مقدمة
تعد الإشكالية التي تثيرها مسألة مدى شرعية الخضوع للقضاء العسكري - من أهم الموضوعات التي شهدت مؤخرا جدلا موسعا لاسيما ما يشكله الخضوع لهذا القضاء من استلاب لولاية القضاء العادي .
و برزت أهمية تلك الإشكالية مع تزايد إصدار قرارات الإحالة من قبل رئيس الجمهورية بموجب نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الحالي رقم 25 لسنة 1966 ، وما شاب هذه القرارات من طابع سياسي ، فطبقا لما جاء بتقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بعنوان "اثر قانون الطوارئ على حالة حقوق الإنسان" عن عام 1992 – 2002 إن السلطات المصرية في الفترة من عام 1992 - 2000 أحالت ( 36) قضية إلى القضاء العسكري بلغ عدد المتهمين فيهم (1136) وانتهت هذه القضايا إلى صدور (94) حكما بالإعدام – فيما قضى بحبس و سجن( 701) متهما وبراءة (341) ، مما حدا بالعديد من المنظمات الدولية بالإعراب عن قلقها إزاء إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية ومنها ما أبدته منظمة العفو الدولية في 19/2/2/2007 من تعليق بهذا الشأن حيث قالت :" إن المحاكمات التي تجرى أمام المحاكم العسكرية تنتهك المقتضيات الأساسية للقانون الدولي للمحاكمات العادلة بما في ذلك الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة و مستقلة ونزيهة تشكل بموجب القانون والحق في تقديم استئناف إلى محكمة أعلى ".
وقد بدأ مسلسل إحالة المدنيين المتهمين فى قضايا الارهاب إلى المحاكم العسكرية فى مصر بقرار من رئيس الجمهورية بإحالة 48 متهما فى قضيتى العائدون من افغانستان وتنظيم الجهاد إلى المحكمة العسكرية العليا بالاسكندرية فى أواخر اكتوبر 1992. وقد أصدرت المحكمة آنذاك أحكاما بالإعدام على ثمانية متهمين كان من بينهم سبعة هاربين.
لهذا حرص مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية على تقديم دراسة مصغرة لقانون الأحكام العسكرية تناول فيها :-
المحتويات
المبحث الأول : قانون الأحكام العسكرية و طبيعته القانونية
المبحث الثاني :التطور التاريخي التشريعي لقانون الأحكام العسكرية في مصر
المبحث الثالث:تشكيل المحاكم العسكرية
المبحث الرابع :اختصاصات المحاكم العسكرية في ظل القانون 25 لسنة 1966
المبحث الخامس :الجرائم المعاقب عليها طبقا لقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966
المبحث السادس :العقوبات العسكرية
المبحث السابع : حجية الأحكام العسكرية
المبحث الثامن : مدى اتساق القضاء العسكري مع المواثيق الدولية و مبادئ الشرعية
الخاتمة
المبحث الأول :
قانون الأحكام العسكرية و طبيعته القانونية
قد يخص المشرع طائفة معينة بتنظيم قانوني مغاير عن تلك المخاطب به الكافة ، ولا ينال هذا التخصيص من دستورية هذه النوعية من القوانين مدام كان تشريعها يأتي وفقا لمبدأ عمومية وتجريد القاعدة القانونية، كما وما ومادامت تعنى بحماية مصلحة عامة ، و هو ما يسمى في الفقه القانوني بالقوانين الخاصة
و يأتي في هذا الإطار قانون تنظيم الهيئات القضائية ، قانون العاملين المدنين بالدولة ، قانون العمل ،قانون هيئة الشرطة ، قانون المحاماة وقانون الأحكام العسكرية . الخ
" والواقع إن المشرع في تنظيمه للأفعال التي تصدر من أفراد طائفة العسكريين إنما يهتدي بالغاية التي من اجلها خص تلك الطائفة بأحكام معينة – ولذلك كثيرا ما يضع قواعد تغاير القواعد العامة المقررة في قانون العقوبات بالنسبة للأفعال غير المشروعة التي تصدر عن أفراد تلك الطائفة ، والتي تنخرط في ذات الوقت في نطاق جرائم القانون العام ، ويحقق المشرع ذلك غالبا عن طريق إصدار تشريع قائم بذاته ينطوي على الأحكام الموضوعية و الإجرائية الواجب إتباعها بشأن تلك الأفعال المجرمة والتي تصدر عن أفراد تلك الطائفة العسكرية محل التخصيص ، وبالتالي تندرج في صلب نصوص قانون العقوبات العام. هذا و يتبدى في التشريع المتعارف عليه و الذي أطلق عليه اصطلاح " قانون الأحكام العسكرية ". و من ثم فالتشريع العسكري يعتبر تشريعا جنائيا خاصا بالنسبة إلى التشريع الجنائي العام ، فهو يعتبر جامعا للأحكام المادية و الشكلية ، أي مجموعة النصوص التي تحدد الجرائم المخلة بأمن و نظام القوات المسلحة أو الشرطة .
يضاف إلى ذلك إن الجيش بصفة خاصة و الشرطة بصفة عامة لها نظامها الخاص الذي يتفق و طبيعة مهامها وواجبات كل منهما ، مما يقتضى أن تكون لها أحكامها الخاصة ، وان كانت غالبية تلك الأحكام تتصل اتصالا وثيقا بالإجراءات الجنائية مما يعنى أن المشرع قد أراد تخصيصا للقضاء الذي يختص بالمكان و الزمان و الموضوع و الأشخاص .
و يسعفنا في ذلك قول وزير الحربية الفرنسي "مسمير" messmer"- " في مجلس الشيوخ أن سن قانون عقوبات عسكري يبرره وجود نظام خاص بالجيش يستند على الطاعة فبدونها لا يستطيع الجيش أن يقوم بوظيفته بل لا يكون هناك جيش على الإطلاق . وإذا كان من الممكن أن يقوم الرؤساء بتوقيع الجزاءات التأديبية على المخالفات البسيطة فإن الالتزام العسكري قد يكون خطيرا بحيث يتطلب جزاءا جسيما ، وحينئذ لا يمكن توقيعه بغير ضمانات . فالوسيلة الوحيدة هي سن تنظيم قضائي يطبق المبادئ العامة في القانون التي تكفل للمتهم هذه الضمانات ) " .([1])
" وقد ثار الخلاف حول طبيعة قانون الأحكام العسكرية، وهل هو قانون جنائي خاص يخضع لما تخضع له القوانين الجنائية من أحكام ، أم انه قانون تأديبي يخضع لإحكام نظريات و مبادئ القانون الإداري؟
و قد ذهب البعض إلى القول بأن قانون الأحكام العسكرية قانون تأديبي ، وان المحاكم العسكرية محاكم تأديبية ، وان ما تصدره من أحكام إنما هي أحكام تأديبية تخضع لقواعد القانون الإداري فيما يتعلق بالطعن فيها وكيفيته و مواعيده و الآثار التي تترتب عليه ، وذلك تأسيسا على أن طبيعة معظم العقوبات التي توقعها المحاكم على المخالفين لأحكام هذا القانون إنما هي عقوبات تأديبية يقتصر آثارها على مزايا الوظيفة مثل عقوبات الرفت من الخدمة أو التكدير أو التأخير في الترقية و غيرها ، وان القانون الجنائي لا يعرف هذا النوع من العقوبات و إنما يقتصر على العقوبات الجنائية المعروفة.
بينما ذهب البعض الأخر إلى القول – بحق – إن قانون الأحكام العسكرية قانون جنائي خاص ، و أن المحاكم العسكرية محاكم جنائية خاصة ، وان ما يصدر منها من أحكام إنما هي أحكام جنائية لها ما لسائر الأحكام الجنائية العادية من آثار، وان ما قال به أصحاب الرأي الأول غير صحيح إذ أن هنالك خلاف كبير بين القانون الإداري و القانون الجنائي من حيث القواعد و المبادئ التي يقوم عليها كل منهما ، وان احتواء قانون الأحكام العسكرية على بعض العقوبات ذات الطابع التأديبي لا يخلع عنه الصفة الجنائية ولا يغير من طبيعة العقوبات التي يقررها للكثير من الجرائم المنصوص عليها فيه و التي تبدأ بالإعدام و تنتهي بالحبس و الغرامة و العقوبات التكميلية و التبعية مرورا بالإشغال الشاقة المؤبدة و المؤقتة و السجن و هذا الرأي هو المستقر عليه فقها و قضاء و اتساع سلطة المحاكم العسكرية بتقديم حقها في توقيع عقوبات تأديبية و عقوبات انضباطية بالإضافة إلى العقوبات الجنائية لا ينفى عنها الصفة الجنائية " .([2])
إما فيما يتعلق بتكيف وضعية القضاء العسكري فقد قررت المحكمة الإدارية العليا بانة :
" يعتبر القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة بجانب جهة القضاء الإداري بمجلس الدولة و جهة القضاء العادي – لا يختص مجلس الدولة بالتعقيب على الأحكام الصادرة من القضاء العسكري و لا يختص كذلك بنظر المنازعة في الإجراءات التنفيذية الصادرة تنفيذا لها لما في ذلك من مساس بالأحكام المذكورة و تعد على اختصاص القضاء العسكري بعد استنفاذ طرق الطعن في أحكامه و التصديق عليها من السلطة المختصة "
{{ حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1977 لسنة 33 القضائية جلسة 7/1/1989 }} . ([3])
هذا وفد نصت المادة الأولى من القانون الحالي رقم 25 لسنة 1966أ الاحكام العسكرية أ أن إدارة القضاء العسكري تعد احدي إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة :
"الإدارة العامة للقضاء العسكري هي أحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة ، ويتبع هذه الإدارة نيابة عسكرية و محاكم عسكرية و فروع أخرى حسب قوانين و أنظمة القوات المسلحة " .
المبحث الثاني :
التطور التاريخي التشريعي لقانون الأحكام العسكرية في مصر
يعتبر القانون أسمى نتاجا للفكر البشرى على مدى مراحل التطور التاريخي للإنسانية ، ذلك أن مضمون القانون هو تنظيم العلاقات الأساسية بين عناصر المجتمع وفقا لفلسفة تبلور تلك العلاقات على محاور متعددة هي الدولة ،السلطة الحاكمة ،الأفراد، أشخاص المجتمع الدولي وغيرها . ولهذا فان القانون الذي يشكل هذا النسق من الروابط يعد المعيار الحقيقي لمقدار التطور في مجتمع ما و حقبة زمنية معينة، فالقراءات التاريخية التي تخلو من نظرة على وضعية القوانين الحاكمة في تلك الفترة قراءات لا تسجل تحليلات حقيقية لواقع الحال الحادث آنذاك .
إلا انه من صعب بمكان الفصل بين القانون السائد في حقبة زمنية وعملية التطور الحادثة في المجتمعات وتحديد ما إذا كان القانون نتاج هذا التطور أم انه العامل الرئيسي فيه .
و هنا تبرز أهمية الوقوف على مراحل التطور التشريعي لاسيما في شأن أوجدته الإحداث التاريخية ذاتها مثل قانون الأحكام العسكرية الذي مر بعدة مراحل حتى وصل إلى التنظيم الذي أتى به القانون الحالي رقم 25 لسنة 1966 وتلك المراحل هي :-
"المرحلة الأولى: ما قبل 15 من أكتوبر سنة 1949 - و كان طابع اغلب التشريعات فيها نتاج تفكير أجنبي و لم يكن ذلك بغريب في دولة كانت تخضع لاحتلال أجنبي.
المرحلة الثانية : بدأت من 15 أكتوبر سنة 1949 - فبالرغم من تأثيرها بالاستقلال الظاهري ، و ما تبع ذلك من إلغاء المحاكم المختلطة و الإمتيازات الأجنبية – إلا أنها اكتست بالمسحة الأجنبية إذ اختار واضعوها نصوصا متفرقة من قوانين شتى معمول بها في عدة دول و جاهدوا أن يكون لها الطابع المصري بحيث لا تغضب السلطات الأجنبية .
المرحلة الثالثة : بدأت منذ 23 من يوليو سنة 1952 – و قد عبر الميثاق عن هذه الفترة في الباب الخامس منه بقوله : أن المفاهيم الثورية الجديدة للديمقراطية السليمة لابد لها أن تفرض نفسها على الحدود التي تؤثر في تكوين المواطن وفى مقدمتها التعليم والقوانين واللوائح الإدارية 000 كذلك فإن القوانين لابد أن تعاد صياغتها لتخدم العلاقات الاجتماعية الجديدة التي تقيمها الديمقراطية السليمة تعبيرا عن الديمقراطية الاجتماعية .
أما المرحلة الرابعة : والأخيرة بدأت منذ 14 من مايو سنة 1971 و مازالت مستمرة . فتلك التي نعيشها الآن والتي بدء فيها – بحق تقنين الكثير من التشريعات بعد تعديلها وصياغتها بالطابع المصري الأصيل ، فضلا عن تقاربها مع تشريعات الأمة العربية " .([4])
وإذا كنا بصدد تأريخ تفصيلي لصدور قوانين الأحكام العسكرية فى مصر نجد ان " تشريع الأحكام العسكرية الصادر بالأمر العالي بتاريخ 7 من يونيو سنة 1884 الملغى من القوانين ذات المصدر الأجنبي ويتعلق بتقرير الإجراءات التي اتخذتها المجالس العسكرية وأقرها السردار في شأن المحاكمات التي ترتبت على الثورة العرابية، حيث نص فيه صراحة على وجوب إتباع ما يجرى عليه الأمر في الجيش البريطاني أي جيش الاحتلال .
وفى عام 1893 جمعت هذه الأحكام التي تضمنها الأمر العالي سالف الذكر و ملحق به الإجراءات المتبعة في الجيش البريطاني و أطلق عليها اسم الأحكام العسكرية ثم أعيد طباعتها – فيما بعد – طبقا لما طرأ من تعديل على إجراءات الجيش البريطاني في عامي عام 1917 ، وفى عام 1939 و أخيرا في عام 1949 بغير تعديل إلا في أسماء الوحدات والوظائف .
و قد تضمن القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية (م7) و القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئة الشرطة و اختصاصاتها (م37) – الملغى – ما يفيد إقراره طريقة تشكيل المجالس العسكرية و إجراءات التحقيق و المحاكمة الواردة بقانون الأحكام العسكرية بشأن أفراد هيئة الشرطة .
كما قضى القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة الشرطة الذي حل محل القانون رقم 140 لسنة 1944 في(المادة 136 ) منه بخضوع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوات نظامية و ضباط الصف و جنود الدرجة الأولى ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم لقانون الأحكام العسكرية . ثم صدر القانون رقم 101 لسنة 1957 في شأن المحاكمات الغيابية و القانون رقم 159 لسنة 1957 في شأن التماس أعادة النظر في قرارات و أحكام المجالس العسكرية . كما صدرت بعض التعديلات التي اقتضاها التنظيم الجديد للدولة و قواتها المسلحة نخص منها بالذكر أمر القائد العام للقوات المسلحة في أول من يوليو سنة 1953 بتغيير بعض مسميات في القانون .
ولما صدر قانون هيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 ( الملغى) قضت المادة 132 منه بان" يخضع لقانون الأحكام العسكرية و القوانين المكملة له الضباط بالنسبة لإعمالهم المتعلقة بقيادة قوة نظامية و أمناء الشرطة والكونستابلات و المساعدين وضباط الصف و جنود الشرطة ورجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم .
بينما قضت المادة 133 من ذات القانون رقم 61 لسنة 1964 الملغى بان "تشكل المجالس العسكرية بأمر من وزير الداخلية أو من ينوب عنه ويصدق على أحكامه الآمر بتشكيل وللمجالس العسكرية توقيع العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أو العقوبات المنصـوص عليهـــــــــا في قـــــــــانون الأحكـــــام
العسكرية "([5])
تعد الإشكالية التي تثيرها مسألة مدى شرعية الخضوع للقضاء العسكري - من أهم الموضوعات التي شهدت مؤخرا جدلا موسعا لاسيما ما يشكله الخضوع لهذا القضاء من استلاب لولاية القضاء العادي .
و برزت أهمية تلك الإشكالية مع تزايد إصدار قرارات الإحالة من قبل رئيس الجمهورية بموجب نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الحالي رقم 25 لسنة 1966 ، وما شاب هذه القرارات من طابع سياسي ، فطبقا لما جاء بتقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بعنوان "اثر قانون الطوارئ على حالة حقوق الإنسان" عن عام 1992 – 2002 إن السلطات المصرية في الفترة من عام 1992 - 2000 أحالت ( 36) قضية إلى القضاء العسكري بلغ عدد المتهمين فيهم (1136) وانتهت هذه القضايا إلى صدور (94) حكما بالإعدام – فيما قضى بحبس و سجن( 701) متهما وبراءة (341) ، مما حدا بالعديد من المنظمات الدولية بالإعراب عن قلقها إزاء إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية ومنها ما أبدته منظمة العفو الدولية في 19/2/2/2007 من تعليق بهذا الشأن حيث قالت :" إن المحاكمات التي تجرى أمام المحاكم العسكرية تنتهك المقتضيات الأساسية للقانون الدولي للمحاكمات العادلة بما في ذلك الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة و مستقلة ونزيهة تشكل بموجب القانون والحق في تقديم استئناف إلى محكمة أعلى ".
وقد بدأ مسلسل إحالة المدنيين المتهمين فى قضايا الارهاب إلى المحاكم العسكرية فى مصر بقرار من رئيس الجمهورية بإحالة 48 متهما فى قضيتى العائدون من افغانستان وتنظيم الجهاد إلى المحكمة العسكرية العليا بالاسكندرية فى أواخر اكتوبر 1992. وقد أصدرت المحكمة آنذاك أحكاما بالإعدام على ثمانية متهمين كان من بينهم سبعة هاربين.
لهذا حرص مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية على تقديم دراسة مصغرة لقانون الأحكام العسكرية تناول فيها :-
المحتويات
المبحث الأول : قانون الأحكام العسكرية و طبيعته القانونية
المبحث الثاني :التطور التاريخي التشريعي لقانون الأحكام العسكرية في مصر
المبحث الثالث:تشكيل المحاكم العسكرية
المبحث الرابع :اختصاصات المحاكم العسكرية في ظل القانون 25 لسنة 1966
المبحث الخامس :الجرائم المعاقب عليها طبقا لقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966
المبحث السادس :العقوبات العسكرية
المبحث السابع : حجية الأحكام العسكرية
المبحث الثامن : مدى اتساق القضاء العسكري مع المواثيق الدولية و مبادئ الشرعية
الخاتمة
المبحث الأول :
قانون الأحكام العسكرية و طبيعته القانونية
قد يخص المشرع طائفة معينة بتنظيم قانوني مغاير عن تلك المخاطب به الكافة ، ولا ينال هذا التخصيص من دستورية هذه النوعية من القوانين مدام كان تشريعها يأتي وفقا لمبدأ عمومية وتجريد القاعدة القانونية، كما وما ومادامت تعنى بحماية مصلحة عامة ، و هو ما يسمى في الفقه القانوني بالقوانين الخاصة
و يأتي في هذا الإطار قانون تنظيم الهيئات القضائية ، قانون العاملين المدنين بالدولة ، قانون العمل ،قانون هيئة الشرطة ، قانون المحاماة وقانون الأحكام العسكرية . الخ
" والواقع إن المشرع في تنظيمه للأفعال التي تصدر من أفراد طائفة العسكريين إنما يهتدي بالغاية التي من اجلها خص تلك الطائفة بأحكام معينة – ولذلك كثيرا ما يضع قواعد تغاير القواعد العامة المقررة في قانون العقوبات بالنسبة للأفعال غير المشروعة التي تصدر عن أفراد تلك الطائفة ، والتي تنخرط في ذات الوقت في نطاق جرائم القانون العام ، ويحقق المشرع ذلك غالبا عن طريق إصدار تشريع قائم بذاته ينطوي على الأحكام الموضوعية و الإجرائية الواجب إتباعها بشأن تلك الأفعال المجرمة والتي تصدر عن أفراد تلك الطائفة العسكرية محل التخصيص ، وبالتالي تندرج في صلب نصوص قانون العقوبات العام. هذا و يتبدى في التشريع المتعارف عليه و الذي أطلق عليه اصطلاح " قانون الأحكام العسكرية ". و من ثم فالتشريع العسكري يعتبر تشريعا جنائيا خاصا بالنسبة إلى التشريع الجنائي العام ، فهو يعتبر جامعا للأحكام المادية و الشكلية ، أي مجموعة النصوص التي تحدد الجرائم المخلة بأمن و نظام القوات المسلحة أو الشرطة .
يضاف إلى ذلك إن الجيش بصفة خاصة و الشرطة بصفة عامة لها نظامها الخاص الذي يتفق و طبيعة مهامها وواجبات كل منهما ، مما يقتضى أن تكون لها أحكامها الخاصة ، وان كانت غالبية تلك الأحكام تتصل اتصالا وثيقا بالإجراءات الجنائية مما يعنى أن المشرع قد أراد تخصيصا للقضاء الذي يختص بالمكان و الزمان و الموضوع و الأشخاص .
و يسعفنا في ذلك قول وزير الحربية الفرنسي "مسمير" messmer"- " في مجلس الشيوخ أن سن قانون عقوبات عسكري يبرره وجود نظام خاص بالجيش يستند على الطاعة فبدونها لا يستطيع الجيش أن يقوم بوظيفته بل لا يكون هناك جيش على الإطلاق . وإذا كان من الممكن أن يقوم الرؤساء بتوقيع الجزاءات التأديبية على المخالفات البسيطة فإن الالتزام العسكري قد يكون خطيرا بحيث يتطلب جزاءا جسيما ، وحينئذ لا يمكن توقيعه بغير ضمانات . فالوسيلة الوحيدة هي سن تنظيم قضائي يطبق المبادئ العامة في القانون التي تكفل للمتهم هذه الضمانات ) " .([1])
" وقد ثار الخلاف حول طبيعة قانون الأحكام العسكرية، وهل هو قانون جنائي خاص يخضع لما تخضع له القوانين الجنائية من أحكام ، أم انه قانون تأديبي يخضع لإحكام نظريات و مبادئ القانون الإداري؟
و قد ذهب البعض إلى القول بأن قانون الأحكام العسكرية قانون تأديبي ، وان المحاكم العسكرية محاكم تأديبية ، وان ما تصدره من أحكام إنما هي أحكام تأديبية تخضع لقواعد القانون الإداري فيما يتعلق بالطعن فيها وكيفيته و مواعيده و الآثار التي تترتب عليه ، وذلك تأسيسا على أن طبيعة معظم العقوبات التي توقعها المحاكم على المخالفين لأحكام هذا القانون إنما هي عقوبات تأديبية يقتصر آثارها على مزايا الوظيفة مثل عقوبات الرفت من الخدمة أو التكدير أو التأخير في الترقية و غيرها ، وان القانون الجنائي لا يعرف هذا النوع من العقوبات و إنما يقتصر على العقوبات الجنائية المعروفة.
بينما ذهب البعض الأخر إلى القول – بحق – إن قانون الأحكام العسكرية قانون جنائي خاص ، و أن المحاكم العسكرية محاكم جنائية خاصة ، وان ما يصدر منها من أحكام إنما هي أحكام جنائية لها ما لسائر الأحكام الجنائية العادية من آثار، وان ما قال به أصحاب الرأي الأول غير صحيح إذ أن هنالك خلاف كبير بين القانون الإداري و القانون الجنائي من حيث القواعد و المبادئ التي يقوم عليها كل منهما ، وان احتواء قانون الأحكام العسكرية على بعض العقوبات ذات الطابع التأديبي لا يخلع عنه الصفة الجنائية ولا يغير من طبيعة العقوبات التي يقررها للكثير من الجرائم المنصوص عليها فيه و التي تبدأ بالإعدام و تنتهي بالحبس و الغرامة و العقوبات التكميلية و التبعية مرورا بالإشغال الشاقة المؤبدة و المؤقتة و السجن و هذا الرأي هو المستقر عليه فقها و قضاء و اتساع سلطة المحاكم العسكرية بتقديم حقها في توقيع عقوبات تأديبية و عقوبات انضباطية بالإضافة إلى العقوبات الجنائية لا ينفى عنها الصفة الجنائية " .([2])
إما فيما يتعلق بتكيف وضعية القضاء العسكري فقد قررت المحكمة الإدارية العليا بانة :
" يعتبر القضاء العسكري جهة قضائية مستقلة بجانب جهة القضاء الإداري بمجلس الدولة و جهة القضاء العادي – لا يختص مجلس الدولة بالتعقيب على الأحكام الصادرة من القضاء العسكري و لا يختص كذلك بنظر المنازعة في الإجراءات التنفيذية الصادرة تنفيذا لها لما في ذلك من مساس بالأحكام المذكورة و تعد على اختصاص القضاء العسكري بعد استنفاذ طرق الطعن في أحكامه و التصديق عليها من السلطة المختصة "
{{ حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1977 لسنة 33 القضائية جلسة 7/1/1989 }} . ([3])
هذا وفد نصت المادة الأولى من القانون الحالي رقم 25 لسنة 1966أ الاحكام العسكرية أ أن إدارة القضاء العسكري تعد احدي إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة :
"الإدارة العامة للقضاء العسكري هي أحدى إدارات القيادة العليا للقوات المسلحة ، ويتبع هذه الإدارة نيابة عسكرية و محاكم عسكرية و فروع أخرى حسب قوانين و أنظمة القوات المسلحة " .
المبحث الثاني :
التطور التاريخي التشريعي لقانون الأحكام العسكرية في مصر
يعتبر القانون أسمى نتاجا للفكر البشرى على مدى مراحل التطور التاريخي للإنسانية ، ذلك أن مضمون القانون هو تنظيم العلاقات الأساسية بين عناصر المجتمع وفقا لفلسفة تبلور تلك العلاقات على محاور متعددة هي الدولة ،السلطة الحاكمة ،الأفراد، أشخاص المجتمع الدولي وغيرها . ولهذا فان القانون الذي يشكل هذا النسق من الروابط يعد المعيار الحقيقي لمقدار التطور في مجتمع ما و حقبة زمنية معينة، فالقراءات التاريخية التي تخلو من نظرة على وضعية القوانين الحاكمة في تلك الفترة قراءات لا تسجل تحليلات حقيقية لواقع الحال الحادث آنذاك .
إلا انه من صعب بمكان الفصل بين القانون السائد في حقبة زمنية وعملية التطور الحادثة في المجتمعات وتحديد ما إذا كان القانون نتاج هذا التطور أم انه العامل الرئيسي فيه .
و هنا تبرز أهمية الوقوف على مراحل التطور التشريعي لاسيما في شأن أوجدته الإحداث التاريخية ذاتها مثل قانون الأحكام العسكرية الذي مر بعدة مراحل حتى وصل إلى التنظيم الذي أتى به القانون الحالي رقم 25 لسنة 1966 وتلك المراحل هي :-
"المرحلة الأولى: ما قبل 15 من أكتوبر سنة 1949 - و كان طابع اغلب التشريعات فيها نتاج تفكير أجنبي و لم يكن ذلك بغريب في دولة كانت تخضع لاحتلال أجنبي.
المرحلة الثانية : بدأت من 15 أكتوبر سنة 1949 - فبالرغم من تأثيرها بالاستقلال الظاهري ، و ما تبع ذلك من إلغاء المحاكم المختلطة و الإمتيازات الأجنبية – إلا أنها اكتست بالمسحة الأجنبية إذ اختار واضعوها نصوصا متفرقة من قوانين شتى معمول بها في عدة دول و جاهدوا أن يكون لها الطابع المصري بحيث لا تغضب السلطات الأجنبية .
المرحلة الثالثة : بدأت منذ 23 من يوليو سنة 1952 – و قد عبر الميثاق عن هذه الفترة في الباب الخامس منه بقوله : أن المفاهيم الثورية الجديدة للديمقراطية السليمة لابد لها أن تفرض نفسها على الحدود التي تؤثر في تكوين المواطن وفى مقدمتها التعليم والقوانين واللوائح الإدارية 000 كذلك فإن القوانين لابد أن تعاد صياغتها لتخدم العلاقات الاجتماعية الجديدة التي تقيمها الديمقراطية السليمة تعبيرا عن الديمقراطية الاجتماعية .
أما المرحلة الرابعة : والأخيرة بدأت منذ 14 من مايو سنة 1971 و مازالت مستمرة . فتلك التي نعيشها الآن والتي بدء فيها – بحق تقنين الكثير من التشريعات بعد تعديلها وصياغتها بالطابع المصري الأصيل ، فضلا عن تقاربها مع تشريعات الأمة العربية " .([4])
وإذا كنا بصدد تأريخ تفصيلي لصدور قوانين الأحكام العسكرية فى مصر نجد ان " تشريع الأحكام العسكرية الصادر بالأمر العالي بتاريخ 7 من يونيو سنة 1884 الملغى من القوانين ذات المصدر الأجنبي ويتعلق بتقرير الإجراءات التي اتخذتها المجالس العسكرية وأقرها السردار في شأن المحاكمات التي ترتبت على الثورة العرابية، حيث نص فيه صراحة على وجوب إتباع ما يجرى عليه الأمر في الجيش البريطاني أي جيش الاحتلال .
وفى عام 1893 جمعت هذه الأحكام التي تضمنها الأمر العالي سالف الذكر و ملحق به الإجراءات المتبعة في الجيش البريطاني و أطلق عليها اسم الأحكام العسكرية ثم أعيد طباعتها – فيما بعد – طبقا لما طرأ من تعديل على إجراءات الجيش البريطاني في عامي عام 1917 ، وفى عام 1939 و أخيرا في عام 1949 بغير تعديل إلا في أسماء الوحدات والوظائف .
و قد تضمن القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية (م7) و القانون رقم 140 لسنة 1944 الخاص بنظام هيئة الشرطة و اختصاصاتها (م37) – الملغى – ما يفيد إقراره طريقة تشكيل المجالس العسكرية و إجراءات التحقيق و المحاكمة الواردة بقانون الأحكام العسكرية بشأن أفراد هيئة الشرطة .
كما قضى القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة الشرطة الذي حل محل القانون رقم 140 لسنة 1944 في(المادة 136 ) منه بخضوع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوات نظامية و ضباط الصف و جنود الدرجة الأولى ورجال الخفر النظاميون في كل ما يتعلق بخدمتهم لقانون الأحكام العسكرية . ثم صدر القانون رقم 101 لسنة 1957 في شأن المحاكمات الغيابية و القانون رقم 159 لسنة 1957 في شأن التماس أعادة النظر في قرارات و أحكام المجالس العسكرية . كما صدرت بعض التعديلات التي اقتضاها التنظيم الجديد للدولة و قواتها المسلحة نخص منها بالذكر أمر القائد العام للقوات المسلحة في أول من يوليو سنة 1953 بتغيير بعض مسميات في القانون .
ولما صدر قانون هيئة الشرطة رقم 61 لسنة 1964 ( الملغى) قضت المادة 132 منه بان" يخضع لقانون الأحكام العسكرية و القوانين المكملة له الضباط بالنسبة لإعمالهم المتعلقة بقيادة قوة نظامية و أمناء الشرطة والكونستابلات و المساعدين وضباط الصف و جنود الشرطة ورجال الخفر النظاميين في كل ما يتعلق بخدمتهم .
بينما قضت المادة 133 من ذات القانون رقم 61 لسنة 1964 الملغى بان "تشكل المجالس العسكرية بأمر من وزير الداخلية أو من ينوب عنه ويصدق على أحكامه الآمر بتشكيل وللمجالس العسكرية توقيع العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أو العقوبات المنصـوص عليهـــــــــا في قـــــــــانون الأحكـــــام
العسكرية "([5])