صدر حكم يوم 2/1/2011 حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى المشار إليها وقضي منطوقه :
حكمت
المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1993 بشأن
ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية والمهنية المعدل بالقانون رقم 5 لسنة
1995.
وكان تقرير هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا أشار إلي عدم
دستورية القانون برمته لعيب شكلي ، ذلك أن هذا القانون لم يعرض علي مجلس
الشورى طبقا للمادة 195 من الدستور قبل تعديلها في عام 2007 باعتباره أحد
القوانين المكملة للدستور وسوف نعالج أثر هذا الحكم وفقا لما يلي :
أولا : المواد القانونية في شأن أثر حكم المحكمة الدستورية العليا قبل التعديل وبعده.
ثانيا : موقف الفقه والقضاء من هذا الأثر .
ثالثا : رأينا الخاص وأسانيده .
أولا : النصوص القانونية
نصت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979
والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 36 الصادر في سبتمبر 1979 علي أن " أحكام
المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة
وللكافة .
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي ذلك النص كأن لم تكن .
ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه .
هذا
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون
المحكمة الدستورية العليا المنشور بالجريدة الرسمية العدد 28 مكرر في
11/6/1998 ونص علي ما يلي :
المادة الأولي : يستبدل بنص الفقرة الثالثة
من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48
لسنة 1979 النص الآتي:
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو
لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك
تاريخا آخر علي أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال
إلا أثراً مباشراً، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم بعدم دستورية
هذا النص
هذا
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا
التعديل أنه قد جري قضاء المحكمة الدستورية العليا في مجال تفسيرها لنص
المادة 49 من قانونها علي أن الحكم الذي تصدره بعدم دستورية نص تشريعي يكون
له أثر يمتد إلي الماضي برجعية تحكم الروابط السابقة علي صدور الحكم
كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة .
وقد أدي الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر
الرجعي لأحكام المحكمة في غير المسائل الجنائية إلي صعوبات متعددة في مجال
التطبيق يندرج تحتها الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها وتحميل
الدولة بأعباء مالية تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها
التنموية والنهوض بالخدمات والمرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في
مجموعهم .
وعلاجا لمشكلات الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل
هذه الحالات التي كشفت عنها التجربة وتحقيقا للموازنة بين متطلبات الشرعية
الدستورية واعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع فقد رؤى حكم
الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل تحقيق الأغراض الآتية :
أولا :
تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعي لحكمها علي ضوء الظروف الخاصة التي
تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر
الخطورة التي تلازمها .
ثانيا : تقرير أثر مباشر للحكم بنص القانون إذا كان متعلقا بعدم دستورية نص ضريبي ... الخ.
ثالثا
: وحسما لأي خلاف في شأن ما إذا كان الأثر المباشر للأحكام الصادرة ببطلان
نص ضريبي ينسحب إلي ذي المصلحة في الخصومة الدستورية أم ينحسر عنه فقد نص
المشروع علي أنه سواء أثيرت المسألة الدستورية عن طريق الدفع أو عن طريق
الإحالة والتصدي فإن الفائدة العملية للخصومة الدستورية يتعين أن يجنيها كل
ذي شأن فيها من أطرافها ضمانا لفعالية حق التقاضي ولأن الترضية القضائية
هي الغاية النهائية لكل خصومة قضائية علي ما جري به قضاء هذه المحكمة
وقد
أخذ المشروع في كل ما تقدم بمزيج من النظم المتبعة في العديد من الدول
الأجنبية التي تعتنق مبدأ الرقابة القضائية علي دستورية التشريع مع
الانحياز إلي أكثر أحكامها احتراما للحقوق والحريات .
ثانيا : موقف الفقه والقضاء حول أثر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في ضوء المادة 49 من القانون 48 لسنة 1979
موقف الفقه قبل التعديل
لقد أوضحت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ما يترتب علي هذا الحكم من آثار بقولها
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
بينما
جاء بالمذكرة الإيضاحية إيضاحا لهذا النص قولها
وتناول القانون أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فنص علي عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء علي أن مؤداه
هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فقط وإنما بالنسبة للوقائع والعلاقات
السابقة علي صدور الحكم بعدم دستورية النص علي أن يستثني من هذا الأثر
الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر
المقضي أو بانقضاء مدة التقادم .
أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية
متعلقا بنص جنائي فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي ذلك
النص تعتبر كأن لم تكن حتى ولو كانت أحكاما باتة .
ولإزالة هذا التعارض
بين النص الوارد بالمادة 49 سالف الإشارة إليها وبين ما جاء حوله بالمذكرة
الإيضاحية يقول أستاذنا الفقيه الدستوري الكبير الدكتور/ رمزي الشاعر في
نظريته العامة للقانون الدستوري ص 603 طبعة ثالثة 1983 .
وبمقارنة نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا وما ورد في
المذكرة الإيضاحية بشأن أثر الحكم الصادر من هذه المحكمة يظهر للوهلة
الأولي أن هناك تعارضا بينهما .
إذ أن النص قد يفهم منه أن الأصل في
أثر الحكم انه فوري ومباشر وخاص بالمستقبل فقط بينما يفهم من المذكرة
الإيضاحية أن الأصل هو رجعية الحكم يعدم الدستورية مما يقتضي رفع هذا
التعارض بين المفهومين ويقتضي البحث في أثر الحكم إيضاح مدي الحجية التي
يتمتع بها بالإضافة إلى التاريخ الذي يرتد إليه .
هذا
وقد انتهي أستاذنا إلي أن " الحكم
الصادر بعدم الدستورية يؤدي إلي اعتبار القانون كأن لم يكن فهو حكم ذو حجية
عامة ومطلقة مما يؤدي إلي تصفية النزاع حول دستورية القانون أو اللائحة
مرة واحدة وبصفة نهائية (ذات المرجع ص 604).
وأيد رأيه بما أخذت به
المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر في 6 فبراير 1982 حيث قررت " لما
كان المدعيان يطلبان الحكم بعدم دستورية المادة الأولي من القرار بقانون
رقم 99 لسنة 1963 التي سبق أن قضت المحكمة العليا بعدم دستوريتها .. وكان
قضاؤها هذا له حجية مطلقة، حسمت الخصومة بشأن عدم دستورية هذا النص حسما
قاطعا مانعا من نظر أي طعن جديد يثار بشأنه فإن مصلحة المدعين في الدعوى
الماثلة تكون منتفية وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى (القضية رقم 39
لسنة 2 ق ذات المرجع ص 605) .
وهذا أمر لا خلاف فيه ذلك أن الخصومة في
الدعاوى الدستورية توجه إلي النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستوري
وتكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها علي الخصوم في الدعاوى التي صدرت
فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلي الكافة وتلتزم به جميع جهات القضاء .
إلا أن الأمر المثير للجدل
هو مدي الأثر الرجعي الذي يثيره الحكم
النص الوارد بالمادة 49 من قانون
المحكمة الدستورية العليا والذي يقرر أنه " ويترتب علي الحكم بعدم دستورية
نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
هذا
النص يفهم منه مباشرة ودون الدخول في التأويل والاجتهاد أن أحكام المحكمة
الدستورية العليا يعمل بها بأثر مباشر من اليوم التالي لنشر الحكم .
ولكن ماذا عن تعارض هذا النص مع المذكرة الإيضاحية للقانون عند تعرضها لهذا النص .
المذكرة
الإيضاحية قررت عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب وإنما بالنسبة إلي
الوقائع والعلاقات السابقة علي صدور الحكم بعدم دستورية النص .
وبهذا
تكون المذكرة الإيضاحية قد أخذت بفكرة الأثر الرجعي للحكم مخالفة بذلك نص
الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا .
وإن كان الفقه قد رأي أن تلك مخالفة ظاهرية وهو قول أستاذنا الدكتور رمزي الشاعر ص 613 ذات المرجع .
وينتهي
أستاذنا إلي أن عيب عدم الدستورية الناشئ عن المخالفة الشكلية للدستور
سواء من حيث الإجراءات أو الاختصاص لا يمكن إلا أن يكون عيبا أصليا ،
فالقانون أو اللائحة يجب أن يصدر وفقا للإجراءات المنصوص عليها في الدستور
الذي صدر في ظله بحيث إذا صدر التشريع سليما من حيث الشكل فإنه لا يصبح
باطلا بعد ذلك حتى ولو اختلفت الشكليات التي يتطلبها الدستور الجديد
بالنسبة له أو تغير الجهة المختصة بإصداره (ص 616 ذات المرجع).
وفي
الجملة فإن أستاذنا الفقيه الدستوري الكبير رجح الأثر الرجعي لحكم المحكمة
الدستورية العليا وفقا للمصدر التاريخي للمادة 49 فقرة ثالثة من قانون
المحكمة الدستورية العليا ولإمكان الاستفادة من طلب الحكم بعدم دستورية نص
أو قانون ما .
وانتهي سيادته إلي أنه في حالة العيب الأصلي فإن الرجعية
ترتد إلي تاريخ صدور النص التشريعي المعيب أما في حالة العيب الطارئ فإن
الرجعية ترتد إلي تاريخ صدور النص الدستوري الذي أدي إلي عدم دستورية النص
المطعون بعدم دستورية(ص622 ذات المرجع) .
إلا أن هناك من يؤمن بوجهة
نظر مخالفة إزاء هذه الفقرة المثيرة للجدل من المادة 49 من قانون المحكمة
الدستورية العليا سالف الإشارة إليها .
حكم لمحكمة النقض يقول بالأثر المباشر ورغم استقرار واطراد أحكام محكمة النقض
علي القول بالأثر الرجعي إلا أن هذا الحكم قد انفرد بتقرير الأثر المباشر لحكم الدستورية العليا.
وقد جاء بأسباب هذا الحكم أن النص في المادة 178 من الدستور علي أنه تنشر
في الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في
الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة .
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة
الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوما علي الأكثر من تاريخ صدورهما
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من
اليوم التالي لنشر الحكم فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي
تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي ذلك النص كأن لم تكن ، ويقوم
رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء
مقتضاه
تقول محكمة النقض تعليقا علي هذا النص إنه يدل علي أن الحكم
الصادر بعدم دستورية نص تشريعي يسري من اليوم التالي لنشره بالجريدة
الرسمية بما يترتب عليه من عدم جواز تطبيق ذلك النص من هذا التاريخ
ولما
كان القانون رقم 48 لسنة 1979 لم ينص علي ترتيب أية أثار علي المراكز
القانونية التي استقرت في الفترة السابقة علي نشر الحكم الذي قضي بعدم
دستورية النص القانوني الذي ترتبت هذه المراكز استنادا إليه .
كما
ذهبت إلي ذلك بالنسبة للأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي نص جنائي
قضي بعدم دستوريته فإنه لا يكون لهذا الحكم أي أثر علي المراكز القانونية
التي استقرت في الفترة السابقة علي نشر الحكم المذكور وكان قرار القيد
موضوع الدعوى بما لا خلاف عليه بين الخصوم قد صدر قبل نشر حكم المحكمة
الدستورية العليا فلا أثر لهذا الحكم علي القرار السالف ، وإذ التزم الحكم
المطعون فيه هذا الحظر وتناول بالرد في أسبابه علي دفاع الطاعن في هذا
الخصوص فإنه يكون قد وافق صحيح القانون (مجموعة أحكام النقض المكتب الفني
مشار إليه الآثار القانونية لأحكام المحكمة الدستورية العليا للمستشار
الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان ص 336 وما بعدها).
وقبل أن نخوض في
التفاصيل نذكر بذاك التعديل للفقرة الثالثة ويترتب علي الحكم بعدم دستورية
نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم
يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر أسبق علي أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا
يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من
الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص .
والمذكرة الإيضاحية لهذا التعديل
تقرر أنه وقد أدي الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام المحكمة في
غير المسائل الجنائية إلي صعوبات متعددة في مجال التطبيق يندرج تحتها
الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها وتحميل الدولة بأعباء مالية
تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها التنموية والنهوض
بالخدمات والمرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في مجموعهم .
وعلاجا
لمشكلات الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل هذه الحالات التي
كشفت عنها التجربة وتحقيقا للموازنة بين متطلبات الشرعية الدستورية
واعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع والحفاظ علي أمنه اجتماعيا
واقتصاديا وهي أمور يرتبط كل منها بالآخر برابطة وثقي فقد رؤى تعديل حكم
الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل تحقيق الأغراض الآتية :
أولا :
تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعي لحكمها علي ضوء الظروف الخاصة التي
تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر
الخطورة التي تلازمها
هذا
وقد أثار هذا التعديل جدلا واسعا بين
فقهاء القانون ، وأن هذا التعديل يؤدي إلي إفراغ الرقابة الدستورية من
مضمونها ومحتواها ذلك أن الأثر الرجعي للأحكام الدستورية يفرضه المنطق
القانوني وتفرضه اعتبارات الفعالية، فالنص غير الدستوري ولد مخالفا للدستور
فيكون باطلا منذ صدوره فالنص المشوب بعدم الدستورية يلحقه هذا العيب من
أول يوم .
ومن ناحية أخري فإن اعتبارات فعالية الرقابة علي دستورية
القوانين وجدواها إنما تحتم أن يكون للحكم أثر رجعي والقول بغير ذلك من
شأنه أن يجعل هذه الرقابة لغوا وعبثا وهزلا إذ من شأنه تحصين التطبيقات
السابقة علي حكم القضاء الدستوري .
أي بقاؤها محكومة بقانون غير دستوري ،
وما علي السلطة إلا تعديل القانون في المستقبل ، وقد يأتي التعديل مجرد
تعديل لفظي أي في الصياغة أو تعديلا سيئا غير مبرأ من العيوب الدستورية
ويظل مطبقا إلي أن يقضي بعدم دستوريته وتتحصن هذه التطبيقات مع مجرد مطالبة
السلطة الحاكمة بتعديله في المستقبل وهكذا دواليك رقابه لا أثر لها ولا
جدوى .. رقابة لا تمنع افتئاتا ولا ترد ظلما اللهم بالنسبة لفرد واحد كل
مرة إخلالا بأبسط مبادئ الشرعية .
(أستاذنا الفقيه الدستوري الدكتور محمود عاطف البنا الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة من مقالة بجريدة الوفد بتاريخ 16/7/1998)
ووجهت إلي هذا التعديل جملة اعتراضات أوضحها بالتفصيل المستشار الدكتور
عبد العزيز سالمان في مرجعه سالف الإشارة إليه ص 443 إلي 435
وبينما
اتجه رأي آخر إلي تأييد التعديل الوارد بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998
علي سند من القول إن القرار بقانون لم يأت بجديد فالتعديل الجديد أقرب إلي
أن يكون تفسيرا للنص القديم منه إلي إقرار حكم جديد فضلا عن أنه وسع من
اختصاصات المحكمة الدستورية العليا حيث أجاز لها أن تحدد في بعض الحالات
نطاق سريان الحكم من حيث الزمان فتقرر له خلافا للقاعدة العامة أثرا رجعيا
وتفصيل ذلك نص المادة 49/3 من قانون المحكمة الدستورية العليا كان يقضي قبل
التعديل بأنه يترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز
تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
وكان يعني أن أثر الحكم بعدم
دستورية نص معين يتمثل في تعطيل هذا النص مستقبلا وابتداء من تاريخ محدد هو
تاريخ نشر الحكم أي أنه لا يقرر الأثر المباشر للحكم ولو كان المشرع يريد
إقرار الأثر الرجعي للحكم لا تكتفي بعبارة يترتب علي الحكم بعدم دستورية نص
في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه دون أن يحدد لترتيب هذا الأثر تاريخا
معينا هو تاريخ النشر إذ عندئذ فقط كان يمكن القول بأن المشرع يرتب علي
الحكم تعطيل تطبيق النص بصورة مطلقة أي سواء في المستقبل أو في الماضي .
(الدكتورة
/ فوزية عبد الستار في مقال بعنوان حول تعديل قانون المحكمة الدستورية
العليا منشور بجريدة الأهرام بتاريخ 3/8/1998 ومشار إليه بالمستشار الدكتور
عبد العزيز سالمان المرجع السابق ص 456) .
الترجيح بين الطرفين
نخرج مما تقدم بالحقائق التالية
أن الحكم الصادر من المحكمة
الدستورية العليا يحوز حجية مطلقة قبل الكافة سواء الجهات القضائية أو
السلطة التنفيذية أو التشريعية وهذا قضاء مستقر للمحكمة الدستورية العليا
فقد قضت المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 10/3/1975 في الدعوى رقم 2 لسنة 2 ق
بأن للدعوى الدستورية شأناً غير شأن الدعاوى العادية لأن الخصومة فيها
عينية تستهدف الطعن في النص القانوني للحصول علي حكم بعدم دستوريته، ويكون
الحكم الصادر منها حجة علي الكافة طبقا للمادة 31 من قانون الإجراءات
والرسوم أمام المحكمة (يراجع مجموعة أحكام المحكمة العليا ج 1 ص 215 أيضا
الحكم في الدعوى رقم 4 لسنة 5 ق جلسة 3/4/1976 ذات المجموعة ص 403).
أما مقطع النزاع فهو في الأثر الرجعي للحكم ولا ريب لدينا مع إجماع الفقه
علي أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا يعدم القانون منذ لحظة
صدوره ذلك أن هذا القانون قد ولد ميتا منذ البداية وهذا يبرر الأثر الرجعي
للحكم ذلك أنه ما فائدة الحكم بعدم الدستورية إذا كان يفيد فقط من صدر
الحكم لصالحه أليس هذا افتئاتا علي حقوق المواطنين وإهدارا لمبدأ المساواة
بينهم .
لذا فإن الحجج التي ساقها فريق المعارضين للأثر الفوري المباشر للحكم أقوي وأرجح وأقرب لتحقيق العدالة والمنطق .
فضلا
عن أن الحكم بعدم دستورية قانون ما يقتصر أثر إفادته علي المخاطبين بالنص
غير الدستوري بعد الحكم بينما تهدر حقوق المخاطبين بالنص قبل الحكم بعدم
دستوريته رغم أنه صدر منذ البداية مخالفا للدستور وهذا ما لم يقل به أحد
وهذا عند القول بالأثر المباشر .
ذلك الحكم بعدم الدستورية هو حكم كاشف للنص أو القانون المخالف للدستور ليس حكما منشئا .
والمرجح
في حسم هذا الخلاف ليس المحاكم القضائية إنما الحسم مقرر للمحكمة
الدستورية وقد استقر قضاؤها واستقام علي أن الحكم بعدم الدستورية يسري بأثر
رجعي إلا ما اختصها به المشرع في التعديل الدستوري الأخير الصادر بالقانون
رقم 168 لسنة 1998 للفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة
الدستورية العليا .
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة
عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا
آخر حيث قررت المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها حيث ذهبت في
حكم حديث نسبيا إلي أنه مقتضي حكم المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية
العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم
دستوريته علي الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك
وكذلك علي الوقائع السابقة علي هذا النشر إلا ما استقر من حقوق ومراكز صدرت
بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضي ، أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم
الدستورية تاريخا آخر لسريانه، لما كان ذلك وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم
بعدم دستوريته الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 وعلي
ما انتهت إليه المحكمة في هذه الأسباب مؤداه إحداث خلخلة اجتماعية
واقتصادية مفاجئة تصيب فئات عريضة من القاطنين بوحدات سكنية تساندوا في
إقامتهم بها إلي حكم هذا النص قبل القضاء بعدم دستوريته وهي خلخلة تنال من
الأسرة في أهم مقومات وجودها المادي وهو المأوي الذي يجمعها وتستظل به بما
ترتب عليه من آثار اجتماعية تهز مبدأ التضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه
المجتمع وفقا لما نصت عليه المادة السابعة من الدستور .
إذ كان ذلك فإن
المحكمة ترى إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من
قانونها وتحدد لسريان هذا الحكم تاريخا آخر هو اليوم التالي لنشره بما
مؤداه أن جميع العقود التي أبرمت قبل هذا التاريخ إعمالا لحكم الفقرة
الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وتنزل منزلة هذه العقود
وتعد عقودا قائمة حكما الوقائع التي ترتبت علي وقوعها قيام التزام المؤجر
بتحرير عقد إيجار حيث كان يجب تحريرها فتظل قائمة ومنتجة لكافة آثارها
القانونية وفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 29 المشار إليها
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة
أولا : بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 .
ثانيا : بتحديد اليوم التالي لهذا الحكم تاريخا لإعمال أثره .
ومما يؤيد هذا النظر أنه لو كان الشارع يريد إعمال أثر الحكم الصادر من
المحكمة الدستورية العليا بأثر مباشر في سائر الأحكام لم يكن قد ذكر هذا
الاستثناء بقوله أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخا آخر
لسريانه
ولما ذكر أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا بأثر مباشر .
وهذا
يفهم منه أن حكم المحكمة الدستورية العليا في غير ما سلف ذو أثر رجعي غير
أنه بقيت مسألة وهي ما أثر الحكم الصادر بعدم دستورية قانون النقابات
المهنية رقم 100 لسنة 1993 المعدل بالقانون 5 لسنة 1995 علي المراكز
القانونية التي استقرت قبل صدور الحكم؟ .
وللإجابة عن هذا التساؤل نفرق
بين النقابات التي أجريت انتخاباتها بناء علي أحكام قضائية حازت قوة الأمر
المقضي وبين النقابات التي مازالت تحت الحراسة .
أولا : النقابات التي أجريت انتخاباتها بناء علي أحكام قضائية
لا
خلاف بين الفقه والقضاء قبل التعديل وبعده علي أنه كما عبرت المذكرة
الإيضاحية قبل تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 المشار إليها " يستثني من
هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز
قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم .
وكذلك المذكرة الإيضاحية
بعد التعديل بقولها قد أدي الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام
المحكمة في غير المسائل الجنائية إلي صعوبات متعددة في مجال التطبيق يندرج
تحتها الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها .. الخ .
وهكذا نري أن
هذا الحكم لا يؤثر علي مجلس نقابة المحامين ذلك أن الحراسة ألغيت عن نقابة
المحامين بمقتضي حكم حاز قوة الأمر المقضي ثم أجريت الانتخابات بناءً علي
أحكام قضائية واجبة النفاذ ،ومنها الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري
رقم 33096 لسنة 63ق و 33560 لسنة 63 ق و 34370 لسنة 63 ق و 34832 لسنة 63 ق
و 35303 لسنة 63 ق و 35471 لسنة 63 ق بجلسة 10/5/2009 من محكمة القضاء
الإداري الدائرة 2 أفراد ب ومن ثم اكتسب هذا المجلس مركزا قانونيا لا
يتنافي مع حكم المحكمة الدستورية العليا .
ودليلنا أنه عند صدور حكم مماثل بعدم دستورية قانون الجمعيات الأهلية عام 2000 لم يترتب عليه حل الجمعيات الأهلية المنتخبة .
ثانيا : النقابات التي مازالت تحت الحراسة
أري أن هذا الحكم الصادر في الدعوى رقم 198 لسنة 23 ق دستورية يلزم
الحكومة باتباع إجراءات الجمعيات العمومية التي نظمتها القوانين الخاصة
بالنقابات المهنية كل علي حدة لحين سن تشريع جديد ينظم انتخابات جميع
النقابات مع إتباع الإجراءات الدستورية لتمريره بإعداده وعرضه علي قسم
التشريع بمجلس الدولة ثم مجلس الشورى إعمالا للمادة 194 من الدستور بعد
تعديله عام 2007 ثم مجلس الشعب مع مراعاة تفادي العوار الدستوري في المواد
موضوع الطعن وإن لم تتعرض لها المحكمة الدستورية لعدم الطعن بعدم دستوريتها
مرة أخري.
وأري أيضا أن الطاعن يستفيد من هذا الحكم مباشرة بأنه يجب
علي اللجنة المشرفة علي انتخابات نقابة القاهرة الفرعية إعادة فرز الأصوات
في ضوء قانون نقابة المحامين الساري
وقت إجراء العملية الانتخابية 2001 .
هذا وبالله التوفيق
دكتور / أحمد رشاد طاحون
المحامي بالنقض
حكمت
المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية القانون رقم 100 لسنة 1993 بشأن
ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية والمهنية المعدل بالقانون رقم 5 لسنة
1995.
وكان تقرير هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا أشار إلي عدم
دستورية القانون برمته لعيب شكلي ، ذلك أن هذا القانون لم يعرض علي مجلس
الشورى طبقا للمادة 195 من الدستور قبل تعديلها في عام 2007 باعتباره أحد
القوانين المكملة للدستور وسوف نعالج أثر هذا الحكم وفقا لما يلي :
أولا : المواد القانونية في شأن أثر حكم المحكمة الدستورية العليا قبل التعديل وبعده.
ثانيا : موقف الفقه والقضاء من هذا الأثر .
ثالثا : رأينا الخاص وأسانيده .
أولا : النصوص القانونية
نصت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979
والمنشور بالجريدة الرسمية العدد 36 الصادر في سبتمبر 1979 علي أن " أحكام
المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة
وللكافة .
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي ذلك النص كأن لم تكن .
ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه .
هذا
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 168 لسنة 1998 بتعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون
المحكمة الدستورية العليا المنشور بالجريدة الرسمية العدد 28 مكرر في
11/6/1998 ونص علي ما يلي :
المادة الأولي : يستبدل بنص الفقرة الثالثة
من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48
لسنة 1979 النص الآتي:
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو
لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك
تاريخا آخر علي أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال
إلا أثراً مباشراً، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من الحكم بعدم دستورية
هذا النص
هذا
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا
التعديل أنه قد جري قضاء المحكمة الدستورية العليا في مجال تفسيرها لنص
المادة 49 من قانونها علي أن الحكم الذي تصدره بعدم دستورية نص تشريعي يكون
له أثر يمتد إلي الماضي برجعية تحكم الروابط السابقة علي صدور الحكم
كنتيجة حتمية لطبيعته الكاشفة .
وقد أدي الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر
الرجعي لأحكام المحكمة في غير المسائل الجنائية إلي صعوبات متعددة في مجال
التطبيق يندرج تحتها الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها وتحميل
الدولة بأعباء مالية تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها
التنموية والنهوض بالخدمات والمرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في
مجموعهم .
وعلاجا لمشكلات الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل
هذه الحالات التي كشفت عنها التجربة وتحقيقا للموازنة بين متطلبات الشرعية
الدستورية واعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع فقد رؤى حكم
الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل تحقيق الأغراض الآتية :
أولا :
تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعي لحكمها علي ضوء الظروف الخاصة التي
تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر
الخطورة التي تلازمها .
ثانيا : تقرير أثر مباشر للحكم بنص القانون إذا كان متعلقا بعدم دستورية نص ضريبي ... الخ.
ثالثا
: وحسما لأي خلاف في شأن ما إذا كان الأثر المباشر للأحكام الصادرة ببطلان
نص ضريبي ينسحب إلي ذي المصلحة في الخصومة الدستورية أم ينحسر عنه فقد نص
المشروع علي أنه سواء أثيرت المسألة الدستورية عن طريق الدفع أو عن طريق
الإحالة والتصدي فإن الفائدة العملية للخصومة الدستورية يتعين أن يجنيها كل
ذي شأن فيها من أطرافها ضمانا لفعالية حق التقاضي ولأن الترضية القضائية
هي الغاية النهائية لكل خصومة قضائية علي ما جري به قضاء هذه المحكمة
وقد
أخذ المشروع في كل ما تقدم بمزيج من النظم المتبعة في العديد من الدول
الأجنبية التي تعتنق مبدأ الرقابة القضائية علي دستورية التشريع مع
الانحياز إلي أكثر أحكامها احتراما للحقوق والحريات .
ثانيا : موقف الفقه والقضاء حول أثر الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في ضوء المادة 49 من القانون 48 لسنة 1979
موقف الفقه قبل التعديل
لقد أوضحت المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ما يترتب علي هذا الحكم من آثار بقولها
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
بينما
جاء بالمذكرة الإيضاحية إيضاحا لهذا النص قولها
وتناول القانون أثر الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فنص علي عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
وهو نص ورد في بعض القوانين المقارنة واستقر الفقه والقضاء علي أن مؤداه
هو عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فقط وإنما بالنسبة للوقائع والعلاقات
السابقة علي صدور الحكم بعدم دستورية النص علي أن يستثني من هذا الأثر
الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر
المقضي أو بانقضاء مدة التقادم .
أما إذا كان الحكم بعدم الدستورية
متعلقا بنص جنائي فإن جميع الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي ذلك
النص تعتبر كأن لم تكن حتى ولو كانت أحكاما باتة .
ولإزالة هذا التعارض
بين النص الوارد بالمادة 49 سالف الإشارة إليها وبين ما جاء حوله بالمذكرة
الإيضاحية يقول أستاذنا الفقيه الدستوري الكبير الدكتور/ رمزي الشاعر في
نظريته العامة للقانون الدستوري ص 603 طبعة ثالثة 1983 .
وبمقارنة نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا وما ورد في
المذكرة الإيضاحية بشأن أثر الحكم الصادر من هذه المحكمة يظهر للوهلة
الأولي أن هناك تعارضا بينهما .
إذ أن النص قد يفهم منه أن الأصل في
أثر الحكم انه فوري ومباشر وخاص بالمستقبل فقط بينما يفهم من المذكرة
الإيضاحية أن الأصل هو رجعية الحكم يعدم الدستورية مما يقتضي رفع هذا
التعارض بين المفهومين ويقتضي البحث في أثر الحكم إيضاح مدي الحجية التي
يتمتع بها بالإضافة إلى التاريخ الذي يرتد إليه .
هذا
وقد انتهي أستاذنا إلي أن " الحكم
الصادر بعدم الدستورية يؤدي إلي اعتبار القانون كأن لم يكن فهو حكم ذو حجية
عامة ومطلقة مما يؤدي إلي تصفية النزاع حول دستورية القانون أو اللائحة
مرة واحدة وبصفة نهائية (ذات المرجع ص 604).
وأيد رأيه بما أخذت به
المحكمة الدستورية العليا في حكمها الصادر في 6 فبراير 1982 حيث قررت " لما
كان المدعيان يطلبان الحكم بعدم دستورية المادة الأولي من القرار بقانون
رقم 99 لسنة 1963 التي سبق أن قضت المحكمة العليا بعدم دستوريتها .. وكان
قضاؤها هذا له حجية مطلقة، حسمت الخصومة بشأن عدم دستورية هذا النص حسما
قاطعا مانعا من نظر أي طعن جديد يثار بشأنه فإن مصلحة المدعين في الدعوى
الماثلة تكون منتفية وبالتالي يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى (القضية رقم 39
لسنة 2 ق ذات المرجع ص 605) .
وهذا أمر لا خلاف فيه ذلك أن الخصومة في
الدعاوى الدستورية توجه إلي النصوص التشريعية المطعون عليها بعيب دستوري
وتكون لها حجية مطلقة بحيث لا يقتصر أثرها علي الخصوم في الدعاوى التي صدرت
فيها وإنما ينصرف هذا الأثر إلي الكافة وتلتزم به جميع جهات القضاء .
إلا أن الأمر المثير للجدل
هو مدي الأثر الرجعي الذي يثيره الحكم
النص الوارد بالمادة 49 من قانون
المحكمة الدستورية العليا والذي يقرر أنه " ويترتب علي الحكم بعدم دستورية
نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
هذا
النص يفهم منه مباشرة ودون الدخول في التأويل والاجتهاد أن أحكام المحكمة
الدستورية العليا يعمل بها بأثر مباشر من اليوم التالي لنشر الحكم .
ولكن ماذا عن تعارض هذا النص مع المذكرة الإيضاحية للقانون عند تعرضها لهذا النص .
المذكرة
الإيضاحية قررت عدم تطبيق النص ليس في المستقبل فحسب وإنما بالنسبة إلي
الوقائع والعلاقات السابقة علي صدور الحكم بعدم دستورية النص .
وبهذا
تكون المذكرة الإيضاحية قد أخذت بفكرة الأثر الرجعي للحكم مخالفة بذلك نص
الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا .
وإن كان الفقه قد رأي أن تلك مخالفة ظاهرية وهو قول أستاذنا الدكتور رمزي الشاعر ص 613 ذات المرجع .
وينتهي
أستاذنا إلي أن عيب عدم الدستورية الناشئ عن المخالفة الشكلية للدستور
سواء من حيث الإجراءات أو الاختصاص لا يمكن إلا أن يكون عيبا أصليا ،
فالقانون أو اللائحة يجب أن يصدر وفقا للإجراءات المنصوص عليها في الدستور
الذي صدر في ظله بحيث إذا صدر التشريع سليما من حيث الشكل فإنه لا يصبح
باطلا بعد ذلك حتى ولو اختلفت الشكليات التي يتطلبها الدستور الجديد
بالنسبة له أو تغير الجهة المختصة بإصداره (ص 616 ذات المرجع).
وفي
الجملة فإن أستاذنا الفقيه الدستوري الكبير رجح الأثر الرجعي لحكم المحكمة
الدستورية العليا وفقا للمصدر التاريخي للمادة 49 فقرة ثالثة من قانون
المحكمة الدستورية العليا ولإمكان الاستفادة من طلب الحكم بعدم دستورية نص
أو قانون ما .
وانتهي سيادته إلي أنه في حالة العيب الأصلي فإن الرجعية
ترتد إلي تاريخ صدور النص التشريعي المعيب أما في حالة العيب الطارئ فإن
الرجعية ترتد إلي تاريخ صدور النص الدستوري الذي أدي إلي عدم دستورية النص
المطعون بعدم دستورية(ص622 ذات المرجع) .
إلا أن هناك من يؤمن بوجهة
نظر مخالفة إزاء هذه الفقرة المثيرة للجدل من المادة 49 من قانون المحكمة
الدستورية العليا سالف الإشارة إليها .
حكم لمحكمة النقض يقول بالأثر المباشر ورغم استقرار واطراد أحكام محكمة النقض
علي القول بالأثر الرجعي إلا أن هذا الحكم قد انفرد بتقرير الأثر المباشر لحكم الدستورية العليا.
وقد جاء بأسباب هذا الحكم أن النص في المادة 178 من الدستور علي أنه تنشر
في الجريدة الرسمية الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في
الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة .
وتنشر الأحكام والقرارات المشار إليها في الفقرة السابقة في الجريدة
الرسمية وبغير مصروفات خلال خمسة عشر يوما علي الأكثر من تاريخ صدورهما
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من
اليوم التالي لنشر الحكم فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي
تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي ذلك النص كأن لم تكن ، ويقوم
رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء
مقتضاه
تقول محكمة النقض تعليقا علي هذا النص إنه يدل علي أن الحكم
الصادر بعدم دستورية نص تشريعي يسري من اليوم التالي لنشره بالجريدة
الرسمية بما يترتب عليه من عدم جواز تطبيق ذلك النص من هذا التاريخ
ولما
كان القانون رقم 48 لسنة 1979 لم ينص علي ترتيب أية أثار علي المراكز
القانونية التي استقرت في الفترة السابقة علي نشر الحكم الذي قضي بعدم
دستورية النص القانوني الذي ترتبت هذه المراكز استنادا إليه .
كما
ذهبت إلي ذلك بالنسبة للأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلي نص جنائي
قضي بعدم دستوريته فإنه لا يكون لهذا الحكم أي أثر علي المراكز القانونية
التي استقرت في الفترة السابقة علي نشر الحكم المذكور وكان قرار القيد
موضوع الدعوى بما لا خلاف عليه بين الخصوم قد صدر قبل نشر حكم المحكمة
الدستورية العليا فلا أثر لهذا الحكم علي القرار السالف ، وإذ التزم الحكم
المطعون فيه هذا الحظر وتناول بالرد في أسبابه علي دفاع الطاعن في هذا
الخصوص فإنه يكون قد وافق صحيح القانون (مجموعة أحكام النقض المكتب الفني
مشار إليه الآثار القانونية لأحكام المحكمة الدستورية العليا للمستشار
الدكتور/ عبد العزيز محمد سالمان ص 336 وما بعدها).
وقبل أن نخوض في
التفاصيل نذكر بذاك التعديل للفقرة الثالثة ويترتب علي الحكم بعدم دستورية
نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم
يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر أسبق علي أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا
يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من
الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص .
والمذكرة الإيضاحية لهذا التعديل
تقرر أنه وقد أدي الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام المحكمة في
غير المسائل الجنائية إلي صعوبات متعددة في مجال التطبيق يندرج تحتها
الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها وتحميل الدولة بأعباء مالية
تنوء بها خزانتها بما يضعفها في مجال تحقيق مهامها التنموية والنهوض
بالخدمات والمرافق العامة التي تمس مصالح المواطنين في مجموعهم .
وعلاجا
لمشكلات الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي في مثل هذه الحالات التي
كشفت عنها التجربة وتحقيقا للموازنة بين متطلبات الشرعية الدستورية
واعتبارات استقرار المراكز القانونية في المجتمع والحفاظ علي أمنه اجتماعيا
واقتصاديا وهي أمور يرتبط كل منها بالآخر برابطة وثقي فقد رؤى تعديل حكم
الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بما يكفل تحقيق الأغراض الآتية :
أولا :
تخويل المحكمة سلطة تقرير أثر غير رجعي لحكمها علي ضوء الظروف الخاصة التي
تتصل ببعض الدعاوى الدستورية التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر
الخطورة التي تلازمها
هذا
وقد أثار هذا التعديل جدلا واسعا بين
فقهاء القانون ، وأن هذا التعديل يؤدي إلي إفراغ الرقابة الدستورية من
مضمونها ومحتواها ذلك أن الأثر الرجعي للأحكام الدستورية يفرضه المنطق
القانوني وتفرضه اعتبارات الفعالية، فالنص غير الدستوري ولد مخالفا للدستور
فيكون باطلا منذ صدوره فالنص المشوب بعدم الدستورية يلحقه هذا العيب من
أول يوم .
ومن ناحية أخري فإن اعتبارات فعالية الرقابة علي دستورية
القوانين وجدواها إنما تحتم أن يكون للحكم أثر رجعي والقول بغير ذلك من
شأنه أن يجعل هذه الرقابة لغوا وعبثا وهزلا إذ من شأنه تحصين التطبيقات
السابقة علي حكم القضاء الدستوري .
أي بقاؤها محكومة بقانون غير دستوري ،
وما علي السلطة إلا تعديل القانون في المستقبل ، وقد يأتي التعديل مجرد
تعديل لفظي أي في الصياغة أو تعديلا سيئا غير مبرأ من العيوب الدستورية
ويظل مطبقا إلي أن يقضي بعدم دستوريته وتتحصن هذه التطبيقات مع مجرد مطالبة
السلطة الحاكمة بتعديله في المستقبل وهكذا دواليك رقابه لا أثر لها ولا
جدوى .. رقابة لا تمنع افتئاتا ولا ترد ظلما اللهم بالنسبة لفرد واحد كل
مرة إخلالا بأبسط مبادئ الشرعية .
(أستاذنا الفقيه الدستوري الدكتور محمود عاطف البنا الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة من مقالة بجريدة الوفد بتاريخ 16/7/1998)
ووجهت إلي هذا التعديل جملة اعتراضات أوضحها بالتفصيل المستشار الدكتور
عبد العزيز سالمان في مرجعه سالف الإشارة إليه ص 443 إلي 435
وبينما
اتجه رأي آخر إلي تأييد التعديل الوارد بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998
علي سند من القول إن القرار بقانون لم يأت بجديد فالتعديل الجديد أقرب إلي
أن يكون تفسيرا للنص القديم منه إلي إقرار حكم جديد فضلا عن أنه وسع من
اختصاصات المحكمة الدستورية العليا حيث أجاز لها أن تحدد في بعض الحالات
نطاق سريان الحكم من حيث الزمان فتقرر له خلافا للقاعدة العامة أثرا رجعيا
وتفصيل ذلك نص المادة 49/3 من قانون المحكمة الدستورية العليا كان يقضي قبل
التعديل بأنه يترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز
تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم .
وكان يعني أن أثر الحكم بعدم
دستورية نص معين يتمثل في تعطيل هذا النص مستقبلا وابتداء من تاريخ محدد هو
تاريخ نشر الحكم أي أنه لا يقرر الأثر المباشر للحكم ولو كان المشرع يريد
إقرار الأثر الرجعي للحكم لا تكتفي بعبارة يترتب علي الحكم بعدم دستورية نص
في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه دون أن يحدد لترتيب هذا الأثر تاريخا
معينا هو تاريخ النشر إذ عندئذ فقط كان يمكن القول بأن المشرع يرتب علي
الحكم تعطيل تطبيق النص بصورة مطلقة أي سواء في المستقبل أو في الماضي .
(الدكتورة
/ فوزية عبد الستار في مقال بعنوان حول تعديل قانون المحكمة الدستورية
العليا منشور بجريدة الأهرام بتاريخ 3/8/1998 ومشار إليه بالمستشار الدكتور
عبد العزيز سالمان المرجع السابق ص 456) .
الترجيح بين الطرفين
نخرج مما تقدم بالحقائق التالية
أن الحكم الصادر من المحكمة
الدستورية العليا يحوز حجية مطلقة قبل الكافة سواء الجهات القضائية أو
السلطة التنفيذية أو التشريعية وهذا قضاء مستقر للمحكمة الدستورية العليا
فقد قضت المحكمة في حكمها الصادر بجلسة 10/3/1975 في الدعوى رقم 2 لسنة 2 ق
بأن للدعوى الدستورية شأناً غير شأن الدعاوى العادية لأن الخصومة فيها
عينية تستهدف الطعن في النص القانوني للحصول علي حكم بعدم دستوريته، ويكون
الحكم الصادر منها حجة علي الكافة طبقا للمادة 31 من قانون الإجراءات
والرسوم أمام المحكمة (يراجع مجموعة أحكام المحكمة العليا ج 1 ص 215 أيضا
الحكم في الدعوى رقم 4 لسنة 5 ق جلسة 3/4/1976 ذات المجموعة ص 403).
أما مقطع النزاع فهو في الأثر الرجعي للحكم ولا ريب لدينا مع إجماع الفقه
علي أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا يعدم القانون منذ لحظة
صدوره ذلك أن هذا القانون قد ولد ميتا منذ البداية وهذا يبرر الأثر الرجعي
للحكم ذلك أنه ما فائدة الحكم بعدم الدستورية إذا كان يفيد فقط من صدر
الحكم لصالحه أليس هذا افتئاتا علي حقوق المواطنين وإهدارا لمبدأ المساواة
بينهم .
لذا فإن الحجج التي ساقها فريق المعارضين للأثر الفوري المباشر للحكم أقوي وأرجح وأقرب لتحقيق العدالة والمنطق .
فضلا
عن أن الحكم بعدم دستورية قانون ما يقتصر أثر إفادته علي المخاطبين بالنص
غير الدستوري بعد الحكم بينما تهدر حقوق المخاطبين بالنص قبل الحكم بعدم
دستوريته رغم أنه صدر منذ البداية مخالفا للدستور وهذا ما لم يقل به أحد
وهذا عند القول بالأثر المباشر .
ذلك الحكم بعدم الدستورية هو حكم كاشف للنص أو القانون المخالف للدستور ليس حكما منشئا .
والمرجح
في حسم هذا الخلاف ليس المحاكم القضائية إنما الحسم مقرر للمحكمة
الدستورية وقد استقر قضاؤها واستقام علي أن الحكم بعدم الدستورية يسري بأثر
رجعي إلا ما اختصها به المشرع في التعديل الدستوري الأخير الصادر بالقانون
رقم 168 لسنة 1998 للفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة
الدستورية العليا .
ويترتب علي الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة
عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا
آخر حيث قررت المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها حيث ذهبت في
حكم حديث نسبيا إلي أنه مقتضي حكم المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية
العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم
دستوريته علي الوقائع اللاحقة لليوم التالي لتاريخ نشر الحكم الصادر بذلك
وكذلك علي الوقائع السابقة علي هذا النشر إلا ما استقر من حقوق ومراكز صدرت
بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضي ، أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم
الدستورية تاريخا آخر لسريانه، لما كان ذلك وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم
بعدم دستوريته الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 وعلي
ما انتهت إليه المحكمة في هذه الأسباب مؤداه إحداث خلخلة اجتماعية
واقتصادية مفاجئة تصيب فئات عريضة من القاطنين بوحدات سكنية تساندوا في
إقامتهم بها إلي حكم هذا النص قبل القضاء بعدم دستوريته وهي خلخلة تنال من
الأسرة في أهم مقومات وجودها المادي وهو المأوي الذي يجمعها وتستظل به بما
ترتب عليه من آثار اجتماعية تهز مبدأ التضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه
المجتمع وفقا لما نصت عليه المادة السابعة من الدستور .
إذ كان ذلك فإن
المحكمة ترى إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من
قانونها وتحدد لسريان هذا الحكم تاريخا آخر هو اليوم التالي لنشره بما
مؤداه أن جميع العقود التي أبرمت قبل هذا التاريخ إعمالا لحكم الفقرة
الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وتنزل منزلة هذه العقود
وتعد عقودا قائمة حكما الوقائع التي ترتبت علي وقوعها قيام التزام المؤجر
بتحرير عقد إيجار حيث كان يجب تحريرها فتظل قائمة ومنتجة لكافة آثارها
القانونية وفقا لنص الفقرة الثالثة من المادة 29 المشار إليها
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة
أولا : بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 .
ثانيا : بتحديد اليوم التالي لهذا الحكم تاريخا لإعمال أثره .
ومما يؤيد هذا النظر أنه لو كان الشارع يريد إعمال أثر الحكم الصادر من
المحكمة الدستورية العليا بأثر مباشر في سائر الأحكام لم يكن قد ذكر هذا
الاستثناء بقوله أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخا آخر
لسريانه
ولما ذكر أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا بأثر مباشر .
وهذا
يفهم منه أن حكم المحكمة الدستورية العليا في غير ما سلف ذو أثر رجعي غير
أنه بقيت مسألة وهي ما أثر الحكم الصادر بعدم دستورية قانون النقابات
المهنية رقم 100 لسنة 1993 المعدل بالقانون 5 لسنة 1995 علي المراكز
القانونية التي استقرت قبل صدور الحكم؟ .
وللإجابة عن هذا التساؤل نفرق
بين النقابات التي أجريت انتخاباتها بناء علي أحكام قضائية حازت قوة الأمر
المقضي وبين النقابات التي مازالت تحت الحراسة .
أولا : النقابات التي أجريت انتخاباتها بناء علي أحكام قضائية
لا
خلاف بين الفقه والقضاء قبل التعديل وبعده علي أنه كما عبرت المذكرة
الإيضاحية قبل تعديل الفقرة الثالثة من المادة 49 المشار إليها " يستثني من
هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز
قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم .
وكذلك المذكرة الإيضاحية
بعد التعديل بقولها قد أدي الإطلاق في تطبيق قاعدة الأثر الرجعي لأحكام
المحكمة في غير المسائل الجنائية إلي صعوبات متعددة في مجال التطبيق يندرج
تحتها الإخلال بمراكز قانونية امتد زمن استقرارها .. الخ .
وهكذا نري أن
هذا الحكم لا يؤثر علي مجلس نقابة المحامين ذلك أن الحراسة ألغيت عن نقابة
المحامين بمقتضي حكم حاز قوة الأمر المقضي ثم أجريت الانتخابات بناءً علي
أحكام قضائية واجبة النفاذ ،ومنها الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري
رقم 33096 لسنة 63ق و 33560 لسنة 63 ق و 34370 لسنة 63 ق و 34832 لسنة 63 ق
و 35303 لسنة 63 ق و 35471 لسنة 63 ق بجلسة 10/5/2009 من محكمة القضاء
الإداري الدائرة 2 أفراد ب ومن ثم اكتسب هذا المجلس مركزا قانونيا لا
يتنافي مع حكم المحكمة الدستورية العليا .
ودليلنا أنه عند صدور حكم مماثل بعدم دستورية قانون الجمعيات الأهلية عام 2000 لم يترتب عليه حل الجمعيات الأهلية المنتخبة .
ثانيا : النقابات التي مازالت تحت الحراسة
أري أن هذا الحكم الصادر في الدعوى رقم 198 لسنة 23 ق دستورية يلزم
الحكومة باتباع إجراءات الجمعيات العمومية التي نظمتها القوانين الخاصة
بالنقابات المهنية كل علي حدة لحين سن تشريع جديد ينظم انتخابات جميع
النقابات مع إتباع الإجراءات الدستورية لتمريره بإعداده وعرضه علي قسم
التشريع بمجلس الدولة ثم مجلس الشورى إعمالا للمادة 194 من الدستور بعد
تعديله عام 2007 ثم مجلس الشعب مع مراعاة تفادي العوار الدستوري في المواد
موضوع الطعن وإن لم تتعرض لها المحكمة الدستورية لعدم الطعن بعدم دستوريتها
مرة أخري.
وأري أيضا أن الطاعن يستفيد من هذا الحكم مباشرة بأنه يجب
علي اللجنة المشرفة علي انتخابات نقابة القاهرة الفرعية إعادة فرز الأصوات
في ضوء قانون نقابة المحامين الساري
وقت إجراء العملية الانتخابية 2001 .
هذا وبالله التوفيق
دكتور / أحمد رشاد طاحون
المحامي بالنقض