالة إلي المصلين في الكنائس أن البابا شنودة يدعوهم إلي المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتصويت لصالح الرئيس مبارك في حين أكدت مرشحة قبطية في أحد الانتخابات النيابية أن القس المسئول عن إحدي الكنائس قام بطردها من الكنيسة لأنها حاولت القيام بدعاية انتخابية لصالحها ضد مرشح الوطني، وقالت دراسة الغرباوي إنه في عام 1984 ترشح 3879 قبطياً ولم ينجح سوي أربعة بينما ترشح في عام 2005 عدد 5165 ولم ينجح سوي واحد فقط.