روح القانون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الأستشارات القانونيه نقدمها مجانا لجمهور الزائرين في قسم الاستشارات ونرد عليها في الحال من نخبه محامين المنتدي .. او الأتصال بنا مباشره موبايل : 01001553651 _ 01144457144 _  01288112251

    القضاء الشرعى فى مصر بقلم الدكتور حماده حسنى

    محمد راضى مسعود
    محمد راضى مسعود
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 7032
    نقاط : 15679
    السٌّمعَة : 118
    تاريخ التسجيل : 26/06/2009
    العمل/الترفيه : محامى بالنقض

    القضاء الشرعى فى مصر بقلم الدكتور حماده حسنى Empty القضاء الشرعى فى مصر بقلم الدكتور حماده حسنى

    مُساهمة من طرف محمد راضى مسعود الجمعة أغسطس 07, 2009 1:02 am

    كان النظام القضائى فى مصر منذ الفتح الإسلامى للبلاد، هو النظام القضائى الشرعى فكانت المنازعات تعرض على القاضى وهو يفصل فيها وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ويقوم هذا النظام على "الإنابة"، فالخليفة يعين "قاضى القضاة" وهو بدوره يعين القضاة، ولكن لم تكن هناك درجات متعددة من التقاضى بل كان هناك ما يسمى بوحدة القاضى، وفى هذا النظام أيضاً نوع من القضاء الإدارى يتولاه "صاحب المظالم"، وقد كان ينظر فى الشكاوى التى يتظلم بها الناس من تصرفات الحكام، كما كان هناك فرع متخصص للنظر فى قصايا الجند يسمى قاضيه "قاضى العسكر" وهى وظيفة التى عرفت فى النظام القضائى الإسلامى من قديم، وبالإضافة لكل ما سبق كان هناك "المحتسب" الذى كانت وظيفته مراقبة الأسواق والطرق وقد طبق هذا النظام حتى الفتح العثمانى لمصر (1517م)، فأصبحت مصر ولاية وأنشئت فيها محاكم شرعية بعد تقسيمها إلى 36 ولاية قضائية.

    وأثناء الاحتلال الفرنسى لمصر (1798-1801) جرت محاولات لتنحية القضاء الشرعى وباءت بالفشل وظل هذا النظام خلال معظم حكم محمد (1805-1848) رغم إدخاله دواوين ومجالس مختلفة ذات اختصاصات قضائية وفى عهد خلفائه، صدرت لائحتان لتنظيم المحاكم الشرعية: الأولى (26 ديسمبر 1855) والثانية فى عهد الخديوى توفيق (27 يونيو 1880)، ونصت أن يكون الحكم بأرجح الأقوال فى المذهب الحنفى، ثم صدرت لوائح أخرى فى 1897 و1907 وامتد اختصاص المحاكم الشرعية ليشمل: الأحوال الشخصية، والقضايا: المدنية والتجارية والجنائية وكذلك الدعاوى: العينية والعقارية والوقفية وكانت المحاكم الشرعية على ثلاث درجات محكمة شرعية عليا، مقرها القاهرة وكان يشمل اختصاصها البلاد كلها وأحكامها تصدر من خمسة قضاة ومحاكم ابتدائية فى كل من القاهرة، الإسكندرية، طنطا، الزقازيق، المنصورة، بنى سويف، أسيوط، وقنا وكانت أحكامها تصدر من ثلاثة قضاة ومحاكم شرعية جزئية متعددة تقع فى دائرة اختصاص كل محكمة ابتدائية وأحكامها تصدر من قاض واحد وكان للمحاكم الشرعية الولاية الكاملة على كل ما يختص بالأموال، فعمل الخديوى إسماعيل على انتزاع اختصاص الولاية على المال من المحاكم الشرعية وأنشأ مؤسسة إدارية عرفت باسم "المجالس الحسبية" (7 ديسمبر 1873) وقد ألحقت بنظارة الداخلية.

    ومنذ أن خضعت مصر للنظام الملكى (1923-1953) أصبح من الضرورى إقامة سياج حول العائلة المالكة، وبناء على ذلك أنشئ مجلس ليقوم بمقتضى القانون رقم 25 لسنة 1922، ليقوم "مقام المحاكم الشرعية" والمجلس الحسبى فى أى خصومة يكون طرفاها أو أحد طرفيها من العائلة المالكة وكان هذا المجلس ويتكون من: أمير من العائلة المالكة، ورئيس مجلس الشيوخ، وزير الحقانية، شيخ الأزهر، المفتى، ورئيس محكمة النقض، وبذلك لم تعد للمحاكم الشرعية ولا المجالس الحسبية سلطة على تلك الفئة.

    ومن أبرز القضايا التى نظرتها المحاكم الشرعية، القضية التى تتعلق بمصطفى النحاس باشا حيث كانت محكمة طنطا الشرعية قد وسعت دائرة نظارته فأصبح ناظراً على أوقاف متعددة منها: وقف البدراوى الذى قبل نظارته أثناء حكومته عام 1936 وأصدر توكيلاً لأخيه بإدارة هذه الأوقاف. وفى يناير 1937، قدم محمد محمود بدير المحامى الشرعى عريضة "دعوى الإذن" بخصومة مصطفى النحاس للمحكمة مطالباً بعزله من النظارة لأسباب منها أنه لم ينفذ شرط الواقف، وحكمت المحكمة بعزل النحاس باشا من النظر فى وقف البدراوى. وقد أثارت هذه القضية انتباه الرأى العام واستغلها الخصوم السياسيون فى الهجوم على مصطفى النحاس.

    وبسبب وضع مصر بعد عقد معاهدة لندن عام 1840 إذ أصبحت شبه مستقلة عن الدولة العثمانية، وهو ما جعلها تتعرض لواقع الغزو الغربى الاقتصادى والفكرى ثم العسكرى، فبدأ التشريع الغربى يتسرب إلى النظام القانونى. فأصبح الأجانب وعددهم آنذاك لا يزيد عى 80 ألفاً يتبعون 17 دولة يخضعون، ومعهم المصريون لـ 17 محكمة قنصلية أى لـ 17 نظاماً قضائياً كل حسب جنسيته ولغته، واستمر ذلك الوضع حتى بعد إنشاء المحاكم الأهلية (1883) ومع إنشائها انحصرت سلطة المحاكم الشرعية فى الأحوال الشخصية.

    وقد حاول الإنجليز التغلغل فى القضاء الشرعى فبعد احتلالهم مصر فى سبتمبر 1882 عملوا تدريجياً على بسط نفوذهم على سائر وظائف الحكومة ومناصبها من خلال وظيفة "المستشار" المعين من قبلهم فى كل وزارة وهيئة وكانوا قد تركوا للخديو ثلاثة مجالات هى الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، فلما تمت لهم السيطرة على جهات الحكومة المختلفة شرعوا عام 1899 فى العمل على النفاذ إلى المحاكم الشرعية، وأعد المستشار الانجليزى لوزارة الحقانية مشروعاً لإعادة تنظيمها، وكان هدفه الحقيقى إلغاءها كما فعلوا فى الهند، لكن علماء الأزهر وقفوا سداً منيعاً فى وجه هذه المحاولة.

    وعهدت الحكومة إلى الشيخ محمد عبده الذى تم تعيينه مفتياً عام 1899، بالتفتيش على المحاكم الشرعية ودراسة أحوالها واقتراح ما يراه لازماً لإصلاحها فجاب المحاكم مفتشاً وقدم تقريره إلى ناظر الحقانية (5 نوفمبر 1899) وتلحظ فى التقرير غيرة شديدة على النظم الشرعية، وقد طالب فيه بأن تسترد المحاكم الشرعية ولو بعضاً من اختصاصها المسلوب، وكان الناس حتى ذلك الوقت أشد وثوقاً فى المحاكم الشرعية وكانت شكواهم منها تنحصر فى صعوبة المعاملة مع الكتاب وطول زمن التقاضى. وكان من نتائج دعوة محمد عبده "مدرسة القضاء الشرعى" (1907) لتكون الأساس الذى يعتمد عليه فى تكوين الهيئات القضائية. واعتبرت قسماً من الأزهر يشرف عليها مشيخة الأزهر ويعين ناظر المعارف ناظرها وكانت المدرسة تنقسم لقسمين أحدهما لتخريج القضاة والآخر لتخريج الكتبة ومن خريجيها: الشيوخ على الخفيف، عبد الوهاب خلاف، عبد المجيد سليم، حسن مأمون، وجاد الحق على جاد الحق إلى جانب الأستاذ أحمد أمين.

    وظلت المدرسة قائمة حتى صدر القانون 49 لسنة 1930 بإعادة تنظيم الجامع الأزهر والمعاهد العلمية الإسلامية وقضى بإنشاء ثلاث كليات هى: الشريعة، أصول الدين، واللغة العربية ونص على إنشاء قسم للتخصص فى القضاء الشرعى والمحاكم يكون تابعاً لكلية الشرعية، وكان المحامون لدى المحاكم الشرعية يسمون "وكلاء الدعاوى" وصدر القانون 15 لسنة 1916 لينظم عملهم وأصبحوا "محامين شرعيين" وبمقتضاه أنشئت لهم نقابة قامت بدور وطنى إيجابى، وأصدرت عام 1929 مجلة "المحاماة الشرعية" لتنشر الأبحاث المتصلة بالقضاء الشرعى وحفظت لنا وللأجيال القادمة تراثا رائعاً.

    وبعد يوليو 1952 حدثت تحولات جذرية فى بنية السلطة وهيكل النظام السياسى، كان من نتائجها تغير كبير فى نمط علاقة الدولة بالمجتمع، فزال نمط "الاستقلال النسبى" الذى ساد طوال العهد الملكى وحل محله نمط "الدولة السلطوية"، التى أصبحت مسئولة عن كل صغيرة وكبيرة فى حياة المجتمع.

    وفى هذا الإطار اتجهت الأنظار لمؤسسات المجتمع فألغت فى (14 سبتمبر 1952) الوقف الأهلى، ثم اتجهت للقضاء الشرعى وأوجدت المناخ الملائم لإلغائه عبر الإساءة لهذا القضاء ورجاله، فقد تفجرت قضية القاضيين الشرعيين الشيخ الفيل والشيخ سيف، واتهما بإقامة علاقات مخلة بالشرف ومن خلال حملة صحفية استمرت شهرين (يوليو وأغسطس 1955) وطالت القضاء الشرعى كله. وكان الشيخ عبد القادر الفيل رئيس المحكمة بالإسكندرية وأصدر حكماً تاريخياً على الصاغ صلاح سالم بدفع نفقة شهرية لمطلقته وكان الشيخ معروفاً بالتهكم على الحكام الجدد وكان يحكى لأصدقائه عن الحاج عبد الناصر حسين والد الرئيس جمال عبد الناصر، وكيف كان الباشوات يعطفون عليه ومنهم الجيار باشا الذى توسط له ليدخل الكلية الحربية، وقد ذهب الشيخ ضحية قضية لفقت له باستخدام ساقطة (مسجلة آداب) وفى سبتمبر 1955 صدر قرار بإلغاء المحاكم الشرعية.


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين نوفمبر 25, 2024 2:14 am