كشف السجين السياسي السابق سمير ساسي بتونس في هذا الحوار فظائع عن أعمال
التعذيب والتنكيل التي تعرض لها في سجون تونس في عهد زين العابدين بن علي،
وتعرض لها زملاؤه في حركة النهضة المعارضة، ووصف بدقة أصناف التعذيب التي
فاقت بشاعتها ما حدث في سجن أبوغريب العراقي، وقد سجن سمير ساسي لمدة عشر
سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها وذلك على خلفية نشاطه في
الجامعة، حيث كان ناطقا رسميا باسم الفصيل الطلابي التابع لحركة النهضة.
* عشر سنوات كاملة قضيتها بالسجن، هل يمكن أن تحكي لنا بعض يومياتك مع التعذيب والاستنطاق؟
* لقد سجلت كل ما تعرضت له شخصيا وما تعرض له رفاقي وإخوتي في تلك
المرحلة، وذلك في رواية عنونتها بالبرزخ، وهي المرحلة بين الحياة والموت،
وقد صدرت أخيرا بلندن وهي ممنوعة في تونس، كانت التجربة قاسية جدا، حيث أن
التعذيب بدأ خلال الأيام الأولى للاعتقال بمقرات وزارة الداخلية، حيث قضيت
فيها شهرين كاملين، في إطار التوقيف التحفظي، وقد تجاوز ذلك كل المدد
القانونية، وقد مورست علينا أنواع من التعذيب لم نكن نتصورها، مثل وضع
الدجاجة المصلية.
* ما معنى وضع الدجاجة المصلية؟
* أي أن تُعلق على شاكلة الدجاجة المصلية "المحمّرة"، حيث يقومون بربط
يدي السجين ورجليه ويقومون بتعليقة بشكل مقلوب. وهذا نوع من أنواع التعذيب
التي مورست علينا، وعندما يكون السجين معلقا بهذه الطريقة يقوم الجلادون
بضربه على الخصيتين، كما يقومون باستلال جهازه الذكري بخيط مما يشكل له
ألما بالغا فضلا عن الألم النفسي، كما يتم حرق السجين في أماكن مختلفة من
جسده بالسجائر.
* وفي هذه الحالة، هل يكون السجين مرتديا ملابسه بشكل عاد؟
* الملابس عليك أن تنساها منذ اليوم الأول الذي يتم فيها القبض عليك،
الملابس لا نستخدمها إلا بعد انتهاء حصص التعذيب والعودة إلى النوم.
* هل يجردون السجين تماما من ملابسه أم يتركون اللباس الداخلي على الأقل؟
* لا يتركون شيئا على جسد السجين، ويظل عاريا تماما طيلة اليوم، وهم يمررونه على أنواع التعذيب.
* وهل هناك أنواع أخرى للتعذيب؟
* نعم، هناك وضعية البانو وهو إناء كبير مملوء بماء وسخ فيه مختلف
القاذورات، ويتم ربط السجين على شكل الخروف عندما يذبح ويسلخ، حيث يربط من
القدمين، ويعلق بشكل مقلوب، ثم يتم غطس السجين في الإناء القذر، وهي طريقة
تشبه الإيهام بالغرق وهي معروفة في التعذيب، لكن في تونس هو إغراق حقيقي
وليس إيهاما فقط، حيث يبقى رأس السجين لعدة دقائق في المياه القذرة، ثم
يرفع لوقت قصير لكي يتنفس ولا يموت، والتنكيل يتواصل حتى وإن قدم السجين
اعترافات.
* ما هي الأمور التي يطلبون من السجين الاعتراف بها؟
* يطلبون معلومات عن الخلية التي ينشط فيها والأعضاء الذين يشتغل معهم
وينتزعون كل المعلومات المتعلقة بالتنظيم الذي ينشط فيه، وهذا التعذيب لم
ينته بانتقالنا من مقرات الداخلية إلى السجن، لأننا كنا نعتقد أن التعذيب
ينتهي مع الاستنطاق وأن مرحلة السجن لا تعذيب فيها، لكن يبدو أن القرار
اتخذ بالتنكيل بمساجين حركة النهضة حتى داخل السجن.
* كانوا يطلبون منا الإقرار باعترافات غريبة، حيث طلبوا منا الاعتراف
بسرقة دجاجة ليوهموا الرأي العام بأننا لسنا سجناء رأي، وأنا شخصيا عذبوني
من أجل الاعتراف بأني سرقت دجاجة، وأنا في البداية لم أكن على علم بهذه
المراوغة فلما سئلت قلت لهم إني قيادي في حركة النهضة، فمورست علي أنواع من
التعذيب، من أجل الإقرا ر بأني سرقت الدجاج.
* لماذا لم تقل لهم إني سرقت أربع دجاجات حتى تتخلص من التعذيب؟
* رفضت الإقرار بأني سرقت الدجاجة، لأنني أدركت أن كل ذلك كان خطة
لإهانة سجناء حركة النهضة، حيث كانوا يريدون إذلالنا وإهانتنا بالقول أننا
سرقنا الدجاج. كنا نحرم من الفراش، ونضطر للنوم على الأرض، وكان يضيق علينا
في الزيارات، وكنا نتعرض إلى التفتيش المهين، أثناء الزيارات.
* كيف ذلك؟
* حين ينادى على السجين بالزيارة، يتم توقيفه في غرفة وينزع عنه كل
الثياب، ولا يستحوا أن يفعلوا ذلك مع ثلاثة أو أربعة من السجناء في ومكان
واحد، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يقوم العون المكلف بالزيارة بلمس
السجين في أماكن حساسة من جسمه، فإن أبدي تعنتا ومقاومة يحرم من الزيارة،
لذلك يفضل السجين أن يمس في خصيتيه وجهازه الذكري على أن يعود أهله إلى
البيت دون رؤيته، علما أنه لا يوجد سجين في حركة النهضة يقيم في السجن الذي
يتبع ولايته. فأنا مثلا من مدينة قفصة، لكن قضيت فترة عشر سنوات في سجون
بعيدة عن ولايتي، وكانت الزيارة تأتيني كل شهرين نظرا لبعد المسافة وظروف
العائلة.
* كم مرة تعرضت لهذه المعاملة المهينة؟
* مرتين في سجن 9 أفريل الذي تم هدمه، ثم انتقلت إلى سجن بنزرت، أين
كان التفتيش أقل إهانة، حيث ينزع السجين ثيابه، لكن العون لا يلمسه كما
يحتفظ السجين بلباسه الداخلي.
* وغيرك، هل تعرضوا للكثير من هذه الممارسات؟
* نعم الكثير منهم تعرضوا لذلك، وقد استمر هذا الوضع طويلا إلى غاية
سنة 1996. وكانوا يتعمدون نقلنا كل شهر أو شهرين من سجن إلى آخر؟
* لماذا؟
* من أجل ألا يستقر السجناء نفسيا ولا يربطون علاقات مع المساجين،
وكانوا يحرموننا حتى من الحديث بيننا ويحرموننا من الصلاة جماعة، ومن الأكل
الجماعي، وفي أحسن الحالات نأكل مثنى مثنى، وعندما نسجل مخالفات لهذه
القوانين الجائرة يعمدون إلى عقابنا بالسجن الانفرادي أو "السيلون" لمدة
عشرة أيام، حيث يملأونه بالماء وتنزع ثياب السجين لمجرد أن يقوم المدسوسون
في السجن بنقل معلومات عن سجين يكلم آخر.
* ولدي العديد من الحوادث الموثقة في هذا المجال، حيث أن أحد الإخوة
الذي كان ممنوعا من الحديث إلى السجناء حول إلى السيلون، لأنه شوهد ينظر
إلى حبل الغسيل فسجن في الحبس الانفرادي بتهمة الحديث إلى حبل الغسيل. وهي
حادثة وقعت وقمت بتوثيقها.
* وهناك حادثة أخرى تثير الضحك والبكاء في نفس الوقت، حيث طلب بعض
السجناء من إدارة السجن توفير ساعة حائطية لمعرفة الوقت، فقامت الإدارة
بمعاقبتهم بتهمة العمل على تنظيم الوقت... كانت هناك أشياء لا يصدقها
العقل.
* هذه الفظائع هل كانت تخرج إلى وسائل الإعلام؟
* خلال السنوات الأولى لم تكن هذه الفظائع تخرج من السجن، لكن بعد ذلك
بدأت المنظمات الحقوقية تتكلم عما يجري في سجون تونس، وفي سنة 1996 قمنا
بإضراب جماعي عن الطعام، واضطرت السلطة إلى أن تغير المدير العام للسجون،
وتنفتح قليلا فانقطع عنا التعذيب، وأصبحنا نتمتع ببعض الحقوق وبات بإمكاننا
الحصول على الفراش بعد أن كان ذلك متعذرا علينا، وفي أحسن الحالات كنا
ننتظر ثلاثة أشهر حتى نحصل على الفراش، خاصة في السجون الكبرى.
* أنت ذكرت نوعين من التعذيب، طريقة الدجاجة المصلية وطريقة الخروف، هل هناك طرق أخرى؟
* من بين طرق التعذيب الضرب العادي والحرق، وفي سجل نابل تعرض أعضاء من
حركة النهضة إلى نوع مقزز من التعذيب، حيث تم إجبارهم على مفاحشة بعضهم
البعض، غير أن السجناء رفضوا فعل ذلك وأكبر ما وصلوا إليه أنهم جعلوا
السجناء يركبون فوق بعضهم بشكل مشابه لما أظهرته الصور المهربة من سجن أبو
غريب بالعراق.
* ومن بين طرق التعذيب النفسي أنهم يقومون بتجريد السجين من الثياب
أمام زوجته وأحيانا أمام أمه. ويهددون السجين بتعرية زوجته إن لم ينزع
ملابسه