روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    ماذا قال النحاس باشا عن استقلال القضاء؟

    رمضان الغندور
    رمضان الغندور
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني
    مؤسس ومصمم المنتدي والدعم الفني


    عدد المساهمات : 7758
    نقاط : 21567
    السٌّمعَة : 16
    تاريخ التسجيل : 31/05/2009
    العمر : 67
    العمل/الترفيه : محامي حر

    ماذا قال النحاس باشا عن استقلال القضاء؟ Empty ماذا قال النحاس باشا عن استقلال القضاء؟

    مُساهمة من طرف رمضان الغندور الأحد يوليو 26, 2009 9:37 pm


    »‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا‮ ‬يضركم من ضل إذا اهتديتهم إلي‮ ‬الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون‮« ‬صدق الله العظيم‮.‬

    ‮* ‬إن استقلال القضاء‮ - ‬معني‮ ‬تحسه النفوس حلوا كانغام الطبيعة‮ - ‬جميلا كأحلام الشباب‮ - ‬طالما تمني‮ ‬كل مبتغ‮ ‬للخير قاصدا رفعة البلاد أن‮ ‬يكون مظهره بارزا للعيان تغلفه النفوس‮.‬
    ‮* ‬إن استقلال القاضي‮ ‬الذي‮ ‬وكلت حقوق الناس إليه،‮ ‬وأصبحت أرواحهم وأموالهم وديعة بين‮ ‬يديه،‮ ‬يجلس في‮ ‬محراب العدالة قبلته القسطاس المستقيم،‮ ‬وغايته احقاق الحق وانصاف المظلوم،‮ ‬لا سيف من نقل أو عزل‮ ‬يسلط عليه،‮ ‬ولا تهديد ولا وعيد‮ ‬ينال منه،‮ ‬بل‮ ‬يختلي‮ ‬في‮ ‬صومعته المقدسة،‮ ‬هادئة نفسه،‮ ‬مطمئنا ضميره،‮ ‬يبحث وينقب،‮ ‬ويراجع ويقلب،‮ ‬حتي‮ ‬يصل إلي‮ ‬ما‮ ‬يستريح إليه،‮ ‬وليس عليه من رقيب سوي‮ ‬علام الغيوب‮.‬

    ‮* ‬إن حرية القاضي‮ ‬ليست ألا جزءًا من الحرية العامة وركنا لا‮ ‬يتم تشييدها ألا به‮.. ‬فلا‮ ‬يقال لقاض عزلناك لأنك حكمت،‮ ‬أو أقصيناك لأنك تحديت وما خضعت‮.‬ هذا مما قاله مصطفي‮ ‬النحاس باشا رئيس وزراء مصر الأسبق في‮ ‬احتفالية حضرها الملك فاروق،‮ ‬وأقيمت بمناسبة إصدار قانون استقلال القضاء عام‮ ‬1943‮ ‬متضمنا النص علي‮ ‬إنشاء مجلس القضاء الأعلي‮ ‬ناط به دون‮ ‬غيره شأن القضاء بحيث جعل أمر القضاء في‮ ‬يد فئة منهم‮.‬ ولقد كان الدافع وراء إنشاء ذلك المجلس ما‮ ‬يتمتع به وزير العدل من حقوق مطلقة في‮ ‬تعيين وترقية وندب القضاة‮ - ‬ولما تبين من سوء استخدام هذه السلطات من جانب كثير من وزراء العدل‮.‬ وفي‮ ‬هذه الاحتفالية أيضا قال وزير العدل آنذاك صبري‮ ‬أبوعلم‮ »‬ما عرفت قانونا خفق قلب الأمة بصدوره‮ - ‬وأطمأن ضمير القضاة لاعلانه وظهوره وسرت في‮ ‬النفوس نشوة من السرور والغبطة لبزوغ‮ ‬نوره،‮ ‬مثل قانون استقلال القضاء ذلك أنه لم‮ ‬يكن قانونا ولا تشريعا عاديا،‮ ‬بل هو استكمال لضمانات نص عليها الدستور،فهو جزء من الدستور ومكمل له،‮ ‬هو دستور السلطة الثالثة في‮ ‬الدولة،‮ ‬وهي‮ ‬السلطة القضائية،‮ ‬فلا عجب أن‮ ‬يعتبر صدوره حادثا من الحوادث الكبري‮ ‬في‮ ‬تاريخ البلاد،‮ ‬بل لا عجب أن‮ ‬يتخذ‮ ‬يوم إعلانه عيدا قوميا بين الأعياد‮..‬وهو قانون أثره أكبر من مواده،‮ ‬ومغزاه‮ ‬يتجاوز حدود ألفاظه،‮ ‬صحيح أنه‮ ‬يرتب للقضاة جميعا أنواعا من الضمانات والحقوق والامتيازات،‮ ‬ظلوا‮ ‬يرقبوبها منذ أعلن الدستور،‮ ‬وصحيح أنه‮ ‬يكفل لهم عدم قابليتهم للعزل،‮ ‬وينظم قواعد التعيين والنقل،‮ ‬ويحميهم من كل ما كانوا‮ ‬يخشونه ويستهدفون له في‮ ‬الماضي‮..
    ولكن ليس هذا هو كل فضل القانون‮.‬ ولا كل أثره،‮ ‬فهو قانون‮ ‬يخلق للقضاء المصري‮ ‬جوا جديدا من العزة والشعور بالاستقلال‮.‬ الاستقلال عن السلطة التنفيذية،‮ ‬إذ‮ ‬يركز أكثر شئون القضاء في‮ ‬أسرة القضاء،‮ ‬فيخلق الشعور بالذاتية والكرامة الشخصية،‮ ‬ويبني‮ ‬حول القضاء حصنا منيعا‮ ‬يعز علي‮ ‬من رامه ويطول‮..
    وأضاف الوزير صبري‮ ‬أبوعلم أن هناك أمانة تقع في‮ ‬عنق القائمين بوزارة العدل علي‮ ‬تنفيذه،‮ ‬هو أن‮ ‬ينفذوه بروح المؤمن باستقلا لكم كحقيقة من الحقائق،‮ ‬فلا‮ ‬يدعون ثغرة،‮ ‬مفتوحة‮ ‬يمكن أن تنفذ منها إلي‮ ‬استقلالكم ألا سدوها‮ - ‬وإنني‮ ‬لأبدأ بنفسي‮ ‬ضاربا بالمثل في‮ ‬ذلك لبعض حالات لم‮ ‬يشملها القانون‮.‬ ورغم أن تلك كانت البدايات‮ - ‬إلا أن السلف الصالح لم‮ ‬يقنع بها‮ - ‬واعتبره‮ ‬غير كاف حيث اعترض مستشارو محكمة الاستئناف آنذاك وتقدموا بمذكرة اعترضوا فيها علي‮ ‬عضوية كل من الوكيل الدائم لوزارة العدل والنائب العام،‮ ‬لكونهما من رجال السلطة التنفيذية ولأن وجودهما مرجح لوجهة نظر هذه السلطة ترجيحا لا‮ ‬يرجع إلي‮ ‬صواب‮..

    وقد انتقد المستشار حسن نجيب في‮ ‬مذكراته عن استقلال القضاء وتشكيل مجلس القضاء الأعلي‮ ‬بقوله‮ »‬إن المجلس بهذه الصورة لا‮ ‬يحقق فكرة الاستقلال عن السلطة التنفيذية‮.. ‬وأنه إذا ألتمس الإنسان موضع الفهم من رأسه لكشف الغاية الحقيقية من تمييز رئيس محكمة مصر الابتدائية عن أقرانه بإجلاسه في‮ ‬مجلس القضاء الأعلي‮ ‬إنما إرضاء لرغبات الوزير،‮ ‬أن الأجدي‮ ‬ألا‮ ‬يترك للوزير سلطة اختياره لأنه سيختاره عندئذ ممن‮ ‬يوافقونه علي‮ ‬أهوائه وأغراضه‮ - ‬فضلا عن حالة التبعية التي‮ ‬تجعل من المجلس مجلسا وهميا‮ ‬يختفي‮ ‬وراءه الوزير الذي‮ ‬هو في‮ ‬الواقع المحرك الحقيقي‮ ‬له‮.. ‬وأنه‮ ‬يتعين إذا أريد الإصلاح أن‮ ‬يتكون هذا المجلس من رجال القضاء دون‮ ‬غيرهم،‮ ‬وأن‮ ‬يكون مقره محكمة النقض،‮ ‬حرصا علي‮ ‬مظاهر كرامته وبعدا به عن مظنة التبعية للوزير‮ - ‬وأن تكون كلمته هي‮ ‬العليا‮ - ‬وأن‮ ‬يفصل في‮ ‬شئون القضاء كما تفصل المحاكم في‮ ‬القضايا‮ - ‬وهكذا‮ ‬يكون اسمًا علي‮ ‬مسمي‮.‬
    ولقد أخذ المجلس المذكور‮ ‬يؤدي‮ ‬رسالته في‮ ‬كل ما‮ ‬يتعلق بشئون القضاة حتي‮ ‬جاءت ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952‮ ‬فحرصت بدورها علي‮ »‬مجلس القضاء الأعلي‮« ‬في‮ ‬كل ما أصدرته من قوانين لتنظيم السلطة القضائية،‮ ‬وقد استبعد أول قانون لها باستقلال القضاء رقم‮ ‬188‮ ‬لسنة‮ ‬52‮ ‬استبعد من تشكيل المجلس رئيس محكمة القاهرة الابتدائية مضيفا إلي‮ ‬هذا التشكيل وكيل محكمة النقض ورئيس محكمة استئناف الإسكندرية‮.. ‬وفي‮ ‬قانون‮ ‬43‮ ‬لسنة‮ ‬65‮ ‬استبعد وكيل وزارة العدل من عضوية المجلس حرصا علي‮ ‬استقلال القضاة بشئونهم‮ - ‬وظل هذا المجلس قائما إلي‮ ‬أن استبدل بالمجلس الأعلي‮ ‬للهيئات القضائية في‮ ‬عام‮ ‬1969‮ ‬والذي‮ ‬ظل بدوره إلي‮ ‬أن أراد الله جلت قدرته لقضائنا أن‮ ‬يستقل بمجلسه الأعلي‮ ‬من جديد بعد‮ ‬غيبة استطالت خمسة عشر عاما‮ - ‬فصدر القانون رقم‮ ‬35‮ ‬لسنة‮ ‬84‮ ‬الذي‮ ‬شكل المجلس من رئيس محكمة النقض رئيسا وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة والنائب العام وأقدم اثنين من نواب رئيس محكمة النقض وأقدم اثنين من رؤساء محاكم الاستئناف الأخري‮.‬ وهكذا كانت رحلة القضاة الشاقة والمريرة مع مجلس قضائهم الأعلي‮ ‬التي‮ ‬امتدت لقرن من الزمان‮.. ‬ربجوا فيها قضيتهم،‮ ‬قضية استقلالهم بعدما طال عليها الأمد‮.. ‬ثم بعد كل هذه الرحلة الطويلة‮ ‬يخرج علينا وزير العدل‮ - ‬كعادته‮ - ‬في‮ ‬السير دوما عكس الاتجاه‮ - ‬اتجاه حركة التاريخ‮. ‬واتجاه حركة الحياة،‮ ‬يريد أن‮ ‬يعيدنا مائة عام إلي‮ ‬الوراء،‮ ‬باقتراحه المشئوم بضم رئيس محكمتي‮ ‬شمال وجنوب القاهرة الابتدائية المنتدبين من قبله إلي‮ ‬مجلس القضاء الأعلي‮ ‬ليديره من وراء الستار‮.‬
    إن من توهم الخلود في‮ ‬الأرض وربط مصيره بترابها،‮ ‬إن احساسه هذا لمخدوع مضلل لمن مرت به الإصباح والأمسية وكرت عليه الشهور والدهور وغدا وراح،‮ ‬وتعب واستراح،‮ ‬ومع ذلك فهو في‮ ‬غفلة عن‮ ‬يومه وغده،‮ ‬يظل‮ ‬يعبث ويسترسل في‮ ‬عبثه حتي‮ ‬إذا استرخت أجفانه علي‮ ‬عينيه،‮ ‬ودخل ظلام الموت،‮ ‬تيقظ بعنف‮! ‬وهيهات‮!! ‬لقد صحا بعد الفوات‮.‬ إن الذاهلين عن‮ ‬غدهم،‮ ‬المسحورين ببريق الدار العاجلة،‮ ‬قوم خاسرون سفهاء‮.‬ إن الزمن الذي‮ ‬يحني‮ ‬الجباه ويطوي‮ ‬الآجال ويفني‮ ‬الحضارات ويقف الناس مشدوهين بإزاء عجائبه،‮ ‬هذا الزمن نفسه هو فرصه لايقاظ الأذكياء لفعل الخير وإسداء المعروف وادخار ما‮ ‬يجدي،‮ ‬أما الناهلون عن هذه المعاني،‮ ‬الهائمون وراء منافعهم،‮ ‬فهم حمقي‮ ‬لا‮ ‬ينتصحون من حكمة ولا‮ ‬يستفيدون من درس‮.‬
    إن العقلاء‮ ‬يدرسون التاريخ العام،‮ ‬وتتبع آيات الله في‮ ‬الآفاق وتدبر أحوال الأمم كيف تقوم وكيف تنهار،‮ ‬وكيف تتقلب بين ازدهار وانحدار،‮ ‬واستقصاء العبر من الأحياء والهامدين،‮ ‬ودراسة الحضارات البائدة وعلل فنائها حتي‮ ‬يتجنبوا مواطن الزلل التي‮ ‬هوت بالأولين ويسجلون لأنفسهم خلودا لا‮ ‬يناوشه الزمن بهرم ولا بلي‮.‬ وصدق الله تعالي‮: »‬ونفس ما سواها،‮ ‬فألهما فجورها وتقواها،‮ ‬قد أفلح من زكها،‮ ‬وقد خاب من دساها‮«.‬ صدق الله العظيم ‮- ‬لله الأمر من قبل وبعد‮ -‬
    بقلم‮: ‬ مصطفي‮ ‬محمدأحمد
    جريدة الوفد

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 7:06 pm