- خلافات الجماعة الداخلية هى الأخطر فى تاريخها وليست "زوبعة فى فنجان"، والقيادات الحالية ستلجأ إلى تسخين الأجواء والصراخ فى الانتخابات البرلمانية للتغطية على فشلها التنظيمى والسياسى.
هى ليست دعوة للإحباط بقدر ماهى دعوة لتبنى نظرة أكثر واقعية للأمور.. ما سيأتيك من أفكار وكلمات فى السطور التالية ليس الغرض منه تفتيت همتك وبعثرتها أرضا ولا يهدف إلى نثر بذور السلبية والإحباط فى شارع الحياة المصرية.. فلا أنا أريد للإحباط أن ينمو ويثمر أمراضه فى أرض هذا الوطن، ولا أنت تريد أن تتغذى وتعيش على آمال وتقديرات كاذبة لا تشبع وتغنى من جوع ولا تملأ بطنك سوى بالغازات القاتلة.
انظر إلى ساحة المعركة الانتخابية وستدرك تماما ما أصبو إليه.. انظر إلى وضع البيادق وبقية قطع اللعبة على أرض الساحة وستعرف أن الانتخابات التى تعيش أحداثها الآن وسنشهد ختامها يوم الأحد القادم، لن تكن أبدا مماثلة لسابقتها فى 2005، إلا فى منطقة تشابه واحدة هى حصول حزب الحكومة على الأغلبية كعادة كل انتخابات برلمانية مع وجود اختلافين بسيطين جدا فى هذه الانتخابات، أولهما يتعلق بأن سيطرة الحزب الوطنى فى انتخابات 2010 سيكون مرجعها انهيار بقية المنافسين وتلعثمهم وتعبثرهم قبل أن تردها كما يحدث فى كل مرة إلى الأعمال الإنتخابية الغير شريفة كالتزوير وتدخل الأمن وخلافه.. أما ثانى اختلاف فهو خاص بظهور قوى منافسة جديدة غير القوة الإخوانية التى ظهرت فى انتخابات 2005 وفاجأت الجميع بالحصول على 88 مقعدا انتخابيا وهى المقاعد التى يبدو أن الوضع سينتهى بها فى انتخابات 2010 فى حوزة الأحزاب السياسية وخصوصا حزب الوفد، وقبل أن تفكر فى أن سبب تراجع الإخوان وظهور وريث آخر لمقاعد الجماعة البرلمانية التى حصدتها فى برلمان 2005، هو صفقات انتخابية بين أحزاب المعارضة والحكومة دعنى أقول لك إن انهيار الحركات السياسية التى تصدرت المشهد فى 2005 وعدم قدرة هذه الصفوف المعارضة على التنسيق والعيش والتطور هو الأصل الذى لابد أن نرد له ما سيحدث فى الانتخابات الحالية من سيطرة وتوفق للحزب الوطنى والأحزاب الأخرى أو حتى أى مرشح مستقل مقابل غياب وهزيمة متوقعة للإخوان.
كل الأجنحة التى يمكن أن يطير بها هذا الوطن فوق ظلمات العصر الحالى ليعبر إلى مستقبل أفضل مكسورة.. هذا ما يقول به حال تيارات المعارضة وهذا ماتسبب فى انتشار مقولة شهيرة روج لها الإخوان والإعلام معا هى: الإخوان المسلمون هم التيار المعارض الوحيد المنظم وصاحب التواجد فى الشارع، وأصبحنا جميعا محبين للدولة الدينية أو كارهين لها نتعامل مع الجماعة على أنها خط الدفاع الأخير الذى قد يحمينا من اكتساح الحكومة لحين أن تقوم للقوى الليبرالية والوطنية قائمة وتستلم الراية.. ولكن حتى هذا الخط انهار، سقطت جماعة الإخوان فى فخ الخلافات الداخلية لتصبح الساحة السياسية خالية للحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
قد تبدو الأمور أكثر وضوحا مع الاقتراب بنظرة سريعة من الوضع الداخلى الذى تعيشه الجماعة منذ ثلاثة أعوام على الأقل، تابع أحداث هذه السنوات الأخيرة وستعرف أن الجماعة التى جعل منها الناس خط الدفاع الأول فى المواجهة مع الحكومة بسبب وحدة صفها وقدرتها التنظيمية العالية لم تعد هى نفسها، راجع الأحداث الأخيرة وستدرك أن الإخوان المسلمون يعيشون مأزقا سياسيا وداخليا لم يعرفوا طعمه من قبل، اسأل نفسك أين ذهب القيادى البارز محمد حبيب والوجه الإعلامى والسياسى المقبول من كافة التيارات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والذكى صاحب الشخصية القوية الدكتور محمود عزت ومحمد على بشر.. اسأل نفسك أين اختفى هؤلاء وحاول أن تعثر على صورة واحدة لهم فى المشهد الانتخابى القائم الآن فلن تجد.
لن تجد لهذه الأسماء التى صنعت النجاحات الانتخابية بقيادة السجين خيرت الشاطر فى انتخابات 2005 تواجدا انتخابيا أو إعلاميا فى تلك الفترة الحساسة فى الوقت الذى يتصدر فيه المشهد قيادات مجهولة يبدو أنها تجيد العمل التنظيمى والمنزلى أفضل من قدرتها على مواجهة الجماهير وإدارتها لمعركة انتخابية شرسة مثل التى نعيش أحداثها الآن، لن أحدثك عن اشنقاق أو تفتت تنظيمى لأن تنظيم الإخوان المسلمين وللحق قد يضعف أو تتهاوى بعض أعمدته ولكنه لا ينهار أبدا، أنا أحدثك عن حالة من الفوضى تسيطر على الأجواء الداخلية للجماعة فى وقت لا يحتمل ذرة خلاف ولا يحتمل أيضا وجود قيادات لا تعرف ماذا تفعل وكيف تتكلم ولا تلقى أى قبول جماهير أو سياسى مقارنة بالقيادات التى صنعت هيبة الإخوان البرلمانية فى انتخابات 2005.
راجع تصريحات القيادات التى تتصدر المشهد الإخوانى الآن بداية من المرشد العام وحتى المرشحين فى الانتخابات وستدرك حجم المأساة، قارن بين الصمت الذى فرضه خيرت الشاطر ومحمد حبيب والتصريحات المتناسقة والموحدة التى ظهر بها مرشحو الإخوان فى 2005 وبين ما يحدث الآن.. فى 2005 كان خطاب الإخوان احتوائى ويحمل من الذكاء السياسى ما يكفى لكى يدهش المجتمع السياسى المصرى، أما الآن فنحن أمام تصريحات أغلبها عنصرى وعصبى يجلب العداوة وينشر الفتنة ويضع الجماعة فى خانة "التهور السياسى"، ففى 2005 رفع خيرت الشاطر نائب المرشد الذى قاد المعركة الانتخابية شعار الخدمات ونزل إلى الشارع بينما فى 2010 سعى محمد بديع لاستعداء المجتمع حينما استعلى عليه وعلى أفراده بتصريحات من نوعية أن الإخوان هم ماء السماء الطهور الذى سيطهر المجتمع المصرى من النجاسات.. هكذا ببساطة قسم المرشد المجتمع إلى أطهار هم الإخوان فقط، وأنجاس هم بقية السائرون فى الشارع دون أن يدرى فضيلته أن هؤلاء السائرون فى الشوارع وألصق بهم صفة النجاسة هم أصحاب الأصوات الانتخابية التى تعلو بمرشح وتخسف بالآخر، وفى الوقت الذى اجتهد فيه الإخوان خلال الانتخابات الماضية لنفى صلتهم بالعنف خرج علينا المرشح والقيادى الإخوانى صبحى صالح ليقول بسذاجة سياسية تؤكد أن الجماعة تدير الانتخابات الحالية دون رأس مفكر وعقل مدبر أن: أى اعتداءات على الإخوان ستفتح أبواب جهنم على الأمن و"إحنا لو رشحنا كلب ميت هينتخبوه".
لا تضع تلك التصريحات فى خانة الأخطاء وكفى، ففى ساحة المعركة الانتخابية كل الأخطاء مؤشرات، وهذه التصريحات تؤكد الوضع الانتخابى الصعب الذى تعيشه الجماعة وتؤكد بشكل أكبر أن الكلام حول وجود خلافات قوية داخل التنظيم، وعدم قدرة القيادات الحالية على قيادة دفة سفينة الإخوان ليس كلام عبث أو اتهامات عشوائية، بدليل أن قيادات الجماعة تعوض غياب التنظيم بتلك التصريحات الفوضوية والتى يبدو أنها ستستمر وقد تتطور لإشاعة أجواء من الفوضى الانتخابية للتغطية على حالة الفشل التنظيمى التى يعيشها الإخوان فى الانتخابات الحالية.
أرجوك لا تتعامل مع ما يحدث داخل الإخوان الآن على أنه "زوبعة فى فنجان" كما يقولون، فهذا الانشقاق الأخير للجبهة التى عارضت المشاركة فى الانتخابات، والذى تم احتوائه إعلاميا ليس خلافا صحيا أو صراع آراء كما يروج الإخوان كل مرة، بل هو ضربة قاصمة للجماعة التى طالما تفاخرت بقدرتها التنظيمية ووحدة صفها.
ظهور جبهة الانشقاق هذه هو رد فعل طبيعى لتلك الكوارث التى حاولت الجماعة أن تخفيها مع قدوم محمد بديع ورحيل محمد حبيب واختفاء محمود عزت وإجبار عبد المنعم أبو الفتوح على التراجع والصمت على وجود الشاطر فى السجن، ما يحدث الآن داخل الجماعة هو إعلان لمرحلة جديدة تشبه إلى حد كبير تلك المراحل التى سبقت خفوت نجم كفاية والبرادعى و6 أبريل ولكن يتبقى للإخوان ميزة واحدة وهى قدرة الجماعة على العودة مرة أخرى مع شخصيات استثنائية مثل أبو الفتوح أو خيرت الشاطر، وحتى حدوث ذلك نحن مجبرون على أن نقول ألف مبروك لأهل السلطة على اكتساح الانتخابات المقبلة، ولا عزاء لنا فى تلك الجثة الهامدة التى ستتركها لنا الانتخابات لمدة 5 سنوات قادمة أمام أعيننا ومكتوب على صدرها.. "الوطن"!.
محمد الدسوقى رشدى