لا يختلف حتى خصومه، على أن د. عبد الحليم مندور طراز فريد من المحامين، فهو وفدي النشأة ، ثم انخرط في صفوف حركة "مصر الفتاة" القومية ، ثم دخل السجن بعد أن اصطدم ببعض قادة ثورة يوليو، وبدأ مسيرة العمل السياسي والعام من باب المحاماة ، فتخصص في الدفاع عن المعارضين .. كل المعارضين، بمختلف درجات الطيف السياسي ، من |
ومندور رغم سنوات عمره التي تخطت السبعين ، لم يزل يمتلك أدوات المقاتل الشرس ، كما لم يفقد القدرة على "الأحلام" الممكنة بل والمستحيلة أحياناًً ، فها هو يبدأ - في هذا العمر - معركة رئاسة مشروع حزبي جديد ، هو حزب الإصلاح الذي رفضته لجنة شئون الأحزاب في مصر ، وهي تجربة مغايرة تماماً لتجاربه السياسية السابقة ، فإذا كان من الممكن أن نتفهم أسباب دفاعه عن ممثلين لكافة القوى السياسية استناداً لمقتضيات مهنية أو إنسانية ، إلا أن الحديث عن رئاسة حزب سياسي أصولي التوجه والوجوه ، أمر يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الرجل والتجربة التي تقدمها "إيلاف" لقرائها :
وتناول معنا د. مندور ما وصفه بالمغالطات التاريخية ، والأخطاء التي شابت تدوين وقائعه المعاصرة , مؤكداً أن معظم الأحداث التي شهدتها مصر منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن لم يتم الكشف عنها لأسباب تتعلق بالمراحل السياسية التي مرت بها البلاد.
وأكد د. مندور أنه يعتزم كشف جميع هذه الحقائق وسرد كافة التفاصيل التي يعلمها من خلال مذكراته التي يكتبها حاليا والتي تحمل اسم "طائر في عنقي" مشيرا إلى أن ما تحت يديه من وثائق ومعلومات تعتبر أمانة في عنقه ينبغي عليه كشفها للأجيال القادمة.
وأضاف د. مندور أن جميع الذين كتبوا عن هذه الأحداث مثل ثورة 23 يوليو والاغتيالات السياسية الكبرى لم يذكروا الحقائق وأن جميع ما ذكروه كان مجرد اجتهادات أو تزييف للحقائق, وضرب مثالا على ذلك حادث اغتيال الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات مؤكدا أن جميع الذين كتبوا عن حادث المنصة لا يعرفون كيف قتل السادات ومن الذي قتله .
وأوضح أنه باعتباره أحد أبرز المحامين الذين ترافعوا في هذه القضية فقد تمكن من الانفراد بجميع المتهمين مما أتاح له الفرصة لمعرفة أدق وأخطر التفاصيل والتي لم تنشر حتى الآن ولم يتمكن أحد من الاقتراب منها باعتبارها منطقة محظورة لما تحمله من أسرار سياسية وعسكرية.
وأضاف د. مندور أن المجموعة التي قامت بتنفيذ عملية الاغتيال لم تكن تتحرك وفق تخطيط محكم للغاية كما قيل, أو أن الأمور كانت تسير معهم بالعناية الإلهية.
وأوضح أن ذلك لا يقلل من شأن الذين قاموا بتنفيذ العملية لأنهم لم يكونوا على علم بالأيادي الخفية التي تساعدهم, وتذلل لهم العقبات تمهيداً لتنفيذ عملية الاغتيال بالشكل الذي ظهرت به.
وفجر د. عبدالحليم مندور مفاجأة من العيار الثقيل حيث أكد أن أن خالد الإسلامبولي ورفاقه لم يتمكنوا من إصابة الرئيس الراحل أنور السادات بأية إصابة قاتلة مؤكداً أن التقارير الطبية التي تحت يديه تكشف أن الإصابات التي لحقت بالسادات لا تتجاوز ثلاث طلقات.. اثنتان منها في قدمه والثالثة مرت بجوار عظام الصدر واستقرت بالكتف وتحديدا عند "الترقوة".. ومن ثم فإن التقارير الطبية تثبت عدم إصابته بأية إصابة قاتلة من هؤلاء.
والأخطر من ذلك أن د. مندور أكد أيضاً أن السادات لم يمت من إطلاق النار عليه في المنصة من الأصل حيث إنه نقل من مسرح الحادث إلى المستشفى وهو لا يزال على قيد الحياة مشيرا إلى أن عملية نقله من المنصة إلى المستشفى استغرقت أكثر من 45 دقيقة..!!
وأشار د. مندور إلى أنه يعتزم نشر كافة الحقائق التي تتعلق بهذا الحادث والعديد من الأحداث التاريخية الشهيرة الأخرى موضحا أنه سيكشف ما يمكنه بينها سيكتفي بالتلميح ووضع علامات الاستفهام أمام الأحداث الأخرى التي ينبغي عليه كشفها ولكنه سيقوم بكتابة كافة التفاصيل التي تتعلق بها على أن يتم نشرها في الوقت المناسب .
وفي مكتبه الذي يقع أمام "محكمة عابدين" بميدان الأوبرا وسط القاهرة ، حيث يمكنك أن تلتقي بعشرات المحامين ، ليس من الضروري أن يكونوا جميعاً من العاملين بمكتبه ، بل ربما كان معظمهم لا تربطهم به صلات عمل على الإطلاق ، لكن تجمعهم روابط أخرى كالزمالة .. أو التلمذة .. ، أو أن مكتبه كما يؤكد هو لم يعد ملكه وحده ، فقد أصبح المحامون يطلقون عليه "نقابة المحامين الشعبية" ، وساهم في هذا وجوده أمام واحدة من كبريات المحاكم المصرية التي لا يكاد المرء يجد موضعاً لقدمه بها من فرط الزحام ، أثناء ساعات الدوام الرسمي ، ومن قلب هذا الزحام ، وعلى الرغم منه ، التقت "إيلاف" به لتجري معه واحداً من حواراته النادرة :
* من أي محطة يفضل عبد الحليم مندور أن يقدم نفسه ؟
من محطة التكوين ، وتحديداً سنة 1946 حينما كنت طالباً وعضواً في لجنة الطلبة والعمال لحزب الوفد ، وقد اشتركت في إحراق ثكنات قصر النيل التي أجبر بعدها الإنجليز على مغادرة القاهرة والذهاب لمدن القناة ، وفي 48 يوم الجلاء عندما خرجت المظاهرة الشهيرة من الأزهر يتقدمها القساوسة والشيوخ ، واتجهت إلى ثكنات قصر النيل ، حيث أحرقها عامل بسيط مجهول ، وفي 10 أكتوبر بعد إلغاء المعاهدة خرجت مظاهرة من النادي السعدي وهو نادي الوفد ، وكنت على رأسها أنا وأحمد بدر الدين عبد الله وسعد زغلول فؤاد وهو صحفي كان يعمل في مجلة "المصور" ، وتلت ذلك مظاهرات في ميدان عابدين والأحياء الشعبية تهتف بسقوط الملك ، واعتقلت في 2 مارس سنة 1952 ، والذي اعتقلني هو أحمد رشدي وزير الداخلية الأسبق الذي كان حينئذ ضابط مباحث قسم السيدة زينب ، وكنت في طريقي لطباعة منشور في صوت الأمة لتوزيعه في الجامعة ، ثم قامت الثورة .. التي لم تكن ثورة بل انقلاب عسكري ، ولم يكن هؤلاء ضباطاً أحراراً ، ولكنهم عندما عادوا من فلسطين من المعتقل بعد حصار الفالوجا في فلسطين ، كانوا حاقدين على الملك ، ويعتقدون أنه احضر أسلحة فاسدة ، وكانت النتيجة أن اليهود تفوقوا على سبع جيوش عربية ، ونسب الضباط هذه الهزيمة للملك مع أنه برئ من هذه الهزيمة ، وأعلن عن قيام الثورة الساعة 7 صباحاً قطع الإرسال وأذيع اللواء محمد نجيب البيان ، ثم أعاد السادات تلاوة البيان الساعة 10 صباحاً ، وأذكر يومها أنني بكيت رغم إطلاق سراحنا ، فقد كنت حينئذ وفدياً حتى النخاع ، تربيت في مؤسسات مدنية تؤمن بأن العسكر عندما يأتون لا يرحلون ، وفي 10 أكتوبر جاء محمد نجيب يزور الجامعة وكان معه جمال عبد الناصر ، وصلاح سالم وكمال الدين حسين ، ودارت مناقشات حامية ، وكان عبد الناصر هو الذي يتصدى للرد على تساؤلات الطلبة ، وفوجئت بالبوليس الحربي يقتحم منزلي ليلتها ، ويقوم باعتقالي ، وهناك وجدت عشرات من زملائي في الجامعة ، وقيل لنا أن من سيكتب إقراراً بعدم العمل بالسياسية سيفرج عنه فوراً ، وبالطبع لم يكتب أحد منا شيئاً من هذا الذي طلبوه منا .
? لنبدأ من المحاماة ثم ننتقل إلى السياسة لاحقاً ، متى بدأتها ومن هم أساتذتك ؟
بدأت المحاماة متأخراً قليلاً لأن السياسة اختلطت بالمحاماة كما اختلطت بالدراسة فعطلت دراستي كثيراً ، لأنني فصلت من الجامعة مراراً ، وقبل الثورة اعتقلني نجيب الهلالي باشا ، وكان سكرتير عام الوفد ، وعندما قامت الثورة كنت داخل المعتقل فأخرجني عبد الناصر يوم 26 يوليه ، ورجعت للجامعة وفوجئت في 10أكتوبر سنة 52 بحضور محمد نجيب ومعه عبد الناصر وصلاح سالم ولم نكن وقتها نعرفهما ، لزيارتنا في الجامعة ، وطالبنا بنفس المطالب التي كنا نطالب بها قبل الثورة وهي عودة الجيش لثكناته وقيام جمعية تأسيسية لوضع دستور للبلاد ، وعودة الحياة النيابية . المهم تخرجت في كلية الحقوق عام 1954 وعملت بعدها بالمحاماة مباشرة ، ولم أتدرب بمكتب أي من الأساتذة ، وأول قضية لا أنساها حيث أنني وقتها حلفت اليمين ولم أكن قد استلمت الكارنيه وكانت قضية عمال ، وكان الخصم فيها المحامي الشهير جاد العبد جاد وأنا كنت وجهاً جديداً ، ولم يرني من قبل في المحاكم ، لذا فقد اشتبه في شخصي ، فقال للقاضي أنني جاد العبد جاد وأخرج كارنيه النقابة ، وطلب من القاضي أن يتأكد من أني محام ، فقال القاضي محتداً : "هل ستطلب مني الكارنيه الخاص بي أيضاً ؟! " .
? متى بدأ مشوارك مع القضايا السياسية ؟
(مبتسماً) مشواري بدأ كمتهم ، ويبدو أنه سينتهي هكذا ، بدأ كمتهم عندما اتهمت أنني أخطط لتأسيس ما يسمى بالجبهات الشعبية وكانوا سيقدمونني لمحكمة عسكرية كانت تسمى أيامها محكمة الثورة ، ومعي ستة من زملائي الطلبة ، ولولا أنه كان معي تسجيل لكمال الدين حسين عندما جاء الجامعة ونحن معتصمون وناقشته وقلت له أننا نريد أن نضع دستور جديد وتجرى انتخابات ، فرد قائلاً بتهكم "عايزين انتخابات علشان تيجي زينب الوكيل أم تحية كاريوكا؟" ، فقلت تأتي تحية كاريوكا إذا اختارها الشعب .
تتبع الباقي